عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
دیه
الخميس, صفر 30, 1432 حول اصناف الدية الستة آية الله السيد محمود الهاشمي


مما امتاز به فقهاء الامامية هو عدم تبني الراي في اية مسالة
من مسائل الفقه الا بعد ملاحقة للادلة وتحليلها مفصلا..
ومحاكمة دقيقة للآراء المطروحة فيها..وتمحيص تام‏للنتائج
مما يمكن ان يعلق بها من اشكالات منطقية او ايرادات عرفية..
فليس الافتاء عندنا وليد انقداح عاجل..بل هو نتاج لمخاض
عسير من النقض والابرام..
بين يدي القارى‏ء الكريم القسم الاول مما سطرته يراعة السيد
الاستاذ - دام ظله - في بحث اصناف الدية الستة.. حيث
تناول الموضوع من زوايا اربع:
الاولى - ان كون الحلة من الاصناف ثابت بالروايات لا
بالاجماع حسب..الثانية - ان دفع الاصناف يكون على نحو
التخيير لا التعيين..الثالثة - ان الصنف الاول (مئة ابل) يعتبر
اصلا بالنسبة للاصناف الخمسة الاخرى سيما الدينار والدرهم..
واوكلنا بحث الجهة الرابعة الى العدد القادم ان شاء الله تعالى.
- القسم الاول -
بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك في ان الدية تستادى من احد اصناف ستة هي: الابل
والبقر والغنم والدينار والدرهم والحلل، وهذا المقدار - اعني
اصل كون الدية منها - ضروري متسالم عليه فقهيا عند
الخاصة والعامة، كما انه قد ورد في روايات صحيحة بل
مستفيضة الا انه يقع البحث‏حولها من جهات.
الجهة الاولى: هل ان كون الحلل من افراد الدية ثابت
بالاجماع او السنة؟ ذكر بعض الاعلام‏قدس‏سره «ان العمدة في
كون مئتي حلة من افراد الدية هو الاجماع والتسالم المقطوع
به بين الاصحاب والا فهو لم يرد الا في صحيحة ابن ابي عمير
عن جميل وصحيحة ابن الحجاج. ولا يمكن اثبات ذلك بهما،
فان الاولى منهما موقوفة، ولم يرو جميل ذلك عن الامام، واما
الثانية فان ابن الحجاج لم يرو ذلك عن الامام، وانما رواه عن
ابن ابي ليلى عن النبي(ص) مرسلا، ولا عبرة بمسانيد ابن ابي
ليلى فضلا عن مراسيله‏».
ويمكن ان يقال:
1- اما بالنسبة لصحيح جميل - عن محمد بن يعقوب عن علي
عن ابيه عن ابن ابي عمير عن جميل بن دراج في الدية قال:
«الف دينار، او عشرة آلاف درهم، ويؤخذ من اصحاب الحلل
الحلل، ومن اصحاب الابل الابل، ومن اصحاب الغنم الغنم،
ومن اصحاب البقر البقر» ورواه الشيخ باسناده عن الحسين بن
سعيد عن ابن ابي عمير مثله وكلا السندين صحيحان - فعدم
التصريح باسم الامام(ع) فيه لا يضر بكونه رواية عنه، وذلك:
اولا: لكونها مضمرة لا موقوفة; اذ لو كان السند هكذا (ابن ابي
عمير قال جميل او عن جميل انه قال: في الدية الف دينار..)
صح كونها موقوفة الا ان السند ورد كالتالي «ابن ابي عمير عن
جميل بن دراج في‏الدية قال الدية الف دينار...» وظاهره
ان‏جملة «في الدية قال‏» من مقول قول جميل ايضا، فتكون
الرواية مضمرة جميل; اذ لا فرق في المضمرات بين ان يكون
الضمير بارزا كما في «سمعته‏» او «قلت له‏» وبين ان يكون
مستترا كما في «قال‏».
وثانيا: لو لم نقبل كونها مضمرة مع ذلك ان ظاهر حال مثل
جميل الذي كان من الاصحاب البارزين للامام الصادق(ع)،
ومن حملة احاديثه، ومن اصحاب الاجماع، وكان له اصل
معروف متسالم عليه - كما يظهر من مراجعة كتب الرجال -
والذي ينقله عنه ابن ابي عمير ناقل هذا الحديث نفسه،
وكذلك نقل ابن ابي عمير عنه، كل ذلك يكون ظاهرا في
كون الرواية حديثا عن المعصوم، بل قد يطمان بكونها من
جملة ما في اصل جميل الذي ينقل فيه احاديثه عن
المعصوم(ع); لان هذا السند احد نفس الاسانيد التي نقل بها
اصل جميل، فيكون عدم التصريح باسم الامام(ع) من جهة
التقطيع لاحاديث الاصول وتوزيعها على الابواب الفقهية
المتناسبة بعد ذلك خصوصا الاخبار الطوال منها كالاحاديث
الواردة في باب الديات، فلا ينبغي الاشكال في صحيح جميل
من هذه الناحية.
نعم، لا تعيين فيها لمقدار الحلل الا انه اذا ثبت اصل كونها
من اصناف الدية يثبت مقدارها ايضا بعدم احتمال غيره بعد
تسالم العامة والخاصة عليه وكونه المناسب والمطابق في
القيمة وقتئذ مع الاصناف الاخرى.
2 - واما بالنسبة لصحيح ابن الحجاج فالوارد فيه «قال: سمعت
ابن ابي ليلى يقول كانت الدية في الجاهلية مئة من الابل
فاقرها رسول الله(ص) ثم انه فرض على اهل البقر مئتي بقرة
وفرض على اهل الشاة الف شاة ثنية وعلى اهل الذهب الف
دينار وعلى اهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى اهل اليمن
الحلل مئتي حلة. قال عبدالرحمن: فسالت ابا عبد الله(ع) عما
روى ابن ابي ليلى فقال: «كان علي(ع) يقول: الدية الف دينار
- وقيمة الدينار عشرة دراهم - وعشرة آلاف لاهل الامصار
وعلى اهل البوادي مئة من الابل ولاهل السواد مئتا بقرة او
الف شاة‏».
وقد يقال: ان عدم ذكر الامام(ع) للحلل فيه دلالة على نفي
كونها من الدية; اذ لو كانت منها للزم بيانها ايضا سيما وقد
تصدى الامام(ع) لبيان تفاصيل الدية.
وقد يقال العكس وان مقصود الامام(ع) اسناد الحكم المذكور
الذي ارسله ابن ابي ليلى عن النبي(ص) الى الامام علي(ع)،
وانه هو مصدر هذا الحكم اشعارا بما يرتكبه هؤلاء من العناد
في حق علي(ع) حتى في نقل الاحاديث والاحكام عنه، واما
التفاصيل المذكورة فكانه امضاها، غاية الامر انه اختصرها في
مقام البيان فسكت عن بعضها، كيف؟! ولو فرض ان الحلل لم
تكن مجزية من اهل الحلل لزم الامام(ع) ان يبين ذلك ايضا;
للتطابق بين ما ذكره وما سمعه ابن الحجاج عن ابن ابي ليلى
من سائر الاقسام، ولارتكازية كون الحلل من الديات في
الاذهان وذهن السائل بالخصوص، فالسكوت عن نفيها خصوصا
مع نقل كونها من مفروضات رسول الله(ص) على اهل الحلل
ظاهر في الامضاء والقبول، فتكون الرواية من ادلة كون الحلة
من اصناف الدية ايضا.
الا ان الانصاف ان الرواية لا دلالة فيها لا على النفي ولا
الاثبات، بل هي من هذه الناحية مجملة او ساكتة; اذ لعل
الامام(ع) كان يريد صرف ذهن ابن الحجاج عن الاستناد الى
منقولات مثل ابن ابي ليلى فتصدى الى بيان حكم المسالة
مستقلا نقلا عن امير اهل البيت:، فيكون حاله حال ما اذا ورد
ذلك ابتداء عن المعصوم من حيث‏سكوته عن حكم الحلل.
ثم ان الرواية منقولة في الكتب الاربعة وفي مقنع الصدوق
بعنوان (مئة حلة) بينما ينقلها صاحب الوسائل عن هذه الكتب
جميعا بعنوان (مئتي حلة) كما ان الوارد في الوسائل (مئة
بقرة) وفي تلك الكتب (مئتا بقرة) والظاهر ان هذا من خطا
الاستنساخ.
الجهة الثانية: في ان الترديد بين الاصناف الستة هل يكون
من باب التخيير للجاني او يكون من باب التنويع بحيث‏يجب
على اهل كل صنف منها دفع ذلك تعيينا، فاذا تعذر انتقل
الى الاصناف الاخرى؟
صريح مشهور المتاخرين الاول، بل ادعي عليه اجماعهم، ففي
الجواهر «كما هو المعروف بين الاصحاب، بل المجمع عليه من
المتاخرين، بل عن صريح الغنية وظاهر السرائر والمفاتيح
الاجماع على ذلك، فليس للولي الامتناع من قبول احدها مع
بذله وان لم يكن الباذل من اهل المبذول‏».
ونسب الثاني الى ظاهر اكثر المتقدمين، ففي الجواهر: «نعم،
عن ظاهر المقنع والمقنعة والنهاية والخلاف والمبسوط
والمراسم والوسيلة والقاضي انها على التنويع، بل في كشف
اللثام نسبته الى عبارات كثير من الاصحاب‏» وكان وجه
الظهور المذكور ما ورد من تعبيراتهم من انه يؤخذ مئة من
الابل ان كان القاتل من اصحاب الابل، او الف من الغنم ان
كان من اصحاب الغنم، او مئتا بقرة ان كان من اصحاب البقر،
او مئتا حلة ان كان من اصحاب الحلل، او الف دينار ان كان
من اصحاب العين، او عشرة آلاف درهم فضة ان كان من
اصحاب الورق، فان هذا التعبير جاء في اكثر كلمات القدماء
كالمفيد في المقنعة والشيخ في النهاية بل صرح في المبسوط
بالتعيين حيث قال: «وكل من كان من اهل واحد من ذلك
اخذ منه مع الوجود، فاذا لم يوجد اخذ احد الاجناس الاخر».
ولا شك ان مقتضى الاصل العملي هو ما ذهب اليه
المتاخرون من تخيير الجاني ما لم يقم دليل على التعيين; اذ
يشك من اول الامر في اشتغال ذمة الجاني باحد الاصناف
بالخصوص تعيينا، والاصل عدمه، فلا يثبت عليه اكثر من
اشتغال الذمة بالجامع بينها، وهو معنى التخيير.
لا يقال:
ان مقتضى استصحاب بقاء شغل ذمة الجاني بالدية على
اجمالها ما لم يدفع محتمل التعيين انما هو التعيين والخروج
اليقيني عما اشتغلت ذمته به للمجني عليه.
فانه يقال:
ليس الواجب تفريغ الذمة عن الدية بهذا العنوان الانتزاعي،
وانما الواجب اداء واقع ما يستحقه المجني عليه ويملكه على
الجاني، وهو مردد بين ما هو مقطوع الاداء - لو كان الجامع
واجبا بنحو التخيير - وما هو مشكوك اصل استحقاقه
واشتغال الذمة به من اول الامر - وهو احد الاصناف
بخصوصيته - والاصل عدمه.
فان اريد باستصحاب بقاء جامع شغل الذمة بالدية على
اجمالها اثبات استحقاق المجني عليه الصنف المعين الذي لم
يدفعه فهو مثبت، وان اريد اثبات نفس عنوان شغل الذمة
بالعنوان الاجمالي فليس هو موضوع وجوب الاداء، وانما
موضوعه ما يملكه ويستحقه عليه المجني عليه بعنوانه
الواقعي، وهو مردد بين عنوان جامعي مقطوع الاداء وعنوان
خاص مشكوك حدوث استحقاقه وتملكه عليه من قبل
المجني عليه، فيكون هذا الاستصحاب في العنوان الاجمالي
من استصحاب الفرد المردد الذي حقق - في محله من علم
الاصول - عدم جريانه.
وان شئت قلت:
ان الواجب اداؤه للغير ما هو ملك له عينا خارجا او كليا في
الذمة بنحو مفاد كان الناقصة لا عنوان بقاء ملك عنده بنحو
مفاد كان التامة، وفي المقام لا يمكن اثبات ملكية المجني
عليه لاحد العنوانين بخصوصه باستصحاب الجامع فثبوتها
للجامع بينهما معلوم وممتثل، فلا يبقى الا استصحابها لواقع
احد العنوانين، وهو من الفرد المردد. وبهذا البيان ندفع شبهة
بقاء اشتغال الذمة الوضعي بمال الغير في موارد الدوران بين
الاقل والاكثر غير الانحلاليين، اعني مثل التخيير والتعيين
سواء في ذلك الشبهات الحكمية كما في المقام او الموضوعية
كما اذا شك ان عليه للغير مطلق الحنطة او الحنطة الحاصلة
من منطقة معينة، فتدبر جيدا.
اذن، فمقتضى الاصل العملي هو التخيير، كما ان مقتضى
الاصل اللفظي المتمثل في الروايات التي عطفت اصناف
الديات بعضها على بعض ذلك ايضا، كما في رواية العلاء بن
فضيل وصحيحة الحلبي، كما ان مقتضى الجمع العرفي - بين
ما ورد فيها بعض الاصناف من الستة مع ما ورد فيها البعض
الآخر - ذلك ايضا; برفع اليد عن اطلاق كل منهما المقتضي
للتعيين وعدم اجزاء غيره بصراحة الآخر في اجزائه، فيثبت
التخيير بينهما، كما في صحيحي الحلبي وجميل، وكما ورد
في روايات دية ما دون النفس حيث جاء في اكثرها تحديدها
بالدرهم والدينار فقط، وفي بعضها التحديد بالابل فقط
كصحيح ابان وحديث ابن سنان.
بل صريح صحيح الحكم بن عتيبة ثبوت التخيير بين اصناف
الدية بعد الاسلام.
دعوى التعيين ومناقشتها:
الا انه في قبال ذلك قد يدعى استفادة التعيين - الذي ذهب
اليه القدماء - من ظاهر بعض الروايات، ويمكن تصنيفها الى
طائفتين:
الطائفة الاولى: ما جاء بلسان انه جعل على اهل الابل الابل،
وعلى اهل الامصار الدراهم، وعلى اهل السواد الغنم، وهكذا
كما في صحيح ابن الحجاج‏المتقدم، او بلسان يؤخذ منهم
ذلك، كما في صحيح جميل المتقدم.
وفيه: ان ظاهر هذا اللسان انه لسان التخفيف والتسهيل على
اهل الاصناف لا التعيين، ولهذا ورد التعبير في صحيحة
الحجاج بعنوان ولاهل الامصار الدراهم ولاهل السواد الغنم،
وهكذا وفي صحيح ابن سنان: «فالدية اثنا عشر الف او الف
دينار او مئة من الابل، وان كان في ارض فيها الدنانير فالف
دينار وان كان في ارض فيها الابل فمئة من الابل، وان كان
في ارض فيها الدراهم فدراهم بحساب ذلك اثنا عشر الفا» وقد
جمع هذا الحديث كلا التعبيرين التخيير بين الاصناف في
البداية ثم بيان التسهيل على اهل كل صنف حسب ما يوجد
في ارضهم فيعطى من ذلك الصنف بحساب ذلك، وهذا
ايضاظاهر في ان الجاني يعطى مما يوجد عنده وفي ارضه من
الاصناف، ولا يلزم بغيره، كيف! ويلزم من ارادة التعيين ان من
ليس بارضه شي‏ء من الاصناف المذكورة في الرواية لا يجب
عليه دفع الدية، وهو غير محتمل.
هذا كله، مضافا الى ان مثل صحيح الحكم بن عتيبة المتقدم
صريح في ثبوت التخيير، فلو فرض ظهور في ذاك اللسان من
الروايات في التعيين على اهل كل صنف رفع اليد عنه بصراحة
مثل صحيح الحكم، فتحمل على ارادة التسهيل والتخفيف.
الطائفة الثانية: ما دل بظاهره على الترتيب في الدية المغلظة
في العمد وشبه العمد; وذلك بتعيين الابل، فان لم يوجد
انتقل الى البقر او الغنم، وهي روايات عديدة فيها المعتبرة
مثل صحاح معاوية بن وهب وابي بصير ومعلى ابي عثمان.
وروايتي زيد الشحام وابي بصير. ففي صحيح معاوية قال
«سالت ابا عبدالله(ع) عن دية العمد فقال: مئة من فحولة
الابل المسان، فان لم يكن ابل فمكان كل جمل عشرون من
فحولة الغنم‏».
وفيه: ان هذه الروايات لا تدل على تعين الابل في الدية
مطلقا، كيف! وصريح الروايات الكثيرة عدم تعينه على من
ليس من اهل الابل، بل هذا مقطوع بعدمه فقهيا حتى في
العمد، وانما ظاهر هذه الروايات لزوم ملاحظة التغليظ
المجعول في دية العمد وشبهه من حيث مسان الابل; وذلك
اما بدفع الابل المسان، او تعويض ذلك من الاصناف الاخرى
بما يساويه في القيمة، ولهذا جاء في بعضها «بقيمة ذلك من
البقر»، او عبر «عشرون من فحولة الغنم مكان كل ابل‏»، او عبر
«الف كبش‏» الذي هو الغنم الكبير الفحل، وفي ذيل صحيح
ابن سنان الوارد في الدية المغلظة في شبه العمد «قيمة كل
ناب من الابل عشرون شاة‏» والناب من الابل هو الابل الكبير
الهرم.
والحاصل: هذه الروايات ناظرة الى لزوم حفظ قيمة الدية
المغلظة في قتل العمد اذا اعطيت من غير الابل في الاصناف
الاخرى اما بزيادة عددها او اسنانها الموجب لازدياد قيمتها،
وهذه حيثية اخرى - قد ياتي البحث عنها - غير مرتبطة
بمسالة التعيين او التخيير بين الاصناف الستة.
فالصحيح في هذه الجهة ما ذهب اليه المتاخرون من ثبوت
التخيير للجاني بين الاصناف الستة.
الجهة الثالثة: فيما هو الاصل في الدية من الاصناف الستة وما
هو ليس باصل بل هو بدل عن الدية:
صريح كلمات جملة من الاصحاب ان الاصناف الستة كلها
اصول في نفسها، ففي المبسوط «وكل واحد من هذه الاجناس
اصل في نفسه، وليس بعضها بدلا عن بعض‏».
وفي الشرائع «وهذه الستة اصول في نفسها، وليس بعضها
مشروطا بعدم بعض او الجاني مخير في بذل ايها شاء».
والاصلية وعدم البدلية تارة يراد بها عدم الطولية فيما بينها
في مقام الاداء بحيث لا يحتاج الى التراضي مع المجني عليه،
او تعذر المبدل وعدم وجوده، وهذا هو ظاهر الشرائع حيث
فرع على الاصلية انه ليس بعضها مشروطا بعدم بعض والجاني
مخير في بذل ايها شاء.
واخرى يراد بها كون كل صنف هو الدية والبدل عن النفس
في قبال البدلية والتي تعني كون احد الاصناف هو الدية
وبمقدار ذلك من حيث القيمة والمالية قد رخص الشارع لاهله
ان يدفعوه بدلا عن الدية ولو ابتداء وبنحو التخيير. وهذا هو
مقصود الشيخ من الاصلية لا المعنى السابق; لانه قائل
بالتعيين لا التخيير، ومما يدل عليه تصريحه بعد ذلك في
ختام مبحث دية النفس «وقد قلنا ان عندنا ستة اصول كل
واحد اصل في نفسه وليس بعضها بدلا عن بعض، بل كل واحد
منها بدل عن النفس، وهي مئة من الابل او الف دينار او عشرة
آلاف درهم او مئتا بقرة او الف شاة او مئتا حلة، وكل من كان
من اهل واحد من ذلك اخذ ذلك منه مع الوجود، فاذا لم
يوجد اخذ احد الاجناس الاخر وسواء كانت بقيمة الابل او
دونها او فوقها».
والاصلية بالمعنى الاول ترجع الى البحث المتقدم في الجهة
السابقة حيث استفدنا من الروايات التخيير ابتداء للجاني بين
الاصناف الستة تسهيلا عليه في مقام اداء الدية.
والمقصود في هذه الجهة البحث عن ما هو الاصل من هذه
الاصناف بالمعنى الثاني; ذلك لانه اذا ثبت ان بعض هذه
الاصناف هو الاصل والباقي بدل عنه في المالية ترتب على
ذلك مطلبان مهمان:
الاول: انه لابد في مقام اداء الدية من غير الاصل ان تلاحظ
مالية الاصل وقيمته، فيعطى من الغنم مثلا ما يكون بقيمة
مئة من الابل لا اقل منها، وهذا يتصور على نحوين:
1 - ان يكون العدد ايضا ملحوظا في البدل على نحو
الموضوعية بحيث لابد وان يدفع بازاء مئة ابل الف شاة تكون
بقيمتها فلا تجزي اذا كانت اقل من قيمتها كما ان دفع الاقل
من الف شاة لا يجزي حتى اذا كانت بقيمة مئة ابل.
2 - ان تلغى خصوصية العدد في البدل ويكون ذلك ملحوظا
بنحو الطريقية المحضة الى مالية الاصل، فيكون تمام
الموضوع للبدل ما يكون معادلا لمئة ابل في القيمة من
الاصناف الاخرى الخمسة، فيجزي منها ما كان كذلك ولو
كان عددها دون ما ذكر في الروايات.
نعم، لا يجزي غيرها ولو كان بقيمتها; لانه خلاف ظهورها في
انحصار الدية في الاصناف الستة لا غير.
الثاني: انه بناء على استفادة البدلية بهذا المعنى يقوى
احتمال ان يكون ذكر الدرهم والدينار ضمن الاصناف
باعتبارهما نقدين معادلين لقيمة مئة ابل وقتئذ بحيث‏يستفاد
الغاء خصوصية الدرهمية والدينارية منهما، وهذا ما نبحثه في
الجهة الرابعة ان شاء الله.
ثم ان ظاهر كلمات الاصحاب اصلية الاصناف الستة بمعنى
عدم اشتراط وحدة ماليتها وقيمها، بل قد عرفت تصريح
الشيخ‏1 في المبسوط بذلك، واكثر العامة على ذلك ايضا،
وذهب بعضهم الى البدلية في غير الابل.
نعم، ظاهر القاضي في المهذب اعتبار التساوي في القيم
حيث قال: «فدية العمد المحض اذا كان القاتل من اصحاب
الذهب الف دينار جياد، وان كان من اصحاب الفضة فعشرة
آلاف درهم جياد، وان كان من اصحاب الابل فمئة مسنة قيمة
كل واحدة منها عشرة دنانير، او الف شاة ان كان من اصحاب
الغنم قيمة كل واحدة منها دينار واحد، او مئتا مسنة من
البقر ان كان من اصحاب البقر قيمة كل واحدة منها خمسة
دنانير، او مئتا حلة ان كان من اصحاب الحلل قيمة كل حلة
خمسة دنانير»وظاهرها اعتبار قيمة الف دينار في الجميع
حتى في الابل، فكان الدينار هو الاصل عنده في الدية.
وقد اعترض عليه في الجواهر بانه «ان كان الضابط اعتبار
القيمة فلا مشاحة في العدد مع حفظ قدر القيمة وهي عشرة
آلاف درهم، او الف دينار; ضرورة كون المدار عليها لا عليه
وهو مما يمكن القطع بعدمه. ومن هنا يتجه حمله على ارادة
بيان الحكمة في شرعها ابتداء والا كان واضح الفساد».
وفيه: ما اشرنا اليه من انه يمكن ان يكون العدد ايضا ملحوظا
في البدل على نحو الموضوعية، وسوف ياتي ما يمكن ان يكون
تخريجا فنيا لهذا الاحتمال.
ثم ان الظاهر ان مبنى كلمات الاصحاب في كون الاصناف
الستة كلها اصولا حتى من حيث المالية والقيمة هو التمسك
باطلاق الروايات التي جعلت الاصناف كلها في عرض واحد
دية ولم تلحظ بعضها بدلا عن الآخر، فيكون مقتضى اطلاقها
اجزاء كل واحد منها بعنوان الدية سواء تساوت في المالية مع
الاصناف الاخرى، ام نقصت عنها، فهذا الاطلاق هو مدرك
الاصلية وعدم البدلية في المالية.
الا ان هذا البيان قابل للمناقشة، ولاجل توضيح ذلك لابد من
تمهيد مقدمة حاصلها: انه لا ينبغي الشك في ان مئة ابل
بالخصوص من الاصناف الستة اصل في الدية على كل حال
بحيث لا يحتمل كونها بدلا عن احد الاصناف الاخرى، وذلك
لانه مقتضى اطلاق الروايات التي اقتصرت على ذكرها بعنوان
الدية فقط كصحيح جميل المنقول في ذيل صحيح الحلبي
بعنوان قال جميل: «قال ابو عبد الله(ع) الدية مئة من الابل‏»،
وصحيح ابان بن تغلب وهو ظاهر صحيح الحكم بن عتيبة ايضا،
وفي صحيح محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن احدهما(ع)
في الدية قال: «هي مئة من الابل وليس فيها دنانير ولا دراهم
ولا غير ذلك‏» الحديث.
فلو كنا نحن وهذا الظهور فهو يقتضي عدم اجزاء غير المئة
من الابل في الدية اصلا، وانه لابد من اعطائها بخصوصيتها
وبعددها وماليتها الا انه لابد من رفع اليد عن هذا الظهور بما
دل على ان الدية اعم منها وانه يجزي احد الاصناف الستة.
ولكن تلك الروايات المتعرضة للاصناف الستة بعنوان الدية
انما تقيد الاطلاق او الظهور المذكور بمقدارها لا اكثر، كما هو
مقتضى صناعة التقييد والجمع بين الادلة.
وعندئذ يقال: ان قصارى مفاد تلك الروايات المقيدة رفع اليد
عن خصوصية مئة ابل في قبال احد الاصناف الاخرى لا رفع
اليد عن مقدار ماليتها ايضا; وذلك باحد بيانين:
البيان الاول: ان الروايات التي ذكرت الاصناف الاخرى جعلتها
عدلا لمئة ابل باعداد معينة كانت وقتئذ متعادلة معها في
المالية والقيمة السوقية، كما يظهر بمراجعة الشواهد
التاريخية والسنة بعض الروايات، فيحتمل ان تكون هذه
الخصوصية اعني التعادل والتوازن في المالية من
الخصوصيات الدخيلة في الحكم المذكور، بل هذا هو المناسب
مع الارتكاز العرفي في باب الدية التي هي حق مالي للمجني
عليه يضمنه الجاني على حد سائر الضمانات المالية، بحيث ما
يجعل دية ويوسع في اصنافه واقسامه على الجاني بحسب ما
هو اهل له وفي متناول يده لمصلحة التسهيل عليه لابد وان
يكون بمالية متعادلة عرفا لا متفاوتة تفاوتا فاحشا، فتكون
هذه الحيثية ملحوظة في جعل الاصناف الستة على نحو
الركنية والموضوعية، ولا اقل من احتمال ذلك احتمالا معتدا
به يمنع عن انعقاد اطلاق في الروايات المذكورة، كما اذا وقع
تغاير فاحش في مالية بعضها.
وهذا يعني: ان الروايات المقيدة لاطلاق ان الدية مئة من
الابل لا غير لا تدل على اكثر من عدلية الاصناف الخمسة
الاخرى بتلك الاعداد وبوصف كونها معادلة في المالية مع مئة
من الابل، والذي كان محفوظا في تلك الاعداد حين صدور
الروايات لا مطلقا; اذ لا اطلاق لها من هذه الناحية بعد فرض
انها خارجا كانت كذلك.
وان شئت قلت: ان ارتكازية التعادل فيما بين الاصناف في
المالية والقيمة السوقية حين صدور الروايات توجب الانصراف
الى خصوص ما يكون متعادلا من تلك الاعداد في المالية، او
توجب على الاقل وجود قرينة لبية ارتكازية في الاذهان
العرفية مانعة عن انعقاد الاطلاق في الروايات للاصناف
الاخرى مهما بلغت ماليتها او سقطت من قيمتها، فاذا لم يتم
الاطلاق في هذه الروايات لفرض عدم التساوي في المالية وان
كان بنفس العدد كان المرجع اطلاق ما دل على ان الدية مئة
من الابل لا غير، والذي يقتضي عدم اجزاء غيره عنه الا ما
شمله المقيد قطعا، فلا يجزي من الاصناف الاخرى ما كان
اقل مالية ولو كان بنفس العدد، كما انه لا يجزي منها ما كان
مساويا لمئة ابل في المالية ولكن بعدد اقل; لانه ايضا غير
مشمول للروايات المقيدة، لانها اعتبرت عددا معينا، وبهذا
يكون العدد والمالية معا معتبرين في الاصناف الاخرى. وهذا
هو التخريج الذي اشرنا الى انه سياتي، وهو يقتضي النحو
الاول من البدلية مالم يقم دليل على الغاء موضوعية الاعداد
في الاصناف الاخرى وحملها على الطريقية المحضة.
مناقشة البيان الاول:
وقد يناقش في هذا البيان:
تارة: بانه كما ورد في بعض الروايات ان الدية مئة من الابل
مع السكوت عن غيرها كذلك ورد في بعضها ان «الدية الف
دينار او عشرة آلاف درهم‏» مع السكوت عن غيرهما، كما في
صحيح الحلبي المتقدم وفي اكثر روايات ديات الاعضاء، فلا
مزية لاحدهما على الآخر، بل مقتضى الجمع العرفي بينهما
التخيير - كما تقدم - وان كلا منهما اصل بنفسه يجزي في
مقام الاداء سواء كان بقيمة الآخر ام لا.
واما صحيح زرارة فهو يدل على عدم اجزاء غير الابل من سائر
الاجناس، وهذا مقطوع البطلان، فلابد من طرحه او تاويله.
واخرى: بان ظاهر مثل صحيح ابن الحجاج ان جعل الدية
على الاصناف الستة قول علي او كان في كتاب علي(ع) - كما
في روايات ديات الاعضاء - بنحو القانون الكلي والقضية
الحقيقية، فلا يناسب ان يكون المقصود منها ما كان في
خصوص ذلك الزمان من الدرهم والدينار او الاجناس الاخرى;
لكونها معادلة مع مئة ابل، بل ظاهر هذا اللسان ضرب القانون
العام الذي يرجع اليه في كل زمان ومكان، وهو يقتضي اصلية
الاجناس جميعاوانها في عرض واحد.
جواب هذه المناقشة:
ويمكن الجواب: اما عن الاول، فمضافا الى ما تقدم بيانه - من
انه لا يحتمل ان يكون الابل ملحوظا على نحو الطريقية لما
يعادل الف دينار او عشرة آلاف درهم، بل العكس هو المحتمل،
بل قريب من الذوق العرفي; لانه المناسب مع الدرهم والدينار،
وهذا مما يوجب اجمال اطلاق دليلهما دون دليله - ان غاية
ما يلزم من وجود ما يدل على ان الدية الف دينار او عشرة
الآف درهم وقوع التعارض بين اطلاق كل منهما المقتضي
للتعيين ونفي غيره مع الآخر. وعندئذ اذا احتملنا اشتراط
التساوي بينهما في القيمة ولو لاحتمال البدلية في كل منهما
ولم يكن اطلاق لفظي في منطوق كل منهما لفرض عدم
التساوي في المالية كان اللازم الاقتصار في مقام الاداء على
كل منهما اذا كان مساويا للآخر في المالية; لانه مقتضى
ظهور كل منهما في شرطية تلك المالية التي كانت متعادلة
وقتئذ، اي مقتضى اطلاق كل منهما في الانحصار، والمفروض
انه لا يوجد اطلاق في منطوق الآخر لحال فقدانها ليقع
تعارض بينهما، فيرجع الى الاصل العملي النافي لشرطيتها، فلا
تجزي الف دينار او عشرة آلاف درهم اذا كان اقل مالية من
مئة ابل، كما لا تجزي مئة ابل اذا كانت اقل مالية من الف
دينار، فهذا يقتضي ايضا ملاحظة المالية لا الغاءها الا اذا علم
بعدم لزومها، وهذا ثابت في مئة ابل جزما بخلاف الف دينار او
عشرة آلاف درهم.
لا يقال:
حيث ان الدليلين منفصلين فالاطلاق في منطوق كل منهما
منعقد ذاتا ومعارض مع اطلاق مفهوم الآخر - هذا بلحاظ
الجواب الثاني - كما ان الاطلاق في منطوق دليل الدرهم
والدينار معارض مع اطلاق مفهوم دليل مئة ابل - في الجواب
الاول وبعد التساقط يرجع الى الاصل العملي النافي لشرطية
المالية المشتركة الثابتة للاصل، فتثبت فتوى المشهور بذلك.
فانه يقال:
حيث ان تعدد ما يدفع به الدية - ولا اقل في ذلك دفع الابل
- كان مركوزا في الذهن المتشرعي، فهذا بمثابة القيد
المتصل اللبي لدليل الدرهم والدينار المانع عن انعقاد اطلاق
فيه لفرض عدم المعادلة في المالية.
كما ان صحيح زرارة قد ورد فيه التعبير بقوله «هي- اي الدية
- مئة من الابل وليس فيها دنانير»، وهذا لا يقتضي اكثر من
الظهور في عدم كون الدينار والدرهم من الدية اصالة لا عدم
اجزاء دفعها بدلا عنها، فان مثل هذه الدلالة اما لا تكون او
تكون مستفادة من الاطلاق والسكوت القابل للتقييد بسائر ما
دل على اجزائهما بحيث‏يجمع بينهما العرف بهذا النحو من
الجمع، هذا لو لم نقل ان وضوح ومسلمية اجزاء غير الابل
اجمالا في العرف المتشرعي يمنع من اول الامر عن انعقاد
ظهور فيه في عدم الاجزاء، وعلى كل حال، لا تصل النوبة الى
التعارض والطرح او التاويل، على ان ما ذكر من التاويل فيه -
بارجاع ضمير «وليس فيها» الى الابل - واضح الضعف.
واما عن الثاني: فبان كتاب علي(ع) وان كان ظاهرا في ضرب
القانون العام بنحو القضية الحقيقية، الا ان ذلك القانون لعله
كون كل واحد من الاصناف المذكورة بوصف التساوي في
المالية مع مالية مئة من الابل دية وبدلا عن النفس; باعتبار
المناسبة العرفية التي ذكرناها في باب الضمانات المالية،
فاخذ هذه الحيثية المناسبة والتي كانت ماخوذة ارتكازا حين
صدور النصوص والروايات لا تجعل القضية خارجية، بل تبقى
حقيقية وقانونية، ولكن بالقيد المذكور.
هذا مضافا الى قوة احتمال ارادة الكتاب الذي فرضه امير
المؤمنين(ع) على عماله وولاته، كما ورد بذلك روايات بعضها
صحيحة عن الائمة المتاخرين تصحح نسبة كتاب الفرائض، او
كتاب ظريف في الديات الى امير المؤمنين(ع)، وعندئذ من
المعقول ان يكون الامام(ع) لاجل تنظيم الديات قسم مالية
مئة ابل على الاصناف الاخرى بحسب قيمتها السوقية وقتئذ،
ثم عممها على ولاته لكي تتحد الطريقة في نظام العقوبات
والديات على نسق واحد في كافة ارجاء العالم الاسلامي
وحكومته، فالتشكيك في وجود اطلاق في روايات الاصناف
الخمسة الاخرى لغرض عدم تساويها لمالية مئة من الابل في
محله.
البيان الثاني: لو سلمنا تمامية الاطلاق في روايات الاصناف
الخمسة الاخرى من الدية مع ذلك يمكن ان يقال: بان هذا
غايته الاطلاق القابل للتقييد بقيد المساواة فيما بينها وبين
مئة من الابل في القيمة والمالية غاية الامر لابد من مقيد
يثبت هذا القيد، وحينئذ يقال: بامكان استفادة هذا القيد من
اَلسنة بعض الروايات وهي عديدة:
1 - منها: صحيح ابن سنان المتقدم، وهو صحيح بطريق
الشيخ والصدوق ومرسل بطريق الكليني، فانه - بعد ان بين
ان الدية مئة من الابل - عطف على ذلك بقوله: «وقيمة كل
بعير من الورق مئة وعشرون درهما او عشرة دنانير ومن الغنم
قيمة كل ناب من الابل عشرون شاة‏» وظاهر ذلك ان دفع
الدية اذا كان من الورق او الغنم فلابد وان يكون بقيمة الابل
الواجب دفعه باسنانها، فليس قوله «وقيمة كل بعير» من اجل
تحديد وتقييد الابل الواجب دفعه في الدية، كيف! وقد حدده
في العمد والخطا بالاسنان، وانما الظاهر منه انه اذا اريد دفع
الدية بدلا عن الابل بالدرهم والدينار والغنم فانه يكون قيمة
كل بعير كذا درهم ودينار وكل ناب من الابل كذا من الغنم،
وهذا واضح.
المناقشة الاولى:
وقد يناقش بان هذه الصحيحة محمولة على التقية; لما ورد
فيها من تحديد الدية في الدرهم باثني عشر الف وفي الغنم
بالفين، وهذا مطابق مع ما افتى به العامة ومخالف مع
الروايات التي دلت على ان الدية من الدرهم عشرة آلاف ومن
الغنم الف كصحيح حماد وصحيح جميل وصحيح ابن الحجاج
المتقدمة، ومع حملها على التقية لا يمكن الاستدلال بها.
جواب هذه المناقشة:
ويمكن الجواب عن ذلك: بان حملها على التقية فرع عدم
وجود جمع عرفي بينها وبين ما دل على ان الدية عشرة آلاف
درهم والف شاة، وهو موجود بحمل هذه الصحيحة على
الدراهم التي ضربت في الدولة الاسلامية فيما بعد عصر
النبي(ص) وفي عهد الامام الصادق(ع) حيث كانت تضرب
بوزن اقل من الفضة اي بوزن خمسة دوانق بينما كانت تضرب
قبل ذلك بوزن ستة دوانق والتي كانت كل عشرة منها
تساوي سبعة مثاقيل شرعية. ومن هنا سمي ذلك الدرهم
بوزن سبعة والآخر الاقل فضة سمي بوزن ستة حيث ان كل
عشرة منها كانت تساوي ستة مثاقيل شرعية تقريبا، وقد ذكر
الشيخ في ذيل رواية عبيد بن زرارة - عن ابي عبد الله(ع) قال
«الدية الف دينار او اثنا عشر الف درهم، او مئة من الابل‏» -:
ذكر الحسين بن سعيد واحمد بن محمد بن عيسى انه روي
اصحابنا ان ذلك يعني اثني عشر الف درهم من وزن ستة،
واذا كان كذلك فهو يرجع الى عشرة آلاف.
وبالنسبة الى‏«عشرون شاة‏» ايضا الامر كذلك; لان صحيح ابن
سنان جعل العشرين شاة قيمة كل ناب من الابل، والناب من
الابل هو الابل الكبير الهرم، والذي يدخل عامه التاسع فما
فوق، ومن المعقول ان تكون قيمته ضعف قيمة البعير في
عامها الاول والثاني كابن المخاض وبنت لبون، خصوصا اذا
لاحظنا ان صحيح ابن سنان بصدد بيان الدية المغلظة ايضا
من حيث اسنان الابل، وهي دية العمد وشبه العمد، والتي
لابد وان تكون الابل فيها من مسان الابل.
بل حمل هذه الصحيحة على التقية في نفسه بعيد جدا; لان
تحديد قيمة البعير بالدرهم والدينار، او بالغنم موضوع خارجي
واضح عند السامع، او قابل للاستيضاح، فلا يمكن ان يصدر
فيه بيان من المعصوم على خلاف الواقع الذي كان جاريا في
زمانه.
فالحاصل: لو كانت الصحيحة وردت ابتداء بعنوان «الدية اثنا
عشر درهم والفا شاة‏» امكن صدورها تقية، واما بهذا اللسان
الذي هو لسان تحديد ما يعادل من الغنم كل ناب من الابل
والذي لا تكون نتيجته الفين، بل تضعيف الغنم في خصوص
مايلزم من الابل كونه نابا، وهو اربعون لا اكثر - فمما لا يحتمل
فيه التقية، ولا معنى لها فيه، فلابد وان يكون هذا الاختلاف
الواقع في الروايات من جهة اخرى، وهي في الدرهم من جهة
الاختلاف الذي حصل في وزنه، كما اشار الرواة الى ذلك ايضا،
وفي الغنم من جهة ان ما حددته الروايات بعشرين شاة انما
هو في قبال كل ناب من الابل، اي ناظرة الى الدية المغلظة
التي يجب فيها الابل المسان الكبيرة بخلاف دية الخطا
المحض التي يكتفى فيها بمطلق البعير اي ابن اللبون وبنت
مخاض ونحوهما، والفرق بينهما كبير في المالية. وسوف نرى
ان روايات التحديد للغنم بانه في قبال كل واحد من الابل
عشرون من الغنم كلها واردة في الدية المغلظة، بل ومصرحة
بان اللازم فيها الابل المسان، ومما يشهد على هذا ان صحيح
بن سنان جعل عشرة دنانير ومئة وعشرين درهما قيمة كل
بعير لا كل ناب من الابل، وجعل عشرين شاة قيمة كل ناب
من الابل، فلم يعطف العشرين شاة على عشرة دنانير، مما
يعني ان مراده بالبعير مطلق الابل الذي يجزي دفعه في دية
الخطا ومراده بعشرين شاة ما يدفع في الدية المغلظة التي
يشترط فيها الناب والمسان من الابل.
المناقشة الثانية:
وقد يناقش في هذا الاستدلال ايضا بانا لو سلمنا دلالة هذه
الصحيحة او غيرها على ملاحظة الشارع لمالية الابل في
الاصناف الاخرى في مقام تحديد مقدارها فهذا كان في ابتداء
الامر حكمة لبسط الدية على الاصناف الستة، وليس علة او
قيدا في موضوع الحكم لكي يجب ملاحظته في كل زمان
ويدور الحكم مداره، بل يتمسك باطلاق ما حدد في كل
صنف منها لاثبات اجزائه مهما بلغت قيمته وماليته بالنسبة
للابل او لسائر الاصناف، فيثبت ان كل صنف منها بعد التشريع
وبسط الدية عليه اصبح اصلا براسه، وقد يشهد لذلك انه لو
كان الاصل في الدية مئة من الابل فقط والاصناف الاخرى
رخص في دفعها بدلا عنها بما يعادلها في القيمة لم يكن وجه
لتحديد عدد مخصوص لكل واحد منها، بل كان ينبغي ان
يقال: وبقيمة مئة ابل من الغنم والبقر والدرهم والدينار
والحلل مهما كان العدد.
جواب هذه المناقشة:
ويلاحظ على ذلك: بانه مع فرض تصريح الروايات بملاحظة
قيمة الابل باسنانها في بعض الاصناف الاخرى لا مجال لحمل
ذلك على الحكمة في بداية التشريع، فانه خلاف ظهور اخذ
هذه الحيثية في الموضوعية خصوصا اذا لاحظنا ان هذا هو
المناسب مع الفهم العرفي واعتباراتهم في باب الضمانات، بل
لولا ملاحظة ذلك لم يكن معنى لتغليظ الدية في العمد وشبه
العمد بدفع الابل المسان الكبيرة، بل العرف لا يتعقل ان يكون
ضمان عضو او نفس دائرا بين الاقل والاكثر في المالية، فالغاء
هذه الخصوصية عن الموضوعية - كما هو ظاهر اللفظ وهو
المتفاهم عرفا - بلا موجب، وبذلك يقيداطلاق ذكر الاعداد
المذكورة لسائر الاصناف، ويحمل على انه بلحاظ الوضع
النوعي العام في ذلك الزمان.
وما ذكر من انه لو كان الامر دائرا مدار قيمة الابل من سائر
الاصناف لم يكن وجه لذكر العدد وتحديده في كل صنف
مدفوع: بان فائدة التحديد تشخيص القيمة السوقية النوعية
اي معدل القيمة للجاني; لانه ملزم بها لا بكل قيمة ولو
انت‏شخصية لا يجد غيرها، فان هذا مطلب مهم قد يغفل عنه،
بل من المحتمل قويا ان هذا التحديد جاء من قبل الامام
علي(ع) - كما تشير اليه بعض الروايات كمرسوم حكومي
يشخص فيه موضوعا خارجياواحدا وهو معدل القيمة السوقية
وقتئذ للدية من الاصناف الاخرى لعماله وولاته وقضاته،
ومثل هذه الموضوعات ايضا بحاجة الى التحديد من قبل
الحكومات والانظمة الاجتماعية، كما تحدد الحكومات اليوم
سعر النقد او سعر الفائدة بين حين وحين.
2 - ومن جملة الروايات صحيح الحكم بن عتيبة المتقدم،
وقد ورد فيه ان امير المؤمنين(ع) هوالذي قسم الدية على
الورق بعد ان كانت على الابل وان قيمة كل ابل في ذلك
الزمان مئة درهم، وهذا ظاهر في ملاحظة قيمة الابل وماليتها
في الورق، وان‏الترخيص في دفع الدية منها للتسهيل، وكثرة
الورق ان ما كان بعنوان البدلية; ولهذا صرح في ذيله بان دفع
الابل اليوم ايضا هو الافضل.
نعم، هذه الرواية بحسب صدرها قد يتوهم دلالتها على ان
الانعام الثلاثة كلها كانت اصلا في الدية لا خصوص الابل الا ان
هذا الظهور ممنوع، فان ذكر الانعام الثلاثة جاء في كلام
السائل وبعنوان ان الدية كانت تؤخذ قبل اليوم من الابل
والبقر والغنم، واما ما جاء في كلام المعصوم فهو ان الدية
كانت تؤخذ في دية الخطا مئة من الابل، فاذا لم يكن ظاهر
كلام الامام(ع) فيها اختصاص الاصالة بالابل فلا ظهور فيه في
الخلاف. ولو فرض مثل هذا الظهور فهو قابل للتقييد بصراحة
صحيح ابن سنان المتقدم - وغيره مما ياتي - الدال على ان
الغنم ايضا يكون بدلا عن الابل، فيلزم ملاحظة قيمة الابل في
دفعه، فالصحيحة تدل على بدلية الدرهم عن الابل، واما غيرها
فيثبت بعدم احتمال الفرق، بل لعل ظاهر ذكر خصوص الابل
في كلام الامام بعنوان ما كان هو الدية ظاهر في ذلك
ايضاكما اشرنا.
3 - ومنها: طائفة من الروايات واردة في الدية المغلظة والتي
تقدمت الاشارة اليها حيث استدل بها على الترتيب بين الابل
والبقر والغنم، وهي خمس روايات: صحيح معاوية بن وهب
وصحيح معلى ابي عثمان ومعتبرة ابي بصير، وروايته، ورواية
زيد الشحام. وقد ذكرنا في بحث‏سابق بان ظاهرها الاولي وان
كان هو الترتيب في الدية بين الابل والبقر والغنم ولو في
خصوص دية العمد وشبهه الا ان هذا غير محتمل فقهيا ، بل
مركوزية عدم احتمال تعين الابل على غير من يكون من اهل
الابل يوجب منع ظهورها في ذلك، وان تمام النظر فيها الى
مسالة تغليظ الدية في العمد وشبهه ولزوم مراعاة ذلك في
البقر والغنم ايضا لو كان الدفع منهما، فيكون ظاهرا في
البدلية في المالية، بمعنى لزوم حفظ قيمة الابل من البقر او
الغنم، كما هو مقتضى كونهما مكانه، بل صرح في بعضها بانه
بقيمة ذلك من البقر، وهو ايضا مقتضى جعل عشرين من
الغنم في قبال كل جمل مسن. وقد ورد في بعضها في قبال
كل جمل عشرون من فحولة الغنم، وفي بعضها في قبال مئة
من الابل المسان الف كبش وهو الغنم الفحل الكبير، وفي
رواية ابي بصير صرح بانه في الخطا مثل العمد الا انه عبر بانه
الف شاة مخلطة بينما في العمد عبر بالف كبش، مما يعني ان
حيثية المالية في الابل المسان لوحظت في الغنم تارة من
خلال تكثير عددها الى الضعف، واخرى من خلال اشتراط
كونها الف كبش والذي هو اغلى قيمة، ولعل الكبش من الغنم
كان يعادل غنمين في القيمة.
فهذه الطائفة من الروايات ايضا ظاهرة بل صريحة في اعتبار
مالية الابل، وانها الاصل في الدية، وهي وان كانت واردة في
العمد وشبهه الا ان دلالتها على البدلية بالمعنى المذكور لا
تختص بذلك، وانما ذكر العمد فيها; لان التفاوت في المالية
يظهر فيه باعتبار التغليظ في ديته، وهذا واضح.
4 - ومنها: بعض الروايات الظاهرة في ان الدرهم لابد وان
يكون بقيمة الذهب وبحسابه في الدية، مما يعني انه ليس
اصلا في الدية، من قبيل ما تقدم في صحيح ابن الحجاج
«وقيمة الدينار عشرة دراهم‏» وفي صحيح ابن سنان قال:
«سمعت ابا عبد الله(ع) يقول: من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه
الاان يرضى اولياء المقتول ان يقبلوا الدية، فان رضوا بالدية
واحب ذلك القاتل فالدية اثنا عشر الفا او الف دينار او مئة من
الابل، وان كان ارض فيها الدنانير فالف دينار، وان كان في
ارض فيها الابل فمئة من الابل، وان كان في ارض فيها الدراهم
فدراهم بحساب ذلك اثنا عشر الفا».
وظاهرهما ان القيمة ومالية الف دينار او مئة من الابل
ملحوظة في صنف الدرهم على الاقل بحيث لابد وان تكون
الدراهم المدفوعة دية بحساب ذلك وقيمته، بل لعل هذا
المعنى صريح صحيح الحكم بن عتيبة المتقدم ايضا حيث عبر
فيه بان امير المؤمنين(ع) قد قسم ذلك على الورق.
ودعوى: ان هذه المعادلة في القيمة كانت ملحوظة في بداية
التشريع حكمة لا علة، قد عرفت جوابها.
ودعوى: اعراض الاصحاب عن هذا الفهم من الروايات
الموجب; لوهنها وسقوطها عن الحجية.
مدفوعة: بان كبرى الوهن بالاعراض فرع ان لا تكون الرواية
من حيث السند قطعية او كالقطعي - كما لا يبعد دعواه في
مجموع ما تقدم من الروايات - وان لا يكون في البين وجوه
واستدلالات يحتمل استناد المعرضين اليها.
مضافا الى عدم امكان احراز صغراها من مجرد كلام
الشيخ‏قدس‏سره في المبسوط مع سكوت غيره من القدماء عنه،
بل تصريح القاضي باعتبار التساوي في القيم بين الاصناف،
كما تقدم.
فالانصاف ان اعتبار ذلك خصوصا في الدرهم ان لم يكن هو
الاقوى فهو الاحوط الذي لا يمكن الخروج عنه.
مناقشات اخرى وردود:
وقد يناقش فيما انتهينا اليه بمناقشات اخرى ربما يظهر
جوابها من تضاعيف ما ذكرناه، ولكننا نوردها هنا لمزيد
التوضيح والتنقيح، فنقول:
المناقشة الاولى: ان ظاهر الروايات التي ذكرت الابل والغنم
والبقر والدرهم والدينار في عرض واحد اصالتها جميعا، لا من
جهة الاطلاق لحال نقصانها عن مالية الابل، بل من جهة
الظهور في عرضيتها وانها جميعا تكون دية، لا ان بعضها دية
وبعضها بدل عنها، وهذا الظهور يكون مقيدا لمفهوم الحصر
المستفاد من مثل صحيح جميل «الدية مئة من الابل‏»
ومعارضا مع ما دل على بدلية الغنم او الدرهم عن الابل لو
تمت دلالته على ذلك.
الجواب:
اولا : ان الدلالة المذكورة ليست باكثر من الاطلاق والدلالة
الحكمية لا الظهور الوضعي; لان مجرد ذكر الاجناس معا
بعنوان الدية لا ينافي تقييدها بقيد المساواة في المالية لقيمة
مئة من الابل - كما لو صرح بذلك - فانه يكون مقيدا لاطلاقها
لا منافيا لدلالة لفظية وضعية فيها على الخلاف.
نعم، بدلية سائر الاصناف عن الابل - بان تكون مئة ابل هي
الدية والبدل عن النفس، والباقي بدل البدل اي عوض عن
الدية - خلاف ظهور حمل الدية عليها جميعا في عرض واحد،
وهذا ظهور وضعي لا اطلاق حكمي.
الا اننا لا نريد اثبات البدلية بهذا المعنى ولا يهمنا ذلك، وانما
المهم لنا اثبات البدلية في القيمة والمالية، بمعنى لزوم مراعاة
مالية الابل وحفظها في سائر الاجناس او في الدرهم والدينار
على الاقل، وهذا قد استفدناه مما صرح فيه بملاحظة التقويم
وحفظ مالية الابل في سائر الاجناس، او بعضها بعد الغاء
الخصوصية. ويكون نتيجة ذلك تقييد اطلاق تلك الاصناف
التي جعلت في عرض واحد دية بما اذا كانت معادلة في
المالية لمالية مئة من الابل، وهذا تقييد للاطلاق لا اكثر.
وثانيا : لو فرضنا ان الدلالة المذكورة دلالة ظهورية لا
اطلاقية فهو ظهور لا يقاوم تصريح الروايات المتقدمة بلزوم
ملاحظة مالية الابل في الاصناف الاخرى; لان ذاك صريح
وهذا مجرد ظهور ناشى‏ء من حمل عنوان الدية عليها جميعا
في عرض واحد، فيكون مقتضى صناعة حمل الظاهر على
الصريح ما ذكرناه من الجمع، وهو ان‏تكون الدية الاصناف
جميعا بشرط معادلتها لقيمة مئة من الابل.
وثالثا: لو فرضنا التعارض والتساقط بين الطائفتين من هذه
الناحية مع ذلك كانت النتيجة لصالح القول باعتبار مالية مئة
من الابل في الدية; لانه بعد التساقط يرجع الى اطلاق مثل
صحيح جميل «الدية مئة من الابل‏» الدال باطلاقه على
الانحصار; لانه اطلاق محكوم في‏نفسه لدلالة تلك الروايات
المصرحة باجزاء غيرها، فمع سقوط الحاكم والمقيد بالمعارضة
في مورد عدم مساواة قيمة سائر الاجناس لمئة من الابل مع
ما دل على اعتبار ذلك فيها، كان المرجع بعد التساقط وفي
مورده ذلك الاطلاق المحكوم; لانه بحكم كونه اطلاقا مؤخرا
ومحكوما في الحجية للمقيد يبقى سليما عن المعارضة، فبعد
سقوط المقيد في مورد بالمعارض يصبح ذلك الاطلاق حجة
لا محالة; لان المانع عن حجيته انما كان مقيده الحاكم عليه،
والمفروض سقوطه بالمعارضة وعدم ثبوته، ومالم يثبت
المقيد كان الاطلاق حجة لا محالة، وهذه هي نفس نكتة
الرجوع الى العام الفوقاني بعد سقوط مخصصه بالمعارض، كما
هو محقق في محله من علم الاصول.
المناقشة الثانية: ان ظاهر صحيح ابن الحجاج حيث ذكر فيه
الامام(ع) ابتداء وفي قبال ما نقله ابن الحجاج للامام(ع) من
ان ابن ابي ليلى قال بان الدية كانت في الجاهلية مئة من
الابل ثم ان رسول الله(ص) اقرها...الخ. «قال علي(ع): الدية
الف دينار» ان الاصل في الدية الف دينار لا مئة من الابل،
فتكون معارضة مع ما دل على ان الاصل فيها الابل.
الجواب: ان هذا التعبير حيث عطف عليه الامام(ع) بقوله
«والف دينار لاهل الذهب (في نسخة الفقيه والتهذيب) وعشرة
آلاف لاهل الامصار وعلى اهل البوادي مئة من الابل... الخ‏» لا
يكون ظاهرا في اصلية الف دينار خصوصا اذا اضفنا ان الدرهم
والدينار يلحظان بما هما نقدان، والنقد يعبر به عن المالية
والقيمة السوقية للاجناس الاخرى، فهو المناسب لان يكون
بدلا في المالية عن مالية الاجناس الاخرى، لا ان تلك
الاجناس تكون بدلا عن الف دينار في المالية. نعم، ظاهر
اضراب الامام(ع) عما نقله الراوي عن ابن ابي ليلى عدم
موافقته لما نقل عنه الا انه تقدم فيما سبق انه لا ظهور
للحديث في نفيه لما ذكره ابن ابي ليلى من الحكم الشرعي،
ولو فرض فلا يعلم ان عدم موافقته كانت راجعة الى هذه
النقطة من كلام ابن ابي ليلى.
وقد ورد نفس المضمون في صحيح الحكم بن عتيبة المتقدم،
وكذلك في رواية الفقيه، والخصال باسناده عن حماد بن
عمرو وانس بن محمد عن ابيه عن جعفر بن محمد(ع) عن
آبائه: في وصية النبي(ص) لعلي(ع) قال: «يا علي ان عبد
المطلب سن في الجاهلية خمس سنن اجراها الله له في
الاسلام - الى ان قال - وسن في القتل مئة من الابل فاجرى
الله ذلك في الاسلام‏».
المناقشة الثالثة: ان قيم الاجناس المذكورة ليست متساوية
في تمام الموارد حتى سابقا، بل كانت متغيرة لا محالة بتغير
الازمنة والامكنة والاسواق والطوارى‏ء وغير ذلك مما يؤثر في
مقدار العرض والطلب على السلعة فتتغير قيمتها، فاذا اكتشف
منجم للذهب او الفضة مثلا وكان يزداد عرضهما انخفضت
قيمتهما لا محالة، واذا حصل وباء او مرض اوجب موت الابل
قل مقدار عرضها وارتفعت قيمتها لا محالة، وهكذا كلما
عزوجود السلعة او كثر الطلب عليها لسبب من الاسباب او
بالعكس اثر ذلك في المالية والقيمة السوقية جزما، وهذا كان
امرا واقعا حتى في تلك الازمنة التي صدرت فيها هذه
الروايات، ومعه كيف يمكن افتراض ان هذه الاجناس الستة
باعدادها التي جعلت دية كانت متساوية في المالية والقيمة
السوقية؟! فان هذا لو فرض امكانه في زمان معين ومكان
معين فهو غير ثابت في تمام الازمنة والامكنة والحالات حتى
عند العرف، اي هذه النكتة يعرفها ويفهمها العرف ايضا، فلابد
وان يكون ذلك مجرد حكمة في اصل التشريع، كما ذكره
صاحب الجواهرقدس‏سره ويكون المدار على الاعداد المقر رة
لكل جنس مهما بلغت قيمتها.
الجواب:
اولا: ان المراد بالقيمة المتعادلة ليس التساوي الدقيق في
القيمة وفي تمام الحالات، بل المقصود هو التعادل بمعنى
التقارب في القيمة السوقية في الاوضاع الثابتة لها اي
لمتوسط القيمة في الاسواق العامة التي كانت في حاضرة
الاسلام وقتئذ، وهذا كان امراثابتا عادة خصوصا في مثل
الانعام الثلاثة والتي هي لحد اليوم بتلك الاعداد متقاربة في
المالية، والذي يقضي بهذا الفهم - مضافا الى ما ورد في
الروايات المتقدمة في الدية المغلظة من التعبير عن عشرين
من الغنم بانه قيمة كل ناب من الابل او عن عشرة دنانير او
مئة وعشرين درهما بانه قيمة كل بعير، وغير ذلك مما هو
صريح في ملاحظة قيمة مئة من الابل وماليتها في ما جعل
من الاصناف الاخرى في عَرضها وعدم‏الغاء ذلك لمجرد العدد
- ما ذكرناه من المناسبة العرفية من ان الدية بابها باب
الضمانات المالية، فهي تعويض لخسارة المجني عليه المادية
وقيمة الجناية كما في بعض الروايات، فلا يناسب ان يكون
هذا الضمان في خسارة واحدة دائرا بين الاقل والاكثر في
المالية، فان هذا قد يناسب الامور التعبدية المحضة
كالكفارات بان تكون قيمة عتق العبد اضعاف اطعام عشرة
مساكين مثلا، ولا يناسب باب ضمان الخسارات خصوصا اذا
لاحظنا ان الشارع لم يكن مؤسسا في الدية، وانما كانت ثابتة
قبل الاسلام فاقرها الاسلام مع التسهيل على اهل الاصناف
بتجويز دفع احدها مكان الآخر، فهذا الارتكاز وتلك الروايات
هي المانعة عن حمل الاعداد على الاطلاق وانها تمام الموضوع
في الدية.
وثانيا: ان ملاحظ جانب المعادلة مع قيمة ومالية مئة من
الابل لئن لم نقبله في الاجناس الاخرى فلا ينبغي الشك في
قبوله في صنف الدينار والدرهم خصوصا الدرهم والورق; لانه
كان يمثل النقد الرائج والذي به تقاس قيمة الاجناس، بحيث
عندما يذكر مع جنس آخر في باب الضمان يفهم منه عرفا انه
بقيمته، كيف! وقد صرح بذلك في الروايات وان الدية كانت
مئة من الابل قسمها امير المؤمنين(ع) على الدراهم وان قيمة
كل جمل مئة درهم، مما هو كالصريح في ان العدد المذكور
للدرهم لوحظ بما هو معادل لقيمة الابل ويحفظ ماليتها وان
الميزان بحفظ تلك المالية لكونها الاصل في الدية، لا ان
يصبح الدرهم بالعدد المذكور هو الاصل في الدية وتصبح
ماليته المتغيرة غالبا بحكم كونه نقدا اصلا في الدية يكتفى
بدفعها مهما تناقصت تمسكا باطلاق العدد، فان‏هذا الغاء
لذلك الظهور والقرائن القوية في السنة الروايات في قبال
اطلاق لا اساس له، كما شرحناه سابقا.
لا يقال:
ان قيمة مئة من الابل وماليتها ملحوظة في الدرهم والدينار،
بل وفي سائر الاصناف ايضا في زمان التشريع الا انه بهذا
المقدار لا اكثر، اي ليست مالية الابل في كل زمان هي
الميزان في الدية، بل ما كانت عليه في زمان التشريع، وقد
كانت بمقدار الف دينار وعشرة آلاف درهم، وبعد ذلك لو
تغيرت قيمة الابل بان زادت قيمتها السوقية فلا يضر ذلك
بدفع الدية من الدرهم والدينار بالعدد المقدر; لانه معادل
لقيمة مئة من الابل في زمان تشريع الدية، فيكون قد حفظنا
ظهور اخذ المعادلة في القيمة في الاصناف الاخرى، وظهور
العدد في الموضوعية، ولعل هذا هو مقصودهم من كون
المعادلة في القيمة بين الاصناف حكمة للتشريع.
فانه يقال:
اولا: هذا خلاف ما يستفاد من بعض الروايات السابقة من ان
الاصل في الدية كان هو الابل ولو من حيث المالية، فان العرف
يفهم منها ان قيمتها هي الاصل الذي لابد وان يلحظ ويحفظ
في دفع سائر الاصناف، نعم ليس الميزان بالقيمة الاستثنائية
وفي الحالات الطارئة او النادرة، بل بالقيمة النوعية الثابتة في
الاوضاع الاعتيادية.
وثانيا: غاية ما يلزم من الكلام المذكور - لو سلم - ان لا تكون
زيادة قيمة مئة من الابل عن قيمتها في زمان تشريع الدية
مضمونة على الجاني، ولا يثبت به الاجتزاء بدفع احد الاصناف
الاخرى اذا نقصت قيمته عن سائر الاصناف وعن زمان
التشريع، كما هو كذلك في‏الدرهم اليوم; لان دفع العدد
المقرر منه لا يكون معادلا لا لقيمة مئة من الابل في هذا
الزمان ولا لقيمتها في زمان التشريع، وانما يكون حفظ تلك
القيمة بدفع ما يعادل اليوم في قوته الشرائية لقيمة الدراهم
في ذلك الزمان كما لا يخفى.
فالاجتزاء بدفع نفس العدد منهما اليوم عبارة عن الغاء
لخصوصية المعادلة لقيمة مئة من الابل لا تقييد لها بزمان
التشريع، نعم المعادلة كانت لدراهم زمان التشريع، لا ان
دراهم اليوم تحفظ قيمة الابل زمان التشريع، وصريح الروايات
المتقدمة اخذ تلك القيمة في ما يدفع دية بمعنى ان الدراهم
المدفوعة لابد وان تكون مشتملة ومتضمنة لقيمة مئة من
الابل ولو التي كانت ثابتة لها في زمان التشريع، وهذا لعمري
واضح جدا.
المناقشة الرابعة: ثم ان هناك رواية قد يتوهم دلالتها على ان
الاصل في الدية الدراهم او على الاقل الاجتزاء بها في الدية اذا
كانت بالمقدار المقدر شرعا وهو عشرة آلاف درهم حتى اذا
كانت اقل من قيمة سائر الاجناس، وهي معتبرة اسحاق بن
عمار الواردة في الزكاة عن ابي ابراهيم(ع) قال: «قلت له:
تسعون ومئة درهم وتسعة عشر دينارااعليها في الزكاة شي‏ء؟
فقال: اذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مئتي درهم ففيها
الزكاة; لان عين المال الدراهم، وكل ما خلا الدراهم من ذهب
او متاع فهو عرض مردود الى الدراهم في الزكاة والديات‏».
تقريب الدلالة: انها صرحت بان الميزان بالدراهم في الديات
والزكاة لا بالاجناس الاخرى التي هي عروض، بخلاف الدراهم
فانها عين المال، فبلوغ النصاب بحساب الدرهم كاف في تعلق
الزكاة وان لم يبلغ بحساب الذهب. كما ان بلوغ الدية بالدرهم
المقدار المقدر للجناية كاف في الدفع ومجز وان لم يبلغ
المقدر بالاجناس الاخرى; لانها عروض مردودة الى الدراهم.
وفيه:
اولا : ان هذا المعنى غير معمول به، بل على خلافه صريح
روايات اخرى في باب الزكاة دلت على ان اللازم بلوغ كل
جنس يملكه الانسان نصابه المقرر فيه لكي تتعلق الزكاة، فلا
تجب فيما اذا بلغ المجموع بحساب الدراهم مئتي درهم، ومن
هنا طرحت هذه الرواية وحملت على التقية او اولت، ومعه لا
يتعين لها معنى يمكن الاستفادة منه في باب الديات ايضا.
وثانيا: لو فرض العمل بها وعدم اجمالها فليس مفادها ان
الاصل في الدية والزكاة بالدراهم; وانما ظاهرها ان الدراهم
لكونها عين المال اي خالصة - وهو كناية عن كونها النقد
الذي يقاس به مالية سائر الاجناس كما يشهد به قوله(ع):
«وكل ما خلا الدراهم من ذهب او متاع عرض مردود الى
الدراهم‏» - فيكفي دفع الدية منها، ولايشترط دفع الجنس;
لان الدراهم عين مالية والاجناس مردودة في المالية اليها،
وكذلك في تعلق الزكاة، فالرواية ظاهرة في تعلق الزكاة
بالمالية من الاجناس الزكوية، كما ان ما هو الدية مالية
الاصناف الستة والتي عينها وجوهرها الدراهم. وليست الرواية
ناظرة الى فرض تفاوت قيمة الدرهم عن الدينار او الاجناس
الاخرى ولا ما هو الاصل في الدية.
نعم، هذه الرواية قد يستفاد منها في البحث القادم ان
الدراهم في باب الدية بل والزكاة ايضا ملحوظة بما هي عين
المال وجوهره اي بما هو نقد لا بما هو من جنس الفضة والتي
هي ايضا كالذهب والمتاع عرض مردود الى الدراهم، فيمكن
ان يستفاد من ذلك ان موضوع الحكم مطلق النقد الرائج ولو
لم يكن من الدرهم.
فالمتحصل من مجموع ما تقدم ان مالية مئة من الابل لابد
من حفظها في دفع احد الاصناف الاخرى خصوصا الدرهم.
والله الهادي للصواب.

حول اصناف الدية الستة
القسم الثاني
آية الله السيد محمود الهاشمي
لقد تقدم القسم الاول من هذه الدراسة القيمة والذي تضمن
بحث جهات ثلاث.. واليك بحث الجهة الرابعة التي تركزت في
تحقيق ما هو المراد بالدينار والدرهم ضمن اصناف الدية..وقد
استوعب سماحة السيد الاستاذ دام ظله الموضوع بما لا
مزيد عليه.. حيث استعرض ستة احتمالات استبعد بعضها..
واستقرب بعضا سيما الاخير.. والذي يترتب عليه امكان
الاجتزاء بدفع الاوراق النقدية الاعتبارية بما يعادل قيمة الابل
خاصة او هي مع الاصناف الثلاثة..دون الدراهم والدنانير
وقيمتيهما..
بسم الله الرحمن الرحيم
الجهة الرابعة: ما هو المراد من الدرهم والدينار ضمن اصناف
الدية؟
في البدء ثمة احتمالات عديدة لابد من تمحيصها، وهي:
1- ان يراد بهما المتخذ من الذهب والفضة المسكوكين
بالوزن الشرعي المخصوص والمسمين باسم الدرهم والدينار
والرائجين في السوق للتعامل.
2- الاحتمال نفسه مع اسقاط قيد الرواج.
3- الاحتمال نفسه مع اسقاط قيد التسمية بالدرهم والدينار،
بل حتى اذا كان يسمى بغيرها كالروبية مثلا، ولكن بشرط ان
يكون من الذهب او الفضة.
4- الاحتمال نفسه مع اسقاط قيد ان يكون كل سكة بوزن
مخصوص، بل يكفي ان يكون مجموع سكتين او ثلاث كذلك،
فيجب منها بمقدار ما يساوي الدرهم والدينار.
5- ان يراد بهما الوزن الشرعي من الذهب والفضة ولو لم يكونا
مسكوكين; اي مثقال ذهب و7/0 مثقال فضة.
6- ان يراد بهما مطلق النقد الممثل للمالية المحضة في كل
زمان، فيشمل العملة الورقية الرائجة اليوم بعنوان النقد.
تحقيق هذه الاحتمالات:
1- الاحتمال الاول هو المتيقن:
وواضح ان القدر المتيقن من هذه الاحتمالات هو الاول منها،
وان كل احتمال من الاحتمالات الاخرى تلغى فيه خصوصية
من الخصوصيات الثابتة في الدرهم والدينار لغة او خارجا،
بحيث لابد في الغائها من استفادة اطلاق في قبالها من
روايات الدية، والا كان مقتضى القاعدة عدم اجزاء الفاقد لها
ولو من جهة التمسك باطلاق مفهوم الحصر في ادلة سائر
الاصناف، كما تقدم في الجهة السابقة.
وعلى هذا الاساس لابد من ملاحظة تلك الخصوصيات ومدى
احتمال دخل كل منهما في هذا الحكم الشرعي.
2- رد الاحتمال الثاني ومناقشته:
اما خصوصية الرواج في السوق اي التعامل بهما في مبادلة
السلع فهذه هي خصوصية النقدية فيهما; حيث ان النقد ما
يكون وسيلة للمبادلة والتعامل، فهل يشترط في الدرهم
والدينار في باب الدية ان يكونا نقدين رائجين كما هو شرط
في تعلق الزكاة بهما ام لا؟
لم ار من تعرض للمسالة في باب الديات، وانما تعرضوا لها في
باب الزكاة باعتبار ما ورد من الروايات فيها على اشتراط
الرواج والتعامل في تعلق الزكاة بهما.
وايا ما كان فقد يقال باشتراط رواج التعامل بالسكة حتى
يصدق عليه الدرهم والدينار; لان مجرد ضرب السكة للزينة
بل للتعامل من دون رواجه لا يكفي لصدق ذلك، ومن هنا
ذكر جملة من الفقهاء ذلك، ففي الجواهر «ولو ضربت للمعاملة
لكن لم يتعامل بها اصلا او تعومل بها تعاملا لم تصل به الى
حد تكون به دراهم او دنانير مثلا لم تجب الزكاة; للاصل
وغيره، ولعله اليه اوما في جامع المقاصد بقوله: وينبغي ان
تبلغ برواجها ان تسمى دراهم ودنانير».
وقد يقال في قبال ذلك:
بان الضرب للتعامل بل وقوع التعامل والرواج وان كان شرطا
في صدق الدرهم والدينار الا انه يكفي في ذلك وقوعه في
الجملة ولو سابقا، فلا يشترط فعلية التعامل، ومن هنا اذا كان
يتعامل به ثم هجر وسقط عن الرواج والتعامل مع ذلك كان
درهماودينارا ; بدليل صدقهما على ما يستخرج منهما مما
كان رائجا سابقا، فيشمله اطلاق الدرهم والدينار في الروايات
ويثبت الاجتزاء بدفعه وان لم تكن سكة رائجة بالفعل بل
مهجورة، بل كفى ذلك في تعلق الزكاة عند جملة من الفقهاء
وان كان الحق خلافه ففي الجواهر : «بل يكفي حصول
المعاملة بها سابقا وان هجرت بعد ذلك، كما صرح به جماعة
منهم المصنف قدس سره فقال: او ما كان يتعامل بهما، بل لم
ارَ فيه خلافا، كما اعترف به في محكي الرياض; للاستصحاب،
والاطلاق وغيرهما».
وحيث انه لا يلزم رواج شخص السكة المدفوعة، فيقال: بان
عنوان الدرهم والدينار يكفي في صدقهما ان يكون صنف
السكة رائجا في الجملة، اي قد حصل التعامل به سابقا،
فيمكن للصيرفي اليوم ان يضرب سكة على شكل تلك التي
كانت رائجة سابقا، فتكون درهما او دينارا، ويكون دفعه
مجزيا في باب الدية تمسكا باطلاق الدرهم والدينار في ادلتها،
حتى اذا اشترطنا في تعلق الزكاة بهما الرواج الفعلي.
مناقشة دعوى الاطلاق:
والانصاف عدم تمامية هذا الاطلاق; وذلك لعدة وجوه:
الاول انا نمنع صدق الدرهم والدينار على ما يضربه
الصيرفي من السكة اليوم; لان‏هذا ليس من المضروب لاجل
التعامل، بل لغرض آخر كالزينة او المشابهة للسكة المضروبة
سابقا.
وان شئت قلت: لا بد وان تكون السكة مضروبة من قبل الجهة
التي كانت تتكفل ضرب السكة للتعامل بها كالسلطان في
السابق والدول اليوم، واما ما يضربه الصيرفي اليوم على شكل
ما كان يضرب السلطان سابقا فليس بدرهم ولا دينار.
نعم، لو حصل الجاني على سكة السلطان الرائجة سابقا فقد
يقال بصدق الدرهم والدينار عليه، وان كان مهجورا عن
التعامل.
الثاني‏ انا لو سلمنا صدق الدرهم والدينار على الساقط عن
الرواج والتعامل لغة، فلا نسلم اطلاق الروايات لذلك، بل
ندعي انصراف عنوانهما في الروايات الى النقد الرائج عرفا; لان
هذه الحيثية هي الحيثية المهمة المطلوبة عرفا من الدرهم
والدينار، لا مجرد التعامل به في الجملة ولو في زمن سابق
سحيق والتي تعتبر من الآثار القديمة.
الثالث لو تنزلنا عن هذا مع ذلك قلنا بان في‏السنة روايات
الدية ما يدل على ملاحظة حيثية النقدية والتعامل بالدرهم
والدينار في موضوع الحكم، وهو ما ورد من التعبير بقوله (ع):
«قيمة الدينار عشرة دراهم‏» او «قيمة كل بعير.. عشرة دنانير»
او «قسمها امير المؤمنين(ع) على الورِق‏» ونحو ذلك مما يدل
على ملاحظة الدرهم والدينار اللذين يتعامل بهما في السوق
ويقوم بهما السلع والاموال الاخرى، وهذه الخصوصية اعني
خصوصية الرواج والتعامل، اي النقدية خصوصية مهمة
وخطيرة لا يمكن الغاء دخالتها في الحكم، كيف؟ ! وان الرواج
والنقدية غرض عقلائي مهم، وكثيرا ما يؤدي الى ازدياد
مرغوبية ومالية السكة الرائجة عن غير الرائجة، كما انها
المناسبة مع باب الضمان.
لا يقال: لو فرض عدم الاطلاق في هذه الروايات المتعرضة
للتقويم بالدرهم والدينار كفانا الاطلاق في مثل صحيح
الحلبي «الدية عشرة آلاف درهم، او الف دينار» حيث لم يرد
فيه التقويم بهما.
فانه يقال: مضافا الى الانصراف الذي ذكرناه في الجواب
السابق ان عنوان الدرهم والدينار في هذه الصحيحة بل وفي
كل الروايات لا يمكن ان يحمل على الجنس ليصح التمسك
باطلاقه; اذ جنس الدرهم والدينار يصدق على كل سكة
مضروبة للتعامل ولو كان اقل كثيرا من المثقال الشرعي، مع
ان عدم الاجتزاء بعشرة آلاف منه اذا كان من فضة والف منه
اذا كان من ذهب مقطوع به.
وان شئت قلت: يعلم بان الحكم ليس دائرا مدار عشرة آلاف
سكة تسمى بدرهم او الف سكة تسمى بدينار مهما كان وزنه،
فليس جنس الدرهم والدينار مرادا، بل المراد الدرهم
والدينار المعهودان زمان صدور الروايات، وهما اللذان كان
لهما وزن مخصوص سنشير اليه في ما ياتي. ومع لزوم حمل
عنوان الدرهم والدينار على ارادة ما كان معهودا من الدرهم
والدينار لا ينعقد اطلاق فيه لفرض خروجهما عن الرواج
والتعامل; لان ما هو المعهود كما كان بوزن مخصوص كذلك
كان بصفة الرواج الفعلي وكونه نقدا يتعامل به، وهذه
الخصوصية يحتمل دخالتها في الحكم، بل هو المناسب مع
مثل هذا الحكم الذي هو من الضمانات المالية، وتشهد عليه
التعبيرات الواردة في الروايات الاخرى.
وهكذا لا يبقى اطلاق في روايات الدية لما سقط عن التعامل
والنقدية من الذهب والفضة المسكوكين مما كانا رائجين
سابقا فضلا عما يضربه الصيرفي اليوم.
ومع عدم الاطلاق كذلك يكون المرجع اطلاق عدم اجزاء غير
الاصناف الاخرى، او عدم اجزاء غير الابل المستفاد من ظهور
دليله في الانحصار فيه، والذي لا يخرج عنه الا بما يثبت
اجزاءه، وهو خصوص الدرهم والدينار النقدين الرائجين لا
اكثر.
3- توجيه الاحتمال الثالث:
اما خصوصية تسمية المسكوك باسم الدينار والدرهم في
مورد رواجه فهي غير محتملة الدخل في هذا الحكم; لان
الدرهم او الدينار ليس علما لنوع معين من النقود كالريال او
التومان، وانما صار اسما لمطلق المسكوك من الذهب
والفضة، وان كان يسمى في لغة اخرى باسماء خاصة كالروبية
مثلا.
نعم، ربما كان هذان اللفظان بالاصل علمين، بل قيل انهما اذا
كانا ماخوذين من الفارسية فالدرهم اصله (درم)، والدينار
(دين آر) اي الشريعة جاءت به كما عن الراغب في مفرداته،
واذا كانا معربين عن الرومية فاصلهما (دناريون) و (دراخمة)
كما عن غيره.
وايا ما كان، فلا شك ان عنواني الدرهم والدينار بعد التعريب
صارا اسمين للمسكوكين من الذهب والفضة من اجل التعامل،
بل الدراهم والدنانير التي كان يتعامل بهما في صدر الاسلام
لم تكن عربية ولا اسلامية، بل كانت تضرب في بلاد الروم،
والمظنون انه كان لهما اسماء لاتينية، ومع ذلك سميت
بالدرهم والدينار في الروايات والآيات، فهذه الخصوصية غير
دخيلة في الحكم جزما.
4- توجيه الاحتمال الرابع:
وكذلك خصوصية الوزن المخصوص في كل سكة فانها غير
دخيلة; اذ الدينار والدرهم يصدقان على المسكوك من
الذهب والفضة مهما اختلف وزنهما، والشاهد عليه مضافا
الى الوجدان اللغوي الاستعمالات اللغوية والروائية; حيث
اطلق فيها الدرهم والدينار على المسكوكات ذات الاوزان
المختلفة، فكانت تسمى جميعا بالدراهم والدنانير حتى صار
يقسم الدرهم الى انواع واسماء خاصة مختلفة حسب اختلاف
محل الضرب او الوزن كالدرهم البغلي والبصري والشامي
والوضح والسود والطبري، بل لا اشكال في تغير وزن الدراهم
في تاريخ المسلمين باختلاف عهود الحكم القائم فيه، كما
يظهر من مراجعة التاريخ، ومع ذلك كانت جميع تلك
المسكوكات تسمى درهما ودينارا لغة وعرفا.
نعم، خصوصية الوزن الذي كان للدرهم والدينار في صدر
الشريعة حينما جعلت الاحكام لابد من الحفاظ عليها ولو في
اكثر من سكة، فلو كان وزن السكة نصف ذلك وجب من الدية
الفا دينار وعشرون الف درهم; لان هذا الوزن كان ملحوظا في
مالية الدرهم والدينار، وبالتالي في موضوع الحكم الشرعي
خصوصا المرتبط بالاموال بما لها من مالية كالديات والزكاة.
وقد اجمعت الامة على ان الدينار كان وزنه مثقالا شرعيا من
الذهب، وبقي كذلك بلا تغيير، والدرهم كان وزنه 7/0 من
المثقال الشرعي (والمثقال الشرعي ثلاثة ارباع المثقال
الصيرفي).
قال في الحدائق: «لا خلاف بين الاصحاب (رضوان الله عليهم)
وغيرهم ايضا ان الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في
جاهلية ولا اسلام. صرح بذلك جملة من علماء الطرفين، قال
شيخنا العلامة (اجزل الله اكرامه) في النهاية: «والدنانير لم
يختلف المثقال منها في جاهلية ولا اسلام، كذا نقل عن
الرافعي في شرح الوجيز انه قال: المثاقيل لم تختلف في
جاهلية ولا اسلام. والدينار مثقال شرعي، فهما متحدان وزنا ،
فلذا يعبر في اخبار الزكاة تارة بالدينار وتارة بالمثقال‏». وقال
العلامة المجلسي في رسالته ميزان المقادير: «ان الدنانير لم
تتغير عما كانت عليه من عهد رسول الله(ص)، وهذا مما
اتفقت عليه العامة والخاصة‏».
واما الدرهم فقد صرحت كلمات الاصحاب وغيرهم بانه عبارة
عن ستة دوانيق وان‏عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل
شرعية. قال في كتاب الاوزان والمقادير في تعريف الدرهم
الشرعي: «هو ستة دوانيق كما عن صريح المقنعة والنهاية
والمبسوط والخلاف وما تاخر منها او عنها وكما في رسالة
التحقيق والتنقير. وفي الجواهر: بلا خلاف اجده فيه. وفي
المدارك: نقله الخاصة والعامة ونص عليه جماعة من اهل
اللغة. وعن المفاتيح انه وفاقي عند الخاصة والعامة ونص اهل
اللغة. وعن الرياض: لا اجد فيه خلافا بين الاصحاب، وعزاه
جماعة منهم الى الخاصة والعامة وعلمائهم، مؤذنين بكونه
مجمعا عليه عندهم. وعن ظاهر الخلاف ان عليه اجماع الامة.
وعن ظاهر المنتهى في الفطرة الاجماع عليه.
وفي اول رسالة ميزان المقادير للمجلسي: «واما الدراهم فقد
ذكر الخاصة والعامة انها كانت ستة دوانيق، قال العلامة في
التحرير: والدراهم في صدر الاسلام كانت صنفين بغلية وهي
السود، وكل درهم ثمانية دوانيق، وطبرية كل درهم اربعة
دوانيق، فجمعا في صدر الاسلام وجعلا درهمين متساويين
ووزن كل درهم ستة دوانيق، ونحوه قال في التذكرة
والمنتهى. وقال المحقق في المعتبر: والمعتبر كون الدرهم
ستة دوانيق بحيث‏يكون كل عشرة منها سبعة مثاقيل، وهو
الوزن المعدل، فانه يقال: ان السود كانت ثمانية دوانيق
والطبرية اربعة دوانيق فجمعا وجعلا درهمين، وذلك موافق
لسنة النبي(ص). وقال الرافعي في الشرح المذكور: واما
الدراهم فانها كانت مختلفة الاوزان، واستقر في الاسلام على
ان وزن الدرهم الواحد ستة دوانيق كل عشرة منها سبعة
مثاقيل من ذهب، وفي المغرب: تكون العشرة وزن سبعة
مثاقيل‏».
وقد نقل عن المسعودي انه علل ذلك بقوله: انما جعل كل
عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب; لان الذهب اوزن
من الفضة، وكانهم ضربوا مقدارا من الفضة ومثله من الذهب
فوزنوهما، فكان وزن الذهب زائدا على وزن الفضة بمثل ثلاثة
اسباعها، واستقرت الدراهم في الاسلام على ان كل درهم
نصف مثقال وخمسه.
ويؤيده ما في رواية المروزي عن ابي الحسن موسى بن
جعفر(ع): «الغسل بصاع من ماء، والوضوء بمد من ماء، وصاع
النبي(ص) خمسة امداد، والمد وزن مئتين وثمانين درهما،
والدرهم وزن ستة دوانيق...الخ‏».
ويستفاد ذلك ايضا من رواية الخثعمي، فعن محمد بن يعقوب،
عن علي بن ابراهيم، عن سلمة (سليمان) بن الخطاب، عن
الحسن بن راشد، عن علي بن اسماعيل الميثمي، عن حبيب
الخثعمي (في حديث): «ان ابا عبدالله جعفر بن محمد(ع)
سئل عن الخمسة في الزكاة من المئتين كيف صارت
وزن سبعة ولم يكن هذا على عهد رسول الله(ص)؟ فقال: ان
رسول الله(ص) جعل في كل اربعين اوقية اوقية، فاذا حسبت
ذلك كان على وزن سبعة، وقد كانت وزن ستة وكانت
الدراهم خمسة دوانيق... فقال له عبدالله بن الحسن: من اين
اخذت هذا؟ قال: قرات في كتاب امك فاطمة...».
وكيفما كان، فلا اشكال في مقدار وزن الدينار والدرهم
الشرعيين، وان ذلك كان هو الوزن المحدد في زمن
النبي(ص) او من قبله للدينار والدرهم حتى صار المثقال
والدينار كثيرا ما يستعمل احدهما مكان الآخر، كما سوف
نشير اليه.
وقد صرح الفقهاء ان الميزان في الزكاة والديات بالدينار
والدرهم بهذا الوزن، وهذا هو الصحيح; لما ذكرناه من ان
الوزن المذكور له دخل في المالية جزما، فلابد من حفظه في
الحكم الشرعي المتعلق بالمال بما هو مال كما في الزكاة
والدية، فاذا تغير وزن الدرهم والدينار بعد ذلك كما تغير
في العهود المتاخرة عن صدر الشريعة، خصوصا في الدرهم
كان اللازم مراعاة ذلك الوزن في ما يعطى بعنوان الدية،
وكذلك في نصاب الزكاة، فاصل الوزن في المجموع لا بد من
ملاحظته واعتباره وان كان الوزن في كل
سكة من الدراهم او الدنانير غير لازم.
5- رد الاحتمال الخامس ومناقشته:
واما خصوصية المسكوكية فقد يدعى الغاؤها والاكتفاء
بمطلق الوزن الشرعي للدينار والدرهم، اي الف مثقال من
الذهب وسبعة آلاف مثقال من الفضة.
وقد يستدل عليه باحد وجهين:
الوجه الاول ان الدرهم والدينار كانا يطلقان في الجاهلية
على الوزن، فقد روى البلاذري عن عبد الله بن ثعلبة بن
صعير قال: « كانت دنانير هرقل ترد على اهل مكة في
الجاهلية وترد عليهم دراهم الفرس البغلية، فكانوا لا يتبايعون
الا على انها تبر، وكان المثقال عندهم معروف الوزن; وزنه
اثنان وعشرون قيراطا الا كسرا، ووزن العشرة الدراهم سبعة
مثاقيل، فكان الرطل اثنتي عشرة اوقية، وكل اوقية اربعين
درهما، فاقر رسول الله(ص) ذلك، واقره ابو بكر وعمر وعثمان
وعلي(ع)، فكان معاوية فاقر ذلك على حاله... » وروي ايضا
عن عبد الرحمان بن سابط الجمحي قال: «كانت لقريش اوزان
في الجاهلية، فدخل الاسلام، فاقرت على ما كانت عليه، كانت
قريش تزن الفضة بوزن تسميه درهما وتزن الذهب بوزن
تسميه دينارا، فكل عشرة من اوزان الدراهم سبعة اوزان
الدنانير، وكان لهم وزن الشعيرة، وهو واحد من الستين من
وزن الدرهم، وكانت لهم الاوقية وزن اربعين درهما، والنش
وزن عشرين درهما، وكانت لهم النواة وهي وزن خمسة
دراهم، فكانوا يتبايعون بالتبر على هذه الاوزان، فلما قدم
رسول الله(ص) مكة اقرهم‏على ذلك‏».
فيقال بحمل روايات الدرهم والدينار في الدية على ارادة
الدرهم والدينار من حيث الوزن ولو لم يكن مسكوكا، خصوصا
اذا لاحظنا ان هذا التحديد كان في زمن النبي(ص) وامير
المؤمنين(ع) الذي لم تكن فيه الدنانير والدراهم بعد مضروبة
عند المسلمين، وانما ضربت في زمن عبد الملك وبامر الامام
زين العابدين(ع) او ابنه الباقر(ع)، كما في القصة المعروفة،
فيجزي في باب الدية الف مثقال من الذهب وسبعة آلاف
مثقال من الفضة، ويكون ذكر الدينار والدرهم في رواياتها
كذكرهما في روايات الربا والصرف محمولا على ارادة الوزن.
وقد ورد في روايات الصرف ما قد يدل على استعمال الدرهم
والدينار في الوزن، ففي معتبرة ابي بصير قال: «قلت لابي عبد
الله(ع): آتي الصيرفي بالدراهم اشتري منه الدنانير، فيزن لي
اكثر من حقي ثم ابتاع منه مكاني دراهم؟ قال: ليس به باس،
ولكن لا تزن اقل من حقك‏».
وفي صحيح ابن الحجاج قال: «سالته عن الرجل يشتري من
الرجل الدرهم بالدنانير فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو
دينارا، ثم يقول: ارسل غلامك معي حتى اعطيه الدنانير،
فقال: ما احب ان يفارقه حتى ياخذ الدنانير.. الحديث‏».
فان قول السائل في الحديث الاول : «اشتري منه الدنانير
فيزن لي اكثر من حقي‏» وفي الحديث الثاني «فيزنها وينقدها
ويحسب ثمنها كم هو دينارا» ظاهر في ان الدينار كان بالوزن
لا بالعدد.
ويلاحظ على هذا الوجه:
بان قصارى ما يثبت لو صح ما يذكره البلاذري ان اهل
مكة كانوا يتعاملون بالوزن ايضا مكان الدينار والدرهم
المضروبين، لا ان لفظتي الدينار والدرهم كانتا بهذا المعنى
العام لغة او عرفا، بل من المظنون ان التعامل ايضا لم يكن مع
الذهب والفضة بنحو السبيكة، وانما كانت قطعا صغيرة بوزن
المثقال من الذهب و 7/0 المثقال من الفضة يتعاملون بها من
دون ان تكون مسكوكة بالسكة الرومية او الفارسية باعتبار
صعوبة ضربها وعدم قدرتهم عليه، فما كانوا يسمونه
درهماودينارا كان معدا للتعامل ايضا، ولكنه لم يكن مسكوكا
بالنحو الفني المتعارف وقتئذ في بلاد الروم او فارس، نعم
خصوصية الوزن المخصوص كانت ملحوظة في الدرهم
والدينار عندهم، وهذا هو مفاد روايات باب الصرف ايضا، لا ان
الدينار او الدرهم كان يطلق على مجرد الوزن ولو لم يكن
مسكوكا او بشكل قطع معدة للمعاملة على الاقل، وقد اجمعت
كلمة اللغويين ويشهد له الوجدان العرفي ايضاان‏الدينار
والدرهم اسمان للمضروب من الذهب والفضة للتعامل، وليس
مطلق الوزن من الذهب والفضة يسمى بذلك لغة.
كما يشهد له استعمال الروايات، مثل رواية جميل بن دراج،
عن ابي عبدالله وابي الحسن (ع) انه قال: «ليس في التبر زكاة،
انما هي على الدنانير والدراهم‏».
نعم، في باب الربا والصرف مقتضى الروايات المصرحة بثبوت
احكام الصرف او الربا لمطلق الذهب والفضة، وبيع احدهما
بجنسه او بالآخر، الغاء خصوصية المسكوكية، وهذا مطلب
آخر يخص ذاك الباب ويناسبه، ولا دليل عليه في باب
الدية، ولعله لا يناسبه ايضا.
هذا، مضافا الى ان الاجمال والشك يكون لصالح القول باعتبار
المسكوكية تمسكاباطلاق الحصر في روايات سائر الاصناف،
كما ذكرنا سابقا .
الوجه الثاني التمسك برواية ابي‏بصير في حديث قال: «سالت
اباعبدالله(ع) عن الدية؟ فقال: دية المسلم عشرة آلاف من
الفضة والف مثقال من الذهب والف من الشاة على‏اسنانها،
اثلاثا، ومن الابل مئة على اسنانها ومن البقر مئتان‏».
فان الوارد فيها ليس عنوان الدرهم والدينار، بل المثقال وهو
ظاهر في‏كفاية الوزن. ولا منافاة بينها وبين ما ورد في سائر
روايات الدية من التحديد بالف دينار وعشرة آلاف درهم; اذ لا
مانع من ان يكون كل منهما كافيا، بل تكون هذه الرواية دليلا
على ان المراد بالدرهم والدينار هوالمعنى الاعم، او على الغاء
خصوصية المسكوكية في موضوع الحكم، كما في باب الصرف
والربا.
ويلاحظ على هذا الاستدلال ايضا:
اولا: ضعف سند الرواية بعلي بن ابي حمزة البطائني.
وثانيا: ان الاظهر في مدلولها ان المراد بالمثقال فيها الدينار
لا العكس; فان المثقال كان يطلق على الدينار ايضا باعتبار
وزنه، كما في صحيح علي بن عقبة في الزكاة فقد روى
الكليني عن عد ة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى
عن ابن فضال عن علي بن عقبة وعدة من اصحابنا عن ابي
جعفر وابي عبدالله (عليها السلام) قالا: «ليس في ما دون
العشرين مثقالا من الذهب شي‏ء، فاذا كملت عشرين مثقالا
ففيها نصف مثقال الى اربعة وعشرين، فاذا اكملت اربعة
وعشرين ففيها ثلاثة اخماس دينار الى ثمانية وعشرين، فعلى
هذا الحساب كلما زاد اربعة‏».
ويشهد له انه لو كان نظر الامام(ع) على تقدير صدور
الرواية الى الوزن كان ينبغي ان يقول سبعة آلاف من الفضة
بينما قال: «عشرة آلاف من الفضة‏»، مما يعني ان نظره(ع) الى
الدراهم لا المثاقيل، ولا اقل من الاجمال، والذي تقدم انه
بصالح القول باعتبار خصوصية المسكوكية، فهذه الخصوصية
لا يمكن الغاؤها في المقام بناء على اعتبار اصل الذهب
والفضة في الدرهم والدينار.
6- توجيه الاحتمال السادس:
واما الغاء الخصوصية الجنسية للنقد وحمل الدرهم والدينار
على مطلق النقد الرائج الممثل للمالية الخالصة والذي
يختلف من زمان الى آخر ومن بلد الى بلد، واصبح اليوم على
شكل الاوراق النقدية فاستفادة ذلك يكون باحد بيانين:
البيان الاول:
ان نستفيد من روايات الدية ابتداء كفاية دفع قيمة كل صنف
من الاصناف، وعدم تعين دفع احد الاجناس بخصوصياتها،
نعم لا يجزي دفع جنس آخر غيرها الا انه في ما بينها تلغى
خصوصية الجنسية ولو باعتبارها اجناسا متباينة ويحمل
الترديد بينهما على كفاية جامع لها، وهي القيمة والمالية
وعدم دخل خصوصيتها الجنسية فيه.
وعندئذ يقال بان المالية للاجناس المذكورة اذا كانت هي
حق المجني عليه دون الخصوصيات للاجناس الستة، فيكفي
في دفعها دفع النقد الرائج; لانه يمثل عرفاالمالية الخالصة
والجامعة المتحدة مع مالية كل جنس، ومن هنا قلنا في بحث
تعلق الخمس والزكاة بالمال بان تعلقهما لو كان بنحو الشركة
في مالية المال لا الاشاعة كان دفع النقد الرائج مجزيا على
القاعدة، فكذلك في المقام اذا كان حق المجني عليه متعلقا
بمالية الاجناس لا اعيانها امكن دفع قيمة واحد منها بالنقد
الرائج على القاعدة.
مناقشة البيان الاول:
وهذا البيان غير تام; لان الظاهر من الترديد بين الاجناس
بعنوان انها الدية تعلق حق الجاني باحد تلك العناوين
بخصوصياتها، لا بالمالية الجامعة في ما بينها; فانه الغاء ايضا
لظهورها في خصوص مسمياتها; فكما لا يجوز الالغاء والتعدي
الى جنس آخر كذلك لا يجوز الغاؤها والاكتفاء بمطلق النقد
الرائج.
البيان الثاني:
ان نستفيد من ورود عنوان الدرهم والدينار ضمن الاصناف
المذكورة تعلق الدية بالمالية للاجناس لا باعيانها; وذلك
بدعوى: ان الدرهم والدينار ينظر اليهما عرفا بما هما نقدان
رائجان، لا بما هما ذهب وفضة كسائر الاجناس. والنقد
وظيفته تحديد قيم الاجناس الاخرى وقياسها ومحاسبتها
والمبادلة معها، ومن هنا يعتبر النقد مالية خالصة وجامعة
للاموال الاخرى; لانه بحكم سيولة المبادلة بينه وبين كل
جنس، فكانه مجرد وخالص عن شوب كل جنس وخصوصية،
فاذا ذكر ضمن امور يجب على الجاني دفع احدها خصوصا
مع ذكر انه قيمة الاءجناس الاخرى او بعضها استفاد العرف
من ذلك ان متعلق حق المجني عليه مالية تلك الاجناس، وان
ذكر الدرهم والدينار معها كان بهذا الاعتبار، فيلغي العرف
خصوصية تلك الاجناس بهذا المقدار، لا بمقدار الانتقال الى
اي جنس آخر، كما تلغى حينئذخصوصية كون النقد المذكور
من جنس الذهب والفضة، ويتعدى الى كل ما يكون نقدا
معبرا عن المالية الخالصة.
تقييم البيان الثاني:
وهذا البيان قريب من الذوق، وقد يشهد عليه ما سنورده
قريبا من النكات والقرائن، الا ان لازمه بدلية الدرهم والدينار
في روايات الدية عن الاجناس الاخرى او عن الابل على الاقل;
لان ملاحظة الدرهم والدينار كنقد ومالية مشتركة لسائر
الاجناس او بعضها مساوق مع لحاظ بدليتهما عن تلك
الاجناس لا محالة، فلا بد وان يدفع من النقد الرائج بقيمة
الابل او احد تلك الاجناس الاخرى، ولا يجزي دفع قيمة الف
دينار او عشرة آلاف درهم، وهذا بخلافه على البيان الاول.
والحاصل: لحاظ النقدية المحضة في الدرهم والدينار والغاء
خصوصيتهما الجنسيتين يستلزم بدليتهما في المالية عن الابل
او هي مع الاجناس الاخرى، فلا يمكن الجمع بين ذلك وبين
اصالة الدرهم والدينار في المالية; بمعنى كفاية دفع قيمتهما
من النقد الرائج اليوم.
لا يقال: اي مانع من ان يلحظ النقد مستقلا عن الاضافة الى
جنس، فيكون اصلا في قباله، كما اذا قال له: ادفع الابل او
كذا من النقد; اي ماليته من اي نقد رائج، فتلغى خصوصية
نقد معين من دون ان يلزم معادلته‏مع قيمة‏الجنس كالابل.
فانه يقال: مالية النقد وان كانت قابلة للحاظ بالنقود الاخرى
الا انه بهذا يكون ذلك النقد ملحوظا بما هو جنس خاص من
النقود لا بما هو مالية خالصة، وهذا رجوع الى البيان الاول ولو
في‏خصوص عنوان الدرهم والدينار من الستة.
وان شئت قلت: ان النقدية المطلقة اعني المالية المحضة
المشتركة بين الاجناس لا يمكن ان تلحظ الا من خلال
تجريد النقد عن كل خصوصياته الا القوة الشرائية الثابتة فيه،
والتي هي حيثية اضافية لا يمكن لحاظها الا بالقياس الى
الاجناس الاخرى، فاذا كان الدرهم والدينار ملحوظين كذلك
في روايات الدية كان الملحوظ فيهما لا محالة معادلتهما مع
مئة من الابل وكونهما ثمن شرائها حيث كانت قوتهما الشرائية
كذلك.
نعم، لو فرض ازدياد قيمة الابل بالخصوص من دون نقصان
قيمة النقد بلحاظ سائر الاجناس والسلع فالقوة الشرائية
والقيمة للنقد باقية على حالها، فيجزي دفعه بخلافه على
البدلية عن الابل.
الا ان هذا مجرد فرض، فان الاختلاف ناشى‏ء من هبوط قيمة
الدراهم لا صعودقيمة الابل، فالفضة اليوم لا تملك نفس القوة
الشرائية التي كانت لها سابقا.
كما ان الدرهم والدينار لو اريد بهما النقد الرائج اي ما لهما
من القوة الشرائية فلا ينبغي الاشكال في ملاحظتهما بما
هما قيمة لمئة من الابل، كما صرح بذلك في الروايات، فاذا
كانت القوة الشرائية ملحوظة فيهما فهي قوة شراء مئة من
الابل لا الاشياء الاخرى، وهذا يساوق البدلية لا محالة عن
مالية هذا الجنس او هو مع الاجناس الثلاثة الاخرى.
القرائن على البيان الثاني:
ثم ان استظهار ملاحظة الدرهم والدينار في روايات الدية
بعنوان مطلق النقد المعادل لمالية الاجناس الاخرى او بعضها
على الاقل قد يتم بملاحظة عدة امور، منها ما يلي:
الامر الاول: ورودهما بعنوان قيمة البعير او الابل او عشرة
دراهم بعنوان قيمة الدينار، فان مقام التقويم يناسب ملاحظة
خصوصية النقدية; فهي ملاك التقويم والمقياس لحساب
القيم، ولا دخل في ذلك لخصوصية الجنس الذي يصنع منه
النقد في كل زمان، فيدعى ان هذا الارتكاز العرفي يلغي
خصوصية الذهب والفضة الماخوذين في الدرهم والدينار لغة.
الامر الثاني: ما ورد في بعض الروايات كصحيح الحكم من
التعبير بالورق وان امير المؤمنين(ع) قسم الدية بعد ان كانت
مئة من الابل قبل الاسلام على الورِق حينما كثرت بايدي
الناس، فعن الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد وعن علي
بن ابراهيم عن ابيه عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن
زياد بن سوقة عن الحكم بن عتيبة عن ابي جعفر(ع) في
حديث قال: «قلت له: ان الديات انما كانت تؤخذ قبل اليوم
من الابل والبقر والغنم. قال: فقال: انما كان ذلك في البوادي
قبل الاسلام، فلما ظهر الاسلام وكثرت الورق في الناس
قسمها امير المؤمنين(ع) على الورق. قال الحكم: قلت: ارايت
من كان اليوم من اهل البوادي ما الذي يؤخذ منهم في الدية
اليوم؟ ابل او ورق؟ فقال: الابل اليوم مثل الورِق، بل هي‏افضل
من الورِق في الدية، انهم كانوا ياخذون منهم في دية الخطا
مئة من الابل يحسب لكل بعير مئة درهم، فذلك عشرة آلاف.
قلت له: فما اسنان المئة بعير؟ فقال: ما حال عليه الحول
ذكران كلها».
حيث قد يقال: ان الورِق وان فسر بالدرهم ايضا الا انه اعم،
فيشمل كل مسكوك يتعامل به، او: يقال ان التعبير بتقسيم
الدية على الورِق يشعر بان الورق نفس مالية الابل بحيث صح
تقسيمها عليه، وهذا انما يكون لو لوحظ في الورِق جانب
نقديته وماليته الخالصة لا جنس الفضة، فانه مباين مع الابل،
ولا معنى لتقسيمها عليه.
الامر الثالث: دعوى ان المناسب عرفا وارتكازا ان يكون
الضمان في باب الدية قيميا لا مثليا; اذ لا ارتباط بين المجني
عليه وبين جنس من الاجناس كما في ضمان المثليات، فلا
يناسب ان يلزم المجني عليه باخذ جنس معين الا ما جعله
الشارع من اجل التسهيل على اهل كل صنف من تلك
الاصناف من تجويز دفع الجاني ما يجده عنده، والا فالاصل
في الدية ان تكون تعويضا قيميا لا مثليا; اي القيمة المشتركة
بين الاجناس، وقد عرفت ان القيمة والمالية المحضة تكون
بالنقد الرائج في كل زمان.
الامر الرابع: معتبرة اسحاق بن عمار المتقدمة، فعن الكليني
عن علي عن ابيه عن اسماعيل بن مرار عن يونس عن اسحاق
بن عمار عن ابي ابراهيم(ع) قال: «قلت له: تسعون ومئة درهم
وتسعة عشر دينارا اعليها في الزكاة شي‏ء؟ فقال: اذا اجتمع
الذهب والفضة فبلغ ذلك مئتي درهم ففيها الزكاة; لان عين
المال الدراهم، وكل ما خلاف الدراهم من ذهب او متاع فهو
عرض مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة والديات‏»; بناء على
الاستظهار الذي ذكرناه فيها، حيث عبر فيها عن الدراهم بانها
عين المال في قبال الذهب والمتاع وسائر الاجناس فانها
عروض، وهذا يعني لحاظ الدرهم في الروايات في باب الدية
والزكاة بما هي نقد وعين المالية، لا بما هي جنس خاص.
الامر الخامس: الروايات المتعرضة لجواز المعاملة بالدراهم
المغشوشة اذا كانت تجوز بين الناس، اي كانت نقدا رائجا
عندهم، وهي عديدة اهمها:
1- صحيح ابي العباس قال: «سالت ابا عبد الله(ع) عن
الدراهم المحمول عليها؟ فقال اذا انفقت ما يجوز بين اهل
البلد فلا باس، وان انفقت ما لا يجوز بين اهل البلد فلا».
2- مرسلة ابن ابي نصر عن رجل عن محمد بن مسلم عن ابي
جعفر(ع) قال: جاءه رجل من سجستان فقال له: ان عندنا
دراهم يقال لها الشاهية يحمل على الدرهم دانقين. فقال: «لا
باس به اذا كانت تجوز».
3- مرسلة محمد بن يحيى عمن حدثه عن جميل بن دراج
عن حريز بن عبد الله قال: «كنت عند ابي عبد الله (ع)
فدخل عليه قوم من اهل سجستان فسالوه عن الدراهم
المحمول عليها، فقال: لا باس اذا كان جواز المصر». وفي
الكافي: «جوازا لمصر».
4- وعلى هذا يحمل مثل صحيح محمد بن مسلم قال: «سالته
عن الدراهم المحمول عليها. فقال: لا باس بانفاقها».
5- رواية زيد الصائغ قال : «قلت لابي عبد الله(ع): اني كنت
في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى، فرايت فيها دراهم
تعمل ثلث فضة وثلث مسا وثلث رصاصا، وكانت تجوز عندهم،
وكنت اعملها وانفقها، قال: فقال ابو عبد الله(ع): لا باس
بذلك اذا كان تجوز عندهم. فقلت: ارايت ان حال عليه الحول
وهي عندي وفيها ما يجب علي فيه الزكاة ازكيها؟ قال: نعم
انما هو مالك. قلت: فان اخرجتها الى بلدة لا ينفق فيها مثلها
فبقيت عندي حتى حال عليها الحول ازكيها؟ قال: ان كنت
تعرف ان‏فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة
فزك ما كان لك فيها من الفضة الخالصة من فضة، ودع ما
سوى ذلك من الخبيث. قلت: وان كنت لا اعلم ما فيها من
الفضة الخالصة الا اني اعلم ان فيها ما يجب فيه الزكاة؟ قال:
فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبيث ثم تزكي ما
خلص من الفضة لسنة واحدة‏».
وظاهر مثل هذه الروايات ان الدرهم ملحوظ بما له من
المالية والقيمة التبادلية المحضة مع قطع النظر عن
خصوصية جنسه; حيث جعل المدار فيها على الجواز والرواج
في البلد سواء كان خالصا ام مغشوشا، فلا خصوصية لجنس
الفضة، وانما الميزان في الاحكام المتعلقة بالدرهم بكونه رائجا
بعنوان النقد ووسيلة التعامل والمالية المحضة عند الناس،
والتعبير بانفاقه يشمل تمام انحاء الانفاق سواء جعله ثمنا في
البيع والشراء او دفعه في اداء الدين والضمانات او الديات
والحقوق الشرعية.
بل ظاهر رواية زيد الصائغ ان ذلك هو الموضوع ايضا لتعلق
الزكاة به; حيث‏حكمت في جواب السؤال الثاني بانه ان حال
على الدراهم الحول في البلد الذي يجوز فيه وفيها ما يجب
عليه فيه الزكاة تعلق بها الزكاة، وظاهره تعلق الزكاة ببلوغ
نفس الدراهم النصاب اي المئتين، لا بلوغ خالص الفضة فيها
ذلك، والا كان اللازم التقييد بذلك وتوضيحه، كما صنع في
جواب السؤال الثالث.
لا يقال: نظر هذه الروايات الى جواز انفاق الدرهم المغشوش
وحرمته من حيث كونه مغشوشا، فيكون انفاقه غشا محرما
في المعاملة، وليس النظر فيها الى ترتب احكام النقد
والدرهم الحقيقي على الدرهم المحمول عليه، ولهذا وقع
السؤال في بعضها عن عمل الدرهم المغشوش وصنعه، كما في
رواية زيد الصائغ.
فانه يقال: هذه الحيثية وان كانت ملحوظة في الروايات وقد
يناسبه ايضا ما ورد من الامر بكسر الدرهم المغشوش واتلافه
تجنبا من تداوله ووقوع الغش بذلك على من يصل اليه الا انه
لا اختصاص لها بالنظر الى هذه الحيثية فقط.
بل يستفاد من نفس تعليق الحكم بجواز الانفاق على كون
الدرهم رائجا بين الناس ومتخذا من قبلهم كنقد ووسيلة
للتبادل الاطلاق وترتيب احكام النقدية على كل ما يتخذ
كذلك بين الناس.
وان ابيت عن انعقاد اطلاق لفظي، فلا اقل من اطلاق مقامي
لهذه الروايات يقتضي ذلك; لان الاذن في انفاق الدرهم
المحمول عليه في الخارج يستلزم عرفا انفاقه في تمام
الاغراض التي يبتلى بها المكلف، والتي منها دفع الحقوق
الشرعية والشخصية كالضمانات والديات والزكاة وغيرها،
فيكون السكوت عن عدم جواز انفاقها في ذلك منشا لاطلاق
مقامي دال على جواز انفاقها في ذلك ايضا، والا كان على
الامام(ع) ان ينبه على عدم الاجتزاء به في ذلك.
وقد يشهد لهذا الاطلاق ما نجده في رواية زيد الصائغ من
السؤال عن ترتب الزكاة على مثل هذه الدراهم اذا بلغت ما
يكون فيه الزكاة، فكان حكم الامام(ع) بجواز انفاقها اوجب ان
ينسبق الى ذهنه ترتب احكام الدرهم الحقيقي عليها.
لا يقال: غاية ما تدل عليه هذه الروايات جواز انفاق الدرهم
الذي يكون مغشوشاوترتب احكام الدرهم الحقيقي عليه،
وهذا مختص بما اذا كان اصل الفضة موجودا فيه ولكنه ليس
خالصا.
وان شئت قلت: ان الدرهم المغشوش ايضا نقد حقيقي لا
اعتباري، فكيف يتعدى الى الاوراق النقدية والنقود الاعتبارية
المحضة في ترتيب تلك الاحكام؟!
فانه يقال: ظاهر تعليق الحكم بجواز انفاق الدرهم المغشوش
على رواجه وجوازه بين الناس ان هذه الحيثية هي تمام
الميزان والمعيار للحكم في باب النقد واحكامه، لا كون
الدرهم من الفلز الفلاني او غيره.
وان شئت قلت: كما تلغي هذه الروايات خصوصية الفضة
الخالصة كذلك تلغي خصوصية اي جنس آخر وخصوصية
كون النقدين سلعة حقيقية، وتجعل الرواج والاعتبار بين
الناس هو معيار النقدية والملاك في جواز الانفاق، وهو
الملحوظ في الدرهم والدينار في اطلاقات الشارع
واستعمالاته لهما وترتيب الاحكام عليهما، خصوصا اذا كان
ذكرهما في قبال الاجناس الاخرى بعنوان انه قيمة لها او
لبعضها كما في باب الديات، فيكون ذكر الدرهم والدينار في
روايات الدية باعتبار انهما النقدان الرائجان وقتئذ، فيجوز
اعطاء اي نقد رائج بمقدارهما.
عدم اجزاء قيمة النقدين :
ثم انه بناء على ذلك لا يكفي عندئذ دفع قيمة الف مثقال من
الذهب او سبعة آلاف فضة من النقد الرائج، بل لابد من دفع
قيمة الابل او احد الاجناس الاخرى، كما اشرنا آنفا; لان
الدرهم والدينار عندما يلحظان كنقدين رائجين يكون
الملحوظ قوتهما الشرائية لا قيمة الجنس الموجود فيهما،
وحيث ان الروايات قد صرحت بملاحظتهما بما هما قيمة
الابل او ان امير المؤمنين(ع) قد قسم الدية بعد ان كانت
تعطى من الابل على الدراهم عندما كثرت الدراهم، فقد
يحصل الجزم عندئذ بان اللازم دفع ما يعادل قيمة الابل او
احد الاجناس الاربعة من النقد الرائج اليوم، وهو الاوراق
النقدية.
ويمكن ان نستنتج من مجموع ما تقدم في الجهات السابقة
عدم اجزاء دفع مثل الدراهم اليوم او قيمتها بمقدار عشرة
آلاف بعنوان الدية; وذلك لعدة حيثيات:
الحيثية الاولى: ما تقدم في الجهة الثالثة السابقة من ظهور
الروايات في كون الاصل في الدية مئة من الابل من حيث
المالية بحيث لا بد من حفظ ماليتها في الاجناس الاخرى،
خصوصا في الدراهم حيث جاءت بعنوان انها قيمة الابل، وهي
اليوم اقل بكثير من ذلك.
الحيثية الثانية: لو سلمنا ما استظهره المشهور من ان كل
الاجناس الستة اصول في نفسها، مع ذلك نمنع اطلاق
الروايات; لفرض نقصان مالية واحد منها نقصانافاحشا ، كما
في الدراهم اليوم، ولهذا وجدنا الروايات حددت الدية في
الدراهم الاقل قيمة من ناحية الوزن باثني عشر الفا، فاذا كان
نقصان المالية بنقصان الوزن بنسبة السدس مؤثرا، فكيف لا
يكون نقصان المالية بنسبة هائلة حتى اصبحت الفضة اليوم
اقل من عشر قيمتها سابقا غير مؤثر في الحكم المذكور
الذي هو تعويض مالي للمجني عليه عن خسارته; لمجرد ان
مقدار الوزن محفوظ فيه؟! فان هذا قد يناسب الاحكام
التعبدية، لا باب الضمانات وتدارك الخسارة والضرر المادي
اللاحق بالغير في حقوق الناس.
فهذه النكتة كما تمنع من انعقاد اطلاق في روايات عشرة
آلاف درهم للدرهم الساقط عن المالية سقوطا مطلقا لو فرض
ذلك، كذلك تمنع من اطلاقها لفرض انخفاض قيمته انخفاضا
فاحشا، بل في السنة روايات الدية ما يدل بوضوح على
ملاحظة الشارع للتناسب بين الاصناف الستة في القيمة
والمالية، ودخالة ذلك في هذا الحكم، وهذا يمنع عن انعقاد
الاطلاق المذكور ويجعله على الاقل منصرفا الى فرض
التساوي، او التقارب بينها في القيمة كما كانت كذلك سابقا.
الحيثية الثالثة: لو تنزلنا عن ذلك، فلا ينبغي الاشكال في
عدم شمول اطلاق روايات الدرهم والدينار للمسكوك من
الفضة والذهب اليوم بعد خروجهما عن التعامل والنقدية، بل
اصبحا كسائر الاجناس والسلع الحقيقية; اما لعدم صدق
الدرهم والدينار عليهما او على اساس الانصراف الى النقد
الرائج منهما او على اساس نكات وقرائن في السنة رواياتهما.
ومع عدم تمامية الاطلاق من هذه الناحية لا يكون دفعهما
مجزيا، كما تقدم بيانه.
الحيثية الرابعة: لو فرضنا الاطلاق من جميع الوجوه المتقدمة
مع ذلك لم يكن دفع قيمة الفضة مجزيا اليوم مع عدم رضى
المجني عليه او وليه سواء مع تعذر دفع الاصناف الاخرى او
عدم تعذره.
اما في صورة عدم تعذر دفع احد الاجناس الاخرى فواضح;
لان مقتضى اشتغال ذمة الجاني باحدها للمجني عليه
بخصوصياتها انه يجب عليه دفع احدها مع التمكن، وما دام
يمكنه دفع واحد منها يجب عليه ذلك، ولا ينتقل الى القيمة
بعد ان لم يكن دليل على اجزاء دفعها ابتداء.
واما في صورة تعذر الجميع; فلانه لا دليل على ان ذمة
الجاني قد اشتغلت بالجامع في ما بينها بحيث‏يجزي دفع قيمة
كل واحد منها عند التعذر كما في ضمان المثليات، وانما
المقدار الثابت هو التخيير في ما بين نفس الاجناس الستة
مهما بلغت قيمتها، وهذا لازم اعم من دخولها جميعا في
الضمان بنحو يجزي قيمة كل واحد عند التعذر، بل نحتمل
انه عند تعذرها جميعا يجب دفع قيمة واحد منها تعيينا وهو
مئة من الابل، كما هو مقتضى مفهوم الحصر في قوله(ع):
«الدية مئة من الابل‏».
وتمام النكتة في ذلك انه انما اجتزي بدفع سائر الاجناس
مهما بلغت قيمتها من باب التعبد الذي هو مبنى الاطلاق من
الوجوه المتقدمة، لا من باب ضمان قيمة الجناية، والتي لا
تختلف في المالية، فلا دليل على ان شغل الذمة بالاجناس
المذكورة يكون على غرار الضمانات المثلية بحيث ينتقل الى
القيمة عند التعذر، فلا دليل على الاجتزاء بدفع قيمة اقلها في
المالية، بل يكون المرجع عندئذ اطلاق «الدية مئة من الابل‏»
المقتضي بقاء شغل الذمة به في فرض تعذره، فلا تفرغ ذمة
الجاني الا بدفع قيمة مئة من الابل.
وان شئت قلت: ان التخيير بين الاجناس الستة لا يستلزم
التخيير بين قيمها المتفاوتة تفاوتا فاحشا عند التعذر لا عقلا
كما هو واضح ولا عرفا; لعدم عرفية ذلك في باب
الضمانات; فلا يمكن استفادة اجزاء قيمة اقلها حتى عند تعذر
الجميع، وعندئذ يكون مقتضى اطلاق «الدية مئة من الابل‏»
لزوم دفع ما يمكن دفعه منه، وهو ماليتها وقيمتها بعد فرض
العلم بعدم هدر حق المجني عليه بتعذر الاجناس.
تلخيص واستنتاج:
تقدم ان تخريج الاجتزاء بدفع الدية بالنقود الورقية الرائجة
اليوم يكون له احد اساسين:
الاول: ان يستفاد ابتداء من روايات الدية تخيير الجاني بين
دفع احد الاجناس الستة او دفع قيمته حيث يكتفى في دفع
القيمة بالنقد الرائج في البلد.
وقد تقدم ان هذه الاستفادة لا يساعدها مقام الاثبات
والدلالة; لان الغاء خصوصية الاجناس وحملها على التخيير
بينها وبين قيمة واحد منها خلاف ظاهرها الاولي، فيكون
مقتضى القاعدة وجوب دفع احدها بالخصوص مع الامكان
وعدم الاجتزاء بدفع قيمته، لا من جهة اصالة الاشتغال لكي
يقال بان هذا من الشك في اصل التكليف وتعلقه بالخصوصية
او بالجامع بينها وبين القيمة، والاصل فيه البراءة حتى اذا كان
بنحو التعيين والتخيير فضلا عما اذا كان بنحو الاقل و الاكثر
على ما هو محقق في محله بل من جهة ان مقتضى مفهوم
الحصر المستفاد من الاقتصار في روايات الدية على الاجناس
الستة عدم اجزاء غيرها مع امكان احدها، فلا تصل النوبة الى
البراءة، كما هو واضح.
الثاني: استفادة ذلك من عنوان الدرهم والدينار بعد
استظهار ان المراد منهما في السنة الروايات لولا القرينة
على الخلاف مطلق النقد الرائج لا النقد الخاص، وفي
خصوص روايات الدية يتاكد ذلك باعتبار ما فيها من القرائن
والمناسبات الدالة على ملاحظة الدرهم بما هو نقد رائج‏يكون
قيمة للاجناس بحيث‏يمكن اعطاء ما يعادله من اي نقد آخر
اذا كان رائجا.
وهذا الاستظهار هو الذي استقربناه في الجهة السابقة، اي
الجهة الثالثة. وعلى هذا الاساس ينفتح البحث‏حينئذ كما
اشرنا اليه في تلك الجهة عن كيفية محاسبة ذلك.
كيفية حساب الدية اليوم :
فهل يكفي اعطاء ما يعادل قيمة عشرة آلاف درهم بمعنى
سبعة آلاف مثقال من الفضة الخالصة اليوم; لان قيمة الدرهم
الذي هو نقد حقيقي تكون على اساس قيمة جنسه لا اكثر في
الاعم الاغلب؟ او لابد من اعطاء ما يعادل قيمة مئة من الابل او
الف دينار او المالية المشتركة بين الاجناس الاربعة اي ما
يعادل قيمة احدها على الاقل؟
الصحيح: ان هذا يختلف باختلاف ما نستظهره من الروايات
المتقدمة في الجهات السابقة:
فتارة: نبني على استفادة ان الاصل في الدية من حيث
المالية مئة من الابل، كما استفدناه من مثل صحيح الحكم
الذي ورد فيه «يحسب لكل بعير مئة درهم فذلك عشرة آلاف‏»،
فعندئذ يكون مقتضى الجمع بين ذلك وبين ان الدرهم
ملحوظ بعنوان مطلق النقد الاجتزاء بمطلق النقد الرائج
المعادل لقيمة مئة من الابل، لا اقل من ذلك.
واخرى: لا نبني على ذلك، ولكن نستفيد اشتراط ان يكون
الدرهم في الدية كل عشرة منه بدينار من مثل صحيح ابن
الحجاج الوارد فيه «قيمة كل دينار عشرة دراهم‏» وعندئذ لا
بد ايضا من ملاحظة قيمة الف دينار في دفع النقد الرائج.
وثالثة: لا نستفيد ذلك ايضا، ولكن يقال بان ظاهر ذكر
الاجناس الاربعة معا في مقام دفع الجاني للدية التي هي
تعويض مالي للمجني عليه ارادة المالية المشتركة في ما
بينها، وان ذكر الدرهم والدينار معها باعتبارهما ثمنا وقيمة
لكل واحد منها، لا باعتبار قيمة نفسيهما، وان هذا هو
المناسب مع ملاحظة الدرهم والدينار بما هما نقدان ولوحظ
تقييم الاجناس الاخرى وحساب ماليتها بهما، فلا يكونان
ملحوظين الا بما هما مضافان الى تلك الاجناس،اي بما هما
ثمن لتلك الاجناس، وعندئذ لا بد ايضافي مقام دفع الدية
بالنقد الرائج اليوم من مراعاة قيمة احد الاجناس الاربعة; لان
هذا هو المعادل لقيمة الدرهم والدينار الملحوظين كثمن
للاجناس في روايات الدية.
ورابعة: لا نستفيد ذلك ايضا ، بل يدعى ان الدرهم او الدينار
ملحوظان كنقدين لهما ماليتهما في نفسيهما، فان حيثية
النقدية لا تنافي ملاحظة النقد بما له من مالية مستقلة عن
الاضافة الى الاجناس الاخرى، فاذا الغيت‏خصوصية كونه نقدا
معينايتعدى الى مطلق النقد الرائج المعادل لقيمة ذلك النقد
من حيث المالية. وهذا هو مبنى فتوى المشهور باصالة
الاجناس الستة كلها.
فقد يقال عندئذ بان مقتضى اطلاق روايات الدرهم الملحوظ
بما هو نقد رائج كفاية دفع مطلق النقد الرائج في الدية بما
يعادل قيمة عشرة آلاف درهم اي سبعة آلاف مثقال فضة
خالصة; لان قيمة الدرهم بما هو نقد مقارب او معادل لقيمة
مقدار جنسه الحقيقي عادة، فلو كانت الدراهم مسكوكة اليوم
من الجنس الحقيقي كالفضة بدلا عن النقود الورقية كانت
قيمتها بما هي نقد مساوية لقيمتها بما هي فضة او قريبا منها،
فيكفي دفع قيمة الجنس بذلك المقدار بالنقد الرائج اليوم.
الا ان هذا الاطلاق مما لا يمكن المساعدة عليه; اذ مضافا
الى عدم وجود مثل هذا الاطلاق في روايات الدية على ما
شرحناه في الجهات السابقة ان ما ذكر من ان‏النقد اليوم لو
كان حقيقيا اي بالدرهم كانت قيمة الدرهم مساوية مع
قيمة 7/0 مثقال من الفضة الخالصة بسعر اليوم غير صحيح;
لان النقد الحقيقي وان كان مساويا او مقاربا في القيمة غالبا
لقيمة الجنس الموجود فيه الا ان نفس استخدام الجنس اعني
الفضة في ضرب النقود وكثرة استعمالها والحاجة اليها في
التداول والمبادلات احد اهم العوامل المؤثرة في ارتفاع قيمة
ذلك الجنس ارتفاعا هائلا، ولعل‏من اهم اسباب سقوط قيمة
الفضة اليوم سقوطا فاحشا انما هو خروجها عن دائرة النقود
التي يتعامل بها وعدم الحاجة اليها الا في الاغراض
الاستهلاكية، وهي نادرة جدا بالقياس الى الحاجة للنقد، وانما
لم يسقط الذهب عن المالية بهذا المقدار لتوفر الطلب عليه
في الاغراض الاستهلاكية الاخرى كالزينة ونحوها، وندرته
الوجودية ايضا بالقياس الى الفضة، وقلة استعماله في النقد
بالقياس الى الدراهم الورِق، كما يظهر من مراجعة تاريخ
رواج الدرهم والدينار في المعاملات، فبقي الذهب محافظا
على جزء معتد به من قيمته السابقة بخلاف الفضة.
فالحاصل: انه لا يصح التمسك باطلاق روايات عشرة آلاف
درهم على فرض تمامية الاطلاق فيها الا بالنسبة الى الدراهم
التي كانت رائجة في الازمنة السابقة، والتي كانت النقود
الرائجة فيها حقيقية ومتخذة من الفضة، وقد كانت لا محالة
قيمتها اكثر بكثير من قيمة الفضة اليوم; لكثرة الطلب عليها
من اجل ضرب السكة والتعامل بها في التجارات والمعاملات
وغيرها من اغراض النقد، ولعلها كانت تعادل قيمة الف دينار
ومئة بعير وقتئذ.
وبهذا يظهر وجه آخر لعدم الاجتزاء بدفع قيمة الفضة اليوم
في الدية مع تعذر الاجناس الاخرى فضلا عن فرض عدم
تعذره حتى على مبنى المشهور من استفادة الاصالة
للاجناس الستة جميعا والاطلاق فيها لغرض تفاوت قيمها
السوقية زيادة ونقيصة; لان هذا لا يعني ان قيمة الدرهم
يساوي قيمة 7/0 مثقال فضة خالصة اليوم، كما شرحنا.
واما ما يمكن ان يصاغ اليوم على شكل الدراهم السابقة فقد
تقدم انه ليس درهما ولا نقدا رائجا، فلا يتوهم امكان الاجتزاء
بدفعه في الدية اذا صنعه الجاني او حصل عليه.
ومن هنا ينبغي ان يقال بانه لو اريد دفع الدية من النقود
الورقية الرائجة اليوم كان اللازم مراعاة قيمة احد الاجناس
الاربعة على الاقل، والله العالم بحقائق الامور، والحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبين
الطاهرين.

 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID