عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفکر السیاسی الاسلامی
01
السبت, صفر 04, 1432 المرجعية الدينية والتحولات المعاصرة السيد محمد باقر الحكيم

تتمثل ابرز التطورات التي يمكن أن نلاحظها في عالمنا المعاصر والتي تلقي بظلالها الثقيلة على المرجعية الدينية في الأمور الآتية:
الأول: الحوادث الجديدة
التطورات على مستوى الحوادث الجديدة، والتي تحتاج إلى معالجة فقهية ومتابعة وتحليل، من الناحيتين الفقهية والشرعية، والرجوع فيها إلى المصادر الدينية (القرآن والسنة) لمعرفة الحكم الشرعي تجاهها.
ففي كل يوم نواجه قضية جديدة ترتبط بأوضاعنا الحياتية التي نحتاج فيها إلى رأي جديد، وهو ما يعبر عنه ب((المسائل المستحدثة))، وهذا يفرض وجود عمل تخصصي علمي لا بد من القيام به في المحافل الفقهية لأجل دراستها.
وكما هو معروف، فان انتشار المسلمين في مختلف أنحا الأرض، وتطورات العلم والحياة المدنية أديا إلى تطور حالة الإنسان الاجتماعية، وكذلك كثرة العناوين الثانوية التي أدت إلى نشوء الحرج والعسر المتكاثر يومياً.
كما نجد، في كل يوم، مسالة أو قضية تطرح ذات علاقة بالمعاملات التي كانت في السابق محدودة بعناوين معينة.
فالبيع، مثلا، كان له في السابق أقسام معينة ومحدودة، وكذلك الإجارة والمضاربة والشركة وغيرها من العناوين الفقهية الأخرى.
أما اليوم، فنجد عشرات العناوين الجديدة للعقود والمعاملات التي تحتاج إلى بحث فقهي دقيق لأجل معرفة حكمها الشرعي.
وكذلك في العلاقات الاجتماعية، أيضاً، تتواجد بشكل واسع تطورات كبيرة جدا تحتاج إلى متابعات في غاية الدقة من الناحيتين الفقهية والشرعية لإعطاء الموقف منها.. وعلى سبيل المثال، يمكن لذوي الاهتمام والمتابعة أن يدركوا هذه الحقيقة من خلال مراجعة قائمة هذا العام التي أعدها المجمع الفقهي الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي ينعقد في مدينة جدة أو غيرها كل عام، لأجل بحث القضايا المستجدة، والذي يحضره علما من مختلف المذاهب الإسلامية، بمن فيهم علما من الجمهورية الإسلامية.. فعند مراجعة هذه القائمة، نجد عشرات العناوين المعقدة الجديدة التي تحتاج إلى معالجة فقهية في مختلف تفاصيلها.
ومضافا إلى ذلك كله، نواجه القضايا والإثارات والشبهات الجديدة حول الفكر والعقيدة والثقافة الإسلامية والحياة الاجتماعية وكيفية صياغتها ومعالجة مشاكلها، الأمر الذي يحتاج إلى مواكبة دائمة ومستمرة لتقديم الحل الإسلامي ومعالجة الشبهات والإثارات حول الإسلام وأحكامه ومنهجه في الحياة.
مسؤوليات المرجعية والعصر الحاضر وإذا أخذنا بنظر الاعتبار، كما ذكرنا سابقا، إن المرجعية الدينية تتحمل بالأساس مسؤوليات ثلاث هي:
المسؤولية الأولى (الثقافية): وهي تشخيص معالم العقيدة الإسلامية بجميع تفاصيلها، ومنها الثقافة الإسلامية ومفاهيمها الأخلاقية والاجتماعية التي ينبغي أن تطرح بوصفها نتاجا للعقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي،وتستنبط أيضاً من القرآن والسنة، إضافة إلى الفتيا وبيان تفاصيل الأحكام الإلهية والمواقف الشرعية تجاه الحوادث المختلفة، إذ لا تخلو واقعة من حكم شرعي.
وإضافة إلى العقيدة والفتيا، هناك عملية ((الهداية))، هداية الناس وإرشادهم، وهي عملية معقدة تحتاج غالبا إلى تخطيط وعمل متواصل للقيام بهذا الدور الذي يعتمد بصورة أساسية على تشخيص العقيدة بتفاصيلها وتشخيص الثقافة الإسلامية للأمة، ومن ثم بيان الأحكام الشرعية لأبنا الأمة.
المسؤولية الثانية: إدارة شؤون المسلمين وقيادة الحالة الاجتماعية التي يمكن أن نعبر عنها ب((الولاية))، أي ولاية أمور المسلمين في إقامة الدولة الإسلامية وإقامة الحكم الإسلامي، وقيادة عملية التغيير في المجتمع الإسلامي، وهي عملية تغيير وبنا وتزكية وتطهير، وإقامة لأركان العدل والقسط بين الناس على أساس الحق والمصالح الحقيقية. ففي مرحلة ما قبل قيام الدولة توجد ((ولاية)) و((مرجعية سياسية)) يكمن دورها في إدارة التغيير في المجتمع باتجاه الهدف الرئيس، وهو إقامة الحق والعدل بين الناس والمتمثل بإقامة الدولة والحكم الإسلامي، وفيها الكثير من التفاصيل:
مثل المعرفة وتحليل الأوضاع السياسية القائمة في الواقع الاجتماعي، ومعرفة مواقف الأعداء والأصدقاء، ومعرفة الإمكانات والقدرات التي تتمتع بها الأمة. ثم بعد ذلك يأتي تشخيص الموقف السياسي بنا على هذا التحليل وهذه المعرفة، ثم العمل على تفعيل الموقف وتنفيذه، وإجراء العملية التغييرية، وهي عملية معقدة جدا، أيضاً، وتحتاج إلى تفرغ واهتمام خاص، ولا سيما في العصر الحاضر الذي تحولت فيه الدنيا كلها إلى بلد واحد وتشابكت فيه المصالح والنتائج، وكثرت فيه مؤامرات الأعداء وأساليبهم في الهيمنة والتسلط ووسائلهم في النفوذ والتأثير.
المسؤولية الثالثة: مسؤولية القضاء وفصل الخصومات والحكم بين الناس. ومن الواضح أنّ مشاكل الناس ومواضع الاختلاف بينهم، قد توسعت بسبب تعقد الحياة الاجتماعية وتوسع القضاء يوما بعد آخر، إلى جانب ذلك توسعت القوانين والتعليمات حتى أصبحت لدائرة القضاء مؤسسات كثيرة مستقلة في مقابل دائرة الفتيا، ودائرة الولاية، بحيث يقال: إن السلطة التشريعية تمثل المسؤولية الأولى والسلطة التنفيذية تمثل المسؤولية الثانية، والسلطة القضائية تمثل المسؤولية الثالثة.
وقد كان المجتهد الواحد، في الماضي، هو الذي يعطي الفتوى ويقدم الفكر والعقيدة، وفي الوقت نفسه كان يشخص الموقف السياسي والتغييري في الأمة، ويفصل الموقف في نزاعات الناس، فمثلا الإمام اميرالمؤمنين(ع) كان يمارس كل ذلك شخصيا، باعتبار أنّ القضية لم تكن معقدة بهذا الشكل وهذه السعة الموجودة الآن. ولتوسع مجال القضاء وتعقيداته، فصل عن الولاية بعد ذلك، بحيث أصبح القاضي غير الوالي في الدولة الإسلامية، كما فصل أيضاً مقام الفتيا عن الولاية، ولكنهما يعملان تحت إشرافه وفي مؤسسة من مؤسساته، بحيث أصبح الوالي يدير العملية الاجتماعية والسياسية في الوقت الذي يكون هناك شخص آخر يتولى الفتيا وإعطاء المحصل الفكري، وشخص ثالث يتولى القضاء.
وفي زمن الصفويين، على سبيل المثال، كان المحقق الكركي(رض) هو الولي الفقيه في الدولة، لكن دوره كان ينحصر في تشخيص القضايا الشرعية (الفكر والعقيدة وإعطاء الفتيا) والإدارة كانت بيد السلطان الحاكم، لكن بتفويض منه للقيام بهذه المهمة..
ثم توسع الأمر إلى درجة كبيرة حتى أصبحت هذه القضايا مؤسسات ثلاث تستقل أحداها عن الأخرى.
فهناك ثلاث مؤسسات مستقلة هي: المؤسسة التنفيذية التي يديرها رئيس الجمهورية وجهازه (الوزراء)، والمؤسسة التشريعية التي يديرها مجلس الشورى الإسلامي، والمؤسسة القضائية التي يديرها رئيس القوة القضائية وجهازه الخاص، ومن اجل إعطاء الشرعية الإسلامية لهذه المؤسسات، أصبح الولي الفقيه هو المشرف على هذه المؤسسات، ويمنح الشرعية لها بالتفويض والإمضاء أو بالإشراف المباشر.
والآن نجد هذا التنظيم للحكم والتقسيم للواجبات في الجمهورية الإسلامية، باعتبار إن المرجع الولي لا يمكنه حاليا ممارسة جميع العمليات الإجرائية والقضائية والإدارية وغيرها إلى جانب الفتيا.
الثاني: القضية السياسية
تطورات القضية السياسية في عالم اليوم، إذ كانت المسالة السياسية محدودة لانقسام العالم إلى عدة دوائر ومجتمعات منفصلة بعضها عن بعض، وكانت العلاقات بينها محدودة جدا والمداخلات كذلك،والارتباط بينها أما بالحرب أو بالهدنة المؤقتة. أما اليوم فقد تحول المجتمع الإنساني إلى عالم جديد متداخل في شؤونه السياسية والاقتصادية والثقافية يعتمد بعضه على بعض ولا يستغني بعضه عن بعض، عالم الأمم المتحدة والتعاون الدولي في مختلف المجالات، والعهود والمواثيق والقوانين الدولية الثنائية أو الجماعية، والتكتلات الإقليمية والدولية، والمداخلات والمؤامرات والنفوذ الدولي الواسع بسبب وجود هذا التشابك في العلاقات.
الثالث: ثورة الاتصالات
تطور العلاقات والصلات الذي حول العالم إلى عالم جديد، وهو عالم الاتصالات والمعلومات من خلال القنوات الفضائية وشبكات الاتصال الدولية، السلكية واللاسلكية والكمبيوتر و((الانترنيت)) وسهولة التنقل والسفر، وملكية الأسهم، والشركات متعددة الجنسية، والتجارة الدولية، ونقل الأموال والبنوك العالمية، وتبادل الثقافات عن طريق الدراسة أو الكتب والمجلات والصحافة، والموسوعات والمعاجم،والترجمة وتعدد اللغات وما شابه ذلك، حتى صار العالم بأكمله يشبه المدينة الواحدة المكتظة بالسكان والمشكلات والمداخلات والتأثيرات المتبادلة من خلال هذه الارتباطات وتطوراتها الواسعة التي ألقت بظلالها الثقيلة على القضية السياسية والاقتصادية -أيضاً- وتشعباتها.
فمثلا، في السابق، لم يكن هناك تدخل من القوى الكبرى في شؤون بلادنا إلاّ بشكل محدود، مثل: الهيمنة على الثروات الرئيسية، أو الممرات الإستراتيجية، أو المناطق الحساسة، ومن طريق الحرب والقوة العسكرية المتوازنة نسبيا.
أما الآن، فان التدخل يحصل بصورة يومية وفي جميع تفاصيل حياتنا الاجتماعية وبمختلف الأساليب، حتى بلغ الحال إلى أن تدخل هذه القوى إلى بيوتنا وغرف نومنا وتتحدث إلى أولادنا ونسائنا وأوساطنا السياسية والاجتماعية والثقافية في كل وقت وساعة، وذلك لإيجاد تحولات ثقافية وحضارية وسياسية واقتصادية.
ولذلك، أصبحت القضية السياسية لها وضع جديد، لتمكن الحضارة الغربية من غزو الإنسان في عقر داره، بل حتى تنوعت في خطابها لبني الإنسان، فلو كان في البيت أسرة من خمسة أفراد فهناك خمسة خطابات في آن: واحد للطفل، خطاب تتحدث معه الحضارة الغربية، وللمراة خطاب، ولرب البيت خطاب، وللشاب خطاب، وللفتاة خطاب. وربما تتحدث مع جميع هؤلاء في كل يوم بخطابات متعددة. وهذه العملية هي ما يعبر عنها بالغزو الثقافي في محاولة الهيمنة على عقائدنا وثقافتنا وسلوكنا واقتصادنا وجميع شؤوننا من خلال معركة حضارية يديرها الغرب المادي ضد حضارتنا الإلهية النبوية.
إذن، فنحن نحتاج إلى ((قيادة مرجعية متفرغة)) والى مراجع متخصصين لإدارة هذه المعركة ومواجهة هذا الغزو، والى مراجع متخصصين في العقيدة والفكر الإسلاميين، وتقديم الحلول والأجوبة لجميع المسائل والأسئلة، والى مراجع متخصصين في إدارة عملية المواجهة التي هي أكثر تعقيدا من المواجهة العسكرية التي تشتمل على الهجوم والانسحاب والمناورة والالتفاف، والى متخصصين في فهم المجتمعات وظروفها وجميع هذه المفردات.
في الهجوم الثقافي نحتاج إلى مثل هذه الإدارة، بل قد نحتاج أحيانا إلى مراجع متخصصين في هذا البلد أو ذاك، للامساك بشؤون هذا البلد أو ذاك، وإدارته لاختلاف خصوصيات ذلك البلد عن هذا البلد.
ولعظم المسؤولية السياسية المنوطة بـ((المرجع)) وأهميتها أعطى أهل البيت (عليهم السلام) كل هذا الزخم والأهمية القصوى للولاية حتى ربطوا (عليهم السلام) نتائج جميع الأمور العقدية والعبادية وقبولها بالولاية، لأنها الحصن الواقي والسور الحصين الحافظ لها[1].
الرابع: التطور في الأداء
التطور في أداء الأعمال وتنفيذها، فان هذا التطور في القضية السياسية وتداعياتها، وفي عالم الاتصالات والمعلومات، لازمه تطور آخر، وهو حلول المؤسسة والتخطيط العام السنوي والمرحلي، محل العمل الفردي والممارسة اليومية، فأصبح الفرد، في كثير من الأحيان، غير قادر على تحقيق الأهداف وحل المشكلات من دون الاستعانة بالأجهزة والعاملين عليها، ومن دون الارتباط بصورة مباشرة بالآخرين.
كما أصبح التخطيط للعمل القائم على حساب الإمكانات الفعلية والفرص المتاحة والأهداف المستقبلية وتقدير النشاطات والبرامج التي يمكن القيام بها، ضرورة من ضرورات العمل والوصول به إلى غاياته وأهدافه، ومواجهة النشاطات الأخرى المضادة أو المنافسة.
ولذا نشاهد في عالمنا المعاصر هذا التطور الكبير في وجود المؤسسات والشركات ومراكز البحث والتخطيط والتخصص والرجوع إليها أو الاعتماد عليها في مختلف النشاطات الكبيرة والصغيرة، حتى لا نكاد نجد نشاطا مهما كان صغيراً أم كبيراً، أو موضوعا مهما كان جزئيا أم عاماً، إلا وورائه خطة عمل وجماعة متخصصين.
الخامس: التطور في الأوضاع الإقليمية
إنّ العالم الإسلامي، قبل سقوط الدولة الإسلامية، كان محكوما بقوانين النظام الإسلامي بصورة عامة، وذلك على الرغم من انه نظام لم يكن يمثل في قوانينه الحق الإسلامي الكامل، إذ كانت الدولة تشكو من الكثير من الانحرافات والأخطاء والتخلف في جوانب عديدة، ولكن الحكم فيها، على أي حال، كان باسم اللّه، والإسلام، والخلافة الإسلامية، وباسم الخلافة لرسول اللّه(ص) وتطبيق الحكم الإسلامي،لذلك نجد أنّ علمانا ومراجعنا العظام، عندما واجه هذا الحكم تهديدا حقيقيا وتعرضت بيضة الإسلام فيه إلى الخطر أفتى جميع هؤلاء المراجع، وعلى اختلاف مشاربهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية، بالجهاد لمواجهة هذا الخطر، باعتبار إنّ النظام الإسلامي يشكل الإطار والحصن والسور للمحافظة على أصل الدين والشعائر الدينية والثقافة الإسلامية.
وبعد سقوط النظام الإسلامي، وقيام الأنظمة الوضعية، بصورها المختلفة التي شهدها عالمنا الإسلامي بعد الحربين العالميتين: الأولى والثانية، برز العداء جلياً للإسلام وشعائره المقدسة، ولعل أوضح صورة من صور العداء للإسلام، هي:
محاولة ((فصل الدين الإسلامي عن مسرح الحياة السياسية))، ومن ثم محاصرة الإسلام في شؤون الأحوال الشخصية، والممارسات الرسمية كالأعياد والشعائر العامة للمسلمين، بل اشد من ذلك محاصرة الحكام الإسلام في المسجد وأماكن العبادة، ثم تطور ذلك في بعض بلادنا الإسلامية إلى عملية واسعة لقمع الإسلام والدين والمتدينين، بعد أن وجدوا أنّ الإسلام والمسلمين لا يمكن أن يقبلوا محاولة العزل والحصار هذه.
هذا الواقع المزري شاهدناه في حياتنا، ووجدنا كيف قامت هذه الأنظمة الوضعية بعمليات قمع تجاه الحوزة العلمية والمرجعية الدينية نفسها -باعتبارها المؤسسة المهمة المسؤولة عن الحفاظ على بيضة الإسلام ومبادئ الدين والتصدي لمقاومة الظلم والطغيان، وعن العمل السياسي والاجتماعي- بالرغم من مواقفها المشرفة والعظيمة في الدفاع عن استقلال البلاد وتحريرها من هيمنة الاستكبار والأجانب، وجهودها في المحافظة على المجتمع والأمة.
لقد ورثنا أوضاعاً عاصرها آباؤنا في هذا القرن الذي انتهى، حيث كان المستعمر البريطاني هو المسيطر على العراق بعد سقوط الدولة الإسلامية، فنهض علماء الإسلام يدعون إلى النهضة والتحرر من سيطرة الاستعمار البريطاني بعد ثلاث سنوات من سقوط بغداد بيده، وذلك في الثورة المعروفة بـ((ثورة العشرين)) التي قادها المراجع، فتصدى المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي (رض) ومن بعده المرحوم ((شيخ الشريعة الأصفهاني)) لهذه المهمة. ونتيجة لهذه المواجهة الجهادية اضطر المستعمر الانجليزي لان يستجيب -ولأول مرة بعد الحرب العالمية الأولى- ويوافق على قيام حكومة وطنية -حسب المصطلح السياسي المعروف- وعندما قامت هذه الحكومة في العراق، كان رأي العلماء أن تكون حكومة إسلامية، لكن الاستعمار البريطاني فرضها حكومة وضعية غير إسلامية، وكان أول موقف اتخذته هذه الحكومة هو الموقف ضد المرجعية الدينية التي قادت الشعب إلى الاستقلال، فقامت بنفيها وإخراج العلماء (الإيرانيين) من النجف الأشرف إلى إيران. أما العلماء غير الإيرانيين، فنفوا إلى مناطق أخرى، بعضهم إلى الجزر المستعمرة من قبل بريطانيا في المحيط الهندي، وبعضهم إلى مناطق أخرى، وهذا عمل لم يجرؤ الاستعمار البريطاني نفسه على القيام به، ولكن قام به هؤلاء ((الوطنيون)) الذين حكموا العراق برعاية بريطانية.
والأمر نفسه نراه في إيران، فقد قامت حركة واسعة في إيران باسم الحركة ((المشروطة)) بقيادة العلماء. وقد أرادت هذه الحركة أن يكون الحاكم فيها مقيداً بالقوانين الإسلامية، وأن لا يعمل بحسب رغباته وميوله ومصالحه الخاصة، بل يكون مقيداً ومشروطاً بقوانين الإسلام ومصالح الشعب والمؤسسات الدستورية، وهي حركة واسعة جداً قادها العلماء أيضاً، وفي مقدمتهم آية اللّه ((الشيخ محمد كاظم الخراساني)) وآية اللّه ((الشيخ فضل اللّه النوري)).
ثم لما انتصرت هذه الحركة والتزم الشاه في البداية بها صوريا، ثم أطيح به بانقلاب عسكري كان شعاره تنفيذ الدستور، تحولت الحكومة إلى حكومة وضعية، وجا إلى السلطة ((رضا خان بهلوي))، وكان أول أعمال هذا الحاكم قيامه بعملية قمع واسعة للإسلام ولعلماء الإسلام معاً، في عملية اشد وأقسى مما جرى في العراق نفسه، ففي العراق تركزت القضية في فصل الدين عن السياسة والحكم، أما في إيران فإنه، مضافاً إلى ذلك، تدخل الحاكم في تفاصيل حياة الناس ومنع إقامة الشعائر الدينية والمجالس الحسينية، وحارب الحوزة العلمية، وتدخل في السلوك الاجتماعي العام للأفراد، وفرض اللباس الموحد الغربي على الرجال، والسفور على النساء، مستخدماً أساليب القمع الواسعة لتنفيذ هذه العملية.
وشهدت تركيا بقيادة الضابط ((مصطفى كمال)) أوضاعا مماثلة قاسية، أعلن فيها الحاكم سقوط الدولة الإسلامية والتنكر للهوية الإسلامية، ومعاداتها بصورة رسمية، مضافاً إلى ذلك المناطق الأخرى التي بقيت تحت السيطرة الغربية.
وبصورة إجمالية: وجدت أنظمة وضعية في عالمنا الإسلامي قامت بعملين رئيسيين:
الأول: محاصرة الإسلام وإبعاده عن الحياة.
الثاني: استخدام القمع لتنفيذ هذه السياسة على خلاف رغبة الأمة.
ومن الطبيعي أن تفرض هذه التحولات وتلقي بظلالها الثقيلة والمعقدة على المرجعية وأوضاعها، الأمر الذي يقتضي إعادة النظر والتجديد في صياغتها ومنهجها وأساليبها وطريقة أدائها.

[1] قد ورد، في الحديث الصحيح، عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر(ع): ((قال: بني الإسلام على خمسة أشياء: على‏الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. قال زرارة: فقلت: وأي شي‏ء من ذلك أفضل؟
فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهنّ. قلت: ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟
فقال: الصلاة، إن رسول اللّه(ص) قال: الصلاة‏ عمود دينكم. قال: قلت: ثم الذي يليها في الفضل؟
قال: الزكاة، لأنه قرنها بها، وبدأ بالصلاة قبلها، وقال رسول اللّه(ص):الزكاة تذهب الذنوب. قلت: والذي يليها في الفضل؟
قال: الحج، قال اللّه عز وجل: (وللّه على الناس حج البيت من‏استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان اللّه غني عن العالمين) «آل عمرانر97»، وقال رسول اللّه (ص): لحجة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر اللّه له. وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال. قلت: فماذا يتبعه؟
قال: الصوم. قلت: وما بال الصوم صار آخر الجميع؟ قال: قال رسول اللّه(ص): الصوم‏ جنة من النار، قال: ثم؟
قال: إنّ أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه، إن الصلاة‏ والزكاة والحج والولاية ليس يقع شي‏ء مكانها دون أدائها، وأن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياماً غيرها وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك، وليس من تلك الأربعة شي‏ء يجزيك مكانه غيره، قال: ثم قال:ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه، وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إن اللّه عز وجل يقول: (من يطع ‏الرسول فقد أطاع اللّه ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) «النساء/80»، أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره، وتصدق ‏بجميع ماله وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه وعز جل، حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان. ثم قال: أولئك المحسن منهم يدخله اللّه الجنة بفضل رحمته.(الوسائل، 2/1 19، حديث 5).
 

 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID