عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
بدن
الثلاثاء, محرم 29, 1432 التشريح في التعليم الطبي بقلم: آية الله ‏الشيخ محمد المؤمن

لا ريب في ان التشريح قد اصبح في عصرنا الحاضر له دور اساس ومؤثر في الدراسات الطبية، اضافة الى اثره الملحوظ في علوم مجالات اخرى... اما ما هو موقف الفقه في هذه المسالة الهامة؟... هذا ما حاول التوصل اليه صاحب هذه الدراسة القيمة، حيث اثبت - وبعد المحاكمة العلمية الدقيقة للادلة - ان ما دل على احترام الانسان الميت كالحي يقتضي حرمة التشريح... ثم رتب على ذلك عدة نتائج وفرع جملة فروع.

ان شق جسد الميت وتقطيع اعضائه لغاية تعليم طلاب العلوم الطبية امر حادث اوجبه التقدم العلمي الحديث; ولذلك لا يوجد التعرض لامثال ذلك في كلمات علمائنا الاقدمين، وانما تعرض له بعض المتاخرين ممن عاصرناهم. نعم، قد تعرض الاقدمون لمسالة التنكيل بالميت ولتعلق الدية بقطع اعضائه وشقها.
فقال السيد المرتضى في الانتصار:«ومما انفردت به الاماميةبان من قطع راس ميت فعليه مئة دينار لبيت المال، وخالف باقي الفقهاء في ذلك. دليلنا على صحة ما ذهبنا اليه الاجماع المتكرر. فاذا قيل: كيف يلزمه دية وغرامة، وهو ما تلف عضو الحي؟! قلنا: لا يمتنع ان يلزمه ذلك على سبيل العقوبة; لانه مثل بالميت بقطع راسه فاستحق العقوبة بلا خلاف، فغير ممتنع ان تكون هذه الغرامة من حيث كانت مؤلمة، وتالمه يجري مجرى العقوبة جملتها» انتهى.
وقال شيخ الطائفة في الخلاف: «اذا قطع راس ميت او شيئا من جوارحه مما يجب فيه الدية كاملة لو كان حيا كان عليه مئة دينار دية الجنين، وفي جميع ما يصيبه مما يجب فيه مقدر وارش من حساب المئة ما يحق للحي من الالف، ولم يوافقنا في ذلك احد من الفقهاء ولم يوجبوا فيه شيئا. وعندنا: انه يكون ذلك للميت‏يتصدق به عنه ولا يورث ولا ينقل الى بيت المال. دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم، وقد اوردناها في الكتاب الكبير»، انتهى.
وقال ابو المكارم ابن زهرة في الغنية: «وفي قطع راس الميت عشر ديته، وفي قطع اعضائه بحساب ذلك، ولا يورث ذلك بل يتصدق به عنه. كل ذلك بدليل الاجماع المشار اليه‏»، انتهى.
وقال المحقق في الشرائع: «المسالة الثانية: في قطع راس الميت المسلم الحر مئة دينار، وفي قطع جوارحه بحساب ديته، وكذا في شجاجه وجراحه، ولا يرث وارثه منها شيئا، بل تصرف في وجوه القرب عنه عملا بالرواية. وقال علم‏الهدى : تكون لبيت المال‏»، انتهى.
وفي المسالكفي التعليق على هذه المسالة:«هذا الحكم هو المشهور بين الاصحاب، ومستنده اخبار كثيرة‏»، انتهى. الجواهروفيعند  شرحه  للمسالة «الثانية: في قطع راس الميت المسلم الحر مئة دينار على المشهور بين الاصحاب، بل عن الخلاف والانتصار والغنية الاجماع عليه‏»، انتهى.
وبالجملة، فمسالة تعلق الدية بالجناية على الميت مذكورة في كلماتهم قديماوحديثا ، وما نقلناه نموذج منها. ومن اراد اطلاعا ووقوفا اكثر فليراجع.
اقول:ان تشريح جسد الميت وشقه وتقطيع اعضائه يمكن ان يتضمن عناوين ثلاثة، ربما يوجب كل منها حرمته:

العنوان الاول - (هتك حرمة الميت):
فان التشريح مخالف لحرمة الميت وهتك لها، وقد دلت ادلة كثيرة على وجوب رعاية حرمة الميت كالحي: ففي صحيحة عبدالله بن سنان وخبر عبدالله بن مسكان - الذي هو ايضا صحيح بسند الصدوق - عن ابي عبدالله (ع): «في رجل قطع راس الميت، قال: عليه الدية; لان حرمته ميتا كحرمته وهو حي‏».
بيان الدلالة:انه (ع) قد حكم بالدية وعلله بتلك العلة. والحرمة على ما في كتب اللغة والاستعمالات المتعارفة وان كانت مستعملة في معنى الاحترام واخذ الحريم للانسان او شي‏ء آخر وفي معنى الحرمة التي هي احد الاحكام التكليفية، الا ان‏المناسب لمقام التعليل المذكور ارادة الاحترام، حيث ان الدية عوض وجابر للجناية الواردة، فالمناسب ان تعلل بما يحكي عن حق يعوض بها، وهو انما يكون بارادة معنى الاحترام وكون الشي‏ء ذا حريم يمنع انتهاكه، فاذا هتكه هاتك فقد تجاوز عليه واتلف حقا منه، فعليه ان يعطي عوضا عنه وهو الدية. واما ارادة الحرمة التكليفية فهي غير مناسبة هنا قطعا; اذ الحرمة التكليفية معبرة عن حق لله تعالى وطلب منه فلا يتعقبه الا العصيان والحد او التعزير.
وبالجملة، فلا ريب في ارادة ما لا يحل انتهاكه من الحرمة هنا. قال في المصباح المنير: «الحرمة - بالضم - اسم من الاحترام مثل الفرقة من الافتراق‏». وفي اقرب الموارد والمنجد والنهاية الاثيرية: «الحرمة ما لا يحل انتهاكه‏».
فاذا اريد بالحرمة الاحترام فلا محالة يكون مرجع الضمير الذي اضيفت الحرمة اليه هو الميت. وتكون العبارة كانه قال: حرمة الميت كحرمته وهو حي، فيدل على ان جميع الحقوق التي جعلها الشارع للانسان زمن حياته وكانت لازمة الرعاية في حقه فهي ثابتة له بعدما مات.
ومن المعلوم ان من حقوق الحي ان لا يتعرض له في جسده بقطع ولا خرق ولا خدش، بل ولا حلق شعر، ويكون جميع ذلك تحت اختياره، والتجاوز على كل منها هتكا لحرمته موجب للقصاص والدية تكريما له ورعاية لحرمته، فهكذا الامر بعد وفاته بالنسبة لاصل ثبوت الحق والاحترام له مع غض النظر عن حد هذه الحرمة.
وما ذكرناه من ان تحريم الحاق الاذى بالحي في قالب اي عمل كان انما هو من باب رعاية حقه، وهو - مضافا الى وضوحه بنفسه - مستفاد من اخبار كثيرة:
منها:صحيحة ابي بصير عن ابي عبدالله (ع) في حديث قال:
«ان عندنا الجامعة. قلت: وما الجامعة؟ قال: صحيفة فيها كل حلال وحرام وكل شي‏ء يحتاج اليه الناس حتى الارش في الخدش، وضرب بيده الي. فقال: اتاذن يا ابا محمد؟ قلت: جعلت فداك، انما انا لك، فاصنع ماشئت، فغمزني بيده وقال: حتى ارش هذا» فان اقدامه (ع) على الاستئذان منه في مثل ذلك الغمز الخفيف فيه دلالة واضحة على ان تحريم مثله انما هو لرعاية حقه بحيث‏يجوز ارتكابه مع اذنه، وليس مثل تحريم الخمر يكون حقا الهيا محضا.
ومنها:معتبرة اسحاق بن عمار عن ابي عبدالله (ع) قال:
«قضى اميرالمؤمنين (ع) في ما كان من جراحات الجسد ان فيها القصاص او يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها» فان جعل امر القصاص الى المجروح وسقوطه بقبوله للدية دليل صريح على ما ذكرنا.
ومثلها، بل‏اوضح‏منها : صحيحة ابي‏بصير عن‏ابي‏عبدالله (ع) قال: «سالته عن السن والذراع يكسران عمدا لهما ارش او قود؟ فقال (ع): قود. قال: قلت: فان اضعفوا الدية؟ قال (ع): ان ارضوه بما شاء فهو له‏»، فانه قد زاد فيها ان معيار سقوط القصاص انما هو رضاية المجني عليه وان كان باعطاء اضعاف الدية الشرعية.
بل قد ورد نظير هذه الاخبار في باب قتل العمد، ففوض اختيار القود والانتقال الى الدية او اكثر منها او اقل الى اولياء الدم الذين هم ورثة المقتول، فهو حق انتقل اليهم من ميتهم، مثل صحيحة عبدالله بن سنان قال: سمعت اباعبدالله (ع) يقول: «من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه الا ان يرضى اولياء المقتول ان يقبلوا الدية، فان رضوا بالدية واحب ذلك القاتل فالدية‏».. الحديث.
وما رواه يونس باسناد معتبر عن بعض اصحابنا عن ابي عبدالله (ع) قال: «من قتل مؤمنا متعمدا فانه يقاد به الا ان يرضى اولياء المقتول ان يقبلوا الدية او يتراضوا باكثر من الدية او اقل من الدية فان فعلوا ذلك بينهم جاز».. الحديث.
وبالجملة، لا ريب في ان تحريم ايراد انواع الاذى على الحي انما هو بمعيار ان كل‏احد له حرمة يمنع معها التعرض له بشي‏ء، وان الله تعالى اوجب رعاية حقه وجعل له حرمة لازمة الرعاية حتى في مثل الخدش والغمز والضرب، والتعرض لذكر الاحاديث الدالة عليه من قبيل توضيح الواضحات. فاذا مات فقد حرم التعرض لبدنه بجميع ما كان التعرض له به حراما في حياته، فان حرمته ميتا كحرمته وهو حي، على ما نطقت به الاخبار التي مر نموذج منها، فراجع. فهذه الطائفة من الاخبار تامة الدلالة على حرمة خرق بدن الميت وتقطيع جسده واعضائه.

العنوان الثاني - (التمثيل):
فانه يمكن ان يقال: ان كلا من خرق الجسد وتقطيع الاعضاء تمثيل به، وهو حرام. ففي صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبدالله (ع) قال: «كان رسول الله (ص) اذا بعث سرية دعا باميرها فاجلسه الى جنبه واجلس اصحابه بين يديه ثم قال: سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (ص) لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرة، الا ان تضطروا اليها، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امراة...» الحديث.
وفي خبر مسعدة بن صدقة عن ابي عبدالله(ع)قال: «ان‏النبي (ص) كان اذا بعث اميرا على سرية امره بتقوى الله‏عزوجل‏في خاصة نفسه، ثم في اصحابه عامة، ثم‏يقول: اغز باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ولا متبتلا في شاهق...».
وفي وصية امير المؤمنين (ع) للحسنين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله): «انظروا اذا انا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة لا تمثلوا بالرجل، فاني سمعت رسول الله (ص) يقول: اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور».
الى غير ذلك من الاخبار، فهذه الروايات - التي فيها صحيحة السند - تضمنت النهي عن التمثيل بالكفار الحربيين، والنهي دليل على الحرمة، فاذا حرم في الكافر لكان في المسلم ايضا حراما قطعا، وليس التمثيل الا قطع بعض الاعضاء كالاذن والانف والرجل واليد. هذا.
الا ان لقائل ان يمنع صدق التمثيل على مجرد شق الجسد وخرقه او قطع اعضاء البدن، بل الظاهر ان التمثيل هو ما كان من القطع بغاية التنكيل والتعذيب، بحيث‏يصير عبرة لغيره.
ففي المصباح: «مثلت بالقتيل مثلا - من بابي قتل وضرب -: اذا جدعته وظهر آثار فعلك عليه تنكيلا، والتشديد مبالغة، والاسم المثلة وزان غرفة، والمثلة - بفتح الميم وضم الثاء -: العقوبة‏». وفيه: « جدعت الانف جدعا - من باب نفع- :قطعته ، وكذا الاذن واليد والشفة ».
وفيه ايضا: «نكل من ينكل - من باب قتل - ونكلته قبيحة: اصابه بنازلة، ونكل به بالتشديد، والاسم النكال‏». وفي المنجد:«مثل - مثلا مثلة - بالرجل: نكل. بالقتيل: جدعه وظهرت‏آثار فعله عليه تنكيلا». وفيه: «نكل به: صنع به صنيعا يحذر غيره ويجعله عبرة له‏».
وعليه، فشق الجسد او قطع العضو اذا كان لغاية عقلائية - كما في ما نحن فيه - ليس مصداقا لعنوان التمثيل، كما هو واضح.

العنوان الثالث - (استلزامه تاخير الدفن):
فان تشريح جسد الميت واعضائه يستلزم عادة تاخير دفنه، مع ان الدفن واجب، وتاخيره زمنا طويلا غير جائز. اما وجوب الدفن فلعله من الضروريات، ويدل عليه من الروايات:
موثقة سماعة عن ابي عبدالله (ع) قال: «سالته عن السقط اذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال: نعم، كل ذلك يجب عليه اذا استوى‏».
وصحيحة علي بن جعفر انه سال اخاه موسى بن جعفر (عليهما السلام)«عن الرجل ياكله السبع او الطيرفتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال: يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن‏» رواها المشايخ الثلاثة(قدس‏سرهم) .
ومثلها بعينها صحيحة خالد بن ماد القلانسي، فانه (ع) عبر عن وجوب الدفن بجملة اخبارية ظهورها في الوجوب مما لا ينكر.
كما يدل عليه في خصوص قطع جسد الميت ما رواه اسحاق ابن عمارعن الصادق‏عن ابيه(عليهما السلام)«ان عليا(ع)وجد قطعا من ميت فجمعت ثم صلى عليها ثم دفنت‏» فان نقل فعل اميرالمؤمنين (ع) في مقام بيان الحكم ظاهر في ارادة بيان ان قطع بدن الميت بحكم الكل في وجوب دفنها، فتامل.
وفي مرسل البرقي عن بعض اصحابه عن ابي عبدالله (ع) قال: «اذا وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو تام صلي عليه ودفن، وان لم يوجد له عضو تام لم يصل‏عليه ودفن‏» وظهوره في وجوب دفن العضو تاما وناقصا واضح. هذا بالنسبة الى اصل وجوب الدفن.
واما عدم جواز تاخيره فربما يستدل له بالاخبار الواردة في الحث على تعجيل تجهيز الميت. ففي خبر جابر بن يزيد الجعفي عن ابي‏جعفر (ع) قال: «قال رسول الله (ص): يا معشر الناس لا القين (الفين) رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح، ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل، لا تنظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها، عجلوا بهم الى مضاجعهم يرحمكم الله. قال الناس: وانت يا رسول الله يرحمك الله‏».
وفي خبر السكوني عن ابي عبدالله (ع) قال: «قال رسول الله (ص): اذا مات الميت اول النهار فلا يقيل الا في قبره‏».
وفي‏خبرعيص‏عن ابي عبدالله عن ابيه(عليهما السلام)قال: «اذا مات الميت فخذ في جهازه وعجله‏». الى غير ذلك من الاخبار التي حثت على التعجيل في جهاز الميت، وظاهرها بنفسها وجوبه، ولو حملت على التعجيل عرفا لما كان ينبغي الريب في ان تاخير دفنه اياما عديدة مناف له.
الا ان يقال:ان سندها ضعيف بالارسال والاشتمال على المجاهيل او الضعاف، مضافا الى انه قد روى الصدوق مرسلا في من لا يحضره الفقيه، فقال: قال رسول الله (ص): «كرامة الميت تعجيله‏» فهو يدل على ان التعجيل انما استحب وامر به لمكان انه كرامة للميت، فلا محالة يكون حد الوجوب ما ينافي كرامته ويكون اهانة له، وبعبارة اخرى: ان تكريم المؤمن ليس باطلاقه واجبا، وانما اللازم ان لا يهان ولا يستخف به، فالتعجيل لما كان تكريما محضا، فهو مستحب غير واجب. نعم، اذا اوجب التاخير اهانة له كان حراما، فضم هذه المرسلة - التي اسندها الصدوق الى رسول الله (ص) جزما، ولا يقصر سندها عن الاخبار الاخر - اليها يصير قرينة على ان التعجيل ما لم يؤد تركه الى الاهانة مستحب ليس الا، فهي قرينة على ارادة الاستحباب من هذه الاخبار، واذا ادى الى الاهانة كان حراما بلا شبهة، فان حرمته ميتا كحرمته وهو حي. فالحاصل: ان التعجيل بما هو تعجيل مندوب، والمحرم هو الاهانة، والله العالم.
فقد تحصل :ان المعتمد في القول بحرمة خرق جسد الميت وشقه وتقطيع اعضائه هي الطائفة الاولى من الادلة، وان هذه الحرمة انما هي لمكان الاحترام المشروع له حال حياته، وان حرمته ميتا كحرمته وهو حي.
وبعد ذلك يقع الكلام في فروع:

الفرع الاول:
اذا كان خرق الجسد لغرض اهم من حفظ هذه الحرمة للميت، كما اذا توقف حفظ حياة حي عليه، فمقتضى قاعدة باب التزاحم جوازه حينئذ، بل وجوبه، ويدل عليه ايضا:
صحيحة علي بن يقطين قال: «سالت ابا الحسن موسى (ع) عن المراة تموت وولدها في بطنها يتحرك. قال: يشق عن الولد» وظاهرها - كما ترى - وجوب الشق‏واخراج الولد.
ومثلها مرسل ابن ابي عمير وخبر علي بن ابي حمزة وموثقة محمد بن مسلم وغيرها .
وفي خبر وهب بن وهب - رواه الكليني‏والشيخ(قدس‏سرهما)- عن ابي عبدالله (ع) قال: «قال امير المؤمنين (ع): اذا ماتت المراة وفي بطنها ولد يتحرك فيتخوف عليه فشق بطنها واخرج الولد. وقال في المراة يموت ولدها في بطنها فيتخوف عليها قال: لا باس ان يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه اذا لم ترفق به النساء». وفي اللفظ اختلاف لا يضر بالمعنى ونقلناه عن الكافي.
ومورد الاخبار - كما ترى - موت الحامل دون الحمل وبالعكس. وهو احد مصاديق باب التزاحم. وعليه، فلو توقف كشف مرض يوجب الموت وعلاجه على شق بدن ميت مات عقيب الابتلاء به، لكان شق جسده جائزا لكي تتضح حقيقة هذا المرض ويعالج غيره ممن هو مبتلى به كما لا يخفى.

الفرع الثاني:
اذا اوصى انسان بان يكون جسده تحت تصرف المراكز العلمية لكي تشق او تقطع اعضاؤه ويستفيد منه طلبة الطب في ازدياد معلوماتهم الطبية وارتقائها، فالظاهر جواز الوصية ووجوب العمل بها; وذلك لما عرفت ان سر حرمة الشق او التقطيع هو ان الشارع الاقدس راعى حق الميت واوجب حرمته فجعلها كحرمته وهو حي، ومن الواضح ان للانسان في حال حياته ان يفعل ببدنه ما يشاء اذا كان له مصلحة مرعية ولم يرد نهي عنه شرعا، والنهي انما ورد عن قتل نفسه، واما ما دونه فلا دليل على حرمته الا مثل قوله (ع): «لا ضرر ولا ضرار» بناء على شموله للاضرار بنفسه او غير ذلك. وقد حققنا - في البحث عن مفهوم الضرر - انه لا يصدق اذا كان في تحمل النقص المالي او البدني غاية عقلائية يعوض بها ذلك النقص، فكما ان له ان يفعل ببدنه ما دون القتل في حياته فكذلك يجوز له ان يوصي به بالنسبة لما بعد وفاته; وذلك ان ادلة الوصية توصل حياته بموته، وتوسع دائرة اختياراته المشروعة لما بعد وفاته، فمن مثل قول الامام ابي جعفر الباقر (ع): «الوصية حق، وقد اوصى رسول الله (ص)، فينبغي للمسلم ان يوصي‏» يفهم العرف ان ما كان للانسان ان يفعله من التصرفات والحقوق غير المشروطة بالمباشرة فله ان يوصي بان تفعل بعد وفاته، فادلة الوصية تعميم لاختياراته وتوسعة لها الى ما بعد الممات.
ان قلت:ان شق جسد الميت وتقطيع اعضائه اهانة له واذلال، وقد ورد النهي عن اذلال النفس في زمن الحياة، فلا محالة ليس له الوصية به بعد الوفاة. والدليل على حرمة الاذلال اخبار معتبرة مستفيضة: ففي موثقة ابي بصير عن ابي عبدالله (ع) قال: «ان الله تبارك وتعالى فوض الى المؤمن كل شي‏ء الا اذلال نفسه‏»، وفي موثقة سماعة قال: «قال ابو عبدالله (ع): ان الله عز وجل‏فوض الى المؤمن اموره كلها، ولم يفوض اليه ان يذل‏نفسه، اما تسمع‏لقول الله عزوجل:(ولله العزة‏ولرسوله وللمؤمنين)؟!»الحديث، الى غير ذلك.
قلت:لا نسلم كون الشق والتقطيع المذكورين اذا كانا عن وصية منه واذن اذلالا. نعم، لو فعل به شي‏ء منهما قهرا عليه وظلما ولم يمكنه الدفاع عن نفسه لكان صدق الاذلال والذلة غير بعيد، واما اذا كان عن اذن منه فلا يصدق عليه الاذلال، بل كما ينقل عن بعض علماء الطب واساتذته.

الفرع الثالث:
لا ريب في ان القدر المتيقن في ما ذكرنا من حرمة الشق والتقطيع لبدن الميت هو المسلم، واما الكفار ففي «تحرير الوسيلة‏» لسيدنا الاستاذ الامام الخميني (قدس سره الشريف): «لا يجوز تشريح الميت المسلم، فلو فعل ذلك ففي قطع راسه وجوارحه دية ذكرناها في الديات، واما غير المسلم فيجوز ذميا كان او غيره ولا دية ولا اثم فيه‏». وفي مستحدثات المسائل من منهاج الصالحين للسيد العلامة الخوئي(قدس‏سره): «لا يجوز تشريح بدن الميت المسلم، فلو فعل لزمته الدية على تفصيل ذكرناه في كتاب الديات... يجوز تشريح بدن الميت الكافر باقسامه، وكذا اذا كان اسلامه مشكوكا فيه، بلا فرق في ذلك بين البلاد الاسلامية وغيرها».
الا ان لقائل ان يقول:ان المستفاد من الادلة ان لكفار اهل الذمة حرمة ما داموا على شرائط الذمة، والاخبار الدالة على احترام الميت مطلقة تعم المسلم والكافر، ولازمها عدم جواز فعل الشق والتقطيع بالنسبة للميت الذمي من الكفار ايضا.

اما ما يدل على ان لاهل الذمة حرمة فطائفتان:
الطائفة الاولى:ما يدل‏على رفع اليد عنهم والكف عن قتالهم اذا قبلوا الجزية واعطوها:
فمنها :قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم  صاغرون) فالآية كالصريحة في ان القتال ينتهي اذا اعطوا الجزية، ويكف عنهم حينئذ ، وظاهره انهم بعد ذلك كسائر الناس المسلمين لا يتعرض لهم بشي‏ء، وهو عبارة اخرى عن ثبوت الحرمة لهم كغيرهم من الناس.
وفي خبر مسعدة بن صدقة عن ابي عبدالله(ع)قال: «ان‏النبي (ص) كان اذا بعث اميرا له على سرية امره بتقوى الله‏عز وجل في خاصة نفسه ثم في اصحابه عامة ثم‏يقول ... واذا لقيتم عدوا للمسلمين فادعوهم الى احدى ثلاث، فان هم اجابوكم اليها فاقبلوا منهم وكفوا عنهم... الى ان قال - بعد الامر بالدعوة الى الاسلام والهجرة -: فان ابوا هاتين فادعوهم الى اعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، فان اعطوا الجزية فاقبل منهم وكف عنهم‏» الحديث. وكيفية الاستدلال به يعلم مما ذكرناه في الآية.
وفي خبر حفص بن غياث (في حديث) انه سال ابا عبدالله (ع) عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن ورفعت عنهن قال: فقال: «لان رسول الله (ص) نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب الا ان يقاتلن فان قاتلن [قاتلت خ‏ل ] ايضا فامسك عنها ما امكنك ولم تخف خللا [حالا خ‏ل ]، فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان ذلك في دار الاسلام اولى. ولو امتنعت ان تؤدي الجزية لم يمكن قتلها فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها، ولو امتنع الرجال ان يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد وحلت دماؤهم وقتلهم; لان قتل الرجال مباح في دار الشرك. وكذلك المقعد من اهل الذمة والاعمى والشيخ الفاني والمراة والولدان في ارض الحرب، فمن اجل ذلك رفعت عنهم الجزية‏» فالخبر قد دل على حرمة دماء الطوائف المذكورة من اهل الذمة مطلقا، وعلى حرمة دماء غيرهم من الرجال اذا لم ينقضوا عهد الذمة، وحرمة دمائهم عبارة اخرى عن انهم محترمون وان لهم حرمة في لواء الاسلام. ومع هذه الحرمة فلا يشك احد في انه لا يجوز لاحد من المسلمين التعرض لهم حتى بمثل الايذاء، فضلا عن الجرح او القتل.
ومن هذا القبيل ما ورد في مرسل محمد بن ابي حمزة انه «مر شيخ مكفوف كبير يسال فقال امير المؤمنين (ع): ما هذا؟ قالوا يا امير المؤمنين: نصراني، فقال امير المؤمنين (ع): استعملتموه حتى اذا كبر وعجز منعتموه! انفقوا عليه من بيت المال‏».
وفي صحيحةزرارة قال: قلت لابي عبدالله (ع): «ما حد الجزية على اهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شي‏ء موظف لا ينبغي ان يجوز الى غيره؟ فقال: ذلك الى الامام ياخذ من كل انسان منهم ما شاء على قدر ماله وما يطيق، انما هم قوم فدوا انفسهم من ان يستعبدوا او يقتلوا، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون، له ان ياخذهم به حتى يسلموا» الحديث.
وفي صحيحةمحمد بن مسلم قال:«سالته عن اهل الذمة ماذا عليهم مما يحقنون به دماءهم واموالهم؟ قال: الخراج، وان اخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على ارضهم، وان اخذ من ارضهم فلا سبيل على رؤوسهم‏». فهاتان الصحيحتان وان تعرضتا لحكم دمائهم واموالهم بالصراحة، الا ان المفهوم منهما عرفا - كما في غيرهما مما قد مر - ان لاهل الكتاب بعد اداء الجزية حق الحياة في دار الاسلام كما لاهل الاسلام، فلا يجوز لاحد من المسلمين التعرض لهم بايذاء ولا ضرب ولا جرح.
فهذه الطائفة الاولى من الادلة قد دلت بوضوح على ثبوت الحرمة لاهل الذمة من اهل الكتاب.
الطائفة الثانية: ما يدل على حرمة قتلهم والجناية عليهم، وتعلق الدية بل القصاص بالجناية عليهم: فمنها:موثقة سماعة قال: سالت ابا عبدالله (ع) عن مسلم قتل ذميا فقال: «هذا شي‏ء شديد لا يحتمله الناس، فليعط اهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل اهل السواد وعن قتل الذمي. ثم قال: لو ان مسلما غضب على ذمي فاراد ان يقتله وياخذ ارضه ويؤدي الى اهله ثمانمئة درهم اذن يكثر القتل في الذميين، ومن قتل ذميا ظلما فانه ليحرم على المسلم ان يقتل ذميا حراما ما آمن بالجزية واداها ولم يجحدها».
ودلالتها على حرمة قتل الذمي ما دام يؤدي الجزية ويعمل بمقتضى عقد الذمة واضحة، بل ان دلالتها على تعلق الدية بقتله ظلما ايضا واضحة، وتدل ايضا على ان دية الذمي اذا كان قتله عمدا وظلما مثل دية المسلم، ولا محالة تختص دية الثمانمئة بشبه العمد والخطا.
الا ان الاصحاب لم يعملوا بهذا الحكم الاخير، وهو موافق لقول جمع من الجمهور، فيحمل على التقية بعد معارضتها لغيرها من اخبار كثيرة عليها العمل، لكنه لا ينافي حجيتها في سائر ما تضمنته كما لا يخفى، فتدل على حرمة قتل الذمي وعلى وجوب اداء ديته الى اهله، والدية لا محالة اذعان بحرمة المقتول.
ومنها :اخبار كثيرة تدل على ان دية الذمي ثمانمئة درهم، ففي صحيحة ابن مسكان عن ابي عبدالله (ع) قال: «دية اليهودي والنصراني والمجوسي ثمانمئة درهم‏».
ومنها :ما تدل على ان دية اعضاء الذمي تقدر بنسبة دية العضو الى كل الدية كما في المسلم، ففي رواية صحيحة الى محمد بن قيس عن ابي جعفر (ع) قال: «لا يقاد مسلم بذمي في القتل ولا في الجراحات، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمئة درهم‏».
ومن‏ هذه‏ الاخبارصحيحة بريد العجلي قال: سالت ابا عبدالله (ع) عن رجل مسلم فقا عين نصراني فقال: «ان دية عين النصراني اربعمئة درهم‏»والاربعمئة نصف كل ديته، وهي بهذه النسبة في المسلم ايضا.
ومنها :خبرالسكوني عن جعفر عن ابيه عن علي (ع) «انه قضى في جنين اليهودية والنصرانية والمجوسية عشر دية امه‏» وقد ورد في جنين المسلمة انه مئة دينار، وهي عشر الف دينار دية المسلم.
ومن اخبار الباب:موثقة اسماعيل بن الفضل قال: «سالت ابا عبدالله (ع) عن دماء المجوس واليهود والنصارى هل عليهم وعلى من قتلهم شي‏ء اذا غشوا المسلمين واظهروا العداوة لهم؟ قال: لا، الا ان يكون متعودا لقتلهم. قال: وسالته عن المسلم هل يقتل باهل الذمة واهل الكتاب اذا قتلهم؟ قال: لا، الا ان يكون معتادا لذلك لا يدع قتلهم، فيقتل وهو صاغرهم‏» فمفهوم صدر الموثقة عدم جواز قتلهم اذا لم يغشوا المسلمين ولم يظهروا عداوة لهم، وصريح ذيلها ان المسلم يقتل قصاصا اذا اعتاد قتلهم، ونحوها غيرها; فراجع ابواب القصاص والديات.
فهاتان الطائفتان دلتا على ثبوت الحرمة لاهل الذمة واهل الكتاب وان لم تكن هذه الحرمة على حد حرمة المسلمين، فاذا انضمتا الى الاخبار المعتبرة الدالة على‏ان حرمة الميت كحرمة الحي، استفيد منها حرمة التعرض لميت اهل الذمة كما يحرم التعرض للاحياء منهم.
ممنوعة; لعدم ودعوىانصراف هذه الاخبار الى الميت المسلم الشاهد عليها، فانظر الى صحيح عبدالله بن سنان عن ابي عبدالله (ع) في رجل قطع راس الميت قال (ع): «لان حرمته ميتا كحرمته وهو حي‏» فباي دليل وشاهد يدعى انصرافه؟! فقد سال عن قطع راس الميت، والسؤال عام لكل ميت، وكون الميت المسلم في معرض ابتلاء اكثر لا يوجب انصرافا، لا سيما في موضوع سؤال نادر، واجاب (ع) بانه عليه الدية، فدية كل احد بحسبه، وعلله بان حرمته ميتا كحرمته حيا، وهو ايضا تعليل عام ينصرف في كل مورد الى ما يناسبه.
ان‏قلت:قد روى عمار بن موسى بسند معتبر عن ابي عبدالله (ع) انه سئل عن النصراني يكون في السفر، وهو مع المسلمين فيموت؟ قال: «لا يغسله مسلم ولا كرامة، ولا يدفنه، ولا يقوم على قبره، وان كان اباه‏» وقد دل على عدم رجحان تجهيز النصراني الذي من اهل الذمة وزاد عليه بقوله «ولا كرامة‏» الدال على نفي الاحترام عن ميتهم، فهذا الموثق كالمخصص لعموم مثل صحيحة عبدالله بن سنان اذا سلمنا عدم انصرافها.
قلت:ان حق‏التجهيز للميت‏حق يثبت لخصوص الميت، وليس حقا ثابتا للحي‏حتى يثبت بمثل صحيحة ابن سنان للميت، فليس في مجرد نفي رجحانه دليل على تخصيص عموم الصحيحة.
واما قوله «ولا كرامة‏» فالظاهر ان المراد به ان المروءة والكرم الجبلي للمسلم لا ينبغي ان يجره الى القيام بتجهيز الكافر، فهو نظير قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تاخذكم بهما رافة)، وليس ظاهرا في نفي الحرمة عن الميت الذمي.
فالمتحصل :ان مقتضى الاخبار الواردة في الابواب المتفرقة ثبوت الحرمة للميت من كفار اهل الذمة كما قد ثبتت‏حرمة الاحياء منهم، اذن فلا يستقيم ما افتى به السيدان العلمان. هذا غاية ما امكننا من بيان ثبوت الاحترام للميت من اهل الذمة.
وبعد ذلك كله، فلا يبعد ان يقال: ان غاية المستفاد من الطائفتين المذكورتين ان‏لاهل الذمة - الذين يعيشون تحت لواء الاسلام ملتزمين بشرائط الذمة - هذه الاحكام وتلك الحقوق. واما ان ملاك هذه الحقوق ومنشاها هل هي حرمة اهل الذمة، ام ان منشاها حرمة ذمة الاسلام فلا دلالة لهما على شي‏ء من ذلك، بل ان من كان منهم محكوما بان يقاتل ويقتل فلا حرمة له في نفسه الا ان الدولة الاسلامية حينما تاذن لهم بان يعيشوا في البلاد الاسلامية على ان يلتزموا بشرائط الذمة، فنفس هذا الاذن المبني على رعاية مصالح خطيرة اوجب ان يعامل معهم تلك المعاملات، فالحرمة حرمة ذمة الاسلام، وهي تجري في كل مورد اعطى الاسلام واولياء امور المسلمين امنا وذمة لاحد حتى ولو كان كافرا حربيا مشركا، فانظر الى قوله تعالى: (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم‏واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)فقد ورد الامر بقتلهم واخذهم اخذا شديداومتابعتهم والتاكيد على ذلك، ولكن مع ذلك كله، قال تبارك وتعالى في الآية التالية: (وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مامنه)فامر نبيه (ص) بان يؤمن المستامن ويجير المستجير، وان كان كافرا مشركا واجب القتل، فيعطي له الامان الى ان يبلغ مامنه وماواه. ومن الواضح انه ما دام في هذا الامن الاسلامي فلا يجوز لاحد ان يتعرض له بايذاء فضلا عن جرح او قتل، ولا يبعد ثبوت الدية على من اصابه بما يوجبها.
الا ان كل ذلك ليس لاجل ان للمشرك حرمة في الاسلام، بل انما هو لاجل انه اعطي الامان، فهذا كله حرمة الاسلام وتكريم لامان الاسلام. وحينئذ فاهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس الذين يعيشون في ظل دولة الاسلام وتحت لوائه ليس لهم حرمة بما هم اهل لكتاب، بل بما انهم في ذمة الاسلام وحماه، والا فهم مكلفون باعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، فقد كتب عليهم الصغار رحمة لهم لكي يجدوا ذلا فيدخلوا في عز الاسلام.
ومما يدل على ان لا حرمة للكفار ما ورد عنهم(ع) مستفيضا في مقام بيان مشاركة الايمان للاسلام من قولهم(ع):«الاسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء»، فالاسلام هو الموجب لحقن الدم، فالكافر ليس - بما هو كافر - محقون الدم، فضلا عن ان يكون له حرمة ازيد من ذلك.
وعليه، فلا مجال للاستدلال لاحترامهم بمثل قولهم (ع):«في رجل قطع راس الميت قال: عليه الدية; لان حرمته ميتا كحرمته وهو حي‏»، فانه يدل على انجرار الحرمة الثابتة للميت‏حال حياته الى ما بعد وفاته، ولا محالة يختص مورده بمن كان له في حال الحياة حرمة، واما من لم يثبت له حرمة حال الحياة فقهرا ليس مشمولا للعموم المذكور، بل انت تعلم ان الشك هنا في ان الحرمة الواردة في اهل الذمة هي حرمة الاسلام او حرمة لهم كي يكون قبول شرائط الذمة كحيثية تعليلية لثبوت هذه الاحترامات لاهل الذمة انفسهم، ومجرد الشك كاف في عدم امكان الاستدلال بهذه الروايات على ثبوت الحرمة لهم; فانه من قبيل الاستدلال بالعام في الشبهة المفهومية.
هذا كله في اهل الذمة من اهل الكتاب.
واما الحربيونمنهم ‏وسائر انواع  الكفار الذين لا يصح عقد الذمة معهم، فعدم ثبوت الحرمة لميتهم واضح.
كما ان مما ذكرنا يظهر حال المستامنين الذين اعطتهم الحكومة الاسلامية الامان في البلاد الاسلامية، فان حرمة اشخاصهم بانفسهم غير ثابتة، وانما الحرمة لامان الاسلام الذي اعطاه لهم ولي المسلمين، ولا يقتضي ازيد من المماشاة معهم حال حياتهم لا بعد موتهم، فلا دليل على لزوم مراعاة الحرمة لهم ولاجسادهم.
فتحصل:ان الكفار مطلقا لا دليل على حرمة تشريح اجسادهم وتقطيعها للاغراض الطبية وغيرها. نعم، لو وقع عقد خاص بين ولي امر المسلمين وزعماء الكفر على ان لا يتعرضوا لاجساد الموتى من الكفار، فهذا العقد عقد محترم يجب الوفاء به بحكم عموم قوله تعالى: (اوفوا بالعقود) كما لا يخفى.

الفرع الرابع:
اذا اندرست القبور وخربت او اخربت وظهر منها عظام الموتى المسلمين، فهل يجوز الانتفاع بها في التعليم؟ المحكي في بعض الاستفتاءات عن بعض اجلة العصر (دام ظله) جوازه; ولعله لانصراف ادلة اثبات الحرمة للميت عن مثلها.
لكن لقائل ان يمنع الانصراف ويستند الى‏عموم قولهم(ع):«ان حرمته ميتاكحرمته وهو حي‏» فما دام العظم على هيئته يعد عضوا من اعضاء هذا المسلم فالتعرض له اهانة لصاحبه، ووجوب احترامه يقتضي عدم التعرض له، كما ان اطلاق ادلة وجوب دفن الاعضاء والعظام يدل على وجوب دفنها ودفن الميت، كما عرفت ان ذلك مرتبة من تكريمه قد اوجبها الشارع.
وربما يؤيد دعوى الاطلاق ما ورد في الاخبار من وجوب دفن شعر الميت وظفره وامثالهما اذا بانت منه، ففي الصحيح المروي عن الكافي والتهذيب عن ابن ابي عمير عن بعض اصحابه عن ابي عبدالله (ع) قال: «لا يمس عن الميت‏شعر ولا ظفر، وان سقط منه شي‏ء فاجعله في كفنه‏» فايجاب دفن هذه الاشياء الحقيرة معه دليل على عظم الحرمة الواجبة الرعاية فيه، وعلى عدم انصراف العمومات والمطلقات عن مثل العظام، والله العالم.

الفرع الخامس:
هل الجنين الميت بحكم من مات من الاحياء، فلا يحق شق جسده ولا تقطيع اعضائه، بل ولا حفظه في قارورة مملوءة بالكحول وعدم دفنه؟ لا يبعد ان يقال: ان كل ما منعه الشرع بالنسبة للانسان وهو حي - ولو كان في ادنى مراتب الحياة - فهو رعاية حق له وتكريم له، فاذا حرم الشارع الاقدس شرب دواء يوجب اسقاط النطفة.
كما في صحيحة رفاعة بن موسى النخاس قلت لابي عبدالله (ع): «اشتري الجارية فربما احتبس طمثها من فساد دم او ريح في رحم فتسقى دواء لذلك فتطمث من يومها افيجوز لي ذلك وانا لا ادري من حبل هو او غيره؟ فقال لي: لا تفعل ذلك، فقلت له: انه انما ارتفع طمثها منها شهرا، ولو كان ذلك من حبل انما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل، فقال لي: ان النطفة اذا وقعت في الرحم تصير الى علقة ثم‏الى مضغة ثم الى ما شاء الله، وان النطفة اذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شي‏ء فلا تسقها دواء اذا ارتفع طمثها شهرا وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه‏». فتراه (ع) قد منع عن شرب الدواء لمن احتملت الحمل وليس ذلك الا رعاية لحق من يتكون من هذه النطفة، فللانسان حق يجب رعايته من ابتداء انعقاد نطفته، فالنطفة المنعقدة من الانسان محترمة لا يجوز الاقدام على عمل يمنع نموها وبلوغها الى مرتبة الانسانية الكاملة.
فلو فرض ان عملا لا يوجب اعدامها بالمرة الا انه يوجب ورود نقص عليها وعلى الاعضاء التي ستنشا منها، فلا ريب في ان المستفاد من مثل الحديث عدم جواز الاقدام عليه; لان لها حقا واجب الرعاية. وحينئذ فاذا سقط الجنين فالتعرض له واخذ بعض اجزائه او اعضائه تعرض لما كان حيه ذا حرمة واجبة المراعاة في الشريعة، وقد قالوا (ع) : «ان حرمته ميتا كحرمته وهو حي‏» مضافا الى ما ورد في وجوب دفنه، ففي موثقة سماعة عن ابي عبدالله (ع) قال: سالته عن السقط اذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال: «نعم، كل ذلك يجب عليه اذا استوى‏» فالمستفاد من السؤال هو السؤال عن مساواته في الاحكام المذكورة للاحياء، والمستفاد من الجواب اثبات ذلك. فلا يجوز حفظ الجنين في القارورة وتاخير دفنه كما لا يجوز في سائر الاموات.
وبالجملة، فالدليل على عدم الجواز هو اطلاق قولهم(ع) : «ان حرمته ميتا كحرمته وهو حي‏»، مضافا الى ما يدل من الاخبار الخاصة في مسالة وجوب دفنه كما في غيره من الاموات. ودلالة الاطلاق على حكم الجنين المستوي الخلقة غير بعيدة، وعلى غيره على عهدة مدعيها، فتدبر.

الفرع السادس:
هل يجوز شق الجسد لكشف الجرم؟ كما لو قتل انسان برصاص سلاح احد شخصين مختلفي السلاح وبقيت الرصاصة في جسد المقتول، فلو شق جسده واخرجت الرصاصة لعلم القاتل. لا يبعد ان يقال: تارة يعلم انه لو شق الجسد لانكشف الجرم واتضح الواقع كما في المثال، واخرى يحتمل ذلك.
اما في الحالة الاولىفحيث ان انكشاف الواقع موجب لاستحقاق اولياء الدم حق‏القصاص من قاتل مورثهم، فاذا طلبوه وكان ذلك ممكنا للحاكم فمراعاة حقهم هذا مزاحمة بمراعاة حرمة الميت، وان لم نقل ان قتل قاتله ايضا رعاية حرمة اخرى له فلا اقل من ان الحقين هنا متزاحمان، فلو لم يثبت اقوائية ملاك حرمة الشق‏واحتمل تساويهما لجاز الاقدام على تشريحه فضلا عما لو علم اقوائية ملاك حق اولياء الدم. واما في‏الحالة الثانية فالظاهرانه‏لا يجوز ارتكاب‏حرام مسلم لمجرد احتمال احياء حق، فتدبر.

الفرع السابع:
هل يجوز شق الجسد لملاحظة حال الحمل الذي مات مع امه في بطنها حتى تنكشف ذكوريته او انوثيته فيعلم مقدار الدية الواجبة بقتله؟ ربما يقال:باتحاد مدرك هذا الفرع  مع ما سبقه، الا ان الظاهر خلافه، فانه قد وردت اخبار معتبرة بان ديته ثلاثة ارباع دية الذكر.
ففي الصحيحة المروية عن كتاب ظريف عن امير المؤمنين (ع): «...وان قتلت امراة وهي حبلى متم فلم يسقط ولدها ولم يعلم اذكر هو او انثى ولم يعلم ابعدها مات ام قبلها فديته نصفين نصف دية الذكر ونصف دية الانثى ودية المراة كاملة بعد ذلك...».
فهذه الصحيحة قد حكمت بثبوت نصف الديتين له، واطلاقها يعم ما اذا سال اولياء دمه مقدار حقهم لا ازيد ولا انقص او طلب القاتل تعيين مقدار الدية بلا زيادة او نقصان وقد كان شق الجسد وملاحظة ذكورة الحمل وانوثته في ذلك الزمان ممكنا كما حكموا به لاخراج الحمل حيا فتعيين نصف الديتين فيه اذا انضم الى ادلة حرمة الشق يستفاد منهما ثبوت الحرمة هنا، كما لا يخفى.

الفرع الثامن:
مما يجدر الاشارة اليه ان ما مر من جواز الشق او التقطيع اذا اوصى به الميت انما هو في غير العورتين وفي غير تشريح بدن الرجل للمراة وعكسه، والا فالادلة الدالة على حرمة النظر تدل على حرمته هنا ايضا، واذن الميت فيه بالوصية لا يوجب تغييرا في حكم الله تعالى وحقه ، كما كان كذلك في زمن حياته ايضا.
ومنه تعرف حكم اجساد الكفار في هذه المسالة فكل ما لم يجز النظر اليه من ابدانهم لا يجوزه كون النظر لغاية تعلم الطب، اللهم الا ان يبلغ حد الضرورة والاضطرار المسوغ للحرام، كما في غيره من الموارد.

الفرع التاسع:
كل ما كان يجوز الاقدام عليه بعد وصية الميت به واذنه فيه جاز الاقدام عليه باذن ولي امر المسلمين; ضرورة انه حيث كان وليهم فاذا راعى مصلحة الامة وراى ان‏التشريح يوجب تقدم علم الطب في البلاد الاسلامية وبالمآل يوجب سيادة الامة واذن فيه كان اذنه قائما مقام اذن صاحب الجسد بمثل الوصية، فانه بمقتضى ولايته اذن جائز ونافذ على المولى عليهم; لان اليه نظم امورهم وانه وليهم القيم عليهم. ومن الواضح ان الولي والقيم اذا راى مصلحة من ولي عليهم في الاقدام على عمل فاذن فيه، فلابد من نفوذ اذنه ولا يتوقف على اذن المولى عليهم والا لما كان وليا; فانه لا معنى لان يكون عدم رضا المولى عليه مانعا من نفوذ اذن الولي، فانه مساوق لانكار الولاية. نعم، ولي امر المسلمين انما يكون وليا على الامة بمعنى انه ليس له الا رعاية المصلحة العامة للامة، ولا يتصرف فيما كان مصلحة خاصة عائدة للاشخاص فقط، وتمام الكلام وتفصيل المقال موكول الى مجال واسع.

الفرع العاشر:
هل الاقدام على شق جسد الميت وتقطيع اعضائه لغرض تعليم العلوم الطبية يوجب الدية او الارش؟ لا ينبغي الريب في انه اذا كان العمل غير جائز فهو مشمول لادلة ايجاب الدية، وانما يقع الكلام في موارد جوازه، وهي تتصور في صور ثلاث:
الصورة الاولى:ان يكون مبنى الجواز وصية الميت به، وقد عرفت انها توجب جواز الاقدام عليه، لكن الوصية ربما تكون بمجرد الانتفاع بجسده في التعليم من دون وصية بكونه مجانا او مع التصريح بعدم المجانية، وحينئذ فادلة الديات والارش محكمة; ضرورة ان الدية والارش بمنزلة التقويم للجرح او القطع الوارد على البدن، وكما ان الاذن في التصرف في الاموال لا ينافي ان يكون المتصرف ضامنا للمال فهكذا هنا، فالوصية موجبة لجواز العمل، وادلة الديات موجبة للدية او الارش.
واما اذا كانت الوصية بان يجعل الجسد بيد المعاهد العلمية مجانا فالظاهر سقوط الدية والارش; وذلك مما عرفت ان الدية والارش عوض عن الجرح والقطع الواردين على الميت، والوصية ادامة للحق الثابت للانسان في زمن حياته الى ما بعد وفاته.
ومن المعلوم ان كل احد اولى بنفسه من غيره، فاذا اذن - بالوصية - في التصرف المجاني في جسده فقد اسقط العوض المقرر له، ولا محالة لا تثبت دية حتى يتعلق بها حق ورثته.
فلا يقال: ان الدية حق متعلق بالوارث، وليس له ان يتصرف فيها، فانه انما كان لهذا المقال مجال اذا ثبت دية واراد الشخص ان يوصي بديته الماخوذة، واما اذا اوصى بالمجانية فقد سد باب تعلق الدية وحصولها، كما لا يخفى.
الصورة الثانية: ان يكون مبنى الجواز الاضطرار اليه لتوقف حفظ حياة الاحياء عليه، فمن الواضح ان الاضطرار انما يرفع المنع التكليفي، ولا ينافيه تعلق الدية التي قد عرفت انها عوض مالي عن الجرح او القطع الوارد عليه.
الصورة‏الثالثة:ان يكون مبناه اذن ولي امر المسلمين، ومن المعلوم ان مصلحة الامة اذا اقتضت مجرد الاقدام على الشق والتقطيع كما هو الظاهر، فالدية او الارش باقسامه على حاله، واما اذا اقتضت المجانية ايضا فاذنه اذن الولي الذي لا مجال معه للمولى عليه.
وقد يقال: ان الديات انما هي اعواض عن الجنايات العمدية; ولذلك فقد ورد في ذيل خبر الحسين بن خالد عن ابي الحسن (ع): «...قلت: فان اراد رجل ان يحفر له ليغسله في الحفرة فسدر الرجل مما يحفر فدير به فمالت مسحاته في يده فاصاب بطنه فشقه فما عليه؟ فقال: اذا كان هكذا فهو خطا، وكفارته عتق رقبة او صيام شهرين [متتابعين خ ل ] او صدقة على ستين مسكينا مد لكل مسكين بمد النبي(ص)». فدل على ان شق بطن الميت اذا كان خطا، فليس فيه سوى الكفارة، فتعلق الدية دائر مدار الحرمة، واذا كان الشق جائزا لكونه خطا كما في مورد الحديث - او لغير ذلك كما في الصور المذكورة فلا يتعلق به دية اصلا.
اقول:ان الدية كما عرفت عوض مالي تثبت‏شرعا في موارد العمد والخطا كما هو بين، واطلاق قوله (ع) في من قطع راس الميت: «عليه الدية‏» يقتضي ثبوتها في جميع الموارد.
واما خبر الحسين بن خالد فهو ضعيف السند اولا، واعرض الاصحاب عنه كما في الجواهر ثانيا، ولا يدل على سقوط الدية عن مورد الخطا ثالثا; فان لقائل ان يقول: ان قوله (ع): «اذا كان هكذا فهو خطا» يدل على انه حينئذ محكوم بحكم الخطا يتعلق به الدية وتكون على العاقلة، وقوله (ع) بعده: «وكفارته‏» ايجاب للكفارة زائدة على الدية المقررة، كما لا يخفى والله العالم.
هذا ما وفقني الله له من الكلام في المباحث المتعلقة بتشريح بدن الميت وتقطيع اعضائه.
والحمد لله رب العالمين
 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID