عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
0000
الجمعة, صفر 03, 1432 في التجسس والتفتيش آية الله السيد محسن الخرازي

الدراسة التي بين يديك توفرت على بحث موضوع هام الا وهو التجسس والتفتيش الذي بات من الضرورات التي لا بد منها لحفظ امن واستقرار المجتمع، وللحيلولة دون الاخلال بالنظام العام، ولغير ذلك من المصالح..لكن الذي تجدر الاشارة اليه ان النتائج التي تمخض عنها هذا البحث انما تتم في فرض قيام حكومة شرعية وفي ظل نظام اسلامي عادل.. ولا يمكن تعميم ذلك الى التجسس لصالح الحكومات الجائرة..
ويقع البحث في مقامات:
المقام الاول: في معناه:
لا يخفى عليك ان التجسس لغة وعرفا هو التفتيش عن بواطن الامور، قال في لسان العرب قال اللحياني: تجسست فلانا ومن فلان بحثت عنه كتحسست، انتهى. ظاهره انه لا فرق بين التجسس بالجيم والتحسس بالحاء.
قال في المصباح المنير: جسه بيده جسا من باب قتل، واجتسه ليتعرفه، وجس الاخبار وتجسسها تتبعها، ومنه الجاسوس لانه يتتبع الاخبار ويفحص عن بواطن الامور.
وظاهره ان التجسس لا يختص بالتفحص عن القبائح المستورة، قال في مقاييس اللغة في معنى جس بالجيم والسين: هو تعرف الشي‏ء بمس لطيف.
والجاسوس فاعول من هذا لانه يتخبر ما يريده بخفاء ولطف.
وقال الجوهري في الصحاح: وجسست الاخبار وتجسستها، اي تفحصت عنها، ومنه الجاسوس.
وحكى عن الخليل: الجواس: الحواس.
وقال في اقرب الموارد: تجسس الخبر تفحص عنه، وبواطن الامور بحث عنها ... الجاسوس والجسيس صاحب سر الشر، وهو العين الذي يتجسس الاخبار ثم ياتي بها.
وقال فيه ايضا: تحسس استمع لحديث القوم وطلب خبرهم في الخير ... وبالجيم في الشر.
وقال في لسان العرب: الحاسوس الذي يتحسس الاخبار مثل الجاسوس بالجيم او هو في الخير وبالجيم في الشر، وقيل: التجسس بالجيم ان يطلبه لغيره وبالحاء ان يطلبه لنفسه، وقيل: بالجيم البحث عن العورات، وبالحاء الاستماع، وقيل: معناهما واحد في تطلب محرمة الاخبار.
وعن الاخفش: ليس تبعد التجسس بالجيم عن التحسس بالحاء، لان التجسس البحث عما يكتم عنك، والتحسس بالحاء طلب الاخبار والبحث عنها. وهنا قول ثان في الفرق انه بالحاء تطلبه لنفسه، وبالجيم ان يكون رسولا لغيره، قاله ثعلب.
قال في تفسير القرطبي بعد نقل الكلام المحكي عن الاخفش والاول اعرف.
واذا عرفت ذلك فاعلم ان التجسس لغة وعرفا لا يختص بما اذا كان التتبع للغير، بل هو اعم كما يشعر به التعبير عن هذا القول بلفظ: قيل في لسان العرب: نعم لا يبعد ذلك في لفظ الجاسوس. كما ان الظاهر عدم اختصاص التجسس بالعيوب والشرور والتحسس بغيرها، وهو المستفاد من عبارة المصباح المنير، والمحكي عن الاخفش، بل لسان العرب بناء على تخصيص الفرق في كلامه بلفظ الجاسوس. نعم ظاهر اقرب الموارد هو الفرق بين التحسس بالحاء والتجسس بالجيم، فتامل، لان العبرة بمصادره لا بمنفرداته، والمصادر لا تفيد اعتبار القيود المذكورة.
هذا مضافا الى استعمال التجسس في بعض الاخبار فيما لا يعني، وسياتي الخبر ان شاء الله تعالى.
ويشهد على ما ذكرناه، صحة اطلاق الجاسوس على جاسوس المخالفين بالنسبة الى المجتمعات الاسلامية مع انه تتبع الايجابيات والكمالات الموجودة في تلك المجتمعات. اللهم الا ان يكتفى في ذلك بتوهم الشرور من المخالفين بالنسبة اليها.
وكيف كان فما يظهر من الكلمات المذكورة، ان التجسس هو تتبع الاخبار، ولا دخل للغرض من التتبع في صدق مفهوم التجسس.
وعليه فلا فرق في صدقه بين ما اذا كان الغرض هو الخير او الشر، وغرض الخير ان كان له مدخلية فهو في نفي الحكم لا في صدق الموضوع.
ومما ذكر يظهر ما في المحكي عن تفسير ابن كثير: ان التجسس طلب الخبر للشر.
انقدح من ذلك ان ما مال اليه العلامة الميانجي(مد ظله) من اختصاص التجسس بما اذا كان الداعي هو الشر واستشهد له بقول بعض اللغويين من ان الجاسوس صاحب سر الشر او قولهم تحسس اي استمع وطلب الخبر في الخير وبالجيم في الشر، لا يخلو عن الاشكال. غاية ما دل عليه هذا القول هو ان طلب العثرات والقبائح مما يكون مستورا هو التجسس كما ان طلب الخير والمحسنات هو التحسس، ولا ارتباط لهذا القول بدواعي الطالب من انه تفحص لغرض الخير او الشر.
وبالجملة فان منشا الفرق في المطلوب لا في داعي الطلب.
فتحصل ان التجسس هو التتبع والتفحص عن بواطن الامور، سواء كان لنفسه او لغيره، وسواء كان لداعي الشر او لداعي الخير، وسواء كانت الامور خيرا او شرا.
المقام الثاني: في اختلاف موارد التجسس:
ان موارد التجسس تختلف من جهة اشتمالها على المصالح وعدمها. وهي على اقسام:
احدها: ان يكون لمجرد الاطلاع عن احوال الاشخاص من دون غرض وداع عقلائي عليه.
وثانيها: ان يكون ذلك لغرض فاسد، كالهتك واذاعة الفحشاء وايذاء المؤمنين.
وثالثها: ان يكون ذلك لغرض صحيح ولكنه ينقسم الى:
1 - غرض لازم كحفظ الحكومة من اخلال الكفار او المنافقين، او لدفع نشر الفساد الاجتماعي، سواء كان اخلاقيا او حاليا او ماليا، او لدفع الاضلال والانحراف عن المجتمعات الاسلامية، او للاطلاع على كيفية اتيان العمال بوظائفهم، او للاطلاع على الارتشاء والاختلاس، او الاطلاع على قوات الاعداء واعداداتهم وغير ذلك من الاغراض اللازمة.
2 - غرض راجح كالاطلاع عن الافراد الكاملين لاعطائهم المناصب المناسبة لهم، او الاطلاع بالنسبة الى العلوم الحديثة او للكشف عن رضى العامة وعدمه بالنسبة الى تمشية الامور، او لكشف الحاجات الاجتماعية، وغير ذلك من الامور الراجحة.
المقام‏ الثالث: في حكم الاقسام المذكورة:
لا يخفى عليك انه لا اشكال في حرمة القسم الاول والثاني، فيما اذا كان مورد التجسس هو العيوب، لدلالة الكتاب والسنة عليها.
ا - اما من الكتاب فقد استدل له بقوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا...) ، اذ مقتضى اطلاق النهي حرمة كلا القسمين.
قال المحقق الاردبيلي(قدس‏ سره): قوله: (ولا تجسسوا) ولا تبحثوا عن عورات المسلمين، والنهي عن تتبع عورات المسلمين في الاخبار كثير ... الخ.
وقال في تفسير القرطبي: «ومعنى الاية خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، اي لا يبحث احدكم عن عيب اخيه حتى يطلع عليه بعد ان ستره الله‏».
ومقتضى عدم التقييد في كلامهم هو عدم الفرق في الحرمة بين القسم الاول والثاني.
واستدل له ايضا بقوله تعالى: (ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة) بدعوى ان التجسس هو بنفسه اشاعة الفاحشة.
وفيه: انه ليس التجسس بنفسه اشاعة للفاحشة ما لم يقدم على الاذاعة، فالنهي عن اشاعة الفحشاء واذاعتها نهي عن المرتبة المتاخرة، ولا نظر له بالنسبة الى نفس التجسس والمرحلة المتقدمة عليه. قال المحقق الاردبيلي في ذيل الاية الكريمة: يعني الذين يريدون شيوع الفاحشة وظهورها ويقصدون اشاعتها ونسبتها الى المؤمنين تفضيحا لهم.
ب - واما الروايات فهي متعددة تتجاوز حد التظافر:
منها: ما رواه في الفقيه والتهذيب والاستبصار باسناد معتبرة عن ابن ابي يعفور -في معنى العدالة-، عن ابي عبدالله(ع): «والدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك‏».
الا انها دلت - كما افاد الشيخ الاعظم(قدس‏سره) - على ترتب حرمة التفتيش على كون الرجل ساترا فينتفي عند انتفائه.
ومنها: ما رواه في الكافي بسند معتبر عن ابي عبدالله(ع)، قال: «ابعد ما يكون العبد من الله ان يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ عليه زلاته ليعيره بها يوما ما». وهو لا يشمل القسم الاول، لتقييده بالداعي الفاسد، هذا مضافا الى ان حفظ ما يواجهه من الزلات من جهة المواخاة ليس هو التجسس المبحوث عنه، اللهم الا ان يدل عليه بالاولوية.
ومنها: ما رواه في الكافي بسند موثق عن اسحاق بن عمار، قال: سمعت ابا عبدالله(ع) يقول: قال رسول الله(ص): «يا معشر من اسلم بلسانه ولم يخلص (اي لم يصل) الايمان الى قلبه، لا تذموا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فانه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته‏».
وهو باطلاقه يشمل القسمين، والنهي يدل على حرمة تتبع العورات.
ومنها: ما رواه في عقاب الاعمال عن ابن عباس، عن رسول الله(ص) في آخر خطبة خطبها بالمدينة: «ومن مشى في عيب اخيه وكشف عورته كان اول خطوة خطاها ووضعها في جهنم وكشف الله عورته على رؤوس الخلائق‏».
ومنها: ما رواه في السرائر عن ابي عبدالله السياري، عن محمد بن اسماعيل، عن بعض رجاله، عن ابي عبدالله(ع)، قال: «اذا رايتم العبد متفقدا لذنوب الناس ناسيا لذنوبه فاعلموا انه قد مكر به‏».
ومن المعلوم ان العاصي مستحق لمكر الله تعالى.
ومنها: ما رواه في ميزان الحكمة: «اني لم اؤمر ان اشق عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم‏». ولكن دلالته على حرمة التفتيش غير واضحة، لان عدم المامورية اعم من الحرمة.
ومنها: ما رواه في تحف العقول عن الصادق(ع): «الجهل في ثلاث: في تبدل الاخوان، والمنابذة بغير بيان، والتجسس عما لا يعني‏».
الا ان الخبر يناسب الحكم التنزيهي، اذ تبدل الاخوان او المفارقة من دون الاعلام والتجسس عما لا يفيد لا يكون محرما.
ومنها: ما في نهج البلاغة، قال(ع) لمالك : «وليكن ابعد رعيتك منك واشناهم عندك اطلبهم لمعائب الناس، فان في الناس عيوبا الوالي احق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فانما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت‏يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك‏».
والنهي يدل على الحرمة.
ومنها: ما رواه القرطبي عن النبي(ص): «اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا».
والنهي يدل على الحرمة، الا ان يقال: ان اقترانه بسائر الفقرات مع عدم كون جميع مواردها محرمة يمنع عن الدلالة على الحرمة، فافهم.
ومنها: ما رواه القرطبي ايضا عن النبي(ص) انه قال: «انك ان اتبعت عورات الناس افسدتهم او كدت ان تفسدهم‏».
ومن المعلوم ان افساد المجتمع الاسلامي من اشنع المحرمات.
ومنها: ما رواه في مستدرك الوسائل عن النبي(ص): «شر الناس الظانون، وشر الظانين المتجسسون، وشر المتجسسين القوالون، وشر القوالين الهتاكون‏».
ودلالة الرواية على الحرمة غير واضحة، اللهم الا ان يقال: بمعونة الاية المباركة الدالة على وجوب الاجتناب عن ظن السوء يستفاد ان التجسس اشد من ظن السوء المحرم، فتامل.
ومنها: ما رواه في ثواب الاعمال عن ابن المتوكل، عن محمد بن يحيى، عن سهل، عن يحيى بن المبارك، عن ابن جبلة، عن محمد بن الفضيل، عن ابي الحسن موسى بن جعفر(عليهماالسلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، الرجل من اخواني يبلغني عنه الشي‏ء الذي اكرهه، فاساله عنه فينكر ذلك، وقد اخبرني عنه قوم ثقاة، فقال لي: «يا محمد، كذب سمعك وبصرك عن اخيك وان شهد عندك خمسون قسامة، وقال لك قولا فصدقه وكذبهم‏» الحديث. فان الظاهر من الخبر عدم جواز التجسس عن حاله وان كانت‏شواهد وجود القبائح موجودة كشهادة خمسين، فان جواز التجسس لا يجتمع مع لزوم تكذيب السمع والبصر.
ثم ان ما استظهرناه لا ينافي عدم امكان الاستدلال به لاصالة الصحة في فعل الخير بقرينة. جمع الامام بين تكذيب خمسين وتصديق الاخ المؤمن، اذ تصديق واحد من المؤمنين وتكذيب خمسين بمعنى الحمل على الصحة، والحمل على الفساد لا يكفي، بل اللازم هو تصديق خمسين في الفساد، كما اذا اخبروا ببيع الراهن بعد رجوع المرتهن عن الاذن، واخبر المؤمن الواحد ببيع الراهن قبل رجوع المرتهن، فان المتبع حينئذ هو شهادة خمسين، ولكن يمكن حمل الرواية على تصديق المؤمن على الحكم بمطابقة قوله الواقع المستلزم تكذيب القسامة، بمعنى المخالفة للواقع مع الحكم بصدقهم واعتقادهم.
ومنها: الروايات الواردة في المنع عن التفتيش فيما اذا ادعت المراة انها خلية كخبر عمر بن حنظلة، قال: قلت لابي عبدالله(ع): اني تزوجت امراة فسالت عنها، فقيل فيها، فقال: «وانت لم سالت ايضا، ليس عليكم التفتيش‏».
ولكن دلالة هذه الطائفة لا تخلو عن اشكال، لان الظاهر منها هو رفع لزوم التفتيش لا حرمته.
ومنها: ما رواه في عقاب الاعمال عن ابن عباس، عن النبي(ص): «ومن اطلع في بيت جاره فنظر الى عورة رجل او شعر امراة او شي‏ء من جسدها كان حقا على الله ان يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يبتغون عورات الناس في الدنيا» الحديث.
بدعوى دلالته على ان تتبع عورات الناس من اوصاف المنافقين التي توجب دخول النار.
وكيف كان، فهذه الاخبار تكفي للدلالة على حرمة التفتيش في القسم الاول والثاني، بل مقتضى ما عرفت من صدق التجسس ولو مع الغرض الصحيح هو شمول الادلة المذكورة للقسم الثالث والرابع ايضا.
لا يقال: سياق الاية الدالة على حرمة التجسس يدل على اختصاص الحرمة بما اذا كانت الاغراض فاسدة، لانه قبل حرمة التجسس دلت الاية على حرمة السخرية والطعن ودعت الى منابذة الالقاب وسوء الظن.
لانا نقول: العبرة باطلاق الوارد لا بخصوصية المورد، هذا مضافا الى ان الادلة لا تختص بالاية الكريمة، فعدم اطلاقها لا يضر بعد اطلاق سائر الادلة، وعليه فالتجسس حرام في نفسه مطلقا.
نعم، ربما تزاحمه الامور الاخرى كحفظ النظام والنفوس والمعالجة ونحوها من الامور التي تكون اهم بالنسبة الى حرمة التفتيش، فمع التزاحم المذكور تسقط حرمته عن الفعلية كسائر موارد التزاحم. ولذا قال الشيخ الاعظم(قدس‏سره) في احكام الغيبة: فاعلم ان المستفاد من الاخبار المتقدمة وغيرها ان حرمة الغيبة لاجل انتقاص المؤمن وتاذيه منه، فاذا فرض هناك مصلحة راجعة الى المغتاب -بالكسر، او بالفتح، او ثالث -دل العقل او الشرع على كونها اعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه، وجب كون الحكم على طبق اقوى المصلحتين، كما هو الحال في كل معصية من حقوق الله وحقوق الناس، وقد نبه عليه غير واحد.
قال في جامع المقاصد -بعد ما تقدم عنه في تعريف الغيبة-: ان ضابط الغيبة المحرمة: كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن او التفكه به او اضحاك الناس منه، واما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم، كنصح المستشير، والتظلم وسماعه، والجرح والتعديل، ورد من ادعى نسبا ليس له، والقدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين.
ظاهر كلام الشيخ والمحقق هو رفع الحكم لا رفع الموضوع ولكن لا يخلو كلام المحقق عن التامل، فان مجرد كون الغرض صحيحا لا يكفي في رفع الحرمة، بل اللازم هو احراز التزاحم والاهمية.
هذا مضافا الى ان جملة من الموارد التي يصدق عليها التجسس لا تكون من موارد تتبع العيوب كالاطلاع على العلوم الحديثة، او كشف رضى عامة الناس عن الامور وعدمه، او كشف الحاجات الاجتماعية، او كشف الافراد الكاملين لاعطاء المناصب، وغير ذلك. بل لا يصدق على ان المنهي هو التجسس عن بواطن الامور من المسلمين، فلا تشمل الادلة غيرهم من الكفار والمنافقين جمعا بين الادلة، بل مقتضى ترتب حرمة التفتيش على كون الرجل ساترا في صحيحة ابن ابي يعفور هو عدم حرمة ذلك في المريب والمتجاهر بالذنوب، فيتقيد اطلاق سائر الاخبار بمثل هذه الصحيحة.
اللهم الا ان يقال -كما افاد سيدنا الامام المجاهد(قدس‏سره) -ان الالتزام بجواز تفتيش عثرات المتجاهر في غاية الاشكال، ولعل وجه الاشكال هو عدم ثبوت الاطلاق للمفهوم، لان الرواية في مقام بيان حكم آخر، وهو بيان امارات العدالة، وعليه فالمستفاد من الرواية ان غير الساتر لجميع عيوبه يجوز التفتيش في عيوبه في الجملة، لاعتبار الستر في حرمة التفتيش، فتامل.
المقام الرابع: في اهمية حفظ النظام:
يدل على اهمية ذلك -مضافا الى البداهة والضرورة ودلالة آيات الدفاع- امور:
منها: وجوب الدفاع عن بيضة الاسلام ولو تحت لواء المخالفين كما يشهد له موثقة يونس عن ابي الحسن الرضا(ع)، قال: قلت له: جعلت فداك‏ان رجلا من مواليك بلغه ان رجلا يعطي سيفا وقوسا في سبيل الله فاتاه فاخذهما منه وهو جاهل بوجه السبيل، ثم لقيه اصحابه فاخبروه ان السبيل مع هؤلاء لا يجوز وامروه بردهما، قال: «فليفعل‏»، قال: قد طلب (شخص) الرجل فلم يجده، وقيل له: قد قضى (مضى خ) الرجل، قال: «فليرابط ولا يقاتل‏» قال: مثل قزوين وعسقلان وما اشبه هذه الثغور، فقال: «نعم‏»، قال: يجاهد، قال: «لا، الا ان يخاف على ذراري المسلمين‏» (فقال): ارايتك لو ان الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم ان يمنعوهم، قال: «يرابط ولا يقاتل، وان خاف على بيضة الاسلام والمسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان‏» قال: قلت: فان جاء العدو الى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: «يقاتل عن بيضة الاسلام لا عن هؤلاء، لان في دروس الاسلام دروس دين محمد(ص)».
ودلالته على وجوب حفظ بيضة الاسلام والمسلمين بالمقاتلة ولو تحت لواء المخالفين واضحة، وهي حاكية عن اهمية حفظ النظام، ولذا صرح الشيخ في المبسوط والعلامة في المنتهى والشهيد في الدروس وغيرهم من الاعلام بوجوب الدفاع عن بيضة الاسلام تحت لواء غير منصوب الامام عند الخوف على بيضة الاسلام.
والحاصل: ان ولاية الغاصبين ليست مقبولة، ولكن اذا دار الامر بين وجود النظام ولو بولايتهم وبين عدم وجود النظام الاسلامي فالاول مقدم، ولا يمنع ذلك عن السعي لخلع الغاصبين عن مقامهم فيما اذا لم يلزم منه عدم حفظ النظام.
ومنها: عدم جواز تحمل المخالفين فيما اذا ادت مخالفتهم الى الخوف على المجتمع الاسلامي كما يشهد له كلام مولانا امير المؤمنين(ع) عند مسير اصحاب الجمل الى البصرة: «... ان هؤلاء قد تمالؤوا على سخطة امارتي وساصبر ما لم اخف على جماعتكم فانهم ان تمموا على فيالة هذا الراي انقطع نظام المسلمين‏». وواضح انه(ع) علق القيام عليهم بالخوف العقلائي على النظام فهو يدل على جواز المقاتلة مع المخالفين عند الخوف على المجتمع الاسلامي.
ومنها: وجوب الاجتناب عن كل فعل و عمل يوجب الخوف على النظام، كما يدل عليه نهي امير المؤمنين(ع) عمر بن الخطاب عن الذهاب نحو ايران للحرب معللا باحتمال عروض الخطر بالنسبة الى النظام.
قال(ع) لعمر بن الخطاب وقد استشاره في غزوة الفرس بنفسه: «ومكان القيم بالامر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه، فاذا انقطع النظام تفرق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره ابدا».
وقاله(ع) في مقام نهي عمر عن الذهاب نحو ايران لوجود احتمال الخطر من جهة تفرق العرب ونقض بيعتهم ومهاجمة الاعداء. ولا خفاء في ان المراد من الرواية ليس المنع من الذهاب الى الحرب في جميع الاحوال والازمان، بل في زمان عمر منعه عن ذلك لعدم مساعدة الظروف، فليس حكما كليا، ولذا ذهب النبي(ص) مع الجيش الاسلامي في اكثر الغزوات، بل علي(ع) في صفين والجمل.
ومنها: ضرورية الامارة لاقامة النظام وحفظه، كما يدل عليه قول امير المؤمنين(ع) في الخوارج -لما سمع قولهم لا حكم الا لله- : «كلمة حق يراد بها باطل، نعم انه لا حكم الا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا امرة الا لله، وانه لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الاجل ويجمع به الفي‏ء، ويقاتل به العدو، وتامن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر ويستراح من فاجر».
والخبر ليس في مقام تصحيح حكومة الفاجر، بل هو في مقام بيان ان الحكومة ولو عن الفاجر خير من عدمها.
ومنها: وجوب الاستعانة بالاعراب اذا خيف على الاسلام كما تدل عليه الروايات، ومن جملتها موثقة هشام بن سالم عن ابي عبدالله(ع) قال: سالته عن الاعراب عليهم جهاد؟ قال: «لا، الا ان يخاف على الاسلام فيستعان على الاسلام بهم‏» الحديث.
ومنها: تشريع الامامة ووجوب اطاعة الامام لحكم، منها: اقامة النظام، كما يدل عليه: ما ورد عن سيدتنا فاطمة الزهراء (س) انها قالت في خطبتها التي اوردتها في مسجد النبي(ص): «.. فجعل الله الايمان تطهيرا لكم من الشرك... والعدل تنسيقا للقلوب وطاعتنا نظاما للملة وامامتنا امانا للفرقة‏».
ومن المعلوم ان تشريع الامامة للنظام حاك عن اهمية النظام.
وما ورد عن مولانا الرضا(ع) في حكمة جعل الامامة حيث قال: «... ان الامامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين‏».
وكذلك ما ورد عنه(ع): «اسمعوا واطيعوا لمن ولاه الله الامر فانه نظام الاسلام‏».
ومنها: التوصية في حفظ النظم والنظام وامور المسلمين، كقول مولانا امير المؤمنين(ع): «اوصيكما وجميع ولدي واهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم امركم وصلاح ذات بينكم‏».
وكقول رسول الله(ص): «من اصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم‏».
ومنها: ايجاب الحذر والاحتياط والمراقبة بالنسبة الى النظام كقوله تعالى: (واذا رايتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون)، والحذر فيها عن المنافقين لحفظ النظام.
وكقوله تعالى: (واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ولياخذوا اسلحتهم فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتات طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك ولياخذوا حذرهم واسلحتهم) -الى قوله عز وجل-: (ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم وخذوا حذركم) الاية.
بناء على ان المراد من حذرهم غير الاخذ بالاسلحة، خصوصا في قوله: (ان تضعوا اسلحتكم وخذوا حذركم) بدعوى ان الوضع والاخذ لا يجتمعان في شي‏ء واحد.
وكقول مولانا امير المؤمنين(ع) في وصيته للجيش: «واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ومناكب الهضاب لئلا ياتيكم العدو من مكان مخافة او امن، واعلموا ان مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، واياكم والتفرق‏».
وكقوله(ع) ايضا لزياد بن النضر حين انفذه على مقدمته الى صفين: «اعلم ان مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، فاذا انت‏خرجت من بلادك‏ودنوت عدوك فلا تسام‏من توجيه الطلائع في كل ناحية وفي بعض‏الشعاب والشجروالخمر وفي كل جانب‏».
الى غير ذلك من الامور الدالة على اهمية النظام بالعموم او الخصوص.
ولعل اصحابنا الامامية استفادوا من هذه الاخبار وجوب حفظ النظام عن الهرج والمرج، وافتوا بوجوب الصناعات الدخيلة في حفظ النظام كفاية.
قال الشيخ الاعظم(قدس‏سره) في وجه وجوب الصناعات: ان وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض، لانه لاقامة النظام التي هي من الواجبات المطلقة. وقال في جامع المقاصد -في شرح قول العلامة في المتاجر: فمنه واجب-: «كان عليه ان يدرج ايضا مطلق التجارة التي بها يتحقق نظام النوع، فان ذلك من الواجبات الكفائية‏»
وقال في الرياض -في حرمة اخذ الاجرة على ما يجب على الاجير وجوبا ذاتيا-: واخرج بالذاتي التوصلي كاكثر الصناعات الواجبة كفاية توصلا الى ما هو المقصود من الامر بها، وهو انتظام امر المعاش والمعاد، فانه كما يوجب الامر بها كذا يوجب جواز اخذ الاجرة عليها، لظهور عدم انتظام المقصود بدونه مع انه عليه الاجماع نصا وفتوى. فتحصل ان المستفاد من مجموع الروايات والفتاوى هو اهمية حفظ النظام الاسلامي، وعليه ففي مقام التزاحم مع بعض المحرمات يقدم وجوب حفظ النظام عليه، ويسقط المحرم عن الفعلية بالتزاحم المذكور.
المقام الخامس: في اتخاذ العيون او الاقدام على التجسس:
1 - روي في قرب الاسناد عن الريان بن الصلت، قال: سمعت الرضا(ع) يقول: «كان رسول الله(ص) اذا وجه جيشا فامهم امير بعث معه من ثقاته من يتجسس له خبره‏». فالتجسس فيه لكيفية عمل الامير والاستخبارات الحربية.
2 - روي في تهذيب تاريخ ابن عساكر عن بريدة ان النبي(ص) بعث‏سرية وبعث معها رجلا يكتب اليه بالاخبار.
3 - كان النبي(ص) يسال عن المتخلفين عنه في غزوته.
4 - قال رسول الله(ص): «لقد هممت ان آمر بالصلاة فتقام فانظر من لم يشهد المسجد فاحرق عليه بيته‏». ولكنه بصدد التفتيش عن المنافقين في جماعة المؤمنين، ومحمول على ما اذا كان عدم شركتهم في اقامة الصلاة موجبا للاخلال.
5 - لما حتم قضاء الله بفتح مكة واستوسقت له، امر(ص) عليهم عتاب بن اسيد ... فلما وصل اليهم عتاب وقرا عهده...، وقال لهم: ... فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق المؤمن على المؤمن، ومن وجدته قد بعد عنها فتشته فان وجدت له عذرا عذرته، وان لم اجد له عذرا ضربت عنقه حكما من الله مقضيا على كافتكم لاطهر حرم الله من المنافقين. وقد اسند التفتيش الى الله والرسول(ص) بقوله حكما من الله مقضيا على كافتكم، فتامل.
هذا مضافا الى انه منصوب خاص للنبي(ص) فاذا فعل ذلك ولم يردعه النبي(ص) فهو في حكم التقرير.
ولكنه وارد في خصوص التفتيش عن المنافقين في جماعة المؤمنين.
6 - وكان من سيرته(ص) ان يتفقد اصحابه ويسال الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه.
وفيه: ان السؤال عما يظهر في جماعة المسلمين لا عما يكون مستورا فيهم فلا يرتبط بالمقام.
7 - مر النبي(ص) في سوق المدينة بطعام فقال لصاحبه: «ما ارى طعامك الا طيبا»، وساله عن سعره، فاوحى الله عز وجل اليه ان يدس جيديرج يده في الطعام، ففعل فاخرج طعاما رديا، فقال لصاحبه: «ما اراك‏الا وقد جمعت‏خيانة وغشا للمسلمين‏».
لا يقال: انه لاختيار المتاع ولا يكون من موارد التجسس.
لانا نقول: ان ذلك من النبي(ص) تجسس عن وضع النشاط الاقتصادي في النظام الاسلامي.
8 - كان النبي(ص) يحبس على التهمة.
9 - تكلم طلحة والزبير بعد البيعة، فبلغ ذلك عليا فدعا بهما، فانكرا فلم يعجل عليهما واستاذناه الى مكة فلم يحبسهما وكان يعمل المراقبة في امرهما ولا يمضي على التهمة حتى ينكشف الغطاء.
ولعل عدم المضي على التهمة مما اقتضته المصلحة الخاصة، والا فقد مر ان النبي(ص) كان يحبس على التهمة.
10 - موثقة زرارة عن ابي جعفر(ع) قال: دخل رجل على علي بن الحسين(عليهماالسلام) فقال: ان امراتك الشيبانية خارجية تشتم عليا(ع) فان سرك ان اسمعك ذلك منها اسمعتك، قال(ع): «نعم‏»، قال: فاذا كان حين تريد ان تخرج كما كنت تخرج فعد فاكمن في جانب الدار، قال: فلما كان من الغد كمن في جانب الدار وجاء الرجل فكلمها فتبين منها ذلك فخلى سبيلها وكانت تعجبه.
تدل هذه الموثقة على جواز اعمال المقدمات في الاستخبارات.
11 - قال علي(ع) للنبي(ص) بعد استشارته صلوات الله عليه اياه في قضية الافك: «يا رسول الله النساء عليك كثيرة، سل عن الخبر بريرة خادمتها -اي عائشة- وابحث عن سر خبرها منها»، فقال له رسول الله(ص): «فتول انت‏يا علي تقريرها»، فقطع لها علي(ع) خشبا من النخل، وخلا بها يسالها ويتهددها ويرهبها.
ظاهر هذا النقل ان قضية الافك مربوطة بما نسب الى عائشة، وعليه فقوله تعالى: (ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم) الاية، نزل في حقها.
ولكن هناك رواية من طرقنا انها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة من ان ابراهيم ما هو الا ابن جريح، فبعث النبي(ص) عليا في تعقيب ابن جريح، ولما راى ابن جريح ان عليا(ع) في تعقيبه هرب وصعد في نخلة فبدت عورته فاذا ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء.
وكيف كان، فقد اورد العلامة الطباطبائي اشكالات على روايات الافك، سواء كانت من طرقنا او من طرق العامة، فراجع.
12 - احمد بن محمد، عن الحسين بن موسى بن جعفر(عليهماالسلام)، عن امه قالت: كنت اغمز قدم ابي الحسن(ع) وهو نائم مستقبلا في السطح، فقام مبادرا يجر ازاره مسرعا، فتبعته فاذا غلامان له يكلمان جاريتين له وبينهما حائط لا يصلان اليهما، فتسمع عليهما ثم التفت الي فقال: «متى جئت هاهنا»؟ فقلت: حيث قمت من نومك مسرعا فزعت فتبعتك، قال: «الم تسمعي الكلام‏»؟ قلت: بلى، جعلت فداك، فلما اصبح بعث الغلامين الى بلد، وبعث بالجاريتين الى بلد آخر فباعهم.
والخبر يدل على جواز التجسس في مقام حفظ الاهل عن المفاسد وردعهم عنها.
13 - كان الخريت بن راشد الناجي احد بني ناجية قد شهد مع علي(ع) صفين فجاء الى علي(ع) بعد انقضاء صفين وبعد تحكيم الحكمين في ثلاثين من اصحابه يمشي بينهم حتى قام بين يديه، فقال: والله لا اطيع امرك ولا اصلي خلفك واني غدا لمفارق لك.
فقال له: «ثكلتك ‏امك ‏اذا تنقض عهدك‏وتعصي ربك ولا تضر الا نفسك، اخبرني لم تفعل ذلك‏»؟ قال: لانك حكمت في الكتاب ...
فقال له علي(ع): «ويحك هلم الي ادارسك واناظرك في السنن وافاتحك امورا من الحق انا اعلم بها منك، فلعلك تعرف ما انت الان له منكر وتبصر ما انت الان عنه عم وبه جاهل‏»، فقال الخريت فاني غاد عليك غدا. فقال علي(ع): «اغد ولا يستهوينك الشيطان...».
فخرج الخريت من عنده منصرفا الى اهله ...
قال عبدالله بن قعين: فجعلت في اثره مسرعا ... -الى ان قال: - فقلت: يا امير المؤمنين فلم لا تاخذه الان فتستوثق منه؟ فقال: «انا لو فعلنا هذا بكل من يتهم من الناس ملانا السجون منهم، ولا اراني يسعني الوثوب بالناس والحبس لهم وعقوبتهم حتى يظهروا لي الخلاف‏»، قال: فسكت عنه وتنحيت فجلست مع اصحابي هنيئة، فقال لي(ع): «ادن مني‏»، فدنوت فقال لي مسرا: «اذهب الى منزل الرجل فاعلم ما فعل، فانه قل يوم لم يكن ياتيني فيه قبل هذه الساعة‏»، فاتيت الى منزله فاذا ليس في منزله منهم ديار ... فاقبلت الى امير المؤمنين(ع)، فقال لي حين رآني: «افطنوا فاقاموا ام جبنوا فظعنوا»؟ قلت: لا، بل ظعنوا، فقال: «ابعدهم الله كما بعدت ثمود ... وساكتب الى من حولي من عمالي فيهم‏»، فكتب نسخة واحدة واخرجها الى العمال:
من عبدالله علي امير المؤمنين الى من قرئ عليه كتابي هذا من العمال:
«اما بعد فان رجالا لنا عندهم تبعة خرجوا هرابا نظنهم خرجوا نحو بلاد البصرة، فاسال عنهم اهل بلادك واجعل عليهم العيون في كل ناحية من ارضك ثم اكتب الي بما ينتهي اليك عنهم والسلام‏».
14 - وكتب علي(ع) الى كعب بن مالك: «اما بعد فاستخلف على عملك واخرج في طائفة من اصحابك حتى تمر بارض كورة السواد فتسال عن عمالي وتنظر في سيرتهم فيما بين دجلة والعذيب، ثم ارجع الى البهقباذات فتول معونتها واعمل بطاعة الله فيما ولاك منها -الى ان قال:- واعلمني الصدق فيما صنعت‏».
يدل الخبر على اتخاذ العيون بالنسبة الى العمال.
15 - قال في مصنف ابن ابي شيبة: ان ابا الجهم القرشي نقل عن ابيه، قال: بلغ عليا مني شي‏ء فضربني اسواطا، ثم بلغه بعد ذلك ان معاوية كتب اليه، فارسل رجلين يفتشان منزله فوجدا الكتاب في منزله، فقال (ابي) لاحد الرجلين وهو من العشيرة: انك من العشيرة فاستر علي، قال: فاتيا عليا فاخبراه، فركب علي، فقال لابي: «اما انا فتشناه عليك ذلك فوجدناه باطلا».
يدل الخبر على ان مجرد احتمال الارتباط مع الاعداء والمخالفين للادلة الحقة يكفي في جواز التجسس.
16 - كتب حاطب بن ابي بلتعة الى اهل مكة يخبرهم بعزيمة رسول الله(ص) على فتحها، واعطى الكتاب امراة سوداء كانت وردت المدينة تستميح بها الناس وتستبرهم، وجعل لها جعلا على ان توصله الى قوم سماهم لها من اهل مكة وامرها ان تاخذ على غير الطريق.
فنزل الوحي على رسول الله(ص) بذلك فاستدعى امير المؤمنين(ع) وقال له: «ان بعض اصحابي قد كتب الى اهل مكة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت‏سالت الله ان يعمي اخبارنا عليهم، والكتاب مع امراة سوداء قد اخذت على غير الطريق فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها وخلها، وصر به الي‏»، ثم استدعى الزبير بن العوام فقال له: «امض مع علي بن ابي طالب في هذه الوجه‏»، فمضيا واخذا على غير الطريق، فادركا المراة، فسبق اليها الزبير فسالها عن الكتاب الذي معها، فانكرته وحلفت انه لا شي‏ء معها وبكت، فقال الزبير: ما ارى يا ابا الحسن معها كتابا فارجع بنا الى رسول الله(ص) لنخبره ببراءة ساحتها، فقال امير المؤمنين(ع): «يخبرني رسول الله(ص) ان معها كتابا ويامرني باخذه منها، وتقول انت انه لا كتاب معها»، ثم اخترط السيف وتقدم اليها فقال: «اما والله لئن لم تخرجي الكتاب لاكشفنك، ثم لاضربن عنقك‏»، فقالت له: اذا كان لا بد من ذلك فاعرض يابن ابي طالب بوجهك عني، فاعرض(ع) بوجهه عنها فكشفت قناعها واخرجت الكتاب من عقيصتها.
فاخذه امير المؤمنين(ع) وصار به الى رسول الله(ص).
وفي نقل البيهقي ان رسول الله(ص) قال حين بعث عليا والزبير بن العوام: «ففتشوها فان معها كتابا الى اهل مكة‏».
وكيف كان، يكفي في صدق التفتيش والتجسس خفاء ذلك عند غير النبي والوصي عليهما الصلاة والسلام.
17 - ويدل على اتخاذ العيون ايضا التوبيخات والتهديدات التي صدرت عن مولانا امير المؤمنين(ع) بالنسبة الى عماله. فانه حاك عن الاستخبارات التي تصل اليه من ناحية عيونه. ومن امثلة ذلك:
ا - كتب الى عثمان بن حنيف عامله على البصرة: اما بعد يابن حنيف، فقد بلغني ان رجلا من فتية اهل البصرة دعاك‏الى مادبة، فاسرعت اليها تستطاب لك الالوان وتنقل اليك الجفان. وما ظننت انك تجيب الى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو.
ب - كتب الى بعض عماله: اما بعد فقد بلغني عنك امر ان كنت فعلته فقد اسخطت ربك وعصيت امامك واخزيت امانتك، بلغني انك جردت الارض، فاخذت ما تحت قدميك، واكلت ما تحت‏يديك، فارفع الي حسابك واعلم‏ان حساب الله اعظم من حساب الناس، والسلام.
ج - كتب الى مصقلة بن هبيرة عامله على اردشير خرة: اما بعد فقد بلغني عنك امر اكبرت ان اصدقه، انك تقسم في‏ء المسلمين في قومك ومن اعتراك من السالة والاحزاب واهل الكذب من الشعراء كما تقسم الجوز، فوالذي فلق الحبة وبرا النسمة لافتشن عن ذلك تفتيشا شافيا فان وجدته حقا لتجدن بنفسك علي هوانا فلا تكونن من الخاسرين اعمالا.
د - كتب الى زياد بن ابيه لما كتب اليه معاوية يريد خديعته باستلحاقه: وقد عرفت ان معاوية كتب اليك يستزل لبك، ويستفل غربك، فاحذره فانما هو الشيطان.
ه - كتب الى ابي موسى الاشعري عامله على الكوفة وقد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج اليه لما ندبهم لحرب اصحاب الجمل: اما بعد، فقد بلغني عنك قول هو لك وعليك.
التثبيط: اي الترغيب في القعود والتخلف، ولعل المراد من هو لك وعليك: ان ترغيبك الناس على القعود يكون بنفعك بحسب الظاهر، ولكنه يضر بك بحسب الواقع، ولعل الاشعري اخفى ذلك عن علي(ع)، وبهذا الاعتبار يصدق على الاطلاع عليه التفتيش والتجسس.
و - كتب الى‏المنذربن جارود العبدي وقد خان في بعض ما ولاه: اما بعد، فان صلاح ابيك غرني منك، وظننت انك‏تبع هديه، وتسلك سبيله، فاذا انت فيما رقي الي عنك لا تدع لهواك ‏انقيادا، ولا تبقي لاخرتك عتادا.
ولعل قوله(ع): فاذا انت فيما رقي الي عنك يدل على استخبار العيون.
ز - كتب الى محمد بن ابي بكر عامله على مصر لما بلغه توجده من عزله بالاشتر عن مصر:
اما بعد، فقد بلغني موجدتك من تسريح الاشتر الى عملك، واني لم افعل ذلك استبطاء لك في الجهد، ولا ازديادا لك في الجد، ولو نزعت ما تحت‏يدك من سلطانك لوليتك ما هو ايسر عليك مؤونة واعجب اليك ولاية.
ولا يخفى ان الغيظ ليس في العلن، اذ هو لا يناسب محمد بن ابي بكر، وعليه فالاستخبار عن امر مستور في الجملة.
ح - كتب ابوالاسود الدؤلي -وكان خليفة عبدالله بن عباس بالبصرة- الى علي(ع) يعلمه ان عبدالله اخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم، فكتب اليه يامره بردها فامتنع، فكتب يقسم له بالله لتردنها، فلما ردها عبدالله بن عباس، او رد اكثرها، كتب اليه علي(ع): اما بعد، فان المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما اتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعا، واجعل همك لما بعد الموت، والسلام.
فكان ابن عباس يقول: ما اتعظت بكلام قط اتعاظي بكلام امير المؤمنين.
وقد نقل انه(ع) كتب في جواب ابي الاسود الدؤلي: فمثلك نصح الامام والامة، وادى الامانة، ووالى (ودل) على الحق... فلا تدع اعلامي بما يكون بحضرتك مما النظر فيه للامة صلاح فانك بذلك جدير، وهو حق واجب لله عليك.
هذا الخبر يدل على قبول ورضى امير المؤمنين عن استخبار خليفة عبدالله ابن عباس، ورغبه في ذلك، بل جعله امرا لازما، فعلى نواب المسؤولين ان يراقبوا اعمال المسؤولين ويخبروا بما اخطاوا.
ط - كتب علي(ع) الى قثم بن العباس عامله على مكة: اما بعد فان عيني بالمغرب كتب الي يعلمني انه وجه الى الموسم اناس من اهل الشام العمي القلوب، الصم الاسماع، الكمه الابصار، الذين يلبسون الحق بالباطل ... فاقم على ما في يديك قيام الحازم الصليب.
ي - روى ابن ابي الحديد عن كتاب الغارات: ان معاوية اختلق كتابا نسبه الى قيس بن سعد وقراه على اهل الشام، فشاع في الشام كلها ان قيسا صالح معاوية، واتت عيون علي بن ابي طالب اليه بذلك فاعظمه واكبره وتعجب له...
18 - ويدل على اتخاذ العيون ايضا ما ورد في بعث النبي(ص) افرادا لاستخبار حال الاعداء في خارج البلاد الاسلامية ورصد تحركاتهم العسكرية واسرارهم، وهو كثير.
منها: ما رواه ابن هشام في سرية عبدالله بن جحش: ان رسول الله(ص) بعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الانصار احد، وكتب له كتابا وامره ان لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما امره به ولا يستكره من اصحابه احدا ... فلما سار عبدالله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فاذا فيه:
«اذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم الناس اخبارهم‏»، فلما نظر عبدالله بن جحش في الكتاب قال: سمعا وطاعة، ثم قال لاصحابه: قد امرني رسول الله(ص) ان امضي الى نخلة ارصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر....
يدل الخبر على اتخاذ العيون بالنسبة الى تحركات الاعداء.
ومنها: ما رواه الواقدي في غزوة بدر الكبرى ما ملخصه: لما تحين رسول الله(ص) انصراف العير من الشام ندب اصحابه للعير وبعث -رسول الله(ص)- طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد قبل خروجه من المدينة بعشر ليال يتحسسان خبر العير حتى نزلا على كشد الجهني بالنخبار ، فاجارهما وانزلهما، ولم يزالا مقيمين عنده في خباء حتى مرت العير، ... فنظرا الى القوم والى ما تحمل العير، وجعل اهل العير يقولون: يا كشد هل رايت احدا من عيون محمد؟ فيقول: اعوذ بالله، وانى عيون محمد بالنخبار؟ فلما راحت العير باتا حتى اصبحا، ثم خرجا وخرج معهما كشد خفيرا ... فخرجا يعترضان النبي(ص) فلقياه بتربان ... وقدم كشد بعد ذلك فاخبر النبي(ص) اجارته اياهما، فحياه رسول الله(ص)، الخبر.
يدل الخبر على العامل النفوذي بين الاعداء، وعلى اتخاذ العيون بالنسبة الى تحركات الاعداء ولو في امورهم الاقتصادية.
ومنها: ما في صحيح مسلم عن انس بن مالك، قال: بعث رسول الله(ص) بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير ابي سفيان.
كذلك ‏يدل الخبر على اتخاذ العيون بالنسبة الى تحركات الاعداء ولو كانت في الامور الاقتصادية.
ومنها: ما رواه الواقدي في غزوة احد: وبعث النبي(ص) عينين له انسا ومؤنسا ابني فضالة ليلة الخميس، فاعترضا لقريش بالعقيق، فسارا معهم حتى نزلوا بالوطاء فاتيا رسول الله(ص) فاخبراه.
ومنها: ما رواه في المغازي ايضا في غزوة احد: فلما نزلوا وحلوا العقد واطمانوا، بعث رسول الله(ص) الحباب بن المنذر بن الجموح الى القوم، فدخل فيهم وحزر (قدر وخمن) ونظر الى جميع ما يريد، وبعثه سرا، وقال للحباب: لا تخبرني بين احد من المسلمين الا ان ترى في القوم قلة، فرجع اليه فاخبره خاليا.
قوله: الا ان ترى في القوم قلة: اي الا ان ترى في العدو قلة.
ومنها: ما رواه ابن هشام في غزوة احد بعدما انصرفت قريش: ثم بعث رسول الله(ص) علي بن ابي طالب، فقال: اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وما يريدون فان كان قد جنبوا الخيل وامتطوا الابل فانهم يريدون مكة، وان ركبوا الخيل وساقوا الابل فانهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن ارادوها لاسيرن اليهم فيها ثم لاناجزنهم، قال علي(ع): فخرجت في آثارهم انظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الابل ووجهوا الى مكة.
ومنها: ما رواه في التراتيب الادارية عن الاستيعاب في اخبار العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله(ص) قال: اسلم العباس قبل فتح خيبر وكان يكتم اسلامه، وكان يكتب باخبار المشركين الى رسول الله(ص) فكتب اليه: ان مقامك بمكة خير.
ومنها: ما رواه ابن هشام في غزوة الخندق: فلما انتهى الى رسول الله(ص) ما اختلف من امرهم، وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه اليهم لينظر ما فعل القوم ليلا، ... قال حذيفة: ثم التفت الينا -رسول الله(ص)- فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟ فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم احد دعاني رسول الله(ص)، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثن شيئا حتى تاتينا... الخبر.
وحاصله انه ذهب حذيفة واطلع على ما اطلع واخبر به النبي(ص).
ومنها: ما رواه الواقدي في غزوة الخندق من ان النبي(ص) دعا خوات ابن جبير، وقال: انطلق الى بني قريظة، فانظر هل ترى لهم غرة او خللا من موضع فتخبرني؟
ومنها: ما رواه الواقدي ايضا من ان النبي(ص) بعث بريدة بن الحصيب الاسلمي الى بني المصطلق ليخبره بخبر القوم.
ومنها: ما رواه في مجمع البيان في غزوة الحديبية من ان النبي(ص) بعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله(ص) حتى اذا كان بغدير الاشطاط -قريبا من عسفان- اتاه عينه الخزاعي، فقال: اني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الاحابيش، وجمعوا جموعا، وهم قاتلوك او مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال(ص): روحوا، فراحوا.
ومنها: ما رواه في تفسير نورالثقلين عن امالي الشيخ بسنده عن الحلبي، عن ابي عبدالله(ع) في تفسير قوله عز وجل: (والعاديات ضبحا): وجه رسول الله(ص) عمر بن الخطاب في سرية، فرجع منهزما يجبن اصحابه ويجبنونه اصحابه، فلما انتهى الى النبي(ص) قال لعلي(ع): انت صاحب القوم، فتهيا انت ومن تريد من فرسان المهاجرين والانصار، فوجهه رسول الله(ص)، وقال له: اكمن النهار وسر الليل، ولا تفارقك العين، قال: فانتهى علي(ع) الى ما امره رسول الله(ص) فسار اليهم، فلما كان عند وجه الصبح اغار عليهم، فانزل الله على نبيه: (والعاديات ضبحا) الى آخرها.
ومنها: ما رواه ابن سعد في طبقاته، من ان النبي(ص) امر الناس بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد دعا اسامة بن زيد فقال: سرالى موضع مقتل ابيك فاوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش-الى ان قال:- وخذ معك الادلاء، وقدم‏العيون والطلائع امامك.
الى غير ذلك ممن ارسله رسول الله(ص) كعاصم بن ثابت، و بشر بن سفيان، وامية بن خويلد الى مكة ليتجسس له اخبار قريش.
هذه جملة من الاثار والنصوص الكثيرة الدالة على مطلوبية اتخاذ الجواسيس والتجسس.
المقام السادس : في النقباء والعرفاء:
ولا يخفى عليك ان النقيب على ما صرح به اهل اللغة: هو شاهد القوم وضمينهم ومن يطلع عن احوالهم.
قال في الصحاح: والنقيب العريف، وهو شاهد القوم وضمينهم، والعريف: النقيب، وهو دون الرئيس.
قال ابن الاثير: النقباء: جمع نقيب، وهو كالعريف على القوم المقدم عليهم الذي يتعرف اخبارهم وينقب عن احوالهم، اي يفتش.
والمحصل من العبائر المذكورة ان شان النقيب والعريف وان كان لا يختص بالتفتيش، ولكنه كما صرح في النهاية لا يخلو منه.
وعليه فما ورد في الترغيب نحو جعل النقيب والعريف يدل على الترغيب نحو التفتيش في الجملة، والروايات الواردة في هذا المقام كثيرة، نذكر نبذة منها كما يلي:
1 - روى ابن هشام ان رسول الله(ص) حين بايعه اهل المدينة في العقبة الثانية قال لهم: اخرجوا الي منكم اثني عشر نقيبا، ليكونوا على قومهم بما فيهم، فاخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس. ثم ان رسول الله(ص) قال للنقباء: «انتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وانا كفيل على قومي‏» يعني المسلمين، قالوا: نعم.
2 - روى ابو داود عن رسول الله(ص) انه قال: «ان العرافة حق، ولا بد للناس من العرفاء، ولكن العرفاء في النار».
3 - روى في الوسائل عن الصدوق بسنده عن الصادق(ع) عن آبائه(عليهم‏السلام) في حديث المناهي، قال: «قال رسول الله(ص): من تولى عرافة قوم اتي به يوم القيامة ويداه مغلولتان الى عنقه، فان قام فيهم بامر الله عز وجل اطلقه الله، وان كان ظالما هوى به في نار جهنم وبئس المصير».
4 - روى في الدعائم عن امير المؤمنين(ع) انه قال: «لا بد من امارة ورزق للامير، ولا بد من عريف ورزق للعريف...». والى غير ذلك من الاخبار المختلفة المرغبة والمحذرة. فباعتبار ضرورتها في ادارة المجتمع الاسلامي على الوجه الصحيح امر مطلوب ومرغوب فيه، وباعتبار معرضيتها للخطر والتعدي محذور فيه، ولكن ذلك لا يختص بالعرافة، بل الامر كذلك في جميع المناصب العامة، كما لا يخفى. ثم لا يخفى عليك ان مصلحة نصب النقباء والعرفاء واضحة، لان الارتباط بين الناس وولاتهم ورئيس الحكومة يصير قريبا، بحيث‏ يتمكن الرئيس من الاطلاع عن مرؤوسيه ويتمكن المرؤوسون من الارتباط مع رئيسهم، فلا تغفل.
المقام السابع: الترغيبات العامة:
وهي كثيرة:
منها: ما في نهج البلاغة من ان امير المؤمنين(ع) وصى جيشا بعثه الى العدو: «واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال، ومناكب الهضاب، لئلا ياتيكم العدو من مكان مخافة او امن. واعلموا ان مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، واياكم والتفرق‏».
ومنها: ما رواه في تحف العقول من وصية امير المؤمنين(ع) لزياد بن النضر حين انفذه على مقدمته الى صفين: «اعلم ان مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، فاذا انت‏خرجت من بلادك ودنوت من عدوك فلا تسام من توجيه الطلائع في كل ناحية وفي بعض الشعاب والشجر والخمر، وفي كل جانب حتى لا يغيركم عدوكم ويكون لكم كمين -الى ان قال(ع): - واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال وباعلى الاشراف وبمناكب الانهار يريئون لكم لئلا ياتيكم عدو من مكان مخافة او امن‏».
ومنها: ما رواه في (المعيار والموازنة) عن امير المؤمنين(ع) فيما امر به عبدالله بن بديل في وقعة صفين: «واذك العيون نحوهم، وليكن مع عيونك من السلاح ما يباشرون به القتال، ولتكن عيونك الشجعان من جندك فان الجبان لا ياتيك بصحة الامر، وانته الى امري ومن قبلك باذن الله، والسلام‏».
ومنها: ما رواه الطوسي في الامالي عن ابي عبدالله(ع) قال: «قال رسول الله(ص) فيما اوصى به علي بن ابي طالب(ع) حين وجهه في سرية: اكمن النهار وسر الليل، ولا تفارقك العين‏». ومنها: ما رواه الواقدي في المغازي، عن النبي(ص) انه اوصى اسامة بن زيد حين بعثه على راس الجيش لغزو الروم: «وخذ معك الادلاء، وقدم العيون امامك والطلائع‏».
ومنها: ما رواه القاضي النعمان بن محمد في الدعائم عن علي(ع): انه راى بعثة العيون والطلائع بين ايدي الجيوش، وقال: ان رسول الله(ص) بعث عام الحديبية بين يديه عينا له من خزاعة. ومنها: ما رواه ابن اعثم في فتوحه عن الامام الحسين(ع) من كلام له لاخيه ابن الحنفية: «واما انت‏يا اخي فلا عليك ان تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم، ولا تخف علي شيئا من امورهم‏».
ومنها: ما رواه الامدي في الغرر عن امير المؤمنين(ع) انه قال: «اقم الناس على سنتهم ودينهم ، وليامنك بريئهم، وليخفك مريبهم، وتعاهد ثغورهم واطرافهم‏».
ومنها: ما رواه في البحار عن علي(ع) في كتابه الى حذيفة حينما ولاه المدائن: بسم الله الرحمن الرحيم ... وقد وليت اموركم حذيفة بن اليمان وهو ممن ارتضي بهديه وارجو صلاحه، وقد امرته بالاحسان الى محسنكم، والشدة على مريبكم.
ومنها: ما رواه البلاذري في انساب الاشراف انه كتب علي(ع) الى ابي الاسود الدؤلي بعد ما اخبره بخيانة عامله: اما بعد فقد فهمت كتابك ومثلك نصح‏الامام والامة، ووالى على الحق، وفارق الجور، وقد كتبت الى صاحبك فيما كتبت الي فيه من امره، ولم اعلمه بكتابك الي فيه، فلا تدع اعلامي ما يكون بحضرتك مما النظر فيه للامة صلاح، فانك بذلك محقوق، وهو عليك واجب، والسلام. ومنها: ما في نهج البلاغة من عهده للاشتر: وابعث العيون من اهل الصدق والوفاء عليهم، فان تعاهدك في السر لامورهم حدوة لهم على استعمال الامانة، والرفق بالرعية.
ومنها: ما رواه في الدعائم، حيث قال: وعن علي(ع) انه ذكر عهدا، فقال الذي حدثناه: احسبه كلام علي(ع) الا انا روينا عنه انه رفعه فقال: عهد رسول الله(ص) عهدا كان فيه بعد كلام ذكره، قال(ص): فيما ينبغي للوالي ان ينظر فيه من امر كتابه، (وكلائه ونوابه ووزرائه): ثم لا تدع مع ذلك ان تتفقد امورهم، وتنظر في اعمالهم، وتتلطف بمسالة ما غاب عنك من حالهم، حتى تعلم كيف حال معاملتهم للناس فيما وليتهم، فان في كثير من الكتاب شعبة من عز ونخوات واعجاب، ويسرع كثير الى التبرم بالناس، والضجر عن المنازعة، والضيق عند المراجعة، ولا بد للناس من طلب حاجاتهم، فمتى جمعوا عليهم الابطاء بها والغلظة الزموك عيب ذلك، فادخلوا مؤونته عليك، وفي ذلك من صلاح امورك مع مالك فيه عند الله من الجزاء حظ عظيم‏ان شاء الله.
ومنها: ما في تحف العقول من عهده الى الاشتر فيما ينبغي للوالي ان ينظر فيه من امر جنوده: «ثم لا تدع ان يكون لك عليهم عيون من اهل الامانة والقول بالحق عند الناس فيثبتون بلاء كل ذي بلاء منهم ليثق اولئك بعلمك ببلائهم‏». ومنها: ما رواه في الدعائم عن النبي(ص) في عهده لامير المؤمنين(ع) فيما ينبغي للوالي ان ينظر فيه من امر جنوده، قال: واخصص اهل الشجاعة والنجدة بكل عارفة، وامدد لهم اعينهم الى صور عميقات ما عندهم بالبذل في حسن الثناء وكثرة المسالة عنهم رجلا رجلا وما ابلى في كل مشهد، واظهار ذلك منك عنه، فان ذلك يهز الشجاع ويحرض غيره.
ثم لا تدع مع ذلك ان تكون لك‏عليهم عيون من اهل الامانة والصدق يحضرونهم عند اللقاء ويكتبون بلاء كل منهم حتى كانك شهدته. ثم اعرف لكل امرئ منهم ما كان منه. ولا تجعلن بلاء امرئ منهم لغيره، ولا تقصرن به دون بلائه، وكاف كل امرئ منهم بقدر ما كان منه، واخصصه بكتاب منك تهزه به، وتنبئه بما بلغك عنه، ولا يحملنك شرف امرئ على ان تعظم من بلائه صغيرا، ولا ضعة امرئ ان تستخف ببلائه ان كان جسيما.
 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID