عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
محارب
الخميس, صفر 02, 1432 بحث في تحديد موضوع حد المحارب‏ بقلم: آية اللّه السيد محمود الهاشمي  
والمقصود بالبحث تشخيص حدود ما هو موضوع الحد الثابت شرعا للمحارب بنص الكتاب الكريم في آية المحاربة وهي قوله تعالى : (انما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم « الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان اللّه غفور رحيم) وبالروايات المتواترة، حيث وقع الكلام كثيرا في تنقيح ما هو موضوع هذا الحد ، وانه خصوص من شهر السلاح للاخافة، او مطلق المحارب للّه والرسول ولو بنحو البغي مثلا، او انه مطلق المفسد في الارض ولو لم يكن بنحو المحاربة اصلا.
و الاصل في هذا البحث ما هو المستظهر من الآية المباركة والروايات الخاصة المتعرضة لهذا الحد; فان الوارد فيها عنوان المحاربة للّه والرسول والافساد في الارض.
فهل الموضوع عنوان المحارب او عنوان المفسد في الارض او مجموعهما او كل منهما مستقلا بناء على‏انهما قد يفترقان؟
ولاجل تنقيح البحث نورد الكلام في ثلاث جهات:
الجهة الاولى: فيما يستفاد من الآية المباركة في نفسها
والوارد فيها قيدان (محاربة اللّه والرسول) و (الافساد في الارض) فلا بد من الحديث عن كل منهما.
القيد الاول: محاربة اللّه والرسول:
اما قيد المحاربة فهو من الحرب، وهو نقيض السلم، واصله السلب، ومنه حرب الرجل ماله اي سلبه فهو محروب و حريب، واطلاقه على المجرد للسلاح من اجل القتال او الاخافة باعتبار انه يريد ان يسلب النفس‏او المال او السلطان والملك من الطرف الآخر.
وايا ما كان فاضافته الى اللّه والرسول في الآية المباركة قرينة على عدم ارادة معناه الحقيقي في‏حقهما; لانه في حق اللّه سبحانه وتعالى ممتنع، وفي حق الرسول(ص) وان كان ممكنا الا انه غير مرادقطعا; اذ ليس المقصود من الآية خصوص من يحارب شخص رسول اللّه(ص) والا لاختصت بزمان حياته، مع ان من كان يقاتلهم الرسول(ص) في حروبه انما هم الكفار في زمانه وهم خارجون عن الآية جزما، على‏ما سياتي.
بل نفس سياق اضافة المحاربة الى اللّه والرسول معا قرينة على ارادة معنى اوسع من المقاتلة‏بالمباشرة و الشخصية.
وهذا المعنى مردد بين امرين:
1- ارادة مطلق العصيان ومخالفة حكم اللّه والرسول كما ذكره في لسان العرب في ذيل الآية ، وهو ظاهر العلامة الطباطبائي (قدس سره) في تفسيره، فيكون كالمجاز في الكلمة ومن استعمال المحاربة في مطلق العصيان والمخالفة.
2- ان يراد به محاربة المسلمين غاية الامر اضيف الى اللّه والرسول تعظيما للفعل واشعارا باهمية‏الامة الاسلامية و ان محاربتها بمثابة محاربة اللّه والرسول;لان الامة منتسبة اليهما وتحت ولايتهما، فيكون كالمجاز في الاسناد.
وهذا هو ظاهر الفاضل المقداد في تفسيره. والظاهر ان المتعين من الاحتمالين هو الثاني منهما; لانه مقتضى اخذ عنوان الحرب في الكلام فلا وجه‏لالغاء معناه كليا، ولان عناية المجاز في الاسناد اخف و ابلغ في المقام; لان كون الامة الاسلامية من‏صنع اللّه والرسول ومنتسبة اليهما بحيث تكون محاربتها محاربة لوليها نكتة عرفية بليغة وواضحة بخلاف استعمال مادة المحاربة في مجرد المعصية و مخالفة الامر والنهي.
وعنذئذ لا بد من ملاحظة ان اية محاربة للمسلمين هي المنظورة في هذا المعنى العنائي؟ اذ المسلمون‏ قد يحاربون من قبل الكفار، وقد يحارب بعضهم بعضا بغيا وخروجا على الحكم، وقد يحارب بعضهم ‏بعضا لسلب الامن والاخافة واخذ المال او النفس، فكل هذا من المحاربة التي يمكن ان تضاف بالعناية الى اللّه والرسول فيكون مصداقا للآية الكريمة.
الا انه لا ينبغي الشك في خروج محاربة الكفار لكفرهم عنها; لاكثر من قرينة اوضحها الاستثناء الواردفي الآية التالية: (الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم).
فان ظاهرها ان التوبة انما هي من المحاربة دون الشرك فيكون قرينة على انهم مسلمون يجري عليهم ‏سائر احكام المسلمين بمجرد التوبة عن المحاربة قبل الظفر بهم كما في الحدود الالهية الاخرى والا فلوكانوا كفارا والمحاربة لكفرهم لاحتاج شمول الغفران لهم الى ان يدخلوا في‏حصن الاسلام ولا يكفي مجرد رفع يدهم عن المقاتلة ، بل التعبير بالتوبة بنفسه شاهد على النظر الى المسلمين لا الكفار; فان التوبة تكون من المسلم، لا من الكافر فانه يؤمن ويدخل في الاسلام، ولا يعبر عنه بالتوبة، وعلى كل حال فلا شك في عدم شمول الآية لمحاربة الكافر للمسلمين لكفره، نعم لو حاربهم لاجل الاخافة والسلب والنهب كان مشمولا للآية باعتباره مصداقا للمحاربة بالنحو الثالث، وانما المقصود ان المحاربة‏الواقعة بين الكفار والمسلمين من اجل الاسلام والكفر او من اجل اسقاط الحكم الاسلامي لا تكون‏مشمولة للآية جزما، فيدور الامر بين النوعين الثاني والثالث اي المحاربة مع المسلمين بنحو البغي والتي هي محاربة مع امام المسلمين وحاكمهم، والمحاربة بنحو اخافة السبيل والعدوان على الاموال والنفوس ونحوهما.
وقد يقال: بان ظاهر الآية ان موضوع الاحكام المذكورة فيها خصوص المسلمين الذين يقومون بالسلاح في وجه الدولة، ولا يعم من شهر السلاح لاخافة الناس او اخذ اموالهم ولا من عصى اللّه تعالى بمعاصي‏ كبيرة; لان من قام بوجه الدولة التي اسسها الرسول(ص) يكون محاربا للرسول حقيقة باعتباره هوالمؤسس والصانع لها، واما المحارب لطائفة من المسلمين لسلب مالهم فلا يكون محاربا للرسول حقيقة. نعم ان قام دليل خاص على ارادة ذلك فلا باس به; فانه من المصاديق الادعائية للموضوع المذكور في الآية، ومصحح الادعاء فيه موجود، فان من قام بالسلاح بصدد رفع الامن الذي تقيمه الدولة الاسلامية كانه حارب الدولة ايضا، الا ان شمول العموم للمصاديق الادعائية خلاف الظاهر لا يمكن القول به‏الابدليل وقرينة، ولا قرينة على ذلك في الآية، فلو بقينا ونفس الآية فهي لا تشمل موارد شهر السلاح لاخافة السبيل.
ونلاحظ على هذا الكلام:
اولا: ما اشرنا اليه من ان الاضافة الحقيقية للمحاربة الى اللّه والرسول غير صادقة حتى في مورد البغي‏والخروج على الحكم الاسلامي، ومجرد ان الدولة الاسلامية مؤسسها الاول في عهدها الاول كان رسول اللّه(ص) لا يكفي لصدق المحاربة والمقاتلة للرسول لمن يخرج عليها اليوم حقيقة، فلا بد من فرض العناية في الاسناد او الكلمة على كل تقدير، وتلك العناية كما تصح في حق الخروج والمحاربة للدولة الاسلامية، كذلك تصح في حق محاربة المسلمين لسلب امنهم واخافتهم، فان الامة الاسلامية ايضا من صنع‏الرسول وتحت ولايته، وهذا واضح.
وثانيا: قد ثبت في شان نزول الآية المباركة بروايات الفريقين وكتب التفسير والتاريخ انها نزلت في‏قصة العرنيين او قوم من بني ضبة قدموا على رسول اللّه(ص) مرضى فقال لهم رسول اللّه (ص): «اقيموا عندي فاذا برئتم بعثتكم في سرية، فقالوا: اخرجنا من المدينة، فبعث بهم الى ابل الصدقة يشربون من ابوالها و ياكلون من البانها، فلما برئوا واشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كانوا في الابل، فبلغ رسول اللّه(ص) الخبرفبعث اليهم عليا(ع) وهم في واد قد تحيروا ليس يقدرون ان يخرجوا منه قريبا من ارض اليمن فاسرهم وجاء بهم الى رسول اللّه (ص) فنزلت هذه الآية عليه (انما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله..) ...الخ‏».
وما في روايات الفريقين وذكره ارباب التواريخ بشان هذه القصة وان كان مختلفا فيه بلحاظ بعض‏التفاصيل والخصوصيات من قبيل كونهم من بني سليم او عرينة ناس من بجيلة او ان النبي كان قدصلب وقطع وسمل الاعين منهم لانهم كانوا قد فعلوا ذلك بالراعي لابل الصدقة وقد ورد في بعض رواياتهم ورواياتنا تكذيبه وان النبي لم يسمل عينا قط ولم يزد على قطع اليد والرجل الا ان اصل‏القصة وورود الآية بشانها لعله من المسلمات، كما ان كون محاربتهم من نوع السلب ونهب المال وقتل‏راعي الصدقة لا من نوع البغي والخروج على الحكم الاسلامي من الواضحات، وعليه فلا ينبغي الاشكال في نظر الآية المباركة الى المحاربة بالنحو الثالث; لكونه المتيقن من موردها.
وثالثا: انه خلاف ظاهر ما سياتي من الروايات الخاصة; لانها تشرح وتفصل ما هو موضوع الآية‏المباركة، ولا تذكر فيما تفصله الا اقسام المحارب من النوع الثالث اي الذي شهر السلاح للاخافة مع‏السكوت عن البغاة، فكيف يمكن ان تحمل على بيان الفرد الادعائي مع عدم التعرض للفرد الحقيقي من‏موضوع الآية اصلا؟! وهل مثل هذا بيان عرفي؟
وهكذا يتضح ان نظر الآية المباركة الى المحاربة بنحو الاخافة وسلب الامن من الناس مما لا ينبغي‏التشكيك فيه، كما فهمه كل الفقهاء والمفسرين.
دعوى شمول الآية للباغي:
نعم، قد يدعى اطلاق الآية وشمولها للباغي ايضا رغم ان المتيقن منها او موردها المحاربة بنحو الاخافة وسلب الامن، بتقريب: ان عنوان المحاربة المضافة الى اللّه والرسول ولو بالعناية تصدق في النوعين، فلا وجه لتخصيصها باحدهما وان كان موردا لها; فان المورد لايكون مخصصا، فيتمسك باطلاق الآية لمن‏يحارب الدولة الاسلامية ويخرج عليها المعبر عنه في الفقه بالبغي لاثبات نفس الحدعليه ايضا.
وقد يستشهد له بما ورد في معتبرة طلحة بن زيد عن ابي عبداللّه(ع) قال: سمعته يقول: «كان ابي يقول: ان للحرب حكمين، اذا كانت قائمة لم تضع اوزارها ولم يثخن (تضجر) اهلها فكل اسير اخذ في تلك الحال فان الامام فيه بالخيار ان شاء ضرب عنقه وان شاء قطع يده و رجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحط في دمه حتى يموت، فهو(وهو) قول اللّه عز وجل: (انما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الارض فسادا اني قتلوا او يصلبوا اوتقطع ايديهم وارجلهم من خلاف) الا ترى ان المخير الذي خير اللّه الامام على شي‏ء واحد وهو الكفر (الكل) وليس هو على اشياء مختلفة، فقلت لابي عبد اللّه (ع): قول اللّه عز وجل: (او ينفوا من الارض) قال: ذلك الطلب (للطلب) ان تطلبه الخيل حتى يهرب فان اخذته الخيل حكم عليه ببعض الاحكام التي وصفت لك. والحكم الآخر: اذا وضعت الحرب اوزارها واثخن اهلها، فكل اسير اخذ على تلك الحال فكان في ايديهم فالامام فيه بالخيار ان شاء من عليهم، وان شاء فاداهم انفسهم، وان شاء استعبدهم فصاروا عبيدا».
مناقشة هذه الدعوى:
وهذه الدعوى ايضا لا يمكن المساعدة عليها، بل الصحيح ما عليه مشهور الفقهاء والمفسرين من‏اختصاص الآية المباركة بالنحو الثالث من المحاربة، اعني محاربة المسلمين بقصد الافساد والاخافة وعدم شمولها لمحاربة البغاة ولا الكفار.
التعرض لكلمات الفقهاء:
ولنستهدي اولا بكلمات فقهائنا الابرار قدس اللّه اسرارهم في تفسير الآية الكريمة وفهمهم منها ثم‏نعودالى توضيح وجه هذا الاستظهار، فنقول: ذكر شيخنا الصدوق (قدس‏سره) في الهداية باب الحدود:
«والمحارب يقتل او يصلب او تقطع يده ورجله من خلاف او ينفى من الارض كما قال اللّه عز وجل.
وذلك مفوض الى الامام ان شاء صلب وان شاء قطع يده ورجله من خلاف وان شاء نفاه من الارض‏».
وقال شيخنا المفيد(قدس‏سره) في المقنعة في كتاب الحدود والآداب: «واهل الدغارة اذا جردوا السلاح في دارالاسلام، واخذوا الاموال، كان الامام مخيرا فيهم: ان شاء قتلهم بالسيف، وان شاء صلبهم حتى يموتوا، وان شاء قطع ايديهم وارجلهم من خلاف، وان شاء نفاهم عن المصر الى غيره...».
وصريح كلام العلمين دخول المحارب بالمعنى المصطلح اعني من شهر السلاح لاخافة الناس والدغارة وهي السلب والنهب في الآية.
واما اختصاص الآية بذلك وعدم شمولها لمحاربة الكفار او البغاة فاستفادته من كلامهما مبني على‏استظهار ذلك من سكوتهما عن ايراد ذلك فيمن يجري عليه حكم هذا الحد واقتصارهما على المحارب بالمعنى المصطلح فقهيا، مع انهما كانا بصدد بيان الحدود المقررة شرعا، فلو كان هذا الحد حكما وحدا شرعيا ثابتا في كل محارب بالمعنى الاعم لكان ينبغي ذكر حرب الباغي او الكافر في موضوعه‏ايضا وعدم الاقتصار فيه على ذكر خصوص المحاربة بالمعنى الاخص.
وقال شيخ الطائفة(قدس‏ سره) في المبسوط كتاب قطاع الطريق: قال اللّه تعالى: ( انما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله...) واختلف الناس في المراد بهذه الآية فقال قوم: المراد بها اهل الذمة اذا نقضوا العهد ولحقوا بدار الحرب وحاربوا المسلمين فهؤلاء المحاربون الذين ذكرهم اللّه في هذه الآية وحكمهم فيما ارتكبوه من المعصية هذه العقوبة التي ذكرها اللّه.
وقال قوم: المراد بها المرتدون عن الاسلام اذا ظفر بهم الامام عاقبهم بهذه العقوبة لان الآية نزلت في‏العرنيين لانهم دخلوا المدينة فاستوخموها فانتفخت اجوافهم واصفرت الوانهم فامرهم النبي(ص) ان‏يخرجوا الى لقاح ابل الصدقة فيشربوا من البانها وابوالها ففعلوا ذلك فصحوا فقتلوا الراعي وارتدوا واستاقوا الابل فبعث النبي(ص) في طلبهم فاخذهم وقطع ايديهم و ارجلهم وسمل اعينهم وطرحهم في الحرة حتى ماتوا فالآية نزلت فيهم.
وقال جميع الفقهاء: ان المراد بها قطاع الطريق وهو من شهر السلاح واخاف السبيل لقطع الطريق.
والذي رواه اصحابنا ان المراد بها كل من شهر السلاح و اخاف الناس في بر كانوا او في بحر وفي البنيان او في الصحراء ورووا ان اللص ايضا محارب، و في بعض رواياتنا ان المراد بها قطاع الطريق‏كما قال الفقهاء».
وكلامه صريح في اختصاص الآية بالمحارب بالمعنى الاخص غاية الامر ذكر ان جميع الفقهاء و يقصدبهم العامة جعلوها خاصة بقطاع الطريق وهو من شهر السلاح واخاف السبيل لقطع الطريق، واما الذي‏رواه اصحابنا فهو ان المراد بها كل من شهر السلاح واخاف الناس في بر كانوا او في بحر، وفي‏ المدينة كانوا او في الصحراء، بل رووا ان اللص ايضا محارب،فلا يختص بمن يقطع الطريق والذي يكون خارج المصر. ثم نقل ان في بعض رواياتنا ان المراد بها قطاع الطريق كما قال الفقهاء.
وذكر في كتاب الخلاف تحت عنوان (كتاب قطاع الطريق).
مسالة 1: «المحارب الذي ذكره اللّه تعالى في‏آية المحاربة هم قطاع الطريق الذين يشهرون السلاح ويخيفون السبيل، وبه قال ابن عباس وجماعة الفقهاء.
وقال قوم: هم اهل الذمة اذا نقضوا العهد ولحقوا بدار الحرب وحاربوا المسلمين.
وقال ابن عمر: المراد بالآية المرتدون لانها نزلت في العرنيين. دليلنا: اجماع الفرقة واخبارهم وايضا قوله تعالى في سياق الآية: (الا الذين تابوا من قبل ان تقدرواعليهم...) فاخبر ان العقوبة تسقط بالتوبة قبل القدرة عليه و لو كان المراد بها اهل الذمة واهل الردة‏كانت التوبة منهم قبل القدرة وبعد القدرة سواء، فلما خص بالذكر التوبة قبل القدرة و افردها بالحكم دلت الآية على ما قلناه‏».
وظاهر كلامه في صدر هذه المسالة اختصاص الآية بقطاع الطريق والذي ذهب اليه فقهاء العامة، ومن‏هنا تصور بعض ان هذا الكلام منه خلاف مختاره في المبسوط حيث جعل المحارب فيه اعم من قاطع الطريق.
الا ان هذا الكلام غير صحيح فان نظره الشريف في صدر هذه المسالة الى نفي الاقوال الاخرى في الآية‏بان يكون المراد بها اهل الذمة او المرتدون، وانما ذكر عنوان قطاع الطريق لانه المعروف المعهود في اصل هذا المعنى، ولكنه اراد المعنى الاعم منه، ولهذا فسره بالذين يشهرون السلاح ويخيفون السبيل،فلم يقيده بان يكون ذلك لقطع الطريق، ففي هذه المسالة ينظر الشيخ الطوسي(قدس‏سره) الى اصل هذا القول في‏قبال القولين الآخرين الذين يخرجان الآية عن هذا المعنى للمحاربة الى معنى آخر مباين، واما تحديد هذاالمعنى بالدقة من حيث الاختصاص بمن يشهر السلاح ويخيف الناس لقطع الطريق او الاعم منه فهذه من التفاصيل التي تعرض لها (قدس ‏سره) في ضمن المسائل التالية لهذه المسالة حيث ذكر (قدس‏ سره) في المسالة الثامنة:«حكم قطاع الطريق في البلد والبادية سواء، مثل ان يحاصروا قرية و يفتحوها ويغلبوا اهلها ويفعلوا مثل هذا في بلد صغير او في طرف من اطراف البلد او كان بهم كثرة فاحاطوا ببلد كبير واستولوا عليهم، الحكم فيهم واحد. وهكذا القول في دعار البلد اذا استولوا على اهله واخذوا اموالهم على صفة لا غوث لهم، الباب واحد. وبه قال الشافعي وابو يوسف.
وقال مالك: قطاع الطريق من كان من البلد على مسافة ثلاثة اميال. فان كان دون ذلك فليسوا قطاع‏الطريق.
وقال ابوحنيفة ومحمد: اذا كانوا في البلد او في القرب منه مثل ما بين الحيرة والكوفة، او بين قريتين‏لم يكونوا قطاع الطريق.
دليلنا: اجماع الفرقة واخبارهم وايضا قوله تعالى: (انما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله) الى آخر الحكم، ولم يفصل بين ان يكونوا في البلد او غير البلد».
وهكذا يتضح اتحاد مختاره في الخلاف والمبسوط من هذه الناحية، وقال(قدس ‏سره) في التبيان ذيل الآية‏المباركة:
«المحارب عندنا هو الذي اشهر السلاح واخاف السبيل، سواء كان في المصر او خارج المصر; فان اللص المحارب في المصر وغير المصر سواء، وبه قال الاوزاعي ... وقال قوم: هو قاطع الطريق في غير المصر.
ذهب اليه ابو حنيفة واصحابه وهو المروي عن عطاء الخراساني. ومعنى (يحاربون اللّه) يحاربون اولياء اللّه ويحاربون رسوله (ويسعون في الارض فسادا) وهو ما ذكرناه من اشهار السيف واخافة السبيل، وجزاؤهم على قدر الاستحقاق‏».
وكلماته قدس اللّه نفسه الزكية صريحة في اختصاص المحاربة في الآية المباركة بالمعنى الثالث للمحاربة وهو من اشهر السلاح لا خافة الناس وسلب الا من، كما انها صريحة في الكتب الثلاثة في عدم اختصاص ذلك بمن يفعل ذلك خارج المدن لقطع الطريق، بل يعم مطلق من اشهر السلاح واخاف الناس.
وقال في النهاية: «المحارب هو الذي يجرد السلاح ويكون من اهل الريبة في مصر كان او غير مصر،في بلاد الشرك كان او في بلاد الاسلام، ليلا كان او نهارا، فمتى فعل ذلك كان محاربا...».
والتعبير بكونه من اهل الريبة يقصد به ان يكون المجرد للسلاح من اهل الفساد والسلب والنهب نظيرما ورد في عبارة المقنعة (اهل الدغارة) اي الفساد والرقة والنهب وقد فسر (اهل الريبة) بالاشقياء ايضا.
وعلى كل حال فقد عدل الشيخ (قدس سره) في النهاية عن ذكر عنوان تجريد السلاح لاخافة السبيل او اخافة الناس ‏او قطع الطريق الى عنوان تجريد السلاح ويكون من اهل الريبة وبين العنوانين فرق; فان الاخافة اعم من‏كونه من اهل الريبة، و من هنا اعتبره المتاخرون تقييدا زائدا فنفاه بعضهم باطلاق الادلة على ما سياتي شرحه في محله.
وقال الراوندي في فقه القرآن ذيل الآية المباركة:
«من جرد السلاح في مصر او غيره و هو من اهل الريبة على كل حال كان محاربا وله خمسة احوال، فان قتل ولم ياخذ المال وجب على الامام ان يقتله وليس لاولياء المقتول العفو عنه ولا للامام، وان قتل واخذ المال ... الى ان قال: وقد اخبر اللّه في هذه الآية بحكم من يجهر بذلك مغالبا بالسلاح ثم اتبعه بحكم من ياتيه في خفاء في قوله: (والسارق والسارقة) الآية‏».
وقال الفاضل المقداد في تفسيره ذيل الآية المباركة:
«واصل الحرب السلب ومنه حرب الرجل ماله اي سلبه فهو محروب وحريب، وعند الفقهاء كل من جردالسلاح لاخافة الناس في بر او بحر، ليلا او نهارا، ضعيفا كان او قويا، من اهل الريبة كان او لم يكن، ذكرا كان اوانثى، فهو محارب ويدخل في ذلك قاطع الطريق والمكابر على المال او البضع‏».
وقال ابن ادريس (قدس سره) في كتاب الحدود من السرائر:
«قال اللّه تعالى: (انما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض) ولا خلاف بين الفقهاء ان المراد بهذه الآية قطاع الطريق، وعندنا كل من شهر السلاح لاخافة الناس في بركان او في بحر في العمران والامصار او في البراري والصحاري، وعلى كل حال فاذا ثبت ذلك فالامام مخير فيه بين اربعة اشياء كما قال تعالى بين ان يقطع يده و رجله من خلاف او يقتل او يصلب او ينفى هذا بنفس شهره السلاح واخافة الناس‏».
وظاهره مطابق مع ما تقدم عن الشيخ (قدس سره) في المبسوط من ان الموضوع من اشهر السلاح لا خافة الناس، والذي هو اعم من شهره لقطع الطريق بالخصوص كما عليه فقهاء العامة.
لكنه (قدس‏ سره) في كتاب الجهاد باب قتال اهل البغي والمحاربين قال: «والمحارب هو كل من قصد الى اخذ مال الانسان و شهر السلاح في بر او بحر او حضر او سفر فمتى كان شي‏ء من ذلك جاز للانسان دفعه عن‏نفسه وماله‏».
فقيده بان يكون قاصدا اخذ مال الانسان ونهبه، الا ان الظاهر ان هذا منه(قدس‏ سره) ليس بقصد التقييد، بل‏لتعميم الحكم للفرد الاخفى من موضوع جواز الدفع والمحاربة ولو ادى الى قتله الذي هو المناسب مع حكم باب الجهاد ولهذا ذكر في ذيل كلامه (جاز للانسان دفعه عن نفسه وماله) فعطف المال على النفس.
وفي مجمع البيان في تفسير الآية المباركة:
«(النزول): اختلف في سبب نزول الآية، فقيل: نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي (ص) موادعة فنقضوا العهد وافسدوا في الارض عن ابن عباس و الضحاك.
وقيل: نزلت في اهل الشرك عن الحسن وعكرمة.
وقيل: نزلت في العرنيين لما نزلوا المدينة للاسلام واستوخموها واصفرت الوانهم فامرهم النبي(ص) ان يخرجوا الى ابل الصدقة ... عن قتادة وسعيد بن جبير والسدي. وقيل: نزلت في قطاع الطريق عن اكثر المفسرين وعليه جل الفقهاء.
(المعنى): لما قدم تعالى ذكر القتل وحكمه، عقبه بذكر قطاع الطريق والحكم فيهم فقال: ( انما جزاء الذين يحاربون اللّه) اي اولياء اللّه ... الخ‏».
وذكر سيدنا العلامة الطباطبائي (قدس ‏سره) في تفسيره القيم الميزان:
«قوله تعالى: (انما جزاء الذين يحاربون اللّه و رسوله ويسعون في الارض فسادا) «فسادا» مصدر وضع موضع‏الحال، ومحاربة اللّه وان كانت بعد استحالة معناها الحقيقي وتعين ارادة المعنى المجازي منها ذات معنى وسيع يصدق على مخالفة كل حكم من الاحكام الشرعية وكل ظلم واسراف، لكن ضم الرسول اليه يهدي الى ان المراد بها بعض ما للرسول فيه دخل، فيكون‏ كالمتعين ان يراد بها ما يرجع الى ابطال اثر ما للرسول عليه ولاية من جانب اللّه سبحانه، كمحاربة الكفار مع النبي (ص) واخلال قطاع الطرق بالامن العام الذي بسطه بولايته على الارض، وتعقب الجملة‏بقوله: (ويسعون في الارض فسادا) يشخص المعنى المراد وهو الافساد في الارض بالاخلال بالامن وقطع الطريق دون مطلق المحاربة مع المسلمين.
على ان الضرورة قاضية بان النبي (ص) لم يعامل المحاربين من الكفار بعد الظهور عليهم والظفر بهم هذه المعاملة من القتل والصلب والمثلة والنفي.
على ان الاستثناء في الآية التالية قرينة على كون المراد بالمحاربة هو الافساد المذكور، فانه ظاهر في‏ان التوبة انما هي من المحاربة دون الشرك ونحوه.
فالمراد بالمحاربة والافساد على ما هو الظاهر هو الاخلال بالامن العام، والامن العام انما يختل‏بايجادالخوف العام وحلوله محله، ولا يكون بحسب الطبع والعادة الا باستعمال السلاح المهدد بالقتل طبعا،ولهذا ورد فيما ورد من السنة تفسير الفساد في الارض بشهر السيف ونحوه‏».
والفقهاء عموما فسروا المحارب بمن شهر السلاح لاخافة الناس مع اخذ قيد كونه من اهل الريبة تارة وعدمه اخرى وجعلوا هذا المعنى الخاص للمحاربة هو موضوع هذا الحد في كتاب الحدود، واما غيره من المحاربين كالكفار والبغاة فقد ذكروا لهم احكاما اخرى غير هذا الحد. و هذا وان لم يكن تصريحا منهم بانهم يفهمون اختصاص الآية المباركة بالمحارب بهذا المعنى الخاص الا من قبل من تعرض منهم لذكرها وتفسيرها كما تقدم عن جملة منهم الا انه يستفاد من كلماتهم بانهم يعتقدون بان المراد الجدي من الآية المباركة التي هي المصدر لتشريع هذا الحد الالهي انما هو المحارب بهذا المعنى الخاص لا مطلق من حارب الاسلام والمسلمين ولو لكفره او بغيه، فالآية المباركة عندهم لاتشمل غير المحارب الاصطلاحي، اما لاختصاصها في نفسها وبحسب ظاهرها الاولي بذلك كما ذكره المفسرون ونسبوه الى الفقهاء او بضميمة الروايات الواردة عن اهل البيت(عليهم السلام) بشان هذا الحد والتي‏جعلوها تفسيرا للآية المباركة.
ويشهد لذلك و يؤكده ما نجده في كلماتهم وتحديداتهم لموضوع هذا الحد من البحث عن اعتبار بعض القيود من قبيل كونه اي المحارب قاصدا للاخافة او كونه من اهل الريبة او كونه خارج البلد او غير ذلك من القيود، فلو لم يكن اصل الاخافة للناس شرطا وكان الموضوع للحد مطلق من يحارب الدولة الاسلامية ولو بنحو البغي من دون افساد واخلال بامن الناس ولا تعد عليهم. او كان ذاك هو الموضوع‏ الحقيقي للآية والمحارب الاصطلاحي فرد ادعائي والحاق تعبدي بموضوع الآية كما قيل لم يكن مجال‏عندئذ لكل تلك الابحاث، اللهم الا ان يكون بحثهم عن الفرد التعبدي مع السكوت بل نفي الحكم عن فرده وموضوعه الحقيقي من دون تعرض و لا ذكر وجه له ولا اشارة، وهو كما ترى!
فتحديد الفقهاء وتعريفهم للمحارب بمن شهر السلاح لاخافة الناس يكون شاهدا ايضا على انهم يرون ان‏المراد من المحاربة في الآية الكريمة خصوص هذا القسم، لا المعاني الاخرى ولا المعنى الاعم منها، وان اختلفت تعريفاتهم في اعتبار بعض القيود لهذا المعنى. وقد تقد م عن النهاية و غيره اخذ قيد كونه من اهل ‏الريبة.
واليك بعض كلمات الآخرين:
قال ابو الصلاح الحلبي: «وان كانوا محاربين وهم الذين يخرجون عن دار الامن لقطع الطريق واخافة السبيل والسعي في الارض بالفساد فعلى سلطان الاسلام او من تصح دعوته ان يدعوهم الى الرجوع الى دار الامن ويخوفهم من الاقامة على المحاربة من تنفيذ امراللّه فيهم، فان انابوا ووضعوا السلاح ورجعوا الى دار الامن فلا سبيل عليهم... وفرضه في الاسرى ان كانوا في محاربتهم قتلوا ولم ياخذوا مالا ان‏يقتلهم، و ان ضموا الى القتل اخذ المال صلبهم بعد القتل، و ان تفردوا باخذ المال ان يقطعهم من خلاف، وان لم يقتلوا ولم ياخذوا مالا ان ينفيهم من الارض بالحبس او النفي من مصر الى مصر».
وقد ذكر هذا الكلام في كتاب الجهاد في احكام الحرب والمحاربين وسيرة الجهاد، فذكر اولا حكم جهادالكفار من الكتابيين والمشركين ثم حكم جهاد المرتدين ثم المتاولين البغاة ثم المحاربين.
وجعل الحد المذكور مخصوصا بالاخير منهم، وهذا كالصريح في اختصاص هذا الحد بالمحارب بالمعنى الخاص وعدم جريانه في غيره من اقسام المحاربة مع الدولة الاسلامية. وقال سلار: «المجرد للسلاح في ارض الاسلام والساعي فيها فسادا ان شاء الامام قتله وان شاء صلبه و ان شاء قطع يده ورجله من خلاف وان شاء نفاه من الارض‏».
وقال القاضي ابن البراج: «من كان من اهل الريبة و جرد سلاحا في بر او بحر، او في بلده او في غيربلده في ديار الاسلام او في ديار الشرك ليلا او نهارا كان محاربا ... فان اخذ المال ولم يقتل احدا ولاجرحه كان عليه القطع ثم النفي من البلد الذي هو فيه، و ان جرح ولم ياخذ مالا ولا قتل احدا كان عليه القصاص والنفي بعد ذلك... الخ‏».
وقال السيد ابن زهرة: «واسرى من عدا من ذكرنا من المحاربين على اخذ المال ان كانوا قتلوا ولم ياخذوا مالا قتلوا، وان اخذوا مع القتل مالا صلبوا بعد القتل، و ان تفردوا باخذ المال قطعوا من خلاف، فان لم يقتلوا ولم ياخذوا مالا نفوا من الارض بالحبس او النفي من مصر الى مصر كل ذلك بالاجماع من الطائفة عليه‏».
وهذا الفقيه ايضا ذكر المحاربين في كتاب الجهاد فيمن يجب على الامام دفعهم ومقاتلتهم ثم فسر عنوان المحارب: بمن قصد الى اخذ مال المسلم و ما هو في حكمه من مال الذمي واشهر السلاح في بر او بحر او سفر او حضر، ثم خص اسراهم بالحكم عليهم بالحد المذكور في الآية دون اسرى غيرهم من البغاة او الكفار.
وهذا ايضا كالصريح في اختصاص حكم الآية المباركة بهذا القسم من المحاربة وعدم عمومه للاقسام الاخرى. ونحوه ما عن علاء الدين الحلبي (ابوالحسن) في كتاب الجهاد قال: «فكل من‏اظهر الكفر او خالف الاسلام من سائر فرق الكفار يجب مع تكامل ما ذكرناه من الشروط جهادهم، وكذا حكم من مرق عن طاعة الامام العادل او حاربه او بغى عليه، او اشهر سلاحا في حضراو سفر او بر او بحر او تخطى الى نهب مال مسلم او ذمي ... (الى ان قال): و المفسدون في الارض كقطاع الطريق و الواثبين على نهب الاموال يقتلون ان قتلوا، فان زادوا على القتل باخذ الاموال صلبوا بعدقتلهم... الخ‏».
وقال ابن حمزة في كتاب الجهاد من الوسيلة:
«فصل في بيان احكام البغاة وكيفية قتالهم: الباغي كل من خرج على امام عادل، وقتالهم على ثلاثة اضرب: واجب وجائز ومحظور ... ثم ذكر حكمه وانهم يقاتلون حتى يفيئوا الى الطاعة او يقتلوا عن‏آخرهم ، ثم قال: فصل في بيان حكم المحارب: المحارب كل من اظهر السلاح من الرجال او النساء في اي وقت و اي موضع يكون ولم يخل حاله من ثلاثة اوجه اما يتوب قبل ان يظفر به او يظفر به قبل ان يتوب او لا يتوب ولا يظفر به‏».
ثم بدا ببيان حكم كل قسم و انه في الاول يعفى عن حد المحاربة عليه دون ما اذا كان قد جنى جناية في غير المحاربة فانها لوليه، و في الثاني لا يعفى بل لا بد من القتل او الصلب او النفي على حسب الجناية، وفي الثالث يطلب حتى يظفر به ويقام عليه الحد.
وهذا البيان صريح في ان المحارب لايشمل الباغي بل يختص بمن شهر السلاح لاخذ مال او نفس، نعم لم يذكر في التعريف صريحا ان اشهاره للسلاح من اجل الاخافة او سلب المال او النفس، و لكنه اخذ ذلك حينما بدا بتشقيق شقوق هذا الحد حيث قال: وان لم يجن واخاف نفي عن البلد، وعلى هذا حتى يتوب، وان جنى وجرح اقتص منه ونفي عن البلد، وان اخذ المال قطع يده ورجله من خلاف ونفي وان قتل وغرضه في اظهار السلاح القتل... الخ‏».
فما قيل من ان عبارة ابن حمزة تعم ما اذا كان اظهار السلاح بغاية القيام بوجه الحكومة الاسلامية و هو الباغي مما لا ماخذ له، كيف وقد ذكر الباغي وتعريفه وحكمه في الفصل السابق لهذا الفصل كما اوردناه فكيف يحتمل ان يكون مراده من المحارب الاعم فضلا من ان يقال بانه يستفيده من الآية؟!
ونفس الشي‏ء نجده عند يحيى بن سعيد الحلي(قدس‏سره) في جامعه، فانه ذكر اولا احكام قتال الكفار من‏المشرك والكتابي والمرتد ثم ذكر احكام الباغي فقال:
«الباغي من لم يدخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعة الامام او نكث بيعته، فعلى من استنفره الامام‏لقتالهم النفور معه ... واذا قوتل الباغي لم يرجع عنه حتى يدخل فيما دخل المسلمون فيه او يقتل. فان ‏كان له فئة يرجع اليه، قتل مقبلا او مدبرا واجهز على الجرحى، والا لم يتبع المدبر ...».
ثم ذكر احكام المحارب فقال:
«والمسلم المحارب من شهر السلاح في بر او بحر، سفرا او حضرا، ليلا او نهارا، رجلا او امراة، فان‏اخاف ولم يجن نفي من الارض بان يغرق على قول او يحبس على آخر او ينفى من بلاد الاسلام سنة حتى يتوب، وكوتبوا انه منفي محارب فلا تئووه ولا تعاملوه، فان آووه قوتلوا وان قتل...الخ‏».
وقال المحقق (قدس ‏سره) في الشرائع: «المحارب كل من جرد السلاح لاخافة الناس في بر او بحر ليلا كان اونهارا في مصر وغيره، وهل يشترط كونه من اهل الريبة؟ فيه تردد اصحه انه لا يشترط مع العلم‏بقصد الاخافة، ويستوي في هذا الحكم الذكر والانثى ان اتفق، وفي ثبوت هذا الحكم للمجرد مع ضعفه ‏عن الاخافة تردد اشبهه الثبوت، ويجتزا بقصده‏».
وذكر ايضا في المختصر النافع «في المحارب: وهو كل مجرد سلاحا في بر او بحر ليلا او نهارا لاخافة السابلة وان لم يكن من اهلها على الاشبه... وحده القتل او الصلب او القطع مخالفا او النفي...».
وقال العلامة(قدس‏ سره) في التبصرة: «كل من جرد السلاح للاخافة في بر او بحر ليلا او نهارا تخير الامام بين‏قتله وصلبه وقطعه مخالفا ونفيه...».
وفي التحرير: «المحارب من جرد السلاح لاخافة الناس في بر او بحر، ليلا كان او نهارا، في مصر وغيره، وسواء كان في العمران او في البراري والصحاري، وعلى كل حال، وهل يشترط كونه من اهل الريبة؟ الظاهرمن كلامه في النهاية الاشتراط، والوجه المنع اذا عرف انه قصد الاخافة...».
وفي القواعد: «كل من اظهر السلاح وجرده لاخافة الناس في بر او بحر ليلا كان او نهارا في مصر اوغيره ... ولا يشترط كونه من اهل الريبة على اشكال‏».
وعلق عليه ولده فخر المحققين بقوله: «منشاه من اختلاف الاصحاب، فالمشهور من فتاويهم ما ذكره الشيخ في النهاية، فقال: المحارب هو الذي يجرد السلاح ويكون من اهل الريبة.
وقال المفيد: اهل الدغارة اذا جردوا السلاح في دار الاسلام ... وذكر احكام المحارب، وعموم الآية يدل على عدم الاشتراط، وهوالاقوى عندي‏».
وقال في الارشاد في كتاب الحدود المقصد السابع في المحارب: «وفيه بحثان: الاول: في ماهيته، وهوكل من جرد السلاح لاخافة الناس في بر او بحر، ليلا او نهارا، في مصر وغيره، ذكرا او انثى، ولو اخذفي بلده مالا بالمقاهرة فهو محارب‏».
وقال الشهيد الاول في الدروس كتاب المحارب: «وهو من جرد السلاح للاخافة في مصر او غيره، ليلا او نهارا ، وان كان امراة بشرط الريبة ولو ظنا».
وقال الشهيد الثاني (قدس‏سره) في الروضة: «وهي تجريد السلاح برا او بحرا، ليلا او نهارا لاخافة الناس في مصر وغيره من ذكر او انثى قوي او ضعيف، من اهل الريبة ام لا، قصد الاخافة ام لا...».
وفي الجواهر وافق التعريف المتقدم عن الشرائع وجعله مما لا خلاف فيه.
وفي تحرير الوسيلة لسيدنا واستاذنا الامام الراحل(قدس‏سره): «مسالة 1: المحارب هو كل من جرد سلاحه اوجهزه لاخافة الناس وارادة الافساد في الارض في بر كان او في بحر، في مصر او غيره، ليلا او نهارا».
وفي تكملة المنهاج لسيدنا الاستاذ الخوئي(قدس‏سره): الخامس عشر المحاربة: «مسالة 260: من شهر السلاح لاخافة الناس نفي من البلد... الخ‏».
هذه نبذة من كلمات فقهائنا الابرار (قدس اللّه اسرارهم) في تعريف المحاربة التي هي موضوع هذا الحدالمشرع في هذه الآية المباركة.
وبعد هذا التطواف في كلمات الاصحاب (قدس اللّه اسرارهم) والاطلاع على انظارهم التي استعرضناهابهذا التفصيل للاستفادة منها في اكثر البحوث القادمة نرجع الى ما ذكرناه في تفسير المحاربة في الآية وان المراد بها خصوص المحاربة بنحو الافساد في الارض واخافة الناس كما عبر الفقهاء فلا يشمل محاربة البغاة لبغيهم ولا المشركين لكفرهم، والوجه في ذلك مجموع نكات وقرائن:
1- منها: ظهور الآية خصوصا مع ملاحظة الاستثناء الوارد في ذيلها في كون الجريمة الملحوظة في‏موضوع هذا الجزاء والتي يدور استحقاق الجزاء مدارها اثباتا ونفيا، و يكفي التوبة عنها وتركها قبل الاخذ لسقوطه و المغفرة لفاعلها انما هي نفس المحاربة للّه والرسول لا امر آخرقد يستلزم المحاربة، و من الواضح ان المحاربة بنحو الافساد في الارض نفسها الجريمة، واما محاربة الكفار و البغاة فالجريمة فيهما هي الكفر والارتداد او البغي ونكث البيعة والخروج عن طاعة ولي الامر. كما ان العفو او المغفرة عنها انما يكون بالاسلام والدخول في طاعة الامام لا مجرد ترك الحرب. والمحاربة لو حصلت فهي من توابع الجريمة لا نفسها; لانها نتيجة طلب الحاكم لهم لاجبارهم على الدخول في الاسلام او الطاعة فيحاربون على ذلك.
والحاصل: ان لم يكن صدر الآية ظاهرا في المحاربة بالمعنى المصطلح‏فلا اقل من ان الآية التالية لها ظاهرة في النظر الى محاربة يكون تركها كافيا للغفران والتوبة بلا حاجة‏الى ضم ضميمة اخرى، وهذا لا يصدق لا في محاربة الكفار ولا البغاة; لان توبتهم لا تكون الا بالدخول‏في الاسلام عن طاعة الامام وقبول البيعة.
2- ومنها: عطف الافساد في الارض على المحاربة، واخذه في موضوع الحد سواء افترضناه تمام الموضوع او جزءه، و هذا سنبحث عنه فيما ياتي فانه قرينة على تعيين محاربة اللّه والرسول فيما يكون بنحو الافساد في الارض و سلب الامن; لانه بذلك يختل وضع الناس والحياة، فيكون افسادا في الارض، بخلاف البغي ونكث بيعة الحاكم ولو ادى الى القتال والمحاربة فان مطلق الحرب والقتال ليس فسادا في الارض، وقد اعتمد على هذه القرينة بعض المفسرين منهم سيدنا العلامة الطباطبائي(قدس‏ سره) في تفسيره القيم‏على ما تقدم حيث قال: «وتعقب الجملة بقوله (ويسعون في الارض فسادا) يشخص المعنى المراد وهو الافساد في الارض بالاخلال بالامن وقطع الطريق دون مطلق المحاربة مع المسلمين‏».
3- ومنها: بعض القرائن الارتكازية واللبية ومناسبات الحكم والموضوع الواضحة من سياق الآية، فان‏شدة العقوبة والتاكيد عليها المفاد بصيغة التفعيل في الآية واضافة الصلب وقطع اليد والرجل من خلاف‏او النفي من الارض كل هذه العقوبات تناسب سنخ جريمة يكون فيها افساد في الارض بقتل وسلب ونهب ويكون لها مراتب تناسب مراتب العقوبات الاربع المجعولة فيها، ولا تناسب مجرد البغي ونكث طاعة الحاكم الذي هو جريمة سياسية لا يطلب فيها الا رجوع الباغي الى الطاعة و دخوله في الجماعة.كما يظهر ذلك من خلال مراجعة لسان الآية المتعرضة للباغين (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوابينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء الى امر اللّه فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان اللّه يحب المقسطين).
بل ظاهر آية المحاربة ان الجريمة المذكورة فيها من سنخ الجرائم التي تقوم بالافراد بحيث قد يقوم بهاشخص واحد، ومن هنا ذكر الفقهاء انه لا يشترط فيها وجود فئة ولا اخافة جماعة، بل يكفي محاربة واحد لواحد، وهذا بخلاف محاربة البغاة فان المناسب لها ان يكون الخطاب فيها متوجها الى الجماعة والطائفة والفئة; لانها تكون قائمة بين فئتين‏بحسب الحقيقة.
هذا مضافا الى ما ذكره العلامة الطباطبائي في الميزان من ان الضرورة قاضية بان النبي (ص) لم يعامل‏المحاربين من الكفار بعد الظهور عليهم والظفر بهم هذه المعاملة من القتل والصلب والمثلة والنفي، ومحاربة الباغي ليست باشد من محاربة الكافر قطعا من الناحية الفقهية، كما هو مقرر في محله.
 4- ومنها: الروايات الخاصة الواردة عن الائمة المعصومين (عليهماالسلام) لتشريح هذه العقوبة ذات المراتب المختلفة، وسوف ياتي التعرض لها في جهة قادمة من البحث، فان نفس تصديها لشرح مراتب هذه العقوبة، بل والتصريح في بعضها بانها على حسب الجناية، وكذلك التصريح في بعضها بذكر الآية قرينة على نظرها جميعا الى تفسير ما هو المراد من الآية، وتوزيع الموضوع فيها وهو المحاربة بنحو الافساد في الارض حسب المراتب على العقوبات الاربع المبينة فيها. فاذا سكت فيها عن غير ذلك فهم‏منه ان الموضوع في الآية ذلك ايضا لا غير.
ودعوى: ان قصارى مفاد الروايات شمول الآية للمحاربة بنحو الافساد في الارض وشهر السلاح لا خافة الناس، واما ان المحاربة منحصرة في شهر السلاح لاخافة الناس ومراتبها ايضا منحصرة في الاقسام المذكورة فممالا دلالة للروايات الخاصة عليه.
مدفوعة: بان ظاهر الروايات تفسير تمام مراتب واقسام المحاربة المندرجة في الآية، فلو كان منها الحرب مع الكفار او البغاة والذي لا يكون التعبد فيها لا اخذ المال ولاالقتل او الاخافة بل تمام الغرض فيه غرض سياسي وهو طلب الحكم والسلطان كان ينبغي ذكره ضمن الاقسام جزما، فسكوت الروايات المفصلة للآية عن ذكر هذا النوع من المحاربة فيه دلالة واضحة على خروجه عن موضوع الحكم والجزاء المشرع في هذه الآية المباركة.
ولو فرض عدم دلالتها وحدها على ذلك فلا اشكال في دلالتها على ذلك بعد ضمها الى ما ورد في حكم جهاد البغاة والمشركين من الادلة والروايات على ان حكم اسيرهم ليس ما ذكر في هذه الآية، فراجع وتامل.
واما معتبرة طلحة بن زيد المتقدمة التي استشهد بها على عموم الآية وتطبيق الامام(ع) لها على باب‏الحرب والجهاد، فيلاحظ عليه:
اولا: انها واردة في تطبيق الآية على جهاد الكفار والمشركين لا البغاة بقرينة ما ورد فيها من الحكم بان‏الاسير اذا اخذ وقد وضعت الحرب اوزارها كان الامام فيه مخيرا بين المن والفداء والاستعباد فيصيرواعبيدا. ولهذا نجد الشيخ(قدس‏سره) قد اورد الرواية تحت عنوان باب: كيفية قتال المشركين ومن خالف الاسلام، وقد تقدم ان الآية المباركة في نفسها لا شك في عدم عمومها لمحاربة الكفار والمشركين بما هم كفار، فلو فرض صحة الاستدلال بالحديث المذكور كان الحاقا تعبديا لابد من الاقتصار فيه على مورده وهو محاربة الكفار والمشركين قبل ان تضع الحرب اوزارها، فلا يمكن التعدي منهم الى محاربة الباغي والذي يكون مسلما وحكمه اخف من حكم المشرك.
وثانيا: ان ظاهر الرواية مما لا يمكن الالتزام به فقهيا ولم يعمل به احد من الفقهاء; لانها تفسير الآية بارجاع العقوبات الاربع فيها الى عقوبة واحدة هي الكفر وهو بمعنى الاهلاك او الكل وهو بمعنى السيف وهذا يعني ان الجزاء واحد وهو القتل وانما التخيير للامام في كيفيته ليس الا، وهذا مضافا الى انه خلاف ظاهر الآية مما لم يفت به احد من الفقهاء في حد المحارب الذي هو القدر المتيقن من الآية، فلا بد من طرحها او تاويلها وحملها على بعض المحامل، وبذلك يسقط الاستدلال بها في المقام.
وهكذا يتضح ان عنوان المحارب في الآية المباركة مختص بمن يشهر السلاح للافساد في الارض، وهو الاخلال بامن‏الناس واخافتهم والتعدي على اموالهم او اعراضهم او انفسهم، ولا شمول له للباغي او الكافر اذا حارب الدولة الاسلامية وقام بوجهها، ما لم تصدر منه المحاربة بالمعنى المذكور،فيكون مصداقا للآية من تلك الناحية، وهو مما لا كلام فيه.
ويكفي لصحة هذا الاستظهار والركون اليه ما نجده من تطابق فهم الفقهاء من العامة و الخاصة وكذلك المفسرين من الآية وتفسيرهم للمحاربة بذلك وان اختلفوا في خصوصيات مورد النزول كما تقدم مما يكشف عن عدم وجود ظهور في الآية على ارادة مطلق المحارب والا كيف يخفى على كل هؤلاء، وهم جميعا من اهل اللغة والادب والمحاورة.
والظهورات ليست مسائل عقلية دقية لكي يمكن خفاؤها على السابقين جميعا، كما ان الانواع الاخرى للمحاربة وشمول المعنى اللغوي لمادة الحرب والمحاربة لهاكانت على مراى ومسمع اولئك الاعلام، وقد تعرضوا لاحكامها ايضا فلم تكن مصاديق جديدة غيرمعروفة وقتئذ ليكون عدم استظهارهم التعميم من جهة احتمال عدم معروفية تلك الاقسام عندهم او عدم تحقق مصاديق لها في زمانهم.
بل المتتبع في الروايات واسئلة الرواة واصحاب الائمة (عليهم السلام) عن حكم المحارب يجد انه لم يقع حتى استشكال وسؤال من قبل الرواة عن احتمال شمول المحارب للكفار او الباغين و الا لكان ينعكس عادة فيما وصلنا من الروايات، فكان اختصاص الآية كان امرا واضحا وبديهيا عندهم وان الامام (ع) عندما كان يذكر الآية او تذكر له فيفصل العقوبات الاربع فيها على مراتب المحاربة بالمعنى المصطلح فقط لم يكن‏يخطر غير ذلك المعنى من الآية على بال الاصحاب، والا لاستفسروا وسالوا عنه، فمجموع هذه الامورتوجب الاطمئنان بصحة هذا الاستظهار.
هذا تمام الكلام في عنوان المحاربة الوارد في الآية المباركة، وهو القيد الاول فيها.
القيد الثاني: الافساد في الارض:
واما القيد الثاني، وهو الافساد في الارض المستفاد من قوله تعالى: (ويسعون في الارض فسادا) فالبحث عنه يقع في ثلاث نقاط:
النقطة الاولى: في المراد بالافساد في الارض.
والفساد ضد الصلاح، وفسر بخروج الشي‏ء عن الاعتدال ايضا، فيكون في كل شي‏ء بحسبه، ولا شك ان‏كل جرم ومعصية يرتكبها الانسان هو فساد في جانب من جوانب الحياة الا ان عنوان الفساد والافساد حينما يضاف الى الارض يتقيد معناه ويختص بما يقع من الفساد في الارض، وهذا التقييد بالوقوع في الارض فيه احتمالات:
الاول: ان يكون لمجرد الظرفية وان الفساد يقع في الارض، فيشمل كل المفاسد التي تقع في الارض.
الا ان هذا الاحتمال بعيد للغاية، بل غير وارد للزوم اللغوية وان يكون قيد (في الارض) زائدا لوضوح ان كل ما يصدر من الانسان الكائن في الارض من الاعمال الصالحة او الفاسدة تقع في الارض لا محالة، فاي فائدة في ذكر القيد؟! بل يكون ذكره مضرا او غير مناسب; لان المجازاة على الجرم ليس الميزان فيه صدوره من الفاعل في الارض او في ظرف آخر، فلا اثر للظرف في استحقاق العقوبة ليؤخذ قيدا في ‏موضوعه.
الثاني: ان يكون للدلالة على سعة الفساد وكثرته وشيوعه بين الناس في قبال الفساد الفردي الجزئي.
وهذا الاحتمال بهذا المقدار ايضا مما لا يمكن المساعدة عليه; اذ مضافا الى انه لا يبين كيفية الربط والنسبة بين الفساد والارض، ان الافساد في الارض قد يصدق على جريمة جزئية غير شائعة كما اذا شهر احد السلاح في مكان او طريق محدود لا يتطرقه الا شخص او شخصان ولو اتفاقا، فانه ايضا افساد في الارض وداخل في اطلاق الآية مع انها جريمة من واحد، وقد تكون على واحد لا اكثر فلا شيوع في الفساد و لا انتشار. نعم، لو اريد من الشيوع ان يكون الجرم والفساد ظاهرا في الارض او عاما غير موجه الى شخص خاص فهذا المعنى قد يستفاد من هذا التركيب‏لنكتة سياتي الحديث عنها في الاحتمال القادم.
الثالث: ان يكون للدلالة على وقوع الفساد على الارض وقيامه فيها نظير قولك: يعمل في الارض، اي‏يوقع العمل عليها، فيكون الافساد في الارض بمعنى افسادها ولكن لا بلحاظ ذاتها بل بلحاظ ما فيها من‏حالة الصلاح،فلا يراد بالارض التراب والصخور ونحوها، بل يراد بها الارض بما هي محل ومكان لحياة الانسان واستقراره; فيه لان هذه الحيثية هي المطلوبة للانسان من الارض والمكان، فيكون صلاحها بذلك وفسادها بزوال هذه الصلاحية، وانما عبر بالافساد في الارض لا افسادها للدلالة على انه افساد لما فيها من حالة الصلاح واقامة الفساد فيها لا افساد ذاتها.
والحاصل: المستفاد من الظرف في مثل هذا التركيب تقييد الفساد بالارض ونسبته اليها بالنسبة الحلولية، فتكون الارض هي الفاسدة والفساد حالا فيها. وهذا ما يشهد به الوجدان العرفي وتؤكده‏ملاحظة موارد استعمال هذا التركيب في الآيات الكريمة.
فقد ورد في بعضها المقابلة بين الافساد في الارض وبين صلاح الارض، كما في قوله تعالى: (ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها وادعوه خوفا و طمعا)، وقوله تعالى: (ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين).
مما يشعر ان المراد بالافساد في الارض ما يقابل اصلاح الارض اي افسادها، لا مجرد الظرفية، بل الظرفية تستلزم اللغوية والتكرار المخل في مثل قوله تعالى: (و اذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها و يهلك الحرث والنسل واللّه لا يحب الفساد)، وقوله تعالى: (اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، فتكرار القيد لا يناسب الظرفية، بل لابد لا فادة نكتة وخصوصية زائدة وهي‏ايقاع الفساد على الارض واحلاله فيها، بل هذا هو المتبادر من هذا التركيب في كل مورد لوحظ فيه الظرف في الارض قيدا للفساد و وصفا له في المرتبة السابقة على اسناده لفاعله. لاحظ قوله تعالى: (ولا تبغ الفساد في الارض) وقوله تعالى: (ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض) وقوله تعالى: (من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض) وقوله تعالى: (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض) الى غير ذلك من موارد استعمال هذا التركيب في القرآن الكريم مما يستفاد منه ان الفساد الملحوظ فيها فساد خاص مقيد بكونه في الارض، بما هو محل استقراره وسكونته، كما يشعر به قوله تعالى: (و يهلك الحرث والنسل) في آية متقدمة.
دعوى ورد:
وقد يقال: ان هذا يتوقف على ان يكون الظرف لغوا، اي متعلقا بالافساد، وهو خلاف الظاهر او ليس‏معهودا، بل الظرف مستقر ومتعلق بالسعي في مثل قوله تعالى: (ويسعون في الارض فسادا) فيكون ظرفا للفعل والفاعل لا محالة.
ويلاحظ عليه:
اولا: لا شاهد على اصل هذه الدعوى، فان كون الظرف لغوا ومتعلقا بالافساد مما يساعد عليه الذوق والقواعد العربية نظير قولنا: يعمل في الارض.
وثانيا: يمكن ان يكون الظرف مستقرا او متعلقا بالسعي، ومع ذلك نستفيد نفس المعنى وهو وقوع الفساد على الارض; لان السعي بالفساد عبارة اخرى عن نفس عمل الفساد، فتقييده بكونه في الارض يساوق كون الفساد فيها، كما انه اذا كان متعلقا بالمقدر وظرفا مستقرا فالمستفاد منه انه ظرف ملحوظ للفساد لا للمفسد، فيكون قيدا له وانه فساد في الارض لا في شي‏ اخر ويصدر من الفاعل.
وتمام النكتة ان استفادة هذا المعنى غير مربوط بالنكتة الادبية في تشخيص متعلق الظرف، بل مربوط بنكتة معنوية دلالية هي رجوع الظرف بحسب النتيجة النهائية قيدا و وصفا وتخصيصا للفساد بان يلحظ الفساد المقيد بكونه في الارض منسوبا الى الفاعل، او انه قيد وظرف لنفس النسبة وصدور الفعل، فعلى الاول يستفاد كون الفساد حالا في الارض و واقعا عليه حتى اذا كان الظرف متعلقا بالمقدر او بالسعي و على الثاني لا يستفاد اكثر من صدور الفعل والنسبة في الارض حتى اذا كان الظرف لغوا.
قيود تحقق الافساد في الارض :
ثم ان هذا المعنى اعني فساد الارض وزوال صلاحها المستفاد من هذا التركيب هل يختص بما اذا كان‏الفساد من نوع الظلم والتعدي على اموال الآخرين وحقوقهم بالسلب والنهب والقتل و نحوها او يعم مطلق ارتكاب المفاسد والمعاصي الشرعية؟ هذا من ناحية ومن ناحية اخرى هل يشترط في صدق الافساد في الارض ظهور الفساد او شيوعه وانتشاره بين الناس ام لا يشترط شي‏ء من ذلك؟
(1)- اختصاص الافساد بالظلم والتعدي:
اقول: لا يبعد بالنسبة الى الامر الاول دعوى الاختصاص، فلا يصدق الفساد في الارض في غير مواردالظلم والتعدي على الاموال والنفوس والاعراض وان كانت معاصي كبيرة كالفواحش، بل من اكبرها كالشرك باللّه سبحانه فانه وان كان فسادا كبيرا، وقد يشكل خطرا على مستقبل ذلك المجتمع الا انه مع ذلك لا يسمى ذلك بالفساد في الارض، والوجه في ذلك ما اشرنا اليه من ان صدق‏هذا المعنى بحاجة الى اخذ عناية وخصوصية في الارض بملاحظتها تتصف بالصلاح والفساد، والا فالارض بذاتها لا معنى لاتصافها بالصلاح والفساد، وتلك الخصوصية لابد وان تكون من اوصاف‏الارض وشؤون مطلوبيتها للانسان وهي حيثية مكانيتها لاستقرار الانسان وحياته وامنه.
فاذا كان الفساد والجرم بنحو يوجب سلب هذه الصفة عن الارض والاخلال بها صح اعتباره وصفا للارض فيكون فسادا لها، واما اذا لم يكن كذلك بل كان من شؤون سلامة وصحة حياة الانسان من غير ناحية محل السكنى والاستقرار والامن فزواله وان كان فسادا الا انه ليس افسادا للارض بل للمجتمع والانسان، اللهم الا باخذ عناية اوسع مما ذكرناه و اعتبار الارض كناية عن مطلق جوانب حياة الانسان، وهي عناية فائقة بحاجة الى ما يدل على لحاظها فمن دونه لا تكون الحيثية، والعناية الملحوظة في الارض اكثر من‏حيثية مكان الاستقرار والامن، ولا اقل من الاجمال المانع عن التمسك بالاطلاق; لانه من الشك في سعة المفهوم الملحوظ وضيقه لا في تقييد مفهوم واسع، كما هو مقرر في محله. وان شئت قلت: ان صدق الافساد في الارض يتوقف على تحقق امرين:
1- ان يكون الجرم اخلالا بالصفة القائمة بالارض، بما هي محل لاستقرار الانسان وسكناه وامنه، لابصفة قائمة بالانسان او المجتمع، كما اذا نشر العقائد الباطلة او اجبر الناس عليها فاصبحوا مشركين باللّه والعياذ باللّه فانه بمجرده ليس افسادا في الارض وان كان افسادا للانسان والمجتمعات.
2- ان يكون الاخلال بصفة الاستقرار والامن في الارض ناشئا من التعدي والظلم والتجاوز على الآخرين لا ان تختل حياتهم واستقرارهم في الارض بفعل صادر باختيارهم ورغبتهم كما اذا ارتكبوا افعالا قد توجب تدريجا ضعفهم وهلاكهم فان هذا ايضا ليس افسادا في الارض وان كانت نتيجته واحدة.
فكان الفساد اخذ فيه التجاوز والظلم، وقد فسره صاحب القاموس باخذ مال الغيرظلما، فهو منصرف الى ما يكون فسادا بالذات اي مستنكرا وقبيحا بالذات وهو الظلم والتجاوز على‏الآخرين، لا مطلق المعصية او الفساد ولو بمنظار خاص.
ومما يقرب دعوى الاختصاص ما نشاهده في الآيات الكريمة من استعمال هذا التركيب في مواردالعدوان على الاموال و النفوس ونحوه دون ارتكاب سائر المعاصي والكبائر حتى الكفر والشرك باللّه،فراجع وتامل.
(2)- عدم الاختصاص بموارد شيوع التعدي:
واما الاختصاص بما اذا كان التعدي وسلب المال او النفس ظاهرا مشهورا او شائعا منتشرا بين الناس فهو ممنوع، بل العدوان على واحد ايضا يكون فسادا في الارض لو كان بحيث يخل بالامن في ذلك المكان.
(3)- عدم كون التعدي لعداوة شخصية:
نعم، قد يعتبر في صدق العنوان ان يكون التعدي غير موجه الى شخص معين لعداوة معه مثلا بل الى كل من يسكن تلك الارض وان اتفق انه واحد لا اكثر، فالشيوع او الظهور اذا اريد به العمومية بهذاالمعنى فهو معتبر في صدق الافساد في الارض، لانه في غير هذه الحالة لا يناسب اضافة الفساد الى الارض، فلا بد من عمومية الفساد بهذا المعنى.
هذا تمام الكلام في النقطة الاولى التي عقدناها لتحديد معنى الافساد في الارض.
النقطة الثانية : في المستفاد من الجمع بين العنوانين في الآية المباركة.
فهل هناك موضوعان مستقلان لهذا الحد احدهما عنوان المحارب والآخر عنوان المفسد؟ او ان هناك موضوعا واحدا؟ وهذا الموضوع الواحد هل هو عنوان المحارب كما جاء في كتب الفقه وتعبيرات الفقهاء او هو عنوان المفسد في الارض وعنوان‏المحارب تطبيق من تطبيقاته او هو مجمع العنوانين والقيدين بحيث‏ يكون الافساد في الارض بنحوالمحاربة؟ وجوه واحتمالات تنشا عن الاختلاف في كيفية فهم العلاقة بين العنوانين الواردين في موضوع الآية المباركة. وعلى هذا الاساس نقول:
الاحتمال الاول :
اما افتراض ان يكون هناك موضوعان مستقلان للحد احدهما عنوان المحاربة والآخر عنوان المفسد في‏الارض، فغير متجه; لوضوح ظهور الآية المباركة في بيان العقوبة والمجازاة لنوع جريمة واحدة ولسنخ مجرمين من نوع واحد وهم الذين يكونون مجمعا للعنوانين اي الذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الارض فسادا.
 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID