پنجشنبه 9 فروردين 1403  
 

وجيزة الاحكام

 
في أحكام المياه
 

  وجيزة الأحكام

آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء  "قدس سره"

  



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على عظيم آلائه والصلاة والسلام على خيرته من خلقه محمد وأوصيائه.

وبعد:

فأن من المعلوم أن أهم العلوم بعد المعرفة بالله جلَّ شأنه، معرفة الحلال والحرام وهو الفقه، وأهمه العبادات، وأهمها الصلاة، لأنها عمود الدين ومعراج المتقيّن، والتهاون بها على حد الكفر بالله ربِّ العالمين، وأهم ما في الصلاة الطهارة، وأهم مباحثها المياه.

في أحكام المياه

(الماء) نوعان:

1- مطلق.

2- ومضاف.

والمضاف: هو المعتصر من الأجسام والممتزج بها مزجاً يخرجه عن الإطلاق وهو طاهر بذاته إن كان من طاهر، وقليله وكثيره سواء في أنه نجس بملاقاة النجاسة ولا يطهر إلاَّ بإستهلاكه بالمطلق الكثير أو ما بحكمه، وإنقلابه مطلقاً ولا يرفع حدثاً ولا خبثاً إلاَّ بإنقلابه.

والمطلق: أما ذو مادة أو لا، والمادة أما من السماء فهو ماء المطر حال نزوله وإتصاله بما ينزل عليه، أو من الأرض فإن جرى عليها أو فيها فهو الجاري، وإلاَّ فإن سارى سطحها أو قاربه فهو العيون، ويلحق به النزّ والثمد وإن أنخفض عنها فهو البئر وجميع ماله مادة قليلاً كان أو كثيراً لا ينجس بملاقاة النجاسة إلاَّ إذا غيرت النجاسة من لونه أو طعمه أو ريحه ولو بغير أوصافها ما لم يكن بأوصاف المتنجس ولا عبرة بتغيّره بغير تلك الأوصاف كالخفة والثقل والحرارة والبرودة والمدار على الحسي لا التقديري، ويطهّر بزوال التغيير مطلقاً.

وما ليس له مادة إن بلغ مكسّر مساحته في الطول والعرض والعمق ثلاثة وأربعين شبراً إلاَّ ثمناً، أو وزنه مائتين وأثنين وتسعين حقة ونصف اسلامبول فهو الكر، وحكمه كالجاري في جميع ما ذكر إلاَّ أنه لا يطهّر لو تنجّس إلاَّ باتصاله بالكثير وزوال التغيّر وما عدا ما ذكرنا هو القليل وينجس بالملاقاة على الأحوط إلاَّ العالي الملاقي أسفله للنجاسة أو أعلاه كالشاذروان، ويطهر بإتصاله بالكثير، ويستحب نزح المقادير المنصوصة لوقوع الأشياء المخصوصة في البئر، والقنوات من الجاري إن كانت لها مادة لا تنجس إلاَّ بالتغيير، وتطهر بزواله وحياض الحمّام الصغار إن لم تبلغ الكر ولم تتصل بالكبار تنجس بالملاقاة، وغسالة الحمام طاهرة ما لم يعلم نجاستها والأحوط الاجتناب.

وأسئار الحيوانات كلها طاهرة إلاَّ الكلب والكافر والخنزير، ويكره سؤر ما لا يؤكل لحمه إلاَّ المؤمن الغير المتّهم، والمستعمل في رفع الحدث بقسميه طاهر إن لم يلاقِ عين النجاسة، والمستعمل في رفع الخبث مع ملاقاة العين نجس عدا ماء الإستنجاء مطلقاً ما لم يتغيّر ويتجاوز المحل المعتاد ولم تصبه نجاسة أخرى والأحوط في مطلق المستعمل في رفع الحدث عدم استعماله في التطهير مطلقاً، ولا يجوز إستعمال النجس في الطهارة ولا في الأكل والشرب.

النجاسات

وهي عشرة:

(1) و(2) البول والغائط من غير مأكول اللحم من ذي السائلة يعني ما له عروق تشخب دماً عند القطع.

(3) المني من ذي النفس مطلقاً.

(4) الميتة.

(5) الدم.

(6) و(7) الكلب والخنزير البريان.

(8) الكافر.

(9) الخمر، وكل مسكر مائع بالأصالة.

(10) الفقاع وإن لم يسكر.

والأحوط الاجتناب عن عرق الجنب من حرام وعرق الأبل الجلالة بل مطلق الجلال.

وتثبت نجاسة الأشياء بالعلم وبالبينة وخبر العدل على الأقوى، وقول ذي اليد وإن لم يكن عدلاً بل وإن كان أجيراً ومستعيراً ونحوهما بل وغاصباً، ولا تسري النجاسة إلاَّ مع الرطوبة المسرية، ويجب إزالتها عن الثوب والبدن للصلاة وعن المساجد ومسجد الجبهة وإن لم تكن ملوثة، أما المحمول الغير الملوث فلا، ويعفى في الصلاة عمّا نقص من الدم عن قدر الدرهم المقدّر بعقد الإبهام الأعلى من غير الدماء الثلاثة، ودم نجس العين، وعن دم القروح والجروح قبل برئها، وعن نجاسته ما لا تتم به الصلاة ملبوساً أو محمولاً كالتكة والجورب ونحوهما.

المطهرات

وفيها أمور:

1- الماء: وهو أعظمها، ويُطهِّر حتى ما كان من جنسه، ولكن مع زوال العين وإن لم يزل الأثر ولا الأوصاف وتكفي المرة في مطلق النجاسات والمتنجسات، والأحوط في البول المرّتان مع العصر بينهما في الثياب ونحوها، وفي الأواني الثلاث إلاَّ في ولوغ الكلب فيتعين الثلاث مع التعفير بالتراب والسبع في الخنزير بعده، ويستحب الثلاث فما فوق إلى السبع في الخمر والفأرة بل الثلاث في مطلق النجاسة.

ويسقط التعدد والعصر فيما يعصر إذا غسل في الكثير ويبقى التعفير، وتطهر الأواني الكبار وما أشبهها من الحياض بإدارة الماء في أطرافها وإخراجه ولو بآلة طاهرة مرتين أو ثلاث ولا تطهر أرض المسجد إلاَّ بالكثير أو قلبها وتطهيرها وأعادتها.

2- الأرض الجافة: وتُطهِّر باطن النعل الذي يتصل بها وأسفل القدم بالمشي عليها وزوال العين ومع عدمها فالمسح كافٍ.

3- الشمس: تطهّر ما تجففه من الحصر والبواري، وما لا ينقل عادة كالأرض والجدران والأخشاب والأبواب ونحو ذلك حتى مثل الزرع والفواكه والأشجار ونحوها، ويكفي جفاف الباطن مع الإشراق على الظاهر ولابد من زوال العين.

4- الإستحالة: كالخشب يصير رماداً أو دخاناً أو بخاراً، والعذرة دوداً أو تراباً، والمني انساناً وهكذا.

5- الانقلاب: كالخمر خلاً.

6- الاستهلاك: كنقطة بول في الكثير.

7- الانتقال: كالدم النجس يمصه البق أو البرغوث ونحوهما.

8- الإسلام: ويطهر بدن الكافر ورطوباته.

9- زوال عين النجاسة: عن بدن الحيوان الطاهر غير الإنسان وعنه مع أحتمال التطهير.

10- خروج الدم المعتاد من الذبيحة: مطهّر للمتخلف منها.

11- انفصال الغسالة: مطهّر للمتخلف منها في الثوب وغيره.

12- الاستبراء: بعد البول والمني مطهّر للبلل المشتبه.

13- استبراء الحيوان الجلال المتغذي بالنجس: حتى ينبت له منه لحم فيطهّر لتغذيته بالطاهر فقط أربعين يوماً في الأبل، وعشرين في البقر، وعشرة في الشاة، وخمسة في الطير والدجاجة.

14- احجار: الاستنجاء وكل قالع للنجاسة.

15- غبة المسلم ومن بحكمه: كطفله المميز مع احتمال التطهير وعلمه بالنجاسة أو استعماله في مشروط بالطهارة.

16- التبعيّة: كأطفال الكفار في أسر المسلم، وأواني الخمر إذا أنقلب خلاً، ولوحة الميت وثيابه وغاسله وثيابه، وأطراف البئر والنازح على القول بالنجاسة.

والحق أن العصير العنبي لا ينجس بالغليان بل يحرم وتزول حرمته بذهاب ثلثيه ونجاسته عند من يقول بها وتطهر أوانيه وآلاته وكلّما كان فيه بالتبع، أما الزبيب والكشمش والتمر فلا ينجس شيء منها ولا من عصيرها بالغليان والطبخ في الأمراق وغيرها.

ويلزم في تحقق الغسل بغير الكثير انفصال الغسالة بنفسها أو بالعصر وما يتخلف منها بعده طاهر.

أحكام الأواني

يحرم استعمال الأواني المغصوبة مع العلم بغصبيتها، وكذا يحرم استعمال أواني الذهب والفضة بأي انحاء الإستعمال ولو توضأ منها أو من المغصوب فالأحوط الإعادة ولو غمس أعضائه فيها للغسل أو الوضوء بطلا وأعاد، وكذا يحرم استعمال جلود الميتة وما يتخذ منها من الأواني وغيرها، والجلود المأخوذة من سوق المسلمين أو يد المسلم يبنى على طهارتها إلاَّ مع العلم بعدم تذكيتها والمشكوك من اللحوم والشحوم والجلود ولا امارة يبنى على نجاسته والوضوء بجلود الميتة ولو مع الدبغ باطل، ويكره استعمال المفضض ويعزل فمه عن موضع الفضة على الأحوط، وأواني المشركين طاهرة ما لم تعلم نجاستها.

الوضوء ومقدماته وأحكامه

فإذا عرفت المياه والطاهر منها من النجس وأردت الوضوء، أستحبْ لكَ:

أولاً: طلب الخلوة، ويجب فيها ستر العورة عن الناظر المحترم كوجوبه في غيرها عدى الزوجة وما بحكمها، ويحرم استقبال القبلة واستدبارها بالعورة بل بمقاديم البدن على الأحوط، ويجب غسل موضع البول بالماء مرتين على الأحوط، ويتخيّر في موضع الغائط مع عدم التعدي بين الماء (وحدّه) أن تزول العين بل والأثر على الأحوط وبين المسح بأجسام ثلاثة قالعة من أحجار أو خرق أو غيرها طاهرة متعددة ويحرم بالمحترمة ويكفي فيه زوال العين ومع التعدي لا يجزي غير الماء ثم يغسل يديه مستحباً مرة أو مرتين من الزندين ويسمى عندهما ثم بشرع في الوضوء وواجباته النية وهي قصد الإتيان بالأعمال الخاصة بداعي القربة إلى الله تعالى ولا يلزم فيه التلفظ ولا أخطار ذلك المعنى في أول العمل بل يكفي كونه مرتكزاً بذهنه بحيث متى التفت إليه وجده.

ثانياً: غسل الوجه باليد من منتهى منابت شعر الرأس مما يلي الجبهة إلى طرف الذقن طولاً وما أشتملت عليه الأبهام والوسطى عرضاً وكلّما دخل في الحد ولو من الزوائد يجب غسله. والمدار في الوجه والإبهام ونحوه على مستوى الخلقة ونعني به من تكون يده مناسبة لوجهه وغيره يرجع إلى المتناسب في شكله لا إلى الوسط والمتعارف وإن خالفه في قطعه وقالبه.

ثالثاً: غسل اليمنى من المرفق إلى رؤوس الأصابع واليسرى كذلك.

رابعاً: مسح شيء من مقدم الرأس مما يوازي الجبهة بشيء من أحدى اليدين ببلة الوضوء.

خامساً: مسح تمام ظهر القدمين بتمام باطن الكفين ولا يجزى المسمى فيهما على الأصح، ولا يجب البحث عمّا تحت الشعر النابت على الأعضاء بل يكفي غسله أو مسحه عن البشرة.

شروط الوضوء:

أن يكون بالماء المطلق الطاهر المباح ولو بأعتقاده، والترتيب على النحو المتقدم ولا ترتيب بين الرجلين ولكن الأحوط أن لا يقدم اليسرى، والموالاة بمعنى وحدة العمل عرفاً فلا يضر الفصل القليل بين أعماله ولا عبرة بالجفاف وعدمه مع صدق الوحدة.

وشروط صحة الوضوء: المباشرة مع القدرة، وعدم الضرر، سعة الوقت له ولتمام الصلاة، ويجب إزالة الحاجب عن البشرة عدا ما عرفت من الشعر، والبدئة في الغسل الأعلى فالأعلى ويبطل منكوساً.

الشك في الوضوء وأفعاله

من شك في شيء من أفعاله وجوداً أو صحة فإن كان بعد الفراغ منه لا يعتني وإن كان في الأثناء أتى به وإن تجاوزه أتى به وبما بعده ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة أو تيقنهما وشك في المتأخر تطهّر إلاَّ إذا علم تاريخ الطهارة أو كان متطهراً قبل تصادم الحالين ويعلم من عادته التعاقب ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن فساد أحدى الطهارتين من دون حدث بينهما لا يعتني وإلاَّ أعادهما مع الصلاة.

ويحرم مسّ كتابة القرآن بلا وضوء أو شيء من أسماء الله تعالى، ولا تصح الصلاة مطلقاً ولا الطواف الواجب بدونه كذلك.

الأغسال

والواجب منها ستة:

1- الجنابة

وتحصل بإنزال المني مطلقاً أو إدخال الحشفة أو قدرها في القبل أو الدبر من مرأة وغيرها من إنسان أو حيوان حي أو ميت بالغ أو غيره، فاعلاً أو مفعولاً، عاقلاً أو مجنوناً، أنزل أم لا.

وكيفيته

أن يغسل يديه مرتين أو ثلاثاً مستحباً، ثم ينوي ويغسل رأسه مع الرقبة بماءٍ مطلق طاهر مباح، ثم يغسل تمام بدنه ولا يجب الترتيب بين الأيمن والأيسر على الأقوى، وتكفي أرتماسة واحدة في الماء، ويلزم إيصال الماء إلى البشرة مع الإمكان.

ويشترط فيه جميع شرائط الوضوء عدا الموالاة، والأحوط عدم النكس في الرأس، ويحرم على المجنب قبل الغسل مضافاً إلى حرمة المس وبطلان الصلاة، دخول المساجد إلاَّ أجتيازاً عدا المسجدين، وقراءة العزائم على الأحوط، ويتأكد الاستبراء قبل الغسل والوضوء ومعه فالبلل المشتبه طاهر غير ناقض وإلاَّ أعاد بعد غسله، ولو أحدث في أثناء الغسل بالأصغر أتم وتوضأ وبالأكبر أعاد، وليس مع غسل الجنابة وضوء، بل الأصح كفاية كل غسل عن الوضوء.

2- الحيض

وهو الدم الذي تراه المرأة بعد التسع وقبل الخمسين أو الستين في القرشية وليس بأقل من ثلاثة ولا أكثر من عشرة مع فصل أقل الطهر بينه وبين مثله وهو عشرة أيام، فإذا رأت المرأة الدم وعلمت أنه حيض تركت الصلاة والصوم، وحرّم عليها ما يحرم على الجنب، وحرم على زوجها مقاربتها وطلاقها فإن أنقطع قبل العشرة أغتسلت وتوضأت وعادت إلى صلاتها وسائر أحكامها، وإن تجاوز جعلت عادتها حيضاً وما عداه استحاضة، وتقضي ما فات من صلاتها وصومها في الزائد.

ولا تقضي الحائض الصلاة وتقضي الصوم، ولو وطئها زوجها في الحيض كفّر وجوباً في أوّله بدينار، وفي وسطه بنصف، وفي آخره بربع.

3- الاستحاضة

كل دم تراه المرأة من الموضع وليس بحيض ولا عذرة أو جراحة ونحوها، فإن لوث القطنة فقط فهي صغرى تتوضأ لكل صلاة، وإن غمسها لم يسيل فوسطى تغتسل مع ذلك غسلاً واحداً للغداة، وإن سال أغتسلت مع ما سبق غسلين آخرين للظهرين تجمع بينهما وآخر للعشائين كذلك، ولا يصح صومها ولا صلاتها بدون ذلك، وأما معه فلها أحكام الطاهرة، هذا على المشهور وهو الأحوط.

4- النفاس

وهو الدم الذي تراه المرأة عند الولادة، ولا حدّ لأقله، وأكثره عشرة ثم هو استحاضة، ويحرم عليها ما يحرم على الحائض، وكيفية هذه الأغسال الثلاثة كيفية غسل الجنابة.

5- غسل الأموات

يجب كفاية توجيه المحتضر إلى القبلة بحيث لو قام لكان مستقبلها، ويستحب تلقينه الشهادتين فإذا مات وجب تغسيله:

أولاً: كغسل الجنابة بماء السدر.

ثم ثانياً: بماء الكافور، ويكفي منهما المسمى وأكثره أن لا يخرج عن الأطلاق.

ثم ثالثاً: بالماء القراح، أي الخالص فإن لم يوجد فالثلاثة به.

ثم تكفينه بثلاثة أثواب مئزر وقميص وأزار، وأمساس مساجده بالكافور، ثم الصلاة عليه وجوباً إن كان قد بلغ الست وإلاَّ فاستحباباً، وهي أن ينوي ثم يكبر خمسة تكبيرات بينها أربعة أدعية وأقل المجزي منها بعد الأولى (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً رسول الله) وبعد الثانية (اللهم صلِّ على محمد وآل محمد) وبعد الثالثة (اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات) وبعد الرابعة (اللهم أغفر لهذا الميت) ويكبر الخامسة وترفع الجنازة، ثم تدفن في الأرض وأقله قدر قامة، ويجوز الصلاة على القبر إلى يوم وليلة.

وصدر الميت له أحكام الميت، وغيره أن كان فيه عظم، والسقط لدون أربعة أشهر أيضاً يكفن بعد الغسل، ويدفن وإلاَّ لف بخرقة ودفن.

6- غسل المس

من مسَّ ميتاً من الناس بعد برده وقبل غسله وجب عليه أن يغتسل، وحكمه حكم الحدث الأصغر فلا يصلي حتى يغتسل على الأحوط، ولكن يدخل المسجد وكذا يجب بمس قطعة فيها عظم من ميت أو حي على الأحوط، ومن مسَّ ميتاً قبل غسله من إنسان أو غيره من ذي نفس سائلة برطوبة غسل يده، والأحوط غسلها مطلقاً.

والأغسال تتداخل فمن كان عليه جنابة ومسَّ وحيض وجمعة يجزيه غسل واحدة بينة الجميع، وكذلك الوضوء.

التيمم

من وجب عليه غسل أو وضوء ولا ماء عنده أو كان استعماله مضرّاً لمرض أو عطش أو كان الوقت ضيقاً عنه وعن تمام الصلاة في الوقت أو كان لا يحصل إلاَّ بثمن يضرّ بحاله وجب عليه بعد الطلب واليأس أن ينوي التيمم بدل الغسل أو الوضوء قربة إلى الله تعالى.

ويضرب باطن كفيه معاً وجه الأرض الطاهرة سواء كانت تراباً أو رملاً أو حجراً أو أرض جصّ أو نورة، لا ما خرج عن أسم الأرض كالملح والقير ونحوها من المعادن، ويشترط اباحة الأرض ولو بأعتقاده، ثم يمسح جبينه من قصاص شعر الناصية إلى طرف الأنف مما يلي الحاجب عرضاً، ومن عظم الجبين إلى مثله طولاً بهما معاً ثم يمسح ظهر اليمنى بباطن اليسرى ثم ظهر اليسرى بباطن اليمنى من الزند إلى رؤوس الأصابع والأولى أن يضرب ثانياً لمسح الكفين، والأعلى أن يجعلها ثلاثة للجبين واحدة لليمنى ثم لليسرى، ولا يلزم العلوق ويستحب نفضهما معه، ويستبيح المتيمم كلما يستبيحه المتطهر بالماء وينقضه كلّما ينقض الطهارة ويزيد التمكن من استعمال الماء فإن كان قبل الصلاة أو قبل الركوع الأول توضأ وإلاَّ مضى، ولا يعيد ما صلاّه بالتيمم الصحيح، ولا يجوز قبل الوقت إلاَّ لغاية راجحة والأحوط إعادته بعد الوقت ويجوز البدار لذوي الأعذار إلاَّ مع رجاء الزوال فلو زال في الوقت أعاد، ولا ينتقض بدل الغسل بالأصغر بل يتيمم بدل الوضوء ولو لم يجد سوى الوحل جففه إن أمكن وإلاَّ تيمم به.

الصلاة

والواجب منها أثنتي عشر نوعاً أهمها اليومية، وشروط صحتها ثمانية:

1- الإسلام.

2- البلوغ أو التمييز.

3- الطهارة من الحدث ومن الخبث في ثيابه وبدنه وموضع سجدته.

4- ستر العورة مطلقاً، وهي القبل والدبر في الرجل وتمام البدن حتى الشعر في المرأة عدا الوجه والكفين والقدمين.

5- ويعتبر في الساتر أن لا يكون نجساً ولا مغصوباً ولا من شعرا أو صوف أو وبر أو جلد غير مأكول اللحم وغير الذهب والحرير للرجل والمشكوك والمحمول منها غير مانع على الأقوى وإن كان الأحوط في المغصوب المتحرك بحركته الإعادة، والمحمول من أجزاء ما لا يؤكل لا يقدح وإن كان الأحوط الاجتناب، ولا بأس بافتراش الحرير والالتحاف به ولا يلبس ما لا يزيد على أربع أصابع مضمومة منه.

6- الوقت وهو أربعة أقسام: مختص، ومشترك، وإجزاء، وفضيلة، فمن أول الزوال إلى مقدار أداء أربع ركعات كلٍّ بحسب حاله الوقت المختص للظهر وهو وقت الفضيلة أيضاً إلى صيرورة ظل الشاخص مثله ثم يشترك بعد المختص بينها وبين العصر إلى أن يبقى للغروب مقدار أربع فتختص بالعصر وفضيلتها من بعد المثل إلى المثلين، فلو وقعت العصر في المشترك قبل الظهر سهواً صحّت وأتى بالظهر بعدها دون ما لو وقعت في المختص ووقت الإجزاء للظهر ما لو وقعت قبل الزوال بأعتقاد الوقت بعد الإجتهاد ووقع جزء ولو تسليمها في الوقت وللعصر مقدار ركعة من آخرها والباقي في خارجه، ومن أول الغروب أعني ذهاب الحمرة المشرقية على الأحوط إلى مقدار أداء ثلاث ركعات مختص بالمغرب وإلى ذهاب الشفق فضيلتها، ثم بعد المختص مشترك بينها وبين العشاء إلى نصف الليل فتختص من آخره بمقدار اداتها والأقوى أمتداده لذوي الأعذار من نوم أو سفر أو مرض إلى الفجر ثم من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الحمرة وقت فضيلة الصبح ثم يمتد وقت اجزائها إلى طلوع الشمس بل إلى ما بعدها بقدر ركعة، والمراد بالاختصاص هناك عدم وقوع الشريكة فيه لا عدم وقوع صلاة فيه، وتصلّي النوافل في كل وقت ما لم تزاحم الفريضة.

7- القبلة وهي الكعبة للقريب والجبهة للبعيد وتجوز النافلة ماشياً وراكباً وإن لم يكن إليها ولو أشتبهت الجهات صلّى حتى يحصل العلم بأستقبالها.

8- اباحة مكان المصلي فلو صلّى في المغصوب عالماً أعاد.

أفعالها وتسمى بالمقارنات

وهي أحدى عشر:

1- القيام.

2- النية وهي كما عرفت الداعي لا الأخطار ولا اللفظ ويلزم فيها تعيين إنها ظهر أو عصر وإداء أو قضاء ويومية أو غيرها ولا يلزم تعيين إنها جماعة أو فرادى وقصر أو تمام وإذا كانت نيابة يعين المنوب عنه.

3- تكبيرة الإحرام وصورتها الله أكبر ولا يجزي غيرها عنها.

4- قراءة الحمد وسورة تامة على الأحوط في الأوليين والصبح ولا تلزم السورة في النافلة ويتخيّر في ما عداهما بين الحمد فقط وبين التسبيحات الأربع: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر) مرة، والأفضل الثلاث وهي أفضل من الحمد، ويتعين للرجل الجهر في الصبح وأولتي العشائين والاخفات فيما عداها ويستحب الجهر في البسملة مطلقاً ويتخير في النوافل والأفضل في نوافل الليل الجهر ونوافل النهار الاخفات.

5- الركوع وهو الإنحناء إلى أن تصل يداه إلى ركبتيه ويجب فيه تسبيحة كبرى (سبحان ربي العظيم وبحمده) أو ثلاث صغرى.

6- السجود: وهو وضع الجبهة على الأرض أو ما أنبتت غير المأكول أو الملبوس أو القرطاس، ويجب فيه أيضاً تسبيحة كبرى (سبحان ربي الأعلى وبحمده) أو ثلاثاً صغرى، والجلوس بينهما وبعدهما مطمئناً.

والسجود على سبعة أعضاء: الجبهة، والكفين، والركبتين، وإبهامي القدمين.

7- التشهد مرة بعد الركعة الثانية في الثنائية وأخرى في آخر الصلاة فيما عداها والواجب منه (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله اللهم صلَّ على محمد وآل محمد).

8- التسليم والواجب واحدة من (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، فإذا قال الأولى أستحب الثانية، وإن قال الثانية سقطت الأولى وأما (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) فهو مستحب ولا يجزي عن الواجب والتسليم جزء من الصلاة على الأصح فلو قارنه الحدث أو نحوه بطلت.

9- الطمأنينة في جميع أحوال الصلاة.

10- الترتيب على النحو المتقدم.

11- الموالاة وعدم الفصل الطويل بين أفعالها.

ومستحبات الصلاة قبلها وبعدها أو في أثنائها كثيرة وأهمها الأذان، والإقامة، والأحوط عدم ترك الإقامة في السعة، لا سيّما للرجال والقنوت في اثنائها بعد قراءة الثانية والأحوط أيضاً عدم تركه، والتعقيب بعدها وأفضله تسبيح الصديقة الزهراء (سلام الله عليها).

قواطع الصلاة ومبطلاتها

1- الحدث، أي ما يوجب الغسل أو الوضوء يبطلها عمداً أو سهواً أو جهلاً أختياراً أو اضطراراً.

2- التكفير: وهو وضع أحدى اليدين على الأخرى يبطلها عمداً أو أختياراً.

3- الإنحراف عن القبلة بكل البدن إلى اليمين أو الشمال أو انحراف الوجه إلى وراء، أما أنحرافه إليهما فمكروه والاستدبار بالوجه فضلاً عن البدن مبطل مطلقاً.

4- الكلام عمداً ما لم يكن ذكراً أو دعاء بحرفين ولو مهملين أو واحد ذي معنى.

5- القهقهة عمداً، أما التبسم فمكروه.

6- البكاء بصوت على شيء من أمور الدنيا، أما لو بكى تضرعاً إلى الله تعالى ليشفي مريضه، أو يقضي حاجته لم يقدح وإن كان الأحوط الإجتناب أيضاً، أما البكاء فيها خشية الله فهو روحها وجوهرها.

7- كل ماحٍ لصورتها وإن لم يكن فعلاً كثيراً كالوثبة الفاحشة وشرب الدخان والنظر في كتاب ونحو ذلك.

8- الأكل والشرب عمداً وإن لم يكن فعلاً كثيراً ولم يمح صورتها، أما لو بلغ ما في فمه من الطعام المتخلف أو ذوب النبات والثلج في فمه ونزوله تدريجياً فلا يقدح، والأحوط الاجتناب.

9- (آمين) آخر الحمد عمداً، اختياراً على الأحوط.

10- الشكوك المبطلة كما سيأتي.

11- الزيادة العمدية مطلقاً أو زيادة الأركان مطلقاً.

12- النقيصة كذلك.

الخلل

من زاد جزءاً في صلاته، ركناً كان أو غيره بنية الجزئية لا بنيّة الذكر أو الدعاء عمداً بطلت صلاته والنقيصة عمداً كذلك، ومن زاد سهواً فإن كان ركناً بطلت كركوعين في ركعة واحدة أو سجودين أي أربع سجدات إلاَّ في الجماعة فيما لو رفع المأموم رأسه قبل الامام حيث يلزمه العود ولا شيء عليه، وإن لم يكن ركناً مضت صلاته وسجد بعدها سجدتي السهو، ومن نقص سهواً فإن كان ركناً أتى به أن ذكره قبل الدخول في ركن آخر وإلاَّ بطلت فلو نسي الركوع وذكر قبل السجدة الثانية عاد وأتى به ثم بالسجدتين ثم بسجدتي السهو بعد الصلاة وإلاّ أستأنف صلاته وإن لم يكن ركناً أتى به وبما بعده ما لم يدخل في ركن وإلاَّ مضت صلاته وسجد بعدها سجدتي السهو ولا يقضي من الأجزاء المنسية الواجبة سوى التشهد وأجزاءه والسجدة الواحدة.

الشكوك في الصلاة

ولا تكاد تنضبط صورها الممكنة عقلاً، ولكن يمكن حصر عام البلوى منها في ثلاثة أنواع:

الأول: ما لا يعتد به ولا يحتاج إلى علاج.

الثاني: ما يعتد به فيبطل وليس له علاج.

الثالث: ما لا يبطل ولكن يحتاج إلى علاج، ولكل منها خمس صور:

أما صور الأول:

1- الشك بعد خروج الوقت في أصل فعلها أو في شيء من أفعالها أو شرائطها.

2- الشك في فعل أو قول ركن أو غيره بعد تجاوز محله والدخول في غيره واجباً كان الغير أو مستحباً فعلاً أو مقدمة فعل حتى الهوى إلى الركوع أو السجود على الأقوى.

3- الشك بعد الفراغ أي بعد السلام الواجب.

4- شك كثير الشك وهو من تعاقبت عليه في صلاة واحدة أو ثلاث، ثلاثة شكوك فإنه يصير بعدها كثير الشك فلا يلتفت إلى شكه ولو كان في صلاة أخرى ما لم تمض عليه ثلاث صلوات سالمة وهكذا.

5- الشك مع قيام إمارة شرعية على الصحة وإن لم تفد الظن خاصة في باب الصلاة كشك الإمام مع حفظ المأموم والعكس، أو عامة كالبينة ونحوها.

وأما صور النوع الثاني:

1- الشك في ما عدا الرباعية، ثلاثية كالمغرب أو ثنائية واجبة كالصبح والجمعة والعيدين والآيات والطواف واليومية المقصورة عدا صلاة الأحتياط. نعم، المقصورة في مواضع التخيير يمكن القول بجريان الشكوك الصحيحة في بعض صورها وإن كان الأحوط الإعادة.

2- الشك في الأولين من الرباعية مطلقاً حتى في الأخيرتين منها فلا يختص شكها المبطل بالشك قبل إكمال السجدتين من الثانية.

3- الشك المقرون بالعلم الاجمالي بين الزيادة والنقيصة كالشك بين الثلاث والخمس بعد الجلوس من السجدتين، أما حال القيام فيمكن تصحيحه.

4- الشك المنتهي إلى العلم التفصيلي بالبطلان كالمردد بين الزائد على الأربع مثل ما لو شك إنها خمس أو ست وهو جالس أيضاً وهكذا.

5- لو شك في عدد غير محصور، يعني لم يدرِ كم صلى فالشك في هذه الصور مبطل للصلاة موجب للأستئناف، ولكن بعد استقراره لا بمجرد خطوره، كما أنه أي - الخطور - في الصور السابقة لا يلتفت له ويبنى على الصحة وفراغ الذمة.

وأما صور النوع الثالث:

1- الشك بين الأثنين والثلاث حال الجلوس، فإذا استقر شكه بنى على الثلاث وأتمَّ وأحتاط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام.

2- الشك بين الثلاث والأربع حال القيام أو الجلوس بنى على الأربع وأتم وأحتاط كما سبق.

3- الشك بين الأثنين والأربع حال الجلوس بنى على الأربع وأحتاط بركعتين من قيام.

4- الشك بين الأثنين بعد أكمال السجدتين وبين الثلاث والأربع بنى على الأربع وأحتاط بركعتين قائماً وركعتين جالساً.

5- بين الأربع والخمس فإن كان في القيام قبل الركوع هدم وعاد إلى الشك بين الثلاث والأربع فيبنى على الأربع ويتم عمله وإن كان بعد اكمال السجدتين بنى على الأربع أيضاً وأتمَّ وسجد سجدتي السهو وإن كان بعد الركوع قبل السجود فالأقوى البطلان، وهي داخلة في الصور السابقة.

سجدتا السهو

مع إنها تجب لكل زيادة ونقيصة، تجب أيضاً في خمسة موارد منصوصة:

1-     في التكلم سهواً.

2- في السلام في غير محله يعني أحدى الصيغتين مع أتمامها ولا تجب في المستحب.

3- التشهد المنسي أو أبعاضه والسجدة الواحدة.

4- في الشك بين الأربع والخمس كما مرَّ.

5- القيام في موضع القعود أو العكس وكيفيتها ينوي ويكبر ثم يسجد ويقول مطمئناً (بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد) ثم يرفع رأسه ويطمئن ويسجد ثانياً ثم يجلس ويقول (أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صلَّ على محمد وآل محمد) ويسلم بأحدى الصيغتين.

الظن

في جميع موارد الشك يلزم التروي بما لا تفوت به الموالاة فإن استقر شكه عمل بالأحكام المتقدمة وإن حصل له القطع بأحد الطرفين عمل عليه وإذا شكَّ في الأوليين من الرباعية يعيد حتى لو حصل له الظن بأحد الطرفين لأن الظاهر حجيته في الأخيرتين فقط، والأحوط الإتمام والإعادة في الأوليين مع حصول الظن بأحد الطرفين ولا يلتفت إذا شكَّ في فعل انتقل عنه وإلاَّ أتي به حيث لا يظن بأتيانه وإلاَّ أكتفى به على الأقوى.

كيفية صلاة الأحتياط هي النية وتكبيرة الإحرام والفاتحة فقط أخفاتاً والركوع والسجود والتشهد والتسليم، وإذا شكَّ فيها يبنى على المصحح.

أما الشك في إعداد النوافل فيتخير فيه بين البناء على الأقل والأكثر، وأما السهو فيها فلا حكم له بل يمضي وإن كان الأولى في نسيان السجدة أو التشهد قضائها أيضاً، أما الاجزاء والشرائط والموانع فهي في النافلة والفريضة سواء عدا السورة فإنها ليست بجزء في النافلة.

صلاة الجماعة

والأفضل لكَ أن تؤدي فريضتك جماعة فإن صلاة الجماعة إذا كانوا عشرة تعدل أثنين وسبعين ألفاً وثمانمائة من صلاة الفرد، وما من عاقل مؤمن يصبر على فوت هذا الربح العظيم فتطلب اماماً تعرف عدالته أو تشهد لك به البينة، والعدالة ملكته اجتناب الكبائر وعدم الاصرار على الصغائر، والترفّع عن منافيات المروءة، ويكفي في الكشف عنها حسن الظاهر مع المعاشرة مدة يعتد بها فتنوي الاقتداء به وتتابعه في جميع الأفعال بل والأقوال فلا تتقدمه بفعل ولا قول لا سيّما التسليم على الأحوط، وتترك قراءة الحمد والسورة خلفه مع سماع قراءته أو الهمهمة، ويستحب له أن يسمع من خلفه كلّما يقرأ مما يجوز الجهر فيه ومع عدم السماع يجوز للمأموم القراءة ولا يجهر.

والصلاة خلف الفقيه العادل أفضل من الصلاة خلف غيره بأضعاف مضاعفة، ولا تجب الجماعة إلاَّ في صلاة الجمعة والعيدين مع أجتماع باقي الشرائط التي أهمها ظهور الامام وحضوره أو نائبه الخاص، أما مع غيبته فالحق عدم وجوبها لا تعييناً ولا تخييراً.

نعم، تستحب كما تستحب العيدان بخمس قنوتات في الأولى قبل الركوع وأربعة في الثانية، وتجب الجماعة في الاستسقاء أيضاً وجوباً شرطياً كوجوب الطهارة في النافلة.

صلاة القصر

وإذا قصدت السفر إلى مسافة أربعة فراسخ عن وطنك، فما زاد وكان من نيتك الرجوع قبل العشرة ولم يكن شغلك السفر ولا سفرك معصية كنهي أحد الوالدين عنه أو قاصداً منه محرماً كقتل شخص محترم أو غصب مال وما أشبه ذلك، ولم ينقطع سفرك بوطن، وجب عليك قصر الظهرين والعشاء بأسقاط الأخيرتين من كل واحدة إلاَّ في المساجد الثلاث والحائر الحسيني فيتخير، وكما تقصر الصلاة يسقط الصوم وجوباً ويقضيه في الحضر، وتسقط نوافل المقصورة إلاَّ العشاء على الأصح. ومن بلغ المسافة ولم يكن قصدها أو قصد الإقامة عشراً أو مضى عليه ثلاثون يوماً متردداً أو كان سفره معصية أو منقطعاً بوطن ثانٍ له، وجب عليه البقاء على التمام وإنما يقصّر المسافر أو يفطر إذا جاز حد الترخص بخفاء أذان البلد وجدرانها معاً فلو خرج عن حد الترخص قبل الظهر جاز له الأفطار وإلاَّ وجب عليه اتمام صومه وكذا في العود إن وصل إليه قبل الظهر ولم يكن قد أفطر وجب صوم ذلك

اليوم وحسب له وإلاَّ استحب له الأمساك، ولا يهدم الاقامة الخروج إلى ما دون المسافة بل يبقى على التمام ما لم يكن ناوياً للخروج من الأول فإن كان ناوياً له كانت الاقامة باطلة من أصلها وإذا خرج فالأحوط عدم المبيت خارجاً، وكذا يعتبر في التردد ثلاثين أن يكون في محل واحد والأبقى على القصر، ومن قصر في موضع التمام اعاد مطلقاً إلاَّ في المقيم المقصّر جهلاً بأن حكمه التمام، ومن أتمَّ في موضع القصر فإن كان جهلاً بالحكم مضت صلاته مطلقاً وإن كان بالموضوع أو عمداً أو نسياناً أعاد إن تذكر في الوقت فإن لم يفعل قضى وإلاَّ فلا قضاء.

والعبرة في شروط القصر والتمام بحال الأداء لا التكليف، فمن كان أول الوقت مسافراً فحضر آخره أتمَّ والعكس بالعكس، ويقضي الصلاة كما فاتت من قصر أو تمام، أما لو فاتته في وقت ملفّق فالأقوى التخيير والأحوط الجمع، ويستحب جبر المقصورة بثلاثين مرة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر).

صلاة القضاء

يجب على المكلف قضاء ما فاته من الفرائض حال البلوغ والعقل والإسلام عمداً أو سهواً لنوم أو غيره إلاَّ الحائض والنفساء والكافر الأصلي إذا أسلم سقطت عنه والحائض والنفساء تقضي كل صلاة تمكنت من فعلها بعد دخول الوقت وقبل الحيض، وكذا لو طهّرت قبل آخر الوقت ولو بركعة، ولا قضاء على المجنون ولا المغمى عليه إلاَّ أن يكونا بسببه، وكذا يقضي لو تركها لشرب المسكر والأحوط لفاقد الطهورين الصلاة ثم القضاء، والمخالف إذا استبصر قضى ما تركه وما صلاّه على خلاف مذهبه حتى على طريقة أهل الحق على الأحوط ويعيد في الوقت طهارته وما صلاّه على مذهبه، ويقضي هو والمرتد زمان ردّته على الأحوط، والأحوط المبادرة إلى القضاء وإن كان الأقوى جواز التأخير بما لا يؤدي إلى التهاون، ويجب الترتيب بحسب الفوات فيقضي ما فاته أولاً فأولاً ولو جهله كرر حتى يعلم بحصول الترتيب ما لم يستلزم العسر والمشقة المخلّة في أمور معاشه أو معاده فيصلي صبحاً بين ظهرين أو ظهراً بين صبحين وهكذا، فلو فاته خمس أيام صلى خمساً وعشرين أو أربعة أيام وصبحاً ولا يجب ترتيب الحاضرة على الفائتة وإن كان أحوط، وتجوز النافلة وقت الحاضرة ما لم تزاحمها، وتقضي المرأة عن الرجل وتراعي حالها لا حال المنوب عنه، ومن لم يعلم مقدار ما فاته صلّى حتى يستيقن الفراغ أو يظن، ومن فاته فريضة لا يعلمها صلّى صبحاً ومغرباً ورباعية عمّا في ذمته يتخير فيها بين الجهر والأخفات ولو ترددت بين السفر والحضر صلّى مغرباً وثنائية عمّا في ذمته كذلك، ويجب على أكبر أولاد الميت الذكور مع بلوغه عند الموت أن يقضي ما فات والده في مرض الموت وجوباً بل المرض مطلقاً بل مطلقاً على الأحوط إن لم يوص الميت بها أو بالثلث وإن تعددوا اشتركوا ومع عدم الولي بذلك المعنى الأحوط قضاء الوارث ويجوز الاستيجار.

صلاة الآيات

تجب عند الخسوف والكسوف والزلزلة وكل آية مخيفة للنوع سماوية أو أرضية كالريح السوداء ونحوها أن يصلي المكلّف ركعتين في كل ركعة خمسة ركوعات ينوي ويكبر تكبيرة الأحرام ويقرأ الحمد ثم آية أو سورة فإن أكملها ركع ورفع رأسه وأعاد الحمد وسورة أو آية وهكذا وإن قرأ في الأول آية قرأ الآية التي بعدها دون الحمد وهكذا إلى أن يكمل السورة بحيث يكون قد قرأ الحمد وسورة في الركعة الأولى أو أكثر وحمداً وسورة في الثانية أو أكثر بين خمس ركوعات والأحوط والأفضل تكرار الحمد وسورة ووقتها من أول الشروع إلى تمام الإنجلاء فيهما وعند الشروع في غيرهما ولو أحترق تمام القرص ولم يعلم قضاها وجوباً ومع العلم به والأهمال أو النسيان يجب القضاء مطلقاً ويستحب القنوت فيها والجماعة كاليومية والحمد في كل ركوع وقراءة مثل يس والروم ونحوهما إن وسع الوقت.

الصوم

يجب على كل مكلف غير الحائض والنفساء والمسافر والمريض الامساك بقصد القربة إلى الله عن تعمد الأكل والشرب مطلقاً وعن الجماع قبلاً أو دبراً، إنساناً أو بهيمة، حياً أو ميتاً، فاعلاً أو مفعولاً، وعن الاستمناء وعن البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر أو حدث الحيض والنفاس والاستحاضة بل يجب الغسل مع النقاء قبله وعن معاودة الجنب النوم مرتين قبل الفجر بعد انتباهتين وعن ايصال الغبار الغليظ إلى الجوف، في كل يوم من شهر رمضان من طلوع الفجر إلى ذهاب الحمرة المشرقية على الأحوط فلو أخلَّ في شيء منها وجب عليه القضاء والكفارة، ويجب القضاء فقط لو عاد بعد انتباهة أو تعمد ألقي أو احتقن بالمائع والأقوى كراهة رمس الرأس في الماء والأحوط الاجتناب، أما الكذب على الله ورسوله والأئمة (ع) فتتأكد حرمته والأحوط القضاء معه، ويثبت شهر رمضان برؤية الهلال أو بشهادة عدلين أو بحكم المجتهد الجامع للشرائط أو الشياع فضلاً عن التواتر المفيد للعلم أو بإكمال عدة شعبان ومثله هلال شوال، ولا يقع في شهر رمضان غيره ولو نوى غيره لم يقع عنه ولا عن رمضان والأولى في يوم الشك صومه بنية القربة بلا تعيين ويجزي عن رمضان لو صادفه ولا حاجة أيضاً في شهر رمضان إلى تعيين بل ينوي صوم هذا اليوم قربة إلى الله تعالى وهي كما عرفت الداعي بلا لفظ ولا أخطار وتجوز من أول الليل وتتضيق عند الفجر وتمتد في المسافر والغافل وقضاء رمضان وغيره من أنواع الصوم الواجب إلى الزوال ويلزم في غيره التعيين، وكفارة أفطار رمضان كبرى مخيرة بين العتق والصيام ستين يوماً أو أطعام ستين مسكيناً، وكفارة قضاء رمضان مرتبة أطعام عشرة فإن عجز فصيام ثلاثة، ولا كفارة في شيء من أنواع الصوم الواجب غيرهما.

نعم، في مخالفة النذر كفارة يمين على الأقوى فيها الأمران عتق رقبة أو اطعام عشرة مساكين فإن عجز فثلاثة أيام، وكفارة جمع فيمن أفطر على محرم عتق وصيام وإطعام، ويسقط الصوم عن الشيخ والشيخة وذي العطاش مع المشقة الشديدة في صومه، وتجب الفدية عن كل يوم بمدّ.

وكذا الحامل المقرّب والمرضعة القليلة اللبن، ويقضي المرتد زمان ردته دون الكافر الأصلي والمخالف إذا استبصر، وقاضي شهر رمضان له الأفطار قبل الزوال مع سعة الوقت فإن أفطر بعده كفّر، والتتابع غير لازم في شيء من الواجب إلاَّ في شهر رمضان وصوم الكفارة في واحد وثلاثين يوم والنذر المعين فيه التتابع، والصوم المستحب في السفر أقلّ ثواباً من الحضر، ويستحب الإعتكاف مطلقاً سيّما في العشر الأواخر من شهر رمضان، ولا يصح إلاَّ في أحد المساجد الأربعة الحرمين أو الكوفة أو البصرة وهو عبارة عن نية اللبث فيها ثلاثة أيام متوالية صائماً فلا يصح إلاَّ ممن يصح منه الصوم، ولا يخرج إلاَّ لضرورة شرعية أو عادية أو أمر راجح شرعاً كتشييع جنازة أو قضاء حاجة مؤمن ونحوهما، ومع الخروج لا مشي تحت الظلال ولا يجلس ولا يصلي، ويحرم عليه كلّما يحرم على الصائم وله قطعه قبل الدخول في الثالث إلاَّ إذا أشترط ولم يكن واجباً بنذر ونحوه، ويحرم عليه الجماع مطلقاً حتى في الليل فلو جامع كفّر، وفي النهار تتضاعف ولو أفسده وهو واجب قضاه، ولو حاضت أو مرض المعتكف قضاه إن كان واجباً.

الزكاة

ووجوبها شديد مؤكد وهي ثانية الصلاة، وتجب في تسعة أشياء:

(1) و(2) النقدين الذهب والفضة بشرط السكة والحول والنصاب وهو عشرون دينار خمسة عشر مثقال صيرفي فيوازي عشر ليرات عثمانية، والأحوط لزومها في التسع وهذا هو النصاب الأول، ويجب فيه ربع العشر ربع ليرة مثلاً ولا شيء فيما نقص عن ذلك ولو حالت عليه أحوال ثم في أربعة دنانير بعد العشرين على ذلك القياس ولا شيء فيما دونها أما الزائد فعلى تلك النسبة ونصاب الفضة الأول مائتا درهم وبالصيرفي مائة وخمسة مثاقيل وفيها ربع العشر خمسة ثم أربعون، وكلّما زادت فعلى هذه النسبة ولا شيء فيما نقص، فمن مضى عليه من المكلفين أحد عشر شهراً وهلَّ الثاني عشر مالكاً لذلك القدر عيناً متمكناً من التصرف فيه وجبت عليه زكاته بلغ ما بلغ.

(3) و(4) و(5) الأنعام الثلاثة: الأبل، والبقر، والغنم بشرط الملك والحول كما مرَّ، والسوم في تمامه وعدم العمل كذلك والنصاب ففي الأبل أثنا عشر:

1- خمس فشاة.

2- عشر فشاتان.

3- خمسة عشر فثلاث.

4- عشرون فأربع.

5- خمس وعشرون فخمس.

6- ست وعشرون فبنت مخاض.

 7- ست وثلاثون فبنت لبون.

8- ست واربعون فحقة.

9- أحدى وستون فجذعة.

10- ست وسبعون فبنتا لبون.

11- أحدى وتسعون فحقتان.

12- مائة وواحدة وعشرون ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون بالغاً ما بلغ.

ويراعي أوفر العددين للفقراء ففي المائتين وخمسين خمس حقق لا ست بنات لبون وفي المائة وسبعين ثلاث بنات لبون وحقة لا أربع بنات لبون وهكذا.

أما البقر فنصابان ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة، وأربعون فيه مسنة وهكذا كما مرَّ.

وأما الغنم ففيها خمسة نصب:

1- أربعون فشاة.

2- مائة وأحدى وعشرون فشاتان.

3- مائتان وواحدة فثلاث شياة.

4- ثلاثمائة وواحدة فأربع شياة.

5- أربعمائة ففي كل مائة شاة وهكذا.

(6) و(7) و(8) و(9) الغلاّت الأربع الحنطة والشعير والتمر والزبيب بشرطين النصاب وهو خمسة أوسق يوازي ثمان وزنات، وخمس حقق ونصف إلاَّ ثمانية وخمسين مثقالاً وثلث مثقال بوزنة النجف، أو سبعة وعشرين وزنة وعشر حقق وخمسة وثلاثين مثقالاً بعيار اسلامبول، وأن يملكه بالزراعة وينمو في ملكه فلو انتقل إليه بالبيع أو الهبة ونحوهما فلا زكاة كما لا زكاة في الأقل والزائد بحسابه والواجب العشران سقى سيحاً أو بعلاً أو عذباً يعني بماء السماء أو بمص عروقه أو نصفه أن سقي بالدوالي أو القرب أو النواضح أو المكائن ونحوها، ولكن بعد أخراج المؤن ومنها حصة السلطان ولو سقي بهما فالأغلب ولو تساويا قسط ويتعلق الوجوب عند صدق الاسم، وفي الزبيب بصدق أسم العنب فلو تلفت قبل أو انتقلت عن ملكه فلا زكاة ولا ضمان.

ومستحقها الأصناف الثمانية:

1- الفقراء.

2- والمساكين: وهم الذين لا يملكون قوت سنتهم لهم ولعيالهم الواجبي النفقة، ويكون عاجزاً عن تحصيل الكفاية بالصنعة.

3- والعاملون عليها: وهم السعاة.

4-المؤلفة قلوبهم: وهم الذين يستمالون لمساعدة المسلمين وإن كانوا كفاراً.

4- وفي الرقاب: وهم المكاتبون والعبيد تحتد الشدة.

5- والغارمون: أي المدينون في غير معصية الله.

6- وفي سبيل الله: وهو كل مصلحة أو قربة عامة كبناء القناطر والمساجد.

7- وأبن السبيل المنقطع به في الغربة وإن كان غنياً في وطنه.

ويعتبر في ما عدا المؤلفة الإيمان بل وعدم التجاهر بالمعاصي، ويعيد المخالف إذا دفعها لمثله، ولا يجوز دفعها لواجبي النفقة ولا الهاشميين وإن كان الدافع من غيرهم ولا يجب التوزيع على الأصناف، ويستحب إخراجها من كل ما تنبته الأرض كما يستحب للولي أخراجها من مال الصبي الزكوي.

زكاة الفطرة

تجب على المكلّف الحر الغني وهو مالك قوت سنته له ولعياله في كل سنة عند هلال شوال وتتضيق عند طلوع الشمس على الأحوط والأقوى إلى الزوال، ويجوز تقديمها بنية القرض ثم الإحتساب، وتقضى بعد العيد ويجب دفعها عنه وعن كل من يعول به ولو تبرعاً صغيراً أو كبيراً، حراً أو عبداً وهكذا.

وقدرها عن كل واحد نصف حقة ونصف وقية وواحد وثلاثون مثقالاً إلاَّ حمصتين بحقة النجف التي هي تسعمائة وثلاثة وثلاثون مثقالاً وثلث، وبالأستانة حقتان وثلاثة أرباع الوقية ومثقالان الأربع.

وتجب فيها النية ودفعها لمستحقي زكاة المال والأفضل دفعها إلى الإمام (عجل اله تعالى فرجه) ومع غيبته إلى نائبه العام من المجتهدين الجامعين للشرائط، ويستحب من الفقير حسب امكانه ولو بان يصرفها على عياله وتخرج من الحنطة والشعير والأرز واللبن وغيرها من القوت الغالب.

الخمس

وهو حق آل بيت محمد (صلوات الله عليه وعليهم) والمتهاون به يخشى أن يعدّ في الغاصبين لحقوقهم والظالمين لهم، ويجب على كل مكلّف والأحوط أن يخرجه الولي عن الصبي من أمواله التي يتعلق بها الخمس وهو في سبعة أشياء: الغنائم، والغوص، والمعادن، وأرباح التجارات والصناعات والزراعات، والكنوز، وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم، والحرام المختلط بالحلال المجهول المقدار والمالك ولا يتميز مع عدم العلم بزيادته على الخمس.

ويعتبر في المعادن والكنوز النصاب وهو عشرون ديناراً بعد مؤنة الإخراج وفي الغوص دينار وفي الأرباح ما زاد عن مؤنة السنة له ولعياله مقتصداً، ويجب في الزائد.

ويقسم الخمس من تلك الأمور ستة أقسام: ثلاثة للإمام (عجل الله فرجه الشريف) ومع غيبته تدفع لنائبه وهو المجتهد الثقة الأمين، وثلاثة للفقراء والأيتام وأبناء السبيل من السادة مع إلتزامهم بشريعة جدّهم (ص) وفقرهم.

والأنفال وهي كل أرض خربة باد أهلها وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكل أرض سلّمها أهلها من غير قتال، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية، والموات، والأجام، وصوافي الملوك وقطائعهم الغير المغصوبة، وميراث من لا وارث له، والغنائم المأخوذة بغير أذن الإمام (عجل الله فرجه)، وأمرها بعده لحاكم الشرع، وقد أباحوا (ع) لشيعتهم خصوص المساكن والمتاجر والمناكح من الغنائم.

تنبيه

يستحب مؤكداً على ولي الصبي من أبيه وغيره تمرينه بعد السبع أو التسع على الصلاة، والإمتناع عن المحرمات التي فيها قبح ذاتي كالزنا والكذب والسرقة، لا نسبي كدخول المسجد جنباً ومسّ القرآن محدثاً، ويمنعه عمّا فيه ضرر على ذات الفاعل كشرب الخمر والنجس وأكل الميتة، والأحكام الشرعية كلها تشتمل على مصالح ومفاسد تعود إلى نفع المكلفين، والله غني عن العالمين، وله الحمد والمجد والفضل والمنة.

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد والمجد

بعد حمد الله على عظيم أفضاله والصلاة والسلام على محمد وآله. نذكر أن هذا هو الجزء الثاني من وجيزة الأحكام في مسائل الحلال والحرام يشتمل على أحكام ما تعم البلوى به من أصول العقود والمعاملات، والصحيح منها والفاسد وتميّز المكاسب المحرّمة من المحللة.

أسباب اكتساب المال

مقدمة

أسباب الكسب وتحصيل المال كثيرة، وحصرها بالأربعة في (مرسلة تحف العقول): الولايات والتجارات والصناعات والإجازات -اضافي- وإلاَّ فهناك أسباب أخرى كثيرة كأحياء الموات، وإجراء القنوات، وحيازة المباحات، والتعرض للهذايا والصدقات ونحو ذلك، والكل على أصالة الإباحة إلاَّ ما ثبت له أحد الأحكام الخمسة لذاته أو لمتعلقه وأكتساب المال في حد ذاته مضافاً إلى اباحته راجح عقلاً، مستحب شرعاً بل في بعض الأخبار أنه من أفضل العبادة، وقد يعرض له من العناوين ما يزيد في حسنه وأستحبابه كما لو قصد به التوسعة على العيال ونفع المحاويج، وصلة الأرحام ونحو ذلك، وقد يزداد حتى يبلغ حد الوجوب كما لو توقف تحصيل الواجب من نفقته أو نفقة عياله الواجبي النفقة عليه، وقد يلحقه عنوان ذو مفسدة تزاحم حسنة فقد توازي مصلحته الذاتية فيكون مباحاً متساوي الطرفين، وقد ترجح فيكون مكلوهاً كالإكتساب من الطرق الخسيسة كالتسول والتكدي ونحوهما وقد تنتهي المفسدة إلى كرامة كما لو أوجب تفويت واجب أو مزاحمة ذي حق كالبيع وقت النداء أو الدخول في السوم ونحوهما. هذا كله بأعتبار ذاته وما يلحقها من العناوين لا من حيث متعلقه.

وأما ما يلحقه بأعتبار المتعلق بخصوصه عيناً أو منفعة فقد يحرم بأعتبار تعلقه بعين خاصة أو منفعة كذلك كبيع الخمر والخنزير أو صناعة الأصنام ونحوها، وقد يكره كبيع الأكفان وكالحجامة والقصابة صنعة، وقد يجب ولو بأنطباق عنوان ثانوي عليه كما لو انحصر تحصيل نفقة عياله على بيع دابته مثلاً، وقد يكون مندوباً كالرعي والزراعة فإنها مضافاً إلى استحبابها في ذاتها يستحب أكتساب المال بها واتخاذها صنعة أيضاً، وقد يتعلق بالأعيان المباحة أيضاً فيباح.

فالاكتساب بذاته إلى الأحكام الخمسة كأنقسامه بأعتبار متعلقه وموضوعه إليها، إذاً فالكلام يقع في مقامين:

الأول: في أحكام الاكتساب.

الثاني: في الموضوعات المكتسب بها.

1- أحكام الاكتساب

ففيه مسائل:

1- يجب على البالغ القادر تحصيل ما يقوم بنفقته ونفقة عياله من زوجته وممالكيه وأطفاله له على حسب حالهم وحاله بل لا يبعد وجوب تحصيل نفقة أبويه وأولاده إذا كانوا عاجزين عن تحصيلها لأنفسهم ويحرم عليه التكسب بالسؤال مع قدرته على غيره ولا يجوز الدفع له من الحقوق والكفارات ونحوهما، إلاَّ إذا عصى فيجوز الدفع لمن وجبت نفقته عليه مع عجزه.

نعم، يجوز بل قد يجب على طالبي العلوم الدينية إذا كانوا فقراء وكان التكسب مزاحماً لتحصيلهم الأخذ من الحقوق بقدر كفايتهم بل مع عدم الحقوق أو عدم وفائها في قرية أو بلد يجب على القادرين كفاية القيام بنفقة من يحتاجون إليه في تعليم المسائل الدينية وحفظ من لا يستغنى عنه في نشر الأحكام الشرعية، ولولا ذلك لأنمحقت أعلام الشريعة وأنطمست معالم الدين.

2- يجب على جميع الناس كفايةً - ومع الإنحصار عيناً- القيام ولو تكسباً بجميع ما يحتاج البشر إليه في تعيشهم من الزراعات والصناعات والتجارة والإجارة، وكلما يتوقف صلاح نوع البشر عليه.

3- يجب على كل مكلف اكتساب كلّما يتوقف الواجب عليه مع تمكنه كالماء للوضوء والغسل، والتراب للتيمم، والزاد، والراحلة للحج وهكذا، ولو بأضعاف قيمته ما لم يضر بحاله.

4- يحرم كل معاملة ربوية وتفسد سواء كانت بيعاً أو صلحاً أو معاطاتاً أو قرضاً أو غير ذلك، والمراد بالربا معاوضة المكيل أو الموزون بآخر من جنسه مع التفاضل مطلقاً.

وفي القرض تحرم الزيادة مطلقاً، فلو أقرضه الليرة بمائة قران كان حراماً وفاسداً فلا يصح للمقترض التصرف فيما أقترضه بذلك النحو، ولا فرق في الزيادة بين الحكميّة والعينيّة ولا بين جعلها شرطاً أو عوضاً، وستأتي بقية أحكامه إن شاء الله.

5- يحرم البيع والشراء بل مطلق المعاملات على الأحوط إذا زاحمت واجباً مضيقاً كالصلاة في آخر وقتها أو أوله مع العلم بعدم التمكن منها لو أخّرها وهكذا، ولكن لو عصى وأوقع البيع أو غيره لا يبعد القول بالصحة وإن فعل حراماً.

6- يكره الاكتساب مطلقاً في أوقات الفضيلة للفرائض الخمس قبل ادائها بل لا يبعد كراهته قبل ادائها مطلقاً ككراهته بين الطلوعين مطلقاً.

نعم، يحرم في ظهر يوم الجمعة مع وجوب صلاتها باستجماع شرائطها بل ومع عدم وجوبها احتياطاً، فينبغي عدم التشاغل بشيء من المعاملات في أول ظهر يوم الجمعة حتى يؤدي الظهر أو الجمعة، ولكن لو عصى وباع فالأقوى الصحة وإن فعل حراماً.

7- يكره ركوب البحر للتجارة ومعاملة الظالمين بل ومطلق من لا يتورّع في أمواله ومعاملة السفلة والأداني يعني من خلع جلباب الحياء فلا يبالي بما قال وما قيل فيه كما يكره معاملة المحارفين وهم الذين لا توفيق لهم ولا بركة في أعمالهم بل يستحب معاملة ذوي الحظوظ فإنها تزيد في الحظ كما في الخبر، ويكره أيضاً معاملة ذوي العاهات ومن لا بصيرة لهم في الأمور المهمة.

2- الموضوعات المكتسب بها

وفيه مسائل:

1- ما يحرم الاكتساب به لنجاسة عينه، فيحرم الاكتساب بكل نجس لا يقبل التطهير سواءاً كانت نجاسته ذاتية: كالخمر، والنبيذ، والفقاع، والدم، والميتة، والكلب والخنزير البريين، وأبوال ما لا يؤكل لحمه وعذراته.

أو عرضية: كالدهن، والدبس ونحوهما، إذا لم يقبل التطهير إلاَّ بإنقلاب حقيقته واستهلاك ذاته والمراد بالحرمة هنا فساد المعاملة وحرمة التصرف فيما يأخذه كل منهما من العوضين كما أنه لا ريب في حرمته التشريعية أيضاً.

أما حرمة إنشاء التمليك بالصيغة أو غيرها فغير معلوم وإن كان غير بعيد، كما لا يبعد حلية سائر أنواع الانتفاعات بها عدى الاكتساب سوى ما استثنى فيما لا يتوقف على طهارتها من الاستعمالات فيجوز التسميد بها والتداوي واللقاح وأصلاح بعض الآلات وسقي البساتين بجلود الميتة ونحو ذلك وإن كان الأحوط في خصوص الميتة ترك الانتفاع بشيء مما تحله الحياة منها مطلقاً، كما أنَّ الأقوى جواز بيع جميع الأعيان النجسة فضلاً عن المتنجسة إذا كان لها مالية عرفاً لوجود المنفعة المحللة فيها ولو نادراً عدا البول والعذرة والميتة وكلب الهراش فلا يجوز بيع شيء منها مطلقاً وإن جاز الانتفاع بها في غير الأكل والشرب والصلاة، فمثل الدهن المتنجس ونحوه، بل والخمر ونحوه إذا كان مما ينتفع به في غير الأكل والشرب، ويبذل العقلاء المال بأزائه في تلك الجهة يصح بيعه وشراؤه بالنظر إليها، وهذه هي الضابطة في صحة البيع وجوازه حتى في غير النجاسات كأبوال ما يؤكل لحمه وأرواثه ودم السمك ونحوه.

أما الخمر للتخليل والعصير العنبي مع الغليان وميتة ما لا نفس له كالسمك ونحوه وكلب الزرع والصيد والماشية والدهن المتنجس للاستصباح وغيره تحت السقف وغيره، فلا ريب في صحة بيعها وحليته.

نعم يلزم في بيع النجس أو المتنجس اعلام المشتري الجاهل به إلاَّ مع العلم بأنه لا يستعمله في مشروط بالطهارة.

2- ما يحرم التكسب به لحرمة الغاية المقصودة منه سواء كان الحرام هو الغرض المقصود منه المنحصر في أصل جعله وايجاده كالأصنام والصلبان وآلات اللهو والقمار والأوتار والعود والمزمار ونحوها، فإن بيع كل ما هو من هذا القبيل حرام فاسد وثمنه سحت.

نعم، إلاَّ إذا زالت صورته النوعية فصار الصنم مثلاً خشباً أو حديد والأوتار خيوطاً أو حبالاً فإنه يجوز بيعها بلا ريب، أو كان الحرام هو الغرض منه بقصد المتبايعين كما لو باعه العنب ليعمله المشتري خمراً أو السلاح ليقتل به مؤمناً أو الخشب ليجعله صنماً أو الذهب والفضة ليصوغها آنية فكل معاملة مشتملة على شرط الحرام في الثمن أو المثمن منهما أو من أحدهما محرمة فاسدة، أما لو لم يكن ذلك على نحو الشرط فالأقوى الصحة سواء كان من قصدهما أو قصد أحدهما ذلك قبل العقد أم حدث القصد بعد العقد وسواءاً تبايناً عليه قبل العقد أم لا وإن كان الأحوط مؤكداً الاجتناب في الجميع خصوصاً في صورة التباني على الحرام والتصريح به خارج العقد وخصوصاً في صورة تحقق الإعانة على الأثم كما في موارد الإنحصار بحيث لولاه لما وقع في الحرام فإن حرمة البيع هنا قوية جداً.

ومثله الكلام في اجارة الحمولة والمساكن للخمر والفواحش ونحوها، بل لا يبعد حرمة بيع كل ما يعلم البائع ترتّب مفسدة نوعيّة على مبيعه معلوم من الشرع أو العقل قبحها الملزم بالترك كبيع السلاح على المحاربين من اعداء الدين أو على اللصوص وقطّاع الطريق بل على مطلق المحاربين للمسلمين أو المتحاربين منهم لا ما يترتب عليه مفسدة شخصية كشرب الخمر أو سماع غناء أو نحو ذلك، إلاَّ أن تكون مفسدة سارية إلى النوع بالفعل أو القوة القريبة منه.

3- ما يحرم الاكتساب به لعدم المنفعة النوعية فيه، وضابط هذا القسم ما خلا عن المنفعة المحللة المعتد بها عند العقلاء وهو ما لا يبذل المال بأزائه عندهم وإن كان مما قد يترتب عليه منفعة نادرة وذلك كالحشرات، والوحوش، والسباع، وسباع الطير، والغربان دون ما يعد منها مالاً كالعلق، ودود القز، والصقور، وكالعقاقير، والحشائش ذوات الخوّاص وإن كانت منفعتها نادرة فليس المدار على ندرة المنفعة وعدمه بل على اعتداد العقلاء بمنفعته وعدم الاعتداد بها ومن ذلك أكثر ما لا يؤكل من حيوانات البحر فإن بيعها بذلك الاعتبار صحيح جائز.

أما القسم الأول فالظاهر إنَّ حرمته ليست كالاكتساب بالخمر والخنزير ونحوهما وإنما هي عبارة عن فساد المعاملة أو مع الحرمة التشريعية لا غير، وعلى هذا فالأرانب والثعالب ونحوها من الوحوش البرية أو البحرية لو تعارف عند قوم أكلها أو المعاوضة عليها، لم ترتفع الحرمة والفساد بذلك لأن الشارع بتحريم لحمه قد أسقط تلك المنفعة فصار كبيع ما لا منفعة فيه.

نعم، لو تعارف التعامل عليه بأعتبار منفعة غير الأكل صحَّ بيعه وشراؤه وصار من الأموال شرعاً كما هو كذلك عرفاً.

4- ما يحرم الاكتساب به لكونه عملاً محرماً في نفسه، فجميع الأعمال المحرمة في حد ذاتها شرعاً يحرم الاكتساب بها كالزنا وشرب الخمر واللواط والقيادة عليهما وعليه وتهيئة المساكن والمنازل والحوانيت لتلك الأمور، بل إجارتها لمن يقصد فيها ذلك كله حرام مؤكد وفسق مشدد، والتدليس مطلقاً وتدليس الماشطة خصوصاً والمراد به أن تزيّن المرأة بحمرة أو بياض أو سواد في الحواجب والعيون بحيث يحسب الرائي الذي يريد التزويج أو الشراء أنه طبيعي لها فيرغب فيها جهلاً بحالها، أما تزيّن المرأة لزوجها أو مطلقاً لا لذلك فلا بأس به كيفما شاءت من حفّ شعر أو وصل شعرها بغيره أو وشم موضع من بدنها إلى كثير من أمثال ذلك فأن جميعه حلال سائغ ويحل أخذ الأجرة عليه.

نعم، الأحوط اجتناب وشم الأطفال إذا كان فيه إيذاء لهم فضلاً عن مثل ثقب الأنف والأذن ونحوهما. نعم، لا يبعد جواز ثقب الأذن في الأنثى لزينة خصوصاً مع أمن الضرر وعدم الأذى أو قلّته.

وأما الجب والخصي فلا اشكال في حرمته في الإنسان مطلقاً حتى المملوك وجوازه في سائر الحيوان إذا كانت فيه فائدة مقصودة للعقلاء وإلاَّ فلا.

ومن الأعمال المحرمة في نفسها فيحرم الأكتساب بها أنواع السحر والشعبذة والسيميا والتنجيم والكهانة والقيافة، والأقوى دوران الحرمة مدار صدق تلك الأسماء عرفاً أو العلم بتحقيق حقائقها واقعاً ومع الشك فالمرجع أصالة الاباحة.

ومنها التغزّل بإنسان معيّن ذكر أو أنثى غير الزوجة والمملوكة بل مطلقاً على بعض الوجوه مع تعيينه في الكلام أو الشعر ولو ببعض القرائن أو الأوصاف، أما لو قصد معيّناً ولم يعيّنه فالأقوى عدم الحرمة، ولا فرق في الحرمة بين التغزّل بالبالغ وغيره إذا كان مصوناً بل مطلقاً على الأحوط مع إلتفات السامع إليه وعدمه.

ومنها تزيّ الرجل بزي المرأة وبالعكس، والتطفيف في الكيل، ويلحق به كل ما يوجب اعطاء ما دون الحق أو أخذ ما زاد عليه في اللون والذرع والعدّ وحفظ كتب الضلال عن الإندراس أو بالدرس أو التدريس أو على ظهر الغيب إلاَّ للرد عليها. والقدر المتيقن من كتب الرد على الإسلام ما يشتمل على مطاعن القرآن أو النبي والأئمة (ع).

ومنها كتب الخوارج والنواصب والغلاة والبابية المشتملة على الاستدلال لعقائدهم الباطلة، أما كتب الصوفية والكشفية والزيدية وأمثالهم من فرق الشيعة فتمييز كتب الضلال منها عن غيره موكول إلى نظر المجتهد الجامع والأحوط اجتنابها إلاَّ بعد مراجعته وأخذ الرخصة منه بالخصوص.

ومنها أخذ الرشا في الأحكام ففي الخبر أنه هو الكفر بالله العظيم، والظاهر حرمته ولو كان بعنوان الهدية إذا كان القصد منها استمالته وهي من أعظم الكبائر على الدافع والأخذ بل لا يبعد حرمتها على الواسطة إلى الحاكم والمتشفع إليه ولا فرق في الحرمة بين كون الحاكم فقيراً أم لا، وبين حكمه بالحق أو بالباطل وبين دفعها قبل الحكم أو بعده مع التباني عليها قيل نعم له أن يأخذ بعد تبيّن الحق عنده جعلاً على كتابة الحكم أو على تسجيله إن كان محتاجاً على الأحوط كما أن للغير أن يكون وكيلاً عن أحد المتداعيين بجعالة فإن هذا ونظائره ليس من الرشوة في شيء.

ومنه عمل الصور المجسمة من ذوات الأرواح بل الأحوط اجتناب تصويرها مطلقاً أما مثل الشجر والأبنية فلا اشكال في اباحته مطلقاً كما لا اشكال في عدم دخول ما يسمى اليوم بالعكس والرسم في عنوان التصوير، أما اقتناء الصور مجسّمة كانت أم لا من ذوات الأرواح أم لا فالأقوى عدم حرمته على كراهة، ولكن لا يحل بيعها وشرائها وسائر أنواع الاكتساب بها، ويكفي في رفع الحرمة أو الكراهة قطع رؤوسها أو محو وجوهها.

ومنه الغش والمراد به خلط الجيد بالرديء أو الجنس المطلوب بغيره كأدخال الماء في اللبن والتراب في الحنطة، والتدليس وهو اظهار صفة جيدة في الشيء وهو فاقد لها أو اظهار الشيء بجنس أعلى كالمموه على أنه ذهب أو مطلق ما يوجب التغرير والخدع فيدخل فيه النجس وهو أن تزيد في السلعة وأنت لا تريد شرائها بل طلباً لزيادة الغير كي تزيد قيمتها وهو حرام مع مواطاة البائع وعدمها على الأصح

ومنه الغناء وهو الأصوات المعدة لمجالس اللهو والطرب الباعثة عندهم غالباً على الصفق والرقص ونحوها من الحركات المنبعثة عن الخفة والطيش وهيجان القوى الحيوانية والضابطة إن الصوت إن علم أنه من الأصوات المعدة لتلك المجالس ولأرباب اللهو والطرب وكان محدثاً للسامع تلك الخفة فلا اشكال في حرمته وإن لم يكن محدثاً لها وكان من شأنه ذلك عند أهله فلا ينبغي ترك الأحتياط أيضاً في اجتنابه ومع الشك في ذلك فهو على أصالة الحل والإباحة.

نعم، لا فرق في المحرم منه بين أن يكون المقروءة قرآناً أو دعاءً أو شعراً حقاً أو باطلاً أو غير ذلك.

أما ترقيق الصوت وتخزينه وتحسينه ومدّه أو ترجيعه بالقرآن أو غيره فليس من الغناء المحرم أصلاً بل هو في القرآن مستحب جداً ومما يزيده حسناً، وفي الخبر رجّع بالقرآن صوتك فإن الله يحب الصوت الحسن. وقد استثنى الفقهاء من الغناء المحرم الحداء للأبل وغناء المغنية في الأعراس إذا لم يشتمل على محرم آخر من سماع الرجال أصواتهن أو استعمال آلات اللهو المحرّمة كالدف والعود والمزمار والتكلّم بالأباطيل ونحو ذلك.

ومنه سباب المؤمن وهو أن يواجهه بما يوجب أهانته ونقصه كقوله، يا لعين، أو يا خبيث، أو يا حمار وما أشبه ذلك ويدخل فيه تعيير المؤمن وعيبه مواجهةً بما هو فيه أولا وهو المراد بقوله تعالى: [وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ]، وقوله تعالى: [وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ]، والمراد باللمز العيب باللسان وبالهمز العيب بالأشارات والحركات، وفي قوله جلَّ شأنه أنفسكم إشارة إلى أنَّ المؤمنين جميعاً كنفس واحدة فإذا عاب المؤمن أخاه فقد عاب نفسه.

والنبز هو الطعن، قيل أتت صفية بنت حي بن أخطب أحدى زوجات النبي (ص) فقالت له: أن عائشة تقول لي أنتِ يهودية بنت يهوديين، فقال لها: (هلاّ قلت لها أبي هارون وعمّي موسى وزوجي محمد) فنزلت الآية، وفيه تعليم للمؤمن في مقام الجواب إن اللازم أن يقف المؤمن موقف المدافع عن نفسه فيدفع المثلية والعار عنها لا ردّ العار على صاحبه فيكون من التسابب، فلم يقل لها: (هلاّ قلت لها أنت مشركة بنت مشركين)، ويستثنى من ذلك سبَّ المبتدع لقوله (ص): (إذا رأيتم أهل البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبّهم). والمتجاهر بالفسق لأنه لا حرمة له ومن لا يوجب قول ذلك الساب الخاص نقصاً في حقه ولا مهانة كقول الوالد لولده أو المولى لعبده أو الأستاذ لتلميذه: يا بليد أو نحو ذلك، ولا سيّما في مقام التأديب والتعليم، ولكن لا ريب أن الأولى بل اللازم سيّما مع تأثره تنزيه السان عن كل ما فيه أدنى شائبة من الفحش والبذاءة، وطريق التأديب والتعليم لا ينحصر بذلك وحسن القول أحسن، وهو بالتأثير والقبول أمكن.

في الغيبة والنميمة

ومنه النميمة وهي أن تسمع من قائل سوءً في حق آخر فتنقله إليه وهي من المحرمات المؤكدة ومن أمهات الكبائر قيل وهي المرادة بقوله تعالى: [وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ]، وقوله تعالى: [وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ].

ومنه غيبة المؤمن والمراد بها ذكر الغير في غيابه بعيب هو فيه في دينه أو خلقته أو أخلاقه أو نسبه أو عمله يوجب نقصه عرفاً وإن لم يكن بقصد نقصه وإذا غابه بحضوره فإن كان بما يوجب حداً كما لو قال له يا زاني أو يا شارب الخمر فهو قذف ولو كان بغير ما يوجب حداً وليس فيه فهو بهتان وإلاَّ فهو سبّ وتعيير. ولو قصد انتقاصه بما لا يوجب نقصه عرفاً كقوله فلان الشاعر أو الأديب أو كان منقصاً ولم يقصد انتقاصه به مما هو ظاهر مكشوف كالأعمش والأعرج ونحوها، أو كالحجام أو الحائك والجمّال ونظائرها، أو كان يكره ذكره به وإن لم يكن منقصاً كصاحب الأموال الكثيرة والدواب الحسنة وأمثال ذلك، فالأقوى عدم الحرمة فقاهة ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الاجتناب، تورّعاً في جميع تلك الصور وبالجملة فيمكن ضبط الغيبة بكلمتين وهي أن يقال: هي تنقيص المؤمن بسوء الذكر أو كشف ما حقّه الستر ومن هنا يعلم أن المدار في الحرمة على اثبات النقص لا على نفي الكمال ويختلف هذا بأختلاف اساليب الكلام فقولك مثلاً فلان بخيل غيبة، وقولك ليس بكريم ليس بغيبة، وقولك أنه جاهل غيبة دون قولك ليس بعالم وإن كان يتظاهر بالعلم ويسوءه نفيه عنه.

أما قولك ليس بفقيه أو ليس بمجتهد فهو خارج عن الغيبة قطعاً ومباح بل ربما يكون السكوت عن مدعيه وليس من أهله من أعظم المآثم، وللغيبة عند الشارع هول عظيم، وتهديد ووعيد ما عليها من مزيد، ولقد صوّرها القرآن المجيد بأفظع صورة حيث قال جلَّ شأنه: [وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا].

فجعل المؤمن أخاً وجعل غيبته التي لا يستطيع معها دفعاً عن نفسه كوته وذكره بالسوء كأكل لحمه وهي طعام كلاب أهل النار يعني أن المستغيب يصير كلباً من كلاب جهنم وتصير الغيبة بناءً على تجسّم الأعمال كما هو الحق طعاماً من الأطعمة المناسبة للكلاب من الجيفة والفطايس، وفي بعض الأخبار إنها أشد من الزنا وإن من أغتاب مسلماً لم يقبل الله منه صلاةً ولا صياماً أربعين صباحاً، ثم لا فرق في حرمة الغيبة بين ذكره باللسان أو الإشارة وبين القول والكتابة، وبين الصريح أو الكناية ولا في المستغاب بين كونه رجلاً أو امرأة وبين كونه بالغاً أو غير بالغ على الأقوى.

نعم، ثبت بالنص والإجماع جواز الغيبة في موارد بل ربما تجب في بعضها:

أحدها: المتجاهر بالفسق الذي لا يبالي بنسبة المعاصي إليه ولا يتستر بها، ولكن الأحوط الأقتصار على اغتيابه بخصوص ما يتجاهر به أو ما دونه لا بمساويه أو الأشد، فمن يتجاهر بالنهب يجوز اغتيابه بالسرقة إذا كان يسرق ويزني لا بالقتل ونحوه وهكذا دون العكس.

ثانيها: غيبة المظلوم لظالمه في مقام التظلم سواءً تستر الظالم له في ظلمه أو تجاهر لأطلاق قوله تعالى: [لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ]، وسواءً كان للمظلوم في غيبة ظالمه فائدة أم لا، والميزان لظلم المسوّغ للغيبة أن يكون قد غصبك مالك أو ضربك أو شتمك لا مثل ما لو لم يكرمك أو لم يقض حاجتك أو نحو ذلك، فالمدار على تحقق الظلم والعدوان منه عليك لا على ترك الأولى، وإن كان يظهر من بعض الأخبار جواز الغيبة على ترك أي حق كان من حقوق المؤمن على أخيه، ولكن الأولى الاقتصار على ما ذكرناه.

ثالثها: الأستفتاء كأن يقول للمفتي فلان ظلمني أو غصبني فكيف تخلصي منه حيث تكون جهة تقتضي ذكر اسمه.

رابعها: نصح المستشير كما لو استشارك رجل في تزويج بنته لشخص أو أن يتزوّج بامرأة وأنت تعلم منه أو منها ما يمنعه لو علم به فإنه يجب أن تعلمه بالحال.

خامسها: قصد ردع من تستغيبه أو حسم مادة فساده أو الردع عنه كي لا يغترّ به أحد كالمبتدع الذي تخشى أن يضل الناس أو الفاسد الذي يكتم فساده، وربما سرى إلى غيره، ففي الحديث السابق إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة بهم وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام وتحذرهم الناس ولا تتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع به الدرجات.

سادسها: جرح الشهود والراوي.

سابعها: دفع الضرر عن المستغاب كما ورد من ذم الأئمة (ع) لبعض أعاظم أصحابهم حفظاً لهم من أمراء الجور وبقياً عليهم.

ثامنها: ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة له التي لا يعرف إلاَّ بها كالأعمش والأعرج والأشتر ونحو ذلك، وإنما يحلّ هذا حيث لا يقصد الانتقاص بل وإن لا يسوءه ذلك على الأحوط ومعه يخرج عن الغيبة موضوعاً.

تاسعها: ذكره بعيب عند من يعلم ذلك وهي كالسابقة.

عاشرها: القدح في مقالة باطلة فإنه يجوز وإن استلزم القدح في قائلها، ومنه ردّ مدعي نسب ليس له.

وهذه هي الصور العشر التي ذكروا استثنائها من حرمة الغيبة وما يذكر من غيرها يرجع إليها.

والضابطة في المسوّغ حصول الغرض الصحيح الذي تكوّن رعايته أهم عقلاً أو شرعاً من رعاية حرمة المؤمن وإن لا يكون الغرض من الغيبة التفكّه والتلذذ بعرض أخيك المؤمن، فيجب على الإنسان المراقبة التامة على نفسه كي لا تخدعه  فيضم إلى موبقة الغيبة كبيرة العجب والكبرياء قاصداً بالغيبة الإيماء إلى تنزيه نفسه ثم أنه كما تحرم الغيبة، كذلك يحرم استماعها ففي الخبر السامع أحد المغتابين. ولا يكفي عدم الاستماع بل اللازم عدم السماع أيضاً ولا يكفي هو أيضاً بل الواجب معه الرد فإن عرض المؤمن كدمه وماله يجب حفظه كما يحرم هتكه، فإن أمكن الرد وجب وإلاَّ تشاغل بحيث لا يسمع فإن لم يمكن وجب عليه القيام، ولكن إنما يحرم سماع الغيبة المحرّمة فلو علم بوجود المسوّغ للمستغيب جاز الاستماع وإلاَّ حرم، ويشكل الأعتماد هنا على الحمل على الصحة. نعم، لا يجب الردّ هنا على تأمل أيضاً ولكن يحرم السماع حتى يعلم بتحقق المسوّغ.

القمار

ومنه مطلق المراهنة والمغالبة بالعوض سواءً كان بآلات القمار المعروفة المعدّة للعب بها أم بآلات مصطلحة بين المتلاعبين أما مطلق اللعب على نحو المغالبة بغير عوض فالأقوى عدم حرمته، والأحوط اجتنابه والضابطة أن اللعب على عوض حرام مطلقاً كما أن اللعب بآلات القمار المعدة لذلك حرام مطلقاً مع العوض أم بلا عوض كحرمة خصوص اللعب بالنرد والشطرنج مطلقاً حرمة مؤكدة. أما اللعب بغير آلات القمار ومن غير عوض فهو حلال وأجتنابه أحوط.

الكذب

وهو مما تطابق العقل والشرع على قبحه وحرمته وخسّة فاعله في جدّ كان أو هزل، ففي الخبر لا يجد الرجل طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجدّه.

وحرمته مغلّطة فعن العسكري (ع): (جعلت الخبائث كلّها في بيت واحد وجعل مفتاحها الكذب)، وعن النبي (ص): (إن المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك وخرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش وكتب عليه سبعون زنية أهونها كمن يزني مع أمه)، ولا يبعد كونه من الكبائر فتزول العدالة بالكذبة الواحدة من غير مسوّغ حتى يستغفر ويتوب بعدها.

نعم، ليس منه المبالغة والإدعاء والكناية والتورية بل سائر المعاني الانشائية والوعد مع أضمار عدم الوفاء وإن لم يكن كذباً ولكنه مثله في الحرمة ويشمله المقت في قوله تعالى: [كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ]. ويستثنى من حرمة الكذب أمور يجمعها وجهان:

الأول: دفع الضرر عن النفوس والأموال والأعراض المحترمة سواءً كانت له أو لغيره وسواءً كان المخوف منه يسيراً أم كبيراً وسواءً أمكنت التورية أم لا.

نعم، الأولى مع امكانها التخلص بها فيقول ما عندي حق لفلان ولا يقل ليس عندي وهكذا.

الثاني: اصلاح ذات البين وهو من أفضل القرب والطاعات بل أحب إلى الله ورسوله من عامة الصوم والصلوات فإذا أردت أن تصلح بين متباغضين لكَ أن تقول في مقام الاصلاح لكل منهما أن فلاناً يحبّك ولا يسبك وهكذا لكَ أن تقول كلّما يتوقف عليه تراضيهما أوله مدخلية فيه وفي اصلاحهما وإن كنت مخالفاً فيه للواقع والكذب في هذين الموردين مستحب بل ربما يكون واجباً ومن الثاني كذب الرجل لزوجته أو ولده وعداً أو خبراً.

ومن الأول المكايد في الحرب ومن الكذب المحرّم مدح من لا يستحق المدح إلاَّ على سبيل المبالغة والادعاء كما يصنعه الشعراء حيث يقولون فلان كالسحاب الماطر وهو الأم من مادر، أو كالعقاب الكاسر وهو أجبن من صافر. وهكذا فإن جميع ما هو من هذا القبيل جائز وليس من الكذب. نعم، الظاهر أن النوح بالباطل محرّم مطلقاً.

ومن الأعمال المحرمة معونة الظالمين ففي الحديث (إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الظلمة؟ وأين أعوان الظلمة؟ أين اشباه الظلمة؟ حتى من برا لهم قلماً أو لاقَ لهم دواةً فيجتمعون في تابوت من حديد فيرمى بهم في جهنم)، ولكن المحرّم منه أما ما يصدق عليه أنه من جلاوزة الظالم وأعوانه وسائر ذلك من أنحاء النسبة ككونه معماره أو خيّاطه وهكذا، وأما أعانته على عمل خاص هو ظالم فيه كغصب مال أو حبس بريء فضلاً عن القتل والجروح ونحوهما، وأما ما عدا ذلك من الأعمال كأن يتفق أن يبنى لهم أو يبيعهم أو يشتري لهم أو يتوكل عنهم فغير معلوم الحرمة، ولكن من أظهر مصاديق الإعانة للظالم الولاية من قبله، ففي الحديث (أهون ما يصنع الله بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب الله عليه سرادقاً من نار إلى أن يفرغ من حساب الخلائق)، والظاهر حرمة قبول الولاية من الظالم وإن آمن من نفسه الوقوع في الحرام.

نعم، لو آمن من نفسه ذلك وكان يرجوا إقامة العدل ودفع الظلم عن المؤمنين وقضاء حوائجهم والسعي في مصالحهم أستحب له قبول الولاية بل ربما تجب إذا توقف عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ورد عن أئمة الهدى (ع) من الحث والترغيب على قبول الولاية رجاء حصول تلك الغاية ما لا مزيد عليه ويكفي منه قول الإمام موسى بن جعفر (ع) لمحمد بن بزيع (أن لله في أبواب الظلمة من نور الله به البرهان ومكّن له في البلاد ليدفع الله بهم عن اوليائه في دار الظلم أولئك المؤمنون حقاً اولئك منار الله في أرضه اولئك نور الله في رعيته يزهر نورهم لأهل السماوات كما يزهر نور الكواكب الزهر لأهل الأرض أولئك من نورهم تضيء القيامة، خلقوا والله للجنة وخلقت الجنة لهم ما على أحدكم إن لو شاء لنال هذا كله، قلت: بما جعلت فداك؟ قال: يكون معهم فيسرّنا بإدخال السرور على شيعتنا فكن معهم يا محمد) انتهى. وكما تحل الولاية بل تستحب أو تجب بهذا، كذلك قد تحل أو تجب بالإكراه من الظالم عليها فيحل للمكره كلّما يتوقف دفع الضرر به عن نفسه أو ماله من الضرر الوارد على الغير عدا القتل فإنه لا تقية في الدماء. نعم، لو دار الأمر في الدماء بين الأقل والأكثر والأشد والأضعف والأهم والمهم جاز بل تعيّن الأدنى حفظاً للباقي.

هذه نبذة من الأعمال المحرمة التي يحرم الاكتساب بها.

5- مما يحرم الاكتساب به ما يجب على الانسان وجوباً تعبدياً عينياً كان كفرائضه اليومية ونحوها أو كفائياً كتجهيز الميت من غسله والصلاة عليه ونحو ذلك مما يعتبر فيه نية القربة.

أما التوصليات عينية كغسل الثوب والبدن أو كفائية كالصناعات والزراعات وكلما يتوقف عليه نظام الخلق في معاشهم أو معادهم كتعليمهم مسائل الدين والقرآن وكباقي واجبات الميت فالأقوى صحة الاكتساب بها وأخذ الأجرة عليها إذا كانت فيها منفعة معتد بها تعود للمستأجر وإلاَّ فلا كما أن الأقوى أيضاً صحة الاكتساب بالمستحبات مطلقاً مع تحقق المنفعة المصححة للإجارة ونحوها.

نعم، لو استأجره على العمل الصحيح وكان عبادياً ولم يتحقق منه قصد الأخلاص بطلت الإجارة ولم يستحق الأجرة كما لو أستأجره على اعادة صلاته الواجبة ليقتدي به على القول بجريان الجماعة في مثله فإن تحقق منه قصد الاخلاص صحَّ واستحق الأجرة وإلاَّ فلا، هذا فيما وجب على الأجير أو أستحب، وأما أخذ الأجرة على واجبات الغير أو مستحباته حيث تصح النيابة فلا اشكال في صحة الأجرة عليها والاكتساب بها، ولا منافاة في ذلك للاخلاص المعتبر في تحقق العبادة وتصح النيابة عن الميت فيما فاته من واجباته العبادية مطلقاً كصلاته وصومه وحجّه ونحو ذلك، ومستحباته، وفي المستحبات مطلقاً يجوز اهداء الثواب عن الحي والميت.

نعم، لا تصح النيابة عن الحي في شيء من واجباته ولا مستحباته إلاَّ ما ثبت بالدليل فلا يجوز أن يستنيب في صلاته الواجبة أو المستحبة ولو مع العذر، ولا في صومه ولا حجة إلاَّ في المريض المستطيع مع يأسه من البرء على قول غير بعيد.

6- ما يحرم الاكتساب به لكونه عيناً مخصوصة ذات مزية ذاتية أو اضافية فيحرم الاكتساب به أصلاً أو على وجه مخصوص كبيع المصحف مطلقاً على المشهور وظاهر جملة من الأخبار لزوم جعل البيع على الورق والجلد ونحوهما وكبيع المملوك المسلم على الكافر.

خاتمة

وتشتمل على ذكر أمور:

(1) ذكروا حرمة الاكتساب بجملة من الواجبات والمستحبات كالامامة واجبة كانت -كفائياً أو عينياً- كما في صلاة الجمعة والعيدين مع الانحصار وعدمه، أو مستحبة كما في غيرهما.

وكالقضاء مع الإنحصار وعدم الحاجة أو مطلقاً أو مع عدم الحاجة مطلقاً وكالشهادة تحمّلاً وإداءً وجواز أخذ الأجرة في جميع ذلك مع تحقق الاخلاص فيما هو معتبر به سيّما مع الحاجة وإن كان لا يخلو من وجه، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالاجتناب سيّما مع عدم الحاجة، أما أخذ الأجرة على تعليم القرآن أو المسائل الدينية أو الأذان أو الإقامة أو ايقاع عقد النكاح أو الطلاق ونحو ذلك، فمما لا ينبغي الاشكال في جوازه.

(2) الاحتكار والمراد به حبس شيء مما تحتاجه النفوس المحترمة ولا مندوحة لهم عنه من مأكول أو مشروب أو ملبوس وحيث أن قبح هذا عقلي فلا يبعد شمول الحرمة لكل ما يحتاج نوع البشر إليه ولو من غير الثلاثة كالحمولات والمساكن والمناكح ونحوها.

نعم، يحرّم شرعاً حرمة مؤكدة حبس خصوص الحنطة والتمر والزبيب والسمن مع تعذّر باذل آخر يفي الحاجة، ويشترط في الحرمة أن يكون حبسها طلباً للزيادة والغلاء لا لقوته وقوت عياله أو لبذر أرضه ونحوها، وحينئذٍ فيجبره الحاكم على البيع بقيمة عادلة ولو أمتنع باعه الحاكم أو عدول المؤمنين قهراً عليه.

(3) ذكروا كراهة تلقي الركبان للشراء منهم أو البيع عليهم، وحده إلى أربعة فراسخ فلو زاد كان سفراً للتجارة لا كراهة فيه ولا كراهة لو لم يكن قاصداً بل وقع اتفاقاً وتزول أيضاً بأخباره بسعر البلد.

(4) ذكروا كراهة الإكتساب بأشياء مخصوصة يعني اتخاذها حرفةً أو صنعة كبيع الأكفان والطعام والدقيق والذبح والنحر والحياكة والنساجة والحجامة مع الشرط وأجرة القابلة والضراب ومعاملة الصبيان ومن لا يتورع عن الحرام وأجرة تعليم القرآن والصباغة والقصابة، ومع كون أكثر هذه الأمور أو كلها واجبة كفائية يشكل تصور الكراهة فيها إلاَّ في مورد قيام من به الكفاية أو التحصيل الزائد على الكفاية فلا كراهة حينئذٍ فيما عدا ذلك وترتفع الكراهة بالتساهل في بيعه خصوصاً في الطعام.

(5) جوائز الظالم وعمّاله بل مطلق ما بأيديهم يجوز أخذه والمعاملة عليه بالبيع والشراء وسائر المعاوضات كالأموال التي في يد غيرهم محكومة بالإباحة وإنها لهم ما لم يعلم تفصيلاً أو اجمالاً بأنه غصب كما لو علم بوجود غصب في يد الظالم مردد بين أطراف محصورة يكون المأخوذ أحد تلك الأطراف، أما لو علم تفصيلاً وإجمالاً حرم أخذه والمعاوضة عليه  إلاَّ بنية الرد سواءً كان العلم قبل الأخذ أو بعده فإن أخذه بنية الرد وتلف من غير تفريط لم يضمن وإلاَّ ضمن مطلقاً ثم إن عرف صاحبه والعين أو المقدار ردّه عليه أو على وكيله أو ورثته وإن علم المالك دون المقدار وجب التخلّص منه بصلح ونحوه أو من ورثته، وإن كانت العين موجودة وجهل المالك وجب دفعها إلى حاكم الشرع من باب مجهول المالك، وإن كانت تالفة دفع إليه المثل أو القيمة من باب رد المظالم وإن جهل المقدار والمالك وجب دفع خمس المجموع الذي يعلم بوجود الحرام فيه من باب الحلال المختلط بالحرام.

نعم لو لم يعلم بكونه حراماً أو من أطرافه المحصورة واحتمل ذلك أستحب له التورّع عنه بالاجتناب، وفي صورة العلم بالغصب يستحب أخذه بنيّة الرد، بل قد يجب من باب الاستنقاذ إذا علم بإمكان ردّه إلى صاحبه، ولا يجوز الرد إلى الظالم أختياراً حتى مع عدم معرفة المالك فلو ردّها إليه فعل حراماً وكان ضامناً وما يأخذه الجائر من الأموال بأسم الخراج والمقاسمة يعني الحصة التي يأخذها من العائد عوض تقبيل الأرض وتفويضها كالخمس أو العشر وهو المقاسمة أو ما يضربه من المال في كل سنة على تلك الأرض كألف درهم أو مائة دينار أو نحو ذلك وهو الخرّاج، كل ذلك حلال أتهابه وشراؤه وسائر المعاوضات عليه من السلطان ويلزم على المالك أو الزارع دفعه إلى السلطان أو وكيله ولا يحل خيانته فيه ولا السرقة منه، ولكن الأحوط مع ذلك الاستئذان من حاكم الشرع والتقبل منه أيضاً في الأرض مطلقاً.

ولا يجوز دفع الزكاة إلى الظالم أختياراً، فلو أخذها قهراً من الطعام أو الأنعام لم يحل شراؤها وأتهابها منه، نعم، لو دفعها إلى مستحقيها ملكوا وجاز الشراء منهم، أما المالك إذا أخذت منه قهراً فإن علم بوصولها إلى مستحقيها برئت ذمته وإلاَّ وجب عليه إخراجها ثانياً ودفعها إلى أربابها أو إلى حاكم الشرع.

والحقوق المالية والمظالم كلها كمجهول المالك تخرج من الأصل كالديون بل لا يبعد ذلك حتى في الحقوق البدنية كالصوم والصلاة فضلاً عن مثل الحج والكفارة. نعم، لو أوصى بأخراجها من الثلث أو رأى الحاكم أو الوصي ذلك تعيّن.

(6) في أقسام الأرضين وأحكامها، ما بأيدي المسلمين من الأرض:

أما أن يكون مما قد فتحوه عنوة أي أستولوا عليه بالحرب والغلبة كأكثر أراضي الشام والعراق، وهذا القسم أما عامرة حال الفتح فهو لعامة المسلمين ولمصالح الاسلام في جميع البطون والطبقات على مدى الدهور والأعصار وأمره راجع إلى ولي المسلمين من الإمام أو نائبه العام أو السلطان، ولا يجوز التصرف فيه لأحد إلاَّ بأذن واحد منهم. وإذا وجد ولي الأمر مصلحة في بيع شيء منه صحَّ وملكه المشتري ولا يملك بدون ذلك.

نعم، لو عمّر أو غرس بأذن الإمام ملك الأرض تبعاً للآثار فإذا زالت، زالت ملكيته، ولكنه أحق بها لو أراد تعميرها، ويجوز تقبّلها منه مدة معينة أو مطلقاً بحصة من غلّتها ربعاً أو ثمناً أو نحو ذلك مقاسمة أو بمقدار من المال خراجاً على ما يراه ولي الأمر من المصلحة ويكن أحق بها من غيره، فلا يجوز مزاحمته وهذا الحق يباع ويوهب ويورث كسائر الحقوق المالية.

وأما غامره أي الخراب فهو للإمام وأمره راجع إليه أو إلى نائبه العام. وأما أن يكون قد فتح صلحاً أو أسلم عليه أهله طوعاً كالمدينة المنورة وكثير من بلاد اليمن فهذا ملك لأربابه ليس عليه إلاَّ الزكاة في غلته بشروطها. وما لا يد لأحد عليه فهو للإمام أيضاً أو نائبه.

والقسم الثالث من الأرضين: الأراضي الخربة التي باد أهلها أو انجلوا عنها وسلّموها من غير قتال وهذه كلها من الأنفال كرؤوس الجبال وبطون الأودية وسيف البحار وشطوط الأنهار للإمام (عجل الله فرجه) وأمرها في غيبته راجع إلى نائبه.

وكل من أحيى أرضاً ميتة بأذن الإمام أو نائبه أو السلطان فهي له، فإن كان لها ارباب معلومون دفع المحيى طسقها أي أجرتها كما أن كل من عجز عن تعمير أرض من المفتوح عنوةً أو مما هو للإمام، فللإمام أن يقبلها من غيره وشروط الأحياء موكول إلى باب أحياء الموات فالأحوط في جميع أقسام الأرضين المراجعة لحاكم الشرع.

(7) الظاهر أنَّ ما ينثر في الأعراس والأعياد وما يعرف عند العوام اليوم (بالراية ويهليه) وما أشبه هذا كل ذلك ظاهر في تمليك أخذه ولاقطه فيصح بيعه وشراؤه وسائر المعاوضات عليه بل لا يجوز لمالكه الأول استرجاعه فهو نحو من التمليك المجاني يملك بالقبض فلو وضع اثنان يدهما عليه كان لهما ولو سبق أحدهما فهو له.

أما ما يبذل في الولائم والأعراس وتسبيل الماء وما يبذل للأضياف من الماء والطعام وما يبذل في المآتم ومجالس الغراء لسيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) أو لغيره من القهوة والتتن والجاي ونحوها، فكل ذلك إباحة صرفة وإذن في اتلافه على النحو الخاص فلا يصح بيعه ولا هبته ولا نقله إلى بيته ولا التناول منه زائداً على المتعارف، وبالجملة فكل ذلك باقٍ على ملك صاحبه لا يجوز التصرف فيه إلاَّ بمقدار ما يحصل القطع برضا المالك ومع الشك فالأصل المنع بخلاف القسم الأول.

وأما النذورات فتتبع قصد الناذر وكيفية النذر فإن نذره لشخص أو جماعة كان من الأول وإن نذر انفاقه عليهم وبذله لهم بإطعام ونحوه كان من الثاني.

(8) في آداب التجارة، وأهم آدابها التفقه فيها ومعرفة أحكام البيع والشراء وما يصح الاكتساب به مما لا يصح ويكون على علم من شرائط المعاملات وموانعها فقد ورد عنهم (ع): (الفقه ثم المتجر وأنه من أتجر بغير علمٍ فقد ارتطم في الربا ثم ارتطم). فلو قصّر في السؤال أو التعلم وأوقع معاملة فاسدة فعل حراماً وأستحق العقوبة وكانت تصرفاته فاسدة، ويستحب إقالة المستقيل وأعطاء الراجح وأخذ الناقص والتسوية بين المعاملين والأرجح ترجيح أهل الدين وترك الربح على المؤمن إلاَّ يسيراً وعلى الموعود بالإحسان والتسامح في البيع والشراء فيعطي الزائد ويأخذ الناقص وفي تحقق هذا من الجانبين في معاملة واحدة نظر ظاهر. والدعاء عند دخول السوق وسؤال البركة من الله سبحانه. والتكبير والشهادتان عند الشراء والإجمال في الطلب، والمبادرة إلى البيع عند حصول الربح، والتكبير في طلب الرزق ففي الخبر (اللهم بارك لأمتي في بكورها) وقوله (ع): (إذا صليتم الصبح فبكّروا في طلب الرزق). ومشاركة أرباب الحظوظ فإنها تزيد في الحظ. وإتخاذ الحرف الرفيعة كالتجارة فإنها تزيد في العقل، وفيها تسعة أعشار الرزق والزراعة والغرس والضرع فإنها خير المكاسب، وروى أن الزراعة هي الكيمياء الأكبر. ويحافظ على التعقيب إلى طلوع الشمس فإنها أجلب للرزق من الضرب في الأرض ويجعل آخر دعائه إذا فرغ من صلاة الفجر (أستغفر الله وأتوب إليه وأسئله من فضله) عشر مرات، ويخبر أخوانه إذا أعسر ليعينوه ولو بالدعاء.

ومن المستحب قبول الهدية وتعجيل ردّ ظروفها وأن يشتري لأكله وقوت عياله الحنطة دون الطحين والخبز فأنه فقر وذل كما في الخبر، وأن يحرز قوت سنته لقوله (ع): (إن النملة إذا أحرزت قوتها استقرت)، ويكره مدح البائع سلعته وذم المشتري لها وكتمان العيب إذا لم يكن غشاً أو تدليساً وإلاّ حرم. وأستعمال الأيمان، والسوم بين الطلوعين بل مطلق الاكتساب والبيع في الظلمة، والأستحطاط بعد العقد، والدخول في سوم المؤمن بعد التراضي وقبل العقد بل الأحوط تركه حتى مع اشتغال المتعاملين بالمساومة وإن لم يحصل التراضي إلاَّ أن يكون موضوعاً للمزايدة عليه، ويكره بذل الزائد لذي الخيار ليفسخ فيأخذه بل الأحوط الاجتناب. وأن يتوكل حاضر لبادي بل مطلق العالم عن مطلق الجاهل، ففي الخبر (دعْ الناس على غفلاتها يرتزق بعضهم من بعض)، وتعاطي المعاملات الدنيّة المنافية للمروءة بل قد تحرم، وبيع الأمهات دون أولادها.

ومن أشد المكروهات البطالة والكسل والدوران في المجالس والأسواق بل لا يبعد تحريمها، ففي عدة أخبار إنَّ فيها خسران الدنيا والآخرة. وذكروا من المكروهات الاكتساب بالسؤال والأقوى حرمته مع القدرة على الاكتساب بغيره، أما واجد قوته مدة يعتد بها فضلاً عن الغني فلا ينبغي الاشكال في حرمته إلاَّ لغرض مشروع كوفاء دين أو نحوه، ويكره ردّ الهدايا خصوصاً الطيب والحلوى وطلب الحاجة من مستجدّ النعمة وأكل الحجّام من أجرته المأخوذة بالشرط والحرص والانهماك في طلب توفير المال بحيث يوجب السهر والمشقة، ففي الخبر (ملعون، ملعون من لم يعطِ العين حظّها) والرجوع في الهبة فأنه كالراجع في قيئه إلى غير ذلك من المكروهات والمستحبات، وأهم الآداب في باب التجارة بل في جميع الأحوال التوكل على الله جلَّ شأنه والاعتماد عليه والثقة به مع السعي المعتدل بين طرفي التفريط والافراط وخير الأمور الأوساط.

والله الموفق وبه المستعان


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما