عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
المقالات المختاره
غعع7
السبت, ربيع الأول 09, 1432 دور التراث العربي الإسلامي في مجال الغذاء والتغذية بقلم:د. خضر المصري

 
التراث الحضاري العربي الإسلامي في مجال الغذاء والتغذية عبارة عن كتاب مفتوح سجله الأجداد والآباء للأبناء والأحفاد, أرى في تدوينه وتوثيقه ضرورة إنسانية ووطنية ومحافظة على تراث المجتمع, إذ ليس في ذلك بلورة وتجسيد للتراث الحضاري لأمتنا فحسب, بل أداة للدفاع وإيقاف لزحف السيطرة الثقافية التي تمارسها الأمم المتقدمة علمياً على الأمم النامية ووضعها في خانة الأقل حظاً لتملي من خلالها سيطرتها وهيمنتها الثقافية والاقتصادية والتجارية على تراث الأمة المُسيطَر عليها فتصبح كالفارس من غير رمح أو كمن سحبت منه هويته في العهد العالمي الحديث عهد العولمة.
يعتبر الغذاء والتغذية أهم شواغل البشر في حياتهم منذ الخليقة لارتباطها اليومي بصحة الإنسان وإنتاجيته وذكائه ومرضه وعقيدته وهما جزء مهم بل رئيس من تراثه الحضاري والديني.
بدأ الإنسان يأكل ما يجده من طعام مستساغ بالفطرة مع تعليمه وإرشاده من قبل الديانات السماوية لما قد ينفعه أو يضره بالتحليل والتحريم }علّم الإنسان ما لم يعلم {ثم جاء بالعلم والخبرة الإنسانية ليكتشف دقائق وحيثيات كثيرة في عالم الغذاء والتغذية استفاد منها وسخرها بشكل سليم في مجال الصحة والرفاه والعبادة, ولكن بعضها أصبح ضرراً على الإنسان ولعنة عليه عندما استخدمها بطمع وشراهة دون اعتبار لشرائع الناموس السماوي مما سبب أمراض العصر والبيئة كجنون البقر والسرطان, والخلل الجيني والتلوث البيئي وغيرها التي تم تصديرها من خلال أساليب وقنوات العولمة الحديثة إلى المجتمعات النامية والفقيرة, وهناك الكثير من الأسس العلمية المبنية على معرفة الإسلام في القرآن والسنة وعلى الخبرة والتجربة والحكمة عند العرب في مجالات الزراعة لإنتاج الغذاء والصناعات الغذائية وأساليب وممارسات في سلامة الغذاء ومراقبته وفي مجال التغذية والصحة والطب وعلم الاجتماع التغذوي التي أخذها الغرب المظلم عندما كان يعيش في ظلمائه الحالكة فأنارت أماكن وزوايا كثيرة مظلمة في مجتمعاته, بنى عليها وطورها, بينما للأسف توقف العرب المسلمون, وبدأت شعلة العلوم تنطفئ عندهم أو تستقر في مكانها  دون تقدم, وكان في هذه الأسس العلمية الفوائد العظيمة والجمة للمجتمعات الإنسانية القديمة والحديثة, بينما في الغرب الذين غلب على نفوسهم الطمع والجشع أدت إلى آثار سلبية على أجسامهم وصحتهم بل صدروها إلى المجتمعات الأخرى, وشاهد على استفادة الغرب من التراث الإسلامي ما تمتليء به المكتبات الأوروبية من الكتب والوثائق التي ما زال الكثير منها مخطوطاً بالخط العربي.
إن الكتب المكرسة لكبار العلماء العرب في المكتبات العربية قليلة, ومعظم ما كتب عنهم قد نفد, لذا فإن الحاجة ماسة لملء الفراغ فيما يتعلق بالعلم العربي الإسلامي في المكتبات العربية بلغة عربية حديثة يفهمها الجميع.
بناء عليه, فمن الصعب الحكم وتقييم العلوم العربية الإسلامية ودورها في الحضارة الغربية بشكل كاف فإن ما نشر هو إحاطة بالموضوع وليس بحوثاً علمية جدية وكافية قام به قليل من المستشرقين وغير العرب المسلمين.
 
 
المنهج العلمي الذي استخدمه علماء العرب والمسلمين في مجال الغذاء والتغذية:
استند العلماء العرب والمسلمون في منهجهم العلمي في مجال الغذاء والتغذية بشكل خاص وبقية العلوم بشكل عام على ما يلي :
1)   الترجمة والنقل; أي مراجعة علمية للمعلومات والخبرات السابقة, وهذا ما يطلق عليه في المدرسة العلمية الحديثة بمراجعة الدراسات السابقة, ولم تكن هذه العملية عشوائية, بل بنيت على الفهم والتمحيص والاستيعاب.
2)   النشاط الإبداعي أو التطويري النظري والعلمي الذي هو: إما مبني بشكل جزئي على المعلومات السابقة أو إبداع وتطوير ذاتي من قبل العلماء العرب المسلمين ويشمل جميعا أفرزه هؤلاء العلماء من معلومات وخبرات.
3)   كان كتاب اللّه وسنة رسوله هما المرجعان الرئيسيّان لهذا المنهج العلمي سواء بما يتعلق بما نقل وترجم أو أبدع وابتكر; إذ كان يتم تهذيب وتعديل العلوم حسب هذين المرجعين.
4)   إن علماء العرب والمسلمين استطاعوا أن يكونوا أمناء على أعمالهم وصادقين في سلوكهم العلمي; فنلاحظ أن نقل المسلمين لنتاج الحضارات التي كانت سائدة قبلهم أو في أيامهم قد روعي فيه الصدق والأمانة دون إخفاء للحقيقة السليمة النافعة أو الطعن فيها, لذلك استطاعوا نقل العلوم والمحافظة عليها من جهة واستيعابها وتطويرها وتهذيبها بإدخال الكثير من التحسينات عليها من جهة أخرى; ووضعوها في طبعة وقالب الحضارة الإسلامي خاصة فأصبح للعلوم نكهة وطعم  خاص مميز لها وألبسوها ثوب اللغة العربية وسخروها لخدمة الإنسان وليس لخدمة المصلحة الفردية والرسمية كما هو الآن.
5)   رفض العلماء المسلمون مبدأ الشقاق الموجود في المنهاج العلمي الحديث الذي يعتمد على الشق التقني دون الاهتمام بالشق الآخر للعلوم وهو الشق الأخلاقي, بل إن بعضهم فضل الأخلاقيات في العمل على العلم الصامت المطلق, حتى إذا ما جمع العالم بين العلم والأخلاق وصل إلى الحكمة ولقب بالحكيم. يقول ابن النفيس: "وأما نصرة الحق وإعلاؤنا له وخذلان الباطل وطمس آثاره فأمر التزمناه في كل فن (أي في كل علم) على اعتبار أن العلم تسبيح وتمجيد للخالق وعمله في مخلوقاته وتخفيف آلام البشر وأمراضهم".
6)   اعتمدوا مبدأ الاعتدال والوسطية في عملية التغذية} كلوا واشربوا ولا تسرفوا{وإذا انصرف العالم بعد نومه في رياضة عقله وبدنه صرف ما تبقى في العمل الصالح والعبادة على فرض العالم عن نفسه محكوم بتقواه وليس برضى المؤسسة المستخدمة له.
7)   اعتمدوا نظام التعليم والتعلم باستخدام نظام المدرس ومساعد التدريس في التدريس أو الباحث العلمي (نظام الأستاذ والمعيد والطالب) على اعتبار أنه إذا أردت أن تتعلم شيئاً فعلمه كان هذا مبدأهم.
8)      استندوا في أبحاثهم ودراساتهم العلمية البحثية على أن المشاهدة والتجربة والبرهان هي الأساس في اعتماد ما تفرزه أعمالهم واكتشافاتهم.
9)   استخدمت اللغة العربية في البحث العلمي والتدريس في مجال علوم الغذاء والتغذية والطب والصحة. فاستطاع العرب أن يقدموا الفكر والعلم لعالمنا نقلاً أو حداثة أو أصالة لمدة لا تقل عن عشرة قرون, وكانت اللغة العربية هي لغة العلم والحضارة العالمية دون منازع خلال هذه الحقبة الزمنية. ولم تكن تجرى الأبحاث وتكتب المؤلفات بلغات أجنبية كما هو الحال الآن في معظم مجتمعات العالم النامية وهذا ما يدحض الادعاء الحالي بأن لغتنا العربية عاجزة عن استيعاب العلوم الحديثة ومصطلحاتها بينما الحقيقة تقع في أن العجز موجود في أنفسنا وليس في لغتنا. فانزوينا خلف ستار الفكر المستورد وابتعدنا عن أصالتنا وإنجازاتنا العظيمة من قبل العلماء العرب والمسلمين وصدّقنا ما يروّجه الآخرون عنا وعن لغتا فاستسلمنا وانهزمنا.
10) استخدم العلماء العرب المسلمون " نظرية الأخلاط الأربعة" في أبحاث الغذاء والتغذية والطب والصحة التي كانت مرتبطة ومتداخلة فيما بينها آنذاك, والتي تستند على ربط كل من التغذية الغذاء والأمراض التغذوية والتداوي الصيدلاني والغذائي مع بعضها. وهذا هو المبدأ العالمي المعتمد حالياً في هذا المجال.
11)  نبذ العلماء العرب والمسلمون أفكار واستخدامات الشعوذة والسحر والتنجيم في مجال الغذاء والتغذية.
12) لم تكن المسيرة العلمية في مجال الغذاء والتغذية مصنفة ومخصصة تحت اسمين علميين منفصلين هما علم الغذاء أو علم التغذية كما هو في الوقت الحاضر, وهذا مشابه لنفس المسيرة في البلاد الأوروبية التي بقيت هذه العلوم فيها ضمن مجالات علوم أخرى حتى تبلورت كما هي عليه في القرن الأخير من زماننا.
 
المسيرة العلمية في مجال الغذاء والتغذية في التاريخ العربي الإسلامي
لم يعرف عن التراث العلمي العربي الإسلامي في الغذاء والتغذية  الكثير كما هو في الحقيقة, وذلك لأنه موجود في مخطوطات قديمة منتشرة في مكتبات العالم من ناحية ولغياب باحثين من ناحية  أخرى في تاريخ العلم الأوروبي, بما يتعلق بمساهمة العلوم العربية الإسلامية في بناء العلوم الأوروبية الحديثة والتأسيس عليها بالإضافة إلى أنه لا يوجد ما يشبه المسح للحضارة العربية الإسلامية من خلال مراكز بحث علمي عربية إسلامية متخصصة في هذا المجال.
وتميزت فترة العلوم العربية الإسلامية في مجال الغذاء والتغذية والعلوم المرتبطة معها أو شملتها آنذاك كالطب والصحة وسلوك التعامل مع الغذاء بأنها مرحلة نظام له خصوصياته الحضارية لم يعرف عصر النهضة العالمية والتنوير الأوروبي مثيلاً له, لذلك يجدر بالمرء أن يحرص على ألا يقيم هذه الحقبة التاريخية بنفس المعايير التي تستعمل في الوقت الحاضر في تقييم العلوم الأوروبية الحديثة التي لها خصوصيتها أيضاً وبشكل مختلف عن متطلبات الحضارات الدينية للمجتمعات العربية والإسلامية من حيث طريقة التفكير والهدف والوسيلة التي بني عليها البحث والاستكشاف العلمي من جهة ومن حيث النتائج التي تترتب على صحة الإنسان والبيئة بسبب هذه الأبحاث, مثل أمراض العصر والحضارة المنتشرة حالياً بسبب العلم الحديث. ومن المعلوم أن المسيرة العلمية العربية الإسلامية قد تم تقسيمها إلى ثلاث مراحل حسب النشاط العلمي لكل مرحلة:
1. مرحلة الترجمة والنقل واستيعاب العلوم في مجال الغذاء والعلوم الأخرى التي كانت مرتبطة أو متداخلة معها كالطب والصحة والزراعة والغذاء والحسبة وغيرها.. ففي الفتوحات الإسلامية سقطت بيد المسلمين بلدان واسعة حضاراتها متقدمة بالنسبة للعرب آنذاك ووجد العرب كثيراً من الكتب باللغات الفارسية والهندية واليونانية والقبطية والسريانية والآرامية فأصبحت الحاجة ماسة إلى ترجمة هذه الأعمال من اللغات السابقة إلى اللغة العربية لفهمهما واستيعابها ونقل ما هو ملائم للمنهج الإسلامي, وبشكل خاص علوم الفلسفة والفلك والطب والصيدلة والكيمياء والزراعة, ومن ضمنها الغذاء والتغذية موزعة بين هذه العلوم; لأنها لم تكن مبلورة كعلم منفصل تحت مسمى الغذاء والتغذية.
فحدث تغيير في المنهج العلمي وخصوصاً في هذه المعارف ليتناسب وطراز الحياة الجديد ولأنها (الغذاء والتغذية بشكل خاص) ذات صلة قوية بالعقيدة الدينية الجديدة وأصبح العرب الطلاب الثانويين الجدد ثم الأساتذة والباحثين فيما بعد كما أصبحت اللغة العربية لغة التدريس والبحث العلمي.
عولجت علوم الغذاء والتغذية في المسيرة العلمية العربية الإسلامية السابقة وكما هو مدون في المخطوطات العربية الإسلامية أو مؤلفات المستشرقين الغربيين تحت العلوم الرئيسية التالية:
(أ)         الطب : في كتب الطب المشهورة للعلماء العرب والمسلمين وشمل هذا المجال التغذية والصحة والمرض وعلاج المرض.
(ب)       الصيدلة : فيما يعرف بالعلاج الدوائي الصيدلاني.
(ج)       الأعشاب الطبية والغذائية واستخداماتها في العلاج الحكمي.
(د)        الأغذية المختلفة والعمليات التصنيعية التي تجرى عليها.
(هـ)       الفلاحة والزراعة فيما يتعلق بانتاج الغذاء وطرقه والتقنيات التي تستخدم في ذلك.
(و)        التعليمات المتعلقة بالمحرمات والممنوعات والمسموحات لتناول الأطعمة حسب تعليمات القرآن والسنة.
(ز)        آداب تناول الطعام والشراب من النواحي الدينية والاجتماعية والسلوكية.
(ح)       الحسبة, فيما يتعلق بمراقبة الأغذية: جودتها وأسعارها والضرائب عليها (المتخصص: المحتسب).
 
دور الحضارة العربية الإسلامية في مجال الغذاء والتغذية في الحضارة الغربية:
التراث الغذائي والتغذوي في الحضارة العربية الإسلامية كبير في كميته, عظيم في قيمته, عظيم في تأثيره على الحضارة الغربية بشكل خاص والعالمية بشكل عام. وفي هذه المقالة الصغيرة لا نؤرخ لعلوم الغذاء والتغذية في تاريخ الإنجازات العلمية العربية الإسلامية, بل يهمنا أن نشير إلى دورها في صنع الحضارة الغربية من خلال استعراض بعض أسماء العلماء العرب المسلمين الذين عرفهم العالم الغربي وكتب عنهم وأن نذكر بعض مؤلفاتهم وهي قطرة من بحر. وقد جرى نقل المعارف التي تحويها من قبل الأوربيين أنفسهم وقد قاموا بتدريس كتب هؤلاء العلماء وتطبيق معارفهم وخبراتهم في "معاهد التعليم الأوروبية المتقدمة" آنذاك وحتى القرن السابع عشر. ويصعب علينا أن نتخطى بعض المراكز العلمية العربية الإسلامية في البحث والتدريس والتطبيق التي بقيت لعدة قرون منارة عالية, وإن انطفأت شعلتها فيما بعد.
إنه من الثابت أن أول مستشفى بني واستخدم فيه المنهج العلمي التطبيقي المستعمل في أنظمة المستشفيات الحديثة كان في عهد الرشيد ببغداد, تلاه مستشفى عضد الدولة الذي عملت فيه فرق الأطباء وطواقمهم وكانت تطبق فيهما أنظمة التغذية والعلاج التغذوي من خلال تحضير الأطعمة والأدوية الغذائية العلاجية على أيدي مختصين مهرة, وكانت هناك خدمة يتكفل بها المستشفى بكرة وعشية تقدم من خلالها الأطعمة والأشربة ما يليق بالأشخاص والمرضى وحالاتهم المرضية.
كما استمرت نشاطات المستشفيات في دمشق حتى عهد الأيوبيين, وقدألحق بها مطابخ لإعداد الأطعمة العادية لموظفي المستشفى والأطعمة الخاصة بالمرضى; ما يطلق عليه الآن بالحميات الغذائية العلاجية ويستعمل حاضراً في المستشفيات الغربية, وقد وضع حوالي 36 مجلداً في الطب والصيدلة والأغذية والأعشاب وطرق التداوي بها, كمراجع علمية في مكتبة المستشفى تحت تصرف المختصين والعاملين في مجالاتها.
كانت أحوال الغذاء والتغذية ما قبل الإسلام في البادية والحضر سيئة للغاية, ندرة في الماء والطعام وسوء نوعية الماء, وبساطة في الغذاء, ونقص مزمن في التغذية واعتماد على الغذاء الشعبي الذي كان ينقصه التنوع. ولم تكن ظروف الصحة والسلامة للغذاء وظروف النظافة الشخصية بشكل أفضل وكانت وسائل العلاج للأمراض التغذوية وغير التغذوية مستمدة من الطب الشعبي بدون أساس علمي والذي كانت تبدو بعض الصلات بينه وبين السحر.
ظهر مع بداية عصر الإسلام الانتفاع بالقرآن والسنة وما اشتملت على تعاليم الممنوع والمسموح به من الأغذية والأساليب السليمة في التعامل معها, فظهر كتاب الطب النبوي في العهد الأموي. ومن المعلوم أن هذا العصر كان بداية الترجمة والنقل عن الأمم الأخرى, فكان كتاب الطب النبوي بمثابة مرجع علمي سليم في مجال الغذاء والتغذية بنيت عليه الكثير من التصحيحات وتنقية الشوائب الموجودة في العلوم المنقولة.
وفي العصر العباسي وما تلاه من العصر الأندلسي والأيوبي والعثماني,  رسخت في المجتمع الإسلامي العلوم المختلفة وأصبحت المصدر الوحيد في العالم آنذاك وحتى القرن السابع عشر, أي لفترة عشرة قرون, حتى أنه في إيطاليا كان العلماء العرب المسلمون يحضرون للعمل في التدريس والعمل في المراكز العلمية وعند الملوك وباللغة العربية, بعد أن نسيت الكتب القديمة اليونانية والفارسية والهندية والسريانية. وتجلى دور الحضارة العربية الإسلامية وأثرها على العلوم الغربية عندما اعتمد الغربيون آنذاك الكتب العربية بنصوص ومصطلحات علمية واضحة بدلاً من النصوص المبعثرة والمنسية في الكتب الأخرى المذكورة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه خلال مرحلة استعادة النصوص المفقودة من خلال الترجمة والنقل والاستيعاب قام العلماء العرب المسلمون بتصحيح وتعديل المفاهيم القديمة الخاطئة, فعلى سبيل المثال صحح إسحق بن عمر ما كتبه جالينوس وأرسطو وروفوس عن اضطرابات الهضم وتجمع المرّة السوداء تحت الأضلاع وصعودها في صورة أبخرة إلى الدماغ لتسبب مرض الكآبة عند المريض. كما صحح الرازي المعلومات الخاطئة التي تتعلق بتنشئة الطفل وتغذيته, وصحح أحمد بن محمد البلدي في كتابه "تدبير الحبالى والأطفال" في مجال الرضاعة وتغذية المرضع ونوع حليبها المعلومات الخاطئة لكل من روفوس واوريانوس عن التغذية الإسبارطية ومضمونها تفسير علاقة التغذية الكثيرة بالنمو والطول وإعطاء الأطفال الرضع والشباب المراهقين الخمر قدر ما يتحملون نظراً لكثرة الرطوبة في أجسامهم, و قام ابن النديم بعد الرازي في كتابه" قطب السرور في أوصاف الخمور" أيضاً بتصحيح وتعديل هذا الخطأ الفادح في تغذية الأطفال. هذه المعلومات المعدلة السليمة استفاد منها الغربيون بعد أن ترجموا الكتب العربية التي وجدوها في صورة جاهزة وصحيحة.
كان الرومان واليونان يعتقدون بخرافة احتراق الدم عند الكآبة وفي حالة البوليميا أو الشره الغذائي الذي كان مصدره الإفراط في تناول الطعام ثم تقيؤه في سهرات اللهو لأمراء الرومان إلا أن العلماء العرب والمسلمون دحضوا هذا الادعاء وحذفوه ثم تطور إلى أبعد من ذلك الآن فأصبح يعامل في الوقت الحاضر على أنه مرض تغذوي ينتشر في الغرب تجب معالجته.
وصف علماء اليونان مرض اليرقان بشكل اسطوري خرافي ثم جاء العلماء العرب فشخصوه ووضعوا النصيحة الغذائية والوصفة الدوائية المناسبة له.
كما نجح العلماء العرب المسلمون في تشخيص ووصف علاج مرض البول (المعروف بالسكري الآن) وتصحيح الأفكار القديمة الخاطئة واستخدموا الأسس التغذوية بدلاً من الخرافات في علاجه, كما طالبوا بفهم المتلازم في الأعراض المرضية التغذوية والتطبيقية وترتيبها واستخداماتها. لقد أبدع كل من المجوسي وحنين بن إسحاق في ميدان الغذائيات الواسع والحياة الصحية السوية وأشاروا باستخدام مبدأ الضد بالضد في العلاج الغذائي للأمراض التغذوية.
ويجب ألا نمر بدون تنويه إلى أن العالم صالح ابن سلوم كتب عن مرض التهاب اللثة الذي يسمى الآن مرض الإسقربوط وعالجه بشكل جيد فنقله الغرب واستفادوا منه عندما انتشر بينهم بسبب نقص فيتامين ج.
برع العرب المسلمون بكل حداثة وأصالة في وصف المشروبات الساخنة والباردة من الأغذية والأعشاب المختلفة واستخدامها في الاستطباب والعلاجات التغذوية والصحية والطبية فعرفها الغرب واستخدمها وما زال يستخدمها في كثير من الأدوية والعلاجات وبطرق أقرب إلى الطرق العلمية الدقيقة حديثاً مثل درجة نقاوتها والتقيد بالمقادير الموصوفة منها وتوقيت استخدامها في فترتي المرض والصحة والاستمرار بها وقت استخدامها.
ولا يغيب عن الذهن أن العرب هم الذين استخدموا المكاييل والأوزان الإسلامية في الأغذية والطب والصيدلة والتقيد بالمقادير بشكل دقيق وتوقيت استخدامهافي فترتي المرض والصحة وعدد الجرعات والاستمرارية ونوع الحالة الصحية والمرضية ودرجتها الموجبة للعلاج; وقد اشتهرت في العصور الأموي والعباسي والأندلسي والفاطمي والأيوبي فبنى الغرب عليها أنظمة الموازين المترية والرطل والقدم وخرجت استعمالاتها من دائرة الكنيسة ورعاياها إلى أيدي الشعب آنذاك.
ومن العلماء العرب المسلمين الذين اشتهروا, نذكر نخبة صغيرة من عشرات عديدين كتبوا في مجال الطب فأبدعوا دون لبس أو شك في معالجة المواضيع الصحية والتغذوية والعلاج التغذوي في الصحة والمرض والعلاج الحكمي مثل: ابن النفيس وابن سينا وابن زهر وابن رشد وابن ميمون والبغدادي وابن البيطار والطبري وأبوزكريا وحنين بن إسحق وأبو بكر الرازي وأبو قاسم الزهراوي وغيرهم. لا يتسع المجال هنا إلا لذكر موجز الموجز دون أقل التفاصيل. فمن كتب ابن النفيس "المختار من الأغذية" والموجود في مكتبة برلين/ ألمانيا و "شرح القانون" الموجود في مكتبة لندن و"الشافي في الكحل" الموجود في طهران; إذ بقيت هذه الكتب تستخدم كمراجع تعليمية تدرس في أوروبا حتى القرن الثامن عشر.
ولا يجب أن ننسى من أعمال هؤلاء العلماء البحوث الجدية العلمية في مجالات وظائف الأعضاء وعلاقتها بالتغذية, والعمل الشامل في الغذاء وفي الصناعات الغذائية التي بنى عليها الغرب فى أوروبا جزءاً غير قليل من حضارتهم.
لقد استنار العلماء العرب المسلمون بالقرآن والسنة وبحثوا ثم كتبوا ما لا يعد ولا يحصى من المؤلفات في مجالات التغذية الاجتماعية والنفسية والصحية والأمن الغذائي الأسري والجماعي مثل: وضع وحقوق الأم والطفل وتنظيم العلاقات الأسرية والحفاظ على حياة الطفل ونموه ومسؤولية والديه اتجاهه والمباعدة بين الولادات والحجر الصحي وتربية الطفل سلوكياً وتغذوياً. كما أبدعوا في مجال التغذية وأثرها في بناء الجسم والعقل والتنشئة والسلوك في مجال الرضاعة الطبيعية والرضاعة اليتيمة وغذاء الحامل والمرضع والتغذية السليمة وأثرها على النفس والعقل ونظافة بيئة الأسرة والطفل ونظافة أعضاء الجسم والطعام والمسكن والملبس والطريق والأرض (البيئة الخارجية وكتب الطهارة), كانت هذه المؤلفات منهجاً علمياً أخذ منه الغرب وبنى عليه في هذه المجالات المذكورة.
استخدم الطب الوقائي والعلاج التغذوي في مجالات رعاية الأمراض التغذوية والنفسية والوبائية, ووضعت قواعده في صورة تعاليم وأوامر ونواهٍ لأكثر من عشرة قرون ثم استخدمه الغرب وما زال يستخدمه الطب الحديث من حيث المبدأ, فما زال الصيام يستخدم كأداة من أدوات العلاج التغذوي بعد أن تبنته الكثير من بيوت الاستشفاء والنقاهة في الغرب, واجتناب طعامين متضادين وسلوك تناول الطعام من حيث الكمية المتناولة والشبع والإسراف فيه.
وفي كتاب "الأشربة" لأبي عبداللّه أحمد بن حنبل , بين مضار بعض الأشربة التي نهى عنها الإسلام, تزودت المكتبة الغربية بالكثير من المعلومات الموجودة فيها والتي هي الآن موضع نقاش علمي بين الأمم بشأن نوعها واستعمالاتها.
وفي كتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية للشيخ الرئيس ابن سينا سبع مقالات مضمونها تعداد لأنواع الخطأ في الطعام والماء والهواء وفي المشروبات والحركات والحمام والإستفراغ وتم تعديل أنواع الخطأ وتداركه في المواد السبعة فيما يتعلق بتغذية الجسم وهذا ما تدعو إليه النظريات العلمية الحديثة في التغذية تحت ما يسمى بالتوازن في التغذية.
وفي مجال الأعشاب الطبية والغذائية ألف ابن البيطار كتابه الرائع وعنوانه "الجامع للأدوية المفردة" في الأعشاب التي تستخدم في العلاج الحكمي والغذائي وفي الوقاية وقد ترجمه لوسيان لوكلير عام 1826 وبنى عليه وتم استخدامه في جامعات فرنسا.
استفاد الغرب من أحكام الذبائح والزكاة في الإسلام في علاج أو تجنب الأمراض التي كانت تصيبهم في القرون الوسطى من خلال دم الحيوانات المخنوقة أو المقتولة ولحوم الخنازير والوحوش ودمائها.
عالج العلماء العرب المسلمون الأغذية وأقسام الأطعمة العلاجية مثل حنين بن اسحق والرازي وابن زهر والسمرقندي والمجوسي وأسهبوا في الكتابة عنها بدقة, فسبقوا أهل عصرهم في ذلك.
ولم يغفل العلماء العرب المسلمون عن الكتابة في مجال إعداد الطعام وفن الطبخ وإدارة الطعام وتقديمه والحسبة فيه التي تشمل مراقبة الأسعار وجودة الطعام والتفتيش عليه, كما نجحوا في مجالات الصناعات الغذائية مثل صناعة السكر والحلويات والمعجنات والزيوت والتمور, ومن أهم من أبدع في هذه المجالات كل من ابن يحيى المنجم وابن ماسويه والسرخسي والرازي والبغدادي وابن ساعد واسحق بن سليمان. فقد بلغت الكتب التي تخص الغذاء وتحضيره 16 باباً في كل كتاب من كتب الحسبة التي نذكر من أشهرها كتب ابن بسام "المحتسب" و"العقد الفريد" وكتاب السياري الوراق عن الأطعمة الذي استعرضها في أكثر من مائة باب وكتب عن التغذية العلاجية التي تشمل استخدام الأطعمة في الدواء في حوالي 130 كتاباً. ولا مبالغة فيما نقول عندما نذكر أن كتب الأطعمة في العصور: الأموي والعباسي والأندلسي قد بلغت مستوى قريباً من الوقت الحاضر.
اشتهر العرب بشكل خاص في كتبهم عن صناعة التمور التي انفردت بها الأدبيات العربية الإسلامية آنذاك وبقيت المصدر الوحيد للغرب ولعدة قرون.
وكتب كل من الكندي والبغدادي في حفظ الأغذية وتصنيع بعض منتجاتها كالبيض والألبان وكشف بعض أساليب الغش فيها. كما كتب كل من ابن سينا والغساني والإنطاكي في فن صناعة الزيوت واستخداماتها.
ومن علماء الفلاحة العرب المسلمين الذي بحثوا وكتبوا في تطوير الإنتاج الزراعي والغذائي العالم عبد الغني النابلسي وابن خلدون الذي كتب أيضاً بأسهاب في علم الصناعة بشكل عام.
 
المراجع
(1) أحمد بن حنبل, كتاب "الأشربة", تحقيق عبداللّه بن حجاج, دار الجيل, بيروت, 1985.
(2) ابن سينا, "دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية", دار إحياء العلوم, بيروت, 1985.
(3) سعود العاني وهيلان التكريتي, "صناعة الأغذية والألبان", المؤتمر العلمي الثالث للجمعية الأردنية لتاريخ العلوم, عمان, 2001.
(4) سلمان قطاية, "الطبيب العربي ابن النفيس", من أعلام الطب العربي, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, 1984.
(5) فالتر هنس, "المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري", ترجمة كامل العسلي, الجامعة الأردنية, عمان, 1970.
(6) نبيلة داود, "كتب الطبيخ مصدر لدراسة الصناعات الغذائية في العصر العربي الإسلامي", المؤتمر العلمي الثالث للجمعية الأردنية لتاريخ العلوم, عمان, 2001.
(7) وزارة الثقافة والإعلام, "مجلة التراث الشعبي", بغداد, أعداد السنوات1999 - 2002.


 

 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID