عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
مناقصه
الخميس, صفر 30, 1432 المناقصات الاستاذ الشيخ حسن الجواهري
اولاتعريف المناقصه
عرفت المناقصة بانها: «طريقة بمقتضاها تلتزم الادارة (او
الشخص) باختيار افضل من يتقدمون للتعاقد معها شروطا،
سواء من الناحية المالية او من ناحية الخدمة المطلوب
اداؤها».
ويرى البعض ان التعريف الاصح هو ان المناقصة طريقة تلتزم
الادارة باختيار افضل من يتقدمون للتعاقد معها من الناحية
المالية فقط، حيث يفترض ان الداخلين في المناقصة
متساوون من الناحية الفنية (مطابقة الشروط والمواصفات
من حيث تحقيق الغرض الفني)، واما التعريف الاول فهو
يسمح بالتحايل والتلاعب بارساء المناقصة على غير الارخص
بدعوى افضليته في المواصفات الفنية.
ونرى ان هذا التعريف شامل للمزايدة ايضا، باعتبار ان
المناقصة والمزايدة معا من عقود المنافسة النزيهة والتي
تساوي بين المتنافسين، وعلى هذا سوف يكون شراء الحاجات
وتنفيذ الاعمال من خصوصيات عقد المناقصة. كما ان بيع
الحاجات والمباني الحكومية او التابعة للاشخاص من
خصوصيات عقد المزايدة.
وهذا التعريف وان لم يكن تعريفا حقيقيا للمناقصات اذ قد
تعرض لالتزام احد الاطراف بالتعاقد، ولم يتعرض لالتزام
المتعاقد الآخر ولكن من مجمل عملية المناقصة الحديثة
نفهم ان المناقص ملزم بما تقدم به من عرض لبيع سلعته او
تقديم خدماته لحين رسو عملية المناقصة، ولذا من الافضل
اضافة هذه الجملة الى التعريف السابق وهي: «ويلتزم الطرف
الآخر بما عرضه لحين رسو العملية‏».
ولذا يمكننا ان نعرف المناقصات بانها: «طريقة بمقتضاها
تلتزم الاطراف باختيار افضل من يتقدم للتعاقد معها شروطا».
وقد يقال: ان التزام الداعي الى المناقصة هو التزام ابتدائي
«ليس في ضمن عقد»، فيكون وعدا لا يجب الوفاء به، وهو
معنى عدم كونه ملزما.
ونجيب عن ذلك: بان الالتزام اذا كان قد وصل الى حد
التعهد الى الغير بحيث رتب الغير عليه الآثار فصار عهدا
«عقدا» مستقلا، يجب الوفاء به خصوصا اذا قابله التزام من
الطرف الآخر.
هذا بالاضافة الى ما سياتي من امكان ان يكون الزام الداعي
الى المناقصة باختيار احسن العروض والزام المتناقصين
بالبقاء على التزاماتهم لحين رسو المناقصة قد شرط في ضمن
عقد بيع المعلومات التي تشترط للدخول في المناقصة،
فيحصل الالتزام في ضمن عقد، فيكون ملزما بالاتفاق.
وقد يستشكل في صحة التزام الداعي الى المناقصة باختيار
افضل من يتقدمون للتعاقد معه سواء قلنا ان هذا الالتزام قد
وصل الى مرحلة التعهد والعقد او كان شرطا في ضمن عقد
بيع المعلومات باشكال آخر، وخلاصته تكمن في غررية هذا
الالتزام، لان الداعي الى المناقصة قد التزم باختيار افضل من
يتقدم للتعاقد معه، مع انه لا يعلم المقدار الذي يقع عليه
التعاقد في الخارج الآن، فهو التزام غرري.
والجواب عن ذلك:
1- ان الغرر الذي منعه الشارع المقدس ليس هو الجهالة، بل
الغرر عبارة عن عدم معرفة حصول الشي‏ء من عدمه، كالطير
في الهواء والسمك في الماء، وهذا يختلف عن المجهول الذي
معناه «ما علم حصوله مع جهالة صفته‏».
2- ولو قلنا كما قال الفقهاء بان الغرر يشمل الجهالة ايضا،
فان الغرر المنهي عنه هو الغرر الذي يؤدي الى منازعة بين
المتبايعين، اما ما كان لا يؤدي الى المنازعة فهو لا باس به،
وقد ذكرت الروايات الامثلة الكثيرة الدالة على عدم الضرر في
وجود غرر (جهالة) لا يؤدي الى المنازعة، كما في بيع شي‏ء
من الحليب في الاسكرجة مع ما في الضرع، وبيع السمك في
الاجمة مع القصب الظاهر، وامثال ذلك من البيوع التي فيها
جهالة واضحة الا انها لا تؤدي الى منازعة بين المتخاصمين.
3- ولو تنزلنا وقلنا ان الغرر يشمل كل جهالة، فهو انما يضر
اذا كانت الجهالة في العقد، اما هنا فان‏الجهالة في الشرط
وليست في العقد.
ولا حاجة الى التنبيه الى ان هذه العقود لا يجوز فيها التغرير
والخداع من المتناقصين او المتزايدين او واحد منهم او
اطراف خارجية، وذلك لاجل تحقق المنافسة النزيهة التي هي
اساس المناقصة الحرة، كما انها عقود يطلب فيها المشتري او
البائع الاحتياط لنفسه ودفع التهمة عنه فيما اذا كان وكيلا او
وليا.
العلاقة بين المزايدة والمناقصة:
ويتضح مما تقدم ان العلاقة بين المزايدة والمناقصة هي
علاقة تضاد من الناحية اللغوية والموضوعية، فالزيادة ضد
النقص، ولهذا وردت التفرقة بينهما في العقود:
فالمناقصة: تستهدف اختيار من يتقدم باقل عطاء، ويكون
ذلك عادة اذا ارادت الادارة القيام باعمال معينة، كالاشغال
العامة، مثل بناء العمارات او اقامة الجسور او تبليط الطرقات
وما شابه ذلك.
اما المزايدة: فترمي الى التعاقد مع الشخص الذي يقدم اعلى
عطاء، وذلك اذا ارادت الادارة ان تبيع او تؤجر شيئا من
املاكها مثلا.
وعلى هذا نتمكن ان نقول: ان العلاقة بين المزايدة والمناقصة
هي علاقة تضاد في اللفظ والموضوع، كما هو واضح من
اختلاف طبيعة كل منهما، ولكن يشتركان في الاجراءات
والتنظيمات في الجملة، كما هو واضح من اشتراكهما في
التعريف (اختيار افضل من يتقدم للتعاقد)، فالاجراءات
المتبعة في عقد المناقصة هي بنفسها متبعة في عقد المزايدة،
فمثلا: بعد الاعلان عن المزايدة او المناقصة في وسائل الاعلام
وتتم الاجراءات الكتابية والمناداة العلنية تاتي المراحل الثلاث
التالية:
1- التقدم بالعطاءات من قبل الافراد او المؤسسات.
2- فحص العطاءات وارساء المزايدة او المناقصة.
3- ابرام العقد.
حكم النجش في المناقصة:
ان النجش الذي يذكر في بيع من يزيد ويعرف: «بانه تواطؤ
صاحب السلعة مع مزايد صوري يدفعه للمزايدة في السلعة
حتى يعلي ثمنها، ولا يقصد شراءها وانما اراد خدمة صاحبها».
والذي ذكر الفقهاء حرمته في صورة كون الناجش قد رفع
الثمن عن القيمة الحقيقية تضليلا للمزايدين ياتي في بيع
المناقصة ولكنه معكوسا، وذلك لوجود علة التحريم وهي
الاحتيال والاضرار بالاخ المسلم ظلما المستنبطة من نهي
النبي(ص) عن النجش.
وعلى هذا، فلو تواطا المزيد للسلعة الموصوفة باوصاف معينة
مع احد الافراد المشتركين في المناقصة بان يعرض بثمن اقل
من الثمن السوقي ولا يقصد البيع حقيقة خدمة لمن طلبها
فيكون هذا حراما، للعلة التي حرم النبي(ص) بها النجش،
وهي الاحتيال والخديعة والاضرار بالاخ المسلم ظلما،
ويشتركان في الاثم.
وكذا يحرم فيما اذا اتفق البائع مع من ينافسه في بيع السلعة
الكلية على عدم المنافسة له في العرض، او اتفق معهم على
عدم عرض السلعة بثمن اقل من كذا، فهو من الاحتيال
والغش، حيث ان اتفاق الاطراف كلها كان قد بني على
المنافسة النزيهة فيكون اتفاق البعض على عدمها غشا
واحتيالا.
فان كان فيه اضرار بالمشتري كان اشترى السلعة باكثر من
الثمن السوقي مع عدم علمه بذلك فالعمل يكون حراما،
لوجود علة حرمة النجش، ويثبت للمشتري الخيار في امضاء
الصفقة او فسخها.
وان حصل التنقيص في الثمن ممن لا يريد شراءها بغير
تواطؤ مع المشتري ليضر الغير ويخدعه، فان‏الحرمة تختص
بالمنقص.
اختلاف الموجب في بيع المزايدة والمناقصة:
قالوا: ان الموجب هو من يتقدم بعطاء، الا انه في المزايدة
يكون الموجب هو المشتري، بينما في المناقصة يكون الموجب
هو البائع، كما يكون ارساء المناقصة باختيار افضل من يتقدم
للتعاقد هو القبول.
ولكن يمكن المناقشة في جعل الموجب في المزايدة هو من
يتقدم بعطاء، باعتبار انه يتملك بثمن معين (وانما يملك
ثمنه للغير تبعا لتمليك الغير سلعته اياه، فهو تمليك تبعي)
فيكون قابلا، وقدم قبوله بلفظ «اشتريت‏» او «ابتعت‏» او
«تملكت‏» واشباهها، واما الموجب فهو الذي يملك السلعة وان
تاخر عن القبول.
وعلى هذا لا يشترط تقديم الايجاب على القبول، لظهور كونه
عقدا يجب الوفاء به، اما الرضا فهو موجود في تقديم القبول
على الايجاب وتقديم الايجاب على القبول.
علاقة المناقصة بالمقاولة:
ان علاقة المناقصة بالمقاولة من حيث ان المناقصات هي
قسم من المقاولات التي تكون ملزمة للطرفين، فان المقاولة
ربما تكون مع طرف خاص من غير ان تسبق بعرض ذلك
المشروع على الآخرين.
وبعبارة اوضح: ان المناقصة والمقاولة كلاهما تعهد من قبل
من يشترك في المناقصة والمقاولة، الا ان الاختلاف من
ناحية ان المقاولات عامة تشمل المناقصات التي هي مقاولات
خاصة وتشمل غير المناقصات التي يكون التقاول فيها مع
طرف خاص، من غير ان تسبق هذه المقاولة بعرض المشروع
على الآخرين. فالعلاقة بينهما هي علاقة العموم والخصوص
المطلق، اذ كل مناقصة هي مقاولة وليست كل مقاولة هي
مناقصة، فالمقاولات اعم من المناقصات التي هي مقاولات
خاصة.
واذا نظرنا الى ان المقاولة هي: عبارة عن عقد بين طرفين
يقدم فيه المقاول صناعة لآخر او عملا في مقابل مبلغ معلوم
عرفنا ان المناقصات قد تكون في البيع والسلم، وحينئذ تكون
العلاقة بين المناقصة والمقاولة هي العموم والخصوص من
وجه، حيث‏يلتقيان كما في المقاولة التي وجدت عن طريق
المناقصة فهي مقاولة ومناقصة، وقد يفترقان حيث توجد
مقاولة ليست بمناقصة كما في المقاولات المباشرة بين
الاطراف، وقد توجد مناقصة ليست بمقاولة كما اذا فصلت
مناقصة على شراء كمية من السلع تسلم نجوما.
علاقة المناقصة بالتوريد :
ان التوريد كما ذكره البعض‏: هو عقد بيع يتاجل فيه
البدلان (المبيع والثمن)، اي انه عقد على توريد سلع او مواد
محددة الاوصاف في تواريخ معينة لقاء ثمن معين يدفع على
اقساط. فالتوريد يختلف عن السلم في كون دفع الثمن
اقساطا، وهو يشبه السلم من ناحية ان المثمن له آجال
معلومة.
اذن يمكن القول بان التوريد اشبه شي‏ء بعقد الاستصناع
(المعروف عند الحنفية)، لانهم اجازوا فيه عدم تعجيل الثمن،
ولكنه يختلف عن الاستصناع حيث ان الاستصناع يقدم فيه
المقاول العمل والمواد معا، بينما عقد التوريد قد يقدم فيه
المورد السلع او المواد فقط من دون عمل.
ومن هنا نفهم ان علاقة المناقصة بالتوريد هي عبارة عن
العموم والخصوص من وجه، حيث يجتمعان كما اذا كانت
المناقصة هي عبارة عن توريد سلع او مواد معينة، وقد
يفترقان كما اذا كانت المناقصة عبارة عن مقاولة عمل، كما
قد يوجد عقد توريد بلا مناقصة مثل ما اذا كان العقد بين
فردين على نحو المباشرة.
والمهم هنا انه هل يصح عقد التوريد؟
الجواب: ان المانع هنا هو صدق بيع الدين بالدين (الكالئ
بالكالئ) الذي ورد فيه النهي، ولكن هذا الحديث ليس بسليم
السند، كما ذكر ذلك جماعة منهم احمد بن حنبل، حيث قال:
«ليس في هذا حديث‏يصح‏»، كما ان دلالته غير شاملة «لما
صار دينا في العقد، بل المراد منه ما كان دينا قبله، والمسلم
فيه (اي المورد) من الاول لا الثاني الذي هو كبيع ماله في
ذمة زيد بمال آخر في ذمة عمرو، ونحوه مما كان دينا قبل
العقد». وحينئذ يكون دليل المنع عن بيع الدين بالدين هو
الاجماع ويقتصر فيه على مورد الاتفاق، وليس هذا من مورد
الاتفاق، وحينئذ اذا لم يدخل تحت المنع ولم يكن فيه ربا
بالضرورة، لان عقد التوريد مبادلة سلعة بنقد، فالبدلان
مختلفان لا يدخلهما الربا، ويسمى بيعا عرفاوتشمله العمومات
فيكون صحيحا .
توضيح لعقود المناقصات المعاصرة:
ان ما يجري في الخارج من عقود المناقصات قد يحتوي على
عمليات متعددة يكون لفهمها الاثر الخاص في تشخيص الحكم
الذي نحن بصدده، لذا من المستحسن ان نستعرض سير
عملية المناقصة من اول ما يدعى الى المشاركة فيها وحتى
نهاية العقد، فنقول:
1- ان اول ما يصدر منشورا في الصحف الكثيرة الانتشار هو
وجود عزم عند جهة معينة لتاسيس مشروع معين او شراء
سلع موصوفة، ولكن طريقة تمامية العقد تكون على طريقة
المناقصة التي هي التزام بالتعاقد مع افضل من يتقدم
بالتعاقد معها. ويذكر عادة في هذا المنشور الدعوة الى
الاشتراك في المناقصة وذكر آخر موعد لتسلم المظاريف
التي فيها الاستعداد الكامل لتقبل الصفقة بسعر معين.
2- قد يشترط لاجل الاشتراك في عملية المناقصة شراء
المعلومات التي اعدتها الجهة الداعية الى المناقصة حول
المشروع، وهنا لابد لاجل الاشتراك في عملية المناقصة
لمن يرغب بها من شراء تلك المعلومات، وهذا عقد مستقل
قبل الاشتراك في المناقصة، ولا ارتباط له بعقد المناقصة
الذي لم تبدا اي مرحلة من مراحله لحد الآن.
وقد يشترط في هذا العقد تقديم خطاب ضمان ابتدائي
يدفعه البنك اذا رست المعاملة على احد المتناقصين ولم
يلتزم بها.
3- يبدا عقد المناقصة من حين تسلم المظاريف وفتحها،
وقد يكون من حين كتابة المظاريف، وبما ان‏في كل مظروف
استعداد صاحبه لتقبل المشروع بسعر معين، فهو يكون
ايجابا من قبل صاحبه للالتزام بما يريده صاحب الطلب، وفي
حالة كون المناقصة علنية وعلى وجه المباشرة بين البائع او
المقاولين وبين الراغب في تمامية المشروع له تكون المناداة
بالاستعداد بسعر معين هي الايجاب، ولكن بما ان الداعي الى
المناقصة قد التزم بانه يختار افضل من يتقدمون للتعاقد معه،
فحينئذ يكون بذل السلعة او العمل بسعر اقل من الاول موجبا
لسقوط الايجاب الاول وبقاء الثاني، وهكذا اذا حصل من يبذل
اقل من الثاني. الا ان هذه المرحلة يبتدا بها العقد ولكنه لم
يتم الا بعد ارساء المناقصة على احد الافراد وهو الاقل من
غيره.
4- واذا رست المعاملة على احد المتناقصين باعتباره
الافضل للتعاقد فقد حصل القبول وتم العقد في هذه اللحظة
وان كان قد بدا قبل ذلك. وفي هذه المرحلة لا يوجد اي
اشكال في هذه المعاملة، حيث يكون الثمن معلوما للمشتري،
كما لا باس بالفاصل بين الايجاب والقبول هنا، ولا نرى باسا
به فيما اذا حصل الايجاب بواسطة الرسالة التي تستغرق مدة
اكثر من المدة التي تكون بين كتابة المظاريف وفتحها وارساء
المناقصة على افضلها، حتى يتحقق القبول ويتم العقد.
ولكن قد يكون سير المناقصة بصورة اخرى، خلاصتها:
«تقديم القبول على الايجاب‏»، كان يقول الداعي الى المناقصة
كما تقدم في تعريفها : انا التزم باختيار افضل من يتقدم
للتعاقد معي حول هذا المشروع الموصوف بهذه الاوصاف
المعينة، ويعتبر هذا قبولا متقدما على الايجاب. وعلى هذا
فسوف يكون فتح المظاريف والاطلاع على افضل من تقدم
للتعاقد هو الايجاب المقبول سابقا.
وفرق هذه الصورة عن سابقتها هو في تحديد بدء العقد
وانتهائه، ففي الصورة الاولى كان بدء العقد بكتابة المظاريف
او فتحها وانتهاؤه بالقبول مع افضل من تقدم للتعاقد، اما في
الصورة الثانية فيكون بدء العقد من حين الدعوة الى المناقصة
وختامها بفتح المظاريف ومعرفة افضل من تقدم للتعاقد.
ولكن اشكال هذه الطريقة الثانية يكمن في عدم معرفة
الثمن حين القبول المتقدم، حيث ان المشتري او صاحب
المشروع قد قبل افضل من يتقدم للتعاقد معه وهو لا يعرف
الثمن الذي يكون في مقابل المشروع او السلعة المشتراة، نعم
يعرف الثمن حين تمامية العقد ومجي‏ء الايجاب، فهل هذا
يضربصحة العقد؟
والجواب: قد يقال بان جهالة الثمن عند القبول المتقدم لا
يضر بصحة العقد، حيث ان معلومية الثمن وكذا المثمن هي
شرط لصحة العقد، وحينما يتم العقد يتضح الثمن، فلا جهالة
بالثمن عند تمامية العقد، نعم هناك جهالة بالثمن قبل
تمامية العقد وهي لا تضر.
وبعبارة اخرى: اذا قلنا ان جهالة الثمن مضرة بصحة العقد
لانها تؤدي الى الضرر المنهي عنه، فان‏الضرر غير موجود بعد
تمامية العقد، حيث ان المشتري قد علم بالثمن حين رسو
المعاملة.
ثم اننا اذا لم نقبل ما تقدم كتوجيه لصحة الصورة الثانية
للمناقصات فنقول: ان القبول المتقدم ان لم يكن مقبولا فبعد
فتح المظاريف ومعرفة افضل من تقدم للتعاقد يحصل القبول
من المشتري الآن، فيكون ابتداء العقد وانتهاؤه كالصورة
الاولى، وقد عرفنا انه لا اشكال فيها.
ثانيا انواع المناقصات:
ان المناقصات التي توجد في الخارج يمكن ان تكون على
انواع متعددة:
الاول : مناقصات البيع والشراء : فان الجهة الداعية الى عقد
المناقصة تريد الشراء لما ترغب فيه بمواصفات معينة، والذي
يبذل ما يريده المشتري يكون بائعا، وهذا هو بيع الكلي
المضمون حالا.
الثاني : مناقصات الاستصناع والسلم : حيث تعقد المناقصة
لشراء الكلي الموصوف الذي يسلم بعد ستة اشهر مثلا، فيتعاقد
المشتري مع افضل من يتقدم من الناحية المالية والالتزامية،
فهي مناقصة سلم اذا كانت على سلعة لابد من تحويلها بعد
الاجل، ومناقصة استصناع اذا كان المراد تحويله هو عبارة عن
شي‏ء كونه العمل مع المواد الاولية التي يوفرها المستصنع.
الثالث : مناقصات لعقد الاجارة : لانشاء مشروع معين، على ان
تكون مواد المشروع من الجهة الداعية الى المناقصة.
الرابع : عقد مناقصة لاجل الاستثمار : ولهذا القسم انواع
متعددة تبدو في كل من:
ا - عقد المضاربة.
ب - عقد المزارعة.
ج - عقد المساقاة.
فان الممول في المضاربة الشرعية وصاحب الارض والبذر
الذي يريد زراعة ارضه بنسبة من الربح وصاحب الاصول الذي
يرغب في ان يسقي غيره اصوله المغروسة قد يعقدون مناقصة
لمن يكون شريكا لهم في الربح، فيعلنون رغبتهم للتعاقد مع
افضل من يتقدم للشركة معهم.
ونحن لا نحتاج الى سرد دليل خاص على مشروعية
المناقصات، حيث انها كما اتضحت داخلة:
اما في بيع الكلي حالا.
او بيع الكلي سلما.
او بيع الاستصناع.
او الاجارة.
او الاستثمار على طريقة المشاركة.
وبهذا سوف تكون ادلة هذه العقود هي الادلة على صحتها.
ثم انه كما يكون البيع في الحيوان والصرف والسلف
والاستصناع، كذلك تكون المناقصة فيها على حدسواء، وعلى
هذا فسوف تكون المناقصات شاملة للبيع وللاجارة وللاستثمار
عن طريق المشاركة في الربح، فهي عبارة عن عنوان عام
يمكن ان نطلق عليه عنوان عقود المناقصات.
وعلى هذا فان المناقصات لما كانت تختلف عن البيوع العادية
في اعتبار ان المشتري ملتزم بالتعاقد مع افضل من يتقدم
بالتعاقد معه وكذا البائع قد التزم بذلك كما في التعريف
فمعنى ذلك ان العقد الحاصل من تلك المناقصة قد اشترط
فيه اسقاط الخيارات، حيث ان الالتزام في العقد بالتعاقد مع
افضل من يتقدم للتعاقد ليس معناه عرفا هو الالتزام بالتعاقد
حتى يتم ثم يفسخ بعد ذلك بخيار مجلس مثلا، فان هذا
المعنى وان كان له وجه دقيق الا انه ليس عرفيا لمن يصرح
بانه ملزم بالعقد مع غيره، كما اذا حلف ان يبيع داره من فلان،
فانه لا يحق له ان يبيعها منه ثم يفسخ البيع بخيار المجلس،
وحينئذ يكون التصريح معناه بقاء العقد بدون فسخ، اما اذا
وجد فسخ بعد ذلك فلا معنى للالتزام بالعقد.
وعليه فسوف يكون معنى الالتزام بالعقد مع من يتقدم
باحسن الشروط هو عدم جواز الفسخ بخيار المجلس مثلا، وهو
معنى ارتكازية عدم الفسخ في عقد المناقصات، ومما ينبهنا
على ذلك اخذ خطاب الضمان الابتدائي الذي يكون لصالح
من يلتزم بالعقد ضد من لم يلتزم به بعد رسو المعاملة،
وسوف ياتي توجيه ذلك بكونه شرطا في فسخ المعاملة،
ومعنى ذلك عدم جواز الفسخ بدونه.
ونستطيع ان نستنتج من كل ذلك: ان الخيار موجود
للمتبايعين، ولكن لا يحق لكل واحد شرعا الفسخ الا في صورة
ان يكون خطاب الضمان لصالح الآخر.
بالاضافة الى ان المشتركين في هذه العقود هم من اهل
الخبرة الذين لهم سابقة جيدة في هذه المعاملات السوقية،
فيكون ادعاء الغبن مثلا هنا غير مسموع عادة، فلا يثبت‏خيار
الغبن فيها من هذه الناحية ايضا.
اختلاف المناقصة عن البيع:
واذا نظرنا بمنظار آخر للمناقصات نراها انها عبارة عن قسم
من البيوع، حيث ان البيع قد يكون مع طرف خاص من غير
ان يعرض المشروع في شراء السلع للآخرين، كما تكون
المناقصات قسما من بيع السلم او الاستصناع او الاجارة او
الاستثمار، حيث قد تكون هذه العقود الاخيرة من غير ان
يعرض مشروعها للآخرين.
وبهذا اتضح ان المناقصات قد تكون اعم من البيع كما قد
تكون اخص منه من ناحية اخرى، فبين المناقصة والبيع
عموم وخصوص من وجه، فيتفقان ويختلفان. وكذا تكون هذه
النسبة بين المناقصة والسلم، والمناقصة والشركة (مضاربة،
مساقاة، مزارعة).
التكييف الشرعي للمناقصات:
ان المناقصات التي قد لا يكون لها اثر شرعي خاص يمكن
الاستدلال على صحتها ومشروعيتها بعمومات (احل اللّه البيع)
و(تجارة عن تراض ) و(اوفوا بالعقود) بعد وضوح كونها من
مصاديق البيع والتجارة والعقد عرفا، حيث ان المشتري وكذا
المستاجر ارادا الوصول الى مقصودهما، وكذا الطرف الآخر
البائع او مقدم الخدمات الى الآخرين يريد الحصول على
نتيجة عمله متمثلا في النقد او اي شي‏ء آخر. واذا اتضح ان
المعاملة الجارية بصورة المناقصة هي بيع او اجارة او مزارعة
او مضاربة او مساقاة او غير ذلك ، فالدليل الذي دل على
صحة هذه العقود من الادلة العامة او الخاصة هو نفسه الدليل
على صحة هذه المناقصة بشرط ان تسلم اصول العقد وتحقق
اغراضه.
وسوف نرى فيما ياتي ان ما اشترط في عقد المناقصة هل
يخل باصل العقد او لا؟
ثم ان المناقصات تستهدف في حقيقتها المحافظة على
المنافسة الشريفة في خفض الاسعار لصالح طالب السلعة، او
خفض الاجرة لصالح طالب العمل، وهذا العمل قد يتعين في
الشريعة الاسلامية اذا كان الغرض منه الشراء للايتام بواسطة
الحاكم او الوصي او القيم، لما فيه من توقع الشراء باقل ودفع
التهمة، وكذا قد يتعين هذا العمل في الشراء او انجاز العمل
لمؤسسات الدولة كالاوقاف، والمؤسسات العامة كالمدارس.
وان لم يتعين فلا اقل من استحبابه في مثل الصور المتقدمة،
لما فيه من تحقيق المصلحة العامة او مصلحة المتولى عليهم
او دفع التهمة على المباشر في بعض الصور.
هل هناك تعارض بين صحة المناقصات والنهي عن الدخول في
سوم الاخ؟
هناك طائفتان من الروايات قد يقال بتعارضها مع عقد
المناقصة، وهما:
الاولى: التي تتضمن النهي عن بيع الرجل على بيع اخيه.
الطائفة الثانية: التي تتضمن النهي عن سوم الرجل على سوم
اخيه.
اما الاولى:
1- فقد ورد عن عبداللّه بن عمر(رضى‏اللّه عنه) ان رسول
اللّه (ص) قال: «لا يبيع بعضكم على بيع اخيه‏».
2- عن ابي هريرة قال: «نهى رسول اللّه (ص) ان يبيع حاضر
لباد، و... ولا يبيع بعضكم على بيع اخيه‏».
وقد روى هذا الحديث ايضا مسلم في صحيحه عن ابن عمر
(رضى‏اللّه عنه) بلفظ «لا يبع بعضكم على بيع بعض‏».
وعنه ايضا: «لا يبع الرجل على بيع اخيه، ولا يخطب على
خطبة اخيه، الا ان ياذن له‏».
ولما كان البيع حقيقة هو في صورة انعقاده، فيكون البيع
على البيع حقيقة في صورة انعقاد البيع الاول، وهذه الحقيقة
هنا منتفية، فحمل على اقرب المجازات اليها، واقرب
المجازات هي المراكنة التي يركن فيها المشتري الى البائع
وتنشر السلعة له.
اقول: ان حقيقة البيع على البيع هنا موجودة، فلا حاجة الى
حمل الروايتين على اقرب المجازات، وتوضيح ذلك: هو ان
البيع الاول عندما يتم ياتي البائع الآخر فيقول للمشتري في
زمن خيار المجلس: «اذا فسخت بيعك فانا ابيعك مثله باقل
منه‏»، او يقول مشتر آخر للبائع: «اذا فسخت بيعك فانا اشتري
منك باكثر منه‏».
واما ما ذكر من المراكنة فقد وردت فيها روايات الطائفة
الثانية.
واما الطائفة الثانية : فقد روي عن الحسين بن زيد عن الامام
الصادق(ع) عن آبائه في حديث المناهي انه قال: «ونهى رسول
اللّه(ص) ان يدخل الرجل في سوم اخيه المسلم‏».
ومعناه: ان يطلب غيره من المسلمين ابتياع الذي يريد ان
يشتريه، ويبذل زيادة عنه ليقدمه البائع، او يطلب البائع بيع
سلعته بسعر اقل مما اتفق عليه البائع مع المشتري، او يبذل
شخص آخر غير المتساومين الى المشتري متاعا غير ما اتفق
هو والبائع عليه. فنرى ان احد المتبايعين قد ركن في
المعاملة الى الآخر ولم يبق الا العقد والصفقة، فاذا اراد احد
ان يدخل في ما بين المتراكنين ليفسد عليهما صفقتهما
فيكون مشمولا لهذا النهي، وهذا النهي دال على الحرمة
ظاهرا، فقد يقال بتعارضه مع صحة عقد المناقصة.
ولكن اقول بعد الغض عن ضعف سند الحديث : ان هذا
النهي وان كان يدل على الحرمة ظاهرا، الا ان ارتكازية
«تسلط الناس على اموالهم‏» التي ورد فيها النص تدل على ان
السلطنة على مال الانسان تمتد الى تمامية البيع او العقد،
ومادام هنا في المساومة لا يوجد بيع ولا عقد فتكون قرينة
على ان المراد من النهي المتقدم هو الكراهة، ولذا اورد
الفقهاء هذه الرواية في باب الآداب، وعلى هذا فلا تكون
معارضة لصحة عقد المناقصة بناء على ورودها في مورد عقد
المناقصة.
النتيجة:
ولكننا نقول: ان المناقصة التي نحن بصدد الكلام عنها تختلف
اختلافا اساسيا عن مورد النهي عن بيع الرجل على بيع اخيه،
ومورد النهي عن الدخول في سوم الاخ المسلم وذلك:
لان المناقصات التي توجد في الخارج ويحصل التوارد على
المناقصة في العملية الواحدة لا يوجد فيها بيع حتى يكون بيع
الرجل على بيع اخيه، ولا يوجد ركون حتى يكون دخول على
سوم الاخ المسلم، وانما هي عروضات تحصل من المتناقصين
للمشتري يختار احدها الموافق له. وحينئذ تكون هاتان
الطائفتان من الروايات خارجتين عن صحة المناقصات التي
نحن بصدد الكلام‏عنها.
على انه قد صرح بعض الفقهاء بعدم شمول النهي في الدخول
على سوم الاخ المسلم للدلالة التي يتعارف وجودها في
المزايدات والمناقصات، حيث انها موضوعة عرفا لطلب الزيادة
او النقيصة، فما دام الدلال يطلب الزيادة او النقيصة لا يكون
هناك سوم او ركون حتى ياتي النهي عن الدخول في سوم
الاخ المسلم.
ويمكن توجيه عدم التنافي بشكل آخر، وهو ان يقال: ان
حديث النهي عن الدخول في السوم ناظر الى المعاملة الخاصة
الجارية بين طرفين خاصين، ولا يشمل مثل بيع المناقصة
التي تكون المعاملة فيه مبنية من الاول على عدم السوم مع
شخص واحد بل مع جماعة.
ثالثا الدخول في المناقصة لمن لا يمتلك السلعة:
ثم ان الدخول في المناقصة لمن لا يمتلك السلعة اهو من
المواعدة؟ او الاستصناع؟ او بيع ما ليس عند الانسان؟
لا بد لنا من التفرقة بين الاستصناع او السلم وبين بيع ما
ليس عند الانسان الذي روي فيه النهي عن النبي(ص)، لنرى
ان ما نحن فيه (بيع المناقصة) من اي القسمين. ثم لا بد من
التفرقة بين ما نحن فيه وبين المواعدة التي تحصل بين اثنين
على امر من بيع او عمل.
بيع ما ليس عندك:
ان الروايات الواردة في بيع ما ليس عندك على طوائف:
الطائفة الاولى : روايات حاكية لنهي النبي(ص) عن بيع ما
ليس عندك، فقد روى سليمان بن صالح، عن الامام
الصادق(ع) انه قال: «نهى رسول اللّه(ع) عن سلف وبيع، وعن
بيعين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم
يضمن‏». وهذه الروايات مطلقة لبيع ما ليس عند الانسان، سواء
كان بيعا كليا او شخصيا.
ولكن يتعين علينا رفع اليد عن الاطلاق وحمله على صورة
كون المبيع شخصيا، وذلك لورود الروايات المعتبرة الدالة
على جواز بيع الكلي على العهدة مع عدم ملك الشخص حال
البيع، كما سياتي.
ويتعين علينا ايضا رفع اليد عن اطلاق بطلان بيع ما ليس
عنده بالاضافة الى مالك المال، لما ورد من الادلة الدالة على
صحة بيع الفضولي باجازة المالك، وهذا واضح.
فالخلاصة : ان النهي المتقدم هو في خصوص المبيع
الشخصي لغيرالمالك، وهذا النهي يدل على عدم حصول
النقل والانتقال شرعا (اي فساد البيع، باعتبار اشتراط الملك
في البيع الشخصي اذا باعه لغير المالك).
الطائفة الثانية : روايات تصحح البيع بعد ان يشتري العين
الخارجية، وتبطله اذا باعها قبل الشراء، منها:
1- صحيحة يحيى بن الحجاج قال: سالت الامام الصادق(ع)
عن رجل قال لي: اشتر لي هذا الثوب او هذه الدابة، وبعنيها،
اربحك فيها كذا وكذا؟ قال: «لا باس، اشترها ولا تواجبه البيع
قبل ان تستوجبها او تشتريها». والاستيجاب عام لمطلق
التملك ولو بغير الشراء، بينما الشراء خاص لخصوص التملك
بالشراء.
2- روى ثقة الاسلام الكليني في باب «لا تبع ما ليس عندك‏»
عن ابن عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج قال:
قلت للصادق(ع): الرجل يجيئني ويقول: اشتر هذا الثوب
واربحك كذا وكذا؟ فقال(ع): «اليس ان شاء اخذ وان شاء
ترك؟ قلت: بلى، قال(ع): لا باس، انما يحلل الكلام ويحرم
الكلام‏».
فكان الامام الصادق (ع) لا يرى باسا بالمواعدة والمقاولة ما
لم يوجب بيع المتاع قبل ان يشتريه من صاحبه، وانما المانع
اذا باع الثوب ثم اشتراه من صاحبه ودفعه الى المشتري، فان
هذا باطل.
اقول: واذا ناقشنا في كون طائفة الروايات الاولى ضعيفة
وطائفة الروايات الثانية غير ظاهرة في المفروض لاحتمال
كونها في من اراد الحصول على المال بدون محذور الربا، وهو
ما يسمى «بيع العينة‏» فان كان البيع الثاني مشروطا من
الاول فهو باطل، ولا ربط لها في من باع ثم ملك، فتاتي
روايات الطائفة الثالثة.
الطائفة الثالثة : وهي روايات تصحح البيع بعد ان يشتري
المتاع، سواء كان كليا او شخصيا، منها:
1- صحيحة محمد بن مسلم، عن الامام الباقر(ع): قال: سالته
عن رجل اتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعا لعلي اشتريه منك
بنقد او نسيئة .. فابتاعه الرجل من اجله، قال(ع): «ليس به
باس، انما يشتريه منه بعدما يملكه‏».
2- صحيحة منصور بن حازم، عن الامام الصادق(ع): في
رجل امر رجلا يشتري له متاعا، فيشتريه منه؟ قال(ع): «لا
باس بذلك، انما البيع بعدما يشتريه‏».
وهاتان الروايتان تقضيان بان الجواز بعد ان يشتري الشي‏ء
وبعدما يملكه، اما بيع الشي‏ء قبل تملكه فهو باطل. ولكن لابد
من تخصيصهما بصورة العين الخارجية، وذلك لورود الروايات
الصحيحة الدالة على صحة بيع الكلي، كما سياتي.
بيع الكلي ( بيع ما في الذمة ):
وهو يتصور على قسمين:
1- بيع السلم.
2- بيع الكلي.
اما بيع السلم : فهو عبارة عن ابتياع مال مضمون الى اجل
معلوم بمال حاضر او ما في حكمه.
والدليل على صحته بالاضافة الى عمومات صحة البيع
والتجارة عن تراض هو:
1- ما رواه زرارة في الصحيح، عن الامام الصادق(ع) قال: «لا
باس بالسلم في الحيوان اذا وصفت اسنانها».
2- صحيحة الحلبي عن الامام الصادق(ع)، قال: سئل عن
الرجل يسلم في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك الى اجل
مسمى؟ قال: «لا باس‏».
3- موثقة سماعة قال: سئل الامام الصادق(ع) عن السلم في
الحيوان؟ فقال: «اسنان معلومة واسنان معدودة الى اجل
مسمى لا باس به‏».
واما بيع الكلي حالا : فقد ذكر الفقهاء ان بيع الكلي في الذمة
حالا صحيح تشمله الادلة العامة لصحة البيع، مع خصوص
صحيح ابن الحجاج قال : سالت الامام الصادق(ع) عن الرجل
يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا؟ قال:
«ليس به باس‏». قلت: انهم يفسدونه عندنا؟ قال: «فاي شي‏ء
يقولون في السلم؟»
قلت: لا يرون فيه باسا، يقولون: هذا الى اجل، فاذا كان الى
غير اجل وليس هو عند صاحبه فلا يصلح. قال: «اذا لم يكن
اجل كان احق به‏».
ثم قال: «لا باس ان يشتري الرجل الطعام وليس هو عند
صاحبه الى اجل، وحالا لايسمي له اجلا، الا ان يكون بيعا لا
يوجد مثل العنب والبطيخ في غير زمانه، فلا ينبغي شراء
ذلك حالا».
ونحوه آخر.
النتيجة : ان المناقصة ليست من بيع ما ليس عندك.
وبعد ان اتضحت هذه الامور وهي:
1- ان المراد من «لا تبع ما ليس عندك‏» هو في خصوص
العين الشخصية التي تكون ملكا للغير، فلا يجوز لغير صاحبها
ان يبيعها ثم يشتريها ويسلمها الى المشتري.
2- وان بيع الكلي في الذمة صحيح سواء كان سلما (مؤجلا)
او حالا مادام تسليمه الى المشتري مقدورا.
ناتي الى ما نحن فيه وهو بيع المناقصة فنقول:
اذا كانت المناقصة عبارة عن رغبة المشتري في الحصول على
شي‏ء كلي له مواصفاته الخاصة فيكون المناقص بائعا لهذا
الكلي بثمن يعرضه، فان رست عليه العملية فهو صحيح،
لصحة بيع الكلي:
ا - فان كان هذا الكلي سلعة مؤجلة الى اجل معين فهو بيع
سلم.
ب - وان كان هذا الكلي سلعة حالة فهو بيع الكلي الحال.
ج - وان كان هذا الكلي عبارة عن صنع شي‏ء معين الى اجل
معين فهو بيع الاستصناع الذي هو قسم من السلم.
د - وان كان هذا الكلي عملا في المستقبل كالزرع والسقي
والضرب في الارض بحصة من الربح فهو مزارعة ومساقاة
ومضاربة.
ه - واذا كان هذا الكلي عملا له شرائطه كالبناء والخياطة
والطباخة باجرة معينة فهو اجارة .. وهكذا.
وعلى هذا تبين ان المناقصة التي يدعو لها فرد او جهة معينة
لا تتصور في الرغبة في شراء شي‏ء معين خارجي له مالك
واحد او متعددون، بل يتصور هنا المساومة والمراوضة معهم
للوصول الى الاتفاق على شي‏ء خاص، وهو غير المناقصة.
اذن تبين ان علاقة الاستصناع بالمناقصة هي علاقة الخاص
بالعام، اذ قد تكون المناقصة استصناعا وقد لا تكون.
الفرق بين المواعدة والمناقصة:
بقي ان نعرف الفرق بين المواعدة والمناقصة، فنقول: اذا
كانت المناقصة «عبارة عن بذل سلعة كلية او عمل كلي
بمواصفات معينة بثمن معين، وهو معنى الايجاب وصاحبها
يكون هو البائع، وارساء المناقصة على اي واحد من
المتناقصين هو القبول من قبل المشتري فمعنى ذلك: ان
العقد يتم ويكون ملزما بهذه الامور التي تكون على صورة
الجزم والبت‏» فقد اتضح فرقها عن المواعدة التي لا تكون
ملزمة للطرفين، بل يكون صاحباها بالخيار ان شاءا عقدا وان
شاءا تركا، كما ذكرت ذلك الروايات، كصحيحة معاوية بن
عمار قال: قلت للصادق(ع): يجيئني الرجل يطلب مني بيع
الحرير وليس عندي منه شي‏ء، فيقاولني عليه، واقاوله في
الربح والاجل حتى نجتمع على شي‏ء، ثم‏اذهب فاشتري له
الحرير، فادعوه اليه؟ فقال(ع): «ارايت ان وجد بيعا هو احب
اليه مما عندك ايستطيع ان ينصرف اليه ويدعك، او وجدت
انت ذلك اتستطيع ان تنصرف اليه وتدعه؟» قلت: نعم. قال:
«فلا باس‏».
والمفهوم من هذه الصحيحة هو ان الرجل الذي طلب الحرير
من الآخر لم يحصل بينهما البيع الكلي في الذمة وانما تقاولا،
وبما ان التقاول قد يكون ملزما كالعهد وقد لا يكون ملزما
كالوعد، اراد الامام(ع) ان يفهمه بان التقاول غير الملزم هو
المواعدة او الوعد التي ليس لها صفة الزام في البيع او
الشراء، بينما الذي له صفة الالزام هو العهد او البيع الكلي ولم
يحصل ائ منهما.
اذن حصل الفرق بين المناقصة والمواعدة بالالزام وعدمه،
فاذا تمت المناقصة مع احد الاطراف فهي اما بيع، او بيع
خاص (كالسلم) او استصناع، او اجارة، او استثمار على احد
الطرق المتقدمة، وهذا كله يختلف عن المواعدة التي لا تكون
ملزمة وليست هي من العقود.
اما النقطة الاولى: فخلاصة الكلام فيها هو عبارة عن طلب
الجهات التي تقوم بالمناقصة من مطالبة كل مشترك في هذه
العملية، وكل من ترسو عليه العملية ويبرم معه العقد، بتقديم
تامينات نقدية تبلغ نسبة معينة من قيمة العملية، بشرط ان
تصبح هذه التامينات من حق الجهة التي قامت بالمناقصة في
حالة عدم اتخاذ المشترك الاجراءات اللازمة لرسو العملية
عليه او عدم تنفيذ العقد.
ولكن بدلا من تكليف المشترك بتقديم هذه التامينات
النقدية وتجميدها، حصل الاتجاه القائل بان يتقدم المشترك
الى البنك طالبا منه خطاب الضمان.
ومعنى خطاب الضمان: ان يكون البنك كفيلا وضامنا بقبول
دفع مبلغ معين لدى المستفيد من ذلك الخطاب نيابة عن
طالب الضمان عند عدم قيام الطالب بالتزامات معينة قبل
المستفيد، ولكن لا بمعنى الكفالة الاصطلاحي التي هي عبارة
عن احضار المكفول، ولا بمعنى الضمان الاصطلاحي الشرعي
الذي هو عند طائفة ضم ذمة الى ذمة وعند طائفة النقل من
ذمة الى ذمة، بل بمعنى اداء البنك شرط المشترط في حالة
عدم قيام المشترط عليه باداء الشرط; مثل ضمان الاعيان
المغصوبة التي لا تكون الذمة مشغولة بها ما دامت العين
موجودة، فيكون معنى ضمان الاعيان المغصوبة هو ما نحن
فيه من التعهد بادائها.
ويترتب على هذا التعهد بالاداء اشتغال ذمة المتعهد بقيمتها
عند تلفها.
ويتحقق تلف الشرط على المشترط: بامتناع المشروط عليه
عن اداء الشرط الذي هو تلف للفعل على مستحقه، وبذلك
تتحول العهدة الجعلية (التعهد باداء الشرط) الى اشتغال ذمة
البنك بقيمة ذلك الفعل (اداء الشرط); لانه من اللوازم
العقلائية لدخول ذلك الشرط في العهدة.
وعلى ما تقدم: فاذا تخلف المقاول عن الوفاء اضطر البنك الى
دفع القيمة المحددة في خطاب الضمان، ويرجع في
استيفائها على الشخص الذي صدر خطاب الضمان اجابة
لطلبه. وسياتي زيادة توضيح في تكييف هذا التعهد شرعا
فيما بعد.
واما النقطة الثانية: فان خطاب الضمان ينقسم الى قسمين:
1- خطاب الضمان الابتدائي.
2- خطاب الضمان النهائي.
اما خطاب الضمان الابتدائي: فهو تعهد بنكي بضمان دفع
مبلغ من النقود من قيمة العملية الى المستفيد الذي يدعو
الى المناقصة، يطلبه من يتنافس على العملية، ويستحق
المستفيد الدفع له عند عدم قيام الطالب باتخاذ ما يلزم عند
رسو العملية عليه.
واما خطاب الضمان النهائي: فهو تعهد بنكي بضمان دفع مبلغ
من النقود يعادل نسبة من قيمة العملية التي استقرت على
عهدة العميل لصالح المستفيد، يطلبه من رست عليه العملية
ونفذ معه العقد، ولا يكون دفع المبلغ واجبا على البنك الا
عند تخلف العميل عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في
العقد النهائي للعملية التي عقدت بين المقاول والمستفيد من
خطاب الضمان.
لماذا خطابات الضمان؟
ثم ان الفكرة الاساسية في خطابات الضمان تكمن في نقاط،
اهمها:
1- ان الجهة المعلنة عن المناقصة تحتاج الى التاكد من
جدية عرض خدمات كل شخص من المشتركين، وهذا يحصل
بفكرة خطابات الضمان الابتدائية.
2- ان الجهة المعلنة عن المناقصة تحتاج الى الزام المناقص
بابرام العقد اذا رست المناقصة عليه.
3- ان الجهة الداعية الى المناقصة تحتاج الى الزام المتعاقد
بتنفيذ العقد.
4- كما انها تحتاج الى التحفظ على عدم التورط في خسائر
او مضاعفات عند الاتفاق مع احد المشتركين ورسو العملية
عليه فيما اذا تخلف عن الوفاء بالتزاماته، وهذا يحصل بفكرة
خطابات الضمان النهائية.
وعلى العموم، فان فكرة خطابات الضمان فيها حماية
للمصلحة العامة (التي تقوم بالمناقصات عادة) او الفرد،
وتقطع على المتهاونين سبل الخلل والاهمال، ولكل احد
الحق في سلوكها.
واما النقطة الثالثة: فنتناول البحث فيها عن حكم خطابات
الضمان هذه، وينبغي ان نتكلم في كل من القسمين بصورة
مستقلة:
اما خطاب الضمان الابتدائي: فقد يقال: ان الطالب للضمان
الابتدائي من البنك وهو المقاول او المشترك في المناقصة
لم يرتبط مع الجهة التي تجري المناقصة باي ارتباط عقدي،
واذا كان كذلك فلا يمكن الزامه بشرط لكي يتمكن البنك ان
يضمن وفاء ذلك الشرط. فلو فرضنا ان هذا المقاول الذي يريد
ان يتنافس للوصول الى رسو العملية عليه قد التزم للجهة
الداعية للمناقصة بان يدفع مبلغا معينا من المال اذا لم يتخذ
الاجراءات اللازمة عند رسو العملية عليه، فهو من الوعد
الابتدائي غير الملزم، وعلى هذا فلو تعهد البنك لدفع هذا
المبلغ عند عدم دفع المقاول فهو من التعهد غير الملزم ايضا
وان كان جائزا.
ولكن الا يمكن ان يقال: ان المقاول اذا التزم بدفع مبلغ
معين عند عدم القيام بالاجراءات اللازمة عند رسو العملية
عليه يكون متعهدا وملزما بذلك; استنادا الى قوله تعالى: (يا
ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود) الذي معناه: اوفوا بالعهود،
ونتيجة ذلك الزام البنك بتعهده اذا حصل نتيجة طلب
المقاول لصالح المستفيد؟!
على ان هذا الضمان من قبل البنك لمن اشترك في
المناقصة يمكن ان يكون عربونا، وهو لا يحق اخذه في جميع
الاحوال، بل يؤخذ في صورة عدم التزام من رست عليه
العملية بالمقررات اللازمة، وعلى هذا فسوف يكون دفع المبلغ
المعين عند عدم القيام بالاجراءات اللازمة شرطا في فسخ
المعاملة المذكورة، فالمعاملة اذا رست على احد فهي لازمة،
ولا يحق فسخها الا اذا دفع المقدار المعين من المال المتمثل
في خطاب الضمان الابتدائي، وبهذا يكون اخذه من قبل
الجهة الداعية الى لمناقصة عند عدم القيام بالاجراءات اللازمة
لمن رست عليه العملية جائزا. كما يمكن للداعي الى المناقصة
ان يشترط في عقد بيع المعلومات ممن يريد الاشتراك فيها
اخذ مبلغ معين من المال اذا لم يلتزم بالعقد حين رسو
العملية عليه، وهذا شرط في ضمن عقد، فيكون ملزما.
واما خطاب الضمان النهائي: فهو الخطاب الذي يكون بعد
وجود عقد قائم بين من دعا الى المناقصة وهي الجهة
المستفيدة من الخطاب وبين المقاول الذي طلب اصدار
الخطاب من البنك لصالح المستفيد، وهذا العقد ينص على
شرط على المقاول لصالح من دعا الى المناقصة، وخلاصة هذا
الشرط هو ان يدفع المقاول نسبة معينة من قيمة العملية في
حالة تخلفه عن الوفاء بالتزاماته. فهل هذا الشرط صحيح
ولازم؟
الجواب: نعم، انه شرط صحيح ولازم مادام واقعا في عقد
صحيح كعقد الايجار او البيع مثلا، وحينئذيكون لمن اعلن
عن المناقصة الحق في تملك هذه النسبة من قيمة العملية
في حالة التخلف.
ثم ان هذا الحق قابل للتوثيق والتعهد من قبل طرف آخر،
وهو نظير تعهد طرف ثالث للدائن بوفاء الدين عند عدم قيام
المدين بما هو عليه، وعلى هذا يصح ان يرجع المستفيد على
البنك عند تخلف المقاول عن التزاماته وعدم دفع ما شرط
عليه.
ولما كان تعهد البنك وضمانه للشرط بطلب من المقاول
يكون المقاول ضامنا لما يخسره البنك نتيجة لتعهده، فيحق
للبنك ان يطالب المقاول بقيمة ما دفعه الى المستفيد.
اذن هنا بحثان نحتاج الى ادلة شرعية عليهما:
البحث الاول: صحة الشرط على المقاول.
البحث الثاني: صحة تعهد البنك (خطاب الضمان).
البحث الاول:
صحة الشرط بدفع مبلغ من المال عند تخلفه عن التزاماته
وقد ذكر السيد الشهيد الصدر(رضى‏اللّه عنه) ان صحة الشرط
المتقدم على المقاول يتصور صياغته باحد انحاء ثلاثة، يكون
الصحيح منها شرعا هو الثاني والثالث:
الاول: ان يكون (الشرط) بنحو شرط النتيجة، بحيث تشترط
الجهة الخاصة على المقاول ان تكون مالكة لكذا مقدارا في
ذمته اذا تخلف عن تعهداته.
الثاني: ان يكون بنحو شرط الفعل، والفعل المشترط هو ان
تملك الجهة الخاصة كذا مقدارا، لا ان تكون مالكة.
الثالث: ان يكون بنحو شرط الفعل، والفعل المشترط هو ان
يملك المقاول تلك الجهة كذا مقدارا. والفرق بين هذا النحو
وسابقه مع ان الشرط في كل منهما شرط الفعل هو ان
الشرط في هذا النحو فعل خاص، وهو تمليك المقاول مالا
للجهة الخاصة، واما في النحو السابق فالمشترط وان كان هو
عملية التمليك ايضا ولكن المراد بها جامع التمليك القابل
للانطباق على تمليك نفس المقاول وعلى تمليك غيره...
واذا اتضحت هذه الانحاء الثلاثة للشرط فنقول: ان النحو الاول
اي شرط النتيجة غير صحيح في المقام; لان النتيجة
المشترطة في المقام وهي اشتغال ذمة المقاول بكذا درهما
ابتداء ليس في نفسه من المضامين المعاملية المشروعة،
وادلة نفوذ الشرط ليست مشرعة لاصل المضمون، وانما هي
متكفلة لبيان صلاحية الشرط لان تنشا به المضامين
المشروعة في نفسها... واما النحوان الآخران من الشرط فهما
معقولان.
ولكن لا يبعد ان يقال: بان قاعدة «المسلمون عند شروطهم‏»
حيث انها تشمل الشرط اذا كان فعلا او كان الفعل مترتبا على
الشرط كما اذا اشتريت بيتا بشرط ان تكون الثلاجة المعينة
ملكا لي والملكية لها اسباب مختلفة منها الاشتراط،
فالمسلمون عند شروطهم يقول: ادفع الثلاجة الى فلان، وهو
معنى صحة شرط النتيجة وعلى هذا فالمسلمون عند
شروطهم يشمل المشروط الذي يكون حصوله وانشاؤه بغير
الشرط صحيحا وبالشرط لازما. كما يمكن ان يكون الاستدلال
على صحة شرط النتيجة ب’«اوفوا بالعقود»; حيث ان البيع الذي
شرط فيه ملكية الثلاجة المعينة معناه الالتزام باصل المعاملة
والالتزام بالامر الوضعي، وبما ان الشرط قد دخل تحت عنوان
العقد، فاوفوا بالعقود يقول: ف بالعقد والشرط، فيكون الشرط
صحيحا.
وعلى هذا، فيمكن ان يكون شرط دفع مبلغ من المال على
المقاول عند تخلفه بصياغاته الثلاثة المتقدمة عن السيد
الشهيد الصدر(رضى‏اللّه عنه) صحيحا. والفرق بين شرط
الفعل وشرط النتيجة هو الوجوب التكليفي على المشروط
عليه في ان يملك، اما في شرط النتيجة فيكون المشروط
عليه ضامنا للشرط وضعا، ويترتب عليه الحكم التكليفي
بوجوب الدفع.
البحث الثاني:
صحة خطاب الضمان الذي يصدره البنك عند طلب المقاول
لصالح المستفيد
ويمكن ان نصحح خطاب الضمان الذي يصدره البنك بطلب
من المقاول لصالح المستفيد على اساس الضمان بالمعنى
المتقدم; حيث قلنا ان المراد بالضمان ليس هو المعنى
الاصطلاحي عند اهل السنة او الامامية، بل هو ما تعارف عند
العرف من ضمان ان يفي المقاول بالشرط، وبعبارة اخرى: هو
التعهد باداء المقاول الشرط. وهذا الضمان كالضمان المعروف
من قبول البنك للكمپيالة; بمعنى تحمل البنك مسؤولية امام
المستفيد من تلك الكمپيالة، وهو كما حرر ضمان جائز
شرعا; على اساس انه تعهد بوفاء المدين بدينه، ونتيجة هذا
التعهد من الناحية الشرعية هو فيما اذا تخلف المدين عن
الوفاء، فيمكن ان يرجع المستفيد من الكمپيالة على البنك
لقبض قيمتها.
وتوضيح ذلك من الناحية الفنية ان يقال: ان البنك تعهد
تعهدا انشائيا، وجعل نفسه مسؤولا باداء المقاول للشرط عند
تخلفه عن التزاماته، وهذا التعهد نافذ بحسب ارتكاز العقلاء،
وحينئذ يكون ممضى من قبل الشارع المقدس.
وقد تقرب هذه المسؤولية من قبل البنك بمسؤولية الغاصب
عن العين المغصوبة، حيث تكون العين بعهدته ومسؤولا عنها
مادامت موجودة، فاذا تلفت العين المغصوبة تتحول هذه
العهدة الى اشتغال ذمة الغاصب بقيمة العين المغصوبة، فما
نحن فيه ايضا كذلك; حيث ان البنك جعل نفسه مسؤولا عن
اداء الشرط الذي على المقاول عند تخلفه عن التزاماته من
عملية الارساء عليه، ومعنى هذا ان البنك مسؤول عن تسليم
الشرط بوصفه فعلا له مالية، فاذا تلف اداء الشرط على
المشترط عند تخلف المقاول عن التزاماته وعن اداء الشرط
بسبب امتناع المقاول عن اداء ما شرط عليه نتيجة تخلفه،
فقد تلف الفعل الذي له مالية على مستحقه، وعندها تتحول
عهدة البنك الجعلية الى اشتغال ذمة البنك بقيمة ذلك
الفعل (اداء الشرط); لان اشتغال الذمة بقيمة المال سواء كان
عينا او فعلا عند تلفه من اللوازم العقلائية لدخول ذلك المال
في العهدة.
ونحن بعد فرضنا امضاء الشارع لهذا الضمان الجعلي العقلائي،
يترتب عليه اشتغال ذمة البنك بقيمة ضمان اداء الشرط على
تقدير تلف اداء الشرط.
وعلى هذا الاساس يصح خطاب الضمان من البنك في المقام.
ويمكن توضيح الضمان بالمعنى المتقدم بصورة عرفية: بان
ندعي ان معنى الضمان من قبل البنك للمقاول هو تحمل
البنك للعمل بالشرط اذا تخلف المقاول عن التزاماته وبالشرط
معا، ولا يفهم العرف الا هذا التحمل عند ضمان البنك لاداء
المقاول الشرط الذي له مالية عند تخلف المقاول.
ولكنا نلاحظ كما ذكر السيد الشهيد الصدر(رضى‏اللّه عنه)
وجود فرق دقيق بين توضيح الضمان بالوجه الفني وتوضيح
الضمان بالوجه العرفي، والفرق هو:
ان صاحب الشرط (الداعي الى المناقصة) ليس له بناء على
المعنى العرفي مطالبة البنك باقناع المقاول بالاداء، وانما له
على تقدير امتناع المقاول ان يغرم البنك قيمة ما تعهد به.
اما بناء على المعنى الفني فلصاحب الشرط مطالبة البنك
باقناع المقاول بالاداء.
ولعل وجه هذا الفرق يكمن في ان المعنى الفني للضمان انما
يتم عند تلف الشرط على المشروط له، ولا يتحقق التلف الا
عند امتناع المقاول عن الاداء رغم الحث على اقناعه بالعمل
بالشرط.
ملاحظة: لا حاجة الى التنبيه على عدم صحة خطاب الضمان
لو كان بقدر قيمة العملية او اكثر منها; لانه يؤول الى حصول
الداعي الى المناقصة على العوض والمعوض، وهو بمعنى الشراء
او الحصول على الخدمة بدون ثمن.
هل يصح للبنك ان ياخذ عمولة على خطاب الضمان؟
تقدم ان التامين المالي الذي ياخذه الداعي الى المناقصة
مثلا قد تطور الى الضمان البنكي المتمثل في خطاب الضمان
الذي يصدره البنك ويتحمل فيه مسؤولية ما ينجم من تقصير
المناقص تجاه مسؤوليته وواجباته حيال الطرف الآخر. ولكن
البنك انما يصدر خطاب الضمان ويتحمل المسؤولية في
مقابل نسبة مئوية يحصل عليها من صاحب الخطاب، وعلى
هذا يتولد لهذا الاجراء جانبان:
الجانب الاول: العلاقة بين من يدعو الى المناقصة ومن يدخل
في المناقصة، فالاول الذي يكون هنا هو المشتري للسلعة او
المؤجر للعمل او المشتري لما يصنعه المقاول له ان يشترط
في العقد ما يضمن حقوقه ومصلحته، سواء كان في صورة
ضمان او رهن او غير ذلك; استنادا الى قوله(ص): «المسلمون
عند شروطهم‏»، فاذا طالب المقاول بضمان بنكي فهو حق له
لا اشكال فيه.
الجانب الثاني: العلاقة بين المناقص (المقاول) والبنك الذي
يصدر خطاب الضمان، فان البنك هنا ياخذ نسبة مئوية من
صاحب الخطاب الذي صدر الخطاب بطلبه، فهل لهذه النسبة
الماخوذة وجه شرعي؟
الجواب: لقد ذكر السيد الشهيد الصدر(رحمه‏اللّه) جواز ذلك
معبرا عنها بانها «عمولة على خطاب الضمان هذا; لان‏التعهد
الذي يشتمل عليه هذا الخطاب يعزز قيمة التزامات الشخص
المقاول، وبذلك يكون عملا محترما يمكن فرض جعالة عليه
او عمولة من قبل ذلك الشخص‏».
اقول:
1- ان الارتكاز العرفي والعقلائي يقول بان عملية الضمان
المجرد من قبل البنك للمقاول باداء شرط المشترط ليست
مما تقابل بالمال، وانما الذي يقابل بالمال هو نفس خسارة
البنك عند عدم قيام المقاول بالتزاماته مطلقا نتيجة لضمان
البنك، فالعملية التي قام بها البنك من ضمان شرط المقاول
فيها جانبان: الاول: نفس عملية الضمان كالفاظ معينة، والثاني:
تحمل البنك الخسارة على تقدير عدم التزام المقاول
بالتزاماته مطلقا، والذي يكون مهما في تعزيز التزامات
المقاول كلا الامرين، الذي يكون الثاني منهما هو لب الاول،
والاول يكون كاشفا عن الثاني، فاذا اخذ البنك على عملية
الضمان المجرد مالا بنحو الالزام كان من اكل المال بالباطل.
اما اذا آل الضمان اللفظي الى خسارة البنك في حالة معينة
وهي حالة عدم وفاء المقاول بما عليه من الشرط عند التخلف
عن اداء التزاماته فهو مضمون على المقاول بلا اشكال، فلا
يتمكن ان ياخذ عمولة عليها.
2- اننا لو تحررنا من الارتكاز العقلائي المتقدم وصرحنا بان
العمولة ياخذها البنك في مقابل نفس عملية الضمان، فحينئذ
نقول:
ان العمولة انما يصح اخذها شرعا في خصوص ما قابلها من
عمل قابل للضمان، كالخياطة والحلاقة واشباههما، بخلاف
ضمان البنك لوحده (اي من دون دخل الاجراءات الادارية في
ذلك التي تستوجب اخذ المال عليها); فان ضمان البنك
لوحده من قبيل الالفاظ والاعمال التي ليست قابلة للضمان;
لعدم مالية له الا نفس مالية المال المعطى من قبل البنك
عند تخلف المقاول عن التزاماته وما شرط عليه، وهذا المال
مضمون على المقاول، ولا يوجد عمل آخر له مالية حتى يصح
ضمانه لياخذ اجرا عليه.
3- ان عقد الضمان الذي يسمى «خطاب الضمان‏» هو من
العقود الارفاقية للمقاول كالقرض، فاذا كان الضمان يعزز
قيمة التزامات المقاول فان قيام البنك بالتعهد باقراض
شخص معين عند حاجته ايضا يعزز قيمة التزاماته، فهل يجوز
اخذ اجرة على قيام البنك بتعهده لعملية الاقراض؟!
وان ادعي الفرق بين القرض والضمان بحرمة اخذ الزيادة في
عملية القرض دون عملية الضمان، فاننا نقول: ليس الكلام في
اخذ الزيادة في مقابل المال المقترض في القرض، وانما الكلام
في تعزيز التزامات الانسان لقيام البنك بعملية الاقراض، فهي
واحدة في اصدار خطاب الضمان او عملية الاقراض عند
الحاجة، واذا كان يجوز للبنك اخذ اجرة على قيامه بعملية
الاقراض متى احتاج الى المال فقد جوزنا الربا بصورة ملتوية.
وعلى ما تقدم يمكن ان نقول: ان خطاب الضمان الصادر من
البنك بطلب من المقاول لصالح المستفيد سواء كان مغطى
من حساب المقاول فيكون حوالة او غير مغطى فيكون ضمانا
لا يجوز اخذ الاجر عليه.
نعم ، اذا عممنا جواز اخذ الاجرة على كل خدمة يقدمها
شخص لآخر بشرط ان لا يكون منهيا عن اخذها، فحينئذ
يكون اخذ الاجرة على الضمان جائزا، وهذا هو الذي ذهب اليه
بعض كبار علماء الامامية المعاصرين.
نعم، ان اجرة المصاريف الادارية التي يسلكها البنك تبعا
لقوانين الدولة لاجل اصدار خطاب الضمان (الابتدائي
والنهائي) هي جائزة شرعا.
وعلى كل حال، فان المناقص اذا طلب من البنك اصدار
خطاب الضمان لصالح المشتري فان هذا التعاقد بين المناقص
والمشتري يكون صحيحا مادام يحصل على ضمان حقوق
المشتري بطريقة شرعية ولم يكن للمشتري علاقة فيما حصل
بين المناقص والبنك.
سادسا تضمين عقد المناقصة شرطا جزائيا في حالة التاخير:
قد يقال: ان البحث قد تعرضنا له في صورة طلب الجهة
الداعية الى عقد المناقصة خطاب ضمان نهائي لصالح
المستفيد منه عند عدم القيام بما يجب على الطرف الآخر من
التزامات وشروط شرطت عليه في العقد.
ولكن نقول: يوجد فرق بين هذا البحث وما تقدم من خطاب
الضمان النهائي; حيث ان ما تقدم كان في صورة تخلف
المقاول عن الالتزامات او الشروط المشترطة عليه بصورة
عامة في العقد، اما هذا البحث فهو في صورة عدم تخلفه عن
اي التزام او شرط سوى شرط التسليم في الموعد المقرر
حيث‏حصل التاخير الذي فيه ضرر على المستفيد. وحينئذ
يكون الشرط الجزائي عبارة عن غرامة، وهي تختلف عن
التعويض; اذ الغرامة يكون الضرر فيها مفترضا، ولا يلزم اثباته
على الداعي الى المناقصة، ولا يستطيع المتعاقد الاحتجاج
بعدم وقوعه، وهذا بخلاف التعويض الذي يجب فيه اثبات
الضرر ومقداره، ويستطيع المتعاقد اثبات عدم وقوعه.
وحينئذ فالشرط الجزائي المتصور في كل عقد على انحاء
ثلاثة، ولناخذ الاجارة مثالا للعقد:
1- التنقيص من الاجرة بمقدار معين:
لقد تعرض علماء الفقه الامامي لهذه الحالة في بحث الاجارة،
فذكروا في مسالة «ما لو استاجره ليحمل له متاعا الى موضع
معين باجرة معينة واشترط عليه وصوله في وقت معين، فان
قصر عنه نقص عن اجرته شيئا معينا» جواز ذلك، قال في
الجواهر: «جاز وفاقا للاكثر نقلا وتحصيلا، بل المشهور كذلك;
للاصل، وقاعدة المؤمنون عند شروطهم، والصحيح او الموثق
او الخبر المنجبر بما عرفت عن محمد الحلبي قال: «كنت
قاعدا عند قاض من القضاة وعنده ابو جعفر (الامام الباقر(ع))
جالس، فاتاه رجلان فقال احدهما: اني تكاريت ابل هذا الرجل
ليحمل لي متاعا الى بعض المعادن، واشترطت عليه ان
يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لانها سوق اتخوف ان يفوتني،
فان احتبست عن ذلك حططت من الكرى لكل يوم احتبسته
كذا وكذا، وانه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوما؟ فقال
القاضي: هذا شرط فاسد، وفه كراه. فلما قام الرجل اقبل الي
ابو جعفر (الامام الباقر(ع)) فقال: شرط هذا جائز ما لم يحط
بجميع كراه‏».
ومقابل قول الاكثر: من اشكل في صحة هذا الشرط الجزائي
لكونه يوجب تعليقا وجهالة وابهاما، وانه كالبيع بثمنين نقدا
ونسيئة مثلا، ولذا ذهب المحقق الكركي في «جامع المقاصد»
وغيره من المتاخرين الى البطلان في ذلك، وطرح الرواية او
حملها على الجعالة او نحو ذلك.
اقول: ان ما ذهب اليه مخالف الاكثر هو كالاجتهاد في مقابلة
النص الذي لا يقبل الحمل على الجعالة.
ثم اننا لا نرى تعليقا في الاجارة; لانه لم يستاجره بالناقص لو
لم يصل في اليوم المعين، بل وصل بعده، بل الاجرة معينة ان
وصل في اليوم المعين، فان تاخر نقص من الاجرة، وهو شرط
في متن العقد على نحو شرط النتيجة او شرط الفعل، والفرق
بينهما واضح; اذ على النحو الاول يكون المشروط له على
تقدير مخالفة الشرط قد ملك مقدار النقصان على ذمة
المشروط عليه ، بينما على النحو الثاني لا يوجد اشتغال ذمة
المشروط عليه، بل يجب عليه تمليك مقدار النقصان، فان لم
يفعل فعل حراما فقط.
نعم، هناك جهالة في الشرط، ولكن لا تضر هذه الجهالة التي
ليست راجعة الى احد العوضين.
كما ان التشبيه بالبيع بثمنين ليس بصحيح; لان المشابهة
للبيع بثمنين ان يقول مثلا: ان خطته روميا فلك درهم
وفارسيا نصفه، اما ما نحن فيه فهو ليس كذلك، ولذا صرح
بالصحة هنا من لم يقل بها في مثال الخياطة بالرومية
والفارسية; وذلك لان المستاجر عليه فيما نحن فيه معين،
ولكن اشترط عليه التنقيص على تقدير المخالفة، وهذا شرط
صحيح; لعموم «المسلمون عند شروطهم‏»، واطلاق الرواية
المعتضدة بفتوى الاكثر.
2- التنقيص من الاجرة بدون تعيين:
لو كان الشرط الجزائي هو التنقيص بدون ذكر لمقداره لو
اوصله متاخرا يكون الشرط هنا باطلا; لجهالة الاجرة على
تقدير الايصال المتاخر، وحينئذ تبطل الاجرة، واذا بطلت
الاجرة ننتقل الى اجرة المثل في هذه الصورة. ويدل عليه:
كونه على مقتضى القواعد القائلة بصحة الاجارة وبطلان
الاجرة لجهالتها، فننتقل الى اجرة المثل.
ويؤيده ما ورد في كتاب (دعائم الاسلام) عن الامام
الصادق(ع) انه سئل عن الرجل يكتري الدابة او السفينة على
ان يوصله الى مكان كذا يوم كذا، فان لم يوصله يوم كذا كان
الكرى دون ما عقده؟ قال(ع): «الكرى على هذا فاسد، وعلى
المكتري اجر مثل حمله‏».
3- سقوط الاجرة باكملها:
ثم لو كان الشرط الجزائي هو سقوط الاجرة باكملها ان لم
يوصله في الوقت المعين، فهو شرط باطل; لكونه شرطا منافيا
لمقتضى الاجارة; لانه يرجع الى استحقاق المستاجر العمل
بعقد الاجارة بلا اجرة، فهو مثل قوله: آجرتك بلا اجرة.
وحينئذ فان فسد الشرط فسد العقد على راي; لانه شرط
اساسي بني عليه العقد، ويدل على بطلان الشرط نفس الرواية
المتقدمة عن الحلبي بقول الامام الباقر(ع): «شرط هذا جائز ما
لم يحط بجميع كراه‏». وعلى قول آخر: ان الشرط اذا كان
فاسدا لا يبطل العقد.
ولكن لا باس بالتنبيه الى ان المؤجر يستحق اجرة مثله على
كلا التقديرين (من بطلان عقد الاجارة او عدم بطلانه); لانه
عمل عملا بدون تبرع بل بطلب من صاحب السلعة، فيستحق
اجرة المثل لما عمل، ولقاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده‏»، والاجارة عقد مضمون لو كان صحيحا بالاجرة
المسماة، فلو كان فاسدا فهو مضمون باجرة المثل.
اقول: هذا الكلام في الشرط الجزائي قد ورد فيه الحديث
المتقدم في الاجارة، فان لم نر فرقا بين عقد الاجارة وبقية
العقود غير القرض فيكون دليل الشرط الجزائي غير منحصر
بعقد الاجارة، فيصح الشرط الجزائي على النحو الاول في كل
عقد، ومنه عقد المناقصة التي نحن بصددها والتي تكون
الاجارة قسما منها، فيتمكن الداعي الى المناقصة ان يشترط
على من رست عليه المناقصة نقصان اجرته او ثمنه بمقدار
معين ان لم يكمل المشروع الصناعي او لم يسلم المبيع في
مدته المعينة. كما يمكن ان يكون الدليل على صحة الشرط
الجزائي هو قاعدة «المسلمون عند شروطهم‏» التي توجب الوفاء
بالشرط اذا كان في ضمن عقد ما لم يكن مخالفا للكتاب او
السنة.
ولو قيل: ان الثمن في البيوع يكون مقابلا للاعيان، واما
الشرط فتخلفه يوجب خيار الفسخ ولا يقسم عليه الثمن.
اجبنا: اننا ندعي ان الشرط الجزائي الذي شرطه المشتري
وقبله البائع يوجب عليه العمل به، وهو يوجب ان يملك
المشتري مقدارا من الثمن او يملك من قبل البائع، فان لم
يفعل بهذا الشرط الثاني كان الخيار للمشتري بالفسخ.
والتحقيق اننا وان قلنا: ان الشرط الجزائي صحيح في الاجارة
على الاعمال وفي البيوع، الا اننا نستثني من البيوع «السلم
والتوريد» الذي يكون المثمن كليا في الذمة، فان هذا البيع
هو عكس النسيئة; حيث ان‏بيع النسيئة يكون الثمن في الذمة
ومؤجلا الى اجل، وبما ان الثمن اذا كان مؤجلا لا تجوز الزيادة
في الاجل في مقابل المال لانه ربا; «اتقضي ام تربي؟»، فكذا لا
تجوز الزيادة في اجل المثمن في البيع السلمي في مقابل
المال وهو تنقيص الثمن، وبما ان الشرط الجزائي تكون
نتيجته هي رضا المشتري في تاخير المثمن في مقابل المال
الذي هو نقصان في الثمن، فهو ربا جاهلي محرم.
يبقى لنا طريق واحد لضبط تصرف البائع، وهو ان يشترط
المشتري على البائع كمية من المال اذا تخلف عن تنفيذ
العقد، وهذا هو العربون الذي اجازه المجمع في دورة سابقة.
ولكن هذا لا يكون بديلاللشرط الجزائي في صورة تاخر البائع
عن تسليم البضاعة.
والخلاصة: ان الشرط الجزائي في صورة تسليم البضاعة
باطل; لانه شرط مخالف للسنة، ولولا هذا المانع لكان جائزا .
سابعا ما هو مدى حرية الجهة الداعية الى المناقصة في
اختيار احد العروض او التقيدبالانقص منها؟
ان التعريف المتقدم للمناقصات كان يلزم الداعي الى
المناقصة باختيار احسن من يتقدم للتعاقد معه، وهذا
التعريف قد استل من العرف التجاري لعقد المناقصات، فاذا
وصل هذا العرف الى حد التعهد من قبل المشتري ومن
يدخل في المناقصة فلا يبعد ان يلزم المشتري شرعا باختيار
اقل العروض لهذا التعهد الذي يكون ملزما حسب «اوفوا
بالعقود».
وبعبارة اخرى:
ان الغرض من المناقصة هو اختيار الانقص من العروض،
والمناقصة من شانها ذلك، فلو اختير غير الانقص لكان هذا
مدعاة لاتهام المناقص برشده اذا كان يشتري لنفسه، او اتهام
الجهة الوكيلة والمتولية بعدم الامانة، او نفوذ رشوة في
المعاملة. ونستطيع ان نتخلص من هذا العرف التجاري في
صورة واحدة، وهي ما اذا اشترط المشتري على المتناقصين
عدم الالتزام باختيار افضل من يتقدم للتعاقد معه، ففي هذه
الصورة يكون المشتري مختارا في اختيار احد المتقدمين
للمناقصة حسب الشرط.
ولكن في هذه الصورة قد لا تنجح المناقصة ولا يقدم عليها
احد; لان المناقصة تكون تحكما وتشهيا، وبهذا يفوت الوقت
والكلفة على المتناقصين.
واما اذا لم يكن الزام للداعي الى المناقصة في اختيار افضل
العروض كما في المناقصات البدائية التي تحصل مشافهة
فحينئذ يكون الحكم هو حرية الجهة الداعية الى المناقصة في
اختيار احد العروض وان لم يكن احسنها، ما لم يشترط تقييد
الداعي الى المناقصة بافضل العروض.
ولكن هذه طريقة بدائية للمناقصة يسلكها من لا يقدم ضمان
خطاب ابتدائي ونهائي، ولا يشتري دفتر الشروط، ولا يصرف
وقتا لدراسة المشروع، ولا يعد الخطط لذلك، ولكن كلامنا
المهم في المناقصة الحديثة التي يحسب للوقت وللتكلفة
ولخطاب الضمان حسابه المهم في العرف.
خلاصة البحث:
وخلاصة ما سبق من البحث نذكره على نقاط:
1- بعد تعريف المناقصات وبيان علاقة الضد بين المزايدة
والمناقصة واشتراكهما في الاجراءات تبين ان المناقصات هي
قسم من المقاولات التي تكون ملزمة للطرفين.
2- المناقصات على انواع: مناقصات البيع، والاستصناع،
والسلم، والاجارة، والاستثمار باقسامه المختلفة من مزارعة
ومضاربة ومساقاة، وتبين ان المناقصة كما تكون قسما من
البيع; والسلم والاستصناع والاجارة والاستثمار تكون ايضا اعم
من البيع; لشمولها لهذه العقود.
3- لا تعارض بين صحة عقود المناقصات والنهي عن الدخول
في سوم الاخ; لان حديث النهي ناظر الى المعاملة الخاصة
الجارية بين طرفين خاصين، ولا يشمل بيع المناقصة المبنية
على عدم السوم مع شخص واحد بل مع جماعة.
4- الدخول في المناقصة قد يكون لمن لا يمتلك السلعة،
وهو يكون من قبيل بيع السلم او الاستصناع او بيع الكلي او
الاجارة او الاستثمار باقسامه الشرعية المختلفة ، اما بيع ما
ليس عند الانسان الذي ورد فيه النهي فانه مختص ببيع
السلعة الخارجية لمن لا يملكها.
وقد تبين ايضا ان المناقصة ليست من المواعدة التي لا تكون
ملزمة للطرفين.
5- بيع وثائق المناقصة بالتكلفة او باي ثمن آخر عقد صحيح;
لدخول ذلك تحت‏حلية البيع والتجارة عن تراض.
6- ان خطاب الضمان الابتدائي الذي ياخذه الداعي الى
المناقصة عند تخلف من رست عليه عن القيام بمقررات
المناقصة امر جائز; لانه عبارة عن شرط في حق فسخ المعاملة
المذكورة.
7- ان خطاب الضمان النهائي الذي يكون لصالح الداعي الى
المناقصة الذي يكون عبارة عن دفع نسبة معينة من قيمة
العملية في حالة تخلف المقاول عن الوفاء بالتزاماته هو
شرط صحيح ولازم ما دام واقعا في عقد صحيح، سواء كان
بنحو شرط النتيجة او شرط الفعل. كما يمكن ان يقوم البنك
بضمان هذا الشرط والعمل به عند تخلف المقاول عن التزاماته
وبالشرط معا.
8- ان العمولة التي ياخذها البنك على خطاب الضمان
الذي هو عمل لفظي ليس قابلا للضمان غير جائزة; لانها من
قبيل اكل المال بالباطل، الا اذا جوزنا اخذ الاجرة على كل
خدمة يقدمها شخص لآخر لم تكن منهيا عنها.
9- ان الشرط الجزائي في حالة التاخير عن وقت التسليم
يكون صحيحا اذا كان معينا ولم يكن المثمن نسيئة، اما اذا
كان غير معين فهو غير صحيح ويؤثر على صحة العقد،
وحينئذ ننتقل الى ثمن المثل. وكذا اذا كان المثمن نسيئة،
كما في عقد التوريد او الاستصناع; حيث‏يؤول هذا الشرط
الجزائي الى «اتقضي ام تربي؟»، وهو ربا الجاهلية.
اما اذا كان الشرط الجزائي عبارة عن سقوط الثمن باكمله
فهو شرط باطل; لكونه منافيا لمقتضى العقد، وقد كان دليل
هذا كله الرواية المعتبرة عن الامام الباقر(ع) بالاضافة الى
قاعدة «المسلمون عند شروطهم‏».
10- ان الجهة الداعية الى المناقصة ملزمة باختيار اقل
العطاءات الا في صورة اشتراط عدم الالزام في متن شراء
وثيقة المناقصة، اما في المناقصات البدائية التي ليس فيها
التزام باختيار اقل العروض فالعكس هو الصحيح.
نسال اللّه تعالى العفو عن الزلل، والحمد للّه اولا وآخرا.
 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID