عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
ال
الخميس, صفر 30, 1432 المسائل المستحدثة في الفقه الاسلامي - القسم الاول آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي


ان النمط المعهود والمتعارف في بحث المسائل
المستحدثة انما يكون بالرجوع الى ادلة كل مسالة على حدة
كغيرها من المباحث الفقهية .. الا ان الجديد في هذا المقال
هو الاطروحة المحكمة التي قدمها الباحث دام ظله في
لمه لشعث هذه الفروع وصبها في قوالب عامة وارجاعها الى
الاصول والمباني الكلية .. ليتم على ضوئها معالجة الكثير من
تلك المسائل .. وانها بحق لخطوة صاعدة في حركة النهوض
الفقهي .. ومبادرة تاسيسية موفقة في سبيل تفعيل
الاستنباط .. وسنوافيك بالقسم الاول في هذا العدد آملين
ان نوفق لنشر ما تبقى من المباحث في الاعداد القادمة .. ان
شاء الله تعالى..
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين
تمهيد
قبل الورود في بحث المسائل المستحدثة بصورة مفصلة نذكر
مقدمتين نافعتين: اولاهما في تعريف المسائل المستحدثة،
وبيان الحاجة اليها، وعرض نماذج لها في انواع مختلفة.
والثانية في بيان المباني العامة للمسائل المستحدثة.
المقدمة الاولى
وهي تشتمل كما ذكرنا على ثلاثة ابحاث:
1- تعريف المسائل المستحدثة:
المسائل المستحدثة: هي كل موضوع جديد يطلب له حكم
شرعي سواء لم يكن في السابق او كان سابقالكن تغيرت
بعض قيوده.
فالاول من قبيل النقود الاعتبارية التي لم تكن قبل، والثاني
من قبيل اعتبار المالية لبعض الاعيان النجسة والتي لم تكن
لها مالية في الماضي.
2- الحاجة الى هذه المسائل:
وتوضيح ذلك يكون ببيان امرين:
الامر الاول ان من خصائص عالم المادة التغير الدائم
والتحول المستمر، بل التغير باعتقاد كثير من الفلاسفة
والحكماء من اللوازم الذاتية للمادة لا ينفك عنها بحال من
الاحوال، وبما ان الانسان يعيش في هذا العالم المادي،
فمن الطبيعي ان يطال هذا التغير كل مظاهر الحياة
الانسانية على صعيد شكل ونمط ووسائل المعيشة،
وكذلك على صعيد العلاقات الجديدة سواء كانت في
حدود الافراد او في ما بين المجتمعات والدول. وهذا ما
جعل الفقه يواجه ظاهرتين جديدتين:
الاولى: بروز موضوعات جديدة للاحكام الشرعية لم تكن من
قبل، كما هو الحال بالنسبة الى الاوراق النقدية، فانه امر
حادث نسبيا ، حيث كان المتعارف في سابق الايام هو
التعامل بالدينار والدرهم اي الذهب والفضة المسكوكين
ولكن تطور الحياة واتساع حاجات البشر اوجب اعتبار الاوراق
النقدية مالا.
الثانية: ثمة موضوعات كانت موجودة في الماضي الا انه طرا
عليها من الاحوال والشرائط ما غير من قيودها، كما نرى ذلك
في الاعيان النجسة التي لم تكن لها قيمة ومالية في السابق،
غير ان التطور الذي حصل في العلوم الطبية واكتشاف
منافع كبيرة في بعض الاعيان النجسة كالدم واجزاء الميتة
اوجب ان يكون لها مالية في نظر العقلاء، فانه يبذل اليوم
بازائها المال الكثير.
وعليه، فان الفقيه لابد له من تبيين الحكم الشرعي في كلتا
الحالتين، ولا يقتصر في البحث والفتيا على خصوص ما
تعورف من المسائل المسطورة في كتب فقهائنا القدماء
قدس الله اسرارهم.
الامر الثاني تمتاز شريعتنا الاسلامية حسب ما نعتقد
بعدة امتيازات، منها العالمية والاستمرار والشمولية لكل
جوانب الحياة، فهي لم تتاطر بزمان ولامكان معينين، ولا
تختص بطبقة من الناس ولا بخصوص قوم او جنس ما، فان
رسول الله(ص) قد بعث الى الناس كافة وفي شتى اقطار
الارض، عربيهم واعجميهم، ابيضهم واسودهم، شرقيهم
وغربيهم، في اية بقعة وجدوا، وفي اي زمان عاشوا،
فدعوته(ص) عامة للناس، وفي الوقت ذاته انها تستوعب
مختلف جوانب الحياة الانسانية، وتقدم الحلول لجميع
مشكلاتها.
وقد دل على ذلك مضافا الى الدليل العقلي، ومضافا الى
طبيعة الشريعة وقوانينها النصوص الكثيرة، سيما ما ورد
في كتاب الله العزيز من الآيات الصريحة بذلك، والتي يمكن
تصنيفها الى ثلاث طوائف:
الطائفة الاولى : ما صرح فيها بالعموم من حيث المكان، بل
الزمان ايضا، منها:
1- قوله تعالى‏اشارة الى القرآن المجيد : (ان هو الا ذكرى
للعالمين).
2- قوله تعالى: (يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا).
3- قوله تعالى: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين).
4- قوله تعالى: (كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من
الظلمات الى النور).
5- قوله تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون
للعالمين نذيرا).
6- قوله تعالى: (وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا).
7- بل جميع الآيات التي وقع الخطاب فيها بلفظ «يا ايها
الناس‏»، وهي اكثر من عشر آيات.
فان هذه الآيات شاملة لجميع آحاد الناس الى يوم القيامة
في مختلف انحاء المعمورة من غير فرق بينهم من حيث
اللون والجنس وغير ذلك.
بل قد يقال: انها شاملة لمن يسكن سائر الكواكب من اهل
السماوات لو كان لها سكان كالبشر، كما عساه يظهر من
بعض الآيات والروايات التي ليس هنا موضع بحثها.
الطائفة الثانية ما دل على خاتمية الرسالة الاسلامية
وانه(ص) خاتم الانبياء، وهذه الطائفة اوضح مما تقدم في
عمومها بالنسبة الى عمود الزمان، من قبيل قوله تعالى: (ما
كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول‏الله وخاتم النبيين).

الطائفة الثالثة ما دل على كمال الدين وتمامية الشريعة
واستيعابها لجميع الاحكام التي ينبغي ان تشرع، نحو قوله
تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الاسلام دينا).
وحاصل ضرب هذه الآيات بعضها في بعض هو ان
الشريعة قادرة على تلبية احتياجات البشر التشريعية
وتغطية كل ساحة الحياة في اي مقطع زمني وفي اية بقعة
من اقطار الارض سواء في المسائل العبادية والروحية او
المسائل التربوية والاخلاقية او المسائل الاقتصادية او
الحقوقية، وسواء تعلقت بالفرد او المجتمع او الدولة.
والا فان عدم تقديم الاجابة الكاملة ولو لواحدة من مسائل
الحياة المعاصرة ومشكلاتها يعد اعترافاضمنيا بعدم
تمامية هذا الدين لا سمح الله.
ان قلت: ان عدم قدرتنا على تشخيص بعض الاحكام
الشرعية سيما في الموضوعات المستحدثة لا يستلزم نسبة
النقص الى الشريعة، فان عدم العثور على احكام هذه
الموضوعات من جملة العطايا الالهية التي حرمنا منها على
اثر غيبة الامام المعصوم (عج) والتي حصلت بسبب تقصير
البشر انفسهم، اذن فلا عيب حينئذ في ذات الشريعة ولا
نقص، بل النقص نشا من قبل الانسان; لانه هو الذي اوجد
المانع الذي حال دون وصوله الى الحكم الشرعي.
قلت: هذا البيان انما يتم بالنسبة الى الاحكام الواقعية
والالطاف الالهية الخفية والهدايات الربانية الخاصة.
اما بالنسبة الى الاحكام الشرعية الظاهرية فلا; فاننا قد نعجز
عن الوصول الى الحكم الواقعي الا انه لا مانع من الوصول الى
الحكم الظاهري، فلا احد يقول بخلو واقعة منها، ولا نكاد
نجد فقيها من الفقهاء في اي عصر من الاعصار يقول بعدم
وجود حكم ظاهري على الاقل لواقعة ما وان الناس
بالنسبة الى ذلك مطلقو العنان ومخيرون لا حكم لهم
فليفعلوا ما شاءوا من دون مراجعة فقيه; اذ لا احد يتفوه
بذلك قطعا، ولا نرى اثرا من هذا في شي‏ء من كلمات وكتب
الفقهاء من الاولين والآخرين، بل ان الامر على العكس تماما،
فانهم يتصدون دائما للافتاء عن كل ما يرد عليهم من
الاستفسارات. هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى، قد امرنا في عصر الغيبة بالرجوع الى
الفقهاء ورواة الحديث، كما في التوقيع الشريف:
«واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم
حجتي عليكم وانا حجة الله‏»، فانه يدل بالمطابقة على لزوم
الرجوع الى الفقهاء في كل امر حادث، وعلى الفقهاء ان يبينوا
الحكم، وهذا معناه ان لابد من وجود حكم لكي يرجع فيه
الى الفقهاء، والا كان هذا الامر لغوا.
اذا عرفت ذلك، فاننا نعلم بوجود مسائل مستحدثة كثيرة
وفي مختلف ابواب الفقه في عصرنا الراهن، وليس شي‏ء منها
منصوصا بخصوصه في كتب الفقه; لانها لم تكن محلا للابتلاء
آنذاك، ولم يرد فيها نص خاص في الكتاب العزيز، ولا في
الروايات الواردة عنهم‏عليهم السلام، فلابد من بحثها والوقوف
فيها على الاجابة الصحيحة والوافية.
3- نماذج من المسائل المستحدثة:
ان المسائل المستحدثة كثيرة ومتنوعة، واليك اهم النماذج
التي اخترناها ومن انواع مختلفة، ويمكن تقسيمها الى الاقسام
التالية:
القسم الاول ما يتعلق بالطب:
1- التشريح: فهل يجوز لطلاب الطب تشريح جسد المسلم اذا
لم يوجد جسد غير مسلم؟ بل هل يجوز تشريح غير المسلم؟
فانه قد ورد ان «المثلة حرام ولو بالكلب العقور»، مع انه لو لم
يتسن لهم التشريح لم يقدروا على اجراء انواع العمليات
الطبية والجراحية بل ولا معالجة كثير من المرضى، فان
ذلك مشكل جدابدون ممارسة التشريح.
2- الترقيع: هل يجوز ترقيع الاعضاء من بدن الحي او الميت
للحي نحو القلب والكلى والعين؟ مع ان العضو المبان من
الحي كالعضو المبان من الميت نجس، ولا تجوز الصلاة
معه، ولا يصح بيعه، بل ولا يجوز اخذه من الميت!
3- التلقيح الصناعي: هل يجوز تكليفا التلقيح الصناعي باخذ
النطفة من الزوج وجعلها في رحم زوجته او رحم الاجنبية،
او جعل النطفة الماخوذة من ماء الرجل والمراة في وعاء
ثم زرعها في رحم الزوجة او رحم الاجنبية، الى غير ذلك من
اقسامه؟ ثم ما هو حكم المتولد منه على تقدير تحققه من
حيث الحاقه بصاحب النطفة او صاحب الوعاء في الارث؟ وما
هو حكم المحارم؟ وغير ذلك.
4- تزريق الدم: هل يجوز تزريق دم المسلم للكافر
وبالعكس، او دم المراة للرجل وبالعكس؟
وهل يجوز بيع الدم لذلك؟ ولا يخفى ضرورته في يومنا هذا;
اذ لولاه لتعذر انقاذ حياة العديد من المصدومين والمرضى.
5- تحديد النسل: هل يجوز المنع عن تكثير النسل؟! مع ما
هو المعروف من قوله(ص): «تزوجوا فاني مكاثر بكم الامم...
الخ‏»، وقوله تعالى في مقام المنة على العباد :
(وامددناكم باموال وبنين).
وهل يباهي(ص) بالنسل الكثير الفقير الضعيف؟ او ان
الكثرة هنا فيها نظر للكيفية لا الكمية حسب؟!
ثم على فرض الجواز، هل يجوز التعقيم المؤقت او الدائم،
ووضع وسائل خاصة في الفرج، مع انه قد يؤدي ذلك الى
وقوع النظر واللمس من الاجنبي، ولو المراة بالنسبة الى المراة،
لا سيما مع ما قد يقال من ان ذلك قد يكون من قبيل تضييع
النطفة; لان النطفة تنعقد هناك ثم تموت لعدم امكان
وصولها الى محلها؟ وهل يجوز تعقيم الرجل او المراة مع ما
فيه من نقصان العضو؟
6- هل يجوز اخذ القلب من انسان مشرف على الموت وزرعه
في بدن انسان آخر لانجائه من الهلاك الحتمي، مع ان الاخذ
سبب لتسريع موته؟ وهل يكفي رضا صاحبه او اوليائه؟
7- هل يجوز اسقاط الجنين اذا كان بقاؤه يشكل خطرا على
نفس الام او على سلامتها؟
ولو فرض جوازه ففي اي وقت‏يجوز؟ فهل يجوز ذلك اذا كان
بصورة العلقة او المضغة او الانسان الكامل الذي فيه الحياة؟
8- هل يجوز اسقاط الجنين اذا علمنا بالطرق العلمية
الحديثة بانه سيولد ناقص الخلقة ويبقى موجودامزاحما
للآخرين الى آخر عمره؟
9- هل يجوز تجميد الانسان المصاب بامراض غير قابلة
للعلاج رجاء كشف طرق لمعالجته في المستقبل، كما هو
المعروف في بعض البلاد؟
وما هو حكم امواله وزوجته وهو في هذه الحالة، فانه ليس له
حياة ظاهرية وما هو بميت واقعا؟
10- قد يقال ان الزواج بين القرابة القريبة يكون منشا
لبعض الاخطار بالنسبة الى الولد باعتقاد الاطباء، فهل يكره
مثل هذا الزواج حينئذ او يحكم بحرمته، مع ان‏المعروف
خلافه؟
القسم الثاني ما يتعلق بالعبادات:
11- كيف نصلي ونصوم في المناطق القطبية التي يكون فيها
كل من الليل والنهار ستة اشهر، او يكون هناك ايام طويلة
بمقدار الشهر او الاسبوع او اقل من ذلك؟
(وعد ذلك من المسائل المستحدثة انما هو من جهة عدم
امكان الوصول الى تلك الامكنة والسكن فيها سابقا).
12- في الاسفار الفضائية كيف يصلي المسلم، حيث لا يمكن
تشخيص اوقات الصلاة، فلا صباح ولا مساء ولا ظهر ولا ليل
ولا نهار؟ ثم كيف يواجه القبلة في الصلاة؟ وهكذا بالنسبة الى
سائر الاحكام.
13- اذا سافر الانسان بالطائرات السريعة باتجاه حركة
الارض فصلى الظهر مثلا ثم وصل الى محل آخر لم يتحقق
فيه وقت الظهر بعد، فهل تجب عليه صلاة اخرى؟
وكذلك اذا صام شهر رمضان ثلاثين يوما في محل مثل
مكة ثم سافر الى محل آخر وكان يوم من الشهر باقيا، فهل
يجب عليه صوم يوم آخر، فيكون الصوم الواجب عليه حينئذ
واحدا وثلاثين يوما؟
وهكذا لو نذر انسان صيام يوم الغدير مثلا فصامه ثم جاء الى
محل آخر يتاخر الشهر عنه بيوم فصادف الغدير، فهل يجب
عليه صومه مرة اخرى؟
14- هل يجوز للصائم استعمال المواد الغذائية او الادوية
المقوية بواسطة تزريقها بالبدن؟
15- هل يجوز السعي في الطبقة العالية من المسعى؟ او
الرمي من الطبقة العليا من محل الجمرات المستحدثة في
ايامنا هذه؟
وكذلك الطواف في الطبقات العالية من المسجد الحرام اذا
قلنا بعدم وجوب كون الطواف في سبع وعشرين ذراعا، كما
هو الاقوى؟
16- هل يجوز للمراة المسلمة التداوي بالاقراص ونحوها
لتاخير العادة حتى تصوم الشهر كملا، وتاتي بالطواف
والصلاة في الوقت؟
17- هل يكفي في جريان حكم المسافر السير العمودي
والابتعاد في الفضاء بمقدار المسافة الشرعية او لابد ان يكون
السفر على الارض والسير الافقي؟
18- هل تكفي رؤية الهلال بالوسائل الحديثة كالتلسكوب
في ثبوت الشهر؟
القسم الثالث ما يتعلق بالمعاملات والمسائل الاقتصادية:
19- ما هو حكم الاوراق النقدية الاعتبارية؟ ومن اين نشات
ماليتها؟ وهل تترتب عليها احكام النقدين من قبيل الزكاة
والربا والمضاربة بها؟
20- ما هو حكم المعاملات المصرفية مع ما فيها من الربا؟
وما هو حال المصرف الاسلامي اللاربوي؟ وهل يمكن اجراء
حكم الجوائز على الربح الذي يتعلق بالودائع المصرفية؟
21- ما حال الصك والكمپيالة من جهة بيعها وشرائها وسائر
احكامها؟
22- هل يجوز التامين باقسامه (تامين على الحياة
والسيارات والبيوت وسائر الاموال)؟ وما شرائطه على فرض
الصحة؟ وهل هو داخل في المعاملات؟
23- ما حكم انواع الشركات التي لم تعهد في السابق؟
24- ما حكم السرقفلية؟ وهل هي جائزة ام لا؟ وفي اي مورد
تجوز واي مورد لا تجوز؟ فقد يدفع المشتري قبال السرقفلية
عوضا للمالك، وقد لا يكون كذلك.
25- ما حكم الاستخدام من ناحية الدولة مع ما في ذلك من
الجهالة من جهات عديدة، والجهل مبطل للاجارة; فقد يكون
الجهل من ناحية مدة الاستخدام لاختلاف الافراد من حيث
مدة التقاعد، وقد يكون الجهل من ناحية المبلغ ومقدار
الاجرة; لانها تتغير حسب اختلاف الازمنة؟ بل وكذا
الاستخدام في بعض المؤسسات الخصوصية؟
26- ما معنى حق التقاعد، فهل هو معاملة او شرط في
ضمن العقد؟ مع ما فيه من الجهل من جهات شتى; لان
المقدار الذي يؤخذ من الحقوق قد يكون اقل مما يعطى
حال التقاعد وقد يكون اكثر وقلما يتحدان، فما حكم هذا
التفاوت؟
27- هل يجوز بيع اوراق اليانصيب مع عدم اندراجها في
شي‏ء من العقود، بل قد يكون من قبيل الازلام المنهي عنها
في كتاب الله، فهل هناك طريق لتوجيهه فقهيا؟
28- كيف تصح المضاربة في زماننا مع ان المعروف
اشتراطها بالنقدين المسكوكين؟
فهل يغلق باب المضاربة الى الابد، او تتصور فيها اقسام اخر؟
وهل تصح‏المضاربة في غير التجارات كما هو المعروف؟
29- ما حال غنائم الحرب في هذه الايام مع ان الجيش
موظف من قبل الدولة لمثل ذلك، وهي التي تتحمل جميع
المصارف، بخلاف الحروب السابقة التي كانت المصارف فيها
غالبا على الاشخاص؟
هذا مع العلم ان كثيرا من الغنائم كالدبابات والاسلحة
الثقيلة وشبهها مما لا ينتفع به الاشخاص عادة، فهل يجب
بيعها واعطاء ثمنها للمجاهدين او ان الادلة منصرفة عن
مثلها؟
30- هل يجوز اجراء العقود بالهاتف او المذياع او التلفزيون؟
وما حال خيار المجلس فيها حينئذ؟ وكذا الاقرار، بل الطلاق
اذا حضر شاهدان عدلان؟
31- هل ان حق التاليف او حق الاختراع او الاكتشاف مقبول
شرعا؟ وبعبارة اخرى هل تتصور الملكية للامور المعنوية
او لابد في الملك من عين خارجية؟
32- هل ان الشخصية الحقوقية تملك كما تملك الشخصية
الحقيقية او لا؟
33- هل تصح الاجارة بشرط الرهن كما هو المتعارف في
زماننا، حيث‏يشترط على المستاجر دفع مبلغ الى المؤجر
ويسترجعه عند انقضاء مدة الاجارة، وتكون الاجرة اقل مما
ينبغي لمكان ذلك المبلغ المدفوع؟
القسم الرابع في مسائل مختلفة:
34- قد تكون الخسارة الناشئة عن الجناية اكثر من الدية،
بمعنى انه قد يحتاج لعلاج الجرح او الكسر الى مصارف
اكثر من الدية، فهل هناك ضمان لذلك او لا؟ فمثلا دية اليد
لا تزيد عن خمسمئة دينار في حين قد تكون مصارف علاجها
الف دينار.
35- هل يجوز الذبح بالمكائن الحديثة؟ وكيف يكون حال
الاستقبال والتسمية حينئذ؟
فهل يلزم المباشرة في الذبح او يكفي التسبيب؟
وهل تكفي في التسمية المقارنة العرفية؟
36- الجراحات والصدمات الناشئة من حوادث الدهس
بالسيارات هل هي من سنخ العمد او شبه العمد او الخطا
المحض، او يفصل بين من راعى ضوابط المرور وبين من لم
يراع ذلك؟
37- هل يجوز احداث الشوارع عند حاجة الناس اليها؟ وما
هو حكم هدم البيوت والمساجد والمقابر وشبهها من حيث
الضمان؟
وهل تجري احكام المسجد لو فرض وقوعه في الشارع;
كعدم جواز مكث المجنب فيه وعدم جواز تنجيسه؟
38- هل يجوز تغيير الجنسية بان يبدل جنس الرجل الى
انثى وبالعكس، فان بعض الافراد تظهر عليهم علامات
الذكورة او الانوثة الا ان لديهم الاستعداد للاتصاف
بعلامات الجنس الآخر، فيبدل جنسه بعملية جراحية؟
ثم على فرض جوازه او عدم جوازه، لو فرض وقوعه وتبدل
احدهما الى الآخر فما حكم الزوجية وما يلحقها من احكام
كالمهر والنفقات السابقة والارث اذا وقع التبدل قبل القسمة؟
39- ما هي احكام المذياع والتلفزيون؟ وهل يحرم سماع
الاغاني المحرمة منهما؟ وكذا النظر الى الاجنبية؟ وهل يجب
السجود اذا استمع الى آية السجدة منهما؟ الى غير ذلك من
الاحكام.
40- هل يمكن ترتيب آثار الاقرار والاوقاف والوصايا وغيرها
بمجرد سماعها من الاشرطة المسجل عليها ذلك؟ وكذا لو
كانت الصورة محفوظة على الافلام سواء اخذت مع علم
صاحبها بها او على غفلة منه، فهل يحكم طبقا لذلك او لا، او
يفصل؟
هذه اربعون مسالة من المسائل المهمة المبتلى بها اليوم
والتي قلما تعرض لها فقهاؤنا الاعلام من القدماء
والمتاخرين; لعدم ابتلائهم بها، وقد تصدى جمع من اكابر
المعاصرين للجواب على بعضها في كتبهم الفتوائية من
دون ذكر دليل عليها; لاقتضاء المقام ذلك، وبقي كثير منها
بلا جواب. هذا ومن المعلوم عدم حصر المسائل المستحدثة
في الاربعين وان كانت هذه اهمها.
المقدمة الثانية
«في بيان المباني العامة للمسائل المستحدثة:
من الواضح ان هذه المسائل المستحدثة واشباهها مما لم يرد
فيها نص خاص، لذا فمن اللازم بيان الادلة التي تعتمد في
بحثها.
وينبغي لنا اولا ذكر القواعد الكلية التي يمكن ارجاع المسائل
المستحدثة اليها من باب رد الفروع الى الاصول الذي هو
وظيفة المجتهد، ثم بعد ذلك نتعرض لكل واحدة منها
مفصلا وبيان احكامها وما ينطبق عليها من القواعد والاصول.
فنقول ومن الله نستمد التوفيق والهداية : لابد هنا من
رسم امور خمسة:
الامر الاول : انه ينبغي ان يعلم ان طريقة البحث في هذه
المسائل المستحدثة واشباهها عند الشيعة تختلف عما هو
عليه عند اخواننا اهل السنة; وذلك لاختلاف المباني الاصولية
لكل من الفريقين، حيث ان اصحابنا يتمسكون بالنصوص
الخاصة والعامة وايضا بالقواعد الكلية الماخوذة من الادلة
المعتبرة الكتاب والسنة والاجماع القطعي ولا ركون لهم
في شي‏ء من ذلك الى الظنون. فان الاجتهاد عندنا انما هو
استنباط الاحكام الشرعية الفرعية عن ادلتها، وان لكل واقعة
حكما شرعيا مجعولا يكون المجتهد دائما بصدد الوصول اليه،
سواء وصل اليه ام لا.
وان شئت قلت:قد ثبت بالادلة ان لكل واقعة حكما في
الشريعة الاسلامية علمنا به او لم نعلم، وهذه الاحكام
الواقعية كانت مودعة عند رسول الله(ص) وبعده عند
اوصيائه المعصومين‏عليهم السلام، فالحوادث الواقعة لا
تخلو من الاحكام الواقعية، الا اننا اذا لم نظفر بحكم واقعي
نظفر بحكم ظاهري قطعا; لما قد ثبت عندنا من ان الفقيه
اما يعلم الحكم الواقعي او يظن به ظنا معتبرا دلت الادلة
القطعية على اعتباره اي الامارات او يشك، وعند الشك
يرجع الى احد الاصول العملية المعتبرة اي البراءة
والاستصحاب والتخيير والاحتياط وهذه الاصول حاصرة
لموارد الشك طرا لا يشذمنها شاذ ، فاذن لا فراغ قانوني في
الشريعة لا واقعا ولا ظاهرا، ووظيفة المجتهد هي عملية
اكتشاف وتشخيص الحكم الموجود في الشريعة. هذا هو
الاجتهاد لدى الشيعة الامامية.
اما الاجتهاد لدى اهل السنة فانه مباين لما عندنا; وذلك
لاعتمادهم في الافتاء في مثل هذه المسائل على القياس
الظني والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع بما لها
من معان عندهم، ولا ينحصر الاجتهاد حسب مبانيهم
في حدود النصوص، ويمكن القول ان الاجتهاد عندهم في
الجملة على اقسام ثلاثة:
اولها: وهو المسمى عندهم بالاجتهاد البياني الذي هو نحو ما
ذكرنا آنفا من استنباط الحكم الشرعي من النصوص.
ثانيها: تشريع الحكم وجعله في ما لا نص فيه، فان المجتهد
هنا يعمل رايه الخاص وفهمه في تشخيص الحكم الشرعي
اما على اساس القياس الظني او على اساس مبدا الاستحسان
او على اساس مبدا المصالح المرسلة او على اساس مبدا
سدالذرائع، كما هو مشروح عندهم، ويكون هذا الحكم
المجعول من قبل المجتهد بمنزلة حكم الله تعالى، وذلك
بمقتضى قولهم بالتصويب.
وهو كما ترى; فان الظن لا يغني من الحق شيئا، وهم انما
لجاوا الى ذلك لشحة المصادر والنصوص المتوفرة لديهم;
حيث‏حرموا انفسهم من الانتفاع والانتهال مما صدر عن
العترة الطاهرة من روايات واحاديث كثيرة، فوقعوا في ما
وقعوا فيه.
وقد حذر رسول الله(ص) من مغبة ذلك في الحديث
المتواتر بين المسلمين: «اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله
وعترتي‏».
ثالثها: الاجتهاد في مقابل النص، وبعض امثلته معروفة،
نحو ما حكي عن عمر من قوله: «متعتان كانتا محللتين في
زمن النبي(ص) وانا احرمهما واعاقب عليهما».
وهذا القسم كسابقه غير مقبول عندنا; اذ ليس من حق
المجتهد ان يشرع، بل عليه ان يبذل ما في وسعه للوصول
الى الاحكام الواقعية المجعولة من خلال النصوص الخاصة
والعامة والقواعد الكلية التي هي طرق اليها.
وقد ذكرنا ذلك مفصلا في محله من ابحاث الاجتهاد والتقليد.
الامر الثاني : هل للزمان والمكان تاثير في الاجتهاد؟
ان المعروف في السنة جمع من اكابر المعاصرين ان
للزمان والمكان تاثيرا ودخلا في الاجتهاد، فما هو المراد من
ذلك؟ وكيف تتغير الاحكام باختلاف الامكنة والازمنة مع انها
عامة لكل زمان ومكان؟!
لا يخفى ان جذور هذا البحث موجودة في كلمات القدماء
والمتاخرين ايضا، ومهما يكن من امر فان لهذا الكلام ثلاث
معان، بعضها باطل وبعضها صحيح:
اولها وهو معنى ساذج لا يقول به احد من فقهائنا;
وحاصله ان يقال: انه لابد ان يكون الفقيه تابعاللزمان
والمكان، فاذا شاع المصرف الربوي فاللازم عليه الافتاء بحلية
هذا النوع من الربا، واذا كان الفقيه في مكان شاع فيه السفور
وتبرج النساء فاللازم الافتاء بجواز ذلك، فهو اذن تابع لمقتضى
الزمان والمكان. وهذا خيال فاسد لا يقول به فقيه من فقهاء
الاسلام.
ثانيها ان يقال: ليس المراد منه تغيير الحكم بدون تغيير
الموضوع; فان حلال محمد(ص) حلال الى يوم القيامة
وحرامه حرام الى يوم القيامة، بل انما يقع التغير والتبدل في
الحكم من ناحية تبدل الموضوعات.
توضيح ذلك: ان في كل حكم من الاحكام ثلاثة عناصر :
(نفس الحكم المتعلق الموضوع)، ففي مثل قولنا: «يحرم
شرب الخمر» التحريم هو الحكم والشرب هو المتعلق والخمر
هو موضوع، وكذلك في قولنا «يجب تطهير المسجد» الوجوب
هو الحكم والتطهير هو المتعلق والمسجد هو الموضوع،
ولكن قد لا يكون هناك الا الحكم والمتعلق كالحكم بوجوب
الصلاة والصيام; لعدم تعلقهما بامر خارجي، وهنا قد يسمى
المتعلق موضوعا ، ويقال: الوجوب هو الحكم والصلاة
موضوعه.
ومن الواضح ان كل حكم يدور مدار موضوعه، ونسبته اليه
تشبه نسبة المعلول الى علته او المعروض الى عرضه. وانما
قلت : تشبه، ولم اقل انه هو هو; لعدم جريان هذه العناوين
اعني العلية والعروض في الامور الاعتبارية.
وعلى كل حال، لازم ذلك انه اذا تغير الموضوع تغير الحكم
بتبعه، ومن الواضح انه قد يكون للزمان والمكان دخل في
تبدل الموضوعات الخارجية.
ومثاله المعروف في كتاب البيع: ان مالية المال الذي هو
قوام صحة بيعه وشرائه تتغير بتغير الزمان والمكان، فالماء
على الشاطى‏ء لامالية له احيانا، وفي المفازة له مالية كبيرة
(هذا من ناحية المكان)، والجمد في الشتاء لامالية له، ولكنه
في الصيف له مالية كبيرة عادة (هذا من جهة الزمان)، وهكذا
في غيرهما مما يشبههما من الامثلة.
وليعلم ايضا ان الحكم يؤخذ من الشارع المقدس،
والموضوعات العرفية تؤخذ من اهل العرف. نعم،
الموضوعات المخترعة من قبل الشارع مثل الصلاة والصوم
وسائر العبادات انما تؤخذ من الشارع فقط.
ومن الواضح انه قد تتبدل الموضوعات في نظر العرف من
جهات متعددة، فيكون الحكم تابعا له ودائرامداره; ولذا
يقال : بخار النجس ودخانه ليس نجسا ، والكلب اذا وقع في
المملحة وخرج عن عنوان الكلب وصدق عليه عنوان الملح
كان طاهرا، حتى انه لو شك في بقاء النجاسة لم يجز اجراء
الاستصحاب; للشك في بقاء الموضوع وتغيره حتى على القول
بجريان الاستصحاب في الاحكام الشرعية.
ثم اعلم ان تغير الموضوع على انحاء ثلاثة:
فتارة: تنقلب ماهيته العرفية وتستحيل الى غيرها،
كاستحالة الكلب ملحا والفحم دخانا، فان الملح عنوان مباين
ومغاير لعنوان الكلب في انظار العرف، فتغير الحكم بسببه
واضح.
واخرى: يكون تبدل بعض اوصافه الظاهرية الى موضوع آخر
وان لم يكن مباينا له، كانقلاب الخمر خلا; فان الفرق بينهما
وان لم يكن في نظر العرف كالفرق بين الكلب والملح ولكنه
ايضا موضوع آخر، فتبدل الحكم هنا ايضا واضح; لانتفاء
الموضوع السابق.
وثالثة: يكون بتغير بعض اوصافه المعنوية والاعتبارية
المقومة، كسقوط الماء عن المالية عند الشاطى‏ء، وصيرورة
الدم مالا في اعصارنا، وكذا بالنسبة الى‏اعضاء البدن عند
الانتفاع بها في الترقيع وشبهه.
فتبدل الحكم هنا ايضا ظاهر; لتبدل ما هو مقوم من الصفات،
واذا تبدلت الاوصاف غير المقومة كان مجرى للاستصحاب،
نحو المثال المعروف في زوال التغير عن الماء المتغير بنفسه.

اما اذا بقي الموضوع على حاله من حيث الماهية والاوصاف
المقومة للموضوع فالحكم باق الى الابد; لان تغيره والحال
هذه لا يكون الا بالنسخ، والمفروض انتفاؤه بعد وفاته(ص).
ويمكن حل غير واحدة من المسائل السابقة من هذا الطريق:
منها ان بيع الدم لم يكن جائزا في الازمنة السابقة; لعدم
وجود منفعة محللة فيه، ولانحصار منفعته في الاكل
المحرم، ولكن تبدل الزمان اوجد له منافع محللة كثيرة،
كانقاذ بعض المرضى والمجروحين من الهلاك، فجاز بيعه
لهذه المنفعة المهمة الغالبة حيث لادليل لنا على بطلان بيع
النجس مطلقا.
ومنها بيع اعضاء البدن كالكلية والقلب وقرنية العين; فانها
وان كانت مما لا ينتفع بها في سابق الايام منفعة محللة
مقصودة، الا انه ينتفع بها في عصرنا اعظم المنافع التي قد
توجب نجاة نفس انسان من الهلاك او من العمى.
اللهم الا ان يستشكل في بيعها من جهة انها ميتة وان كان
لها منافع كثيرة، كالاديم الماخوذ من الميتة الذي ينتفع منه
منافع كثيرة ومع ذلك لا يجوز بيعه، كما لعله يظهر من
كثير منهم; ولذا قلنا في محله ان الاحوط جعل العوض
الماخوذ في مقابل الاذن باخذ الكلية منه، لا في مقابل نفس
الكلية.
ومنها مسالة الترقيع بجلد ماخوذ من انسان حي او ميت،
فيقال ان اتصاف الجلد بالنجاسة انما هو اذا قطع عن بدن
انسان ولم يتصل ببدن انسان آخر، اما اذا اتصل به وجرى الدم
والحس فيه اتصف بصفة الحياة وخرج عن عنوان الميتة، بل
وصدق عليه انه من اعضاء هذا الانسان الذي انتقل العضو
اليه، لا من اعضاء الانسان السابق.
كما يقال في مسالة انتقال دم الانسان الى البق: انه اذا انتقل
اليه وصدق دم البق‏عليه اتصف بالطهارة بعد ان كان نجسا.
ومنها مسالة المالية في النقود الورقية; فان المالية امر
اعتباري، وكثيرا ما يكون اعتبارها بيد العرف والعقلاء، فاذا
اعتبرها العرف والعقلاء في اوراق خاصة لعلل سياتي
بيانها ان شاء الله في محلها جاز جعلها ثمنا في البيع
والاجارة وغيرهما من المعاوضات، واذا ابطل اعتبار قسم
منها بطلت ماليتها، فتصبح ورقة عادية فاقدة للقيمة، وربما
تلقى في سلة المهملات.
ومنها ما قد يقال في مسالة كثرة النفوس والنسل ولا
اقول هذا الا احتمالا من ان تاكيد الشارع المقدس على
المباهاة بكثرة المسلمين انما كان في زمن كان هذا سببا
لمزيد القوة والشوكة، فالموضوع في الحقيقة كثرة النفوس
الموجبة لذلك، كما يظهر من آيات كثيرة في الكتاب العزيز
بعضها وقع في كلام الله تعالى او بعض اوليائه وبعضها
حكي عن الكفار:
فمن الاول قوله تعالى في سورة نوح: (ويمددكم باموال
وبنين) فقد كان البنون كالاموال سببا للقوة، وقوله تعالى:
(وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا)، وقوله
تعالى : (كالذين من قبلكم كانوا اشد منكم قوة واكثر اموالا
واولادا).
ومن الثاني قوله تعالى : (وقالوا نحن اكثر اموالا واولادا وما
نحن بمعذبين).
فقد كانت كثرة الاولاد مثل كثرة الاموال سببا للقوة والشوكة
والعظمة، فلو تغير هذا الموضوع في زمان وصارت الكثرة
سببا لمزيد الضعف والتاخر والذلة والحقارة كما يحكى ذلك
كثيرا عن اهل الهند ، حيث بلغت كثرة النفوس فيها الى حد
سبب في موت الكثير منهم من شدة الجوع، وكذلك مسالة
السكن حتى قيل ان‏اعدادا هائلة من الناس يتخذون من
اطراف الشوارع والممرات مساكن لهم فيها يتكاثرون وفيها
يموتون، وليس لهم من اسباب الحياة شي‏ء فهل تكون كثرة
النسل راجحة في نظر الشرع؟!
لا اقول: ان كثرة المسلمين قد وصلت الى هذا الحد او لا، بل
اقول: لو وصل الامر الى هذا الحد فهل هو شي‏ء يباهي به
رسول الله(ص) سائر الامم؟! او ان اللازم على المسلمين في
هذه الاعصار الاهتمام بالكثرة من ناحية الكيفية اعني الزيادة
في العلم والقوة الفكرية والثقافية والصناعية والاخلاقية لا
الكثرة في كمية الافراد الفاقدة لذلك; فان كثرتهم والحال
هذه كثيرا ما تمنع عن الوصول الى الكيفية المطلوبة، وسياتي
بيان ذلك ان شاء الله.
وقد يؤيد ذلك كله بما ورد في بعض الكلمات القصار لامير
المؤمنين(ع) بعد ان سئل عن قول رسول الله(ص) «غيروا
الشيب ولا تشبهوا باليهود» قال: «انما قال(ص) ذلك والدين
قل، فاما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار»،
وللكلام صلة.
ولا ينحصر الكلام بهذه المسائل الخمس، بل المراد توضيح ان
المفتاح الاصلي الوحيد لحل قسم كبير من المسائل
المستحدثة هو هذا المعنى; اي تبدل الحكم بتبدل
الموضوعات عرفا.
وعصارة الكلام: ان الاحكام الماخوذة من الشارع المقدس
ثابتة لا تتغير مدى القرون والاعصار ولا تتبدل بحسب اختلاف
الامكنة والامصار، فالحلال حلال دائما والحرام حرام كذلك،
ولكن الموضوعات العرفية متغيرة دائما، فكلما تغير الموضوع
تغير الحكم،حيث ان‏الموضوع كثيرا ما يكون متاثرا بالزمان
والمكان، فاذا تغير الزمان والمكان تغير الموضوع فيتغير
الحكم تبعا له.
وتغير الموضوع على اقسام مختلفة: تارة يكون بتبدل الماهية
كما في الكلب الواقع في المملحة، واخرى بتبدل اوصافه
الخارجية كتبدل الدم من جسم الانسان الى البق، وثالثة
بتبدل الامور الاعتبارية كتبدل المالية. وهذا هو المراد من
تاثير الزمان والمكان في الاجتهاد.
ثالثها: هو ان تبدل الزمان والمكان قد يكون سببا لتنبه
الفقيه الى مسائل جديدة وانشراح فكره وصدره، فيلتفت الى
امور لم يكن متنبها لها في السابق، سيما بعد قيام الحكومة
الاسلامية، ولكن لا بمعنى انه اذا كان خارجا عن هذه الدائرة
كانت له افكار خاصة واذا دخل تبدلت افكاره، بل بمعنى
التفاته الى حاجات ومصالح النظام والامة.
فمثلا يتنبه الى ان تحصيل العلم الاعم من كونه دينيا او
دنيويا الذي كان يعده في الماضي من الواجبات الكفائية،
يعده الآن من الواجبات العينية; لما يحس من حاجة
المسلمين الماسة الى ذلك في تدبير امور الدين والدنيا، فان
الجماعة الجاهلة تصبح متاخرة جدا وضعيفة الى النهاية، ولا
يرضى الله ورسوله(ص) والائمة الهداة‏عليهم السلام هذا
التاخر والضعف للمسلمين، ولذا يفتي الفقيه بوجوب الجهاد
لمحاربة الجهل وبوجوب تحصيل العلم عينيا على جميع
المسلمين كل حسب استعداده.
اذن، فقد اثر الزمان في فتوى المجتهد لتنبهه الى حيثيات
جديدة ونكات مستحدثة، ونحو ذلك.
الامر الثالث : في الامور التي تبتني عليها هذه المسائل:
من المعروف ان القضية على قسمين: خارجية وحقيقية.
فالقضايا الخارجية ما يكون الحكم فيها ثابتا على الافراد
الموجودة في الخارج، مثل ما اذا قلت: ان لي صلة بجميع
العلماء; اي العلماء الموجودين، لا كل من يصدق عليه
العالم اليوم وفي سابق الزمان ومستقبل الايام، وكذا اذا قلت:
اعط كل من في المعسكر مئة درهم، كان النظر الى
الموجودين في الخارج.
اما القضايا الحقيقية فالحكم فيها تابع لموضوعاتها التي يقدر
وجودها في الحال او في الماضي او في المستقبل، وقد لا
يكون لها مصداق فعلا في الخارج ولكن الحكم صادق،
كقولنا: النار حارة، فانها تشمل جميع المصاديق المقدرة سواء
في الماضي او الحال او المستقبل.
ولا ينبغي الشك في ان اغلب الاحكام الشرعية التي وردت
بصورة القضايا سواء كانت بصورة الاخبار، كقوله(ص):
«المؤمنون عند شروطهم‏» او الانشاء كقوله تعالى: (اوفوا
بالعقود) وامثال ذلك فانها على نحو القضايا الحقيقية لا
الخارجية، وحينئذلا تنحصر مصاديقها بما كان موجودا في
عصره(ص) والائمة المعصومين‏عليهم السلام، بل تشمل
جميع المصاديق التي توجد لها في كل زمان ومكان ما لم يقم
دليل على خروجها واستثنائها كما لا يخفى، لا سيما الآيات
القرآنية بعد التصريح بانها لجميع العالمين الى يوم القيامة،
حتى اذا كانت الخطابات بصورة خطابات المشافهة.
ومن هنا نقول: ان احكام المسافر تشمل المسافرين بالوسائل
السريعة في عصرنا، ولا تختص بالاسفار في الازمنة القديمة،
ما لم يقم دليل على الاختصاص، ولم يقم قطعا.
كما ان الاحكام الخاصة بماء الحمام تشمل الحمامات
الموجودة في عصرنا مع مفارقتها عما كان في قديم الايام من
جهات كثيرة.
وكذا احكام البئر فانها تشمل الآبار العميقة المستحدثة في
عصرنا.
وكذا حكم القيمي والمثلي بالنسبة الى مصنوعات كثيرة
وجدت الآن ولم تكن سابقا، كانواع الالبسة والاغذية ووسائط
النقل والاثاث المنزلية وغيرها، فقد كانت تعد من القيمي
وتعد اليوم من المثلي، وغير ذلك.
ولو كانت الاحكام الشرعية على نحو القضايا الخارجية لم
تشمل شيئا من هذه المصاديق، بل كانت ناظرة الى خصوص
المصاديق الموجودة في عصرهم‏عليهم السلام، واما غيرها فلا
تندرج تحت هذه العمومات.
ومن هنا يمكن حل كثير من المسائل السابقة; لشمول الادلة
للمصاديق المستحدثة.
وان شئت قلت: تنحل عقدتها بالتمسك بالاطلاقات
والعمومات ما لم يقم دليل على تقييدها او تخصيصها، وهذه
قاعدة عامة ثابتة في علم الاصول.
واليك نماذج من المسائل السابقة تجري فيها هذه القاعدة:
منها جريان (اوفوا بالعقود) في العقود المستحدثة،
كالتامين، فانه ايضا عقد، فيدخل تحت عموم «اوفوا»، ولا
معنى لتخصيصه بالعقود الموجودة في عصر التشريع فقط،
بل يشمل جميع العقود المتعارفة بين العقلاء
. ومنها انواع الشركات المستحدثة يوميا، حيث ان بعضها
مشمول للادلة.
ومنها السرقفلية اذا كانت بصورة عقد جديد، لا من قبيل
الشرط في ضمن عقد الاجارة، كما سياتي مفصلا في ما بعد
ان شاء الله.
ولكن لابد ان تتحقق في جميع تلك العقود الشرائط
العامة الواجبة شرعا في العقود; من معلومية العوضين
لو قلنا بجريان حكم الغرر في جميع العقود وكونه على
امر محلل، وعدم كونه من قبيل التعليق في الانشاء، وكون
العاقد عاقلا بالغا رشيدا مختارا، الى غير ذلك مما يعتبر
في جميع العقود.
ومنها صحة المضاربة بالنقود الورقية، بل وصحة بذل راس
المال للزراعة والصناعة وغيرها وان لم تسم مضاربة ولم تجر
عليها احكام المضاربة لو كان لها احكام خاصة بها. فاذا بذل
انسان مالا الى آخر وقال: مني راس المال ومنك الصناعة
ولك نصف منافعها، كان هذا داخلا في عمومات وجوب
الوفاء بالعقد و«المؤمنون عند شروطهم‏» وشبههما، فيجوز
ابتياع سهام المؤسسات الصناعية وتقسيم منافعها بين
العاملين عليها والذين يملكون سهامها; لانه عقد عرفي جامع
للشرائط الشرعية، فهي داخلة تحت عموماتها وان لم تدخل
تحت العناوين المعروفة.
ومنها اجراء العقود بالهاتف وشبهه فهو ايضا داخل في
عمومات‏الباب، واما حكم خيار المجلس ففيه كلام ياتي عند
الكلام عن هذه الفروع تفصيلا ان شاء الله.
الامر الرابع : ان اطلاقات الادلة اللفظية شاملة لكل مصاديق
موضوع الحكم الشرعي، ولا تنحصر في حدود المصاديق
المتحققة في فترة صدور النص او ما يقاربها، بل ان الاطلاقات
تطال ما يتحقق في زماننا من مصاديق مستجدة ايضا، الا انه
قد يكون هناك من النكات والحيثيات ما يوجب انصراف
الاطلاقات عن بعض المصاديق المستحدثة، وحينئذ لا يجوز
الاخذ به والقول بشموله.
توضيح ذلك: ان المعروف ان شمول الاطلاق لجميع
مصاديق الموضوع ثابت بمقدمات الحكمة، والمعروف انها
اربع:
1- كون المتكلم في مقام البيان
2- عدم صدور البيان
3- عدم انصراف المطلق الى بعض افراده
4- عدم وجود القدرالمتيقن في مقام التخاطب.
اما الرابعة فهي مردودة عندنا; فانه قلما يوجد اطلاق ليس
له قدر متيقن، ولازمه سقوط غالب المطلقات، لا سيما ما له
شان نزول او شان ورود، ولا اظن‏احدا يلتزم به، كيف؟ !
والمعروف ان الورود وكذا شان النزول لا يخصص، واما باقي
المقدمات فهي حق لاريب فيه، واما منشا الانصراف فهو انس
الذهن ببعض المصاديق لاسباب متنوعة من قبيل غلبة
الوجود; وذلك مثل ما يقال في اشبار الكر وانها منصرفة الى
المتوسط الغالب لا المفرط في الكبر والصغر النادرين، وكذا
في مقدار الوجه في الوضوء وتعيين ذلك بما دارت عليه
الابهام والوسطى، وكذا الذراع في كثير من المقاييس
الشرعية. كل ذلك محمول على الغالب; للانصراف، وفي مقابل
ذلك يقال بالغاء الخصوصية العرفية عند العلم بعدم
دخلها.
ومن هنا يعلم حال غير واحدة من المسائل المستحدثة:
منها ما مر في حكم الغنائم الماخوذة من العدو في عصرنا
من الطيارات والدبابات والمدافع وامثال ذلك; فان قوله
تعالى : (واعلموا انما غنمتم من شي‏ء فان لله خمسه) الدال
على تملك المقاتلين لاربعة اخماس الغنيمة منصرف عن
امثالها من جهتين:
اولا ان الجيوش في عصرنا تكون جميع مصارفها على
الحكومة; من وسائل النقل والسلاح والتغذية والادوية
ومصارف الجرحى والمعلولين بل وعوائل الشهداء وغير ذلك،
بينما كانت جميعها على آحاد المقاتلين في ازمنة نزول الآية
وما يقاربها; ولذا كان للفارس سهمان وللراجل سهم واحد من
الغنائم باعتبار مصارف المركب. نعم، ربما كان هناك
مساعدات لبعض الافراد سيما الذين لا يجدون الا جهدهم
ولكن لم يكن ذلك شاملا لحوائجهم كلها; فلذا يمكن دعوى
انصراف الآية عن مثل زماننا.
ثانيا ان الاسلحة والمعدات الحربية في عصرنا مما تحتاج
اليه الدولة ولا حاجة لغيرها فيها، نعم، يمكن ان يقال
ببيعها وصرف ثمنها فيهم، ولكن لا دليل على ذلك ايضا.
اذن، فدعوى الانصراف عن هذه المصاديق قوية.
ومنها ما مر في حكم التشريح والترقيع.
الى غير ذلك مما يمكن دعوى انصراف العمومات عنها.
الامر الخامس : كثيرا ما تندرج المسائل المستحدثة تحت
العناوين الثانوية; ولذا يجب شرحها وكشف النقاب عنها،
فنقول ومنه سبحانه نستمد التوفيق والهداية : ان‏حال
تلك العناوين لا يتنقح الا برسم مسائل:
1- تعريف العناوين الثانوية.
2- تعداد العناوين الثانوية.
3- دور العناوين الثانوية في الفقه الاسلامي.
4- نسبة العناوين الثانوية الى الادلة.
[1] تعريفها
قد مر ان كل حكم له موضوع خاص، وهذا الموضوع قد
يلاحظ بذاته وله اقسام وانواع وافراد، وقد يلاحظ بحسب
العناوين الطارئة الذي قد يتغير حكمه معها، مثلا لحم
الميتة له عنوان بذاته، وله اقسام: ميتة البقر والغنم والابل،
واسباب الموت ايضا مختلفة، فقد تكون متردية واخرى
نطيحة وثالثة مما اكله السبع; اكل بعضه وبقي بعض.
فقوله: (حرمت عليكم الميتة) يشمل الجميع; بناء على كون
الموت بمعنى ما لم يذك ، ولكن للميتة عناوين طارئة
خارجة عن ذاتها، مثلا هذه الميتة مما اضطر الى اكلها، ومن
الواضح ان الاضطرار وعدمه ليس مما يعرضها لذاتها، بل
لامور خارجية، وهذا واشباهه هي العناوين الثانوية.
مثال آخر: حفر البئر في ذاته امر مباح، من دون فرق بين
الآبار العميقة والمتوسطة وقليلة العمق، ولكن اذا كان
مقدمة لتحصيل الماء للوضوء والغسل فحينئذ يجب بعنوان
المقدمة. ومن الواضح ان هذا العنوان خارج عن ذات البئر
وانما عرضه من الخارج، فهذا عنوان ثانوي.. الى غير ذلك من
الامثلة.
ومنه المسالة المعروفة، وهي تحريم شرب التنباك في
بعض الازمنة من قبل آية الله الشيرازي; لكونه سببالمزيد
قوة اعداء الاسلام.
[2] اقسامها
واعلم انه لا تنحصر العناوين الثانوية بالاضطرار والضرورة
كما قد يتوهم، بل لها اقسام كثيرة يشكل احصاؤها، واليك
اهمها:
1- الاضطرار، كما في المثال السابق: الاضطرار الى اكل لحم
الميتة.
2- الضرر على النفس، مثل ما اذا علم المريض ان تناول ذاك
الغذاء المباح يؤدي الى هلاكه.
3- الاضرار بالغير، مثل ما اذا حفر في داره بالوعة وهو امر
مباح مع علمه بانه يؤدي الى تضرر الجار، ومنه حديث‏سمرة
بن جندب.
4- العسر والحرج الشديد; مثل ما اذا لم تتضرر المراة
الحامل او الشيخ الكبير بالصوم ولكن يقعان في مشقة
شديدة لا يتحمل مثلها عادة.
5- مقدمة الواجب، مثل ما مر من حفر البئر لتحصيل ماء
الوضوء او الغسل، ومنه ما يكون مقدمة لحفظ النظام.
6- مقدمة الحرام، مثل ما مر من ان شرب التنباك سبب
لمزيد شوكة المعتدين.
7- الاعانة على واجب شرعي، مثل ما اذا لم يمكن الجهاد الا
ببذل اموال غير الوجوه الواجبة الشرعية; فانه يجب لما فيه
من التعاون على البر والتقوى.
8- الاعانة على الظلم وسائر المحرمات، كبيع العنب ممن
يعمله خمرا مع هذا القصد، والفرق بينه وبين مقدمة
الواجب والحرام ان الاعانة تكون بالنسبة الى فعل الغير
والمقدمة لفعل النفس.
9- قاعدة الاهم والمهم، مثل ما اذا دار الامر بين التصرف في
دار الغير ونجاة نفس المؤمن.
10- و 11- و 12- النذر والعهد والقسم.
الى غير ذلك من اشباهها مما يطول المقام بذكرها.
[3] اثر العناوين الثانوية
ان للعناوين الثانوية اثرا كبيرا في ازدهار الفقه الاسلامي
وتطوره وانطباقه على الحاجات البشرية، فكم من معضلة
انجلت بمعونتها! وكم من مشكلة انكشفت ببركتها!
توضيح ذلك: ان هنا اشكالا حاصله ان الحاجات البشرية
متغيرة باستمرار، وما من زمان جديد الا وله حاجة جديدة،
والمسائل الاجتماعية في حال تبدل دائم، فكيف تنطبق هذه
المتغيرات مع الاحكام الثابتة الشرعية التي حلالها حلال الى
يوم القيامة وحرامها حرام كذلك؟
وكذلك ان احكام الاسلام ثابتة، وحاجات الانسان متغيرة
بحسب الزمان والمكان، وتطبيق احدهما على الآخر غير
ممكن، فالاشكال لا ينحصر بخاتمية الاسلام بل يجري ولو في
دين يبقى آلاف او مئات من السنين; لتطور حياة الانسان في
الف سنة قطعا بل وفي مئات من السنين.
ويجاب على ذلك بامور متعددة: منها ان كثيرا من هذه
الامور المتغيرة ينحل ببركة القواعد الكلية الموجودة في
الكتاب والسنة التي لها عرض عريض، كقوله تعالى : (اوفوا
بالعقود) و (احل الله البيع) و (الصلح‏خير)، وكقوله(ص)
«المؤمنون عند شروطهم‏»، فانها تشمل جميع ابواب
المعاملات والعقود المستحدثة بين الافراد بل الدول ايضا،
وكقوله تعالى: (يا ايها الذين آمن وا كونوا قوامين بالقسط)،
فالقيام بالقسط في المجتمع له عرض عريض يشمل جميع
انحائه الا ما خرج بالدليل. وكقاعدة البراءة وقبح العقاب
بدون بيان، فانها توجب الترخيص في جميع ما يحدث من
الامور مما لم يرد فيها منع من الشرع والعقل كجميع
المخترعات المستحدثة طوال القرون والاعصار ومن جملتها
انواع الرياضات والعلوم والفنون هي من هذا القبيل، وكذا
قاعدة كل ما حكم به العقل حكم به الشرع.
هذا، وكثير من هذه الامور مندرج تحت العناوين الثانوية،
وببركتها ينحل كثير من عقدها ومشكلاتها، وهذه العناوين
كما عرفت كثيرة جدا، وكل واحد منها له عرض عريض
ومصاديق كثيرة تشمل جوانب وسيعة من حياة الانسان،
فهذه العناوين وان كانت ثابتة على كليتها ولكن مصاديقها
متغيرة.
وان شئت قلت: اصول حوائج الانسان ثابتة وهي فطرية
طبيعية وان كانت اشكال قضائها مختلفة، مثلا ان للانسان
حاجة طبيعية فطرية الى الطعام والكسوة والمسكن وعلاج
الامراض، وكذا له حاجة الى العلم والصناعة والزراعة
والترفيه المزيل لاتعاب الحياة ومرارتها، هذه اصول ثابتة،
ولكن تتغير طرق اشباع هذه الحوائج، فاصلها ثابت وفروعها
متغيرة. وكذا قوانين الاسلام لها اصول ثابتة موافقة للفطرة
وفروع متغيرة على مر الدهور والايام مندرجة تحت العناوين
الثانوية، وكثير من المسائل المستحدثة تنحل بواسطتها.
اذا عرفت ذلك فلنرجع الى كيفية الاستناد الى العناين
الثانوية في حل هذه المسائل، واليك نماذج منها:
1- مسالة احداث الشوارع في البلاد، مما يوجب تخريب
البيوت بغير اذن مالكيها. توضيح ذلك: لا شك في انه لا يمكن
لاحد في العصر الحاضر الاكتفاء بوسائل النقل القديمة
وصرف النظر عن الوسائل السريعة الجديدة سواء لنقل
الاشخاص او الامتعة التجارية.
فلو اجتمعت امة من الامم على رفضها وطي المسافات
داخل المدن وخارجها بواسطة الجمل او الفرس وشبههما،
وترك المكائن الحديثة الجديدة في الصناعة والزراعة وغيرها،
ورفض استخدام الآلات الحربية الحديثة لكانت من اذل الامم
وافقرها واقلها قدرة واشدها حاجة الى الغير، ولم يستقر لهم
حجر على حجر.وهذا مخالف لقول الله تعالى: (واعدوا لهم ما
استطعتم من قوة) وقوله: (ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا)، وقوله(ع): «الاسلام يعلو ولا يعلى عليه‏».
واذا تعين استعمال الوسائل الحديثة ووسائط النقل
الجديدة وهذه المصانع والاسلحة الثقيلة وجب احداث طرق
تستوعبها; اذ لا يمكن الاستفادة منها في الطرق والشوارع
الضيقة القديمة، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى لا يجوز تخريب بيوت المسلمين والتصرف
في اموالهم بغير اذنهم; لما ثبت بالعقل والنقل انه لا يحل
لاحد ان يتصرف في مال غيره الا بطيب نفسه، فاذا دار الامر
بين الاول والثاني دخل في قاعدة الاهم والمهم ووجب الاخذ
بالاهم وترك المهم.
ومن الواضح ان حفظ عزة المسلمين وعظمتهم اهم، ولكن
يجوز ذلك بالمقدار الواجب، فيجب تدارك خسارات البيوت
التي تقع في الشوارع المستحدثة، وتنحل‏هذه العقد ببركة
القاعدة المذكورة; فان الذهاب والاياب والعبور والمرور مع
هذه الوسائل ان كان خاليا عن النظم اللازم حدث قطعا كل
يوم حوادث مؤلمة من تلف النفوس وجرحها وتلف الاموال
والثروات، فمن باب مقدمة الواجب اعني حفظ النفوس
والاموال بل حفظ نظام المجتمع يجب وضع مقررات للمرور،
وهذا اعني مقدمة الواجب عنوان آخر من العناوين
الثانوية، ومن المعلوم وجوب اتباع هذه الضوابط اذا جعلتها
الحكومة الاسلامية او امضتها بعد انشائها من جهة غيرها.
2- حفظ النفوس المحترمة واجب، وقد يكون التشريح
مقدمة له، وقد لا توجد اجساد غير المسلمين لهذا الامر، فلا
مناص من تشريح اجساد المسلمين، فيدور الامر بين هتك
حرمة هذه الابدان وترك حفظ النفوس، ومن الواضح كون
الثاني اهم، ولكن لابد ان يكون ذلك بالمقدار اللازم، فيجب
الاقتصار عليه وعدم التعدي عنه.
3- في الخسارات الناشئة عن الجنايات العمدية او الخطا،
فقد يحتاج جبرها الى مصارف كثيرة جدا اكثر من مقدار
الدية بمراتب.
ولقائل ان يقول: ان قاعدة لا ضرر تقتضي جبران هذه
الخسارات، وكيف يمكن القول بوجوب تحملها من ناحية
المجني عليه مع انه لا ضرر ولا ضرار في الاسلام؟!
4- ما يضر بالزوجة من ناحية الزوج بحيث‏يكون بقاؤها في
بيته حرجا شديدا وعسرا اكيدا، مثلا: سمعت ان هناك رجلا
قد ارتكب جنايات كثيرة تبلغ 18 جناية من السرقة والفحشاء
وهتك الاعراض والنفوس و...، فبقاء الزوجة معه والحال هذه
امر متعذر.
ان قلت: ان قاعدتي لا ضرر ولا حرج انما تنفيان الاحكام
الضررية والحرجية ولا تثبتان شيئا من الاحكام، مثل جواز
الطلاق لحاكم الشرع او تدارك خسارة المجني عليه او نحو
ذلك.
قلنا: قد ذكرنا ذلك في محله واجبنا عنه.
الى غير ذلك من اشباه هذه المسائل التي سنتكلم فيها ان
شاء الله مفصلا، فان‏المقام مقام الاشارة المختصرة.
بقي هنا امور يجب التنبيه عليها:
التنبيه الاول ان العناوين الثانوية على قسمين: قسم منها
مبني على الضرورات، فهي تتقدر بقدرها ولا يجوز ان
يتعدى عن موردها بحسب الزمان والمكان وسائر
الخصوصيات الى غيرها مثل مسالة جواز اكل الميتة في
المخمصة وما يحذو حذوها. وقسم آخر ليس من هذا القبيل،
فقد يبقى مدى الدهور والاعصار، مثل جواز التشريح في
اعصارنا في الجملة، وجواز ايجاد بعض الشوارع، والمحافظة
على مقررات الذهاب والاياب والعبور والمرور فيها.
ولابد في القسم الاول اي الضرورات وما يضطر اليها من
تعيين حدود الموضوع، وليس ذلك على عهدة الفقيه، بل
فتواه لا يكون الا كليا على الموضوع المفروض وجوده.
نعم، قد يتصدى الفقيه لتطبيق الحكم الاضطراري على
موضوعه بما انه ولي امر المسلمين ويحكم حكماخاصا على
موضوع خاص، ولكن ليس ذلك بما انه مقنن، بل بما ان له
ولاية الامر، كما هو كذلك في الحكم المعروف من السيد
السند العلامة الشيرازي المرجع الديني الاعلى في زمانه
في استعمال التنباك وانه بحكم المحاربة لامام العصر
صاحب الزمان (عج)، فالفتوى هنا ان كل ما يكون سببا
لضعف المسلمين وتقوية شوكة المعتدين فهو حرام من
باب انه مقدمة الحرام او اعانة على الاثم، فهذه هي الفتوى
الكلية في المسالة، اما تطبيقها على خصوص التنباك في تلك
البرهة من الزمان فهو من باب حكم الفقيه والولاية الالهية.
هذا، ومن الواضح ان الضرورات امور قسرية استثنائية لا تدوم
وانما يحتاج اليها في برهة خاصة من الزمان وان كان قد
يتفاوت ذلك طولا وقصرا.
ومن هنا يعلم انه لا يمكن بناء اكثر القوانين في زمن طويل
على الضرورات; فان‏معنى هذا حينئذ ان عصر الشريعة
الاسلامية قد انقضى، فان احكامه الاولية غير قابلة لادارة
شؤون المجتمع، ولذا فهو يلجا دائما الى المستثنيات
لمعالجة ذلك.
وان شئت قلت: الاحكام الثانوية كلها تدور على موضوعاتها،
فاذا انتفت انتفت، وموضوع الضرورة والاضطرار امر عارضي
غالبا ما ينتفي بعد مضي زمن ولا يبقى مدى الاعصار
والقرون عادة، فبناء غالب احكام الدين عليها لا يناسب خلود
الشريعة وقدرتها على ادارة الحياة وحل معضلاتها.
التنبيه الثاني قد يقع الافراط والتفريط في الاعتماد على
العناوين الثانوية، فيؤخذ بالضرورة والاضطرار في كل شي‏ء
فيه كلفة ما، مع ان غالب الامور في حياة الانسان لا تخلو عن
كلفة، وجميع التكاليف فيها كلفة ما; ولذا سمي تكليفا، فلا
يمكن رفع اليد بمجرد ذلك والحكم بحلية كل محرم; لان في
تركه كلفة يسيرة والا انفتح باب ارتكاب الكبائر والصغائر على
الناس، وقد راينا بعض من لا خبرة له بالاحكام وموضوعاتها
في عصرنا هذا يتوقع ارتفاع الحرمة عن الكبائر والصغائر
بمجرد ادنى ضرورة خفيفة، ولو كان الامر كذلك فعلى
الاسلام السلام.
وبالعكس نرى بعض الافراد يوسوس في جريان لا ضرر في
ابواب النكاح وغيرها، وكذا لا يرى كفاية العسر والحرج
الشديد في تجويز بعض الممنوعات، مع ما ورد من انه ما من
شي‏ء حرمه الله الا وقد احله لمن اضطر اليه، قال الله تعالى :
(وما جعل عليكم في الدين من حرج)، ومفهوم الدين واسع
جدا.
التنبيه الثالث ان لنا اربعة اقسام من الحكم:
1- الحكم الجاري على العناوين الاولية كوجوب الصلاة
وحرمة الخمر.
2- الحكم‏الجاري على‏العناوين الثانوية كوجوب‏المقدمة
ونفي‏الضرر والضرار.
3- احكام القضاء في الخصومات.
4- الاحكام الناشئة عن ولاية الفقيه.
و القسمان الاولان احكام كلية ترتبط بالفتوى.. والثالث احكام
خاصة جزئية حاصلة من تطبيق تلك الاحكام الكلية على
مواردها ومصاديقها في باب الخصومات.. والرابع ايضا احكام
جزئية حاصلة من تطبيق الاحكام الكلية على مصاديقها في ما
يرتبط بالحكومة وتدبير امور المسلمين وكل ما ليس له
مسؤول خاص من امور الغيب والقصر وما اشبه ذلك.
ولا شك ان جواز فصل الخصومة بين المسلمين بالقضاء حكم
اولي، كما ان ولاية الفقيه في حد ذاتها من الاحكام الاولية،
ولكن القاضي قد يعتمد في قضائه على الحكم الاولي لفصل
الخصومة في ابواب الارث، وقد يعتمد على العنوان الثانوي
كطلاق المراة المسلمة من باب العسر والحرج الشديد الذي
لا يتحمل عادة، كذلك الولي الفقيه قد يعتمد في احكامه
مثل الحكم بقتال الكفار المهاجمين لحوزة الاسلام على
الاحكام الاولية، فيتصدى لتطبيق تلك الاحكام الكلية الواردة
في مسالة الدفاع مثلا على موردها، ويبين ساعة القتال
ومكان الشروع فيها وامراء الجيش وسائر الامور الجزئية
الخاصة بهذه الحرب، واخرى يعتمد في حكمه على
العناوين الثانوية، مثلا يرى استعمال التنباك في برهة من
الزمان من قبيل مقدمة الحرام او الاعانة على الاثم ويحكم
بحرمته.
و الحاصل: ان الاولين حكمان كليان يرجعان الى الفتاوى،
والاخيرين حكمان جزئيان يعتمدان على الاولين. والا فلا
يقول احد من علماء الشيعة بجواز تشريع احكام كلية
مخالفة للعناوين الاولية والثانوية الواردة في الشرع من
ناحية الفقيه.
وان شئت قلت: ان النبي الاعظم(ص) له مناصب ثلاثة:
منصب النبوة والرسالة، ومنصب امامة الامة، ومنصب القضاء.
وكذلك الائمة‏عليهم السلام لهم مناصب ثلاثة : منصب تبيين
الاحكام، ومنصب القضاء، ومنصب الامامة وتدبير امر الامة.
[4] نسبة ادلة العناوين الثانوية الى الاولية
ما هي النسبة بين ادلة العناوين الاولية والعناوين الثانوية،
هل هي الورود او التخصيص او الحكومة؟
لا اشكال انه ليست النسبة الورود; فان موضوعات الادلة
الاولية محفوظة عند انطباق العناوين الثانوية عليها، فاذا
اضطر الانسان الى اكل الميتة فلا شك ان‏عنوان الميتة صادق
حتى عند الاضطرار، وكذا عنوان الغصب والتصرف في اموال
الناس عند الحاجة اليه في انجاء الغريق، وكذا عنوان صيام
رمضان عند العسر والحرج الشديد.. الى غير ذلك، فلا ترتفع
العناوين الاولية بورود ادلة العناوين الثانوية عليها.
نعم، هي حاكمة عليها غالبا; بناء على ما هو المختار من ان
الحكومة هي ان يكون احد الدليلين شارحا للآخر وناظرا اليه
نظر تفسير او توسعة او تضييق لدائرة موضوعه او حكمه،
فقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)
بصراحة لفظه ناظر الى جميع احكام الدين وانها ليست‏حرجية،
وكذلك قوله(ص): «لا ضرر ولا ضرار (في الاسلام)» ناظر الى
احكام الاسلام وانها لا تشتمل على حكم ضرري.
وهكذا ادلة حرمة التعاون على الاثم والعدوان بالنسبة الى
ادلة المباحات الاولية، كبيع العنب ممن يعمله خمرا وشبه
ذلك، واستعمال التتن والتنباك.
نعم، قد تكون بعض ادلة العناوين الثانوية بمنزلة
الاستثناء في العناوين الاولية، كقوله تعالى: (حرم عليكم‏الا
ما اضطررتم...)
هذا كله في ما اذا كان الدليل لفظيا; فان النسب الاربع من
التخصص والتخصيص والحكومة والورود انما هي ثابتة بين
الادلة اللفظية.
واما اذا كان الدليل على حكم العنوان الثانوي دليلا عقليا
كقاعدة الاهم والمهم فلا تندرج في شي‏ء من هذه العناوين
الاربعة، بل هو من قبيل الترجيح بين ملاكات الاحكام،
فملاك انجاء المؤمن اقوى من ملاك الغصب فيقدم عليه; لان
الاحكام تابعة لما هو الاقوى من الملاكات، الى غير ذلك من
اشباهه.
خلاصة البحث:
قد تلخص مما ذكرنا في هذه المقدمات:
1- ان المسائل المستحدثة: هي كل موضوع جديد يطلب
حكما فقهيا سواء لم يكن في سابق الايام او كان في السابق
لكن بعض مصاديقه مستحدث. الاول كالترقيع والثاني
كالسفر بالطائرات بالنسبة الى حكم التقصير.
2- وبينا ان سبب الحاجة الى بحث المسائل المستحدثة هو
كون طبيعة عالم المادة هي التحول الدائم، والتحول في
حياة الانسان اكثر.. واعتقادنا ان الشريعة جاءت الى جميع
الناس وفي كل الازمنة.
3- وذكرنا اربعين مسالة من المسائل المتعلقة
بالعبادات والمعاملات والمسائل الطبية والامور المختلفة.
4- وذكرنا مقدمات خمسة:
الاولى افتراق مذهب الشيعة عن اهل السنة في مثل هذه
المسائل، فنحن نقول: لكل شي‏ء حكم حتى ارش الخدش فلا
تصل النوبة الى القياس والاستحسان.
الثانية المعروف ان للزمان والمكان تاثيرا في الاجتهاد...
الثالثة ان الاحكام بصورة القضايا الحقيقية تشمل الافراد
الموجودة فعلا والتي توجد مستقبلا.
الرابعة الاطلاق قد يكون منصرفا انصرافا بدويا عن بعض
الافراد.
الخامسة كثيرا ما تندرج المسائل المستحدثة في
العناوين الثانوية، وهي ليست منحصرة في الضرورة، فقد
ذكرنا اثني عشر قسما من العناوين الثانوية.


 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID