عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
بای
الخميس, صفر 30, 1432 فقه الحكم الاسلامى‏ - «المهادنة‏» ولي امر المسلمين آية اللّه العظمى السيد علي الخامنئي


تعد هذه الدراسة قسما من سلسلة بحوث في فقه الدولة الاسلامية لسماحة ولي امر المسلمين ( دام ظله ) .. وقد عالج سماحته موضوع (المهادنة) ضمن عدة محاور تدور حول بيان حقيقة الهدنة وشرائطها واحكامها ثم تطرق في نهاية المطاف الى بعض الفروع .. ويمتاز هذا البحث ناهيك عما توفر عليه من دقة وعمق باصالة منهجيته .. اذ يلمس القارئ في مطاوي البحث العناية التامة بالقرآن الكريم واعتماده اساسا في كل او جل استدلالاته .. الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى وآله ائمة الهدى.
ان مما ينتهي به الجهاد والقتال، المهادنة والهدنة. وهي في الاصل: السكون، ويستعمل في الصلح والموادعة بين المتحاربين، الا انه في اصطلاح الفقه الاسلامي يستعمل في الصلح المؤقت بين المسلمين وطائفة من الكفار الحربيين; ولذا يطلق عليها الموادعة والمعاهدة الظاهرتان في عدم الدوام. قال الشيخ في المبسوط: «الهدنة والمعاهدة واحدة، وهو وضع القتال وترك الحرب الى مدة‏».
وقال العلا مة(رحمه‏ اللّه) في التذكرة: «المهادنة والموادعة والمعاهدة الفاظ مترادفة معناها وضع القتال وترك الحرب مدة‏».
 ومثله في المنتهى، وقريب منه في التحرير والقواعد. فانقطاع المدة وعدم الدوام قد اخذ في معنى الهدنة وتعريفها. وقد جعلوا ذلك احد وجوه الفرق بينها وبين عقد الجزية، كما ذكروا له وجوها اخر راجع التفصيل في القواعد للعلامة (رحمه اللّه)، وبعض آخر من‏كتبه وكتب غيره وان‏كان التحقيق ان ما ذكروه من الفارق ليس هو الفارق الاصلي بين ماهيتيهما، بل انما هي من قبيل العوارض والعلامات. والفرق بينهما جوهريا هو ان الطرف المقابل في عقد الجزية هو العدو المغلوب الذي قد ظهر المسلمون عليه، وفتحت ارضه واسقطت دولته والحال يجعل عليه شي‏ء عوض الضرائب الموضوعة على المسلمين، فهو من جملة مواطني الدولة الاسلامية ولكن على غير دينهم. واما الطرف المقابل في المهادنة فهو العدو المستقر على ارضه والباقي على دولته ونظامه المدني وربما يكون قويا وغالبا على امره، بل اقوى احيانا من المسلمين. ففي صدر الاسلام كانت الجزية على اهل الكتاب القاطنين في الشام بعد ما فتحت وصارت من اراضي الاسلام، ولكن الهدنة انعقدت مع قريش مكة ولم يفتحها المسلمون بعد.
 والحاصل: ان عقد الهدنة ينعقد مع الدولة المحاربة بما يتبعها من شعبها، وعقد الجزية ينعقد مع اناس من اتباع دولة الاسلام. هذا هو الفارق الجذري، واما غيره من الفوارق فهي فروق في المظاهر والاحكام.
ثم اننا نواصل البحث في هذا الباب ضمن امور:
الامر الاول : في حكمها:
وهي جائزة في الجملة باجماع المسلمين. ومرادنا من الجواز: الجواز بالمعنى الاعم، اي الذي يشمل الواجب والمكروه، في مقابل عدم الجواز بمعنى الحرمة. ونريد بقولنا «في الجملة‏»:
ان الجواز مشروط بشروط، وما لم تتوفر الشروط تكون المهادنة محرمة، وسوف نذكرها بتفاصيلها. والدليل على ذلك مضافا الى كونه متسالما عليه بين المسلمين آيات من الذكر الحكيم منها قوله تعالى: (الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا)، وقوله تعالى:
(الا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) ، ومنها قوله تعالى:
(الذين‏عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم) . فهذه الآيات بدلالتها اللفظية تدل على جواز عقد المعاهدة مع الكفار وتقرر ما صدر عن المسلمين من المعاهدة معهم، والمعاهدة وان كانت غير مختصة بما تقع منها راجعة الى شان الهدنة وترك القتال، الا ان هذه هي القدر المتيقن منها. ومنها قوله تعالى: (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) فهو يدل على جواز الجنوح للسلم حينما يجنح لها العدو، وهذه الآية وان كان مفادها اضيق دائرة من المدعى في الباب، حيث ان الجواز فيها مشروط بمبادرة العدو الى الصلح، مع ان المدعى فيما نحن فيه هو الاعم، الا ان دلالتها على الجواز في الجملة مما لا يقبل الانكار. والمناقشة في دلالتها بان: المراد من السلم هو ترك القتال فعلا ، دون قرار ومواضعة بين الطرفين، موهونة جدا; اذ الظاهر من الامر بالجنوح الى السلم خصوصا مع الاقتران بما سبقه من الشرط اي جنوح العدو لها وما لحقه من الامر بالتوكل على اللّه، انه امر بعمل ايجابي‏يحتاج الى عزم وحزم وتوكل، لا انه امر بعمل يتفق كثيرا في الحروب بغير تمهيد وعزم مسبق، بل ما من حرب دامية مستمرة في برهة من الزمن الا ويتخلل في ضمنها وقف الحرب مرات بغير قرار وعقد واتفاق، وورود الامر بالجنوح الى مثل ذلك مقترنا بمثل هذا التمهيد وذاك التعقيب، شي‏ء لا ينبغي نسبته الى الذكر الحكيم. ويدل عليه ايضا ما في نهج البلاغة في عهده(ع) الى مالك الاشتر من قوله(ع): «ولا تدفعن صلحا دعاك اليه عدوك وللّه فيه رضى، فان في الصلح دعة لجنودك‏»، وقد رواه في المستدرك عن تحف العقول، كما روى قريبا منه في الالفاظ والمعاني عن دعائم الاسلام عن علي(ع) عن النبي(ص). كما يدل عليه ما نقل من السيرة النبوية القطعية من معاهداته (ص) مع الكفار من مشركيهم ويهودهم ونصاراهم.
وكلها راجعة اما بالمطابقة واما بالملازمة الى ترك القتال واستقرار الهدوء والصلح المؤقت.
فالامر بحسب الدليل واضح كمال الوضوح، بحيث‏يبدو ان ما فعله اصحابنا من ارساله ارسال المسلمات، وعدم التصدي كثيرا للاستدلال عليه، امر صحيح حقا. ثم ان العلامة (رحمه اللّه) وبتبعه البعض من متاخري المتاخرين استدل لذلك بحرمة القاء النفس في التهلكة في جنب ادلة وجوب الجهاد، زاعما ان نتيجة تقابل الدليلين هو التخيير والجواز، وفيه من وضوح الاشكال ما يغنينا عن الايراد عليه.
الامر الثاني : اشتراطها بوجود المصلحة:
يشترط في جواز الهدنة ان يكون فيها مصلحة في الجملة.
والظاهر وضوح حكم العقل بان هذا مقتضى الحكمة، كما انه المستشعر من المناسبة بين الحكم والموضوع. فبعد ما وردت عمومات كثيرة في الامر بالجهاد والحث‏على مقاتلة الكف ار مع ما في لسان بعضها من التهديد والتوعيد على تركه، ثم ورد في آية او آيات الامر بالصلح، ففي مثل هذا الظرف لا معنى للقول بان الصلح والسلم امر جائز في كل زمان ولو مع عدم الحاجة اليه وفقد مصلحة فيه، فضلا عن صورة وجود مصلحة في تركه; اذ لازم ذلك لغوية ذاك الحث والتوكيد والتهديد والتوعيد، وتكون النتيجة هي ان تلك الاوامر الاكيدة بالجهاد في آيات الذكر الحكيم لا تحمل حكما الزاميا، بل انما هي مسوقة لبيان جواز قتال العدو، وكونه امرا راجحا غير ممنوع عنه!
وهذا خلاف مقتضى الحكمة في كلام الباري الحكيم عز اسمه، فتلك الآيات وهكذا المناسبات العرفية بين الحكم والموضوع بنفسهما كافية لاثبات ان الاقدام على السلم مع العدو المحارب ليس امرا جائزا ومباحا في اي وقت وعلى اي حال، بل جوازه متوقف على وجود ما يكفي في تبرير الاقدام عليه من الشرائط والاحوال التي يعبر عنها بالمصلحة.
هذا مضافا الى ما يدل بظاهره على المنع من السلم والمداراة والتودد مع الاعداء المحاربين، كقوله تعالى: (فلا تهنوا وتدعوا الى السلم)، وقوله تعالى: (انما ينهاكم اللّه عن الذين قاتلوكم فى الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم)، وقوله تعالى: (لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء تلقون اليهم بالمودة)، وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا الباب. فحاصل الادلة بمجموعها: ان وجود المصلحة في قبول الصلح او اقتراحه على العدو شرط شرعا في جواز ذلك.
ثم ان المصلحة في هذا الباب لا تنحصر فيما ذكره الفقهاء (رحمهم اللّه) من ضعف المسلمين وقلتهم عن المقاومة، او رجاء دخول الكفار في الاسلام، او الحصول على المال الذي يبذلونه للمسلمين. فهناك مصالح اخرى تناسب ظروف العالم في كل عصر، منها تحسين سمعة النظام الاسلامي كنظام يقترح الصلح على مناوئيه، ومنها تخويف عدو آخر طامع في بلاد المسلمين من جهة كونهم مشغولين بالحرب، فاذا راى ذاك العدو ان الامام بصدد الصلح مع مقاتليه، فانه يخاف ويقطع طمعه، ومنها غير ذلك مما يعرفه الذي بيده امر تشخيص المصلحة في كل زمان ومكان.
 ثم لا يخفى ان المصالح تختلف اهمية، كما ان مصاديق الجهاد تختلف كذلك، ومن المعلوم عدم امكان التحديد بالنسبة الى مراتب الاهمية، سواء في المصالح او في عمليات الجهاد في سبيل اللّه. وانما الامر في ذلك اي في تشخيص اهمية المصلحة الداعية الى الهدنة في كل مورد، او اهمية عملية الجهاد المفروض في ذلك المورد، وكذا مراتب الاهمية كلها بيد من اليه امر الجهاد. وبناء على ذلك اي على فرض وجود مراتب للمصلحة وان المناط في اللجوء الى المهادنة في كل مرحلة هو كون المصلحة فيها اهم من العملية الجهادية التي هي موضوع تلك المرحلة فلا مناص من الالتزام بوجوب الهدنة احيانا كما صرح بذلك العلامة في القواعد وارتضاه في الجواهر لان مراتب الرجحان تابعة لمراتب الاهمية، فربما وصلت اهمية الصلح والهدوء مرتبة يحكم معها بوجوبه وعدم جواز التخلف عنه. الا ان ظاهر بعض وصريح آخر عدم وجوب الهدنة بحال. قال العلامة في المنتهى والتذكرة: «والهدنة ليست واجبة على كل تقدير، سواء كان بالمسلمين قوة او ضعف، لكنها جائزة‏» . وقال المحقق في الشرائع: «وهي جائزة اذا تضمنت مصلحة للمسلمين ... الى آخر كلامه‏» وظاهره عدم وجوبها في حال من الاحوال، اللهم الا ان يكون مراده الجواز بالمعنى الاعم الشامل للوجوب. وكيف كان فالمستفاد من كلام العلامة(رحمه‏اللّه) في وجه عدم وجوبها بحال، هو ان دليل الهدنة وهو قوله تعالى: (وان جنحوا للسلم فاجنح لها)، وكذا قوله تعالى: (ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة) يحمل على الجواز دون الوجوب، بقرينة ما دل على الامر بالقتال حتى يلقى اللّه شهيدا، كقوله تعالى:
(يقاتلون فى سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون)، وكفعل مولانا الحسين(ع) والنفر الذين وجههم رسول اللّه(ص) الى هذيل، فقاتلوا حتى قتلوا، ولم يفلت منهم احد الا حبيب فانه اسر...
فالمكلف بمقتضى الدليلين القرآنيين مخير بين الصلح والقتال، وقد وقع كلا الخيارين من النبي (ص) والائمة (ع).
فمن الاول: ما وقع من النبي(ص) والحسن(ع)، ومن الثاني:
ما وقع من الحسين(ع) ... الى آخر ما ذكره العلامة (رحمه اللّه) وارتضاه صاحب الجواهر عند تقرير كلامه، فراجع. واورد على هذا الاستدلال المحقق الكركي في جامع المقاصد بان الامر بالقتال، مقيد بمقتضى (ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة)، انتهى محل الحاجة من كلامه. ولازمه وجوب الكف عن القتال اذا فرض كونه القاء في التهلكة، وهذا يعني وجوب الصلح والهدنة. ولا يخفى ان الاخذ بهذا التقييد لازمه حرمة القتال في كل مورد يوجب التهلكة، فيشمل ما لو استلزم تهلكة فرد او افراد، فيحرم القتال حينئذ عليهم او عليه، وان كان واجبا على غيرهم من المسلمين المقاتلين، وبناءعليه فلا يختص حكم وجوب التفصي عن الهلكة بما اذا انطبق ذلك على الصلح، بل يشمل ايضا الفرار وكل ذريعة اخرى الى النجاة من الهلكة، فلا بد ان يكون الفرار ايضا واجبا في هذه الصورة كالصلح! وفي هذا الكلام ما لا يخفى من الغرابة! والظاهر انه لدفع هذا الاستلزام علق صاحب الجواهر(رحمه‏اللّه) على كلام المحقق المذكور بان الخروج عن ادلة حرمة القاء النفس في الهلكة يقتصر فيه على القدر المتيقن كالفرار ونحوه. اقول: نتساءل: ما الوجه في الخروج عن ادلة حرمة القاء النفس في الهلكة بادلة حرمة الفرار؟ واي قرينة على تقدم ادلة حرمة الفرار عليها؟ فلو التزمنا بحكومة ادلة التهلكة على ادلة الجهاد فلم لا نلتزم بحكومتها ايضا على ادلة حرمة الفرار؟ وهل ادلة حرمة الفرار اقوى دلالة واكثر تعدادا واوضح مفادا من ادلة الجهاد؟ كلا .. فان التزم احد بتقدم ادلة التهلكة على ادلة الجهاد مع مالها من الكثرة، وقوة الدلالة والتاكيد، والتوعيد على تركه، وقال انها تقيد بتلك الادلة كما صنعه الكركي(رحمه‏اللّه) فليلتزم بمثله بالنسبة الى ادلة الفرار ايضا، كما يستفاد ذلك من ظاهر كلامه (رحمه‏اللّه)، فلا وجه لما استدركه صاحب الجواهر (رحمه‏اللّه). والحق ان الامر بالعكس، بمعنى ان ادلة وجوب حفظ النفس وحرمة القاء النفس في الهلكة هي التي تقيد بادلة الجهاد; وذلك لوضوح ان خروج ما يوجب القاء النفس في الهلكة من مصاديق الجهاد الواجب، يوجب تخصيص الاكثر، بل خروج تلك الفريضة الالهية عن وضعها ومكانها بالكلية. والحق في الاجابة عن كلام العلامة(رحمه‏اللّه)، اما بالنسبة الى دليل حرمة القاء النفس في التهلكة فبما قلناه آنفا، واما بالنسبة الى دليل الصلح فبان سياق ادلة الحكمين اعني الجهاد والصلح وهكذا مناسبة الحكم والموضوع في‏الموردين، تحكم بكون الصلح استثناء لدليل الجهاد، مقيدا بما اذا كان فيه المصلحة، فان بلغت المصلحة الى حد الالزام قدم على الجهاد، والا يعمل بمقتضى ما تقتضيه المصلحة، واللّه العالم. واما ما ذكره من فعل الامام الحسين(ع) فمضافا الى انه من الجهاد الدفاعي على وجه، فتامل فانه قضية في واقعة، وهو من السنة الفعلية التي ليس لها لسان الاطلاق والتقييد، ولذا لا يمكن الاخذ باطلاق الحكم المستفاد منها، وهكذا القول في تقرير النبي(ص) لجهاد النفر الذين وجههم الى هذيل، كما هو واضح.
الامر الثالث : في اشتراط المدة:
لا خلاف ظاهرا في اشتراط المدة في عقد الهدنة، ويعلم ذلك من اخذهم قيد الزمان في تعريف الهدنة، كما في المبسوط والشرائع والمنتهى والتذكرة والقواعد وغيرها، ومن دعوى الاجماع على اعتبار مدة خاصة، كما في المنتهى وغيره بالنسبة الى عدم الجواز لاكثر من سنة، ويستفاد ذلك ايضا من عدم ذكرهم في مقام الاستدلال على اعتبار المدة، سوى ان عدم ذكرها يقتضي التابيد، والتابيد باطل، فيشبه ارسال المسلم، والاتكال على وضوح الامر.
وهو كذلك; اذ الاطلاق في عقد الهدنة وعدم ذكر المدة يقتضي وجوب الوفاء به ما لم يظهر نقض من العدو، سواء في مدة حياة من تصدى للعقد او بعده، وهذا خلاف المصلحة قطعا، اذ لازمه تعطيل الجهاد، ومن المعلوم ضرورة من ضروريات الدين عدم رضا الشارع به، مضافا الى الاستبعاد القريب من الاستحالة ان تبقى الظروف دائما على غرار واحد، فالعقد المقتضى للتابيد خلاف المصلحة قطعا، ومنه يعلم بطلان العقد المصرح فيه بدوام الهدنة بطريق اولى. ثم ان اشتراط صحة الهدنة بالتوقيت، لا يعني استلزام ذلك لحكم تكليفي في البين، اي حرمة عقد الهدنة بدون الوقت او حتى مع التصريح بالتابيد. وعلى هذا فلو فرض قيام مصلحة عظيمة في الغاء المدة في الهدنة، كما اذا فرض ان العدو لا يقبل تقييد الهدنة بمدة ولا يقبلها الا مطلقة او مؤبدة، وفرض ان في استمرار الحرب ضررا عظيما على الاسلام والمسلمين، فلا مضايقة على الامام حينئذ ان يعقد الهدنة بغير ذكر المدة، ولا يكون ذلك حراما عليه، وان كانت الهدنة في الواقع فاسدة غير منعقدة، فيستفيد المسلمون من متاركة الحرب ما يحتاجون اليه، ويكون الامام بالخيار في امر الحرب متى شاء ..
والحاصل: ان اشتراط الهدنة بالمدة مما لا كلام فيه. انما الكلام في مقدار المدة وانه هل يوجد له حد للاقل وللاكثر؟ فقد ذكروا في ذلك تحديدا في طرفي القلة والكثرة، ولا بد من التعرض لذلك والفحص عن دليله حتى يتضح الحال.
1- ذكروا لطرف القلة اعني القدر المتيقن من جواز الهدنة في زمان، فيما كان في‏المسلمين قوة مدة اربعة اشهر، فتجوز الهدنة لاربعة اشهر فما دون، وادعي عليه الاجماع في غير واحد من كتب الاصحاب، واستدل له الشيخ(رحمه اللّه) بقوله تعالى: (فسيحوا في الارض اربعة اشهر). وعليه فلو هادنهم المسلمون لهذه المدة يجوز ذلك وان كان بالمسلمين قوة.
والظاهر لزوم رعاية المصلحة في هذه الصورة ايضا بمعنى ان عدم الحاجة الى وجود المصلحة من ناحية ضعف المسلمين ليس يعني الغناء عن وجود سائر المصالح، ولعل هذا هو المراد من كلام الشيخ في المبسوط حيث قال: «فاذا هادنهم في الموضع الذي يجوز، فيجوز ان يهادنهم اربعة اشهر» انتهى، ولم يصرح بذلك غيره فيما اطلعنا عليه من كلماتهم.
وكيف كان، فالاستدلال بالآية يتم بضميمة ما هو المعلوم من انها نزلت عند منصرف رسول اللّه(ص) من تبوك، وقد كان في اقوى ما كان. وقد ناقشه في الجواهر بانه خارج عن محل الكلام، اذ لم يكن ذلك مهادنة لهم بمدة اربعة اشهر، بل كان امهالا لخصوص من عاهدوا من المشركين على وجه التهديد والتوعد.
وهو في محله مضافا الى ان فرض القوة ايضا غير معلوم تماما وان كان هو كذلك على ما في التاريخ; اذ ربما كان في اصحاب رسول اللّه(ص) تعبا وملالا مما وقع عليهم في تبوك مع بعد المسيرة وحرالصيف، وقد كانت غزوة تبوك نفسها قد وقعت بعد غزوة اخرى قريبة منها فاراد رسول اللّه(ص) استعادة قو ة اصحابه ورفع تعبهم بسياسة الهية، وهو امهال المشركين اربعة اشهر ...
فالحق مع صاحب الجواهر(رحمه‏اللّه) حيث قال: «العمدة حينئذ في اثبات ذلك على جهة العموم، الاجماع ان تم ...». اقول : ولن يتم; لعدم ذكره في كلمات الشيخ ومعاصريه، وانما فيها الاستدلال للحكم بالآية، فيقوى انه من الاجماعات المدركية التي يبدو ان‏الغرض من ذكرها ليس الا بيان شيوع القول وعدم مخالفة احد له، لا الاجماع المصطلح الذي هو احد الادلة الاربعة.
والذي لا ينبغي الريب فيه هو ان المهادنة لاربعة اشهر فما دون جائزة مع المصلحة ولو مع قوة المسلمين; لانها القدر المتيقن من اطلاقات ادلة المهادنة مع عدم وجود رادع عنها في الكتاب والسنة. ومعها فلا حاجة الى ما ذكر من الاستدلال بالآية الشريفة في كلام الشيخ(رحمه‏اللّه).
ومنه تعرف ما في كلام صاحب الجواهر(رحمه‏اللّه) من انه على فرض عدم تمامية الاجماع فالحث على قتلهم والقعود لهم في كل مرصد يقتضي عدمه.
2- ذكروا لطرف الكثرة اعني القدر المتيقن من المدة التي لا تجوز الهدنة في الاكثر منها مع فرض قوة المسلمين ايضا حدا وهي سنة كاملة، فلا تجوز في الاكثر منها.
قال المحقق في الشرائع: «ولا يجوز اكثر من سنة على قول مشهور»، وقال العلامة في التذكرة: «اذا كان في المسلمين قوة لم يجز للامام ان يهادنهم اكثر من سنة اجماعا».
وقال في المنتهى: «اذا اقتضت المصلحة المهادنة وكان في المسلمين قوة لم يجز للامام ان يهادنهم اكثر من سنة اجماعا». هذا، ولكن الامر في كلام الشيخ(رحمه اللّه) يختلف عن ذلك، فانه قال: «ولا يجوز الى سنة وزيادة عليها بلا خلاف‏» انتهى.
فمقتضى هذا التعبير هو عدم الجواز لسنة ايضا مع ان ظاهر كلام من نقلنا عنهم آنفا عدم الجواز لازيد من سنة، وكلام الشيخ اوفق بما استدلوا به من الآية الشريفة، اعني قوله تعالى:
(فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين ... الآية)، حيث فهموا منها وجوب الجهاد في كل سنة قمرية عند انسلاخ الاشهر الحرم. ومعلوم ان الهدنة في تمام السنة تنافي وقوع الحرب في بعض منها ولو بيوم.
ويحتمل ان يكون مراد المحقق والعلامة (رحمهما اللّه) ايضا ما يوافق كلام الشيخ (رحمه اللّه) وانما ذكروا التحديد بالسنة تسامحا. وكيف كان فالدليل على الحكم على ما في كلماتهم امور: الاول: الاجماع كما ادعاه العلامة(رحمه‏اللّه) وغيره، وادعى الشيخ(رحمه اللّه) في المبسوط عدم الخلاف، الا ان المحقق(رحمه‏اللّه) عدل عن ادعاء الاجماع الى نسبة القول الى المشهور، وهذا ما يضعف دعوى الاجماع; اذ الظاهر ان وجه العدول، عدم تحقق الاجماع عنده كما استظهره الشهيد الثاني في المسالك. الثاني: قوله تعالى: (فاذا انسلخ الاشهرالحرم فاقتلوا المشركين ... الآية)، والاستدلال بالآية الشريفة يتم بتقريبين:
احدهما: ما في كلام الشيخ(رحمه‏اللّه) في المبسوط من انها اقتضت قتلهم بكل‏حال، خرج عنه قدر الاربعة اشهر بدليل الآية الاولى اعني قوله تعالى: (فسيحوا في الارض اربعة اشهر) وبقي ما عداه على عمومه.
وثانيهما: ما هو المستفاد من كلام الشهيد الثاني(رحمه اللّه) في المسالك من ان‏الآية تدل على وجوب الجهاد عند انسلاخ هذه الاشهر، وهو متحقق في كل‏سنة مرة، ثم اورد (رحمه اللّه) على الاستدلال بان الامر لا يقتضي التكرار.
هذا، وقد استشكل في دلالة الآية الشريفة على المدعى، المحقق ضياء الدين(رحمه‏اللّه) في شرحه على التبصرة، بان غاية مفاد الآية هو وجوب القتال في السنة بحسب المصلحة الاولية، وذلك لا ينافي جواز تركه لعقد الهدنة معهم لمصلحة اقوى ..
الى ان قال: وحينئذ لا مجال لتوهم المعارضة بين دليل القتال بعد انقضاء الاشهر الحرم كما هو مفاد آية: (فاذا انسلخ) التي هي الدليل على وجوبه في كل سنة، وبين آية الصلح والهدنة.
اقول : اما عدم دلالة الامر لا بمادته ولا بهيئته على المرة والتكرار، فنوافق عليه كلام صاحب المسالك(رحمه‏اللّه) وهو مما لا يختلف فيه المحققون من متاخري الاصوليين، الا ان دعوى دلالة الآية الشريفة على وجوب القتال بعد انتهاء الاشهر الحرم في كل عام ليست في راي القائلين بها من ناحية دلالة الامر على التكرار، بل من ناحية دلالة القضية الحقيقية على فعلية الحكم عند تحقق الموضوع في اي زمان واي مكان.
فبناء على ان الدلالة على الحكم في قوله تعالى: (فاذا انسلخ الاشهر الحرم... الآية)، على نحو القضية الحقيقية كما هو مدعى القائلين بوجوب الجهاد في كل سنة، وكما هو المعهود من ادلة الاحكام الشرعية، بل من القوانين والاحكام المدنية والشخصية، سواء الديني منها والعرفي فموضوع وجوب‏الجهاد عبارة عن انسلاخ الاشهر الحرم، اينما وقع ومتى ما وقع، فكلما تحقق هذا الموضوع خارجا، فلا مناص من الحكم بوجوب ما امر به في الآية الشريفة معلقا على هذا الموضوع، وهو استئصال المشركين .. الى آخر الآية.
فيكون الحكم هنا كالحكم بوجوب الصوم المتعلق بحلول شهر رمضان، فوجوب الجهاد في كل‏سنة على راي القائلين به اجنبي عن حديث المرة والتكرار في الاءوامر. ية او عقلية تنضم الى مفاد الآية، وبدونها فمقتضى اطلاق الامر كفاية تحقق المامور به ولو مرة.
واما ما افاده المحقق العراقي(رحمه اللّه) فيمكن تقريره بحيث لا يرد عليه الاشكال بان الاحكام الشرعية وان كانت في‏عالم الثبوت نتيجة للكسر والانكسار بين المصالح والمفاسد الكثيرة المجهولة غالبا لدى المكلف، الا انها في عالم الاثبات تابعة للادلة الشرعية العقلية والنقلية المؤدية اليها، ولا يمكن تقييد اطلاقاتها بالمصلحة كما تقيد بالضرورة بانه لما كانت الهدنة في جميع الموارد التي يختارها ولي امر الحرب والسلام، قائمة على المصالح المقتضية او الموجبة لها، المكافئة لمصلحة الجهاد والراجحة عليها وبذلك ترجح على حكم الجهاد الثابت بالادلة الشرعية الكثيرة، وتكون ادلتها حاكمة على ادلة الجهاد او مقيدة لها.
ففي موضوع آية الانسلاخ ايضا اذا فرض وجود مصلحة راجحة على مصلحة الجهاد، يمكن القول بتعين الهدنة عندئذ وعدم وجوب ما توجبه الآية المذكورة من القتال عند انتهاء الاشهر الحرم، فحكم هذه الآية حكم سائر آيات الجهاد في تقيدها بعدم وجود مصلحة في تركه فائقة على مصلحة الجهاد، فاذا فرض مثل تلك المصلحة فالمورد لا يكون مورد الجهاد، بل مورد الهدنة.
وتكون النتيجة ان الهدنة حينما كانت ذات مصلحة اقوى من مصلحة الجهاد جاز استمرارها حتى بعد انسلاخ الاشهر الحرم. فما اورده هذا المحقق (رحمه‏اللّه) على الاستدلال بآية الانسلاخ لاثبات عدم جواز الهدنة لاكثر من سنة، يبقى سليما عن الاشكال الذي اشرنا اليه، الا ان هناك اشكالا آخر، وهو ان آية الانسلاخ اخص من دليل الهدنة، فتقدم عليه.
بيان ذلك: ان الظاهر من آية الانسلاخ بناء على كون الحكم فيها على نحو القضية الحقيقية ان مدلولها ليس منحصرا في اصل حكم وجوب الجهاد، كما هو الحال في عمومات هذا الباب، بل الخطاب فيها متكفل اولا وبالاصالة لبيان امر آخر وهو وجوب قتل المشركين حينما انسلخ وانتهى الاشهر الحرم، بمعنى ان لهذه البرهة الزمانية خصوصية في نظر الشارع لاجراء عملية القتال، بحيث لا يرضى بتاخيره عنها، فيكون انتهاء الاشهر الحرم شرطا في توجه هذا الجانب الاصلي من مفاد الآية الشريفة، وتكون النتيجة ان المبادرة الى الجهاد عند انسلاخ الاشهر الحرم في كل عام الى ما قبل حلول تلك الاشهر من العام القادم يعتبر امرا مطلوبا في نظر الشارع المقدس.
وبهذا البيان يتم استدلال من استدل بهذه الآية على عدم جواز التخلي عن الجهاد في جميع طول السنة كما لا يخفى. فحاصل هذا البيان: ان آية الانسلاخ اخص من دليل الهدنة; لاختصاصها بما بعد انتهاء الاشهر الحرم، فتقدم الآية على دليل الهدنة، وتكون مقيدة له بالنسبة الى الزمان الماخوذ فيها، ولا تصل النوبة الى ملاحظة المصلحة وتفاضلها في بابي القتال والصلح.
والنتيجة هي ان الهدنة اذا كانت ذات مصلحة، فهي جائزة الا في مورد آية الانسلاخ اعني القتال بعد انتهاء الاشهر الحرم.
والمحصل من جميع ما ذكرنا في الكلام عما اشكل به الشهيد الثاني والمحقق العراقي(رحمهم‏اللّه) على الاستدلال بآية:
(فاذا انسلخ...) الى آخرها: ان‏الاستدلال بها على عدم جواز عقد الهدنة الى سنة فما زاد، صحيح لا يرد عليه شي‏ء مما وردا عليه. هذا، ولكن هناك اشكالا آخر على هذا الاستدلال لم يتعرض له احد فيما نعرف، وهو ان مبنى هذا الاستدلال، هو ان مفاد الآية قضية حقيقية تصدى لبيان حكم كلي جار في جميع الازمنة وبالنسبة الى جميع الكفار، مثل غيرها من آيات الجهاد كقوله تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار)، فانها ليست تشير فقط الى الكفار الذين كانوا يلون المسلمين يومئذ، او قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم...)، فانها لا تعني قتال فئة خاصة تقاتل المؤمنين في ذاك الوقت، بل تصدى كل منهما لحكم كلي سار وجار في جميع الازمنة والامكنة وبالنسبة الى جميع طوائف الاعداء، فكلما وجد الموضوع في اي زمان واي مكان، وقع عليه الحكم، شان جميع القضايا الحقيقية، هذا هو مبنى الاستدلال بالآية الشريفة على وجوب الجهاد عند انسلاخ الاشهر الحرم في كل عام، ومن الطبيعي ان المراد بالاشهر الحرم في الآية بناء على هذا، هو الاربعة المعروفة، او الثلاثة المجتمعة منها بالذات. لكنك عرفت مما قلناه في الابحاث السابقة، ضعف هذا المبنى، وعدم الاعتراف منا بكون المراد من الاشهر الحرم تلك الاربعة المعروفة، ويتضح ذلك من النظر الى الآية الشريفة عن كثب، والى الربط المنطقي عرفا بينها وبين التي قبلها من الآيات، واليك النظرة الاجمالية اليها: لما اعلن تعالى براءته وبراءة رسوله عن المعاهدين من المشركين، امهلهم اربعة اشهر يسيحون في الارض، ثم قرن التوعيد والتهديد لهم في قوله تعالى: (فاعلموا انكم غير معجزي اللّه) بترغيبهم وحثهم على الايمان في قوله تعالى:
(فان تبتم فهو خير لكم)، ثم بعد ذلك التفت الى المؤمنين وبين لهم حكم معاملة المشركين المعاهدين: من لم ينقض منهم عهده، ومن نقض، فاما من راعى العهد ولم ينقضه، فامر المؤمنين بان يتموا عهدهم الى مدتهم ولا يتخلفوا عما عاهدوهم عليه، واما من نقض العهد واظهر العداوة في اثناء مدة المعاهدة، فامرهم بان يقتلوهم بعد تمام الاربعة اشهر التي امهلهم فيها، ويبيدوهم حيث‏يجدونهم وياخذوهم ويحصروهم ويقعدوا لهم كل‏مرصد، وان لا يحدثوا انفسهم بالمعاهدة معهم بعد ذلك، اذ كيف يكون لهم عهد عند اللّه وعند رسوله والحال انهم ان يظهروا على المؤمنين ويقدروا على ايذائهم والتحامل عليهم لا يرقبوا في مؤمن الا ولا ذمة ..
الى آخر الآيات. هذا هو مضمون الآيات في اول سورة براءة ، وهي كما ترى تتصدى لحكم خاص بالنسبة الى فئة خاصة من الكفار وهم مشركوا مكة وما حولها من البلاد في الحجاز في زمان خاص، وليس حكما عاما لكل فئات الكفار ولجميع الازمنة، فهي قضية خارجية تعلق الحكم فيها بموضوع معين خارجي، ولذا ترى ان حكم عدم المعاهدة مع المشركين الذين يظهرون الرفق ويبطنون البغض والعناد، لم يفت به الفقهاء، مع انه مذكور في الآيات، وليس ذلك الا من اجل ان الحكم في الآية ليس على سياق القضية الحقيقية. وفي جو هذا الاستظهار من الآيات الشريفة، يتمكن الانسان ان يعرف بوضوح ان المراد من الاشهر الحرم في الآية، ليست هي الاربعة المعروفة، بل المراد منها هي الاربعة التي امهلهم الله تعالى ان يسيحوا فيها آمنين وحرم على المؤمنين ان يتعرضوا لهم فيها. ان قلت : قد جرى ذكر الاشهر الحرم في الكتاب المبين في غير موضع، والمراد منها في الجميع هو تلك الاربعة المعروفة، مثل قوله تعالى: (منها اربعة حرم...)، وقوله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام...) فما الصارف عن هذا المعنى هنا؟ قلت : اولا : ذكر اللفظ بمعنى في مواضع من القرآن الكريم لا يستلزم كونه بعين ذاك المعنى كلما استعمل في الكتاب العزيز، ما لم تصل كثرة موارد الاستعمال الى حد تحصل به حقيقة شرعية لهذا اللفظ، او تكون قرينة صارفة له عن غيره من المعاني. وهذا لا يقطع به في ما نحن فيه وبالنسبة الى الشهر الحرام في هذه الآية. وثانيا : سلمنا ذلك، لكن ذكر الاربعة اشهر التي جعلت‏حراما بالنسبة الى هؤلاء المشركين في الآيات السابقة المرتبطة بهذه الآية، وكون الآيات بصدد بيان حكم قضية خارجية، يكفي صارفا لها عن ذلك المعنى.
وثالثا: فرضنا الشك في ذلك كله، فالحكم بوجوب القتال بعد الاربعة اشهر المعروفة استنادا للآية مع فرض الشك في المراد منها غير سديد. فتحصل من جميع ما ذكرنا: ان الآية الشريفة التي استدل بها على عدم جواز الهدنة في سنة وازيد، اجنبية عن مرامهم، ناظرة الى امر آخر، لا يمكن الاستدلال بها على ما ذكروه، وحينئذ فاطلاق دليل الصلح اعني قوله تعالى: (وان جنحوا للسلم فاجنح لها...) وسائرما استدل به في الباب يشمل الصلح في اكثر من سنة ، فيجوز اذا كان له مصلحة، على ما هو المقرر من اشتراط جوازه بالمصلحة. الثالث: مما استدل به على عدم جواز المهادنة في اكثر من سنة قوله تعالى: (فلا تهنوا وتدعوا الى السلم وانتم الاعلون والله معكم)، وقد استدل به العلامة(رحمه‏اللّه) في المنتهى ولم ار من استدل به غيره، وتقريب الاستدلال حسبما ذكره العلامة(رحمه‏اللّه)، ان مقتضاه النهي عن ابتداء المسالة عن الموادعة، الا انا خصصنا ما دون السنة للادلة، فيبقى الباقي على العموم. ويرد على الاستدلال ان الآية الشريفة لا تنهى عن السلم وانما تنهى عن الدعوة اليه، فهي اجنبية عن ما نحن بصدده، او قل:
انها اخص من المدعى، ثم ان الاستدلال بها على عدم الجواز في سنة واكثر ايضا مبني على المسامحة; اذ الدليل المخصص انما يخصص اربعة اشهر فما دون، فالباقي الذي يبقى تحت العموم هو ما يزيد على اربعة اشهر، وهذا غير المدعى. ثم ان الاجماع المدعى على الحكم، مما لا يمكن التعويل عليه، اولا من جهة ان اختلاف كلمات الشيخ والمحقق والعلامة (رحمهم‏اللّه) في التعبير عنه فعبر عنه الاول بعدم الخلاف والثاني بالشهرة والثالث بالاجماع يوجب وهن الدعوى، وثانيا من جهة ان الظاهر من تعابير الشيخ وغيره، استناد فتوى المجمعين الى الآية الشريفة: (فاذا انسلخ...) قال في المبسوط بعد قوله : بلا خلاف: «لقوله تعالى: (فاذا انسلخ الاشهر الحرم...)»، وقريب منه ما في المنتهى. ومن المعلوم ان اتفاق العلماء في استنادهم الى دليل شرعي او عقلي في حكم من الاحكام ليس هو الاجماع المصطلح الذي يعد احد الادلة الاربعة.
وعلى ذلك فالعمدة في الاستدلال على عدم جواز المهادنة في سنة واكثر، هي الآية الاولى، وقد عرفت عدم كفايتها للاستدلال، فالصحيح ما ذكره بعض الاعاظم(رحمه‏اللّه) في منهاجه من ان ما هو المشهور بين الفقهاء من انه لا يجوز جعل المدة اكثر من سنة فلا يمكن اتمامه بدليل. فالاقوى جوازه اذا كان فيه مصلحة. ثم انه وقع البحث بناء على عدم الجواز الى سنة في جواز الهدنة فيما دون السنة واكثر من اربعة اشهر، فقال الشيخ (رحمه‏اللّه) في المبسوط بعدم الجواز استناداالى آية:
(فاذا انسلخ...) بناء على كيفية استدلاله بها وقد تقدم ذكره وحاصله : انها اقتضت قتلهم بكل حال. ونسب الى الشافعي في احد قوليه: الجواز تمسكا باطلاق قوله تعالى:
(وان جنحوا للسلم فاجنح لها... الآية)، والمشهور بين اصحابنا هو مراعاة الاصلح. ولا يخفى عليك ان الامر بالنسبة الى ما بين اربعة اشهر والسنة بناء على ما ذكرناه في الاستظهار من الآية الشريفة (فاذا انسلخ الاشهر الحرم...) لا يختلف عنه بالنسبة الى غير هذه المدة، بمعنى ان الصلح امر جائز في الجميع.
واما ما عن المشهور من مراعاة الاصلح، فهو يجري في جميع الموارد ان فرض قيام دليل عليه. وعمدة ما يمكن ان يستدل به على ذلك هو ما قلناه سابقا من ان مناسبات الحكم والموضوع تقتضي ان ينظر الى الصلح كاستثناء في باب الجهاد، فبملاحظة ما ورد في باب الجهاد من الآيات الكريمة مثل قوله تعالى: (الذين‏آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه) الى قوله تعالى: (فقاتلوا اولياء الشيطان...)، وقوله تعالى: (ان اللّه اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون...)، وقوله تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة)، وقوله تعالى: (اشداء على الكفار رحماء بينهم...) الى الكثير الكثير من النصوص القرآنية واشباهها في الاحاديث الواردة عن النبي(ص) والائمة(ع) ... فبملاحظة ذلك كله يحصل القطع بان الاصل في معاملة الاعداء الحربيين هو الجهاد، ولكن هناك استثناءات ومنها المهادنة. وقد سبق ان الشرط الاصلي فيها هو اشتمالها على مصلحة للمسلمين، ومن المعلوم ان المصلحة ليس المراد منها مطلق المصلحة ولو كانت ضعيفة غير قابلة للاعتناء بها بنظر العقلاء واهل الحزم والاستصلاح، كما انه ليس المراد منها الضرورة التي تقدم على ادلة جميع الاحكام في جميع الابواب، بل المراد هو المصلحة الفائقة على مصلحة الجهاد في كل مورد، ولذلك قلنا سابقا ان الصلح بناء على ذلك قد يكون جائزا وقد يكون واجبا، على حسب المصلحة الموجودة فيه. فبناء على ذلك يكون كلام المحقق(رحمه‏اللّه) في الشرائع والذي وافقه عليه العلامة والشهيد الثاني والكركي وصاحب الجواهر(رحمهم‏اللّه) وغيرهم، وهو مراعاة الاصلح، متينا مقرونا بالدليل من دون فرق فيه بين الاقل من سنة والاكثر منها. ان قلت : هذا الذي تقولون من لزوم رعاية المصلحة جمعا بين دليلي الجهاد والصلح، انما يستقيم اذا كان الدليلان متكافئين، وليس هكذا الحال; اذ دليل الصلح اخص من دليل الجهاد، فان هذا اعم من صورة جنوح العدو الى الصلح وعدمه، وذلك مخصوص بصورة جنوحه الى الصلح، فيقدم عليه مطلقا من دون رعاية المصلحة. قلت : اخصية دليل الصلح من عمومات الجهاد وان كان مقتضى ظاهر هذه النصوص ولا يبعد الاخذ بذلك كما سياتي الا ان القول بجواز الصلح عند جنوح العدو اليه مطلقا ولو كان خاليا من المصلحة خلاف مقتضى الحكمة وموجب لتعطيل الجهاد في غالب موارده، وبشكل خاص في الموارد التي يكون وقف الجهاد فيها لمصلحة العدو، واستمراره خلاف مصلحته .. وهو معلوم البطلان، فلا مناص من القول بلزوم رعاية المصلحة حتى في صورة جنوح العدو الى السلم.
 3- لا خلاف في جواز تحديد مدة الصلح لاكثر من سنة عند ضعف المسلمين وحاجتهم الى ذلك، ولا يبعد ان يكون المراد كون المسلمين في اضطرار لذلك، والا فلا دليل بعد تسليم تمامية دليل‏حرمة الهدنة لاكثر من سنة على ان‏صرف الضعف يوجب جواز ذلك; اذ من المتصور ان يستمر القتال بدون هدنة لعل اللّه يحدث بعد ذلك امرا.
وكيف كان فقد ذهب الشيخ (رحمه‏اللّه) الى ان الهدنة تتقدر حينئذ بعشر سنين لا ازيد، قال في المبسوط: «فاما اذا لم يكن الامام مستظهرا على المشركين بل كانوا مستظهرين عليه لقوتهم وضعف المسلمين او كان العدو بالبعد منهم وفي قصدهم التزام مؤن كثيرة، فيجوز ان يهادنهم الى عشر سنين; لان النبي (ص) هادن قريشا عام الحديبية الى عشر سنين، ثم نقضوها من قبل نفوسهم، فان هادنهم الى اكثر من عشر سنين بطل العقد فيما زاد على العشر سنين وثبت في العشر سنين‏» انتهى. وقريب منه ما في فقه القرآن للقطب الراوندي. وقال العلامة في القواعد: «ولو عقد مع الضعف على ازيد من عشر سنين بطل الزائد»، وقد نسب هذا القول الى ابن الجنيد ايضا. واستدل له الشيخ (رحمه‏اللّه) في المبسوط بفعل النبي(ص) في الحديبية، حيث هادن قريشا الى عشر سنين، ثم نقضوها من قبل انفسهم، انتهى. وحيث ان نفس فعل النبي(ص) لا يدل على اكثر من جواز هذا العمل اعني مهادنة عشر سنين، وليس له دلالة على عدم جوازه في اكثر من تلك المدة. تمم العلامة (رحمه‏اللّه) في المنتهى الدليل المذكور، بضميمة عموم قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين... الآية)، خرج منهم من صولح معهم عشر سنين بمصالحة النبي(ص) فيبقى الباقي على العموم. الا انه (رحمه‏اللّه) بعد ما نقل خلاف ابي حنيفة في ذلك واختياره الجواز على ما يراه الامام واستدلاله بامور يناسب مسلكه في القياس، قوى اختيار ابي حنيفة، وفي التذكرة نفى الباس عنه، فمختاره بناء على ذلك جواز الهدنة لاكثر من عشر سنين اذا راى الامام مصلحة في ذلك. ومن العجب ان الشيخ الكركي(رحمه‏اللّه) نسب الى العلامة في المنتهى والتذكرة الجواز مع الضرورة، وقال: «وليس بذلك البعيد...» اذ ليس في كلامه(رحمه‏اللّه) تعرض لحال الضرورة، الا ان يقال ان محل الكلام في كلمات الاصحاب هو حال الضرورة، كما نفينا البعد عنه قبل ذلك. وكيف كان فما قواه العلامة في المنتهى والتذكرة واختاره صاحب الجواهر(رحمه اللّه) وغيره، اعني عدم تقيد زمان الهدنة بعشر سنين عند حاجة المسلمين اليها، هو الذي يساعده اطلاق ادلة الصلح من حيث المدة، والوجه الوجيه للجمع بينها وبين اطلاقات باب الجهاد على ما تقدم. 4- تقدم سابقا ان جعل المدة من شرائط صحة الهدنة بل مما له دخل في المفهوم من هذا العنوان في الاستعمالات الدارجة في السنة الفقهاء (رحمهم‏اللّه)، فلا يجوز الهدنة مع التابيد او الاطلاق، اعني اهمال ذكر المدة. لكن في بعض الكلمات مضافا الى ذلك اشتراط تعيين قدر المدة، فقد صرح نفر من الفقهاء بمانعية جهالة المدة، فلو قال مثلا: اهادنك الى مدة، او قال: اهادنك الى ما لا يقصر عن عشر سنين، او الى اقل من عشرين سنة وامثال ذلك لم تنعقد الهدنة، من اجل عدم تعيين المدة فيها.
وعلى هذا فمراد من اعتبر تعيين المدة، ليس اعتبار كون الهدنة ذات مدة فقط، بل مراده مضافا الى ذلك تعيين مقدار المدة طولا وقصرا، وضرب اجل‏لزمان الهدنة، كسنة او عشر سنين او اقل او اكثر. فممن صرح بان جهالة المدة تضر في عقد الهدنة العلامة (رحمه‏اللّه)، فقال في القواعد: «ولابد من تعيين المدة، فلو شرط مدة مجهولة لم تصح‏»انتهى. ويعني بذلك عدم صحة العقد، وعلى فرض كون المراد بقوله: «لم تصح‏» عدم صحة الشرط، فذلك ايضا ينتهي الى عدم صحة العقد بناء على ما هو المشهور من ان فساد الشرط في خصوص المهادنة يوجب فساد العقد، وسوف ياتي الكلام في ذلك. وقال في الارشاد: «ولو هادنهم على ترك الحرب مدة مضبوطة وجب، ولا تصح المجهولة‏»، انتهى. وفي المنتهى:
«وكذا لا يجوز الى مدة مجهولة‏»، وقال المحقق في الشرائع:
«ولا تصح الى مدة مجهولة ولا مطلقا». الا ان كلام الشيخ (رحمه اللّه) في المبسوط ليس بتلك المثابة من الوضوح، فانه قال: «ولا بد من ان تكون مدة الهدنة معلومة، فان عقدها مطلقة الى غير مدة كان العقد باطلا; لان اطلاقها يقتضي التابيد» انتهى، فان ما فرعه على لزوم معلومية المدة انما يناسب اصل اشتراط المدة في مقابل التابيد لا معلومية قدرها، وهذا يوجب سلب ظهور كلامه في ما نحن فيه، فربما يكون مراده اصل ذكر المدة الذي هو خارج عن محل الكلام.
الا ان يقال: ان جعل المدة في العقد، لا ينفك موضوعا في راي الشيخ(رحمه اللّه) عن كونها معينة، فاهمال مقدار المدة وعدم تعيينه، يساوي في نظره مع اطلاق العقد وعدم جعل المدة له راسا. وعلى اي حال، فالكلام في الدليل على ذلك. ربما يستدل له بان العقود غير صحيحة مع الجهالة، كما هو المعروف في البيع والاجارة وغيرهما، صرح بذلك المحقق الاردبيلي في شرح الارشاد.
ولا يرد عليه الاشكال بان: الجهالة المانعة عن الصحة في امثال البيع والاجارة، انما هي جهالة العوضين فيهما، واين هذا من جهالة المدة في مثل الهدنة؟ اذ يمكن الاجابة عنه بان قيام عقد الهدنة بالزمان، ليس باقل من قيام البيع والاجارة بالعوضين، فكما ان جهالتهما فيهما توجب كون العقد فيهما على امر مجهول فكذلك جهالة المدة في الهدنة توجب وقوع العقد فيها على امر مجهول، وهذا هو الذي يبطل العقد به. ولكن مع ذلك يمكن تضعيف هذا الاستدلال بان عدم صحة العقود مطلقابالجهالة غير معلوم، بل معلوم العدم لوجود معاملات مبنية على نوع من الجهالة كالمزارعة والمضاربة والجعالة وغيرها، مع انها شرعية بلا اشكال.
بل حتى لزوم معلومية العوضين ومانعية الجهل بهما في البيع والاجارة ايضا غير متفق عليه الا فيما انجر جهالتهما الى الغرر، فقد ذهب جمع من الفقهاء الى ان جهالة العوضين في نفسها لا تضر حتى في مثل البيع والاجارة، وناقشوا في دلالة ما يدعى دلالته على ذلك من الروايات. والعجب ان المحقق الاردبيلي نفسه من جملة هؤلاء الذين لا يرون اعتبار العلم بالعوضين في البيع، ويجوز البيع الجزافي كبيع الصبرة ويضعف الدليل المدعى على اعتبار معلومية العوضين. وحينئذ فالمناقشة في صحة الهدنة من جهة مجهولية المدة فيها، غير وجيهة لا سيما من مثله.
نعم مانعية الغرر عن صحة العقد، امر متفق عليه، الا ان القدر المتيقن في ذلك هو الغرر في عقد البيع الذي ورد فيه الحديث المشهور المتلقى بالقبول بين علماء الاسلام، عن النبي(ص) انه نهى عن بيع الغرر، وهو معقد الاجماعات المنقولة في باب مانعية الغرر، ولو تعدينا عن البيع الى غيره من جهة تنقيح المناط القطعي، فانما نتعدى الى عقود من قبيل الاجارة وامثالها التي تشابه البيع في كثير من اركانه وانما تختلف عنه ببعض الخصوصيات، واما الهدنة فهي بمعزل تماما عن جريان الحكم المنصوص عليه في البيع اليها; لان حقيقتها ليست مبادلة شي‏ء بشي‏ء، بل اتفاق من الطرفين على امر واحد فيما بينهما، وهو ترك نائرة الحرب.
والحاصل: ان جهالة المدة في الهدنة لا تكون مضرة بصحة العقد من هذه الجهة، ولا يقاس عقد الهدنة بعقد البيع في احكامه مع ذاك الفرق الشاسع بينهما. هذا، وقد سلك صاحب الجواهر(رحمه‏ اللّه) في اثبات مانعية جهالة المدة في‏الهدنة مسلكا آخر، فانه بعد ادعاء عدم الخلاف في المسالة قال ما محصله: ان‏مثل هذا العقد ذو مفسدة فبطلانه مقتضى الاصل، هذا اولا، وثانيا ان الاجل في كل عقد اشترط فيه الاجل لا بد ان يكون معلوما، وذلك حتى في مثل الصلح الذي يقع على المجهول، وهذا من مسلمات الفقه، بل ربما يمكن دعوى الاجماع عليه، انتهى محصل كلام صاحب الجواهر(رحمه اللّه).
اقول: اما الامر الاول: فهو دعوى صغروي لا نناقش فيها من حيث كبراها; اذ من المعلوم بطلان كل هدنة تكون فيها مفسدة، ولكن المناقشة في الصغرى لها مجال; اذ رب هدنة مجهولة المدة يكون فيها صلاح كبير للمسلمين، فالامر موكول في كل مورد الى ملاحظة حاله بخصوصه.
واما الثاني: فهو كلام متين لا بدمن الخوض في مغزاه، فما افاده(رحمه‏اللّه) من ان كل‏عقد اشتمل على اجل فان الاجل فيه لا بد ان يكون معلوما، فقد سبقه في التفطن لذلك الشهيد الثاني في هذا المورد، حيث قال مستدلا لبطلان العقد في مجهول المدة: «اما في المجهولة المدة فلانه عقد يشتمل على اجل فيشترط فيه العلم كغيره‏». (راجع المسالك ذيل كلام المحقق في هذه المسالة) وهو كلام يصدقه التتبع في الابواب المختلفة في الفقه مثل: المزارعة، والمساقاة، والاجارة والمتعة وغيرها، فراجع كلمات الفقهاء في ذلك، وله سر نتصدى لبيانه بعد قليل. ثم ان صاحب الجواهر(رحمه‏اللّه) فرع على ذلك انه: لو اشترط الامام الخيار لنفسه مع جعل المدة مجهولة، لا يجدي ذلك في تصحيح عقد الهدنة، ورد كلام المحقق والشهيد الثانيين حيث مالا الى صحته، معللين بانتفاء الجهالة بعد حصول التراضي منهما، واوكل ابطال كلامهما الى وضوحه بقوله: وهو كما ترى... ولعله اراد بذلك ان الاجل مع هذا الشرط ايضا يبقى غير معلوم، على ما هو المفروض من عدم علم الطرفين بان الامام متى يشاء النقض ويختاره. اقول: يبدو ان الجهالة في هذا الباب لم تقصد بمعنى واحد في كلام المورد والمورد عليه، اعني المحقق والشهيد الثانيين من جانب، وصاحب الجواهر من جانب آخر. وتبيين الحق في ذلك يتم بالتفريق بين قسمي الجهالة، فنقول: تارة يراد بجهالة الاجل، عدم علم الطرفين او احدهما به مع تعينه في الواقع، كما لو نسيا المدة مثلا او كتباه في كتاب ثم ضاع الكتاب.
ولا شك في ان مثل هذه الجهالة لا ترتفع بجعل الخيار للامام; اذ عدم علم الطرف الآخر على الاقل بالاجل باق بحاله مع ذلك. وكما اوكل صاحب الجواهر(رحمه‏اللّه) الامر في ذلك الى وضوحه فهو واضح لا يحتاج الى الاستدلال. واخرى يراد بها الجهالة بمعنى عدم تعينه راسا من اول الامر، وهذه الجهالة هي الجهالة في مقام الثبوت ونفس الامر.
فالمدة المجهولة على هذا المعنى هي التي لم تعين من قبل المتعاملين، مع ذكر عنوان المدة وجعل المعاملة مقيدة بها، كما لو قالت في المتعة مثلا: زوجتك نفسي الى مدة، ففي موارد الجهالة بهذا المعنى لا شك في ان جعل الخيار لاحد الطرفين او لكليهما يوجب ارتفاع الجهالة بذاك المعنى; لان المدة تعينت في الواقع ونفس الامر وان لم تتعين في علم المتعاملين.
هذا هو الفرق الموضوعي بين النوعين من الجهالة، ثم بعد ما اتضح ذلك فلابد من نقل الكلام الى ان الجهالة التي افتى العلماء في جميع ابواب الفقه بكونها لا تلائم جعل الاجل في كل ما اشترط فيه الاجل وان الاجل لا بد وان يكون معلوما دائما،اريدبهااي نوع من الجهاله.

 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID