عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
ذبح
الثلاثاء, محرم 29, 1432 الذبح بالمكائن الحديثة بقلم : آية الله السيد محمود الهاشمي


 
تعد اليوم مسالة استخدام الماكنة في الذباحة ضرورة حياتية بحيث‏يصعب الاستغناء عنها بالذبح اليدوي.. والمتبادر في اول وهلة ان ذلك مما يصعب تبريره شرعا للاشكال فيه من عدة جهات سنوافيك بها بالتفصيل .. وقد يتصور في البدء عدم تحقق الشرائط المعتبرة شرعا في التذكية .. وفي هذا المقال وضعت هذه الاشكالات مع ما لها من المدارك والادلة على طاولة البحث والتحقيق فلم تسلم من الخدشة ..ولم تصمد امام النقد .. واستطاع الباحث اثبات حلية ما يذبح بالآلات الحديثة ..وفي هذا البحث‏يلمس قارئنا الكريم المعالجة العلمية الدقيقة للموضوع من جميع‏جوانبه.. ويحس بقدرة الذهنية الفقهية على الابداع وقابليتها على بحث القضايا المستجدة مع الحفاظ في الوقت نفسه على المتانة في الاستدلال والاصالة في المنهجية.
من الواضح ان البحث ليس عن حكم نفس هذا العنوان بنحو الشبهة الحكمية، بان يتوهم حرمة استخدام الماكنة في الذبح، وانما المقصود البحث عن مدى تحقق الشرائط المعتبرة في حلية الذبيحة شرعا فيما يذبح اليوم بهذه المكائن المتطورة السريعة الذبح; حيث وقع الاشكال فيه من قبل بعض الاعلام.
وما يمكن ان يكون منشا للاشكال احد امور:
 
الامر الاول - (انتساب الذبح لغير الانسان):
 فقد يرد الاشكال من ناحية عدم انتساب الذبح الى الانسان، بل الى الآلة، ويشترط في حلية الذبيحة ان تكون ذبيحة الانسان، بمقتضى قوله تعالى: (حرمت‏عليكم‏الميتة ... الا ما ذكيتم) الظاهر في اشتراط ان تكون التذكية - وهو الذبح الشرعي ،كما يدل عليه قوله تعالى: (وما ذبح على النصب) - تذكية الانسان، والذبيحة ذبيحته; لانه مقتضى اضافتها الى الانسان، خصوصا مع كونه استثناء عن المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع، مما يكون زهاق الروح فيه لا بفعل الانسان - سواء كان استثناء عنها جميعا او عن خصوص ما اكل السبع - فانه يدل‏على ان ذلك ليس حلالا ما لم تصدر التذكية من الانسان، ولو بان يدرك الحيوان حيا فيذكيه. ولعله المراد ايضا بقوله تعالى:(فكلوا مما امسكن عليكم)الظاهر في ان يكون امساك الكلب للصيد من جهة تعليمه وارساله - لا لنفسه - فيكون الصيد مستندا اليكم. وقد دلت على ذلك ايضا جملة من الروايات الدالة على انه لا يكفي زهاق روح الحيوان من نفسه او بفعل حيوان آخر - ولو بخروج دمه او قطع مذبحه - ما لم يدركه الانسان فيذكيه. بل لعل اشتراط كون الذبح او الصيد بفعل الانسان ومستندا اليه مما لا يقبل الشك، فان التذكية لا تكون الا بفعله. فاذا قيل:بان الذبح بالماكنة فعل الآلة لا فعل الانسان كان المذبوح بها ميتة كالنطيحة والمتردية.

الجواب: ان هذا الاشكال يندفع بانه يكفي في انتساب فعل او نتيجته الى الفاعل المختار ان لا يتخلل بين عمله وبين حصول تلك النتيجة ارادة اخرى، بحيث‏يكون حصول تلك النتيجة بفعله قهريا وترتبه عليه طبيعيا، وان تاخر عنه زمانا او كان بينه وبين تلك النتيجة وسائط تكوينية. ومن هنا لا يستشكل احد في صدق القتل وانتسابه الى الانسان اذا ما قتل شخصا آخر بالآلة، فحكم الآلة الحديثة المتطورة من هذه الناحية حكم الآلة البسيطة كالسكين والمدية من حيث صدق عنوان (ذبيحة الانسان) على المذبوح بها، فلا تكون ميتة.
ودعوى:التفكيك بين عنوان (القتل وزهاق الروح) وعنوان (الذبح)، بان الاول يكفي فيه مطلق الآلة بخلاف الثاني; لان عنوان الذبح يتقوم بفري الاوداج وامرار السكين على مذبح الحيوان، فلا بد فيه من مباشرة الانسان ذلك بيده.
مدفوعة:
بان الذبح ليس الا عبارة عن ازهاق روح الحيوان عن طريق قطع مذبحه - وهو الحلقوم - وفري الاوداج، سواء كان ذلك بآلة بسيطة كالسكين او بالماكنة والآلة المتطورة التي تقوم بنفس النتيجة، اي تفري اوداج الحيوان من مذبحه، فيكون الذبح مستندا الى الانسان، وتكون الذبيحة ذبيحته بلا اشكال. وقد يقال:بانصراف الاطلاق الى الذبح باليد ونحوه; لعدم وجود غيره حين صدور الادلة، او يقال:بعدم الاطلاق في الادلة، واحتمال دخل المباشرة باليد ونحوه في التذكية. والجواب:اما عن الانصراف; فان غلبة الوجود لا توجب الانصراف على ما حقق في محله، واما على الثاني، فان الاطلاق ثابت في كثير من الروايات التي رتبت الحكم على عنوان الذبح او ذبيحة المسلم، بل وفي الآية المباركة (الا ما ذكيتم...) اذا كانت بمعنى ذبحتم. (ذكيتم) نعم، لو قيل: بان الماخوذ في مادة التذكية او هيئة ان يكون ايجاد صفة المذبوحية والذكاة في الحيوان بيد الذابح المذكي مباشرة وبلا واسطة مهمة كالماكنة او تسخير حيوان او ارادة انسان آخر يذبح بلا ارادة حرة بل بامر او بسلطة شخص آخر، لم يتم الاطلاق عندئذ. الا ان استفادة هذا القيد من مادة او هيئة (الا ما ذكيتم) خلاف الاطلاق المتبادر منها.
الامر الثاني - ( عدم تحقق التسمية ): الاشكال من ناحية التسمية، بان يقال: ان الذبح بالماكنة يؤدي الى حصول الفاصل بين ذبح الحيوان وفري اوداجه الاربعة وبين زمان تشغيل الماكنة او ربط الحيوان بها من قبل الانسان المستخدم للماكنة، فلا تكون تسميته - حين التشغيل او حين ربط الحيوان بها - مجزية في التذكية:
1 -اما لان حال هذه التسمية حال تسمية الواقف على الذبيحة التي يذبحها الغير، فكما انه لا تجزي تسميته ما لم يسم الذابح نفسه، فكذلك الحال في المقام، فيقع الاشكال في حلية الذبيحة من ناحية التسمية المعتبرة فيها. 2 -واما لوجود الفاصل بينها وبين زمان تحقق الذبح وفري الاوداج.
الجواب: اماعن‏الاول: فبمنع كون تسميته كتسمية‏الاجنبي عن‏الذبح، كيف! وهو الذابح بالآلة، ومجرد كونه حين تحقق فري‏الاوداج ساكنا لا يجعله اجنبيا عن‏الذبح بعد ان كان فري الآلة للاوداج بحركته وبسببه وفعله، وقد اشرنا الى ان كون الآلة معقدة او متطورة لا يمنع عن استنادالفعل الى‏الانسان، فهوالذابح وتكون‏تسميته تسمية الذابح، الا ان طريقة‏الذبح بالآلة تكون بتحريك‏الآلة وربط الحيوان بها للذبح، فيشمله اطلاق (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه); لا من جهة كفاية‏ذكر الاسم - ولو من غير الذابح - ليمنع عنه‏بظهور الآية في ارادة ذكر الاسم على‏الذبيحة بما هي‏ذبيحة تذبح، الظاهر في ان‏من يذبح لا بد وان يذكر اسم الله، وكذلك ظهور الروايات الكثيرة في اشتراط تسمية الذابح، كصحيح محمد بن مسلم وصحيح سليمان بن خالدوموثق ابن قيس وموثق الحلبي وفحوى صحيح محمد بن مسلم، وغيرها من الروايات. بل من جهة كون المحرك للآلة ذابحا بها حقيقة، فيشمله العنوان المذكور في الآية والروايات.
واماعن‏الثاني - وهو تحقق الفاصل الزماني بين زماني التسمية والذبح - فهذا ما يمكن تلافيه: اولا: بافتراض تكرار الذابح - وهو المحرك للآلة او الذي يربط الحيوانات بها للذبح - للتسمية الى زمان حصول الذبح بها.
وثانيا: بان الفاصل الزماني اذا كان قصيرا بحيث‏يعد عرفا بحكم المتصل بزمان الذبح شمله اطلاق ذكر اسم الله في الآية والروايات.
وثالثا: ان زمان‏الذبح بكل شي‏ء يكون بحسبه، فاذا كان الذبح باليد فزمانه مثلا زمان وضع السكين على مذبح الحيوان للفري، واما اذا كان بالآلة فزمانه زمان تشغيلها وتوجيهها على الحيوان بحيث‏يتحقق الذبح ويترتب عليه قهرا. وان شئت قلت:انه في المسببات التوليدية ينطبق عنوان المسبب على فعل السبب التوليدي من حينه وان كان بينهما فاصل زمني.
او يقال:بان المستظهر من ادلة شرطية التسمية اشتراطها حين الشروع في الذبح والعمل الاختياري المستند الى الفاعل المختار، وان فرض تحقق الذبح في الحيوان - بحيث‏يتصف به فعلا - متاخرا عن ذلك زمانا. وهذا نظير التسمية في الصيد، حيث‏يتحقق عنوان الصيد من حين رمي السهم او ارسال الكلب، ولهذا يجب التسمية عنده، وان كانت اصابة الحيوان الذي يراد صيده بالسهم او بالكلب المعلم متاخرا زمانا.
بل لعل ظاهر روايات اشتراط التسمية في الصيد لزوم التسمية عند ارسال الكلب او تسديد السهم ورميه. ومن هنا افتى بعضهم بعدم الاجتزاء بالتسمية بعد ذلك اذا لم يسم حين الارسال عمدا وان كان قبل اصابة الصيد. ففي صحيح سليمان بن خالد «سالت ابا عبدالله (ع) عن كلب المجوسي ياخذه الرجل المسلم فيسمي حين يرسله اياكل مما امسك عليه؟ قال: نعم; لانه مكلب وذكر اسم الله عليه‏» وظاهر جواب الامام بيان التعليل والضابطة وانطباقها على ما فرضه السائل من التسمية حين الارسال، والذي يكون عادة قبل امساك الكلب للصيد.
وموثق الحلبي عن ابي عبدالله (ع) «قال: سالته عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله، وقد كان سمى حين رمى ولم تصبه الحديدة قال: ان كان السهم الذي اصابه هو الذي قتله فاذا رآه فلياكل‏». واوضح منه دلالة موثقه الآخر «قال: سالت اباعبدالله (ع) عن الصيد يصيبه السهم معترضا ولم يصبه‏بحديدة وقد سمى حين رمى، قال: ياكل اذا اصابه وهو يراه. وعن صيد المعراض، قال: ان لم يكن له نبل غيره وكان قد سمى حين رمى فلياكل منه، وان كان‏له نبل غيره فلا»; لانه قد ورد فيه‏قيد التسمية حين الرمي في كلام الامام (ع) بخلاف الاول حيث ورد ذلك في كلام السائل فيحتاج فيه الى دعوى ظهور الجواب في امضاء ارتكاز السائل شرطية التسمية حين الرمي. فلا اشكال من هاتين الناحيتين.
3 -وانما الاشكال في امكان‏الاكتفاء بتسمية واحدة حين تشغيل الماكنة مثلا. 4 -بل الاشكال ايضا في تشخيص من هو الذابح الذي تجب تسميته اذا افترض وجود عمال عديدين لتشغيل الماكنة.
والتحقيق:ان الذابح هو الشخص‏الذي يتحقق على يده الجزء الاخير من سبب الذبح، فاذا فرض ان الماكنة كانت في حالة التشغيل وياخذ العامل الحيوان ويربطه بها الواحد تلو الآخر ليذبح اتوماتيكيا كان الذابح من يقوم بربط الحيوان لا محالة; لانه المحقق للجزء الاخير ويكون الذبح بعد ذلك بمثابة الفعل التوليدي الصادر منه فيجب التسمية عليه.
وعندئذ يمكن‏ان يقال: بكفاية التسمية عند ربط كل‏حيوان بالآلة او وضعه على المذبح; لانه شروع في الذبح بها، ويكفي التسمية عنده; لصدق عنوان (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه). نعم، لو كان ربطه لاجل ان يذبح فيما بعد بالآلة لا الآن لم يجزئ التسمية عنده.
وقد ينعكس الامر بان يفرض ربط الحيوان بالآلة اولا ثم تشغيلها، او يكون المسؤول عن تشغيلها شخصا آخر غير من يربط‏الحيوان بها، كما لعله كذلك في ذبح الدجاج بالماكنة حيث‏يربط بشريط دائري ثم يجعل الشريط على الماكنة لتدور بها على المذبح سريعا، ففي مثل ذلك يكون تشغيل الماكنة او وضع الشريط عليها هو الجزء الاخير من السبب، فيكون المسؤول والمتصدي لذلك هو الذابح فيجب تسميته. ولو كان بفعل اكثر من واحد كفى تسمية واحد منهم في صدق ذكر اسم الله على الذبيحة، وما تقدم من عدم كفاية تسمية غير الذابح لا يخرج الا ما اذا كانت التسمية من الاجنبي لا المشارك في الذبح الذي يكون ذابحا ايضا.
وهل يمكن الاكتفاء بتسمية واحدة حين تشغيل الماكنة على الشريط او يجب تكرارها الى حين انتهاء الشريط وذبح جميع الذبائح المربوطة به؟ يمكن تقريب جواز الاكتفاء بالتسمية الواحدة بان تشغيل الماكنة على الشريط شروع في ذبح جميع ما هو مربوط به عرفا، فيصدق على الجميع انه مما ذكر اسم الله عليه، وما اهل به لله.
ويؤيده كفاية التسمية في الصيد حين الارسال وعدم الحاجة الى تكرارها حتى اصابة الصيد مهما طال الفاصل بينهما. فاذا قصد الذابح بالآلة ذبح جميع ما على الشريط من الدجاج مثلا بحركة تشغيل الآلة وذكر اسم الله بهذا القصد والنية فقد ذكر اسم الله عليها جميعا وان كان ترتب الذبح تدريجيا; لان السبب والفعل الاختياري الصادر من الذابح في ذبح جميعها كان بتشغيل الآلة لا غير، ويكفي هذا المقدار في صدق التسمية بمعنى ذكر اسم الله عليه، ولا يشترط الذكر حين تحقق فري الاوداج، وقد طبق هذا العنوان على الصيد وارسال الكلب المعلم الذي يكون التسمية والذكر فيه متقدما زمانا على تحقق امساك الصيد عادة.
وعلى هذا، قد يقال في المقام: بكفاية التسمية حين تشغيل الآلة بالنسبة لما ربط بها من الحيوانات من اجل الذبح. بل يمكن ان يقال: بعدم الاجتزاء بالتسمية حين الذبح اذا تركها عمدا حين التشغيل، نظير ما قيل في الصيد; لان فعل الذبح انما يصدر منه بذلك، ولا فعل آخر له بعد ذلك لتكون التسمية عنده تسمية عند ذبحه.
الاان هذا انما يصح فيما اذا كان مجرد تشغيل الآلة او ربط الحيوان بها علة تامة لترتب الذبح، بحيث لا يمكنه الحيلولة دونه بايقاف الآلة، كما في الاسباب التوليدية كالالقاء في النار او رمي السهم للصيد. واما اذا كان بحيث‏يمكنه ايقاف العمل والحيلولة دون تحقق الذبح في مرحلة البقاء، فليس الفعل سببا توليديا الا بضم عدم المنع بقاء، فيكون الاستناد في ذلك الزمان لا قبله، فقد لا تكفي التسمية عند تشغيل الآلة في مثل ذلك اذا كان الفاصل طويلا، بل لا بد منها حين تحقق الذبح. وعلى كل تقدير، فلا اشكال في الحلية اذا فرض تكرار الذابح بالآلة لاسم الله تعالى حتى تحقق الذبح بها.
ولا ينبغي توهم الاجتزاء بكتابة اسم الله على الآلة او وضع مسجلة تردد اسم الله حين تشغيلها، فانه - مضافا لما تقدم من اشتراط تسمية الانسان الذابح - ان عنوان ذكر الله او التسمية متقوم بقصد المعنى والالتفات اليه، ولهذا لو تلفظ به الذابح غير قاصد لمعناه اصلا لم يكن مجزيا; لعدم كونه ذكرا لاسم الله، وهذا واضح.

الامر الثالث -
( عدم تحقق الاستقبال ): كما انه قد يرد الاشكال من ناحية الاخلال بشرطية الاستقبال، حيث‏يقال: بان‏المستظهر من الروايات والذي عليه الفتوى في مذهبنا اشتراط الاستقبال بالذبيحة، بان توجه مقاديمها حين الذبح للقبلة او وضعها على الجهة اليمنى او اليسرى الى القبلة، وهذا لا يتحقق بالذبح مع المكائن الحديثة عادة. الجواب: انه لا باس ببحث كبرى هذه الشرطية اولا، ثم البحث عن كيفية تطبيقها في المقام ثانيا.
اولا- ( البحث الكبروي ):
فنقول: لقد استدل على شرطية الاستقبال في الجملة بدليلين: (اولهما):الاجماع بقسميه، كما في الجواهر وغيره من الكتب. و(ثانيهما):الاخبار الخاصة. وقبل البحث عن هذين الدليلين لا بد من تشخيص ما هو مقتضى القاعدة اذا لم يثبت‏شي‏ء منهما، فهل هو الحلية او الحرمة؟
ظاهر بعض القدماء كالسيد المرتضى قدس‏سره في الانتصار الثاني، وانه ما لم يثبت دليل على التذكية في فرض عدم الاستقبال يحكم بكونه ميتة، ويقتصر في المذكى على المتيقن وهو ما اذا استقبل بذبيحته القبلة. فقد ذكر في الانتصار «وايضا فان الذكاة حكم شرعي وقد علمنا انه اذا استقبل القبلة وسمى اسم الله تعالى يكون مذكيا باتفاق، واذا خالف ذلك لم يتيقن كونه مذكيا، فيجب الاستقبال والتسمية ليكون بيقين مذكيا». وتابعه على هذا الاستدلال جملة من الفقهاء.
والصحيح هو الاول اي الحكم بالحلية وعدم اشتراط الاستقبال اذا شك في الدليل على شرطيته. وذلك لان مقتضى الاصل العملي وان كان هو استصحاب عدم التذكية عند الشك‏في حصولها - بناء على جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية وجريان اصالة عدم التذكية على ما حقق في محله من علم الاصول - الا ان مقتضى الدليل الاجتهادي حصول التذكية بغير الاستقبال ايضا اذا تحققت‏سائر الشرائط المعتبرة، وذلك بالرجوع الى عمومات التذكية في الكتاب الكريم والروايات.
اما الاطلاق في الكتاب الكريم فيمكن استفادته من آيات عديدة ،منها:
1 - قوله تعالى في سورة الانعام: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم بآياته‏مؤمنين× و ما لكم الا تاكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم اليه وان كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم ان ربك هو اعلم بالمعتدين).
وتقريب الدلالة: ان الامر بالاكل في الآية الاولى ارشاد الى الاباحة او حلية الذبيحة وذكاتها; وذلك لمقام توهم الحظر، وبداهة عدم وجوب الاكل، والآية الثانية قرينة على ذلك ايضا. ومقتضى اطلاقها كفاية ذكر اسم الله في الحلية والتذكية، بلا حاجة الى شرط آخر من الاستقبال او طهارة الذابح او غير ذلك، بل الآية الثانية - بقرينة قوله تعالى فيها: (وقد فصل - كالصريحة في العموم، وان غير ما فصله كلم ما حرم عليكم) وحكم بحرمته بالآيات الاخرى - وهو الميتة والمنخنقة والمتردية ونحوها وما اهل لغير الله وما ذبح على النصب - يكون حلالا.
لا يقال:ان الآية ليست في مقام بيان‏اكثر من شرطية ذكر اسم‏الله، وان ما لم يذكر عليه اسم الله يكون حراما، كما اكد ذلك‏بعد آيتين بقوله‏تعالى: (ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق ...)فلا يمكن ان يستفاد منها نفي الشروط الاخرى، ومن هنا لم تذكر في الآية الشرائط المعتبرة في الذبح، بل لم يذكر فيها اصل الذبح، مع انه لا اشكال في عدم كفاية مجرد ذكر الاسم في حلية ما زهقت روحه بغير الذبح كالنطيحة والمتردية او كان الحيوان مما لا يقبل التذكية اصلا.
فانه يقال:فرق واضح بين الآيتين، فتارة يقال: لا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه فهذا ظاهر في الشرطية، واخرى يقال: كلوا مما ذكر اسم الله عليه فهذا ظاهر في ان‏ما ذكر عليه اسم الله حلال مذكى، فيصح التمسك باطلاقه لنفي شرط آخر في الحلية، خصوصا مع القرينة التي ذكرناها من تفصيل ما حرم عليكم. والآية المذكورة بعد آيتين ايضا قرينة على ان المراد من الامر بالاكل مما ذكر اسم الله عليه حلية كل ما يذكر اسم الله عليه وجواز اكله، لا مجرد شرطية ذكر اسم الله والاكان تكرارا محضا وركيكا.
نعم، لا اطلاق في الآية لغير المذبوح والمنحور; لان ذلك مذكور تقديرا، لانصراف عنوان ما ذكر اسم الله عليه على المذبوح ونحوه، لان ما ذكر اسم الله عليه عنوان مقابل لما كان يصنعه المشركون من الذبح للاصنام والآلهة، فاصل الذبح مفروغ عنه في الكلام، كما ذكره المفسرون; لان ذكر الاسم انما يكون فيه لا في النطيحة والمتردية والموت حتف الانف. فلا اطلاق في الآية من هذه الناحية، كيف! والميتة باقسامها المذكورة في الآيات الاخرى من المتيقن والواضح دخولها فيما فصل القرآن تحريمه، والذي اخرجته الآية الثانية.
كما لا اطلاق في الآية من ناحية قابلية المحل - وهو الحيوان - للتذكية كما اذا شك في قبول السباع او الحيوان الجلا ل للتذكية; لعدم النظر فيها الى الحلية والحرمة النفسية في الحيوانات، وانما النظر الى الحلية والحرمة الناشئة من التذكية والذبح بعد الفراغ عن حلية لحم الحيوان في نفسه. وان شئت قلت: ان تلك‏الحلية‏والحرمة‏تضاف الى نفس‏الحيوان بقطع‏النظر عن ذبحه، بينما هذه الآية ناظرة الى حلية الاكل من ناحية‏الذبح، ولهذا نجد ذلك في آية اخرى وهي قوله‏تعالى‏في‏سورة‏الحج: (واحلت لكم الانعام الا ما يتلى عليكم).
بل يمكن دعوى عدم اطلاق الآية ايضا بالنسبة للشرائط المادية المحتمل اعتبارها في الذبح من حيث هو ذبح، كشروط آلة الذبح او مذبح الحيوان; لان كل ذلك مفروض مفروغا عنه في الآية، وليست الآية بصدد بيانه، وانما هي بصدد بيان ما يشترط زائدا على اصل الذبح - الذي هو فعل تكويني خاص - من الشروط المعنوية المربوطة بالذبح بما هو نسك‏كالتسمية او الاستقبال او ان يكون الذابح مسلما او متطهرا ونحو ذلك. وان كان قد وقع التمسك باطلاق الكتاب في كلمات الاصحاب من كلتا الجهتين، فهذا صاحب الجواهر قدس‏سره يتمسك‏في مسالة عدم حرمة الذبيحة بابانة راسها عمدا باطلاق الآيات، حيث قال: «وعلى كل حال، فالظاهر عدم حرمة الذبيحة بذلك، كما صرح به كثير، ومنهم جملة من القائلين بالحرمة، بل عن بعض نفي الخلاف فيه; لاطلاق الادلة كتابا وسنة‏».
وايا ما كان، فالاطلاق في الآية بالنسبة لما نحن بصدده تام، ولا وجه لدعوى كونها في مقام البيان من ناحية شرطية التسمية فقط، وان المراد الامر بالاكل اذا تحققت‏سائر شروط التذكية، فان هذا لازمه ان الامر بالاكل لا يكون ارشادا الى التذكية والحلية من ناحيتها، وهذا خلاف الظاهر جدا، بل غير محتمل في نفسه; اذ لا يحتمل التكليف النفسي بالاكل، فاذا كان ارشادا الى الحلية من ناحية التذكية، فلا محالة تكون الآية في مقام البيان من ناحية الحلية بملاك التذكية، فيصح التمسك باطلاقها، اذ لا يشترط في الاطلاق اكثر من هذا المقدار.
نعم، لو كان لسان الخطاب ان التسمية شرط في حلية الاكل كان غير ناف لوجود شرائط اخرى له الا ان هذا لم يرد فيه، بل‏الواردالامر بالاكل‏الذي هو ارشاد الى الحلية لا الشرطية، ومقتضى اطلاقه لا محالة نفي دخالة غيره في الحلية والا لم تكن متحققة بذكر الاسم ولم يكن يجوز الاكل، وهذا نظير قوله تعالى: (فكلوا مما امسكن‏عليكم)في اثبات حصول‏التذكية بالامساك مع ذكر اسم الله بلا احتياج الى شرط آخر، وقد وردالتمسك به في صحيح جميل‏قال: «سالت اباعبدالله (ع) عن الرجل يرسل‏الكلب على الصيد فياخذه ولا يكون معه سكين فيذكيه بها، افيدعه حتى يقتله وياكل منه؟ قال: لا باس. قال الله عز وجل: (فكلوا مما امسكن عليكم).
ومما يشهد على‏صحة التمسك باطلاق الآية في المقام تمسك الامام (ع) في بعض‏الروايات بذلك ، كرواية الورد [ ابي الورد ] ابن‏زيد قال: «قلت لابي جعفر (ع): حدثني‏حديثا وامله علي حتى‏اكتبه فقال: اين‏حفظكم يااهل‏الكوفة؟ قال: قلت: حتى لا يرده علي احد. ما تقول في مجوسي‏قال بسم‏الله ثم ذبح؟ فقال: كل. قلت: مسلم ذبح‏ولم يسم؟ فقال: لا تاكله. ان الله و(ولا تاكلوا مما لم يذكر يقول: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) اسم الله عليه)» فقد استدل الامام (ع) على نفي شرطية اسلام الذابح - مع فرض تسميته - باطلاق الامر بالاكل مما ذكر اسم الله عليه.
وقد استدل المفيد في المقنعة على حلية ذبيحة الكتابي اذا سمى باطلاق الآيات، كما استدل العلامة في المختلف باطلاق الآيات لاثبات حلية ما يذبحه كل منتحل للاسلام ولو لم يكن من اهل الحق، كما استدل الشيخ في الخلاف‏باطلاقها لاثبات الحلية والتذكية اذا قطع راسها بالذبح، كما استدل بها ابن ادريس - ووافقه العلامة في المختلف - على عدم حرمة الذبيحة بسلخها قبل بردها او قبل موتها. فراجع كلماتهم ليظهر لك ثبوت الاطلاق في الكتاب من هذه الناحية جزما، وان شككنا فيه من ناحية كيفية فعل الذبح الخارجي.
2 - قوله تعالى في سورة المائدة: (...فكلوا مما امسكن عليكمواذكروا اسم الله عليه‏واتقوا الله ان الله سريع الحساب).
وهي وان كانت متعرضة بصدرها للصيد لا للذباحة، ولا يشترط فيه الاستقبال جزما، الا انه يمكن دعوى اطلاق قوله تعالى: (واذكروا اسم الله عليه) في الذيل وشموله للصيد ولما يذبح منه اذا ادركه الصياد حيا ولما يذبح ابتداءالمبين في (حرمت عليكم الميتة... الا ما ذكيتم) فالذيل الآية السابقة لها جملة مستقلة مطلقة ترجع الى كل ما يراد تذكيته سواء في‏ذلك ما يذبح او ما يصاد من دون ادراكه حيا او مع ادراكه حيا.
ولعل القرينة على هذا الاطلاق تاخير ذكره، فانه لو كان النظر الى‏التسمية في الصيد خاصة‏كان‏المناسب‏ذكره حين ارسال‏الجوارح، والذي هو قبل‏تحقق الامساك منهن عادة، فالحاصل :ظاهر هذه الجملة في ذيل هذه الآية النظر الى مجموع ما بين في الآيتين الآية الاولى المتعرضة للذبح والآية الثانية المتعرضة للصيد وان التذكية منهما معا يكون بذكر اسم الله عليه كل بحسبه وما عداه حرام، فيمكن التمسك باطلاقه لنفي شرطية الاستقبال زائدا على ذلك، والا كان يلزم ذكره ايضا.
3 - قوله تعالى في سورة البقرة: (يا ايها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم‏وا شكروا لله ان كنتم اياه تعبدون × انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل به‏لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم).
وجه الدلالة: انها وان ذكرت بالمطابقة حرمة ما اهل به لغير الله - اي نودي عليه لغير الله - ولكن حيث ذكرت ذلك بادوات الحصر المستفاد من صدر الآية وذيلها ومن السياق والامر باكل الطيبات في الآية الاولى، فلا محالة يستفاد منها حلية ما عدا ذلك مما لم يذكر، ومنه ما اهل به لله من الذبائح ولو لم يستقبل به القبلة; لانه ليس مما اهل به لغير الله ولا الميتة ولا لحم الخنزير. وما اهل به لغير الله يراد به الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها; اما لانه ما لم يذكر اسم الله عليها فقد اهل بها لغير الله، او من باب التقييد او القرينة القرآنية المنفصلة على ارادته حيث ورد في آية اخرى: ان ما لم يذكر اسم الله عليه فسق.
ودعوى:ان الآية ليست في مقام الحصر الحقيقي، كيف! والا لزم التخصيص الكثير او الاكثر المستهجن. مدفوعة:بالمنع‏عن‏ذلك; لان‏ماثبتت‏حرمته يمكن‏ان يكون خروجه عن اطلاق الحصر بعنوان كلي كالمسوخ او السباع، بل يحتمل ان ما ثبت‏حرمته لم يكن محرما بعد عند نزول الآية، وانما شرع تحريمه فيما بعد، او شرع النبي(ص) ذلك باذن من الله سبحانه، فلا خلل في الاطلاق القرآني المذكور كما لا يخفى. نعم، قد يقال: بعدم النظر فيها الى ما يتحقق به الذبح; لانه مفروض فيما يهل به، كما ذكرنا في الآيات السابقة.
4 - قوله تعالى في سورة الحج: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير).
واوضح منها قوله تعالى في السورة نفسها: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فاذا وجبت جنوبها فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون).
وجه الدلالة: انهما دلتا على اشتراط ذكر اسم الله على البهيمة، وفرعتا الاكل والاطعام على ذلك، ولم تذكرا الاستقبال، فيكون مقتضى اطلاقهما كفاية التسمية في حصول التذكية فيما يذبح من بهيمة الانعام، وعدم اشتراط شي‏ء آخر من القيود المعنوية التعبدية كالاستقبال.
وقد يناقش‏في‏الاستدلال‏بالاولى‏منهما:بانها اجنبية عن المقام; اذ الظاهر - او المحتمل على الاقل - ان يكون المراد من ذكر اسم الله في ايام معدودات ذكر الله في ايام منى، ويكون حينئذ المراد بقوله تعالى: (على ما رزقهم من بهيمة الانعام) المقابلة، اي يكون ذكر الله في مقابل ما رزقهم من الانعام في تلك الايام، فلا ربط لها بالتسمية على الذبح.
وفيه:انه خلاف الظاهر جدا; ولذلك لم يشر اليه اكثر المفسرين للآية، بل فسروها بذكر اسم الله على الذبيحة وارسلوا ذلك ارسال المسلم، والوجه في ذلك - مضافا الى ان الذكر لاسم الله غير ذكر الله، فلو كان المقصود ما قيل كان ينبغي ان يقال: فاذكروا الله، كما ورد في قوله تعالى: (واذكروا الله كذكركم آباءكم او اشد ذكرا) وقوله تعالى: (ويذكروا اسم الله في ايام معلومات) وغيرهما من الآيات، بخلاف ذكر الاسم، فانه يناسب الاهلال والافتتاح، ومضافا الى ان الذكر لا يناسب ان يكون في قبال شي‏ء، وعليه فلا يقال ذكر الله على ما اعطاه، وانما يقال شكره او حمده على ما اعطاه - ان سياق هذه الآيات وما ورد بعد هذه الآية من قوله تعالى: (ولكل امة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام) والآية الثانية قرينة قاطعة على ان النظر الى ذكر الاسم على الذبيحة.
وقد يناقش في الاستدلال بالآيتين معا:
تارة: بما نسب الى الزمخشري من ان الامر بذكر الاسم كناية عن الذبح فكانه قيل فاذبحوها واطعموا البائس الفقير، فلا يكون النظر فيها الى نفس التسمية واشتراطها في التذكية، فضلا عن غيرها من الشروط.
وفيه: ان الآيات صريحة في النظر الى حيثية ذكر الاسم والعناية به لا الذبح، وفي الكناية تكون العناية للمكني عنه لا المكني به. نعم، يستفاد بالملازمة من الامر بذكر الاسم في مقام الذبح الامر بالذبح ايضا لمن ساق معه البدن، لا ان الامر بذكر الاسم كناية عنه، ولعل هذا مقصود الزمخشري ايضا.
واخرى:بان هذه‏الآيات وان كانت ناظرة الى حيثية ذكر الاسم في مقام الذبح، ولهذا يفهم منه اشتراط‏التسمية في‏التذكية، الا ان ذلك ورد فيها بعنوان انه منسك وشعار للمسلمين في‏قبال‏الكفار ولو في‏مقام‏الذبح بمنى في‏الحج، كما في قوله تعالى: (ولكل امة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام)، فيكون الامر بذكر الاسم فيها امرا باقامة هذا الشعار، لا لبيان ما تتحقق به التذكية، وان كان يفهم منه بالالتزام شرطية التسمية في الذبح الا ان هذه دلالة التزامية وليست الآية في مقام بيانها ليتمسك باطلاقها لنفي شرطية شرط آخر في التذكية.
وفيه: ان‏هذا ان صح في‏الآية‏الاولى فلايصح في‏الثانية; لانها ناظرة‏الى حيثية حلية‏اللحم وما يتوقف على جواز اكله‏واطعامه، بقرينة مافيها من‏الترتيب والتفريع، وانه لا بد من ذكر الاسم عليها وهي صواف، فاذا وجبت‏جنوبها اكل منها واطعم، وهذا ظاهر في‏التصدي لبيان ما يتوقف عليه حلية‏اللحم، فاذا سكت عن غير التسمية دل ذلك على عدم اشتراطه فيها، خصوصا وان الاستقبال لو كان واجبا فهو ايضاكالتسمية شعار آخر في قبال الكفار كان ينبغي ذكره، بل لعل صدر الآية الثانية يدل على ان الشعار نفس الاضحية وتقديم البدن، واما ذكر الاسم على البهيمة فهو مربوط بحليتها وجواز اكلها والاطعام، كما ان الآية الثلاثين من هذه الآيات (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه واحلت لكم الانعام الا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس...) ظاهرة في النظر الى حيثية الحرمة والحلية في اللحم.
. وثالثة: بان حيثية التذكية وحلية اللحم حيث انه لم يتعرض لها مستقلا بل عرضا وضمنا، فلا يمكن اجراء الاطلاق ومقدمات الحكمة فيها لنفي وجود شرط آخر غير التسمية بمجرد السكوت عن ذكرها. وفيه:انه لا يشترط في تمامية مقدمات الحكمة اكثر من اصل التعرض والتصدي لبيان حيثية سواء كان ذلك مستقلا او في ضمن جهات اخرى، كما اذا تعرض خطاب لبيان حكمين او اكثر. ان جملة (فاذكروا اسم الله عليها صواف فاذاوجبت جنوبها فكلوا...) وان شئت قلت:في مقام بيان ما يتوقف عليه حلية اللحم، وسائر الجمل في مقام بيان المناسك والشعائر في الحج، وكل منهما مستقل عن الآخر، وانما جمع بينهما لابتلاء المكلف بهما معا في الحج.
ورابعة: بان الآية اساسا ليست في مقام بيان اكثر من شرطية التسمية دون سائر الشرائط فانها حيثيات اخرى مسكوت عنها.
وهذا اشكال‏عام في هذه‏الآية وغيرها وله‏جواب عام‏اشرنا اليه‏اجمالا فيما سبق، وتفصيله: ان الخطاب لو كان بلسان الاخبار عن الشرطية كما اذا قال: «التسمية شرط في حلية‏الذبيحة‏»، او بلسان‏النهي عن‏اكل ما لم يذكر اسم‏الله عليه، فمن‏الواضح‏ان هذا لا ينافي‏ثبوت‏الف شرط‏اخر، الا ان هذا اللسان‏لم يرد هنا، وانما الوارد لسان‏الامر بالاكل‏او الاطعام‏الدال على‏الحلية ارشادا او بالملازمة، وحمل ذلك على النهي او الشرطية خلاف ظاهر الامر جدا، وانما ظاهر الامر بالاكل او الاطعام حلية‏الذبيحة فعلا، فاذا علق ذلك على ذكر الاسم كان مفاد الآية حلية الذبيحة اذا ذكر اسم الله عليها، فكانه قال اذا ذكر اسم الله عليها ووجبت جنوبها حل اكلها واطعامها، فيتم الاطلاق فيه عندئذ لنفي دخل قيد وشرط آخر في ثبوت تلك الحلية وجواز الاكل; اذ ثبوت شرط آخر يستلزم اما تقييد اطلاق ترتب الحلية وجواز الاكل على التسمية بقيد من قبيل اذا تحققت‏سائر الشروط، او حمل الامر بالاكل والحلية على الحكم الحيثي لا الفعلي الحقيقي، وكلاهما خلاف الظاهر; اذ الاول خلاف اطلاق الترتب والتفريع، والثاني خلاف ظاهر ما يدل على الحكم وهو الامر، فان ظاهره الحلية الحقيقية الفعلية، لا الحيثية ومن ناحية ذلك الشرط فقط، فانها ليست‏حلية حقيقية لا جعلا ولا مجعولا; اذ الحكم لا ينحل ولا يتعدد بتعدد قيود موضوعه.
نعم، لو كانت هناك حليتان مستقلتان جعلا وموضوعا، كالحلية من ناحية التذكية والحلية من ناحية الطهارة لم يكن الاطلاق من ناحية‏احداهما نافيا للاخرى، وبهذا ظهر الفرق بين المقام وبين ما هو المقرر من عدم الاطلاق في قوله تعالى: (فكلوا مما امسكن عليكم) لنفي نجاسة موضع الامساك والحلية من ناحيتها.
5 - قوله تعالى في سورة الانعام: (قل لا اجد في ما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه‏الا ان يكون ميتة او دما مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس او فسقا اهل لغير الله به‏فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم).
6 -وقوله تعالى في سورة النحل:(فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله‏ان كنتم اياه تعبدون × انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به فمن‏اضطر غير باغ ولا عاد فان الله غفور رحيم). وهما كالآية المتقدمة من سورة البقرة، فان هذه‏الآيات‏الثلاث بمضمون واحد والفاظ واحدة، وهي ظاهرة في الحصر، بل آية الانعام صريحة فيه; لان عدم وجدان النبي للمحرم فيما اوحي اليه مساوق لعدم وجوده، فتكون دلالة هذه الآيات على عدم حرمة غير العناوين المذكورة فيها - ومنها ما ذبح واهل به لله من الذبائح من غير استقبال للقبلة - تامة. ودعوى لزوم تخصيص الاكثر قد عرفت جوابه.
هذا مضافا الى تمسك الفقهاء بهذه الآيات وما فيها من الحصر، خصوصا آية الانعام لاثبات حلية الاطعمة المحللة كثيرا ، بل ورد ذلك في جملة من الروايات الصحيحة، منها صحيح محمد بن مسلم المنقول في العلل والتهذيب، مع شي‏ء من الاختلاف. ويظهر من عدة روايات ان جملة مما حرم بعد ذلك كان بنهي النبي(ص) وتحريمه فلعله من تشريعاته، فلا ينافي دلالة الآية على الحصر; لان تشريع النبي(ص) بعدها بمثابة الناسخ لتلك الحلية الثابتة اولا بمقتضى الآية كما لا يخفى، فالاطلاق في الآيات تام في نفسه.
واما الاطلاق‏في الرواياتفيمكن استفادته من عدة طوائف منها:
1 -معتبرة‏محمد بن قيس عن‏ابي‏جعفر(ع):«قال: قال‏اميرالمؤمنين(ع): ذبيحة من دان بكلمة الاسلام وصام وصلى لكم حلال اذا ذكر اسم الله تعالى عليه‏». فانها لم تشترط في الذبح وحلية الذبيحة غير اسلام الذابح وذكر اسم الله تعالى عليه، فلو كان يجب ايضا الاستقبال مطلقا او في صورة العلم والعمد للزم ذكره، فيدل السكوت عنه مع كونها في مقام البيان على عدم الاشتراط.
ودعوى: ان الرواية ليست في مقام البيان من هذه الناحية; لكونها ناظرة الى حيثية اسلام الذابح فقط. مدفوعة:بان نظر الرواية الى حيثية اسلام الذابح لا ينافي اطلاقها من ناحية سائر الشروط اذا كان في مقام البيان من ناحيتها ايضا، وفي المقام بقرينة ذيل الرواية حيث تعرض لشرطية التسمية يفهم انها ارادت ان تعطي الكبرى الكلية للذبيحة المحللة لنا، فكانها قالت كلما كان الذابح مسلما وذكر اسم الله تعالى على الذبيحة فهي حلال، ومثل هذه الجملة لا اشكال في اطلاقها. نعم، لا تكون الرواية ناظرة الى شرائط عمل الذبح وما به يتحقق، كما تقدم نظيره في الآيات الشريفة السابقة; لان تلك حيثية اخرى لا نظر اليها، بل تحقق الذبح مفروغ عنه.
2 - الروايات الواردة في حلية ذبيحة‏المراة‏والغلام، كصحيح سليمان بن خالد قال: «سالت ابا عبدالله (ع) عن ذبيحة الغلام والمراة هل تؤكل؟ فقال: اذا كانت المراة مسلمة فذكرت اسم الله على ذبيحتها حلت ذبيحتها وكذلك الغلام اذا قوي على الذبيحة فذكر اسم‏الله وذلك اذا خيف فوت‏الذبيحة ولم‏يوجد من يذبح غيرهما».
وصحيح عمر بن اذينة عن غير واحد رواه عنهما(ع): «ان ذبيحة المراة اذا اجادت الذبح وسمت فلا باس باكله، وكذلك‏الصبي، وكذلك‏الاعمى اذا سدد». وصحيح محمد بن مسلم عن‏ابي‏عبدالله (ع) في حديث: «انه ساله عن ذبيحة المراة فقال: اذا كان نساء ليس معهن‏رجل فلتذبح‏اعقلهن ولتذكراسم‏الله عليه‏». ورواية مسعدة بن صدقة عن ابي عبدالله (ع) في حديث: «انه سئل عن ذبيحة المراة فقال: اذا كانت مسلمة فذكرت اسم الله عليها فكل‏». وروايته الاخرى في الغلام: «اذا قوي على الذبح وكان يحسن ان يذبح وذكر اسم الله عليها فكل‏».
ورواية ابن سنان عن ابي عبدالله (ع) قال: «سالت عن ذبيحة المراة والغلام هل تؤكل؟ قال: نعم، اذا كانت المراة مسلمة وذكرت اسم الله حلت ذبيحتها ،واذا كان الغلام قويا على الذبح وذكر اسم الله حلت ذبيحته‏». والسؤال في هذه‏الروايات وان كان عن شرطية البلوغ والرجولة الا ان جواب الامام (ع) فيه تعرض للكبرى وما يعتبر في الذابح والذبح - بقطع‏النظر عما يتحقق به فعل الذبح خارجا، بقرينة ذكر التسمية واسلام‏الذابح‏ونحو ذلك، فينعقد فيه اطلاق يمكن الاستناد اليه في نفي شرطية شرط آخر كالاستقبال، والا كان يذكره ايضا.
3 - بعض الروايات الواردة في ذبائح اهل الكتاب والتي تنهى عنه معللة بان الذبيحة بالاسم ولا يؤمن عليها الا مسلم واهل التوحيد، ففي صحيح الحسين بن المنذر قال: «قلت لابي عبدالله (ع): انا قوم نختلف الى الجبل والطريق بعيد بيننا وبين الجبل فراسخ، فنشتري القطيع والاثنين والثلاثة ويكون في القطيع الف وخمسمئة شاة والف وستمئة شاة والف وسبعمئة شاة، فتقع الشاة والاثنان والثلاثة، فنسال الرعاة الذين يجيئون بها عن اديانهم، قال: فيقولون: نصارى، قال: فقلت: اي شي‏ء قولك في ذبائح اليهود والنصارى؟ فقال: يا حسين الذبيحة بالاسم، ولا يؤمن عليها الا اهل التوحيد».
فقد جعل الميزان في حلية الذبيحة بالاسم، اي التسمية، وان اسلام الذابح انما يشترط لكي يحرز به ذلك، حيث لا يؤمن عليه لو كان الذابح غير مسلم، اما لعدم ذكره وتسميته اصلا، او لانه حتى اذا سمى فهو غير قاصد لمعناه حقيقة.
والمستفاد من هذه الآية وغيرها ان شرطية اسلام الذابح ليس في عرض سائر الشروط وانما في طولها، اي لاجل احراز التسمية التامة فلو احرز صدورها من الكتابي كان مذكى، وبه يقيد اطلاق ما دل على شرطية اسلام الذابح، وهذا بحث آخر لا ندخل فيه فعلا
 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID