عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
حهم
الخميس, صفر 30, 1432 بطلان ربح ما لم يضمن‏ آية اللّه السيد محمود الهاشمي

 
بعد بيان مفاد القاعدة موضوعة البحث وتشريح ادلتها بالتفصيل عالج سماحة استاذنا (دام ظله) ما يمكن ان يورد عليها من الاشكالات .. ثم تطرق لبعض التطبيقات الفقهية لهذه القاعدة .. والذي شدني كقارئ الى هذا البحث هو النتيجة المهمة التي رسا عليها من حيث‏سعة الثمرات العملية المترتبة عليها ومن حيث مساحة الانعكاس الفكري لها باعتبارها تمس ركنايعد من مختصات النظرية الاقتصادية العامة في النظام الاسلامي الحنيف ..
ان البحث حول هذه القاعدة يقع في عدة جهات:
الجهة الاولى - في تعريف القاعدة وبيان المراد منها:
وهذا يتوقف على تقديم مقدمة حاصلها: انه لا اشكال في حرمة الربا وكونه من الكبائر التي تترتب عليها مفاسد كثيرة.
وفي الآيات والروايات ما يدل على ان الربا من مس الشيطان، وان المرابي ياذن بحرب اللّه ورسوله، وانه اشد من سبعين زنية بذات محرم في المسجد الحرام، الى غير ذلك مما هو صريح في تشديد الشارع الاقدس في المنع عنه.
ولا اشكال في ان الشارع قد حرم جملة من المعاملات التي تنتهي الى الربا روحا ولبا ايضا، بل وحرم جملة من المعاملات المشابهة للربا كحريم للمنع عن الوقوع في الربا، ولعل تحريمه ربا البيع من هذا القبيل.
والخصوصية البارزة في الربا الجاهلي الاصلي الذي كان هو ربا القرض اعني الاقراض بزيادة في قبال الاجل ان المالك للمال يستثمر ويستفيد من المقترض زيادة على راس ماله ظلما وعدوانا رغم انه قد ضمنه راس ماله بحيث لا تكون عليه خسارة فيه، بل تكون الخسارة والهلكة للمال على المقترض، وراس المال بتمامه مضمون للمالك مردود اليه. ومن هنا اعتبرت الفائدة زيادة وربا لكونه اكلا من مال الآخرين واسترباحا باموالهم بلا دفع مقابل، ولهذا اعتبر ظلما عند العقل والعقلاء وبصريح القرآن الكريم.
وبهذا يختلف الربح الربوي عن الربح التجاري فان حصول الربح التجاري بل سائر اقسام الاسترباح براس المال كالربح الزراعي والصناعي الانتاج يكون راس المال باقيا على ملك المالك المستربح بحيث تقع كل خسارة ودرك وهلكة او عيب فيه عليه، فهو يربح بمال لو هلك وتلف كان دركه وخسارته عليه ومن كيسه، فيحق ان يكون ربحه له لانه ربح ماله، بخلاف المال الذي يكون مضمونا على الغير، كما في الربا، فانه بعد ان كان راس المال مضمونا ومحفوظا لمالكه كان الربح زيادة وربا لا يستحقه، بل يستحقه الذي من يكون راس المال من كيسه.
اذا اتضحت هذه المقدمة عندئذ نقول: بان الشكل الصريح والظاهر للربا والزيادة على راس المال هو ربا القرض، حيث يملك فيه المقترض المال بالقرض من المقرض، فيخرج عن ملكه الى ملك المقترض، فاذا اراد ان يقبض منه المقرض اكثر مما ملكه كان ربا وزيادة على راس ماله، وهذا هو الربا الصريح.
الا انه ربما يتحايل للوصول الى النتيجة نفسها باشكال اخرى من المعاملات، لا تكون بحسب ظاهرها وشكلها وصيغتها القانونية زيادة مالية ياخذها من الغير، بل ظاهرها استرباح المالك بماله الباقي على ملكه، فيكون نماء له يستحقه كالارباح التجارية الاخرى. الا انها روحا ولبا تكون من الربا لانها تحتوي على الخصيصة التي اشرنا اليها في الربا، وهي ان راس مال المالك يكون مضمونا على الغير رغم بقاء الملكية الشكلية للمالك، او كون المعاملة بيعا لا اقراضا وتضمينا لراس المال على الآخر قانونا، ولكنه لباوروحا تكون مالية لراس المال مضمونة للمالك على الطرف الآخر بحيث لا يتحمل المالك خسارة من ناحية راس ماله، اي لا يكون ضمانه على المالك في تلك المعاملة الا ان ربحه له.
و هذا هو المقصود من النهي عن ربح ما لم يضمن، اي ربح المالك لمال لا يكون ضمانه وبدله عليه، فالمراد من بطلان ربح ما لا يضمن هذا المعنى، وسياتي مزيد تفصيل وتوضيح له.
والمراد من النهي عن ربح ما لا يضمن: المنع عن الاسترباح واخذ الزيادة والربح على مال لا يضمنه صاحبه اذا قرئ مبنياللفاعل، او لا يكون ضمانه عليه اذا قرئ مبنيا للمفعول.
وهذه قاعدة شرعية لسد باب التوصل الى الربا روحا بطريق وشكل قانوني غير الاقراض بفائدة، كما ان‏هناك معاملات اخرى منع عنها للهدف نفسه كالبيع بسعرين نقدا ونسيئة في بيع واحد، وسلف وبيع، وغير ذلك مما سنتعرض لها ضمن الابحاث القادمة.
وهذه القاعدة اعني المنع عن الاسترباح براس المال غير المضمون على مالكه اذا استطعنا اثباتها بكليتها من الروايات سوف يكون لها تطبيقات مهمة في ابواب عديدة من فقه المعاملات ويكون لها دور خطير في النظرية الاقتصادية على ما سنشير اليه في محله ان شاء اللّه تعالى.
الجهة الثانية - في مدرك القاعدة المزبورة: وهي طوائف عديدة من الروايات، الا انا نتحدث هنا عما ورد فيه عنوان القاعدة، والروايات الاخرى التي قد يمكن استفادة القاعدة منها لكونها واردة في تطبيقات القاعدة نؤجلها الى جهة اخرى، فنقول:
ما دل على النهي عن ربح ما لم يضمن بهذا العنوان والذي منه انتزعنا عنوان القاعدة قد ورد عن النبي الاعظم (ص) ضمن مناهي عديدة نقلها العامة والخاصة باسانيد صحيحة عند الطرفين. فقد ورد في سنن العامة بسند صحيح عندهم: «ان النبي(ص) قد نهى عن سلف وبيع، وعن بيعين في بيع، وعن ربح ما لا يضمن، وعن بيع ما ليس عندك‏».
وفي طرقنا وردت روايات عديدة عن ائمة اهل البيت(ع) ينقلون عن النبي(ص) النهي المذكور:
ففي رواية سليمان بن صالح عن ابي عبداللّه(ع) قال: «نهى رسول اللّه(ص) عن سلف وبيع، وعن بيعين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن‏».
والسند صحيح اذا استظهرنا انصراف عنوان سليمان بن صالح الى الجصاص المعروف والثقة، كما لا يبعد.
وفي موثقة عمار عن ابي عبداللّه(ع) قال: «بعث رسول‏اللّه(ص) رجلا من اصحابه واليا فقال له: اني بعثتك الى اهل اللّه يعني اهل مكة فانهم عن بيع ما لم يقبض، وعن شرطين في بيع، وعن ربح ما لم يضمن‏».
والسند تام.
ونقل الصدوق في حديث المناهي باسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين ابن زيد عن جعفر بن محمد(ع) عن آبائه(ع) عن النبي(ص) انه قال: «ونهى عن بيع وسلف، ونهى عن بيعين في بيع، ونهى عن بيع ما ليس عندك، ونهى عن بيع ما لم تضمن‏».
الا ان السند غير تام لعدم توثيق شعيب، على ان الوارد فيه عنوان النهي عن بيع ما لم يضمن، لا ربح ما لم يضمن، فيحتمل ان يكون المراد منه بيع ما لم يقبض الوارد في موثقة عمار او يكون هناك تصحيف في نسخ الفقيه.
فالمهم الروايتان السابقتان.
وينبغي التعرض لفقه هذه الطائفة وتوضيح معنى الفقرات الواردة فيها، فنقول:
العناوين الواردة في مجموع هذه الروايات كالتالي:
1- النهي عن بيع وسلف او سلف وبيع.
2- النهي عن بيعين في بيع.
3- النهي عن شرطين في بيع.
4- النهي عن بيع ما لم يقبض.
5- النهي عن بيع ما ليس عندك.
6- النهي عن ربح ما لم يضمن.
7- النهي عن بيع ما لم يضمن.
وقد اتضح لك ان العنوان الاخير قد ورد بسند غير تام، فيبقى البحث في العناوين الاخرى.
العنوان الاول:
اما الاول وهو النهي عن بيع وسلف او سلف وبيع فقد فسره بعض الفقهاء ببيع شي‏ء نقدا بكذا ونسيئة باكثر.
الا ان هذا التفسير خلاف الظاهر في نفسه وبقرينة الروايات الاخرى لان السلف في مقابل النسيئة كالقرض، بل هو هو، فلا يصح التعبير عنها بسلف وبيع، هذا مضافا الى ان بيع شي‏ء نقدا بكذا ونسيئة بكذا بيع واحد لا بيعان، ولهذا قد عبر عنه في الروايات بشرطين في بيع او بيعين في بيع، بل ورد ذلك في نفس هذه الروايات ايضا، مع ان ظاهر عنوان سلف وبيع او بيع وسلف وجود معاملتين مستقلتين جمع بينهما المتعاملان.
وقد يفسر السلف بشراء الشي‏ء سلفا ثم يبيعه قبل موعده وقبل قبضه.
الا ان هذا الاحتمال مضافا الى عدم صحته فقهيا، وقد دلت الروايات على الصحة فيه خلاف الظاهر اذ السلف اسم لما يقبض حالا ليؤخذ بدله مستقبلا، ولذا يصدق على القرض، فيكون النظر الى نفس السلف، لا ما قد يشترى بالسلف، ولهذا ورد في رواية اخرى النهي عن بيع وسلف، بل ظاهر النهي عن سلف وبيع ارادة النهي عن عمل كان يحقق بمجموع امرين السلف والبيع، وهذا لا يناسب ان يكون المراد منه بيع ما اشترى اولا سلفا، والا كان المنهي عنه هو البيع بالخصوص لا السلف.
وقد يفسر ببيع شي‏ء باكثر سلفا ثم شرائه باقل نقدا او بالعكس، وهما حيلتان من حيل الربا ايضا.
الا ان هذا وان كان باطلا على ما يستفاد من بعض روايات العينة الا ان حمل النهي عن سلف وبيع على ذلك خلاف الظاهر اذ هو من بيع النسيئة ثم الشراء بنقد، ولا يسمى النسيئة بالسلف، بل هو مقابل له.
والظاهر بل المطمان به ان المقصود من سلف وبيع ان يقرضه ويسلفه مالا والقرض هو السلف، يقال: اسلفه اي اقرضه ولكن مع التباني على ان يبيعه شي‏ء آخر باكثر من قيمته محاباة فيربحه فيه، فيقرضه مثلا مئة دينار ويبيعه خاتما لا يسوى اكثر من دينار بعشرة دنانير، فتشتغل ذمة المقترض بحسب النتيجة بمئة وعشرة دنانير، وهذه طريقة متبعة في حيل الربا، فالنهي المذكور عن النبي(ص) للمنع عن ذلك.
ومنه يعرف: بطلان اشتراط الاقراض والسلف في بيع او في اي عقد آخر مثله كالاجارة اذا كان احدهما مشروطا ومنوطا بالآخر لبا وروحا اذ لا خصوصية للبيع. ومنه يثبت بطلان ما تداول اليوم وافتى المشهور بصحته من الايجار والسلف للتحايل والتوصل الى الربا.
ولا يقال: ان النهي عما اذا كان السلف والاقراض اولا والبيع او الايجار بما يربح المقرض شرطا فيه، لا العكس.
فانه يقال: مضافا الى اطلاق النهي للصورتين لان المتفاهم منه النهي عن الجمع بين السلف والبيع بنحو يكون احدهما منوطا بالآخر ومعه، وان التقديم في ذكر السلف ليس الا للجمع بينهما لا للترتيب ان بعض الروايات قدم فيها البيع فقيل: نهى عن بيع وسلف.
نعم قد ورد جواز القرض والبيع المحاباتي في بعض روايات حيل الربا، وهي على قسمين:
قسم منها ورد بعنوان صحة القرض مع البيع المحاباتي: منها رواية محمد بن اسحاق بن عمار، قال: «قلت لابي الحسن(ع) ان سلسبيل طلبت مني مئة الف درهم على ان تربحني عشرة آلاف فاقرضها تسعين الفا، وابيعها ثوب وشي‏ء تقوم بالف درهم بعشرة آلاف درهم؟ قال: لا باس‏».
ومنها رواية محمد بن سليمان الديلمي عن ابيه عن رجل كتب الى العبد الصالح(ع) يساله: «اني اعامل قوما ابيعهم الدقيق اربح عليهم في القفيز درهمين الى اجل معلوم، وانهم سالوني ان اعطيهم عن نصف الدقيق دراهم، فهل عن حيلة لا ادخل في الحرام؟ فكتب اليه: اقرضهم الدراهم قرضا وازدد عليهم في نصف القفيز بقدر ما كنت تربح عليهم‏».
وقسم منها ورد في تاجيل الدين والسلف، لا تاجيله بالبيع المحاباتي: منها رواية عبد الملك بن عتبة (عقبة) قال:
«سالته عن‏الرجل يريد ان اعينه المال او يكون لي عليه مال قبل ذلك فيطلب مني مالا ازيده على مالي الذي لي عليه ايستقيم ان ازيده مالا وابيعه لؤلؤة تسوى مئة درهم بالف درهم، فاقول:
ابيعك هذه اللؤلؤة بالف درهم على ان اؤخرك بثمنها وبمالي عليك كذا وكذا شهرا؟ قال: لا باس‏».
ومنها موثقة مسعدة بن صدقة عن ابي عبداللّه(ع) قال: «سئل عن رجل له مال على رجل من قبل عينة عينها اياه، فلما حل عليه المال لم يكن عنده ما يعطيه، فاراد ان يقلب عليه ويربح ايبيعه لؤلؤا او غير ذلك ما يسوى مئة درهم بالف درهم ويؤخره؟ قال: لا باس بذلك، قد فعل ذلك ابي رضي اللّه عنه، وامرني ان افعل ذلك في شي‏ء كان عليه‏».
ومنها موثقة محمد بن اسحاق بن عمار قال: «قلت لابي الحسن(ع) يكون لي على الرجل دراهم فيقول اخرني بها وانا اربحك فابيعه جبة تقوم علي بالف درهم بعشرة آلاف درهم، او قال: بعشرين الفاواؤخره بالمال؟ قال: لا باس‏».
فيقع التعارض بين هذه الروايات وروايات النهي عن سلف وبيع.
ويمكن ان يجاب اما عن القسم الاول:
فاولا : ان الروايتين الواردتين فيه ضعيفتان سندا اذ في سند الاول علي بن حديد، وفي الثاني سليمان الديلمي، والارسال.
وثانيا: ان ظاهرهما ايقاع البيع مستقلا عن السلف، لا بنحو يكون احدهما مشروطا بالآخر ومنوطا به في عالم الانشاء. اما الاولى فلانه قد ورد في ذيلها بنقل الكافي حيث علق عليها «وفي رواية اخرى لا باس به اعطها مئة الف وبعها الثوب بعشرة آلاف، واكتب عليها كتابين‏». فان التعبير ب«اكتب عليها كتابين‏» معناه ان هناك معاملتين احداهما مستقلة عن الاخرى، وليست‏شرطا فيها، لا اقل من احتمال هذا المعنى الموجب للاجمال.
واما الثانية، فلان الظاهر منها ان القوم كان من قصدهم على كل حال شراء نصف الدقيق، والامام(ع) علم البائع طريقا واقعيا للتوصل الى ربحه من دون ان يجعل ذلك شرطا في القرض او البيع، كيف! ولو اريد الشرطية كان ظاهرها عندئذ اشتراط الزيادة في ثمن الدقيق ضمن عقد الاقراض، وهو ربا قطعا، فالرواية غير ظاهرة في الاشتراط والاناطة اصلا. وهذا بخلاف النهي عن سلف وبيع او بيع وسلف فان‏ظاهره اناطة احدهما بالآخر واشتراطه به في مقام الانشاء.
واما القسم الثاني: فقد يتصور وقوع التعارض بينه وبين النهي عن سلف وبيع بناء على التفسير المتقدم له، بل ومع سائر ادلة الربا كالروايات الدالة على ان كل قرض جر شيئا نفعا فهو ربا، كما في صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبداللّه(ع) قال: «سالته عن الرجل يسلم في بيع او تمر عشرين دينارا ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير او عشرين دينارا ، قال: لا يصلح اذا كان قرضا يجر شيئافلا يصلح، قال: وسالته عن رجل ياتي حريفه وخليطه فيستقرض منه الدنانير فيقرضه ولولا ان يخالطه ويحارفه ويصيب عليه لم يقرضه، فقال: ان كان معروفا بينهما فلا باس، وان كان انما يقرضه من اجل ان يصيب عليه فلا يصلح‏». وهذه الرواية بنفسها دليل على بطلان مثل هذه المعاملات، اعني البيع والسلف من اجله بنحو مشروط به حتى اذا كان البيع مقدما والاقراض شرط في البيع المحاباتي الذي يصيب فيه.
وفي موثقة محمد بن قيس عن ابي جعفر(ع) قال: «من اقرض رجلا ورقا فلا يشترط الا مثلها، فان جوزي اجود منها فليقبل، ولا ياخذ احد منكم ركوب دابة او عارية متاع يشترط من اجل قرض ورقه‏». وفي صحيح الحلبي عن ابي عبداللّه(ع) قال: «اذا اقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا باس اذا لم يكن بينكما شرط‏». وموثق اسحاق بن عمار قال: «قلت لابي ابراهيم(ع): الرجل يكون له عند الرجل المال قرضافيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منفعة، فينيله الرجل الشي‏ء بعد الشي‏ء كراهية ان ياخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة، ايحل ذلك؟ قال: لا باس اذا لم يكن يشرط‏». ومفهومه انه مع الشرط لا يجوز، وهو مطلق من حيث كون الشرط ضمن القرض او البيع.
تفصيل المشهور:
وقد فصل المشهور في البيع المحاباتي مع القرض بل والاجارة كذلك بين اشتراط القرض ضمن عقد البيع او الاجارة فيصح وبين العكس فلا يصح اما بدعوى عدم شمول الادلة المانعة عن الربا او النهي عن سلف وبيع لما اذا كان الاقراض شرطا في البيع، او لو فرض الاطلاق فيها فباعتبار ظهور الروايات الدالة على جواز البيع المحاباتي مع شرط التاجيل او الاقراض في الجواز، فتقيد اطلاقات الحرمة بما اذا كان الشرط ضمن عقد القرض فانه الذي يكون ربا وشرطا يجر نفعا لان شرط المحاباة نفع زائد، اما بلحاظ مالية نفس البيع المحاباتي او بلحاظ ما يؤول اليه بالنتيجة من تملك المالية الزائدة.
مناقشة المشهور:
الا ان الانصاف: عدم تمامية هذا التفصيل لا في نفسه وبلحاظ ادلة تحريم الربا، ولا بلحاظ الروايات الخاصة.
اما الاول: فلان الربا صادق في الصورتين، لا من جهة ان انشاء البيع بشرط الاقراض نفس انشاء القرض بشرط البيع، والفرق بينهما باللفظ ليقال بان الامور الانشائية حقيقتها وقوامها بالانشاء والمنشا الاعتباري، ومن الواضح ان مضمون البيع بشرط القرض غير مضمون الاقراض بشرط البيع، فلكل‏منهما ماهيته الاعتبارية ويترتب على كل منهما احكامه الخاصة، ولعل هذا معنى الحديث «انما يحلل الكلام ويحرم الكلام‏».
بل من جهة ان الربا المحرم بحسب مفهومه العرفي وبحسب المستفاد من الروايات المتقدمة وغيرها هو الزيادة على راس المال الذي يلزم به المدين قانونيا في قبال التاجيل ومن اجله، فكل زيادة صدق عليها انها من اجل القرض وكان ملزما قانونا فهو ربا، سواء الزم بذلك في نفس عقد القرض بنحو الشرط ونحوه، او كان ملزما به نتيجة عقد آخر كالبيع المحاباتي او الاجارة بشرط الاقراض، او نتيجة نفس التاجيل ومرور الزمن على الدين كحكم قانوني، فانه بحسب النتيجة يكون المقترض ملزما قانونا بان يدفع الى المقرض زائدا على راس ماله مالا آخر، وهو ما اشتراه محاباة باكثر من قيمته السوقية، فان كون الزيادة في مقابل البيع في البيع انشاء لا يمنع عن صدق انه في مقابل القرض الى اجل ومن اجله.
والحاصل: ليس الربا عنوانا للزيادة في بدل القرض بنحو الجزئية او الشرطية ضمن عقد القرض بالخصوص، بل الثابت بالآيات والروايات ان مطلق الزيادة اللزومية في مقابل الاجل يكون ربا، فيكون هناك شرطان لصدق الربا عرفا وشرعا، احدهما الالزام القانوني بالزيادة، والآخر كونه من اجل الاقراض والتاجيل وان لم يكن ضمن انشاء عقد القرض. كما ان الروايات المتقدمة الدالة على بطلان اشتراط النفع من اجل القرض مطلقة تشمل كلتا الصورتين، خصوصا صحيح ابن شعيب وموثقة محمد بن قيس، اذ الاول ظاهر في انه انما يقرضه من اجل ان يحارفه ويجازيه بالبيع المحاباتي ونحوه الذي قد يقال بظهوره في جعل ذلك شرطا في الاقراض، والثاني منهما ورد فيه النهي عن الاشتراط من اجل قرض ورقه ولم يقل الاشتراط في قرض ورقه، فهو اعم من ان يكون الاشتراط بمعنى اللزوم على المقترض من جهة الشرط في ضمن القرض او بالعكس، وانما المهم ان يكون ملزما به وان يكون من اجل القرض، وهذا يصدق في الحالتين لان الالزام حاصل فيه ولو بالعقد المحاباتي، وكونه من اجل القرض ايضا صادق عرفا جزما.
وهكذا يتضح: انه على القاعدة ومع قطع النظر عن رواية النهي عن بيع وسلف ايضا يكون الحكم هو المنع في الحالتين.
واما الثاني: فلان الروايات الخاصة الناهية قد عرفت اطلاقها للحالتين، والروايات المرخصة القسم الاول منها لم تتم سندا ولا دلالة، والقسم الثاني لا تدل ايضا على صحة اشتراط المحاباة في الاقراض، بل مفادها مفاد ما دل على ان المقترض اذا اعطى المقرض مالا هدية ولو بقصد ان يصرفه عن المطالبة بماله فله ذلك، كما في موثق عمار المتقدم وغيره لورودها في البيع المحاباتي الذي يقع بعد تحقق القرض، وفي ذلك لا يكون المقترض ملزما بالاقدام عليه، وليس في الروايات ما يدل على لزوم ذلك على المقترض، فلو اقدم عليه كان حاله حال الاقدام على اعطاء هدية ومال الى المقرض كي لا يطالبه بدينه، فهو من دفع الزيادة الطوعية التبرعية لا اللزومية، بخلاف ما اذا كان اصل الاقراض شرطافي البيع المحاباتي فانه من حين تحقق القرض يكون ملزما بالزيادة. فالروايات المذكورة اجنبية عن باب الربا.
ومع ذلك يكون كل من الاقراض بشرط البيع او الايجار المحاباتي او العكس باطلا لكونهما ربا حقيقة، فتشمله عمومات حرمة الربا، ولاطلاق نهي النبي(ص) عن سلف وبيع، واطلاق بل ظهور صحيح يعقوب بن شعيب، واطلاق روايات «ما لم يكن يشرط‏» المتقدمة فان البيع او الايجار المحاباتي اذا كان مع السلف والقرض فلا محالة كان المقترض من اول حصول القرض والاقتراض ملزما بدفع الزيادة من اجل القرض وهذا هو الربا، بخلاف ما اذا تحقق القرض بلا الزام بدفع الزيادة ولكنه اراد دفع مطالبة المالك بالتبرع بهدية له او بيع محاباتي معه من اجل ان يطمع فلا يطالب من دون ان يكون المقترض ملزما به، فان هذا ليس الزاما بالزيادة على تقدير القرض لان القرض متحقق ولو لم يقدم على المعاملة المحاباتية، بل هو تسبيب من المقترض بان يبقي المقترض قرضه ولا يطالب بهدية او محاباة، وهذا هو الذي ورد في رواية مسعدة ان الامام كان يامر به او يصنعه في دينه نفسه، فكم فرق بين المطلبين! نعم هو ملزم تكوينا اذا اراد عدم مطالبة الدائن، وهذا حقه مع عدم الاعسار في المدين.
الا ان الربا هو الزيادة الملزمة قانونا في قبال الاجل، لا لزوم دفع الزيادة ليرفع الدائن يده عن حق‏مطالبته تكوينا، وكون الزيادة المدفوعة كهدية او كمحاباة في مقابل الاجل وكون المقترض ملزمابدفعه بعد عقد المحاباة لا يجعله ربا طالما لا يكون اقدامه على اصل العقد المذكور الزاميا عليه قانونا حيث يمكنه ان لا يقدم عليه ويكون قرضه صحيحا ايضا.
ودعوى: ان المرابين يمكنهم ان يقرضوا اولا الى مدة ولو قصيرة، وبعد ذلك يشترطون للتاجيل المحاباة.
مدفوعة: بان هذا لا يحقق هدف المرابين ان لم يكن من حين القرض يشترط البيع المحاباتي فيما بعد اذ لو لم يقدم عليه المقترض كان القرض تاما ولم يستحق المرابي شيئا، بل لا يستحق المطالبة ايضابراس ماله مع الاعسار.
هذا، ولو فرض ان مطلق الالزام بالزيادة في مقابل التاجيل من القرض المتحقق سابقا ربا ايضا كماقد يدعى استفادة ذلك من بعض الروايات المانعة امكن حمل الروايات من القسم الثاني على صورة ما اذا لم يكن شرط التاجيل بل مجرد الداعي، وان كان هذا لعله خلاف ظاهر بعضها.
العنوانان الثاني والثالث:
واما العنوان الثاني وهو النهي عن بيعين في بيع فقد اتضح معناه، فيكون نفس معنى النهي عن شرطين في بيع، ولهذا نجد انه في صحيح عمار عبر بدلا عن بيعين في بيع بشرطين في بيع، وهذا اصرح في ارادة ما ذكرناه من بيع شي‏ء بثمنين حالا ومؤجلا لان الشرط يطلق على الثمن كثيرا في الروايات وفي الاستعمالات اللغوية كما يظهر بمراجعتها، بل في معتبرة السكوني عن جعفر، عن ابيه، عن آبائه(ع) : «ان عليا(ع) قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين، بالنقد كذا وبالنسيئة كذا، فاخذ المتاع على ذلك الشرط، فقال: هو باقل الثمنين، وابعد الاجلين، يقول: ليس له الا اقل النقدين الى الاجل الذي اجله بنسيئة‏».
واحتمل بعض في معنى بيعين في بيع ما يصنعه بعض من يريد الحيلة في ربا الفضل والبيع، كمن يريد ان يبيعه منا من حنطة بمنين، فيجعله بيعين احدهما مشروط بالآخر بان يقول:
بعتك المن بدينار على ان تبيعني المنين بدينار، فيتوصل الى غرضه بذلك.
الا ان هذا التفسير خلاف الظاهر وان كان الصحيح بطلان البيعين كذلك اذا كان المبيع من الجنس الربوي لان الظاهر من بيعين في بيع ان تكون الصفقة والبيع واحدة حتى صورة لا متعددة، على ان‏هذا عندئذ كان ينبغي تخصيصه بالجنس الربوي لان ربا البيع يكون فيه بالخصوص.
وقد يفسر «البيعان في بيع‏» بما سياتي في بعض الطوائف القادمة من الروايات من جعل الصفقتين صفقة واحدة، كمن يريد ان يشتري متاعا وليس له مال، فياتي من له مال فيقول له: اشتر لي المتاع من صاحبه وازيدك نظرة، فيشتريه له ويقع له بنفس الشراء صفقة واحدة، فيكون من بيعين في بيع.
الا ان هذا الاحتمال ايضا خلاف الظاهر اذ منصرف بيعين في بيع تعدد البيع من حيث نفسه، لا من حيث طرفه ومن له البيع الذي بلحاظه عبر بالصفقة. وتعدد البيع من حيث نفسه لا يكون الا بتعدد الثمن في البيع الواحد، لا تعدد الطرف فان المناسب معه ان يوجه النهي الى الثلاثة، فيقال لا تجعلوا صفقتكم واحدة.
فالاظهر ان المراد من النهي عن بيعين في بيع نفس العنوان الثالث، وهو النهي عن شرطين في بيع.
والوجه في بطلان هذه المعاملة ليس ما ذكره جملة من الفقهاء من ان لازمه مجهولية الثمن وعدم تعينه ونحو ذلك، وهو غرر موجب للبطلان لوضوح عدم جهالة في البين بعد ان كان المقدار على كل تقدير من التقديرين معلوما، كما انه لا تردد في الثمن بعد ان كان الثمن هو الجامع والكلي بين العشرة نقدا او خمسة عشر الى سنة مثلا نسيئة، فيكون نظير بيع الكلي في المعين، ولهذا لا يحكم بالبطلان لو باعه شيئا بالجامع بين عشرة دراهم نقدا او نسيئة الى مدة مثلا.
هذا كله، مضافا الى صراحة معتبرة السكوني المتقدمة مع معتبرة اخرى هي موثقة محمد بن قيس عن ابي جعفر(ع) قال: «قال امير المؤمنين(ع): من باع سلعة فقال: ان ثمنها كذا وكذا يدا بيد وثمنها كذا وكذا نظرة فخذها باي ثمن شئت واجعل صفقتها واحدة، فليس له الا اقلهما، وان كانت نظرة‏» في صحة البيع ولكنه يقع باقل الثمنين اي بثمن النقد وابعد الاجلين، مما يعني ان المنهي عنه هو اخذ الزيادة المجعولة بازاء التاجيل، فهي غير مستحقة للبايع، فتمام النظر الى تحريم ذلك لكونه من الربا ولو لبا وروحا بحسب قصد المتبايعين، لا الى حيثيات الصياغة وانشاء البيع، كما هو مقتضى التعليل المشهور لهذا الحكم، والا لزم بطلان البيع وعدم وقوعه حتى باقل الثمنين حالا فضلا عن وقوعه به مؤجلا.
دعوى التعارض:
وقد جعل بعض الفقهاء هاتين الروايتين المعتبرتين معارضتين مع موثقة عمار المتقدمة ورواية سليمان بن صالح بناء على اعتبارها وارادة نفس المعنى من فقرة النهي عن بيعين في بيع الواردة فيها، حيث ان ظاهر النهي فيهما الارشاد الى البطلان مطلقا، وعندئذ اما يحمل النهي على الكراهة، كما عن السيد المرتضى في الناصريات، او يحكم بالتعارض والتساقط والرجوع الى الاصل المقتضي للبطلان مثلا على اساس الجهالة او التردد في الثمن.
الجواب: الا ان هذه الكلمات غير تامة اذ مضافا الى عدم صحة الحمل على الكراهة في الاوامر والنواهي الارشادية، خصوصا مثل هذا النهي المؤكد من قبل النبي(ص)، وعدم كون مقتضى القاعدة الفساد والبطلان، لعدم الغرر وعدم التردد في الثمن ان اصل المعارضة غير تامة، لان روايتي السكوني ومحمد بن قيس لا تدلان على صحة شرطين في بيع، بل تدلان ايضا على بطلانه بالنحو الذي يريده البائع وعدم تحقق غرضه كما هو مفاد رواية النهي، وانما تزيد عليه انه يقع البيع باقل الثمنين الى ابعد الاجلين، وهذا ما لا تنفيه رواية النهي لانها تدل على عدم تحقق ما يريده البائع ويقصده من وقوع الجامع بين الاقل نقدا والاكثر نسيئة ثمنا للمبيع، فلا تعارض في البين، ولو فرضت دلالته على البطلان المطلق فمن باب السكوت والاطلاق المقامي القابل للتقييد بروايتي السكوني ومحمد بن قيس، بل هما كالقرينة على التفسير وبيان ان البطلان بلحاظ ما قصده البائع لا البطلان المطلق، وهذا واضح.
وبهذا يظهر: ان النهي المذكور ايضا يراد منه المنع عن التوصل الى الربا بالتحايل من خلال جعل مقدار من الثمن بازاء التاجيل، بل هو من الربا بالتفسير المتقدم للربا، وهو كل زيادة ملزم بها من عليه المال في قبال الاجل، فان البيع المذكور يجعل المشتري ملزما اما بدفع الثمن الاقل نقدا او دفع الزيادة في قبال الاجل، وهذا هو حقيقة الربا، فتشمله عمومات التحريم والبطلان ايضا.
وان شئت قلت: ان هذا من قبيل ما اذا باعه بالاقل مؤجلا مع حق الربا والزيادة بازاء التاجيل، وهذا بخلاف ما اذا باعه نسيئة فقط بزيادة.
وعلى كل حال، ذيل الروايتين خير شاهد على ان النظر الى محذور الربا وجريانه في المقام، لا الجهالة والغرر او عدم تعين الثمن او عدم تنجيزية الانشاء ونحو ذلك مما توهمه البعض وعلى اساسه طرح الرواية المعتبرة بتوهم مخالفتها للقواعد.
لا يقال: اي فرق بين ان ينشا بيع واحد بثمن هو الجامع المذكور او ان يساومه اولا ثم يبيعه نسيئة بالاكثر تعيينا، الذي لا اشكال في صحته على القاعدة، وقد دلت عليه ذيل موثقة محمد بن قيس المتقدمة ايضا؟!
فانه يقال: الفرق انه في الحالة الاولى يكون قد الزم المشتري بدفع الزيادة بازاء التاجيل لانه رضي بالبيع بالاقل نقدا بل باعه بذلك فعلا بنفس هذا الانشاء، فلا تكون الزيادة الا لتاجيل ما استحقه عليه نقدا تماما ، كما اذا اسلفه ذلك الى ذلك الاجل بتلك الزيادة. بخلاف الثاني، فانه نظير بيع شي‏ء حالا باكثر من قيمته السوقية، فتدبر جيدا.
العنوانان الرابع والخامس:
 واما الفقرة الرابعة وهي النهي عن بيع ما لم يقبض ففيها احتمالان:
1- بيع المبيع الكلي كما في السلف او الشخصي قبل ان يقبضه المشتري من البائع.
2- بيع كل شي‏ء لم يقبضه البائع، اي لا يكون تحت‏سلطانه وفي يده بالفعل، فيكون خاصا بالمبيع الشخصي، ولا يشمل المبيع الكلي في الذمة.
والمعنى الاول مناف مع ما دل من الروايات على صحة بيع الكلي بل الشخصي ايضا قبل قبضه، مضافا الى انه لم يفرض في هذه الفقرة النظر الى خصوص بيع ما يشتريه الشخص من المبيع الكلي او الشخصي، كما ان القبض اعم من ذلك، فالاحتمال الثاني هو الاقرب، فيكون مفاد هذه الفقرة مفاد الفقرة الخامسة، وهي النهي عن بيع ما ليس عندك، الذي ظاهره ذلك ايضا، وان فسر بما ليس تملك، الا انه خلاف الظاهر والا لقال لا تبع ما ليس لك او ما لا تملكه.
وقد يشهد على وحدة الفقرتين ما نجده من خلو ما ورد فيه احداهما عما ورد فيه الاخرى من الروايات المتقدمة التي نقلت مناهي النبي(ص)، ففي روايتي سليمان وشعيب بن واقد وردت الفقرة الخامسة بدل الرابعة وكذلك في نقل العامة بينما في رواية عمار وردت الرابعة بدل الخامسة.
وعندئذ اما ان تحمل الفقرتان على النظر الى شرطية احراز القدرة على التسليم الذي هو شرط عقلائي ايضا، او على اشتراط وجود المبيع تحت‏يد البائع زائدا على قدرته على التسليم تعبدا، فيقيد بالشخصي لا محالة لما دل على جوازه في الكلي، ولعل الظاهر هو الاول ولو بمناسبة الارتكاز العقلائي.
العنوان السادس:
واما الفقرة السادسة وهي النهي عن ربح ما لم يضمن : ففيها احتمالات:
1- ان يراد النهي عن بيع ما لم يضمن وجوده، فيكون نهيا عن بيع المجهول.
2- ان يراد النهي عن بيع ما لم يقبض بان يكون الضمان كناية عن القبض، حيث‏يكون من معاني الضمان الاشتمال والاحتواء على الشي‏ء.
وهذان الاحتمالان خلاف الظاهر جدا اذ مضافا الى لزوم التكرار مع فقرة النهي عن بيع ما لم يقبض او النهي عن بيع ما ليس عندك الشامل لبيع المجهول ايضا انه لو كان النظر الى هذا المعنى كان المناسب النهي عن بيع ما لم يضمن، لا عن ربح ما لم يضمن، اذ لا خصوصية للربح والبيع باكثر في الحكم المذكور كما هو واضح، وحمل النهي عن الربح على ارادة النهي عن مطلق البيع تاويل لا يساعد عليه العرف. نعم، لو كان الوارد النهي عن بيع ما لم يضمن، كما في الفقرة السابعة الواردة في نقل الصدوق (قدس سره)، جاء فيه الاحتمال المذكور. هذا كله مضافا الى ان الضمان في باب البيوع والمعاملات يراد به ضمان الثمن او القيمة، لا القبض او الوجود، فانها معان اخرى للضمان لا تناسب باب المعاملات.
3- ان يراد النهي عن بيع الدلال لمتاع الغير مرابحة، وهذا هو ظاهر الشيخ الحر العاملي (قدس سره) في الوسائل، حيث اورد الروايات الناهية عن ربح ما لم يضمن تحت هذا العنوان، فتكون على وزان معتبرة ابي الصباح الكناني عن ابي عبداللّه(ع): «انه سئل عن الرجل يحمل المتاع لاهل السوق وقد قوموا عليه قيمة، ويقولون: بع فما ازددت فلك، فقال: لا باس بذلك، ولكن لا يبيعهم مرابحة‏».
والمقصود من المرابحة: ان يبيع براس ماله مع اشتراط ربح زائد عليه بنسبة كل عشرة دراهم مثلاالدرهم او الدرهمين، فيقول ابيعك هذا المتاع براس ماله ولي فيه بكل عشرة دراهم درهم او درهمان، فهذا نهي عنه، وانما يصح مساومة، وهو ان يبيعهم بمجموع ما يريد بلا اخبار براس المال ولا البيع به مع نسبة من الربح. ولعل السر في ذلك لزوم الكذب في الاخبار او التشابه بالربا او غير ذلك، ولهذا حمل المشهور بل الكل مثل هذه النواهي على الكراهة والتنزه.
الا ان هذا الاحتمال ايضا بعيد عن الفقرة المذكورة غاية البعد، وكانه نشا من مجي‏ء عنوان الربح في الفقرة، فتصور ان المراد به المرابحة الذي له معنى خاص، وهو نسبة الربح الى راس المال، مع وضوح ان الربح يشمل المساومة ايضا ولا يختص بالمرابحة. هذا مضافا الى ان التعبير بما لم يضمن لا يكون له معنى مع هذا التفسير.
4- ما ذكرناه في الجهة الاولى من ان المراد هو النهي عن الاسترباح بمال لا يكون ضمانه اي دركه ودفع ثمنه وبدله من كيس المستربح، فما لم يكن المال مضمونا على الانسان بحيث يكون ثمنه عليه لو تلف لا يستحق ربحه، وهذه هي النكتة الموجودة في باب الربا لان المقرض بالاقراض يضمن ماله على ذمة المقترض، ويصبح المال الخارجي ملكا للمقترض، فما يربح به في تجارة وغيرها يكون بدله على تقدير الخسران من كيسه، لا من كيس المقرض، فلا يستحق المقرض شيئا من ارباحه.
وقد ورد عكس القاعدة ايضا، اعني مفهومها وهو ان من ضمن المال كان له خراجه وربحه في بعض الروايات عندنا وعند العامة، اي ان الربح بالضمان.
ففي رواياتنا ورد في معتبرة ابراهيم الكرخي قال: «سالت ابا عبداللّه(ع) اني كنت بعت رجلا نخلا كذا وكذا نخلة بكذا وكذا درهما، والنخل فيه ثمر، فانطلق الذي اشتراه مني فباعه من رجل آخر بربح، ولم يكن نقدني ولا قبضت. قال: فقال: لا باس بذلك، اليس كان قد ضمن لك الثمن؟ قلت: نعم، قال: فالربح له‏».
فان ظاهرها ان ثبوت الربح له متفرع على انه قد ضمن ثمن النخل لمالكه بضمان المسمى حيث قال: «قد ضمن لك الثمن‏»، فجعل الضمان ملاكا لاستحقاق الربح، ولم يقل لانه مالك للنخل. وحمله على ارادة الملك خلاف الظاهر. نعم، هناك روايتان اخريان في نفس الباب قد يكون ظاهرهما ذلك، فراجع.
وعند العامة ورد الخراج بالضمان في مورد من ابتاع غلاما فاقام عنده ما شاء اللّه ان يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه الى النبي(ص) فرده عليه، فقال الرجل: «يا رسول اللّه قد استغل غلامي، فقال رسول اللّه(ص): الخراج بالضمان‏» ومورده ايضا ضمان المسمى وان عممه ابو حنيفة لضمان الغرامة ايضا.
وهذا المعنى لا اشكال في انه هو ظاهر اللفظ في قبال المعاني السابقة، الا ان هناك ايرادات عليه لا بدمن الاجابة عليها وحلها لتتضح حدوده وابعاده، وهذا ما نتحدث عنه في الجهة القادمة.
الجهة الثالثة - في الاعتراضات الواردة على هذا المعنى. وهي مجموعة نقوض فقهية لا يمكن ان يلتزم ببطلان الاسترباح فيها ما لم يرد بالضمان في هذه الفقرة معنى ونوعا خاصا من الضمان:
1- النقض بموارد ضمان اليد، كما اذا غصب غاصب مال شخص فانه سوف يكون ضامنا لتلفه فضلاعن اتلافه، فيلزم ان لا تكون نماءاته وارباحه له، وهذا مقطوع البطلان، كيف! وهو الذي ذهب اليه بعض العامة كابي حنيفة في قاعدة الخراج بالضمان، ودلت صحيحة ابي ولاد على بطلانه، وانه من الفتاوى التي يمنع قطر السماء عن اهل الارض.
ويكفي في الجواب على هذا النقض: ان المراد من الربح بقرينة السياق في الفقرات المذكورة بل وفي نفسه ارادة الربح التجاري اي الحاصل بالمعاملة، فلا يشمل النهي المذكور النماءات المتولدة من نفس المال او المنافع، فانها تابعة في الملكية لملكية اصل المال، فمن يملك الاصل يكون مالكا لها، ولا ربط ولا نظر لهذا النهي اليها، ويكون الغاصب ضامنا لها لان غصبه للاصل غصب لها، كما هو واضح.
2- النقض بما اذا بيع مال المالك باكثر اي بما فيه ربح فضولة من قبل الغاصب ثم اذن المالك، فانه يربح ربحا تجاريا من دون ان يكون ضامنا لراس المال لو كان يتلف.
وقد يجاب: بان النظر اذا كان الى الربح التجاري فيكون المراد بالضمان ايضا الضمان العقدي لا ضمان اليد، والضمان على الغاصب باليد لا بالعقد. الا ان هنا جوابا آخر اعمق سوف ياتي في دفع النقض القادم.
3- النقض بموارد الضمان العقدي او الضمان بالشرط مع ثبوت الربح فيها للمالك، كما اذا ضمن المالك على راس ماله بعقد التامين او عقد الضمان بمعنى ضمان العهدة، او كان عارية بيد الغير بنحو العارية المضمونة وكان مجازا او اجاز الاتجار به فحصل فيه ربح، فانه لا اشكال في انه يكون لمالكه.
والجواب: ان المراد بالضمان في هذه القاعدة طردا وعكسا منطوقا ومفهوما هو ضمان ثمن المسمى لا ضمان الغرامة، بمعنى ان المقصود هو النهي عن الاسترباح التجاري باموال الآخرين بان يدخل ربح مال الغير في كيس الانسان بلا ان يكون قد ضمن عوضه وثمنه، وفي مورد النقضين المذكورين يكون المال المشترى براس مال المالك قد ضمنه المالك بحيث لو تلف كانت ذمة المالك مشغولة بثمنه لا محالة، غاية الامر المؤمن او المستعير ايضا تشتغل ذمته للمالك باداء ما سيخسره للبائع بمقتضى عقد آخر هو عقد التامين او غيره او شرط الضمان في عقد العارية معه، فهذا ضمان آخر لا ربط له بضمان المسمى الثابت على المشتري المستربح في مقابل البائع لما حصل فيه الربح، وهذه هي الفذلكة الاساسية لهذه القاعدة.
والوجه في هذا الاستظهار مع انه قد يقال باطلاق الضمان لضمان الغرامة، بل يدعى ظهور ضمان المال في ان خسارته عليه بمعنى ذهاب نفسه من كيسه لا ذهاب ثمنه المسمى من كيسه هو انه:
اولا - ان الضمان بمعنى اشتغال الذمة او العهدة بالبدل، ولا معنى لان يراد من ما لم يضمنه المستربح ضمان الغرامة اذ المالك لا يقال له انه ضامن لمال نفسه بضمان الغرامة، وانما يعقل ذلك في حق غير المالك للمالك، فلو كان التعبير النهي عن ربح ما ضمنه الغير امكن ارادة هذا الضمان، الا ان التعبير النهي عما لم يضمن من قبل المستربح وانه لا بد من استحقاقه للربح ان يكون ضامنا له، وهذا لا يصدق الاعلى ضمان المسمى، اي اشتغال العهدة او الذمة بدفع الثمن لما يتجر ويؤخذ من الغير بالبيع والتجارة.
وثانيا: ظهور كلمة الربح وسياق الفقرات المذكورة في النظر الى باب الاسترباح بالتجارة ونحوه، والذي يكون ضمان المستربح والتاجر له ضمان المسمى.
وثالثا: ما ورد في رواية الكرخي، فانها صريحة في اناطة الربح بضمان الثمن.
4- النقض ببيع المبيع الشخصي باكثر قبل قبضه فان ضمان تلفه وخسارته من كيس البائع لقاعدة «ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه‏» فلا يكون المشتري المستربح ضامنا للمسمى فيه، مع انه يجوز ذلك، ولا يظن ببطلانه بل يقطع بالصحة فيه فقهيا، وقد صرحت روايات عديدة معتبرة بذلك، ففي صحيح الحلبي عن ابي عبداللّه(ع) قال: «سالته عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل ان ياخذها، قال: لا باس به ان وجد بها ربحا فليبع‏».
وهي ان لم تكن منصرفة الى الثمرة المشخصة المعينة في الخارج فلا اقل من اطلاقها، بل من يراجع روايات المسالة يظهر له ان البيع كان جائزا من هذه الناحية، وانما الاشكال والنهي قد ورد في بيع الطعام بربح قبل قبضه، والذي ذهب الى التحريم فيه بعضهم، الا ان بعض الروايات دلت على الجواز فيه ايضا، بل الروايات الناهية والمجوزة كلها واضحة الظهور في ان المحذور من ناحية الكيل، لا من ناحية عدم القبض وعدم ضمان المسمى، والروايات ان لم تكن منصرفة الى المبيع الشخصي فباطلاقها تشمله.
والجواب: اولا : يمكن ان يقال ان نفس بيع المبيع قبل قبضه يخرجه عن ضمان البائع لانه نحو تصرف فيه كالقبض، فلو تلف بعد البيع كان من كيس المشتري الاول لا البائع الاول، والرواية الدالة على هذا الحكم اي كون التلف قبل القبض من مال البائع لو تمت سندا ودلالة فلا اطلاق فيها لصورة تصرف المشتري فيه ولو كان تصرفا معامليا كالبيع والايجار لانها محمولة على القاعدة العقلائية، وهي لا تقتضي اكثر من ذلك.
وثانيا: لو سلمنا اطلاق الرواية مع ذلك قلنا بان الضمان في المقام يعقل ان يكون على المشتري الاول وذلك فيما اذا جاء البائع واعطى المبيع له ولم يرض باعطائه للغير فانه لا يجب عليه ذلك جزما فيكون التلف عندئذ من كيس المشتري الاول قبل اقباضه من المشتري الثاني، وهذا يعني ان عدم ضمان المشتري الاول منشاه عدم تحقق الاقباض له من قبل البائع لا نفس المعاملة.
فالحاصل: مورد النهي في القاعدة المذكورة ما اذا لم يكن يتحقق الضمان على المستربح بنفس المعاملة، لا ما اذا لم يكن ضمان عليه باعتبار خصوصية خارجية غير ملازمة مع طبيعة المعاملة، وهي عدم الاقباض، فتدبر جيدا.
وهكذا يتضح مفاد هذه القاعدة النبوية المباركة، وهي ان الانسان لا يصح منه الاسترباح باموال الآخرين بان يكون المال الذي فيه الربح له من دون ان يضمن ثمنه وقيمته على تقدير تلفه، اما بان لا يدخل في ملكه اصلا كما في ربح راس المال المدفوع قرضا، او يدخل في كيسه ولكنه بنحو لا يتحمل ضمان ثمنه اصلا، وهذا له مصاديق كثيرة منها ما سياتي من بيع ما لا يملكه باكثر قبل ان يشتريه بنحو يقع بالشراء لمن اراده باكثر نسيئة لا محالة، فانه هنا لا يكون المستربح ضامنا لثمن مثل هذا المتاع لا قبل الشراء ولا بعده كما هو واضح، وسوف تاتي تطبيقات عديدة لهذه القاعدة في الروايات في الجهة القادمة.

 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID