شنبه 8 ارديبهشت 1403  
 

وجيزة الاحكام

 
بيع الصَرفِ
 

  وجيزة الأحكام

آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء  "قدس سره"

  



بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد

الجزء الثالث: عقود المعاوضات

كما أنَّ من المعلوم بضرورة الشرع والعقول أنَّ الأصل عدم جواز التصرف بمال الغير بدون أذنه، فكذلك من المعلوم أنَّ الأصل عدم تملك الإنسان لمال غيره بل لمطلق المال إلاَّ بسبب شرعي، وأسباب الملك أما أختيارية أو قهرية. والثاني منحصر بالأرث وبالديّات والإقرارات والنذور.

والأول: أما قول أو فعل وكل منهما أما من طرف أو طرفين.

والثاني: أما بعوض أو بغير عوض.

فالكلام يقع في مسلكين:

الأول: في عقود المعاوضات، وأهمها وأعظمها:

البيع

وأقرب ما يكون إلى حقيقته، التعريف المشهور من أنه مبادلة مال بمال، أو تمليك عين بمال فهو مختص بنقل الأعيان دون المنافع فإنها إجارة ودون الحقوق فأنه صلح، والعين أما موجودة كهذا الكتاب أو معدومة متجددة كالثمرة أو محصلة كالكلي في الذمة قيمياً أو مثلياُ، ولا يترتب عليه أثره وهو الانتقال والتمليك شرعاً إلاَّ بشروط في أركانه وهي ثلاثة: الصيغة، والثمن، والمثمن، وشروط في طرفيه وهما البائع والمشتري.

 

العقد وشروطه

وهو الصيغة الخاصة والأقوى كفاية كل لفظ قصد منه التمليك وهو دال عليه عرفاً مثل بعت وملكّت ونقلت ونحوها. ولو من لغات أخرى ولكن الأحوط الاقتصار على بعت في الإيجاب وقبلت وأشتريت في القبول، كما أنَّ الأولى الاقتصار على العربية مع امكانها حتى لغير العربي وينعقد بإشارة الأخرس مع العجز عن التوكيل بل مطلقاً، ويعتبر فيه تقدّم الإيجاب على القبول وتطابقهما فلو قال: بعتك هذين بألف، فقال: قبلت هذا بخمسمائة، لم ينعقد وكذا لو زال أحدهما عن الأهلية قبل أن يتم العقد، وعدم الفصل الطويل بينهما بسكوت أو غيره بل الأحوط مراعاة الاتصال حتى فيما يتضمنه العقد من الشروط.

وأما شروط المتعاقدين فهي أمور:

(1) و(2) البلوغ والعقل فلا ينعقد من المجنون حال جنونه ولا من الصبي ولو بلغ عشراً. نعم، الأقرب صحة معاملة المميز في المحقرّات فيجوز الأخذ منه والدفع له بشاهد الحال على أذن وليه أو رضاه بذلك ومنه معاملة الصبيان الجالسين في الدكاكين ومع الشك في اذن الولي وعدم الاطمئنان فالأحوط الاجتناب.

(3) القصد فلا ينعقد من الساهي والغافل والذاهب والهازل فضلاً عن النائم والسكران والغضبان غضباً مشوشاً للفكر. نعم، يكفي القصد الإجمالي إلى حصول النقل وإن هذا الشيء لفلان بالعوض ولا يلزم تصوّر حقيقة النقل والتمليك.

(4) الأختيار فلا ينعقد من المكره والمجبور من حاكم أو ظالم وإن لم يذهب شعوره وقصده.

(5) ملكية البائع المبيع والمشتري للثمن أو ما بحكم الملكية من ولاية أو وصاية كالأب والجد أو الوصي أو الحاكم الشرعي أو عدول المؤمنين ويكفي في الأوليين عدم المفسدة وفي البواقي لابد من الغبطة والمصلحة ويشترك الأب والجد في الولاية ومن سبق منهما نفذ تصرّفه وبطل اللاحق ويبطلان معاً لو أقترنا مع التنافي أو شك في السبق واللحوق ولو علم وشك في السابق واللاحق أقرع ثم القيّم والوصي والحاكم الشرعي ثم العدول، ولو باع مال المالك غيره للمالك أو لنفسه فهو فضولي فإن جاز المالك صحَّ البيع وإن ردَّ فلا بيع.

(6) أن لا يكون أحدهما محجوراً عليه في التصرف لسفه أو فلس.

(7) أن يكونا قادرين على التسليم فعلاً أو بالقوة القريبة منه.

شروط الثمن والمثمن

وهي أمور:

(1) أن يكونا موجودين حال العقد أو منضمّين إلى موجود فلا يصح بيع ما ستحمله الدابة أو تثمره الشجرة إلاَّ ما استثنى كما سيجيء.

(2) أن تكون لها مالية عرفاً وشرعاً فلو باع ما لا مالية له عرفاً كالذباب والحشرات ونحوهما لم ينعقد وكذا ما لا مالية له شرعاً وإن كان مالاً عرفاً كالخمر وآلات اللهو والقمار والأصنام والصلبان إلى غير ذلك مما أسقط الشارع ماليتها من الأعيان النجسة ونحوها كما مرَّ.

(3) أن يكون كل منهما مملوكاً فعلاً فلا يصح بيع ما سيملك.

(4) أن يكون ملكاً طلقاً لا حقَّ للغير فيه فلا يصح بيع العين المرهونة ولا الموقوفة ولا المحبسة أما المبيع بالخيار فهو ملك طلق وحق الخيار في العقد لا في العين على التحقيق.

(5) أن يكون مقدوراً على تسليمه أو تسلّم المشتري له أو ما بحكمه بالفعل أو القوة القريبة فلو باع طيره المملوك وقد طار في الهواء والعادة لا تقضي بعوده أو السمك وقد عاد إلى الماء فهو باطل أما بيع الأبق فالأقوى صحته على من يقدر على تسلّمه أو يمكنه الانتفاع به على اباقة كعتقه في كفارة ونحوها.

(6) أن يكون معلوماً بجنسه وصنفه وصفته والضابط أن يكون معلوماً علماً يرتفع به الغرر ويحصل ذلك أما بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة.

(7) أن يكون مضبوط المقدار بالكيل أو الوزن أو العدّ أو الذرع فلا يصح بيع الصبرة من الطعام حيث تكون مجهولة المقدار ولا المقدار من البيض الذي لا يعلم عدده وهكذا.

نعم، تكفي المشاهدة في غير المكيل والموزون والمعدود والضابط كونه مما يتعارف بيعه بغير واحد من تلك الأمور كالحطب والماء والحشيش وإن كان ربما يباع مكيلاً أو موزوناً والوزن هو الأصل في الضبط فيصح بيع المكيل والمعدود بالوزن دون العكس إلاَّ مع المتعارف أو ارتفاع الجهالة. ويجوز بيع الظرف مع المظروف إذا كان الجميع معلوم الوزن ويسقط للظرف مقدار ما يتراضيان عليه والأحوط الصلح فإذا استجمع البيع جميع تلك الشروط وتفرّق المتبايعان عن موضع العقد ولم يكن أحد العوضين حيواناً ولا اشترط احدهما الخيار لزم البيع ولم يكن لأحدهما الفسخ قهراً على الآخر. ثم أنَّ المبيع بأعتبارات مختلفة ينقسم إلى اقسام متعددة فبإعتبار خصوص العوضين واستحقاق دفعهما حالاً أو مؤجلاً أو مختلفين ينقسم إلى أربعة أقسام لأنه أما أن يكونا حالين معاً كليين أو شخصين فهو بيع النقد وإليه ينصرف اطلاق العقد وأما أن يكونا مؤجلين معاً بالعقد أو قبله وهو المعروف عند الفقهاء بيع الكالي بالكالي وهو باطل إجماعاً وأما أن يكون الثمن مؤجلاً والمثمن حالاً وهو:

بيع النسيئة

وهو بيع حال بثمن مضمون معلوم إلى أجل معلوم، ويشترط فيه مضافاً إلى شروط مطلق البيع ضبط الأجل بحيث يكون معلوماً لهما محفوظاً من الزيادة والنقصان كعشرة أيام أو شهراً وشهرين ولا يضر أحتمالها للنقص والتمام ولا يجب على المشتري الدفع قبل الأجل ولا على البائع قبوله لو دفعه.

نعم لو حلَّ لزم فإن لم يقبله ألقاه بين يديه ولا ضمان، والأحوط دفعه إلى الحاكم الشرعي إن أمكن. وإذا بعت عيناً بثمن مؤجل جاز لكَ أن تشتريها من المشتري بعد قبضه إذا كان مكيلاً أو موزوناً ومطلقاً في غيرهما قبل الأجل وبعده بجنس الثمن أو غيره، بمقداره أو أقل منه أو أكثر حالاً أو مؤجلاً، ولكن بشرط أن لا تكون قد شرطت عليه ذلك في البيع الأول ولو شرطت بطل الشرط بل والبيع على الأقوى، وكذا لو باعه نقداً بثمن ونسيئة بآخر أو بثمنين في أجلين أو بواحد مردد بين أجلين أما موزعاً على قسطين أو أكثر فلا مانع منه. وأما أن يكون الأمر بالعكس فيكون الثمن حالاً والمثمن مؤجلاً.

بيع السلف

وتعريفه: بيع مضمون القيمة معلوم إلى أجل معلوم بثمن حال، ويشترط فيه مضافاً إلى جميع ما سبق أمور:

(1) قبض تمام الثمن قبل التفرّق فلو قبض بعضه عيناً كان أو كلياً صحَّ بالنسبة إليه وبطل في الباقي ولو كان للمشتري المسلف دين حال على آخر ففي جواز جعله ثمناً في السلم لأنه بمنزلة المقبوض أو عدمه لاندراجه في بيع الدين بالدين وجهان أقواهما الجواز وأحوطهما العدم أما لو كان مؤجلاً فلا ريب في البطلان.

(2) أن يكون المسلم فيه أعني المبيع مما يمكن ضبطه بالوصف الرافع للجهالة فيلزم ذكر كل جهة تختلف بأختلافها الرغبات والأسعار ولا يلزم الاستقصاء بل ربما أضرَّ لندرة الوجود حينئذٍ والمرجع في الأوصاف الضابطة للمبيع الرافعة للجهالة إلى عرف العوام ولعلهم أعرف به من العلماء والأعلام فما لا ينضبط بالوصف عندهم عادة كاللحم والخبز والجواهر والمصوغات بل وكثير من المنسوجات لا يصح السلف فيها بخلاف مثل الأطعمة والأدهان والتمور والفواكه والحيوان وهكذا، وكذا يلزم ضبطه بالكيل والوزن إن كان منهما وإلاَّ كفى مشاهدة مثله إن كان مضبوطاً لا يتلف أما المعدود فالأقوى مع أمكان ضبطه جواز السلف فيه أما ما لا يمكن ضبطه في الصغر والكبر والطعم والرائحة وغير ذلك كالبطيخ والقثاء والباذنجان فلا يجوز السلم فيه إلاَّ مع المشاهدة أو الضبط بالكيل أو الوزن.

(3) أن يكون المسلم فيه غالب الوجود عند حلول الأجل في البلد المشترط به التسليم أو بلد العقد مع الأطلاق ولو اشترط زرع أرض معينة أو غزل امرأة مخصوصة أو ثمر شجره مشخّصه أو صوف نعجات خاصة بطل إلاَّ أن تكون العادة قاضية بحصول المبيع فيها فلو تعذّر عند الأجل مطلقاً أو مات البائع قبله تخيّر المشتري بين الفسخ واسترجاع ما دفع من الثمن وبين الصبر إلى وجوده وليس له المطالبة بالقيمة كما قيل والأحوط في مثل هذه الموارد المصالحة.

نعم، لو كان التفريط من البائع لم يبعد إلزامه بالقيمة ولو بذله البائع ففرط المشتري في قبضه كان التلف عليه ولا رجوع له على البائع ولو دفعه قبل الأجل أو بدون الصفة لم يجب قبضه إلاّ بالصفة وفي الأجل ويصح فيه إشتراط كل شرط سائغ فلو اشترطا التسليم في موضع تعيّن ومع الاطلاق فموضع العقد بلدهما أو بلد أحدهما وإلاَّ لزم تعيينه ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل الأجل على من هو عليه أو على غيره بحال أو مؤجل، ويجوز بعده قبل القبض وبعده على الغريم وعلى غيره بمجانس الثمن أو مغايره ربوياً أو غيره إن لم يكن بينهما تفاضل، والأحوط إن لا يبيعه بدراهم زائدة إذا كان قد اشتراه بدراهم ولو دفع البائع من غير الجنس وفاءً صحًّ مع رضا المشتري فإن ساعره فهو وإلاَّ فقيمته يوم الدفع وإن دفعه أمانة أو قرضاً فقيمته يوم الاحتساب.

فصل

في أقسام البيع

في أقسام البيع بأعتبار زيادة الثمن ونقصه أو مساواته لما اشتراه به، لا ريب إن للإنسان أن يبيع ماله بما شاء زاد على أصل قيمته أو نقص أو ساواها فإن أتفق مع المشتري على الثمن الذي أشتراه به فإن باعه الكل كذلك فهو بيع التولية وإن كان البعض مشاعاً لزم تعيينه نصفاً أو ربعاً وهو تشريك ولا يبعد صحته بقوله شركتك في ما اشتريته على أنَّ لك النصف مثلاً فيه بنسبته من الثمن ويعين المبيع حنطة أو ثوباً أو غير ذلك وإن أتفق معه على البيع بأقل من الثمن فهو بيع المواضعة، ويلزم تعيين الثمن وتعيين ما يضع منه وإن كان بأكثر فهو بيع المرابحة ويلزمه الإخبار بالثمن واقعاً وتعيين مقدار الربح في العشرة واحداً أو اثنين أو غير ذلك، ويجب الصدق عن الثمن في هذه الأقسام الأربعة فلو كذب فيه فعل حراماً وتسلّط المشتري على الفسخ بل القول بالفساد لا يخلو من وجه، وكذا يجب اخباره بالمؤن والصدق عنها وعن جنس الثمن ووصفه ونقده وتأجيله ومدة الأجل.

نعم، لو كذب في النقيصة بأن قال اشتريته بعشرة وباعه بها وكان بعشرين، أو قال إلى شهر وهو إلى شهرين لم يبعد عدم ثبوت الخيار على اشكال والأحوط التقايل واعادة العقد ويكره في المرابحة نسبة الربح إلى أصل المال بأن تقول: بعتك بمائة وربح المائة عشرة، بل يقول: بعتك الدار بمائة وربح المائة عشرة أو ربح الدار عشرة وهكذا. ويصح في التولية أن يقول: وليّتك العقد، فيقول: قبلت، مع علمهما بالثمن والمثمن، ولو اشترى جملة أشياء صفقة أخبره بثمن المجموع وليس له الاكتفاء بقيمة كل واحد على حسب التوزيع فلو أخبره كذلك كان له الفسخ وإذا وجده معيباً وأخذ الأرش أو كان بخيار أخبره به، والحاصل يلزم الاخبار على الصدق بجميع الخصوصيات التي يحتمل مدخليتها في تفاوت الرغبات وارتفاع الأسعار وهبوطها.

نعم، أفضل أنواع البيع من هذه الجهة (بيع المساومة) وهو القسم الخامس الذي لا تعرّض فيه لذكر الثمن الأول والزيادة فيه أو النقيصة أو المساواة فيقول: أبيعك هذا الكتاب مثلاً بعشرة كيفما كان ثمنه زاد أم نقص، وللمالك أن يسوم ماله بما شاء من الثمن ويبيعه بما أراد من الزيادة على الثمن الأول ما لم يبلغ الغبن على المشتري أو يكون البيع ربوياً وهذا هو المتعارف.

الرباء

وكما عرفت حرام بضرورة الدين، بل هو من أمهات الكبائر وفي بعض الأخبار أن الدرهم منه أعظم من سبعين زنية بذات محرم وهو حرام فاسد في البيع خصوصاً، وفي مطلق المعاوضات عموماً على الأقوى.

ومنها القرض والمراد بالبيع الربوي بيع الشيء من المكيل أو الموزون بمساويه في الجنس مع زيادة عيناً أو منفعة عينية أو حكمية، فكما لا يجوز بيع المثل بالمثل متفاضلاً نقداً، كذلك لا يجوز بيعه بقدره نسيئة لأن للأجل قسطاً من الثمن فلو باعه وزنة حنطة بوزنة مثلها إلى أجل بطل، وكما لا يجوز بيع الأصول بالأصول متفاضلة كذلك لا يجوز بيع الفروع من أصل واحد بعضها ببعض، فلا يجوز بيع الخبز بالخبز متفاضلاً ولا الخبز بالحنطة كذلك ولا اللحم الني بالقديد ولا بالغنم، ولكن اللحوم تتبع الحيوانات وهي أجناس فيجوز بيع الغنم بالأبل متفاضلة كما يجوز بيع لحم هذا بذاك متفاضلاً، وكذا الأدهان والألبان والشحوم فلا يجوز بيع دهن البقر بمثله إلاَّ متساوياً، ويجوز بيعه بدهن الغنم متفاضلاً.

نعم، الحنطة والشعير في باب الربا جنس واحد والمدار فيما عداهما في وحدة الجنس وعدمه على العرف لا على الحقائق الفلسفية ولا على الأسماء اللفظية فالتمور كلها جنس واحد وإن تعددة اصنافها وأسماؤها، والفواكه أجناس مختلفة وإن أتحدت حقيقتها، وكذا المستخرجات من تلك الأجناس فالدبس والتمر شيء واحد، وكذا العنب والعصير واللبن والحليب بل والدهن والجبن وهكذا كلها شيء واحد إذا كانت من أصل واحد كالغنم أو البقر وكذلك الخل فخل العنب غير خل التمر وهكذا، ومن هنا ظهر عدم جواز بيع الرطب من كل جنس باليابس منه فلا يجوز بيع التمر بالرطب ولا الزبيب بالعنب ولا الجبن بالحليب حتى مع التساوي فضلاً عن التفاضل، وكذا الخبز بالحنطة والعجين بالخبز بل يلزم مراعاة الاحتياط حتى في الحنطة اليابسة بالمبتلة.

نعم، يكره بيع الحيوان بلجم مساويه متساوياً ويحرم متفاضلاً والمدار في الكيل والوزن على بلد العقد، فلو أختلفت البلاد في الشيء الواحد كان لكل حكمه ولا ربا في المختلفين جنساً ولا المعدود ولا ما يباع بالمشاهدة كالثياب بل مطلق الملبوس. نعم، في القطن والابريسم والصوف، لا يبعد جريان حكم الموزون فيها كما هو الغالب، هذا كله في ربا البيع.

أما الربا في القرض فهو اشتراط النفع في ابتداء الدين أو تمديده عيناً أو منفعة أو حقاً أو غيرها. أما نفع المقترض للمقرض من نفسه بلا شرط فلا بأس به ولعله هو المشار إليه بقولهم (ع): (خير القرض ما جرّ نفعاً)، وربا القرض لا يختص بالمتساويين جنساً ولا بالمكيل والموزون بل يحرم في القرض مطلق الزيادة ولو صفة عدا الأجل، ويستثنى من حرمة الربا أمور:

الأول: أنه يجوز الصلح على الشيء المعين ببعضه وعلى الدين كذلك وإن كانا من المكيل والموزون لأن الصلح في العين بمنزلة الهبة وفي الدين بمنزلة الإبراء، ويصحح الصلح على الدين المعلوم والمجهول والحال والمؤجل بحال أو مؤجل مساوٍ أو أقل.

الثاني: أنه لا ربا بين الوالد والولد نسبيين بل ورضاعيين دون الأم والجد والجدة، ويصح لكل منهما أخذ الفضل من الآخر.

الثالث: بين الزوج والزوجة الدائمة بل مطلقاً ويجوز أيضاً لكل منهما أخذ الزيادة من الآخر.

الرابع: بين المسلم والذمي فيجوز الفضل للمسلم دون العكس، أما الحربي فبالأولى وما يستعمل من الحيل للتخلص من حرمة الربا فإن كان الفضل معتدلاً صح وإن كان فاحشاً فهو مشكل والأحوط الاجتناب، ولكنه خير من ارتكاب الربا الصريح وفي بعض الأخبار.

نعم، الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال ومن استعمل الربا جهلاً بالحكم أو الموضوع لا عقوبة عليه، ولكن يجب رد ما أخذه من الزيادة إن علمها وعرف أربابها أو ورثتهم وإن عرف المقدار وجهلهم دفعها أو قيمتها إلى حاكم الشرع وإن جهلها وعرفهم تخلّص بمصالحتهم.

فصلٌ

في أقسام البيع بأعتبار المبيع

ما تقدّم من شروط البيع تلزم في جميع موارده، وقد تلزم شروط أخرى وأحكام زائدة لخصوصية المبيع من حيوان أو غيره فيلزم بيان كل نوع من أنواع المبيع ينفرد بأحكام تخصّه دون سائر الأنواع:

(1) بيع الحيوان: وهو أما انسان أو غير انسان، أما الإنسان فلا يملك إلاَّ بالسبي أو الاستيلاء مع الكفر الأصلي وعدم الذمة فإذا ملك بذلك صحَّ بيعه حتى مع اسلامه بعد ذلك ثم يسري الرق إلى جميع ما يتولّد منه من رقّ أيضاً ما تعاقبوا وإذا وطيء المملوكة مولاها فحملت منه صارت أم ولد لا يجوز بيعها إلاَّ في موارد يجمعها تعلق حق الغير بها أو تعلق حقّها بتعجيل عتقها أو عدم تحقق الحكمة المانعة من بيعها، ويملك الرجل كل قريب وبعيد سوى آبائه وإن علوا وأولاده وإن نزلوا ومحارمه الأخرى كأخواته وعمّاته وخالاته وإن علونَ فمن ملك واحداً من هؤلاء انعتقوا عليه قهراً، ولا يجوز لأحد الشريكين وطأ الجارية إلاَّ بأذن شريكه ولا حدّ لو وطيء والولد حرّ وتقوم عليه حصة الشريك وإذا باع المالك موطوئته وجب استبراؤها بحيضة أو خمسة وأربعين يوماً ولو لم يستبرئها وجب على المشتري فلا يطئها إلاَّ بعد ذلك الاستبراء ويسقط بخبر الثقة بالاستبراء، ومن اشترى جارية حاملاً يحرم عليه وطؤها إلاَّ بعد مضي اربعة أشهر وعشراً ويكره بعدها فإن فعل عزل وإلاَّ كره بيع الولد ويحتاط بعتقه وجعل شيء له من ماله، ولو وطيء وظهر أنها للغير كان عليه عشر قيمتها بكراً ونصفه ثيباً مع قيمة الولد عند سقوطه حيّاً ويرجع المشتري بهذه وبسائر الغرامات على البائع إن كان جاهلاً وإلاَّ تخيّر المالك في تغريم أيهما شاء.

(2) بيع الثمار: لا اشكال في جواز بيع الثمرة بعد ظهورها وبدأ صلاحها مع المشاهدة عاماً واحداً أو أكثر، أما قبل ظهورها فيجوز عامين فأكثر وعاماً واحداً مع الضميمة، ولا يصح بدونها ويجوز ضم المعدومة إلى الموجودة في البيع والأحوط الاقتصار على الجنس الواحد فلو أدرك بعض النخل جاز بيع الجميع لا بيع التمر الذي ظهر مع الرمان الذي لم يظهر وهكذا، ويجوز الصلح في الجميع وكذا لا يجوز بيع الطعام قبل ظهوره إلاَّ مع الضميمة أو الزيادة على عام، ويجوز الصلح عليه ولو كان حشيشاً كما أن الأحوط عدم الأكتفاء بالظهور بل الانتظار إلى بدؤ صلاحه أحوط في الأثمار والأطعمة وغيرهما.

ويجوز بيع الطعام مع اصوله قائماً وحصيداً ولا يلزم العلم بقدره بل تكفي المشاهدة وبيع القصيل وإن لم ينعقد الحب فإن شرط البائع قطعه لزم، فلو أبقاه المشتري لزمته الأجرة ومع الإطلاق يبقيه إلى يوم حصاده مجاناً، ويجوز بيع الخضر بعد ظهورها، والأحوط بعد بدأ صلاحها لقطة ولقطات وخرطات وخرطة وجزات وجزة، ويوزّع الثمن ويجوز الصلح ولو قبل ظهورها والمدار في ضبط جميع ذلك على العرف، ويدور الحكم بصحة البيع فيها بل وفي سائر البيوع على عدم الغرر عرفاً، وإذا بيع النخل فثمرته لمن أبرّه كما أن الأرض لو بيعت فزرعها لصاحب البذر، وفي بيع الشجر الثمرة للبائع إلاَّ مع الشرط.

ولا يجوز المزابنة وهو بيع ثمر نخلة بمقدار منها كرطل أو رطلين بل ولو من غيره من جنسه ويسمى المحافلة. نعم، لو باع الزرع قبل انعقاد الحب يجب من غيره جاز، وكذا لا يجوز بيع الثمار والخضر بشيء منها ويجوز بغيرها ولو من جنسها على اشكال إلاَّ إذا كانت على أصولها فلا تكون من المكيل والموزون، أما الصلح فيصح في جميع ذلك عدا موارد الربا، ويستثنى مما تقدم العرايا وهي نخلة الانسان في دار غيره يخرصها صاحب الدار تمراً ويشتريها بتمر منها أو من غيرها والأحوط أن لا يشترط كونه منها ويجوز لمشتري الثمرة بيعها بمثلها أقل أو أكثر وإن لم يقبضها على كراهيته حيث لا تكون من المكيل والموزون كما هو الفرض وإلاَّ فالأحوط الاجتناب إلاَّ توليته، ويجوز أن يتقبّل الشريك حصة شريكه في التمر أو الزرع أو الأثمار بمقدار معيّن بأن يخرص المجموع فيدفع حصّة الآخر بتلك النسبة زاد أو نقص منها أو من غيرها، والأحوط أن لا يشترطه منها وأن يكون بصيغة التقبيل أو الصلح لا البيع، وقد اشترط في صحة هذه المعاملة السلامة فلو تلفت فلا شيء عليه ولو تلف البعض سقط بنسبته.

فائدة:

يجوز أن يأكل الإنسان من ثمر النخل أو الفواكه إذا مرَّ بها غير قاصد لها ولا مجحف بها ولا حامل منها إلاَّ مع نهي المالك أو العلم بعدم رضاه.

بيع الصَرفِ

وهو بيع الذهب أو الفضة مسكوكين أم لا بعضها ببعض، فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأول: في النقدين أي المسكوكين وهما الدراهم والدنانير، فإن بعت الدراهم بالدراهم أو الدنانير بمثلها وجب التساوي وحرم التفاضل وإن بعت بجنس آخر جاز التفاضل ولا فرق في اعتبار عدم التفاضل بين الصحيح والمكسور وبين الصحيح والمعيب وبين الجيّد والرديء فلا يجوز بيع مكسورين بصحيح ولو زاد وزن أحدهما إلاَّ مع الضميمة، ولا يجوز التعامل إلاَّ بما عليه سكة السلطان مغشوشاً كان أو خالصاً ولا يلزم العلم بالوزن لأن السكة تقوم مقامه ما دامت المعاملة جارية به فإن بطلت لزم العلم به والسكة المزورة يجب اتلافها ويحرم المعاملة بها وتفسد، والدراهم والدنانير تتعين بالتعين في العقد فلو قال بعتك بهذه الدراهم لزم دفعها بعينها ولا يجوز تبديلها ولو تلفت قبل قبضها انفسخ البيع على القاعدة وليس له إلزامه بعوضها ولو ظهرت معيبة تخيّر بين الفسخ وبين الأرش.

المقام الثاني:  في مطلق الذهب والفضة أعم من المسكوك وغيره وقد اعتبر المشهور التقابض في المجلس في صحة بيع الصرف مطلقاً فلو باعه الدراهم أو الدنانير أو الذهب أو الفضة بعضاً ببعض وتفرّقاً قبل القبض لم يكن للعقد أثر وإذا قبض البعض صحَّ فيه فقط، وكان للمشتري الخيار لتبعّض الصفقة ولو قاما مصطحبين وتقابضا صحَّ ولا يبعد كون القبض شرطاً في اللزوم لا الصحة، ويجوز أن يكون أحدهما عيناً والآخر كلياً في الذمة ويصح بالقبض ولو دفع الزائد هنا أو في العينين كان أمانة مالكية مع علمه وشرعية مع جهله ولو باع المعينيّن بأعتقاد التساوي وظهر الخلاف فالأقرب الفساد ويحتمل الصحة في وجه ويرد الزائد.

نعم، تغتفر الزيادة المتسامح بها ويجوز بيع الأواني المصوغة من أحد النقدين أو منهما بمماثله مساوياً وبمثل أحدهما إن كانت فيه زيادة تقابل الجنس الآخر أو مع الضميمة المتمولة وتراب الصاغة إذا علم أهله في محصورين وجب التخلّص منهم بصلح ونحوه وأحتمال الأعراض لا يجدي وإن كانوا غير محصورين أو لم يمكن الوصول إليهم دفعه إلى حاكم الشرع كمجهول المالك ولو ظهر أهله بعد فلا ضمان وإذا أختلط بماله ولم يتميّز جرى فيه الخمس إن لم يعلم الزيادة وإلاَّ دفع الزائد.

فصل

فيما يدخل في المبيع

يدخل في المبيع عند الإطلاق كل ما هو تابع له حقيقة ويشمله اطلاق لفظه عرفاً من منقول وغيره، فيدخل في البستان الأرض والنخل والشجر والبئر دون الرطب والفاكهة والزرع والدلاء والحبال كما لا يدخل في بيع الدابة حملها والشجرة ثمرها، ويدخل في بيع الدار الأخشاب والأبواب بل والمفاتيح دون مثل البكرة والرحى وإن كانت مثبتة، فضلاً عن المنفصلة ومع الشك في دخول شيء فالمرجع العرف وإلاَّ فالأصل عدم الانتقال ومع الخصومة فالرجوع إلى المجتهد.

فصل

في القبض والتسليم

إذا وقع العقد الصحيح ملك البائع الثمن والمشتري المثمن ووجب على كل منهما تسليم ما انتقل منه إلى الآخر والاطلاق يقتضي التعجيل ولو تشاحّا اجبرهما الحاكم على التقابض والتسليم والتسلّم والمفهوم واحد وإن أختلفت مصاديقهما ومحققات كل منهما، ولكن يجمع ذلك مفهوم واحد وهو ما يحصل به الاستيلاء عرفاً فمعنى قولك: سلّمته سلّطته على أخذه والاستيلاء عليه وهو يحصل مرةً بالأقباض كما في المنقول وأخرى بالتخلية كما في غيره كدار ونحوها، وتارة بنقله إليه أو إلقاء الزمام بين يديه كما في الدابة وأخرى بالكيل والوزن كما في الطعام فلو قال بعد المفاوضة والتسعير: زنْ لي وزنة حنطة فوزنها وطرحها في الأرض، فقد أقبضها سوءاً نقلها المشتري أم لا فالإقباض هو التخلية في جميع الموارد بحيث لو أراد الآخر أخذه أمكنه ذلك وإذا حصل هذا برء البائع من عهدة ضمان المبيع وصار التلف من المشتري بخلاف ما لو تلف قبل الإقباض والتخلية فإنَّ تلفه على البائع ولو بآفة سماوية ويسترد المشتري الثمن إن كان قد دفعه وقيمته إن كان قد تلف وقبض البعض وتلف الباقي يصحّ في المقبوض ويبطل فيما عداه ويجوز أن يبيع ما اشتراه قبل قبضه إلاَّ في المكيل والموزون خصوصاً الطعام فالأحوط عدم بيعه قبل قبضه.

الشروط

عقد البيع يقبل كل شرط سائغ في ذاته غير منافٍ لمقتضاه أما اشتراط ما يقتضيه كالتسليم وضمان الدرك ونحوهما فهو مؤكد ولا اثر له، وأما اشتراط المنافي لذات العقد كشرط أن لا يملك أو لا يتسلط فهو باطل ويبطل العقد به قطعاً، وإن كان منافياً لإطلاقه وبعض آثاره كشرط أن لا يبيع أو لا يهب أو لا يوقف ونحوها فالمشهور البطلان والأحوط الاجتناب وإن كان الأقوى الصحة، وأما شرط ما ليس بسائغ في نفسه كشرب الخمر ولعب القمار ونحوها فهي باطلة في نفسها ولا يبطل العقد بها وما عدا ذلك من الشروط فهو سائغ بجميع أنواعه وتخلّفه يوجب الخيار فالشروط إذاً على ثلاثة أنواع:

(1) ما يبطل به العقد.

(2) ما يبطل هو ولا يبطل به العقد.

(3) ما يصح ويلزم بالعقد.

في الخيارات والعيوب

الأصل في البيع اللزوم فلو وقع العقد مطلقاً لم يكن لأحدهما الفسخ أو العدول قهراً على الآخر إلاَّ بالتقائل ورضا الطرفين معاً.

نعم، قد يخرج البيع عن هذا الأصل، ولكن بأحد أمرين: العيب أو الخيار، أما الخيار فأقسامه بأعتبار تعدد اسبابه كثيرة:

1- خيار المجلس: والمراد به أن المتبايعان بعد اجراء العقد يكون لكل واحد منهما الفسخ ولو لم يرض الآخر ما داما غير متفرقين بأبدانهما فإذا تفرّقا لزم البيع من هذه الجهة ولا يبطل لو فارقا المجلس مصطحبين ولا بالحائل والمدار على صدق التفرّق عرفاً لا على الخطوة والخطوتين ونحوهما، وعلى الاختياري منه لا الاضطراري، ولا المكره عليه على نحو لم يتمكن من الأختيار ويسقط بأشتراط سقوطه أو اسقاطه في متن العقد وبالتصرف ويتحقق الفسخ بكل ما يدل عليه قولاً أو فعلاً فلو تصرّف بماله تصرّفاً يدل على العدول كفى ويختص بالبيع دون سائر العقود وبشخص المتبايعين دون غيرهما حتى الوكيلين على تأمل.

2- خيار الحيوان: مشتري الحيوان له خيار الفسخ من حين العقد على الأشهر إلى ثلاثة أيام ولا يبعد ثبوته لأخذ الحيوان ولو كان بائعاً بل لا يبعد ثبوته للبائع أيضاً مطلقاً وإن كان الأحوط الأشهر بل الأقوى الاختصاص بالمشتري والعيب في الثلاثة لا يسقطه بل يكون سبباً ثانياً لخياره.

نعم، يسقط بأشتراط سقوطه أو اسقاطه وبالتصرف ناقلاً كان أم متلفاً أم لا حتى مثل القبلة واللمس من الجارية فضلاً عن الوطيء. نعم، لا يعد منه مثل اطعامها ونقلها إلى بيته ووضع المتاع في الصندوق وأمثال ذلك.

3- خيار الشرط: وهو بحسب ما يشترطانه من المدة ومن له الفسخ منهما أو من أحدهما لهما أو لكل واحد منهما أو لأجنبي وحده أو معهما أو للجميع أو المجموع إلى غير ذلك من الكيفيات والأنحاء حتى المؤامرة وهي اشتراط الرجوع إلى ثالث فإن أمر فسخا أو أحدهما وإلاَّ فلا والفرق بينهما وبين اشتراط الخيار للأجنبي ظاهر.

نعم، في الجميع لابد من ضبط مدة الخيار أولاً وآخراً أو مقيداً بالاستمرار ويندرج في هذا الخيار خيار رد الثمن إلى أجل معيّن فإن خرجت ولم يأت به لزم البيع والتلف في المدة من المشتري مع قبضه والنماء له وإلاَّ فعلى البائع أما في مطلق خيار الشرط فإذا كان الخيار للمشتري فالتلف من البائع مطلقاً وإن كان للبائع فقط وقد قبضه المشتري فهو عليه لا غير.

4- خيار الغبن: المغبون في كل معاملة له خيار الفسخ بشرطين أحدهما الزيادة والنقيصة التي لا يتسامح بها عادة على المسمى وجهل المغبون بها حين العقد والمرجع في الأول إلى العرف ومع النزاع فالبينة من أهل الخبرة أو الحاكم الشرعي وهو ثابت للبائع والمشتري مع الجهل وقت العقد وبعد العلم يلزمه على الفور الفسخ وإلاَّ فليس له بعد ذلك ولو بذل الغابن التفاوت لم يبطل الخيار، ولا يسقط بتصرف المغبون إلاَّ مع العلم بالغبن ولو نقل العين مع جهله نقلاً لازماً جاز له الفسخ على الأقوى ودفع مثل المبيع أو قيمته، ولو كان جائزاً أرجعه بعينه، ومع تلفها فالمثل أو القيمة، وفي سقوط هذا الخيار بإسقاطه نظر أقربه عدم السقوط سيّما إذا كان فاحشاً.

نعم، يسقط بالمصالحة عليه ولو احتمالاً وهذا الخيار مطرد في جميع عقود المعاوضات إلاَّ ما كان الغرض منه اسقاطه كالصلح الأسقاطي.

5- خيار فوات الشرط: وقد سبق إنَّ من اشترط سائغاً مقدوراً غير منافٍ لذات العقد في عقد لازم كان لازماً فإذا فات الشرط كان للمشترط الخيار أو أجبار المشروط عليه على الوفاء وفي سقوطه بالإسقاط نظر.

نعم، يسقط بالتصرف فيه بعد العلم بفوات الشرط أو بالصلح على اسقاطه.

6- خيار الشركة: لو اشترى شيئاً وظهر أنه مشترك مع الغير كان له الفسخ ويسقط هذا بجميع المسقطات المتقدمة.

7- خيار تبعّض الصفقة: كما إذا باع سلعتين صفقة واحدة فتبيّن أن أحدهما للغير أو لا قيمة له كان للمشتري مع جهله الخيار في أخذ ما يملكه البائع أو ردّه وأخذ الثمن، ويسقط بإسقاطه عند العقد أو بعده وبالتصرف بعد العلم.

8- خيار التفليس: إذا وجد غريم المفلس متاعه تخيّر بين أخذه وفسخ العقد وبين الإمضاء والضرب مع الغرماء، ولا يسقط هذا إلاَّ بالصلح لا غير.

9- خيار التدليس: وهو إظهار صفة في الخلق والخلقة من كتابة أو قراءة أو صنعة أو نحو ذلك من الملكات النفيسة أو صقل جسم أو تحمير وجه أو تكحيل عين ونحو ذلك من الصفات الحسنة، وكذا في مثل الأطعمة والأقمشة ونحوهما، فإذا أظهر شيئاً أو عمل فيها عملاً يوجب الرغبة فيها أو زيادة ثمنها وانكشف الخلاف كان للمشتري الخيار، والظاهر أنه لا يتقيد بما إذا كانت الصفة موجبة لزيادة الثمن بل له الخيار ولو كان قد اشتراها بقيمة المثل مع قطع النظر عن تلك الصفة.

ومنه خيار التصرية فإنه في الحقيقة تدليس إذ هو جمع اللبن في ضرع الشاة أو البقرة أو الناقة ليراه المشتري فيظن كثرة لبنها فيطمع في شرائها بل يجري في كل حيوان يقصد منه لبنه حتى الجارية والإتان وتثبت التصرية إذا أنكرها البائع بالبينة أو بحلبها ثلاثة أيام فإن اتفقت أو زادت فليست بمصراة وإن نقصت نقصاناً ظاهراً لا يتسامح به عادة ثبت الخيار للمشتري على الفور، وكذا في الإقرار والبينة ويرد بالفسخ الحيوان واللبن الذي كان في ضرعها حال العقد إن كان موجوداً وقت الرد وإلاَّ فالمثل أو القيمة، ويستحب أن يرد معه صاعاً من تمر أو حنطة، أما المتجدد بعد العقد فلا يلزم ردّه وإن كان موجوداً، والتصرف هنا لا يسقط الخيار كما في وطيء الجارية الذي ظهر أنها حامل، وفي سقوطه بالإسقاط تأمل. نعم، لا يثبت مع الإقدام عالماً بكونها مصراة.

10- خيار تأخير الثمن: فمن باع شيئاً ولم يقبض ثمنه ولا دفع المبيع ولم يشترط التأخير في أحدهما ليكون سلفاً أو نسيئة لزم البيع فلا يجوز للبائع الفسخ ولا بيعه على الغير إلى ثلاثة أيام فإن جاء المشتري فهو أحق بالبيع وإن مضت كان البائع مخيّراً بين الفسخ وبين الصبر والمطالبة والتلف في الثلاثة وما بعدها من البائع، كما أن تلف الثمن من المشتري والأقوى أن له الخيار بعد الثلاثة حتى لو أحضر المشتري الثمن ولو اشترى ما يفسد ليومه ولم يقبضه المشتري أنتظره البائع مدة يأمن بها من فساد المبيع ويدرك بيعه صحيحاً بحيث لا يتضرر.

فلو باعه اللبن الرائب مثلاً وكان يفسد بعد الظهر أنتظره إلى ما قبل الظهر فإن جاء وإلاَّ باعه من غيره، ومثله الكلام في البقول والفواكه، ويطرد الحكم فيها ليوم وليلة ويومين وهكذا. ولو شرط تأجيل الثمن فأخّره المشتري عمّا بعد الأجل لم يثبت هذا الخيار، وكذا لو كان مقسطاً فأخّر بعض الأقساط.

11- خيار الرؤية: فمن اشترى عيناً موصوفة شخصيته لا مرددة ولا كلية كان للمشتري بين الفسخ والامضاء لو ظهرت مخالفة للوصف ولو لم يشاهدها البائع وظهرت أجود كان له الخيار وأيضاً وكذا لو شاهد أحدهما بعض الثمن أو المثمن وهو ما يسمى بالنمونة فظهر مخالفاً كان لكل منهما الخيار ولو نسج بعض الثوب فأشتراه على أن ينسج الباقي كالأول بحيث لم يكن غرر ولا جهالة صحَّ على الأصح.

وهذا الخيار يسقط بتصرف المشتري بعد علمه بعدم المطابقة كما يسقط الذي قبله بتصرّف البائع بعد الثلاثة ولا يسقطان بالاسقاط، والضابط إن كل خيار يوجب سقوطه الغرر والجهالة لا يصح اسقاطه بل يشكل صحة العقد مع اسقاطه، والخيار موروث بالحصص كالأموال لجميع الورثة إلاَّ الزوجة في الأرض على الأقوى.

والمبيع يملك بالعقد والنماء بعده ولو في مدة الخيار للمشتري ولو فسخ به استرد البائع والعين دون النماء، وقد عرفت إن المبيع إذا تلف قبل القبض فهو من مال البائع فيرجع المشتري بالثمن لا غير، أما التلف في مدة الخيار بعد القبض من غير تفريط فهو على من ليس له الخيار منهما، أما لو كان الخيار لهما فالتلف من مال من وقع التلف في يده والعيب يوجب الأرش وكل من الثمن والمثمن بعد الفسخ أمانة يجب ردّها بالمطالبة ولا يضمنها إلاَّ بالتعدي.

وأما العيب، والأولى إرجاع الأمر في تشخيصه إلى العرف كأنواع الأمراض المزمنة كلّها، سواء أوجبت نقصاً في الأعضاء أو تغيّراً في الخلقة أم لا كالجذام والجرب والبرص  والصمم والخرس والعمى والعور، بل وكثير من غير المزمنة كالجنون والصرع وافراط النوم والبول في الفراش ونحو ذلك مما يصلح للزوال والجب والخصى وعدم نبات الشعر على العانة من العيوب وإن كانت مما تزيد به القيمة، فليس المدار في العيب على نقص ماليته به كما في القواعد.

نعم، ليست الثبوتية ولا الاعتداد ولا الكفر ولا كونها من زنا ولا عدم المعرفة بالطبخ والخبز عيوباً على الأقوى، ثم إن اطلاق العقد يقتضي السلامة من العيب، فلو وجد البائع في الثمن والمشتري في المبيع عيباً كان قبل العقد ولم يكن عالماً به تخيّر بين الفسخ وبين الإبقاء وأخذ الأرش. أما لو تبرء أحدهما أو كلاهما من العيوب في العقد ولو اجمالاً أو كان العيب معلوماً أو اشترطا سقوطه أو أسقاطه لم يكن لواحد منهما الفسخ، ولو تصرف بالمعيب قبل العلم بالعيب أو بعده تصرفاً مغيّراً أو ناقلاً لا مطلقاً أو حدث فيه عيب آخر في يده بسببه كان له أرش العيب السابق خاصته دون الرد ولو لم يكن بسببه فالأقوى ثبوت الخيار فيه.

أما الحادث قبل القبض فلا يمنع الرد مطلقاً ولو كان بعد العقد ولو باعَ شيئين صفقة وكان أحدهما معيباً تخيّر بين رد الجميع وبين أخذ الأرش، وصار للآخر خيار تبعض الصفقة.

والأرش جزء من الثمن نسبته إليه نسبة قيمة المعيب إلى قيمة الصحيح وطريقه إن تعتبر قيمته حين العقد صحيحاً ثم قيمته كذلك معيباً ثم يؤخذ من الثمن بنسبة التفاوت بينهما ولو أختلف المقوّمون أخذ بالأوسط فلو كانت قيمة الدابة صحيحة مائة ومغيبة خمسين وكان الثمن ستين رجع عليه بثلاثين وهكذا، والحمل عيب ولكن لو وطئها رد معها عشر قيمتها إن كانت بكراً بأن كان الحمل من مساحقة ونصف العشر إن كانت ثيباً، أما لو تصرف بغيره فلا ردّ، وكذا لا رد لو تصرّف التصرف المغيّر أو الناقل وكان العيب غير الحبل، والتصرية في الشاة ونحوها تدليس لا عيب، فيتخيّر بين الرد والإمساك، ولا ارش هنا إذ لا عيب ولو أدّعى البائع البراءة من العيوب فالقول قول المشتري مع يمينه وعدم البينة.

ولو أدعى المشتري سبق العيب فالقول قول البائع مع يمينه وعدم البينة وخيار العيب ليس على الفور فله الفسخ ولو بعد العلم بزمان طويل ما لم يحدث شيء من المسقطات.

مسائل التنازع

إذا قال: بعتك بعشرين ليرة، ولم يعيّنها أنصرف إلى الليرة الشائعة في البلد كالليرة العثمانية في العراق في هذه الأعصار، ولو كان الشائع من الليرة متعدداً في البلد أو أراد غير الشائع وجب التعيين لفظاً بأن يقول: عشرين ليرة مصرية أو انكليزية، فلو أبهم بطل.

ولو أختلفا في أصل التعيين ولا بيّنة قدم مدّعي الصحة مع يمينه ولو اتفقا عليه وأختلفا فيما عيّناه فالقول قول منكر الزيادة إن اختلف فيها وإلاَّ فهو من باب التداعي يقدم صاحب البينة وإن لم تكن بيّنة فالتحالف ثم الحكم بالفسخ أو الرجوع إلى ثمن المثل وهو الأقرب ومع نكول أحدهما يكون الحكم عليه ولو كان المبيع تالفاً وتفاسخاً وجبت القيمة يوم التلف ولو تلف بعضه أو عاب رجع به وبالأرش أو قيمة التالف النماء مطلقاً للبائع مع التفاسخ.

نعم، لو أختلفا في جعل شرط أو خيار أو رهن على الدرك أو ضامن أو في القبض فالقول مع منكره بيمينه حيث لا بيّنة، والضابطة إن النزاع إن كان في الزيادة والنقيصة فالبيّنة على مدّعي الزيادة فإن لم تكن فاليمين على منكرها وإن كان في العين أو التعيين فهو تداعي، فإما البينة أو اليمين فإن كانت لهما بينة أو حلفاً فالفسخ وإلاَّ قدم صاحب البينة أو اليمين، ويرجع في قيمة التالف والأرش إلى من يحصل الوثوق به من أهل الخبرة فإن أختلفوا أو لم يكونوا فالأصل عدم الزيادة.

خاتمة

يستحب إقالة المؤمن استحباباً مؤكداً في صورة عدم الضرر وهي فسخ للعقد بين حين الفسخ لا من حينه، فيأخذ المشتري ثمنه ويرد المبيع لا أقل ولا أكثر، فلو زاد أو نقص في الثمن أو المثمن بطلت اقالة. نعم، يمكن أن تكون بيعاً جديداً بشروطه. نعم، لو كان واحد منهما تالفاً صحّت الإقالة ودفع القيمة، وتصح في الكل والبعض وليس فيها شفعة ولا شيء من الخيارات وصيغتها أن يقول: أحدهما للآخر أقلتك في البيع الفلاني، فيقول: قبلت، ولو قال له: أقبلني، فقال: أقلتك كفى على الأصح.

ومن عقود المعاوضات الموجبة للتمليك:

عقد الإجارة

وهو من العقود اللازمة بذاته كالبيع، ويفيد تمليك المنفعة بمال والصيغة: آجرتك الدار مثلاً مدة كذا بمقدار كذا. ويعيّن الدار والمدة والثمن فلو كان أحدهما مبهماً بطل فيقول المستأجر قبل أو أستأجرت ونحوهما، ويصح العكس والأولى مراعاة الفورية، ولو أستأجره على عمل لزم تعيينه ويكفي حصوله ولو نسبياً إلاَّ أن يقيّد بالمباشرة واطلاق العقد يقتضي تعجيل الأجرة وله أن يجعلها نجوماً أو بعد المدة المعيّنة، أو بعد العمل وللمستأجر أن يؤجر أو يستأجر غيره بأكثر أو أقل في غير صورة المباشرة.

نعم، يكره اجارة المسكن والخان والدكان والخادم بأكثر إذا لم يحدث ما قابل التفاوت، وكذا في الإستئجار على عمل، ولو منعه المؤجر من الانتفاع تخيّر المستأجر بين الفسخ أو تغريمه القيمة ولو هلكت العين أو تلفت قبل القبض بطلت الإجارة، وبعد القبض كان له الفسخ ويرجع من الثمن بنسبة الباقي أو إلزام المالك بإعادتها إن كان ممكناً، ولو كان التلف بتفريطه لم يكن له الفسخ ورجع المالك عليه بقيمة العين والمستأجر أمين لا يضمن مع عدم التفريط وعدم القبض، أما في الرد فقول المالك وأما في تعيين الثمن هذا أو ذاك أو العين المستأجرة فالتحالف وكل موضع بطلت فيه الإجارة بعد استيفاء المنفعة تثبت فيه أجرة المثل ولو غصبت المنفعة رجع المستأجر على الغاصب دون المالك، ويصح فيها كل شرط سائغ غير منافٍ لمقتضاها حتى ضمان العين على الأصح فإنه غير منافٍ لإطلاق العقد لا لذاته وتجري فيه أكثر الخيارات السابقة في البيع عدا المجلس والحيوان.

القرض

وهو عقد يفيد تمليك العين بضمان المثل أو القيمة، فلا يجوز بالزائد ولا الناقص ربوياً كان أم لا، فلا يجوز أربعة من البيض بخمسة قرضاً وإن جاز بيعاً والحق لزومه بعد القبض بالنسبة إلى العين فليس للمقرض استردادها إلاَّ مع رضا المقترض وجائز بالنسبة إلى البدل فله المطالبة به متى شاء، ويصح فيه كل شرط سائغ غير منافٍ لمقتضاه حتى الأجل ويلزم الشرط بلزومه والزيادة المانعة زيادة العين أو الصفة يقدح اشتراط قرض آخر أو التسليم في بلد آخر مع الاطلاق، فللمقترض المطالبة في أي بلد شاء إلاَّ أن يكون ضرر على المقترض فيتعيّن بلد التسليم.

وصيغته: أقرضتك أو أدنتك، وكلما دلَّ عليه عند العرف ولو بالقرائن، والقبول: قبلت، واستندت ونحوهما وكلّما ينضبط قدراً ووصفاً ولا يعسر حصوله يصح قرضه وإذا غاب الدائن ولم يعلم خبره وجب على المديون طلبه بالنحو المتعارف من السؤال ونحوه ثم الوصية به عند الوفاة إن لم يجده فإن مضت مدة لا يعيش مثله إلى مثلها دفعه إلى ورثته وإلاَّ فلحاكم الشرع، ولا تصح قسمة الدين ولا بيع الدين بالدين سابقين أو حادثين أو مختلفين حالين أو مؤجلين، ويصح بالحاضر أقل أو أكثر إن كان من غير جنسه أو لم يكن ربوياً.

ويجوز للمسلم أن يستوفي دينه مما قبضه الذمي من ثمن ما باعه من المحرمات كالخمر والخنزير ولو باع شيئاً منها وأسلم كان له المطالبة بالثمن، وثوابه عظيم ويكفي فيه قوله تعالى: [مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً] بناءً على ارادة اقراض بعضهم لبعض كما في جملة من التفاسير، وفي الأخبار (أنه أفضل من الصدقة فإن الواحد منها بعشرة) ومنه بثمانية عشر أو عشرين. وفي خبر (إن له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوي وطور سيناء حسنات، ومن رفق في طلبه تعدى على الصراط كالبرق الخاطف بغير حساب ولا عذاب)، (ومن شكى إليه أخوه المسلم ولم يقرضه حرّم الله عليه الجنة)، والأخبار فيه مستفيضة حد الاستفاضة والسر في رجحانه على الصدقة ظاهر.

والله الموفق وبه المستعان

 

الرهن

وهو عقد لازم من طرف الراهن خاصة، يفيد توثّق الدائن ليستوفى حقه منه ودخوله في المعاوضات يحتاج إلى نوع كلّف والإيجاب رهنتك هذه العين على الدين الفلاني مجموعاً أو جميعاً، أو هذه وثيقة عندك أو رهن وما أدى ذلك عرفاً ويلزم تعيين الدين قدراً وجنساً ووصفاً.

والقبول: قبلت وارتهنت ونحو ذلك ويلزم المطابقة والتوالي، والأحوط وقوعه بالعربية والماضوية، ونماء العين المرهونة للراهن ولا يدخل في الرهن إلاَّ مع الشرط ويلزم أن يعين وضعه في يد الراهن أو المرتهن أو ثالث، ويصح فيه كل شرط سائغ لا ينافيه فلو شرط أن لا يباع لم يصح والأقوى صحته قبل القبض ولا يبعد كونه شرطاً في اللزوم والضابط في الرهن أن يكون المرهون عيناً مملوكة يصح بيعها ويمكن للمرتهن قبضها على حق ثابت في الذمة من عين كلية أو منفعة كذلك، بل يصح على العين الخارجية أو منافعها حيث تكون مضمونة كالمقبوض بالسوم وعارية الذهب والفضة. وكل منهما ممنوع من التصرف إلاَّ بإذن الآخر وحق الرهانة يورث والمرتهن أمين لا يضمن إلاَّ بالتعدي فيضمن المثل أو القيمة يوم التلف على الأصح والقول قوله بيمينه في عدم التفريط وفي عدم زيادة الدين لا في كونه رهناً أو وديعة وهو أحق بالعين من سائر الغرماء إن أفلس الراهن، وإذا خاف جحود الوارث أو الراهن ولا بيّنة جاز له الاستيفاء منها ببيع أو غيره، وكذا مع مماطلة الراهن وعدم امكان الرجوع إلى الحاكم أو عدم فائدته.

ومن عقود المعاوضات:

الهبة المعوضة

أما أصل الهبة فهي من عقود التمليك المجاني، ولا تصح إلاَّ بإقباض المالك أو اذنه أو هبته ما في يد المتهب، ولكنها جائزة حتى بعد القبض والتصرف. نعم، تصير لازمة بأحد أمور ثلاثة:

1- بقبض ذي الرحم أو الزوج أو الزوجة.

2- أو بعد التلف.

3- أو كونها معوضة.

ولا تلزم بمطلق التصرف. نعم، لو نقلها بعقد لازم من بيع ونحوه كان ذلك بحكم التلف. ويلزم أن تجعل المعاوضة بين الهبتين لا الموهوبين فيقول: وهبتك هذا على أن تهبني ذاك، لا وهبتك هذا بذاك، ولا يلزم أن يكون التعويض في ضمن العقد بل يصح أن يقع قبله أو بعده، فلو قال: وهبتك هذا عوضاً عن هبتك السابقة أو اللاحقة، فقالت: قبلت، صارت هبته معوّضة وجرى عليهما معنى حكم اللزوم وإن كان جواز رجوع الثاني فيعود حكم جواز الرجوع للأول لا يخلو من وجه، ولا تختص الصيغة بالهبة ومستقاتها، بل يصح بمثل نحلتك وملكتك وأهديتك واعطيتك وما أشبه ذلك، وكذا القبول ونماء العين الموهوبة بعد القبض وقبل الرجوع وإن كانت متصلة فهي تابعة للعين وإلاَّ فهي للمتّهب.

وكما يصح هبة العين يصح هبة المنافع والحقوق فيصح هبة منفعة الدار أو الدابة وإن رجع أثراً إلى العارية وهبة ما في ذمته وإن رجع إلى الإبراء، ولكن تظهر الثمرة والفرق في الحاجة إلى القبول وفي اللزوم، أما هبة الكلي أو ما في ذمة الغير فيصح بعد قبض فرده، والهبة إن قصد بها القربة صارت صدقة ولزمت مطلقاً.

الصُلح

وهو سيّد الأحكام، وقد شرع لقطع التشاجر والخصام إلاَّ ما حرّم الحلال وحلل الحرام، ويعتبر في المتصالحين كل ما يعتبر في العقود من العقل والبلوغ والرشد والاختيار ونفوذ التصرّف وأركانه المصالح عنه من عين أو دين أو حق أو منفعة والمصالح به، والصيغة هي: صالحت وقبلت، وهو قسمان:

 1- أختياري: وأصل معناه التسالم والتوافق وقد شرع لقطع الخصومة المحققة أو المقدّرة وهو لازم من الطرفين لا ينفسخ إلاَّ بالتقائل، وتختلف فائدته بأختلاف موارده فقد يقصد به التسالم على نقل العين أو المنفعة بعوض فيفيد فائدة البيع أو الإجارة، وقد يقصد منه التسالم على تمليك واحد منهما بغير عوض فيفيد فائدة العارية والهبة، وقد يقصد منه اسقاط ما في الذمة فيفيد فائدة الابراء وليس هو واحد من هذه الخمسة وإن أفاد فائدتها بل الحق أنه عقد برأسه، ولهذا يكون لازماً في مقام الهبة والعارية وإن لم يكن فيه أحد ملزماً بهما، ولا يجري فيه خيار المجلس والحيوان وإن أفاد فائدة البيع، أما حرمة الربا فقد أختلف العلماء في جريانه في الصلح وعدمه والمسئلة مشكلة فلا ينبغي ترك الاحتياط في الاجتناب فلا يصالح عن وزنة حنطة بوزنتين وهكذا، ويصح الصلح مع الإقرار والانكار ومع عدم شيء منهما، وليس طلبه اقراراً ويصح مع علمهما بالمقدار المصالح عنه وعدمه على دين أو عين أو حق، فلو كان لكل منهما طعام عند الآخر لا يعلم كل منهما مقدار ما عنده فتصالحا على أن يكون لكل واحد منهما ما عنده صحَّ.

نعم، لا بد من معلومية المصالح به في الجملة ومع ذلك فهو يتحمل من الجهالة والغرر ما لا يتحمله سائر العقود اللازمة، ويصح كل شرط سائغ فيه لا ينافيه حتى الخيار لهما أو لأحدهما أو لثالث أو للجميع أو للمجموع، ويبطل بظهور استحقاق أحد العوضين إذا كان شخصياً، ويصح الصلح على الحقوق المالية أعني ما يقابل بالمال كحق الشفعة والخيار ونحوهما، بل وكحق السكنى في المدرسة والأوقاف العامة كالخان ونحوه. أما مثل حق المسجد والحضرات الشريفة فمشكل والأحوط الاجتناب، ويصح أيضاً على اسقاط الدعوى أو اليمين.

2- القهري: وهو ما حكم الشارع به تعبداً في بعض الموارد الخاصة لإنحصار العلاج ظاهراً فيه كما في درهمين بيد شخصين أو ليس في يد واحد منهما وادعاهما أحدهما وأدعى الآخر واحداً منهما فإنه يعطي النصف والباقي لمدعيّهما، وكما لو أودع واحد درهمين والآخر واحداً وتلف واحد بغير تفريط، وكما لو أشتبه الثوبان ومنها ما لو اشتبه طعام شخص بطعام آخر يباع الجميع ويقسم بالنسبة إلى كثير من أمثال ذلك مما ذكره الأصحاب.

ويدخل في عقود المعاوضات اللازمة ببعض الأعتبارات:

عقد المزارعة

وهي معاملة بين مالك الأرض والعامل على زرعها بحصة من نمائها، ويشترط فيها الصيغة على حد سائر العقود اللازمة، ولكن لا يلزم فيها صيغة مخصوصة بل يكفي كلّما دلَّ عليها نحو زارعتك أو عاملتك أو سلّمتها إليك للزرع مدة كذا، على أن لكل منّا نصف حاصلها أو لك الربع ونحو ذلك، والقبول: قبلت ونحوه، ويصح فيها كل شرط معلوم سائغ لا ينافي مقتضى العقد ولو شرط مع الحصة شيئاً من الذهب جاز على كراهية كما يكره اجارة الأرض للزرع وجعل الأجرة من الحنطة أو الشعير بل الأحوط الاجتناب، ويشترط فيها معلومية الأجل والحصة وكونها مشاعة كالنصف والربع وصلاحية الأرض للزرع ولا يلزم المباشرة إلاَّ مع الشرط وإذا بطل عقد المزارعة وكان العامل قد زرع فالزرع لصاحب البذر مطلقاً، فإن كان للمالك فعليه أجرة عمل العامل وإن كان للعامل فعليه أجرة الأرض للمالك وإن كان لهما فعليهما أجرة كل للآخر والزرع لهما وإن كان العمل غير الزرع فإن كان مع علم العامل بالفساد فلا شيء له وإلاَّ كان له أجرة المثل والخراج مع الاطلاق على المالك وإلاَّ فعلى ما اشترطاه.

المساقاة والمغارسة

وهي معاملة على سقي الأشجار النابتة لحصة مشاعة من ثمرها مدة معلومة وشروطها وأحكامها مثل المزارعة.

أما المغارسة فهي أن يدفع أرضاً لغيره ليغرسها ويكون المغروس بينهما سواءً أشترط للعامل حصة من الأرض أم لا، والمشهور بطلانها والأقرب الصحة، ويلحق أيضاً بعقود المعاوضات اللازمة.

السبق والرماية

ولابد فيهما من الإيجاب والقبول بكل ما دلَّ عليهما كقوله عاملتك على المسابقة على هذين الفرسين ويعيّن ما يركبه كل منهما في مسافة كذا، ويعيّن المبدأ والمنتهى على أنَّ من سبق منّا كان له هذه العشرة المبذولة مني أو من بيت المال أو من أجنبي ولو كان بينهما محلل قال الموجب على أنَّ من سبق منّا ومن المحلل فله العوض، ويقول في عقد المراماة: عاملتك على المراماة من موضع كذا إلى الغرض الفلاني عشر رميات مثلاً بسهم كذا عن قوس معيّنة ويعيّن جنسها على أنَّ من بادر مثلاً إلى اصابة خمسة منها فله كذا فيقول: قبلت، فمن سبق إلى أصابة الخمسة كان الجعل له وإذا قيّد بالمحاطة لم يكن إلاَّ لمن زاد على صاحبه بخمسة، ولو أطلقا قيل يحمل على المحاطة وهو محل نظر والمدار على ما يفهم في عرفهما ولا يصحّان إلاَّ في السهام والحراب والسيوف والأبل والفيلة والخيل والبغال والحمير خاصة، ويجوز العوض عيناً وديناً وإن يشترطاه للسابق أو للمحلل ولا يشترط تعيين شخص السهم والقوس، ويحصل السبق بتقدم العتق أو الكتد.

هذه جملة عقود المعاوضات اللازمة، وأما القسم الثاني وهو الجائز بالاصالة من عقود المعاوضات فهو منحصر ظاهراً في المضاربة والجعالة.

الجعالة

وهي برزخ بين العقد والإيقاع، فإن وقعت بإيجاب فقط فإيقاع، وإن كان مع قبول فعقد كالإجارة، ولكنه جائز فالجاعل مستأجر، والعامل أجير، والعمل هو المستأجر عليه، والجعالة الأجرة وتفارقها في كل ما يفارق العقد الجائز العقود اللازمة وفي عدم لزوم تعيين الأجير بل ولا العمل على نحو تعيينه في الإجارة فيكفي أن يقول من رد عبدي من أي مكان فله كذا ولا يكفي ذلك في الإجارة ويكفي في القبول فعله وله الفسخ قبل الشروع في العمل وبعده ويستحق العامل أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى إلاَّ إذا كان ذا أجزاء فيوزع المسمى ولو عمله جماعة كان المسمى لهم بالنسبة والقول قول الجاعل في مقدار الجعل وتعيين العمل وفي عدم السعي وقول العامل في قبض الجعالة والمتبرع لا شيء له، وتصح على كل عمل محلل مقصود للعقلاء ولا تضرّه الجهالة في الجملة ولا تصح مع الجهالة المطلقة مثل له على مال أو شيء، ولكن لو جاء بالعمل استحق أجرة المثل ولو صدر العمل متعدداً كما لو قال من كتب الدعاء الفلاني فله كذا، فكتب كل واحد من الجماعة نسخة استحق واحد جعالة على تأمل وتختلف المقامات.

المضاربة

فهي أن يدفع الإنسان أحد النقدين إلى غيره ليتجر فيه بحصة من ربحه فلا تصح إلاَّ بالأثمان الخارجية وبحصة مشاعة من الربح كالثلث والنصف ونحوهما ويصح لكل منهما كل شرط سائغ لا ينافيهما حتى ضمان المال مطلقاً، فلو شرط الاتجار في بلد أو جنس تعيّن ويضمن لو خالف، وللعامل أجرة المثل مع بطلانها وجهله وكذا مع فسخ المالك قبل ظهور الربح وتبطل بالموت، ويشترط العلم بمقدار المال ولا يتحمل العامل شيئاً من الخسارة إلاَّ مع الشرط ويملك حصة من النماء بالظهور وإن لم تصر العروض نقوداً فلو تفاسخا أخذ حصته بالنسبة والقول قوله في عدم التفريط وقدر رأس المال والتلف والخسران وقول المالك في قدر الحصة ونفقة العامل في السفر بقدر الكفاية مع الاطلاق على المالك كما أنَّ الاطلاق يقتضي الشراء بثمن المثل لا أزيد وبعين المال لا في الذمة.

السلك الثاني

في العقود المجرّدة عن المعاوضة ذاتاً

وهي أيضاً قسمان: الضمانات، والأمانات.

أعلم أن أسباب الضمان ونعني به دخول الشيء في العهدة نفساً كان أو مالاً شخصياً كان أو كلياً كثيرة ولكنها لا تخرج عن ثلاثة عناوين اليد والاتلاف والالتزام، أما اليد والاتلاف فكل من استولى على مال غيره وتلف في يده أو أتلفه ولو كان في غير يده من غير اذن من الشارع أو المالك في اتلافه أو قبضه بغير ضمان فهو ضامن له بمثله أو قيمته سواء كان عالماً أو جاهلاً بالغاً أو صبياً وسواءً كان مقدماً على الضمان أم لا.

وأما الالتزام فيتحقق في ثلاثة عناوين: الضمان بالمعنى الأخص، والحوالة، والكفالة، والكلام يقع في أركان الضمان وهي خمسة:

(1) صيغة الضمان، ويشترط فيها الإيجاب باللفظ الدال عليه عرفاً، والأحوط عدم كفاية الفعل وإن دلَّ عليه بالقرائن فلا تكفي المعاطاة. نعم، لا يشترط اللفظ الخاص فيقع بمثل ألتزمت وتعهدت وعليَّ مالك على فلان ونحو ذلك، والقبول من المضمون له، ولا يبعد كفاية الفعل هنا بل مطلق الرضا ولا يخرج بذلك عن العقود فإن العقد ما يعتبر فيه رضا الطرفين والإيقاع ما يكفي فيه رضا طرف واحد.

وأما رضا المضمون عنه فغير لازم إلاَّ إذا استلزم ضرراً عليه ولو في شأنه والتنجيز فلو علّقه على اذن الغير بطل. نعم، لو قال أنا ضامن لكَ إن لم يفِ لكَ إلى الأجل الفلاني لم يبعد الصحة.

(2) الضامن ويشترط أن يكون بالغاً عاقلاً فلا يصح ضمان الصبي وإن كان مميزاً إلاَّ مع الغبطة واذن الولي ولا المجنون إلاَّ في حال افاقته مختاراً فلا يصح من المكره والمجبور - مطلق التصرف- فلا يصح من المحجور عليه بفلس أو سفه. نعم، لو ضمن المفلس تعلّق بذمته فلا يشارك الغرماء في أمواله حراً فلا يصح من العبد إلاَّ بأذن سيده فيصح على نحو ما اذن. نعم، لا يبعد صحة ضمانه على ذمته ويتّبع به بعد العتق بناءً على ما هو الحق من أن ذمة العبد حرة.

(3) المضمون له ويشترط كونه بالغاً عاقلاً مختاراً غير محجور عليه ولا مملوك إلاَّ مع الاذن.

(4) المضمون عنه ولا يشترط فيه إلاَّ كونه مشغول الذمة بالمال ولا يعتبر بلوغه ولا عقله ولا رضاه إلاَّ في صورة الضرر عليه.

(5) المال المضمون ويعتبر كونه ثابتاً في ذمة المضمون عنه مستقراً عليه كالقرض والعوضين في البيع والإجارة اللازمين أو متزلزلاً كأحدهما في العقود الغير اللازمة أصالة أو بالعارض، فلا يصح ضمان ما لم تشتغل الذمة به، فلو قال: أقرض فلاناً وأنا ضامن، أو بعه نسيئة وأضمن الثمن لم يصح اجماعاً. نعم، لا يبعد صحته فيما لو كان المقتضى للاشتغال موجوداً وإن لم تشتغل فعلاً كما في العارية المضمونة والمقبوض بالسوم ونفقة الزوجة سنة أو أكثر ونحو ذلك، ولا يعتبر براءة ذمة الضامن من مثله للمضمون عنه كما هو المشهور لما عرفت من صحته من المتبرع. نعم، يعتبر امتياز المال المضمون والمضمون عنه عند الضامن بحيث يصح منه قصد الضمان فلا يصح أن يقول أحد الدينيّن الدين لك على زيداً أو الدين الذي لك على زيداً والذي لكَ على عمرو. ونعم، يصح ضمان الدين الذي على زيد وإن لم يعلم أنه لعمرو أو خالد لتعينه هنا واقعاً بخلاف الأول، ومن هنا ظهر أنه يصح الضمان، لو قال: ضمنت دينك على فلان وإن لم يعلم بمقداره ولا يجنسه ولا يصح لو قال ضمنت شيئاً من دينك على فلان. وإذا وقع الضمان مستجمعاً للشرائط انتقل الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن وبرئت ذمة المضمون عنه عندنا خلافاً للعامة حيث جعلوا الضمان ضم ذمة إلى ذمة، والعمومات والقواعد لا تأباه لولا الاجماع.

والضمان لازم لا يجوز للضامن ولا المضمون له فسخه والرجوع إلى المضمون عنه إذا كان الضامن ملياً مطلقاً أو معسراً وهو عالم وقت الضمان بأعساره، أما لو كان جاهلاً فله الرجوع. وإذا أبرء المضمون له ذمة الضامن برئت كما برئت ذمة المضمون عنه قبله بالضمان ولا أثر لإبراء ذمته إلاَّ إذا استفيد من كلامه إرادة إسقاط أصل الدين فتبرأ ذمة الضامن أيضاً وعلى تقدير كون الضمان ضم ذمة إلى أخرى فلو أبرأ ذمة أحدهما لا تبرأ ذمة الآخر على التحقيق.

يجوز ضمان الدين الحال والمؤجل حالاً ومؤجلاً في كل منهما بالمساوي والأزيد والأنقص، ويرجع الضامن على المضمون عنه مع اذنه حالاً إذا كان أصل الدين كذلك، وإن ضمنه مؤجلاً، أما لو كان مؤجلاً فإن ضمنه كذلك لم يكن له الرجوع إلاَّ بعد الاداء، أما لو ضمنه حلاً فالأقوى أيضاً عدم الرجوع حتى يحضر الأجل إلاَّ مع التصريح في الأذن بالرجوع كذلك ولا يرجع إلاَّ بما غرم فلو أنقصه ولو صلحاً رجع بالناقص ومع الاذن بالزيادة يرجع بالزائد وهكذا، ويجوز الدور في الضمان والتسلسل مع الفائدة بل مطلقاً والضامن إن كان متبرعاً فلا رجوع له على المضمون عنه وإن كان بسؤاله رجع عليه بما دفع ولا حق له بالرجوع قبل الدفع ولا بأصل الدين إذا دفع الأقل.

الحوالة

وهي أيضاً تفيد نقل المال من ذمة إلى أخرى وجعلوا الفرق بينها وبين الضمان أنه من بريء الذمة والحوالة من مشغول الذمة وفيه نظر ذكرناه في (تحرير المجلة) وعلى كلٍ فيعتبر فيها:

1- رضا المحيل والمحال بلا اشكال بل والمحال عليه على الأصح حتى لو كان مشغول الذمة فضلاً عمّا لو كان بريئاً.

2- واشتغال ذمة المحيل للحال دون المحال عليه بناءً على صحة الحوالة على بريء.

3- وتعيين المقدار وإذا تحققت الحوالة بشروطها العامة والخاصة لزمت وتبرء ذمة المحيل وتشتغل ذمة المحال عليه للمحال إن كان ملياً أو كان عالماً بأعساره حين القبول وإلاَّ فله الفسخ، ولو طالب المحال عليه بما أدّاه فأدعى المحيل أنه مديون له بذلك المقدار فالقول قول المحال عليه مع يمينه، والمشتري إذا أحال البائع بالثمن ثم انفسخ البيع فإن كان البائع قد قبض ردّه إلى الدافع ويحتمل ردّه إلى المشتري والمحال عليه يرجع عليه إن لم يكن مشغول الذمة له وإن لم يكن قبض فالحوالة باطلة.

أما لو أحال البائع أجنبياً ثم فسخ لم تبطل الحوالة ويرجع المشتري على البائع بما دفع بحوالته ولو ظهر بطلان البيع في الصورتين بطلت الحوالة قبل القبض وتراجعا بعده.

الكفالة

وهو التعهد بإحضار نفس، ويشترط فيها رضا الكفيل والمكفول له دون المكفول وإن كان هو الأحوط ولا يلزم الأجل ولو أجّلت لزم تعيينه، ويصح أن يكفل أحد الشخصين المعينين ولو أبهم بطلت، وعلى الكفيل احضار المكفول أو دفع ما عليه إن رضى المكفول له ومن أطلق شخصاً من يد غريمه قهراً لزمه اعادته أو دفع ما عليه، ولو سلّم الكفيل المكفول أو مات أو سلم نفسه أو أبرأه المكفول له برء الكفيل ولو عيّنا موضع التسليم لزم وإلاَّ ففي بلد الكفالة، وإنما تصح الكفالة في الحقوق لا في الحدود والتغريرات، ولو دفع الكفيل الحق رجع به على المكفول إن كان بإذنه وإلاَّ فلا، وكذا لو اذن في الكفالة فقط وامتنع عن الحضور فإنه يرجع عليه بما غرم.

الوكالة

وهي استنابة في التصرف ويكفي فيها كل ما دلَّ على الاستنابة، فإن وقعت بإيجاب وقبول فهي عقد وإلاَّ فهي اذن ورخصة لا عقد بل ولا ايقاع على الأصح وعلى كلا الحالين فهي جائزة من الطرفين ولو عزله الموكل بطل تصرفه بعد العلم لا قبله ولو بعد العزل، وتصح في كل ما لا يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر خاص والوكالة عامة وخاصة وكل منهما مطلقة ومقيّدة، وإذا قيّدت بزمان أو مكان أو غيرهما لزم الاقتصار عليه فلو تعدى بطل إلاَّ مع الفحوى كما لو وكّله على بيع كتابه بعشرة فباعه بعشرين أو وكّله على شرائه بمقدار فأشتراه بأقل حيث لا يعلم الغرض الخاص ويشترط فيهما مضافاً إلى الشرائط العامة أهلية الموكّل بعدم الحجر عليه لسفه أو فلس وتبطل بالموت والجنون والإغماء على تأمل وزوال موضوعهما ومنه فعل الموكّل ما وكل فيه واطلاق الوكالة يقتضي البيع حالاً بثمن المثل فما زاد بنقد البلد الغالب وابتياع الصحيح والتسليم والتسلّم ورد المعيب، ولا تصح وكالة العبد إلاَّ بإذن مولاه إلاَّ في إجراء صيغة ونحوها. ولو وكّل اثنين فإن كان على الانفراد نفذ تصرّف السابق منهما ولو اقترنا صحا مع الاتفاق وبطلا مع الاختلاف وإن كان على الانضمام لم يصح تصرّف كل منهما منفرداً ولا تثبت إلاَّ بشاهدين عدلين ولا يضمن الوكيل إلاَّ بعد التعدي والتفريط ولا تزول بهما وكالته إلاَّ في موارد العدالة كما لو وكّله على الوقف أو أموال القاصرين ونحو ذلك، والقول قوله في عدمهما وفي عدم العلم بالعزل وفي التلف والتصرف وقول الموكّل في الرد على الأصح كما في نظائره من الإجارة ونحوهما وفي انكار الوكالة ولو أدّعى الوكيل تعيين ثمن أو مثمن أو غير ذلك فالقول قول الموكل ولو زوج فأنكر المزوّج الوكالة حلف وعلى الوكيل المهر، وقيل نصفه إن لم تصدقه الزوجة في دعواه الوكالة ويجب أن يطلقها المزوّج ولو قلنا ببطلان العقد ظاهراً والزوج مكلّف بالواقع بينه وبين ربّه ولا يغرم الوكيل شيئاً كان حسناً.

الشركة

وهي كون المال الواحد أو الأموال الشخصين أو اشخاص على نحو الإشاعة، وتكون أما بسبب قهري كارث ونحوه أو أختياري كحيازة أو احياء أو مزج ومحلها العين والدين والحق والمنفعة، فإذا أمتزج المالان اختياراً أو قهراً بفعلهما أو بفعل أجنبي تحققت الشركة الواقعية إذا صار المالان بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر كأمتزاج المائعين أو الدقيقين أو الدراهم والدنانير صحّت الشركة العقدية بينهما وهي عقد على الأسترباح بالاكساب بعمل الشريكين أو أحدهما في ذلك المال المشترك، ويكون الربح والخسران بينهما على نسبة المالين وهي قريبة الحقيقة من المضاربة، ولكن المال هناك من واحد والعمل من آخر والمال هنا كالعمل من الأثنين وهذه هي المعروفة عند أصحابنا بشركة العنان المتفق على صحتها وعدم صحة (شركة الأبدان) بأن يتعاقدا على الاشتراك فيما يحصل من أعمالهم أتفق العمل أو أختلف فإنها باطلة ولكل واحد حق عمله لنفسه، ولا (شركة الوجوه) بأن يتعاقد وجيهان لا مال لهما على أن يشتريا في الذمة ثم يبيعا ويؤديان الدين والزائد لهما و(لا شركة المفاوضة) بأن يتعاقدا على أن يكون كل ما يربحان في تجارة أو ميراث أو لقطة أو حيازة بينهما وما يلتزمان من اتلاف أو جناية عليهما، ولو أوقعا هذه الأنحاء الثلاثة بنحو الصلح لم يبعد الصحة، ويشترط في شركة العنان أمتزاج المالين بحيث لا يمتازان فلو تشاركا في الممتازين وتلف أو ربح أو خسر فهو مختص بمالكه وأن يكونا معلومين حاضرين فلو كانا مجهولين أو غائبين بطلت ولا يلزم التساوي في المال ولا في العمل ولا الربح والخسران بل كل ذلك حسبما يتفقان عليه ومع الاطلاق فالربح والخسران على نسبة المال، ولو شرطا تمام الربح لأحدهما بطل ولو شرطا الخسران على واحد منهما صحَّ ولا يجوز لأحدهما التصرف إلاَّ بإذن الآخر ويقتصر على مقدار الأذن على نحو ما مر في المضاربة وهو عقد جائز لكل منهما فسخه متى شاء، فيقتسمان المال المشترك الحاضر نقوداً أو عروضاً وليس لأحدهما المطالبة بإعادة رأس المال منها، بل يقتسمان الموجود زاد أو نقص ولو شرطا المدة في عقد لازم لزمت ويبطل هذا العقد بموت أحدهما أو جنونه والشركة باقية حتى يقسمه مع الورثة، ولا يجوز للشريك التصرف إلاَّ بأذنهم، ويكره مشاركة المسلم للذمي، ويستحب مشاركة ذوي الحظوظ.

القسمة

وهي وإن لم تكن من العقود، ولكنها تفيد فائدتها وليست بيعاً ولا معاوضة، ويراد بها تمييز حقوق الشركاء ولابد فيها من تعديل السهام فتكون أما قسمة افراز كما في المثليات كالأطعمة ونحوها، أو قسمة تعديل كما في القيميات مثل العبيد والجواهر فقد يكون اثنان أو أكثر في قبال واحد، أو قسمة رد كعبدين قيمة أحدهما مائة والآخر خمسين، وربما صحّت من اثنين من هذه الأنواع أو أكثرهم هي، أما قسمة تراضي أو قرعة وإذا طلب أحد الشركاء القسمة ولم يكن فيها ضرر أجبر الباقون عليها وإن كان فيها ضرر أو لم تكن قابلة للقسمة أصلاً ترفع القضية إلى الحاكم فيحكم بإزالة الشيوع، أما بأن يشتري أحدهم حصص الباقين أو البيع على أجنبي وقسمة الثمن، وهي إذا وقعت بعد التراضي أو بعد القرعة لازمة ليس لأحدهما العدول عنها إلاَّ إذا تبيّن الغلط فيها وعلى مدعيّه البينة أو يحلف الآخر فإن نكل حلف المدّعي واعيدت، ولو ظهر استحقاق البعض للغير فإن كان معيناً بالسوي فلا نقض وإلاَّ نقضت.

القسم الثاني

في العقود المجانية

أي التي ليس فيها عوض مادي، وأولها:

الهبة

وتسمى العطية والنحلة والهدية، والمراد بالجميع تمليك العين مجاناً، وهبة الدين وإن صحّت ولكنها ابراء وإن كان على الغير صحّ بعد قبض فرده فيرجع إلى العين، وتصح في المنفعة وترجع إلى العارية ويظهر الفرق في موارد اللزوم فإن عارية الرحم لا تلزم وهبة الرحم لازمة، ولا تصح إلاَّ بالقبض ويعتبر فيها الإيجاب والقبول بكل ما دلاّ عليها ولو بالمعاطات، ويكفي قبض الولي عن الصبي وهو عقد جائز فله الرجوع بعد القبض، وتلزم بالتلف أو التعويض أو التصرف الموجب لتغيّر العين أو كون الموهوب له رحماً أو زوجاً أو زوجةً وتلزم أيضاً بموت أحدهما ولو رجع بعد القبض فالنماء الحاصل بعد المنفصل للموهوب له ولو عابت فليس له المطالبة بالأرش، والهبة إن قصد بها القربة لزمت وصارت صدقة لا رجوع فيها ولو على الأجنبي وهي الصدقة بالمعنى الأعم، أما الصدقة بالمعنى الأخص فهي الوقف وأخواته الرقبى والعمرى والسكنى.

الوقف

ولفظه الصريح وقفت وتصدّقت، ويكفي كل ما دل عليه ولو بالقرينة، والأحوط القبول سيّما الوقف الخاص، ولا يصح إلاَّ بالقبض ونية القربة والتنجيز والدوام، فلو شرط عوده أو إلى أمد أو لمن ينقرض غالباً صار حبساً ورجع إلى ورثة الواقف، ويشترط أن يكون عيناً مملوكة يمكن الانتفاع بها مع بقائها، وإن كانت مشاعة لا حقَّ فيها للغير ولا يصح الوقف على المعدوم إلاَّ تبعاً للموجود وتعيينه وله أن يجعل الولاية لنفسه فإن أطلق فالولاية لأربابه، ولا يصح الوقف على الكنائس والبيع من المسلم، ويصح منهم.

والوقف على الفقراء ينصرف إلى فقراء المسلمين إن كان الواقف منهم ويبطل على الحربي، والمسلمون من يصلي إلى القبلة ولو قال على آل فلان أو من أنتسب إلى فلان دخل الذكور وأولادهم والبنات دون أولادهن من الأجانب، ولو وقف على أولاده وأولاد أولاده شمل أولاد البنين والبنات الذكور والإناث إلاّ إذا دلّت القرينة أو العرف على الاختصاص بالذكور، وكلّما اشترطه الواقف من شرط مباح في ذاته يكون لازماً وإذا بطلت الجهة الموقوف عليها كما لو أنهدم المسجد أو هجرت المدرسة صرفت غلة الوقف في وجوه البر الأقرب فالأقرب بنظر حاكم الشرع.

وإذا وقف على الفقراء أو العلويين لا يختص بأهل بلد الوقف أو الواقف إلاَّ مع القرينة، كما لا يجب الاستيعاب، والتعيين إلى المتولي وإذا بطل الوقف لأحد مسوغات بيع الوقف للخلف الشديد بين أربابه المؤدي إلى خرابه أو اشرافه على التلف أو أمثال ذلك وجب شراء ملك بثمنه ووقفه على نحو الوقف الأول، فإن لم يمكن قسِّم بين أربابه بنحو قسمة الغلة بينهم فإن انقرضوا فعلى وجوه البر بنظر حاكم الشرع.

التحبيس

أن يحبس داره أو كتابه على جهة من جهات الخير في سبيل الله تعالى، فيبقى ذلك ما دامت العين باقية هذا هو الحبس المطلق، أما لو حبس داره مثلاً على سكنى زيد فإن عيّن مدة لزمت وإلاَّ كان له الرجوع متى شاء، وهذه هي السكنى وتختص بما يصلح لأن يسكن فيه وإن حبس ماله من دار أو دابة أو غيرهما على شخص أو على جهة خير فإن عيّن مدة لزمت أيضاً إلى انتهائها وهي الرقبى من الارتقاب أو من رقبة الملك فهي أعم من السكنى من وجه، وإن لم يعيّن مدة، ولكن جعلها مدة عمره أي عمر المالك أو عمر المحبس عليه فهي العمرى، والتحبيس أعم من الجميع، وتشترك أجمع في انها تمليك للمنفعة مدة مع بقاء العين لمالكها فلو باعها صحَّ، ولكن مسلوبة المنفعة لأنها من أنواع الصدقات اللازمة عدا الحبس الذي لم تعيّن فيه مدة ولا تلزم إلاَّ بالإيجاب والقبول وقبض المحبس عليه واطلاق السكنى يقتضي سكناه بنفسه ومن جرت العادة بسكناه معه، ومن العقود المجانية:

العارية

ويراد منها التسليط على الانتفاع مجاناً فيشتبه الاجارة من حيث تعلقه بالمنفعة ويباينه من جهتين الملكية والمجانية فإن العارية لا يملك المستعير بها المنفعة، ولذا لا يقدر على بيعها بخلاف الإجارة ثم التسليط المزبور إن وقع بإيجاب وقبول كانت عقداً وإن وقعت بالإذن والرخصة كانت أشبه بالإيقاع لا ايقاعاً ويكفي في عقدها كل ما دلَّ عليها لأنه من العقود الجائزة، ويعتبر في المعير والمستعير سائر الشرائط العامة وأن يكون المعير مالكاً للعين أو لمنفعتها ملكاً طلقاً أو مسلطاً عليها بوكالة أو ولاية أو وصاية أو أذن، ولو أعار بدون شيء من هذه فهو فضولي، ويعتبر في المستعير التعيين فلو أعار كتابه لأحد الشخصين بطلت عارية وصحّت اباحة، والمستعار كلّما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، فكل ما صحّت اجارته صحّت اعارته وتصح اعارة الشاة للحلب لا اعارة نفس الحليب وهكذا في امثالها، ويعتبر أن تكون المنفعة محللة فلا تصح اعارة أواني الذهب والفضة للأكل ولا الصيد للمحرم وهي عقد جائز، والمستعير أمين لا يضمن إلاَّ مع التعدي أو التفريط أو اشتراط الضمان أو كانت عارية ذهب أو فضة فإنها مضمونة مطلقاً.

نعم، لو اشترطا سقوطه سقط كأشتراط سقوطه مع التعدي ولو ادعى المالك الإجارة والآخر انها عارية فإن كان قبل الانتفاع اصلاً حلف مدعي العارية وأخذ المالك العين إن شاء وإن كان بعده حلف المالك وأخذ أقل الأمرين من أجرة المثل وما يدعيه من المسمى ولو اختلفا في الرد بعد الاتفاق على العارية فقول المالك بيمينه إلاَّ إذا أقام المستعير البينة، وفي التعدي والتفريط على العارية والقيمة في مورد الضمان يقدم قول المستعير بيمينه إلاَّ مع بينة المالك.

الوديعة

وهي استنابة في الحفظ وهي الأمانة الجليّة والجليلة التي يحرم خيانتها حرمة شديدة، ويجب ردّها إلى اهلها من برٍ أو فاجر حتى المجوس والنواصب وقتلة الأنبياء وأولادهم وهي عقد يفتقر إلى ايجاب وقبول ولكنه جائز، فيكفي فيه كلّما دلَّ عليه من قول أو فعل، ويعتبر في المتعاقدين كلّما يعتبر في سائر العقود ولا سيّما الاختيار والرشد ويجب عليه حفظ الوديعة بما جرت به العادة كل شيء بحسبه فلو قصّر ضمن ولو عيّن المالك موضعاً تعيّن ولا ضمان ولو تجاوزه ضمن إلاَّ مع خوف التلف فيه فينقلها إلى الأحفظ، ونفقات الوديعة على المالك مطلقاً إلاَّ مع الشرط وهي امانة مالكية لا يجب ردها إلاَّ مع طلب المالك وقول المدّعي هنا بالرد مصدّق بيمينه لا لأنه أمين بل لأنه محسن، فقد قبض لمصلحة المالك وما على المحسنين من سبيل وكذا في انكار التعدي والتفريط، أما مع التعدي فتزول الأمانة ولا يصدق في الرد والقول حينئذٍ قول المالك فيه وفي القيمة وتبطل بموت كل منهما.

الوصايا

وهي من المستحبات الأكيدة شرعاً للصحيح والمريض بل ربما تجب وأصل الوصية عند الأصحاب قسمان:

1- الوصية التمليكية: وتفيد فائدة الهبة فهي تمليك مجاني معلّق على الموت كالتدبير، وأركانها: الصيغة والموصي والموصى به والوصي أو الموصى له.

أما الصيغة فهي الإيجاب ويحصل بكل ما دلَّ على التمليك ولفظها الصريح: لفلان بعد وفاتي داري الفلانية، والقبول إن كان الموصي له يتمكن منه كما لو أوصى لكبير حاضر أو لقاصر فيقبل وليّه فتكون حينئذٍ عقداً وإلاَّ لم يلزم كما لو أوصى للمساجد أو القناطر أو الفقراء فتكون ايقاعاً، ويمكن القول بعدم اعتباره مطلقاً وعلى تقدير اعتباره فلا تلزم فوريته.

وأما الموصي فيعتبر فيه مضافاً إلى الشرائط العامة أن يكون حراً مالكاً رشيداً فمن أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه كالمنتحر لم تنفذ وصيته إن دلَّ ذلك على فقدان رشده حين الوصية، أما لو تقدمت الوصية فالأقوى الصحة.

وأما الموصى له فيعتبر أن يكون موجوداً حال الوصية فلا تصح الوصية على الأشهر لمن يولد بعد، وتصح للحمل اتفاقاً فإن ولد حياً ملك وإلاَّ بطلت كالأرث والنماء يتبع العين ويعتبر فيه التعيين أيضاً فلو أوصى لأحد الرجلين بطلت وقيل بالقرعة وقيل يتخيّر الوصي بدفعه لمن شاء والأصح البطلان، وأن يكون حراً فلو أوصى لمملوك غيره بطلت مطلقاً، ولو أوصى لمملوكه صحّت وتنصرف إلى عتقه وتستحب الوصية للقرابة الأقرب فالأقرب، ولا تصح في معصية، وتصح للذمي وإن كان بعيداً دون الحربي وإن كان قريباً.

وأما الموصى به فيعتبر أن يكون مملوكاً وأن يكون قابلاً للإنتقال للموصى له وأن يكون فيه منفعة محللة مقصودة للعقلاء، فلا تصح في الوقف ولا في المصحف أو العبد المسلم للذمي ولا بما لا منفعة فيه لخسته وقلّته كالحشرات أو حبة الحنطة ولا بآلات اللهو، ولا يشترط الوجود حال الوصية فيصح بما تحمله الدابة أو الشجرة ولا التمييز فتصح بالمشاع ولا التشخيص فيصح بصاع من صبرة ولا التعيين فتصح بأحد العبدين، ويتخيّر الوصي أو الوارث كما يتخيّر في المبهم كالنصيب والقسط القليل والكثير والسهم وأمثالها، ثم أن الوصية التمليكية لا تنفذ إلاَّ في الثلث فلو تجاوزت وقفت على اجازة الوارث مطلقاً في صحة أو مرض. نعم، لو لم يكن له وارث جازت وصيته في جميع ماله لمن شاء من وجوه البر.

2- الوصية العهدية: وهي من المستحبات المؤكدة وحق على كل مسلم ومن لم يحسنها كان نقصاً في مرونة وأصل معناها العهد وهو المراد بها هنا، فمعنى أوصى إليه عهد إليه أو جعل الموصي ما في عهدته من وفاء ديونه وتنجيز ثلثه في عهدة وصيه فتسبه الوكالة، ولكن بعد الموت، وأركانها ثلاثة:

1- الصيغة: ولفظها الصريح أنت وصيي أو جعلتك وصياً وما أشبه ذلك من مشتقاتها، ويكفي كلّما دلَّ عليها ولو بالإشارة والكتابة وهي بالإيقاع أشبه، ولذا لا يعتبر فيها القبول من الوصي بل يكفي عدم الرد الواصل إلى الوصي، فلو لم يصله أو ردّ بعد موته لم يجد ولزمته الوصية.

2- الموصي: ويعتبر فيه جميع الشرائط المتقدمة من البلوغ والعقل والرشد والاختيار والحرية والملكية وصحة الانتقال، كما يعتبر مثلها في:

3- الوصي: مضافاً إلى الاسلام والأمانة والتعيين والقدرة على التنفيذ ولو اوصى إلى صغير أو فاسق أو ضعيف ضمَّ إليه حاكم الشرع ناظراً أميناً وكذا لو طرء العجز، وتصح وصية الذمي إلى مثله وإلى مسلم وكما تصح إلى الواحد تصح إلى متعدد بالإنفراد وعلى الاجتماع أو التوزيع أو النظر والاشراف على الصرف فقط أو عليه وعلى المصرف ومع الاطلاق فالاشتراك ولو تشاحا فالمرجع حاكم الشرع، ويتعيّن على الوصي أن يعمل بما عيّنه الموصي ومع الاطلاق فيخرج أولاً من مجموع المال تجهيزاته الواجبة ثم ديونه الثابتة شرعاً ثم كل حق مالي ثابت عليه من خمس أو زكاة أو كفارة أو مظالم فإنها جميعاً من الديون تخرج من الأصل ومنها الحج الواجب عليه لنذر أو استطاعة أو نيابة ونحوها، ثم بعد ذلك يخرج ثلث الباقي فإن كان عليه واجبات بدنية كصوم وصلاة أخرجها من الثلث تسهيلاً على الورثة وإن كانت هي على الأصح من قبيل الديون وحق الله أحق بأن يقضي، فالقاعدة تقضي بخروجها من الأصل فإذا لم يوصِ الميت أصلاً وجب على الورثة اخراجها من الأصل إذا كانوا يعملون باشتغال ذمته بها أو عدم صحة صلاته التي كان يأتي بها لعدم معرفته بأحكامها كما هو الغالب وإن كان قد أوصى بها أو مطلقاً وجب على الوصي أن يخرجها من الأصل وإذا لم يمكنه الورثة أخرجها من الثلث فإن وفى بها فهو وإلاَّ أتمها من الثلثين الأخيرين وإن وفى بها وزاد صرف الزائد في الواجبات المالية ولو احتمالاً ويحرم على الوصي بل على الورثة صرف شيء من الثلث في المستحبات المتعارفة من جمعة وثالث وفاتحة واربعين ونظائرها قبل اداء الواجبات فإن المستحب لا يزاحم الواجب والعبد يعذّب على الواجبات ولا يعذّب على ترك المستحبات، وإذا أخلَّ الوصي أو الورثة بتفريغ ذمة الميت من الحقوق التي عليه مالية أو بدنية شاركوه في المسؤولية عند الله عزَّ شأنه وحلّت عليهم العقوبة جميعاً، وإذا أوصى الميت بنقله إلى العتبات المقدسة النجف أو كربلاء خرجت الزهبة الواجبة مثل اجرة التغسيل وقيمة الكفن ومصرف الدفن من الأصل ومصرف نقل الجنازة مع شخص واحد من الثلث ولا يجوز أكثر من ذلك، هذا إذا وفي الثلث بأجرة نقله مع اداء واجباته من صومه وصلاته وإذا كان الثلث لا يفي بذلك لغت وصيته وحرم نقله ووجب صرف الثلث في تفريغ ذمته من الواجبات إلاَّ أن يتبرّع الورثة بنقله من حقهم، هذا إذا أوصى الميت بنقله أما مع عدم الوصية فإن وفى الثلث بالواجبات وزاد شيء منه جاز نقله وإلاَّ حرم أيضاً إلاَّ مع التبرّع من وارث أو غيره فترتيب حقوق الميت التي يجب على الوصي أو الورثة العمل بها بعد موته:

أولاً: الزهبة الواجبة.

ثانياً: ديون المخلوق، ومنها الحقوق المالية حتى الحج.

ثالثاً: ديون الخالق جلَّ شأنه وهي العبادات البدنية.

وجميع هذه الأمور يلزم وجوباً أخراجها من التركة ولا يستحق الوارث شيئاً من التركة إلاَّ بعد اداء تلك الواجبات بتمامها كما قال جلَّ شأنه في القرآن المجيد في الأرث: [مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ]، ويجب على كل مكلّف إذا كانت عليه ديون لله جلَّ شأنه أو للعباد أو كانت عنده بضائع وودائع للناس أن يوصي بردّ الودائع والأمانات واداء ما عليه من الحقوق ويتأكد ذلك عند ظهور علامات الموت، وإذا أوصى بنقل جنازته وخيف عيها الفساد وظهور رائحة حرم نقلها بل تدفن في محلها وتنقل بعد جفافها، وإذا مات الوصي قبل انفاذ الوصية رجعت الوصية إلى حاكم الشرع فإن وصيّ الوصي ليس بوصي إلاَّ إذا صرّح له بأن يوصي عنه من بعده وإذا جعل ثلثه في عين مخصوصة من تركته تعيّنت فإن أطلق جاز بيعها وصرفها في الجهات اللازمة بنظر حاكم الشرع وإن عيّن بقائها والصرف من عائدها وتكون صدقة جارية تعيّن ذلك وإذا تعارضت وصاياه فالعمل على الأخيرة، ولا تثبت الوصية العهدية إلاَّ بشاهدين عدلين من الرجال ولا تثبت بشهادة النساء إلاَّ إذا حصل القطع من شهادتهن للحاكم أو الاطمئنان المتاخم للعلم.

أما التمليكية فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت بشاهدين وشاهد ويمين وشهادة رجل وأمرأتين وتمتاز بثبوتها بأربع نساء فإن شهد ثلاثة نقص ربع وهكذا إلى الواحدة فيثبت الربع.

الوصايا

التصرفات في مرض الموت إن كانت معلّقة على الموت كما لو قال أعطوا لفلان بعد موتي كذا فهي وصية تخرج من الثلث إن وفي بها وبالواجبات وإن زادت على الثلث توقّفت على اجازة الورثة، وإن كانت منجزة أي غير معلّقة على الموت فإن لم يكن فيها محاباة كبيع بثمن المثل أو اجارة كذلك فهي نافذة بلا ريب وإن كانت مجانية تماماً أو فيها محاباة فهي موضع الخلاف بين العلماء بين قائل بأنها من الأصل وقائل من الثلث والأصح عندنا التفصيل فأن كان فيها اجحاف أو قصد حرمان يظهر من الامارات بطلت أو أخرجت من الثلث إن كان وافياً، وفيه فضلة عن الواجبات وإلاَّ خرجت من الأصل والأحوط بل اللازم الرجوع إلى حاكم الشرع للتشخيص أنها من أي الأنواع.

ونسأله تعالى أن يختم لنا بخير ويمن علينا بحسن الخاتمة ويكرم وفادتنا عليه أن أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

الجزء الرابع من الوجيزة

وفيه عدة فصول:

الفصل الأول

في بيان حقوق وأحكام تتعلق ببعض المعاملات أو الأعمال أو الأموال

 

الشفعة

وهي حق أخذ الشريك حصة شريكه لو باعها من الشفع، مقابل الوتر يعني تكون له الحصتان مثلاً فإذا باع أحد الشريكين حصته المشاعة لأجنبي كان للشريك حق أخذها من المشتري بذلك الثمن بشروط:

(1) أن يكون غير منقول كالأرض وما يتبعها من نخل وشجر وبناء فلا شفعة في المنقول كالثياب والأمتعة ولا فيما لا يتبع الأرض كالنخلة مستقلة.

(2) أن يكون مشاعاً لا مقسوماً إلاَّ مع الشركة في الطريق أو الشرب من نهر أو ساقية.

(3) أن يكون مما يمكن قسمته فلا شفعة في الدكاكين الصغار والحمامات ونحوها.

(4) أن يكون الانتقال بالبيع لا بغيره من النواقل ولا يبعد ثبوتها في الصلح الذي يقصد منه البيع ولو باع الشريك مع الوقف كان لصاحب الوقف الشفعة فيما باعه الشريك من الملك الطلق، ويشترط في الشفيع أن يكون مسلماً فلا شفعة لكافر على مسلم، وأن يكون قادراً على الثمن فلا شفعة للعاجز أو المماطل ويؤجل إلى ثلاثة أيام ولو ادعى انه في بلد آخر يؤجل بمقدار الذهاب والأياب ما لم يتضرر المشتري، وإن لا يزيد الشركاء على اثنين، ولا يشترط فيه البلوغ ولا الرشد ولا العقل فتثبت للصغير والمجنون والسفيه ويأخذ لهم الولي مع الغبطة وتثبت للغائب ومتى حضر أخذ وهي على الفور فلو أهمل سقطت، ويأخذ الجميع أو يدع، وبما وقع عليه العقد قليلاً أو كثيراً.

نعم، لا تلزمه المصارف الخارجة عن العقد من دلالة ونحوها، وقد تبيّن أن الشفيع يأخذ من المشتري ودركه عليه لا على البائع. نعم، يرجع المشتري على البائع.

والشفعة تورث كالمال ولا يمنع الخيار من الأخذ بالشفعة ولا يمنع الأخذ بها من أعماله فلو حصل الفسخ بطلت، وإذا باع المشتري أو وهب أو وقف لا تبطل الشفعة وإذا أخذ بها بطلت، والقول قول المشتري بيمينه في مقدار الثمن وتسقط بالإسقاط ولو بظاهر الحال فإذا باع المشتري بحضور الشفيع ولم يشفع بطلت.

الإقرار

وهو أخبار عن حق سابق أو ملكية آخر لعين وليس له صيغة تخصه بل كلما أفاد معناه ولو بغير العربية أو بالكتابة والإشارة وعبارته الصريحة له عندي كذا أو له في ذمتي كذا أو هذا الثوب لزيد ولو علّقه بالمشية أو على شرط أو على شهادة شخص بطل إن اتصل وكذا لو قال: إن شهد فلان فهو صادق. ولو قال: إن جاء آخر الشهر فله عليّ كذا لزم بخلاف إن جاء زيد فله عليّ، ولو قيل أعليك لفلان كذا أو أليس لفلان عليك كذا فقال: نعم أو بلى أو أجل أو أنا مقرّ لزمه كل ذلك للظهور العرفي الذي عليه المدار في الإقرار، ويشترط في لزومه بلوغ المقر وعقله والحرية، ولو قال له علي مال وفسّره بما يتملك لزم ولو لم يفسّر حبس عليه والضابطة العامة في الإقرار أنه إذا أقرَّ بماله ظاهر في العرف ألزم به وإن لم يكن له ظاهر بأن كان مبهماً ألزم بتفسيره، ومن ذلك الاستثناء المتصل والمنفصل فإن المتبع فيهما هو الظهور العرفي ولا يسمع الإنكار بعد الإقرار ولو أقرَّ بعبد في يده وأنكره المقر له فأن كان رقيته مشكوكة حكم بحريته والأحوط مع ذلك أن يعتقه كل منهما وإن كانت معلومة رجع إلى حاكم الشرع من باب مجهول المالك.

هذا بعض الكلام في الإقرار بالمال، أما الإقرار بالنسب فيشترط في الإقرار بالولد مضافاً إلى ما سبق إمكان البنوة والجهالة وعدم المنازع وتصديق الولد إن كان كبيراً وكذا غير الولد، ولا يتعدى التوارث إلاَّ مع تصديق الولد الكبير ولو أقرَّ بأولى منه دفع له الميراث.

الحجرُ

 وهو منع الإنسان من التصرف في ماله لسبب من الأسباب وهي ستة:

(1) الصغر، ويمتد إلى البلوغ وعلاماته ثلاث: إنبات الشعر أو الإحتلام أو أكمال خمسة عشر، ولا يبعد تحققه بالأربعة عشر في الذكر وأكمال تسع في الأنثى.

(2) الجنون إلى أن يكمل عقله.

(3) السفه إلى حصول رشده.

(4) الرق إلى أن يتحرر.

(5) مرض الموت مانع من أطلاق التصرف فيما زاد على الثلث إلاَّ بإجازة الورثة كما سبق.

(6) الفلس، وهو قصور أمواله عن ديونه فيمنع من التصرف في أمواله الخارجية بأربعة شروط:

1- ثبوت ديونه عند الحاكم.

2- قصور أمواله عنها.

3- حلولها.

4- طلب أربابها من الحاكم إن يحجر عليه فإذا حجر عليه لم ينفذ تصرّفه في شيء من أمواله الموجودة حين الحجر من بيع وإجارة وصلح فضلاً عن الهبة والوقف والعتق.

نعم، لا يمنع من التصرفات الغير المالية وإن استلزمت مالاً كالنكاح والطلاق والقرض وكل ما يلزمه في هذه التصرفات من المال يتعلق بذمته، ولا يضرب المقرض والزوجة مع الغرماء كما أن له أن يكتسب بحيازة المباحات كالاحتطاب والاحتشاش ونحوها، ويبيع ويشتري بالذمة وما يحصل له من المال الجديد لا يدخل في الحجر واقرارته تنفذ عليه في ذمته لا على الغرماء ولو أقرّ بعين من أمواله التي حجر عليها تعلّقت قيمتها بذمته لمقرّ له ولا تحل ديونه المؤجلة بالحجر ولا يؤخر لها شيء بل تقسم على الحالة.

نعم، تحل بالموت ولو ظهر دين حال بعد القسمة نقضت ومن وجد عين ماله من الغرماء أخذها ولا يشاركونه فيها. نعم، غريم الميت لو وجد عين ماله فهو وسائر الغرماء بها سواء وينفق عليه وعلى عياله الواجبي النفقة قدر الواجب إلى يوم القسمة من أمواله المحجور عليها إن لم يكن له مال جديد ولا تباع دار سكناه ولا ثيابه وخادمه وكتبه اللازمة لمثله ولا يكلف بالاكتساب إذا لم يكن من شأنه، وولاية الطفل والمجنون للأب والجد ولمنصوبهما وإذا تجدد الجنون أو السفه بعد البلوغ فالولاية للحاكم.

الغصَبُ

وهو الاستيلاء على مال الغير عدواناً، ولا ريب في حرمته عقلاً كحرمته شرعاً، كما أنه لا اشكال في أنه ضامن مع التلف والاتلاف للعين والمنفعة بعموم قاعدة اليد ولو سكن الدار مع المالك فإن تصرّف مع المالك بالجميع ضمن الجميع منفعة وعيناً لو تلفت ولو لم يتصرّف إلاَّ في النصف ضمنه فقط، ولو غصب الحامل ضمنها مع الحمل ولو منع المالك من امساك دابته المرسلة وكان امساكه سبباً لتلفها ضمن وإلاَّ فلا، وكذا لو منعه من الجلوس على بساطه ولو غصب من الغاصب تخيّر المالك بالرجوع على من شاء منهما ويستقر الضمان على من تلفت العين في يده والحر لا يضمن ولكن لو جنى عليه ضمن الدية، أما منافعه فهي مضمونة إن استوفاها بل وإن فوتها إذا كان كسوباً أو مطلقاً على الأحوط.

والضابطة العامة إن الغاصب ضامن للعين والمنفعة سواءً تلفت بتلف سماوي أو اتلفها هو أو غيره مباشرةً أو تسبيباً أو استوفاها هو أو غيره. نعم، لو اتلفها غيره ورجع المالك عليه رجع هو على المتلف ويجب ردّ المغصوب إن كان موجوداً والمثل إذا فقد وإذا تعيّب ردّه مع الأرش وإن تعذّر المثل فالقيمة يوم التعذر، والأحوط أعلى القيم من يوم التعذر إلى يوم الأداء ولو لم يكن مثلياً ضمنه من يوم الغصب إلى يوم التلف ولو زاد للصفة ضمنها ولو زادت العين بعمله رجع الغاصب بها عليه وعليه أرش النقصان ولو امتزج المغصوب بمساويه أو بأجود بحيث لا يمكن التمييز تخيّر المالك بين الشركة بالنسبة وبين أخذ المثل أو القيمة، ولو كان بالأدون تخيّر بين أخذه مع الأرش وأخذ المثل أو القيمة ومنافع المغصوب للمالك ولو باع الغاصب المغصوب رجع المالك على المشتري بالعين وبجميع ما غرم ويرجع المشتري على الغاصب بالثمن والغرامة ما لم ينتفع بمقابلها ولو زرع الغاصب كان الزرع له والأجرة عليه للمالك والقول قول الغاصب في القيمة وقول المالك في عدم الرد.

اللقطة

وهي قسمان:

1- لقطة المال المملوك ويعبّر عنه باللقطة من حيوان أو غيره.

2- لقطة الإنسان ويعبّر عنه باللقيط.

والكلام في الملتقط:

أولاً: ويشترط بلوغه وعقله فألتقاط الصبي والمجنون لا أثر له وللغير أن يأخذه منه ويدهما عليه لاغية وحريته فلا عبرة بألتقاط العبد إلاَّ بأذن سيّده، واسلامه إن كان اللقيط محكوماً بأسلامه وأمانته وحضوره فينتزع من البدوي ومن يريد به السفر، كما ينتزع من غير الأمين.

أما اللقيط فهو كل انسان مجهول لا كافل له ولا يستقل بنفسه حراً كان أو عبداً فيلتقط الصبي والصبية ما لم يبلغا أو يراهقا، وإذا عرفت أسرته أو ملتقطه الأول لم يصح إلتقاطه ووجب دفعه إليهم وإلاَّ استحب، وأستحب الاشهاد عليه وإن خيف تلفه وجب أخذه، وإذا ألتقط في دار الإسلام أو في بلد يمكن تولّده فيها من مسلم حكم بإسلامه وإلاَّ فلا، وينفق عليه من ماله إن كان معه مال وإلاَّ فمن الوجوه العامة أو من بيت المال، ولو كان اللقيط مملوكاً يردّ إلى مالكه ويؤخذ منه ما أنفقه الملتقط إن لم يقصد التبرّع، وكذا في الحر إن وجد أهله.

أما اللقيط فهو المال الذي لا يد عليه وهي أما حيوان ويقال له الضالة، وأما غيره من الأموال ولقطة الحرم محرّمة لا تمس بيد ولو أن الناس تركوها لجاء صاحبها فإخذها، ويحسن إلحاق المشاهد الشريفة بها، ولقطة غيره يكره أخذها ويتأكذ فيما يكثر نفعه وتقل قيمته مثل الإداوة وهي المطهرة والمحضرة وهي السوط ونظائرها.

ثانياً: والملتقط هنا كل من له اهلية الاكتساب من صبي مميز أو مجنون أو غيرهما ويتولاها الولي، وحكمها إن لقطة الحرم يعرّفها حولاً فإن ظهر صاحبها أخذها وإلاَّ بقيت أمانة إلى أن يظهر أو يدفعها لحاكم الشرع، ولقطة غير الحرم إن كانت قيمتها أقل من درهم جاز له تملكها من غير تعريف ولو ظهر صاحبها والعين باقية أخذها وإلاَّ فلا ضمان وإن كانت درهماً فأزيد وجب تعريفها حولاً حسب المتعارف ثم يتخيّر بين الصدقة والتمليك فإن ظهر المالك وأجاز وإلاَّ ضمن ولو دفعها إلى حاكم الشرع خلص من التعريف وبرء من الضمان ولو كانت مما يفسد بالبقاء باعها وحفظ ثمنها أو يدفعه إلى حاكم الشرع ولا يجوز دفع اللقطة إلى مدّعيها إلاَّ بالبينة أو الشاهد واليمين لا بالأوصاف إلاَّ إذا حصل القطع منها، والضالة كل حيوان مملوك لا يد عليه فما لا يخاف عليه التلف لا يؤخذ وإذا أخذ ضمنه وعليه نفقته، وما يخاف عليه التلف بالعرض كالبعير الكسير في غير ماء ولا كلاء فيجوز أخذه وهو لأخذه وهو كالشيء المباح، وما يخاف عليه التلف بالذات كالغنم وصغار البقر والأبل يجوز أيضاً أخذها فإنها لك أو لأخيك أو للذيب، ويتخيّر بين تملّكها مع الضمان وبين دفعها إلى حاكم الشرع ولا ضمان.

أحياء الموات

والأصل فيه الحديث النبوي: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له قضاءً من الله ورسوله)، والموات هي الأرض المعطّلة التي لا ينتفع بها فعلاً وهي صالحة للإنتفاع بها بإجزاء الماء وتسوية سطحها وازالة الأحجار والصخور عنها ونحو ذلك، ولا يملك بالأحياء إلاَّ الذي لا يد لمسلم عليه ولا حريماً لعامر ولا مشعراً لعبادة ولا مما يحتاجه العامر كالطريق والنهر والمراح وحد الطريق المبتكر سبعة أذرع فإن زادوا عليه واستطرق حرم أخذ الزائد، والطريق مشاع بين جميع الناس للإنتفاع بالمرور لا يملكه ولا يختص به واحد دون آخر، وأصول المشاعات ثلاثة المياه والمعادن والمنافع العامة وهي في ستة: المساجد، والمشاهد، والمدارس، والربط نحو الخانات التي يستريح فيها المسافرون، والطرق، ومقاعد الأسواق حيث لا تزاحم المارة، فمن سبق إلى مكان من تلك المواضع فهو أولى به مادام باقياً فيه فلو فارقه زال حقه إلاَّ مع نية العود قريباً ومع بقاء رحله فيه وتختلف المدة التي يغتفر فيها المفارقة بأختلاف الأمكنة والأزمنة فقد تجوز اليوم واليومين كما في المدارس، وقد لا تجوز الساعة والساعتين كما في المعابد ولو فارقه بنية العود ولا رحل له فيه جاز لغيره الانتفاع به، وإذا عاد السابق فهو أولى كما لا يبعد ذلك حتى مع وجود رحل غيره حيث لا يستلزم التصرف فيه، ولو أزعجه مزعج فإزاله فعل حراماً، وقيل يكون غاصباً فتبطل الصلاة فيه، وفيه نظر لأنه ليس بحق مالي ولو استبق أثنان إلى مكان ولم يمكن الجمع بينهما أفرع بينهما، ويجوز اخراج الرواشن والأجنحة في الطرق النافذة ما لم تضر بالمارة وإن استوعب عرض الدرب كما في الساباط ولو سقط فبادر مقابله فبناه لداره لم يكن للأول منعه لأن فضاء الطريق من المباحات ولو تداعيا جداراً بينهما ولا امارة على أنه لأحدهما تحالفا فلو حلفا أو نكلا فهو لهما وإلاَّ فللحالف.

 


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما