أُودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه الله تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة ، الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت ( عليهم السلام ) ، ماذا يكون ردّنا على هؤلاء ، من يقول بأنّ الشيعة تختلف عن بقية المذاهب في الصلاة ، حيث أنّ الشيعة يسبلون وغيرهم يتكتّف ، أو يشبك اليدين عند القيام ، وجزاكم الله عنّا خيراً .
الجواب:
الإسبال عندنا في الصلاة واجب ، لورود مجموعة من الروايات عن أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وأمّا التكتّف في الصلاة ـ أو ما يسمّى التكفير ـ فالظاهر أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أحدثه ، كما جاء في جواهر الكلام : « حكي عن عمر لمّا جيء بأُسارى العجم كفّروا أمامه ، فسأل عن ذلك ، فأجابوه : بأنّا نستعمله خضوعاً وتواضعاً لملوكنا ، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة ، وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع » (1) .
ولابدّ لهذه الحكاية المنقولة من وجه ، مع النظر إلى إنكار المالكية وجوبه ، بل وترى كراهيّته في الفرائض (2) ، خصوصاً أنّ الشافعي وأبا حنيفة ، وسفيان وأحمد بن حنبل ، وأبا ثور وداود ، كانوا يذهبون إلى استحبابه لا وجوبه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال (3) .
وعلى الأخصّ ذكر ابن أبي شيبة : « أنّ الحسن والمغيرة ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، وابن المسيّب ، وسعيد بن جبير ، والنخعي كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة ، ولا يضعون إحداهما على الأُخرى ، بل كان بعضهم يمنع وينكر على فاعله » (4) .
ومع هذا الاختلاف الواسع في حكمه ـ مع أنّ كيفية صلاة النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) كانت بمرأى ومنظر الصحابة كلّهم ـ هل يعقل أن يكون من السنّة ؟! فالإنصاف أن نحكم بأنّه بدعة ابتدع في زمن ما ، خصوصاً بالنظر إلى الروايات المذكورة في كتب الشيعة ، بأنّ هذا كان من فعل المجوس ، وأهل الكتاب (5) .
ولا يخفى على المتّتبع : أنّ دخول الفرس المجوس كأُسارى إلى المدينة ، واختلاطهم بالمسلمين كان على عهد عمر ، فلا يبعد أن تكون هذه البدعة قد حدثت في خلافته ، ولم يردعهم هو عن ذلك ، بل وعمل بها ، فأصبحت سنّة متخذّة عندهم .
ــــــــــــــ
(1) جواهر الكلام 11 / 19 .
(2) أُنظر : المدونة الكبرى 1 / 74 ، بداية المجتهد 1 / 112 ، المجموع 3 / 311 ، نيل الأوطار 2 / 200 ، المغني لابن قدامة 1 / 513 ، المبسوط للسرخي 1 / 20 .
(3) فتح الباري 2 / 186 .
(4) المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 428 ، المجموع 3 / 311 ، المغني لابن قدامة 1 / 513 ، الشرح الكبير 1 / 514 ، عمدة القارئ 5 / 407 .
(5) الكافي 3 / 299 ، دعائم الإسلام 1 / 159 ، علل الشرائع 2 / 358