الإثنين, شوال 27, 1445  
 
مقدمة الطبع الثانية


  


( 114)


( 115)


« مقدمة الطبعة الثانية »

بقلم المؤلَف

كيف يتحد المسلمون؟

أو كلمة في الاصلاح لا بد منها

( وَاعْتَصمُوا بِحَبْلِ الله جَميعاً وَلا تَفَرَقُوا ) (1)

لم يبق ذو حس وشعور في شرق الارض وغربها ، إلا وقد احسَّ وشعر بضرورة الاتحاد والاتفاق ، ومضرَّة الفرقة والاختلاف ، حتى أ صبح هذا الحس والشعور أمراً وجدانياً محسوساً يحسُّ به كلُّ فرد من المسلمين ، كما يحسُّ بعوارضه الشخصية مِنْ صحته وسقمه ، وجوعه وعطشه ، وذلك بفضل الجهود التي قام بها جملة من أفذاذ الرجال المصلحين في هذه العصور الأخيرة ، الذين أهابوا بالمجتمع الاسلامي ، وصرخوا فيه صرخة المعلِّم الماهر ، وتمثَّلوا للمسلمين بمثال الطبيب النطاسي (2) الذي شخص الداء وحصر الدواء ، واصاب الهدف بما عيَّن ووصف ، وبعث النفوس بعثاً
____________
(1) آل عمران 3 : 103.
(2) النطاس : للعالم الحاذق بالطب والخبير به .
اُنظر : القامرس المحيط 2 : 254 .

( 116)

حثيثاً ، وشوَّقها إلى استعمال الدواء لقطع مادة ذلك الداء الخبيث ، والعلل والأمراض المهلكة ، قبل أنْ تقضي على هذا الجسد الحي ، فيدخل في خبر كان ، ويعود كأمس الدابر.
صرخ المصلحون فسمع المسلمون كلّهم عظيم صرخاتهم بأنَّ داء المسلمين تفرُّقهم وتضارب بعضهم ببعض ، ودواؤهم ـ الذي لا يصلح آخرهم إلا به كما لا يصلح إلا عليه أولهم ـ ألا وهو الاتفاق والوحدة ، ومؤازرة بعضهم لبعض ، ونبذ التشاحن ، وطرح بواعث البغضاء والأحن والاحقاد تحت اقدامهم ، ولم يزل السعي لهذا المقصد السامي ، والغرض الشريف إلى اليوم دأب رجالات أنار الله بصائرهم ، وشحذ عزائمهم ، وأشعل جذوة الاخلاص لصالح هذه الاُمَّة من وراء شغاف افئدتهم ، فما انفكُّوا يدعون إلى تلك الوحدة المقدسة « وحدة أبناء التوحيد » وانضمام جميع المسلمين تحت راية « لا إله إلا الله محمَّد رسول الله » من غير فرق بين عناصرهم ، ولا بين مذاهبهم .
يدعون إلى هذه الجامعة السامية ، والعروة الوثقى ، والسبب المتين الذي أمر الله تعالى بالاعتصام به ، والحبل القوي الذي امر الله عزَّ وجلَّ به أنْ يُوصل ، يدعون اليها لأنَّها هي الحياة ، وبها النجاة للامَّة الاسلامية ، وإلا فالهلاك المؤبَّد ، والموت المخلَّد .
اُولئك دعاة الوحدة ، وحملة مشعل التوحيد ، اُولئك دعاة الحقِّ ، وأنبياء الحقيقة ، ورسل الله إلى عباده في هذا العصر ، يجدِّدون من معالم الاسلام ما درس ، ويرفعون من منار المحمَّدية ما طمس ، وكان بفضل تلك المساعي الدائبة ، والجهود المستمرة من اُولئك الرجال ( وقليلٌ ما هم ) قد بدت بشائر الخير ، وظهرت طلائع النجاح ، ودبَّت وتسرَّبت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة ، وصار يتقارب بعضهم من بعض ، ويتعرَّض


( 117 )

فريق لفريق ، وكان أول بزوغ تلك الحقيقة ، ونمو لبذر تلك الفكرة ، ما حدث بين المسلمين قبل بضعة أعوام في المؤتمر الاسلامي العام في القدس الشريف (1)، من اجتماع ثلة من كبار المسلمين ، وتداولهم في الشؤون الاسلامية ، وتبادل الثقة والاخاء فيما بينهم ، على اختلافهم في المذاهب والقومية ، وتباعد اقطارهم وديارهم ، ذلك الاجتماع الذي هو الأول من نوعه والوحيد في بابه ، الذي علق عليه سائر المسلمين الأمال الجسام ، فكان قرة عين المسلمين ، كما كان قذى عيون المستعمرين ، والذي حسبوا له الف حساب ، واوصدوا دونه ـ حسب امكانهم ـ كلَّ باب ....
ولكن على رغم كلِّ ما ا قام به اُولئك الاعلام من التمهيدات لتلك الغاية ، وما بذلوه من التضحيات والمفادات في غرس تلك البذرة ، وتعاهدها بالعناية والرعاية ، حتى تثمر الثمر الجني ، وتأخذ حظَّها من الرسوخ والقوة ،
____________
(1) كان ذلك في عام 1350هـ ، وللقارئ الكريم أنْ يرى الحالة التي آلت اليها أوضاع المسلمين في أيامنا هذه ، وكيف أمسى ما كان يخجل البعض أو يخشى حتى من مجرد الهمس به في أضيق الحدود قضية تتناقلها العديد من وسائل الاعلام الاسلامية ، وتطبِّل لها دون أي خجل أوحياء ، بل وتجدها عبارات فضفاضة تتردد على شفاه العديد من الرموز التي طالما تبجحت بصلف ، وادعت زوراً بانها أولى من غيرها في التصدي لرفع راية الجهاد والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم ، وأن هذا الحق المنصوب لا بد وأنْ يُستعاد يوماً وبايديهم وبنادقهم ، هم لا أحد سواهم ، وأنَ القدس لا بد وأنْ تعود للمسلمين كما كانت ، طاهرة مطهرة ، لا وصاية لليهود عليها ، ولا تدوس أرضها الطيبة أقدامهم القذرة النجسة . . . فاين هذه العبارات القاطعة والحدية ممّا نراه ونسمعه هذه الأيام من مظاهر الذلة والاستكانة والخضوع ، والتسابق المحموم في مد جسور العلاقة مع الصهاينة المغتصبين الذين لم تجف أيديهم بعد من دماء المسلمين ، ولم ولن تنتهي أحلامهم المريضة ببناء دولتهم المزعومة من النيل الى الفرات . . . ! ! فلا يعدوهذا الجريان نحو السَّلام الموعود قبال الأرض إلا وهم محض ، واسترخاء كاذب ، واستسلام عجيب أمام استشراء داء السرطان الخبيث في جسد هذه الاُمة المبتلاة بالعديد من الرموز الخائنة ، ورحم الله تعالى شيخنا كاشف الغطاء ، فما تراه قائلاً لو سمع ما نسمع ، ورأى ما نرى ؟
( 118 )

لا نزال نحن ـ معاشر المسلمين ـ بالنظر العام نتعلَّق بحبال الامال ، ونكتفي بالأقوال عن الاعمال ، وندور على دوائر الظواهر والمظاهر ، دون الحقائق والجواهر ، ندور على القشور ولا نعرف كيف نصل إلى اللب ، على العكس مما كان عليه أسلافنا ، أهل الجدِّ والنشاط ، أهل الصدق في العمل قبل القول ، وفي العزائم قبل الحديث ، تلك السجايا الجبارةِ التي اخذها عنهم الاغيار فسبقونا ، وكان السبق لنا ، وكانت لنا الدائرة عليهم فأصبحت علينا تلك ( سُنَّةَ الله في الَّذينَ خَلَوا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (1).
نحن نحسب أنَّنا إذا قلنا : قد اتحدنا وَاتفقنا ، وملأَنا بتلك الكلمات لهواتنا وأشداقنا ، وشحنا بها صحفنا وأوراقنا ، نحسب بهذا ومثله يحصل الغرض المهم من الاتحاد ، ونكون كاُمة من الأُمم الحيَّة التي نالت بوحدتها عزَّها وشرفها ، وأخذت المستوى الذي يحقُّ لها . ولذلك تجدنا لا نزداد إلا هبوطاً ، ولا تنال مساعينا إلا إخفاقأً وحبوطاً ، لا تجد لأَقوالنا واعمالنا اثراً ، إلا اننا نأنس بها ساعة سماعنا لها وما هي بعد ذلك إلا ( كَسَراب بَقيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَمآنُ ماءً حتى إذا جَاءَ ه لَمْ يَجدْه شَيْئاً )(2).
ويستحيل لو بقي المسلمَون على هذا الحال أنْ تقوم لهم قائمة ، أو تجتمع لهم كلمة ، أو تثبت لهم في المجتمع البشري دعامة ، ولو ملئوا الصحف والطوامير ، وشحنوا أرجاء الارض وآفاق السماء بألفاظ الاتحاد والوحدة ، وكلّ ما يُشتق منها ويرادفها ، بل ولو صاغوا سبائك الخطب منها باساليب البلاغة ، ونظموا فيها عقود جواهر الابداع والبراعة ، كلُّ ذلك لا يجدي إذا لم يندفعوا إلى العمل الجدي ، والحركة الجوهرية ، ويحرِّروا
____________
(1) الاحزاب 33 : 62 .
(2) النور 24 : 39 .

( 119 )

أخلاقهم وملكاتهم ، ويكبحوا جماح أهوائهم ونفوسهم ، بارسان (1) العقل والروية ، والحنكة والحكمة ، فيجد كلُ مسلم أنَّ مصلحة أخيه المسلم هي مصلحة نفسه ، فيسعى لها كما يسعى لمصالح ذاته ، ذلك حيث ينزع الغل من صدره ، والحقد من قلبه ، وينظر كلٌّ من المسلمين الى الآخر ـ مهما كان ـ نظر الاخاء لا نظر العداء ، وبعين الرضا لا بعين السخط ، وبلحاظ الرحمة لا الغضب والنقمة .
ذاك حيث يحس بوجدانه ، ويجد بضرورة حسه ، أنَّ عزَّه بعزِّ اخوانه ، وقوَّته بقوَّة أعوانه ، وأنَّ كلَّ واحد منهم عون للآخر . . فهل يتقاعس عن تقوية عونه ، وتعزيز عزِّه وصونه . . ؟
كلا ، ثم إذا كان التخلُّق بهذا الخلق الشريف عسيراً لا يُنال ، وشأواً متعالياً لا يُدرك ، ولا يستطيع المسلم أنْ يُواسي أخاه ألمسلم ، وأنْ يُحب لأخيه المسلم ما يُحب لنفسه ، وأنْ يجد أنَّ صلاحه بصلاح اُمَّته ، وعزه بعزَّة قومه ، فلا أقل من التناصف والتعادل ، والمشاطرة والتوازن ، فلا يجحد المسلم لأخيه حقَّاً ، ولا يبخسه كيلاً ، ولا يطفِّف له وزناً . .. والاصل والملاك في كلِّ ذلك : اقتلاع رذيلة الحرص ، والجشع ، والغلبة ، والاستئثار ، والحسد ، والتنافس . فإنَّ هذه الرذائل سلسلة شقاء ، وحلقات بلاء ، يتصل بعضها ببعض ، ويجر بعضها إلى بعض ، حتى تنتهي إلى هلاك الاُمة التي تتغلغل فيها ، ثم تهوي بها إلى أحط مهاوي الشقاء والتعاسة .
والبذرة الأولى لكلٍ من تلك الثمار الموبوءة هو : حب الاثرة . وقد قيل : الاستئثار يُوجب الحسد ، والحسد يُوجب البغضاء ، والبغضاء تُوجب
____________
(1) مفردها الرسن ، وهو الحبل .
أنظر : الصحاح ـ رسن ـ 5 : 2123 .

( 120 )

الاختلاف ، والاختلاف يُوجب الفرقة ، والفرقة تُوجب الضعف ، والضعف يُوجب الذل ، والذلًّ يوجب زوال الدولة ، وزاول النعمة ، وهلاك الاُمة . . . والتأريخ يحدِّثنا ، والعيان والوجدان يشهدان لنا شهادة حقٍ : أنَّه حيث تكون تلك السخائم والمآثم ، فهناك : فناء الأمم ، وموت الهمم ، وفشل العزائم ، وتلاشي العناصر . هناك : الاستعباد والاستعمار ، والهلكة والبوار ، وتغلُّب الاجانب ، وسيطرة العدو . . .
أمّا حيث تكون الآراء مجتمعة ، والاهواء مؤتلفة ، والقلوب متآلفة ، والايدي مترادفة ، والبصائر متناصرة ، والعزائم متوازرة ، فلا القلوب متضاغنة ، ولا الصدور متشاحنة ، ولا النفوس متدابرة ، ولا الأيدي متخاذلة ، فهناك : العزُّ والبقاء ، والعافية والنعماء ، والقهر والقوة ، والملك والثروة ، والكرامة والسطوة ، هناك يجعل الله لهم من مضائق البلاء فرجاً ، ومن حلقات السوء مخرجاً ، ويبدلهم العزَّ مكان الذلِّ ، والأمن مكان الخوف . فيصبحوا ملوكاً حكّاماً ، وأئمة أعلاماً .
وليعتبر المسلمون اليوم بحال آبائهم بالامس ، كيف كانوا قبل الاسلام إخوان وبر ودبر ، وأبناء حل وترحال ، أذل الاُمم داراً ، واشقاهم قراراً ، لا جناح دعوة يأوون إلى كنفها ، ولا ظل وحدة يستظلّون بفيئها ، في أطواق بلاء ، وإطباق جهل ، من نيران حرب مشبوبة ، وغارات مشنونة ، إلى بنات موؤدة ، وأصنام معبودة ، وأرحام مقطوعة ، ودماء مهدورة(1) .
____________
(1) لعلَ أبلغ الوصف وأروعه في رسم الصورة الحياتية التي كان عليها العرب قبل مبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ما نُقل عن سيد البلغاء والمتكلَمين علي بن أبي طالب عليه السَلام ، حيث قال : إنْ الله تعالى بعثَ محمداً صلّى الله عليه وآله نذيراً َللعالمين ، وأميناً على التنزيل ، وأنتم معشرَ العرب على شر دين ، وفي شر دارٍ ، مُنيخونَ بين حجارةً خُشنِ ، وحياتٍ صُمٍّ ، تشربونَ الكَدِرَ ، وتأكلونَ الجشبَ ، وتسفكونَ دماءكم ، وتقطعون أرحامَكم . الاصنامُ فيكم منصوبة ، والأثام بكم معصوبة . . . الخ ( الخطبة 26 ) .
( 121 )

ثم كيف أصبحوا بعد أنْ جمع الله بالإسلام كلمتهم ، وعقد بدين التوحيد وحدتهم ، ونشر على دعوة الحقِّ رايتهم . هنالك نشرت الرحمة عليهم جناح كرامتها ، وأسالت لهم جداول نعيمها ، حتى تربَّعت الايام بهم في ظل سلطان قاهر ، واوتهم الوحدة إلى كنف عزِّ غالب ، وتعطَفت الاُمور عليهم في ذرى ملك ثابت . فما عتموا أنْ أصبحوا ـ بعد ذلك الذلِّ وتلك الهنّات ـ حكاماً على العالمين ، وملوكاً في أطراف الارضين ، يملكون الاُمور على من كان يملكها عليهم ، ويُمضون الاحكام فيمن كان يُمضيها فيهم . لا تُغمز لهم قناة ، ولا تُقرع لهم صفات . . . ذاك يوم كان للمسلمين وحدة جامعة ، واُخوة صادقة . يوم كانوا متحدين بحقيقة الوحدة وصحيح الاخاء . يوم كانت مصالح المسلمين مشتركة ، ومنافعهم متبادلة ، وعزائمهم متكافلة ، ولا يجد المسلم من أخيه فيما يهمه إلا كلَّ نصر ومعونة ، ورعاية وكفاية .
ثم دارت الدوائر ، ودالت الايام والايام دول ، وأصبح المسلم لا يجد من أخيه القريب ـ فضلاً عن البعيد ـ إلا القطيعة ـ بل الوقيعة ـ ولا يرتقب منه إلا المخاوف ـ بل المتالف ـ ولا يحذر من عدوه الكافر أكثر من حذره من أخيه المسلم ، فكيف يُرجى ـ وحال المسلمين هذه ـ أنْ تقوم لهم قائمة ، أو تُشاد لهم دعامة .
وهيهات أنْ يسعدوا ما لم يتحدوا ، وهيهات أنْ يتحدوا ما لم يتساعدوا . . . فيا أيُّها المسلمون لا تبلغون الاتحاد الذي بلغ به اباؤكم ما بلغوا بتزويق الالفاظ ، وتنميق العبارات ، أو نشر الخطب والمقالات ، وضجيج الصحف وعجيج الاقلام . . . ليس الاتحاد الفاظاً فارغة ، واقوالاً بليغة وحِكَماً بالغة مهما بلغت من أوج البلاغة ، وشأو الفصاحة . . . ملاك الاتحاد ، وحقيقة التوحيد هنا : صفاء نية ، واخلاص طوية ، واعمال جد ونشاط .


( 122 )

الاتحاد سجايا وصفات ، وأعمال وملكات ، ملكات راسخة ، وأخلاق فاضلة ، وحقائق راهنة ، ونفوس متضامنة ، وسجايا شريفة ، وعواطف كريمة . الاتحاد أنْ يتبادل المسلمون المنافع ، ويشتركوا في الفوائد ، ويأخذوا بموازين القسط ، وقوانين العدل ، ونواميس النصف . فإذا كان في قطر من الاقطار كسوريا والعراق طائفتان من المسلمين أو أكثر فالواجب أنْ يفترضوا جميعاً أنفسهم كأخوين شقيقين قد ورثا من أبيهما داراً أو عقاراً فهم يقتسمونه عدلاً ، ويوزعونه قسطاً ، ولا يستأثر فريق على آخر فيستبد عليه بحظه ، ويشح عليه بحقه ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ )(1) فتكون المنافع عامَّة ، والمصالح في الكلَ مشاعة ، والاعمال على الجميع موزَّعة .
وليس معنى الوحدة في الاُمة أنْ يهضم أحد الفريقين حقوق الاخر فيصمت ، ويتغلَب عليه فيسكت . ولا من العدل أنْ يُقال للمهضوم إذا طالب بحقِ ، أو دعا إلى عدل : انَك مُفرِّق أو مشاغب ، بل ينظر الاخرون إلى طلبه ، فإنْ كان حقاً نصروه ، وإنْ كان حيفاً ارشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن ، مجادلة الحميم لحميمه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائمِ والسباب ، والمنابزة بالألقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معاً حطباً ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة .
وقد عرف اليوم حتى الأبكم والاصم من المسلمين أنَّ لكلِّ قطر من الاقطار الاسلامية حوتاً من حيتان الغرب ، وأفعى من أفاعي الاستعمار فاغراً فاه لالتهام ذلك القطر وما فيه . . . أفلا يكفي هذا جامعاً للمسلمين ، ومؤجِّجاً لنار الغيرة والحماس في عزائمهم ، أفلا تكون شدة تلك الآلام وآلام تلك الشدة باعثة لهم على الاتحاد وإماتة ما بينهم من الاضغان والاحقاد ،
____________
(1) الحشر 59 : 9 ، والتغابن 64 : 16 .



 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID