الجمعة, شوال 24, 1445  
 

التوضيح في بيان حال الانجيل و المسيح

(مسيح الأناجيل معطّل لحدود الناموس ومبطل لها من غير سبب ولا علة وهو من أكبر الخطايا)

الباب الأول

 

 

 

  



(1) (يسوع الأناجيل كاذب مفتري والكذب من اعظم الخطايا)

قد مرّ عليك بعض ذلك في حديث قيامه من القبر ومدة بقائه فيه ونزيدك هنا، انكاره كونه من نسل داود مع اعتراف الأناجيل به اجمع وتسالم المؤرخين بل العالم كلّه عليه.

____________

1- الضحى: 7.

ففي اصحاح (22) من (متى) واصحاح (12) من (مرقس) واصحاح (20) من (لوقا) ما نصه: قال يسوع كيف يقولون ان المسيح ابن داود، وداود نفسه يقول بالروح القدس في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اجعل اعداءك موطئاً لقدميك فإذا كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه انتهى. فان كان المراد نفي النبوّة الجسمانية فقد عرفت انه ضروري الكذب باتفاق الأمم أجمع من اليهود والنصارى وغيرهم كيف وقد اعترف هو بنص الأناجيل انه ابن داود في مواضع منها قول الملاك لمريم لما احبلها.. ويعطيه الإله كرسي أبيه داود، وان كان المراد نفي البنوّة الروحية وانه من روح الله لا من روح داود فهذا جهل وغلط لأن البنوّة هي عبارة عن التوالد الجسماني لا الانبثاق الروحاني وإلاّ فجميع البشر أرواحهم من الله تعالى على انه قد حرف الآية فان الثابت في المزمور العاشر بعد المائة: (أوحى الله لسيدي) فانظر كيف كذب وحرف.

(الكذب الثالث) ما في سابع انجيل يوحنا ما نصه: قال لاخوته اصعدوا انتم إلى هذا العيد وانا لست اصعد بعد إلى هذا العيد قال لهم هذا ومكث في الجليل وما كان اخوته قد صعدوا صعد هو أيضاً إلى العيد، هـ. فهل تجد كذباً أوضح من هذا.

(2) (يسوع الأناجيل كاذب مغيّر للناموس مبدّل لأحكام الله وهذا من أكبر الخطايا)

إعلم أن التوراة قد اشتملت على عدة آيات صريحة في تمجيد شرايعها وأحكامها وانها صالحة لان تكون بصفة دائمة قانوناً للخليقة، ونواميس حافظة لنظام الحقيقة، وانها الحياة للانسان وبها سعادته، ففي العشرين من حزقيال عن الله جل شأنه في بعض ما قاله لليهود: واعطيتهم فرائضي وأحكامي التي ان عمل بها

الإنسان يحيى.. وفي تاسع نحميا: (اعطيتهم أحكاماً مستقيمة، وشرايع صادقة، وفرائض ووصايا صالحة) إلى كثير من امثال ذلك واليسوع لما قام بالدعوة قام بصفة واعظ يدعو إلى اتباع الناموس أي التوراة ويحثّ الناس على العمل بها لا انه صاحب شريعة وأحكام كما اعترف بذلك حسبما نقل عنه في انجيل (متى) الاصحاح (5: 17) لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لاكمل (18) فاني الحق أقول لكم إلى ان تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل (19) فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات انتهى. ثم جاء هو وتلاميذه فنقضوا جميع الوصايا تدريجاً بل نقضوا كل حرف من حروف التوراة ولم يبق عندهم من شريعة موسى الصالحة رسم ولا أثر فاباحوا كل شيء وحكموا بطهارة كل شيء، وأول من سن لهم ذلك يسوع نفسه في عدة مواضع منها في (19: 18) (متى) حيث قال لواحد ان اردت ان تدخل الحياة فاحفظ الوصايا وعدد خمساً من الوصايا العشر لموسى (لا تقتل، لا تزن، لا تسرق) إلى آخرها ثم في مقام آخر نقضها ثم جاء تلاميذه فحللوا جميع الحيوانات التي حرّمتها التوراة كما في العاشر والحادي عشر من (أعمال الرسل) وعلّلوه بالاستحسان وطلب جلب الناس إلى التنصر برفع التكاليف عنهم واطلاقهم من كل قيد سوى تحريم أربعة أشياء (الزنا، أكل الدم، أكل المخنوق، أكل ما ذبح للاوثان)، ثم تغير نظر بولس بعد ذلك فأحل الثلاثة الأخيرة أيضاً فقال في رسالة (تيموثاوس) الأولى عدد (4) ما نصه بعد الحكم بحلية ما سبق (لان كل خليقة الله جيدة ولا يرفض شيء منها إذا اخذ مع الشكر) ومن هنا تجد النصارى إلى اليوم يأكلون كل حيوان حتى الحيوان الصدفي المخاطي الذي تعافه حتى الكلاب والسنانير، أما المسيح نفسه فقد أبطل الختان وحرم الطلاق، وأبطل السبت وتعدد الأزواج وكلها من

اصول الناموس فأين قوله إلى ان تزول السماء والأرض ولا يزول حرف واحد من الناموس ولا نقطة واحدة منه، فهل هذا إلاّ الكذب البواح، والافك الصراح، والتلاعب بالدين.

(3) (مسيح الأناجيل كاذب محتال، ومخادع، دجّال، وذاك من أكبر الخطايا)

ففي عدد (27) من الاصحاح التاسع عشر من (متى) قال له بطرس: قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا (28) فقال يسوع الحق أقول لكم انتم الذين تبعتموني في التجديد. متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون انتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر.

(فيا أيها المسلم) قل للمبشر ان كان مراد مسيحك بجلوسه مع تلامذته الاثني عشر على كراسي المجد وقوعه في الدنيا فهو كذب بحت ضرورة انه ما جلس هو ولا أحد تلاميذه على كرسي من كراسي الملك والمجد ولا دان لاحدهم سبط من الأسباط وان كان المراد بالآخرة فكيف يعقل هذا؟ مع ان أحد الاثني عشر بنصوص الأناجيل كلها يهوذا الاسخريوطي الذي سلمه للصلب ونزلت به عقوبة من السماء اهلكته بالعذاب كما في أوائل (اعمال الرسل) فهل من جهل أو كذب أو خداع أعظم من هذا؟

(4) (مسيح الأناجيل معطّل لحدود الناموس ومبطل لها من غير سبب ولا علة وهو من أكبر الخطايا)

ففي أول الاصحاح الثامن من يوحنا قصة حاصلها ان جميع الشعب جاءوا إليه وقالوا يا معلم هذه المرأة امسكت بالزنا وهي تزني في ذات الفعل وموسى في

 

الناموس أوصانا ان مثل هذه ترجم فماذا تقول، فقال: من كان بلا خطيئة فليرمها بحجر فما رماها أحد ثم رفع يسوع رأسه فقال يا امرأة أما دانك احد فقالت: لا أحد يا سيد فقال لها يسوع ولا انا ادينك اذهبي ولا تخطأي أيضاً... وأنا لا أدري كيف نسي قوله إلى ان تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس، وقد أكّدت التوراة وشدّدت في إقامة الحد على الزانية بما لا مزيد عليه، وقد عطّل سيدنا المسيح حدّاً من حدود الله من غير سبب ولا توبة ولا كفارة، ثم في قوله وأنا لا أدينك أيضاً بعد قوله: من كان بلا خطيئة فليرمها صراحة بكونه من أهل الخطايا أيضاً وإلاّ لدانها فالواقع لا يخلو منطقياً من أحد أمرين أما ان يكون ذا خطيئة فيكون عذراً في عدم اقامته للحد عليها أو يكون منزهاً عن الخطيئة فيكون قد عطل الحد وأبطل الناموس وهذا من أكبر الخطايا، وقد تم لك إلى هنا ما يقرب من عشر كذبات للمسيح مضافاً إلى الخطايا الأخر.

(5) (مسيح الأناجيل قاطع الرحم عاق لامه واخوته مفرّق بين الأقارب)

أليس احتقار الأم وانتهارها عقوق لها؟ أليس يوحنا يقول في الاصحاح الثاني: لما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر (4) قال لها يسوع مالي ولك يا امرأة لم تأت بعد، فهل يصلح مثل هذا الانتهار والخطاب بالوالدة التي تقضي النواميس كلها بوجوب كرامتها واحترامها؟ وما اكتفى بذلك حتى كان احياناً يعرض عنها وينكرها ويبخل عليها حتى بالكلام فضلا عن البر والاحترام، ففي آخر الثاني من (متى) فيما هو يكلم الجموع إذا أمه واخوته وقفوا خارجاً طالبين أن يكلّموه فقال له: هوذا امك واخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك، فاجاب: من هي أمي ومن هم أخوتي؟ والافظع من ذلك انه مد يده نحو تلاميذه، وقال: ها امي واخوتي، بل كان يأمر ببغض الأب والأم والأولاد

والأُخوة والأخوات كما في (14) (لوقا)، فهل تجد من قطع وامتهان أسوأ من هذا، فديتك يا فرقان محمد(صلى الله عليه وآله) بكل ما انزل من السماء أو صنع على الأرض ـ إذ تقول: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيّاً * وَ جَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَ أَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَ الزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَ بَرَّاً بِوَ الِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً)(1).

نعم ما اكتفى اليسوع بكل ذلك حتى صار يأمر ويحث غيره على التقاطع والتفرقة حيث قال في عاشر (متى): اني جئت لافرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، واعداء الإنسان أهل بيته، وما كفاه هذا القدر من تفريق الكلمة، وتشويش نظام العائلة، حتى قال: ما جئت لالقي سلاماً على الأرض بل سيفاً... ثم زاد فقال كما في ثاني عشر (لوقا): جئت لالقي ناراً على الأرض ثم قال: اتظنون اني جئت لاعطي سلاماً على الأرض كلا بل أقول لكم انقساماً... أفهذا يصلح أن يكون مخلصاً؟ أم الذي يقول الحق فيه: (وَ مَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(2)، فالحق ان هذا مخبط ومخبص، لا منقذ ومخلص.

(6) (مسيح الأناجيل مخبط ومخلط، متناقض الأفعال والأقوال)

سأله رجل: أيها المعلم الصالح ماذا اعمل لارث الحياة الأبدية فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلاّ واحد وهو الله. كما في عاشر (مرقس) ومثله في (متى)، وبينا ينهى ان يدعوه أحد صالحاً، وإذا به يقول مفتخراً كما في عاشر (يوحنا): أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف، وما اكتفى بذلك حتى تحرش فافحش فجعل غيره من الأنبياء السابقين لصوصاً وسراقاً فقال في ذاك الاصحاح بعينه: الحق أقول لكم اني انا باب الخراف وجميع الذين اتوا قبلي هم سراق ولصوص.. وما اعظمها وافظعها من اثم وخطيئة.

____________

1- مريم: 31.

             2- الأنبياء: 107.

(7) (مسيح الأناجيل ملعون)

قال بولس في غلاطية: المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة.. ومعلوم لديك ان اللعنة لا تكون إلاّ على الاثيم الذميم المرتكب لاكبر الخطايا والجرائم.

(8) (نعم يسوع الأناجيل كان يرتكب الجرائم، ويقترف المآثم، فكان يأخذ أموال الناس ظلماً وعدواناً)

ولهذه الدعوى شواهد من الأناجيل مبثوثة في أكثر الأبواب ولكني اكتفي بقصة الجحش والاتان فان فيها فكاهة.

لا يخفى ان الأناجيل اتفقت على نقل قصة الجحش التي حاصلها ان يسوع أمر اثنين من تلاميذه ان يذهبا إلى قرية كانا في خارجها وقال لهما: انكما ستجدان جحشاً مربوطاً فحلاه وأتياني به فإذا انكر صاحبه فقولا له: ان الرب محتاج إليه(1) فذهبا وفعلا ما امرهما يسوع وجآءا بالجحش وطرحا عليه ثيابهما فركب عليه يسوع وسار... ولا يهمنا انها على بساطتها أو ان اليسوع أراد أن يطبّق على نفسه من التوراة آية زكريا في كتابه: ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت اورشليم، هو ذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وراكب على حمار وعلى جحش ابن اتان(2). ولا يهمني ان الآية تنطبق عليه أم لا، انما الغرض اني لا أدري

____________

1- إلاّ واني ابرأ من رب محتاج ولا اعبد إلاّ رباً غنياً.

2- لا يخفى بعد الذي مرّ عليك من كلمات يسوع ان هذه الآية بمعزل عنه وانها لا تنطبق عليه بتاً فانه يقول في آخرها ويقطع قوس الحرب ويتكلم بالسلام للامم، اين السلام وهو يقول ما جئت لالقي سلاماً بل سيفاً وتارة بل ناراً وتارة انقساماً، فقد نفى الآية عن نفسه بنفسه، وشهادته اوثق على نفسه من شهادة الجحش والحمار.

 

 

كيف استباح ركوب الجحش من دون اذن صاحبه بل مع ظهور انكاره كما يظهر من سياقها.

والفكاهة المضحكة ان (متى) لم يتدبّر آية زكريا فحرف فيها تحريفاً طريفاً فقال في العدد الثاني من اصحاح (21): ان المسيح قال لاثنين من تلاميذه اذهبا إلى القرية التي امامكما فالوقت تجدان اتاناً مربوطة وجحشاً معها فحلاهما وأيتاني بهما (3) وان قال لكما أحد شيئاً فقولا الرب محتاج إليهما إلى أن قال فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع (7) واتيا بالأتان والجحش(1) ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما. وفي بعض النسخ (فاجلسوه عليهما) وسار.. وليت شعري، ولا أدري كيف يركب انسان واحد على دابتين في وقت واحد اللهم إلاّ أن يكون قد اركبوا الجحش على الاتان وركب يسوع على الجحش وهو شيء بديع، ما أظن وقع مثله في العالم، ولا بدع فمسيح الأناجيل لا زال يأتي بالعجائب فلتكن هذه إحدى عجائبه ـ نظير صلبه بين لصين مكللا بأكليل الشوك ثم يقوم من القبر بعد ثلاثة أيام بشهادة مريم المجدلية التي كان قد اخرج منها سبعة شياطين.

(9) (مسيح الأناجيل جبار متكبّر مسرف مبذر)

ففي (37) من (7) (لوقا) وإذا امرأة في المدينة كانت خاطئة إذ علمت انه متكي في بيت الفريسي جاءت بقارورة طيب (38) ووقفت من ورائه باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحها بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب وقال الفريسي: لو كان نبياً لعلم من هذه المرأة التي تلمسه انها خاطئة، أقول ما سمعنا في شيء من النبوات، ان نبياً تقبل رجليه المومسات، وتسكب على قدميه قارورة

____________

1- هنا موضع الغلط والاشتباه من (متى) فانه توهم ان العطف في آية زكريا عطف نسق يوجب التعدد ولم يفهم ان عطف بيان وتفسير فوقع في تلك المضحكة وهو لا يدري.

طيب ناردين خالص كثير الثمن قيمته ثلاثمائة دينار كما في (12) يوحنا فهل هذا إلاّ فعل جبار متكبّر مسرف، نعم ربهم اليسوع بجزئه الناسوتي تجري عليه جميع صفات وكان يومئذ شاباً وسيما ابن ثلاثين سنة أو دونها فلعله صبا إلى تلك الخاطئة كما صبت هي إليه، فمرغت وجهها وشعرها على قدميه، ويظهر من بقية اصحاح (لوقا) انه كان يشتهي ان يقبلها وتقبله ولكن الظروف ما سمحت بذلك لرقابة الفريسي ويهوذا الاسخريوطي فان اليسوع قال في مراجعته لسمعان المعترض كما في عدد (44) من ذلك الاصحاح أما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها (45) قبلة لم تقبلني إلى آخر ما هناك من حديث القبلة وكانت الغاية ان قال لها ايمانك خلصك فاذهبي بسلام، وياله من ايمان تقبل به الأقدام، وتمحى به الخطايا والآثام.

(10) (مسيح الأناجيل لا قداسة فيه، ولا كرامة، ولا امانة)

أما عدم القداسة فلانه لم يقدس جلال الله وعظمة كبريائه عن أدناس الطبيعة وأرجاس البشرية، حيث جعل الأب فيه وهو في الأب فقال كما في (10) يوحنا: الأب في وأنا فيه، واني انا في الأب والأب في، والأب الحال فيّ هو يعمل الأعمال بعد قوله لا تدعوني صالحاً ليس صالح إلاّ الله، وانه اله واحد وليس آخر سواه.

وأما عدم الكرامة، فانه لم يكرم واحداً من الأنبياء السابقين عليه بل أهانهم وحقّرهم حتى جعلهم سراقاً لصوصاً كما مرّ عليك قريباً، وأما عدم الأمانة فلانه أئتمن الخائن السارق وهو يهوذا الاسخريوطي الذي كان أولا من أخص أصحابه واسلمه اخيراً للصلب وكان يسوع لا يزال بخير بخبث نيته وسوء سريرته، فكيف جعل صندوق الأموال عنده؟ كما صرّح به في (12) يوحنا عدد (6)

 

 قال هذا (أي يهوذا)(1) ليس لانه كان يبالي بالفقراء بل لانه كان سارقاً وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقى فيه، أي يسرق منه، فهل هذا إلاّ تعمد على ائتمان الخائن والوثوق بالسارق.

(11) (مسيح الأناجيل يغازل النسوان، ويجلس في حضنه الغلمان)

أما مغازلة النسوان فيشهد له مضافاً إلى ما سبق من حديث القارورة ـ التي ليست هي منه بأول قارورة ـ ما في (11) من يوحنا عدد (5) وكان يسوع يحب مرثا واختها ولعازر. اقول: ويستشف من وراء ستار الأناجيل انه له معهن شؤون. وأما جلوس الصبيان في حضنه ففي (13) يوحنا عدد (23) وكان متكئاً في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه.

(12) (يسوع الأناجيل يستعمل الظلم، والعدوان فيدخل الشيطان في الإنسان، وفي الحيوان، بل يدخل الظلم والبوار حتى على الأشجار)

أما ادخاله الشيطان في الانسان فانه هو الذي ادخله في يهوذا الاسخريوطي الذي هو من الحواريين الاثني عشر الذين اختارهم يسوع بنفسه ففي (13) يوحنا عدد (26) في جواب من سأله عن الذي يسلّمه للصلب أجاب يسوع: هو ذاك الذي اغمس اللقمه وأنا واعطيه فغمس اللقمة واعطاها ليهوذا الاسخريوطي فبعد اللقمة دخله الشيطان.. والعجب كيف اختاره من السبعين وهو يصرح بعلمه انه شيطان ففي آخر السادس من يوحنا (70) اجابهم يسوع: أليس اني انا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان؟... فما ادري اذاً لماذا اختاره أيريد أن يقع الشر والفساد في الأرض؟

____________

1- وهذا اشارة الى الاعتراض في مسألة قارورة الطيب.

وأما ادخاله الشيطان في الحيوان ففي ثامن (متى) وثامن (لوقا) وخامس (مرقس) عجيبة من عجايب ربهم اليسوع حاصلها انه لما جاء إلى القبر استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً فصرخا قائلين ما لنا ولك يا يسوع ابن الله أجئتنا قبل الوقت لتعذبنا وكان بعيداً منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى فالشياطين طلبوا إليه قائلين ان كنت تخرجنا فأذن لنا ان نذهب إلى قطيع الخنازير، فقال لهم: امضوا فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير، وفي (لوقا) انها نحو الفين، وإذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف إلى البحر ومات في المياه أما الرعاة فهربوا انتهى.

أقول: مسكينة أنت ايتها الخنازير، ما أدري بأية جناية وخطيئة، وقعت عليك هذه البلية، أغرق يسوع أولك بالبحر بعد أن أدخل فيك الشياطين، وسلط على نسلك لامته الخناجر والسكاكين، فهل كان الاذن بدخولها إلاّ ظلماً وعدواناً؟ وقد سرى هذا الظلم وتلك القساوة منه حتى إلى الأشجار فقد ذكر أيضاً في (متى) في اصحاح (21) عدد (18) وفي الصبح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع (19) فنظر شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلاّ ورقاً فقط فقال لها لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد فيبست في الحال وذكرها غيره من الأناجيل بابسط من هذا، ولكني اقول: مسكينة أنت ايتها التينة، سوء حظك بعث إليك يسوع الوديع صاحب الحنان والرحمة على مخلوقات الله وكان جايعاً ولم يكن فيك تين فدعى عليك فيبست. وليت شعري أنسي يسوع ولم يكن معه من يرشده إلى أن يدعو بأن تحمل تيناً فيأكل عوض أن يدعو عليها فتيبس فيكون ظالماً لها من غير سبق جناية منها ولكن الأمم الغابرة كانوا مغفلين، أو قاسين ظالمين، وأين هذا من نبي الرحمة الذي كان يمرّ بالشجرة فتورق وتحمل ويأكل هو وأصحابه منها، وبالشاة العازب الحايل فتعود حلوباً ولعل على ذكر منك شاة أم معبد المعجزة المشهور

 

 

التي نظمها ابنها معبد في ابيات قبل أن يسلم يقول فيها:

ليهن بني كعب مقام فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

دعاها بشاة حائل فتحلبت

عليه صريحاً صرة الشاة مزبد

فغادرها رهناً لديها لحالب

يرددها في مصدر ثم مورد

 

وكم له سلام الله عليه وآله من أمثال ونظاير طفحت بها كتب السير والتواريخ حتى صارت كالنار على المنار، والشمس في رائعة النهار.

وقد استحضرنا لك اثني عشر خطيئة من خطايا المسيح بنص أناجيلهم ولو شئنا أن نبلغ بها الخمسين فأكثر كان شيئاً هينا، وامراً ممكناً، ولكن الحرص على الاختصار عاقنا عن ذلك، ولكن بعد ذلك كله فهل يستطيع أحد من المبشرين ان يجتري ويقول لك أيها المسلم ان المسيح ما ارتكب الخطيئة ولا قارف الاثم؟، فالحق ان يسوع بحسب ذات أناجيلهم كان مجموعة خطايا وجرائم وجرثومة فساد ومآثم، واي جريمة تريد أكبر من الكذب الصريح في أكثر من عشرين مورد، ومن تحقير الأنبياء وجعلهم لصوصاً وسراقاً، ومن تبديل أحكام الناموس وتعطيل حدود الله وأمثال ذلك، فحقّاً انه هو بذاته احوج ما يكون إلى مخلص يخلصه وشفيع يشفع له، وظني (وظني الا لمعي يقين) انه لا ينال الخلاص من القصاص إلاّ بالتمسك بطهارة اذيال حبيب الله محمد(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته، فانهم هم الشفعاء الوجهاء عند الله ولا وجيه أوجه عنده منهم، ولا ينجو أحد إلاّ بولايتهم وشفاعتهم، ومن جميع ما سقناه لك في هذا المجال ظهر لك سند الدعوى في الفصل الثاني، وهو تناقض الأناجيل مع العهود القديمة اعني التوراة فان المسيح وتلاميذه على رغم قوله إلى أن تزول السموات والأرض ولا يزول واحد من الناموس، قد ازالوا كل حكم من أحكامها، وابطلوا كل شريعة من شرايعها، وعليه عملهم إلى اليوم.

وليكن هذا تمام الكلام في الباب الأول، فلنشرع في (الباب الثاني) وهو دحض الوهية المسيح... وكنا قبل برهة من السنين وقفنا على مقال (للاب لويس شيخو اليسوعي) أحد كبار الكلية اليسوعية في بيروت، ومن الشيوخ الذين افنوا اعمارهم وكرسوا حياتهم للدعوة والتبشير، كتب ذلك المقال في مجلته المشهورة التي وسمها (بالمشرق)، يحاول في مقاله ذاك اثبات الوهية المسيح، فدخلني من العجب والبهت عند مطالعته، ما لا يبلغ غوره مسبار وصف ولا بيان، ونفثت يراعتي بكلمات ما نظرتها قبل هذا حدقة، ولا نشرتها ورقة، وقد أوردتها هنا بنصها، بعد تكميل نقصها، وجعلتها هي (الباب الثاني) وها هي بحروفها:

 


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID