السبت, شوال 11, 1445  
 

التوضيح في بيان حال الانجيل و المسيح

الباب الاول

 


 

الباب الأول

 

  



أيها المسلم:

إذا دعاك المبشر، إلى دينه، واستهواك إلى اتباعه، فكنت كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، فقل له: أتدعوني إلى الاعتقاد بالوهية مسيحك الذي يتحصّل من مجموع العهد القديم والعهد الجديد انه ابن زنا وولد سفاح ثلاث مرات يعني ان في عمود نسبه المذكور في أناجيلكم ثلاثة أشخاص هم أولاد زنا بنص التوراة المعتبرة عندكم التي تعدونها (الناموس الأول) وإليك الحجة والبرهان على هذه الدعوى من ذات كتبهم المقدّسة ففي (38) من سفر التكوين أول الاسفار الخمسة وأهمها قال ما نصه: زنى القديس يهوذا بكنته ثامار فولدها ذكرين فارص ورازح، وفارص هذا الذي هو ابن زنا بنص هذا السفر، هو من أجداد يسوع المسيح بنص انجيل (متى) الذي هو أيضاً أول الأناجيل الأربعة وأكرمها وأقدمها عند النصارى قال في الاصحاح الأول ما نصه: كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن ابراهيم (2) ابراهيم ولد اسحق واسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا واخوته (3) ويهوذا(1) ولد فارص ورازح من ثامار وفارص ولد حصرون ثم ساق عمود النسب إلى أن قال (16) ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح انتهى، فانظر إلى جهل هذا الرسول (متى) بل هو من أكابر رسلهم والطبقة الأولى، لم يلتفت ولم يتحضر ان فارص ابن زنا بنص أول التوراة، فينزّه نسب إلهه وربه عن ذكره.

____________

1-                 يهوذا هذا هو الزاني وهو الجد الرابع ليسوع من الطرف الأعلى وفارص هو ولد الزنا وهو الجد الخامس وثامار كنة يهوذا هي المزني بها ـ فما تقول إذاً في هذه الكتب المقدّسة؟

 

ومعلوم ان الزنا مما اتفقت جميع المليين وكل الملل على انه من أكبر الفواحش المانعة عن النبوة فضلا عن الربوبية حتى المسيح نفسه في الأناجيل نهى عنه وجعله من أهل المحرمات طبقاً للوصايا العشر من التوراة فقال: لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد الزور إلى آخر ما في عاشر مرقس.

وادراج يهوذا الزاني وابنه فارص ابن الزنا في أجداد المسيح لم ينفرد به (متى) بل شاركه في ذلك (لوقا) الذي ابتدأ نسب يسوع من أبيه يوسف ابن هالي وساقه إلى ان قال ابن حرصون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن اسحق (فان كنت أيها المسلم) بحيث ترضى غيرتك، وتتطأ من عفتك ونجابتك ان تدين بدين يكون ربك فيه ابن زنا ليس من جد واحد بل من جدين أو ثلاث فذاك اليك: وانت احرى بحريتك لا حرج عليك ولا صد.

ومن أجداد ابيهم اليسوع (بوعز) بنص (5: 1) (متى) حيث قال: ونحشون سلمون وسلمون ولد بوعز من راحاب ومثله في رابع (لوقا) وراحاب هي الامرأة الزانية بنص (2: 1) من سفر يشوع بن نون ومن أجداده أيضاً سليمان بن داود كما في (متى) وقد نص سفر الملوك الثاني (11 ـ 3 ـ 5) وفي سفر صموئيل الثاني من توراة "البروتستانت" (زنى داود بنشايع بنت الينعام امرأة أوريا لحثى فوضعت سليمان) بخ بخ لهذا الدين ولأنبيائه وكتبه بل ألف بخ بخ لربه ما أطيبه واطهره ليت شعري اما استحضر (متى) و(لوقا) ما في العهد القديم من نسبة الزنا إلى اولئك النفر فيحذفونهم من عمود نسب حمل الله الوديع تطهيراً له من هذه الفاحشة التي هي في الأصلاب والاعقاب فان ابن الزنا لا يطهر ولو بعد سبعين ظهراً.. فقل لهم (أيها المسلم) أما ان تقولوا ببطلان التوراة وفسادها أو ببطلان الأناجيل وخطأها، أو ان الزنا غير خطيئة، ولا عار فيه ولا منقصة، وكل واحد من هذه الثلاثة لا يمكنهم الالتزام به والمصير إليه سيما الأخير فانه عندهم (كما هو عندنا) من أعظم الكبائر

والفواحش، فقد نهي ابن الزنا عن الدخول الى المجمع وعن الزواج مع العبرانيين كما في سفر التثنية (23: 22) ويقاص الرجل الذي يضاجع امرأة غيره بالموت كما في تث (22: 22) وكانت الزانية تحسب نجسة وقرن اسمها باسم الكلب تث (24: 18) إلى كثير من نظايرها.

(أيها المسلم):

إذا وسوس لك (المبشّر) بأباطيله، ودعاك إلى الإيمان باناجيله، ودفع لك المنشورات والجزوات من أضاليله، فارمها (أولا) تحت قدميك وقل له أتدعوني إلى الإيمان بالكتب المشحونة بالأكاذيب وما يخالف ضرورة العقول وبديهة الفطرة، إلى الكتب التي يناقض بعضها بعضاً ويخالف بعضها الآخر مخالفة صريحة ويناقض مجموعها العهود القديمة، والنواميس الأولية، التي قال مسيحهم في الأناجيل (إلى أن تزول السموات والأرض لا يزول حرف واحد من الناموس) وينتظم شمل هذا الموضوع في فصلين (الأول) في تناقض الأناجيل بذاتها بعضها مع بعض (الثاني) تناقض مجموعها مع مجموع التوراة واسفار العهد القديم، وأنت خبير بان تناقضها واختلافها الصريح الذي لا يمكن فيه الجمع المقبول، والتأويل المعقول، أدل دليل على انها ليست وحياً من الله ولا كتباً مقدّسة (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)(1) ويشهد لذلك ما في بعضها من الحكم على الظن والتخمين الذي لا يعقل صدوره من الحضرة الربوبية كما سندلك عليه ان شاء الله، ونحن نورد لك من تناقضاتها ما يتضح لك به كلا الفصلين معاً وهي موارد كثيرة تناهز المائة ولكننا لا نورد إلاّ ما يكفي شاهداً لبطلانها وسقوطها، والتناقض في مورد واحد يكفي في دلالته على عدم كونها وحياً إلهياً، وكلاماً ربوبياً.

(فمن جملة ذلك) اختلاف (متى) و(لوقا) في نسب المسيح اختلافاً لا يكاد

____________

1-     النساء: 82.

 

 

يلتقي طرفاه، فان (متى) ذكر من يوسف والد المسيح إلى ابراهيم أربعين جداً (ولوقا) ذكر اثنين وخمسين جداً، هذا (أولا) وأما (ثانياً) فقد اختلفا في أسماء الأشخاص كأختلافهما في العدد فان (متى) نص على أن يوسف ولد من يعقوب ويعقوب من منان وهو من اليعازر وهو من اليود واليود من اخيم وهو من صادوق وهو من عازور وهو من الياقيم وهو من ابيهود وهو من زربابل فهؤلاء أحد عشر الى زربابل... ولكن (لوقا) نص على ان يوسف هو ابن هالي بن متثات إلى ان عد عشرين اسماً إلى زربابل ليس فيها اسم من الأسماء التي ذكرها (متى) فليراجع ذلك من شاء... ثم اتفقا في زربابل وأبيه شالتليل ثم بعده اختلفا في الإسم والعدد إلى داود... والطامة الكبرى في هذا النسب امران بل ثلاثة (الأول) ان (متى) أوصله إلى داود بسليمان فقال ما نصه: داود الملك أولد سليمان وسليمان أولد رحبعام ثم نزل بالنسب إلى يوسف و(لوقا) جعله من ولد ماثان بن داود وصعد به إلى ابراهيم ثم إلى آدم، مع ان المنقول عن (كالوين) أحد زعماء ديانة (البروتستانت) ان من أخرج سليمان من نسب المسيح فقد أخرج المسيح عن مسيحيته (الثاني) انهم نسبوا المسيح الذي لا أب له من جهة نسب زوج أمه وهو يوسف بن هالي أو ابن يعقوب مع ان القاعدة الطبيعية الموافقة للحس والواقع ان ينسب بنسب أمه لا بنسب زوج أمه فانه لا علاقة له في ولادة ولدها المولود من غيره.

ضرورة ان الرجل ينسب إلى أبيه وآباء ابيه ان كان له أب وإلاّ نسب إلى أمه ودخل في سلسلة آبائها وأما نسبة الرجل إلى زوج أمه فهذا شيء غريب لم نسمع به، فياهل ترى انهم يرون انه كان متولداً من يوسف بالجسم ومن الاله بالروح ولازمه ان يوسف قد اقترن بمريم قبل ولادة عيسى فيكون عيسى بن يوسف حقيقة ويكون حاله حال سائر البشر فان أرواحنا نفحة ربانية ولقاح إلهي،

 

 

وأجسامنا منه تعالى بواسطة نطف آبائنا، ولكن ما أدري على هذا الفرض أكان ذلك الاقتران شرعياً، أم كما يقول اليهود لا قدر الله؟

(الثالث) ما أوعزناه إليك قريباً من الحكم بالظن أحياناً فان (لوقا) يقول ما نصه: ولما ابتدء يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالى ثم ساق النسب إلى آخره، فهل ينطبق هذا مع الوحي؟ أو هل هو من الأمور الغامضة؟ مع ان الوحي قمين بالمغيبات وعلم ما كان وما يكون فكيف بهذا الأمر البسيط؟ وكل واحد من أفراد العائلات غالباً يعرف عمود نسبه وجذم أجداده وآبائه، وهل وجدت أحداً من المؤرخين بل من المسلمين يقول ان محمد(صلى الله عليه وآله)على ما يظن هو ابن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم؟

أما والله لقد دخلتني الحيرة في شأن مسيح النصارى، ما أدري كم له عندهم من الآباء، فطوراً هو ابن يوسف بن هالي، وتارة ابن يوسف بن يعقوب، واخرى هو ابن الله، ورابعة لا أب له أصلا، ما أدري كيف حل هذه العقدة، أرشدونا يا أولي الألباب(1).

(أيها المسلم):

إذا أتاك الغراب الأسود (المبشّر) بمخاريقه، وجاءك بمجموعة انجيله أو تفاريقه، ودعاك إلى الإيمان به وبتصديقه، فقل له كيف أؤمن بأن هذه الكتب من الوحي الإلهي؟ والكلام الربوبي، وهي التي يتناقض كل كتاب منها مع الآخر بل يتناقض مع نفسه، وينعى بعضه على بعضه، لا مع فصل طويل بل في الفصل الواحد، وأنا أعطيك انموذجاً وشاهداً لكل من الدعويين أما تناقض الكتاب

____________

1-                  (متى) يقول يوسف بن يعقوب و(لوقا) يقول ابن هالي (متى) يقول شالنتيل أولده يكينا (ولوقا) يقول هو ابن ميري (متى) يقول زربابل أولده أبيهود و(لوقا) يقول هو ابن ريسا وهلم جرا فهل يعقل ان تكون هذه الكتب من الحق المتعال وهي بهذا الحال؟ تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً.

 

 

الواحد بعضه مع بعض في فصل واحد، فقد قال (متى) ـ (وقد عرفت انه اولهم وأجلهم) ـ في اصحاح (26) في مبادي قصة صلب أبيهم اليسوع، وهذا الفصل مشحون بالأكاذيب والأعاجيب والتناقضات والمنافيات لمقام التعقل وشخصية البشرية، فضلا عن الربوبية، وفيه حديث المرأة التي سكبت قارورة طيب كثيرة الثمن على رأس اليسوع وقدميه وغيظ تلاميذه قائلين كان يمكن ان يباع هذا الطيب بكثير ويعطى للفقراء ومعارضة المسيح بتحسين عملها، إلى أن ذكرت شأن جزعه من الصلب وحزنه واضطرابه الذي لا يليق بالنساء أو الصبيان فضلا عمن يدعي أو يدعى له الربوبية فقال عدد (38) ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب (38) فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت امكثوا هنا واسهروا معي (39) ثم تقدم قليلا وخرّ على وجهه وكان يصلي قائلا يا ابتاه ان أمكن فلتعبر عني هذه الكأس وليس كما أريد بل كما تريد أنت إلى أن قال (42) فمضى أيضاً ثانية وصلّى قائلا يا ابتاه ان لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلاّ أن أشربها فلتكن وصلّى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه... هـ، فأنت ترى انه ليلة صلبه بات ساهراً إلى الصباح يتضرّع سائلا من الله ان يصرف عنه تلك الكأس المرّة كأس الحمام مقرّاً معترفاً بالعجز وان الأمر إليه تعالى.

ثم بعد أسطر قليلة في وصف مجيء الشرطة لقبضه وبأيديهم السيوف والعصي فقال: وحينئذ تقدموا والقوا الأيادي على يسوع وامسكوه (51) وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه فقال له يسوع ردّ سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون (52) أتظن اني لا استطيع ان اطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة.. هـ، وأنت ترى تنافي ما بين الكلامين، والتناقض بين المقامين، في فصل واحد فان الأول صريح في ان الأمر ليس في استطاعته ولا أثر فيه لالتماسه

وطلبه كيف وهو لم يزل يصرخ ويتضرّع جازعاً جزع النسوان، وفازعاً فزع الصبيان مستمراً على ذلك إلى أن رفع على الصليب قال (متى) في الفصل التالي (27: 46) صرخ يسوع بصوت عظيم(1) قائلا: ايلي ايلي لماذا شبقتني... أي الهي الهي لماذا تركتني... وحديث جيوش الملائكة صريح في ان الأمر موكول إلى طلبه ومسألته من أبيه، ولكنه لا يسأل تنفيذاً لمشيئة أبيه والمفروض انه قد سئل والح، سئل فما اجيب وطلب فما اعطي، فكيف يقول اتظن اني لا استطيع، وكان قد تبيّن له انه لا يستطيع فهل هذا إلاّ التناقض والخبط؟ ومثل هذا في انجيل (متى) كثير.

(أيها المسلم):

إذا اتاك الاغربة السود يدعونك إلى رفض دينك واتباع دينهم فقل لهم: إنّ أناجيلكم ذكرت في العدد الرابع من اصحاح (16) (متى) و(29) من (11) (لوقا) ان المسيح قال جيل شرير فاسق يطلب (أو يلتمس) آية ولا تعطى له إلاّ آية يونان النبي... يعني انه كما بقي يونان أي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام ثم خرج حياً كذلك هو أي المسيح يبقى في القبر ثلاثة أيام بعد صلبه ودفنه ثم يخرج حياً كما صرّح بذلك في (40) من (12) لوقا و(34) من عاشر مرقس: ابن الإنسان رئيس

____________

1-                 تعساً وبؤساً لتلك العقول التي تتخذ مثل هذا رباً، وتجعله مع الله إلهاً مع اعترافهم بما له من تلك الصفات ومنزلته من مقام الصبر والثبات، فأين هو من ابي عبد الله الحسين(عليه السلام)وأصحابه أرواح العالمين له ولهم الفداء الذين هبطوا على وادي الطفوف، يتهافتون على الحتوف، ويستقبلون المنايا بطلاقة الوجوه عن قلوب ملؤ كفتيها الإيمان واليقين بجأش رابط وعزم ثابت فكانوا كلما اشتد البأس اشرقت وجوههم واضاءت الوانهم واشتدت عزائمهم.. فديتك يا أبا عبدالله يا عزيز الله بالآف من ذلك اليسوع الذي لم يكن له من الصبر مقدار أقل الرجال الذين صلبوا في حروب هذه العصور وانقلاباتها الذي شاهدناهم باعيننا فلم نجد فيهم من الجزع والفزع معشار ما تنقله هذه الأناجيل عن مسيحهم بل ربهم عند صلبه.

 

الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم فيهزؤون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم وفي (21) من (24) لوقا و(63) من (27) (متى) قال وهو حي اني بعد ثلاثة أيام أقوم أي من القبر ـ فهذه النصوص سيما الأخير صريحة في ان اليسوع قال انه يبقى في القبر ثلاثة أيام، ثم يقوم من القبر ويعرج وهذا أمر قد كذّبته الأناجيل بأجمعها فكل انجيل كذّبَ نفسه وكذّب الآخر في هذه القصة.. وذلك ان الأناجيل كلها اتفقت على ان المسيح صلب ودفن مساء الجمعة الذي كانوا يسمونه يوم الاستعداد للسبت وبقي ليلة السبت ونهاره وليلة الأحد الذي هو أول الأسبوع عندهم وبعد الفجر قام من قبره وان مريم المجدلية جاءت إلى قبره طلوع الشمس من يوم الأحد فلم تجده وعليه فليس مدة بقائه في القبر سوى يوم واحد وليلتين، وحينئذ فإمّا ان يكون يسوع قد كذب أو جهل أو يكون الرسل قد كذبوا أو جهلوا وعلى كلا الفرضين ينتج ان هذه الكتب ليست بوحي إلهي، ولا منزل سماوي بل ولا من كتب الحكماء والعقلاء لأن العاقل لا يكذب نفسه ولا يناقض كلامه في موضع واحد، فلا شك إذاً ان أيدي التحريف قد تلاعبت بها كيف شاءت من غير تعقل ولا تحفظ، وعليه فلا مساغ للوثوق بها، والاعتماد عليها، راجع في شأن قيام المسيح من قبره وتعيين وقته، أول الاصحاح الثامن والعشرين من (متى) حيث قال: وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع يعني (الأحد) جاءت مريم المجدلية ومريم الاخرى لتنظر القبر ثم شرح حال قيامه بشهادة هاتين الثقتين اللتين هما كل السند لوقوع تلك المعجزة الباهرة (القيام من القبر) واصرح منه في تعيين وقت الدفن والقيام ما في آخر الخامس عشر من مرقس حيث قال (42) ولما كان المساء إذ كان الاستعداد أي ما قبل السبت جاء يوسف الذي من الرامه مشير شريف وطلب جسد يسوع إلى أن قال: فاشترى كتاناً وكفنه ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر.

 

 

 

وكانت مريم المجدلية ومريم ام يوسي تنظران. انتهى ملخصاً، ثم اتم القصة في الاصحاح (16) فقال: وبعد ما مضى السبت اشترت المجدلية ومريم ام يعقوب وسالومه حنوطاً ليأتين ويدهنه وباكراً جداً اتين إلى القبر إذ طلعت الشمس ثم ذكر ما حاصله انهن رأين الحجر قد رفع عن القبر فنظرن في القبر رأين شاباً لابساً حلة بيضاء فاندهشن فقال لا تندهشن انتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب قد قام ليس هو هنا.. ومثله بل اوسع بياناً منه ما في رابع وعشرين (لوقا) وتاسع عشر (يوحنا) بل يظهر منه انه دفن يوم السبت وخرج ليلة الأحد فلم يبق في القبر على هذا سوى قدر من نهار السبت وشطر من ليلة الأحد فأين الثلاثة أيام آية يونان النبي، وكيف ينطبق هذا مع قوله عدد (40) من (12) (متى) الذي نصّه بعد تلك العبارة: لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال انتهى.

فهل هذا إلاّ الكذب الصراح، والتناقض البحت، كما ان في قوله جيل شرير يطلب آية ولا تعطى له إلاّ آية يونان النبي، أيضاً كذب واضح فان الأناجيل قد ذكرت له من الآيات ما يبلغ المئات مثل احياء الموتى وشفاء الزمناء من المرضى كالأعمى والأبرص والمقعد والأصم واشباع الجمع بالخبز القليل وأمثال ذلك، فكيف مع اعطاء هذه الآيات لذلك الجيل يقول لا تعطى له إلاّ آية يونان؟.. فقد اشتملت هذه الكلمة الواحدة على كذبين واضحين كما ان كل تلك الأناجيل قد اشتملت في عامة ما سطرت وفي خصوص واقعة الصلب على الخرافات والسخافات والغرايب والترهات، والشناعات والفظاعات، والاختلافات والتناقضات، التي لا يليق صدورها وأساطيرها من اضعف السفهاء والمجانين، فضلا عن العقلاء الكاملين، أو الأنبياء المرسلين.

انظر إلى الرداء القرمزي الذي ألبسوه ليسوع واكليل الشوك واجتماع اليهود

يبصقون في وجهه ويسخرون به ويضحكون عليه، ووضعه على الخشبة بين لصين عن يمينه وعن شماله وهو يصرخ ويبكي ويهلع ويفزع، وهم يستهزئون ويرقصون.. هناك ترى ما تتقزّز منه الطباع، وتتقزز منه الاسماع، ويوجب ان تصبح الأديان أمام الملأ حديث خرافة، وموطن سخافة، ومضحكة للعقول.. أما الاختلاف والتناقض في الأناجيل في شؤون تلك القصة وأطوارها فحدث ما شئت، فواحد يقول سقوه على الصليب خمراً مراً وآخر يقول خلا، وثالث يقول خلا مع زوفا. وواحد يقول: حمل هو صليبه، وآخر يقول حمله سمعان القيرواني، وثالث يقول حمله شخصان آخران.

وواحد يقول ان الذي اخبر مريم بخروج يسوع من القبر شاب في القبر، وآخر يقول شخصان في الطريق، وهكذا اتسعت مسافة الخلف والاختلاف بين أرباب الأناجيل في كل شؤون هذه القصة حتى في ان بطرس الذي هو أجل أتباع المسيح انكره مرة أو ثلاث، وان الديك صاح مرة أو ثلاث، وان يسوع شرب مما قدموه إليه من الخمر أو الخل أو لم يشرب أصلا، وان كلا من اللصين كان يشتم يسوع على الصليب أو أحدهما دون الآخر، واشباه ذلك مما لا يتسع المقام لجمعه، ومع هذا كله فهل يخطر لذي لب أو يدور على خلد ذي مسكة، ان هذه كتب سماوية، أو كلمات ربوبية، وهي بتلك المثابة من التنافي والتضارب.. الحكم وجدانك، والوسيط بيننا انصافك وعرفانك، والله فوق ذلك أيها المسلم مسددك وهاديك إن شاء الله.

(أيها المسلم):

عافاك الله وثبّتك بالقول الثابت، إذا هاجمك قرين البوم، والمبشّر الشوم، وقال اعتنق النصرانية، واتبع دين اليسوع فانه هو الذي يقدر ان يخلصك من تبعات خطيئاتك، وعقوبات سيئاتك، وأما سائر الأنبياء فلا يقدر واحد منهم على

 

خلاصك لانهم جميعاً قد قارفوا الاثم وارتكبوا الخطايا والخاطىء لا يستطيع أن يكون شفيعاً لمثله ووسيطاً لتخليص غيره كما ان من اثقله حمله لا يستطيع أن يحمل ثقل غيره.. فقل له ابطلت في كلامك هذا من وجوه أما (أولا) فلا نسلم ان واحداً من الأنبياء ارتكب الخطيئة فضلا عن جميعهم بل كلهم يشتركون في انهم معصومون منزّهون عن الآثام والخطايا وانما يتفاوتون في مراتب الفضل ومعارج القرب بشرف المساعي وفضيلة الاخلاص وعظيم المعرفة وكلما ورد في القرآن المحمدي مما ظاهره نسبة المعصية لواحد من الأنبياء فهو محمول على الخطأ لا الخطيئة، والفرق بينهما للعارف ظاهر، وقد صارت هذه الحقيقة اعني عصمة الأنبياء بفضل الكتب المؤلفة فيها بالخصوص من أجلى الحقائق الراهنة وأجلّها، وأما (ثانياً) فلو سلّمنا ارتكاب الأنبياء للخطيئة ولكنهم تابوا وأنابوا وأعلن الحق بقبول توبتهم وقد قيل (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) أما أهل الخطايا منا فتوبتهم غير معلومة ولو تابوا فقبولها غير معلوم لفقد شرط أو وجود مانع فيتجه حينئذ شفاعة الأنبياء المقرّبين المقبولين للعصاة من امتهم، وأما (ثالثاً) فلو سلمنا ارتكاب جميع الأنبياء للخطايا وانهم ما تابوا أو لم تقبل توبتهم، ولكنا لا نسلم ان نبينا محمداً(صلى الله عليه وآله) قد شاركهم في ذلك بل هو سيد المرسلين وأشرف النبيين لانه ما قارف خطأً ولا خطيئة، ولا ارتكب حراماً ولا مكروهاً، وكلما ورد في القرآن الكريم مما يتخيل منه نسبة الذنب اليه فهو ناشىء من سوء الفهم وقلّة التدبّر في فصاحة القرآن وبلاغته وتحصيل كمين مقاصده من رصين عبارته، ومكين آياته ـ مثل قوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَ مَا تَأَخَّرَ)(1) فان المراد ليس ذنبه إلى الله سبحانه بل ذنوبه عند أهل مكة التي يعدونها عليه من قطع أرحامهم وسب آلهتهم وكسر أصنامهم، فلما فتح الله له مكة ومكّنه

____________

1- الفتح: 1 ـ 2.

من رقابهم وعفى عنهم عرفوا شرف جوهره، وطيب عنصره وغفرت ذنوبه إليهم وما يفترون عليه من زعم جنايته عليهم، فالمراد ليغفر لك عند أهل مكة ما تقدم من ذنبك إليهم قبل الهجرة وما تأخّر عن الهجرة كوقعة بدر التي قتل النبي(صلى الله عليه وآله)وأصحابه فيها صناديد قريش، ولولا إرادة هذا المعنى لم يكن بين الجملتين ربط ونسبة كما لا يخفى على العارفين بأساليب العربية ومثلها قوله تعالى: (ووجدك ضالا فهدى)(1) فان المراد بحكم سياقها انه وجدك متحيراً في طريق سيرتك وخطتك مع قومك وعشيرتك الذين وقفوا حجر عثرة في طريقك ونشر دعوتك وانك لا تدري كيف التخلص منهم فهداك الله إلى الهجرة عنهم التي نجحت بها مساعيك وتعالت دعوتك، ولو افضنا في هذا النمط من الآيات لخرجنا عن الموضوع ـ وانما الغرض ان نبينا له المجد والشرف هو المنزه عن كل إثم وخطيئة، الجامع لكل كمال وفضيلة، فهو الذي يليق أن يكون الشفيع الأعظم، والمخلص الأكبر، وأما يسوع تلك الأناجيل والذي يعبده النصارى فهو مجموعة خطايا وآثام تجعله احوج ما يكون إلى مخلص وشفيع وها انا ذا اسرد عليك نبذة يسيرة من خطيئاته وآثامه بنص أناجيلهم، فلا يغيضن النصارى مرارة نفثاتي، وخشونة كلماتي، فان الملامة والتبعة على أناجيلهم المقدّسة، فاني لا اذكر شيئاً إلاّ بشاهد ودليل منها، وأنا ناقل وملتزم بصحة النقل لا بصحة المنقول، وقد جعلت ذلك تحت عناوين.


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID