عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفقه
قصاص
الخميس, صفر 30, 1432 حول اشتراط اذن ولي الامر في استيفاء القصاص آية الله محمد مؤمن


لا ريب في ان لدى الشريعة المقدسة تصورا خاصا حول
النظام الجنائي وعن ماهية الضوابط الكفيلة بتطبيقه عمليا..
ومن الواضح مدى التاثير الكبير للحيثيات الاجرائية في
المجال الجزائي..وقد صب الباحث - ايده الله - دراسته القيمة
هذه على واحدة من تلك المسائل الكثر..وبعد مراجعته للادلة
الشرعية استظهر شرطية ثبوت الحق لدى الحاكم في
مشروعية الاستيفاء من الجاني..ولا دلالة على اعتبار اذنه عند
الاقتصاص..نعم لو ادى ذلك الى الفوضى اعتبر اذن الحاكم
حينئذ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه على اشرف الانبياء
وخاتم المرسلين سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، واللعنة
الدائمة على من عاداهم اجمعين.
وبعد، فمما وقع محلا للكلام بين الاعلام هو انه هل يجب على
من له القصاص ان يستاذن فيه ولي امر المسلمين او
المنصوب من قبله فلا يجوز له ان يقتص من الجاني الا من
بعد اذنه؟ او لا يجب عليه ذلك بل هو حق له نفسه فله ان
يستوفيه من دون استئذان ولي الامر ولا الحاكم، وان كان
ربما وجب على الحاكم او السلطان ان يحضر عدلين متيقظين
فطنين عند استيفاء القصاص احتياطا للمقتص منه لئلا
يتجاوز المستوفي حده الشرعي؟
الاقوال في المسالة:
وقبل تحقيق ما هو الصحيح في المقام لا باس بذكر نبذ من
كلمات الاعلام; ليتضح بعض جوانب المسالة من حيث القائلون
بكل من طرفي الاحتمال، ومن حيث الدليل عليها، وهل هي
من المسائل التي وردت فيها نصوص مروية عن المعصومين: او
من المسائل الفرعية المستنبطة من الاصول الماثورة؟ فنقول:
القول الاول :
لقد ذهب بعض الاصحاب الى وجوب الاستئذان، فمن يظهر
منه ذلك:
-الفقيه المتقدم فخر الشيعة الشيخ المفيد في المقنعة،
فانه‏قدس‏سره - بعد ان ذكر ما في باب القضاء في الديات
والقصاص ما نصه: قال الله عز وجل: (ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا)
فجعل سبحانه لولي المقتول القود بالقتل ونهاه عن الاسراف
فيه - قال في باب البينات على القتل: «واذا قامت البينة على
رجل بانه قتل رجلا مسلما عمدا واختار اولياء المقتول القود
بصاحبهم [منه القود خ‏ل] تولى السلطان القود منه بالقتل له
بالسيف دون غيره. ولو ان رجلا قتل رجلا بالضرب حتى مات او
شدخ راسه او خنقه او طعنه بالرمح او رماه بالسهام حتى مات
او حرقه بالنار او غرقه في الماء واشباه ذلك لم يجز [له خ] ان
يقاد منه الا بضرب عنقه بالسيف دون ما سواه‏».
وجه دلالة كلامه على وجوب الاستئذان انه‏قدس‏سره - مع
حكمه بان لولي المقتول حق‏القصاص - صرح بانه بعد ان اختار
ولي المقتول القصاص يتولى السلطان القود منه، وهو واضح
الدلالة على ان مباشرة السلطان لاستيفاء القود لازمة، وحيث
انه لاريب في انه لا يراد منه لزوم تصديه له بنفسه، فلا محالة
يكون المقصود لزوم ان يكون القصاص تحت نظارته واشرافه،
وهو عبارة اخرى عن وجوب الاستئذان منه. ويكون في العبارة
اشعار بسر هذا الايجاب، وانه بغاية ان يكون استيفاء القصاص
على الكيفية التي اوجبها الشارع من ايقاعه بالسيف فقط
وغيره مما يجب شرعا رعايته.
ومما ذكرنا تعرف ان حمل كلامه على ان تولي السلطان للقود
انما هو تكليف على السلطان من دون ان يوجب وظيفة
الاستئذان على ولي المقتول خلاف ظاهره جدا.
ثم ان هذا الذي ذكره في قصاص قاتل المسلم عمدا من انه
يتولى السلطان القود كرره في ما اذا قتل الذمي مسلما او
العبد حرا، فقد قال - في باب القود بين النساء والرجال
والمسلمين والكفار والعبيد والاحرار - ما نصه: «واذا قتل
الذمي المسلم عمدادفع برمته الى اولياء المقتول، فان اختاروا
قتله كان السلطان يتولى ذلك منه...».
وقال ايضا فيه: «وان قتل العبد الحر كان على مولاه ان يسلمه
برمته الى اولياء المقتول فان شاؤا استرقوه وان شاؤا قتلوه،
ومتى اختاروا قتله كان السلطان هو المتولي لذلك دونهم الا
ان ياذن لهم فيه فيقتلونه بالسيف من غير تعذيب ولا مثلة
على ما قدمناه‏».
وقال ايضا في باب القصاص في الجوارح ما لفظه: «... وكل ما
لا يمكن فيه القصاص ففيه الدية على ما ذكرناه، وليس لاحد
ان يتولى القصاص بنفسه دون امام المسلمين او من نصبه
لذلك من العمال الامناء في البلاد والحكام، ومن اقتص منه
فذهبت نفسه بذلك من غير تعد في القصاص فلا قود له ولا
دية على حال‏». وهذه العبارة منه وان احتمل فيها العموم
لقصاص النفس والطرف الا انه لا يبعد استظهار اختصاصها
بخصوص الطرف بقرينة ذكرها في باب قصاص الجوارح
وسبقها ولحوقها بحكمين مختصين بالاطراف، والامر سهل.
2 - ومن القائلين بوجوب الاستئذان شيخ الطائفة في موضع
من المبسوط فانه قال فيه ما نصه: «اذا وجب لرجل على غيره
قود في نفس او طرف لم يكن له ان يستوفيه منه بنفسه بغير
سلطان; لانه من فروض الائمة، فان خالف وبادر واستوفى حقه
وقع موقعه ولا ضمان عليه وعليه التعزير، وقال بعضهم: لا
تعزير عليه، والاول اصح; لان للامام حقا في استيفائه‏». وعبارته
كالصريحة في وجوب الاستئذان من الامام، وان الوجه له ان
للامام حقا في استيفاء القصاص لا بد من رعايته، والمبادرة
اليه بلا اذن منه تهجم على حقه وتضييع له.
وقال في النهاية -في باب القود بين الرجال والنساء والعبيد
والاحرار والمسلمين والكفار ما نصه: «واذا قتل الذمي مسلما
عمدا دفع برمته هو وجميع ما يملكه الى اولياء المقتول، فان
ارادوا قتله كان لهم ذلك، ويتولى ذلك عنهم السلطان‏» الى
ان قال: «فان قتل عبد حرا عمدا كان عليه القتل ان اراد اولياء
المقتول ذلك... فان ارادوا قتله تولى ذلك عنهم السلطان او
ياذن لهم فيه‏».
وقال ايضا فيها -في آخر باب القصاص وديات الشجاج: «ومن
اراد القصاص فلا يقتص‏بنفسه، وان ما يقتص له الناظر في امر
المسلمين او ياذن له في ذلك، فان اذن له جاز له حينئذ
الاقتصاص بنفسه‏».
ودلالة عباراته الثلاث على ان امر القصاص - بعد اختيار
الجاني او ولي المقتول له بيد ولي الامر واضحة على ما بيناه
ذيل عبارة المقنعة.
3 - ومن القائلين بان امر القصاص بيد السلطان وانه ليس
لاولياء الدم ولا الجاني في قصاص الطرف توليه الا من بعد
اذنه المحقق ابن ادريس في سرائره، فانه‏قدس‏سره عبر -في
باب القود بين الرجال والنساء والعبيد والاحرار والمسلمين
والكفار بعين عبارتي النهاية، ولم يزد عليهما شيئا، ولم يعلق
عليهما ما يوهم عدم ارتضائه. كما انه قد عبر في باب القصاص
وديات الشجاج والجراح بنفس عبارتها الا انه قال في آخرها:
«فان اذن له جاز له حينئذ الاقتصاص، فان بادر واقتص اخطا
ولم يجب عليه قود ولا قصاص‏».
فالظاهر من عبارته ايضا ان المتولي للقصاص هو ولي الامر،
فلا يجوز المبادرة اليه الابعد اذنه.
4 - وقريب منه عبارة القاضي ابن البراج (ت 481ه.ق) في
المهذب، فانه قال في كتاب الديات منه: «واذا وجب لانسان
على غيره قود، في طرف او نفس، لم يجز ان يستوفيه بنفسه;
لان ذلك من فروض الائمة:، وعليه التعزير».
5 - كما ان قريبا من عبارة المقنعة - على ما اوضحناها - ما
عبر به ابو الصلاح الحلبي (ت 447ه . ق) في كتابه الكافي
حيث قال في فصل القصاص منه - بعد حكمه بتخيير ولي
الدم بين قتل القاتل واخذ الدية -: «واذا اراد القود تولى ذلك
منه سلطان الاسلام او من ياذن له في النيابة عنه، فان سبق
الولي الى قتله فعلى السلطان المبالغة في عقوبته، ولا حق له
ولا عليه غير ذلك‏».
وتفسيره ظاهر للمتدبر فيه وفي مثل عبارة المبسوط وان
المراد ان لولي الدم حق القود وعليه ان يستاذن ولي امر
المسلمين، فاذا لم يراع حق الولاية فعليه التعزير لا غير.
6 - كما ان قريبا منها ايضا عبارة السيد ابي المكارم ابن زهرة
(ت 585 ه ) في الغنية حيث قال في فصل الجنايات: «ولا
يستقيد الا سلطان الاسلام او من ياذن له في ذلك وهو ولي
من ليس له ولي من اهله يقتل بالعمد او ياخذ دية الخطا، ولا
يجوز له العفو كغيره من الاولياء، ولا يستقاد الا بضرب العنق،
ولا يجوز قتل القاتل بغير الحديد وان كان هو فعل لغيره
[بغيره - ظ] بلا خلاف بين اصحابنا في ذلك كله‏».
وهي في الدلالة مثل عبارة المقنعة، فانه‏قدس‏سره ايضا
اعترف وسلم ان للمقتول وليا، فلا محالة يريد بكلامه هذا
اعتبار اذن الامام في القصاص.
فهذه العبارات من هؤلاء الفقهاء الستة من اصحابنا القدماء
واضحة الدلالة على وجوب الاستئذان من ولي امر المسلمين
وان اختلفت في التصريح بان على ولي الدم التعزير اذا بادر
الى قتل القاتل من غير استئذان، فقد صرح به الشيخ
والقاضي والحلبي، وتركه المفيد وابو المكارم، فلعلهما ايضا
يقولان به اذا كانا قائلين بان على كل معصية تعزيرا.
الا انه يحتمل ان لا يقولا به، كما هو ظاهر الخلاف، فقد قال
شيخ الطائفة في كتاب الجنايات من الخلاف: «مسالة: اذا
وجب لانسان قصاص في نفس او طرف فلا ينبغي ان يقتص
بنفسه; فان ذلك للامام او من يامره به الامام بلا خلاف، وان
بادر واستوفاه بنفسه وقع موقعه ولا شي‏ء عليه. وللشافعي فيه
قولان: احدهما المنصوص عليه ان عليه التعزير، والثاني لا
شي‏ء عليه. دليلنا: ان الاصل براءة الذمة، ومن اوجب عليه
التعزير فعليه الدلالة‏».
فقوله‏قدس‏سره «فان ذلك للامام او من يامره به الامام‏» ظاهر
في ان للامام حقا في ذلك، فالمبادرة اليه بلا اذن منه تضييع
لموضوع حقه الثابت له، فلا محالة ليس بجائز، فهو قرينة على
ان المراد من قوله: «لا ينبغي‏» عدم الجواز، وليس في استدلاله
على نفي التعزير باصالة البراءة شهادة على الخلاف، فلعله لا
يرى ترتب التعزير على كل معصية.
فالحاصل: انه لا دليل في عبارة الخلاف على انه رجع من قوله
في ما نقلناه عن مبسوطه بعدم جواز المبادرة وان كان قد
رجع عن القول بترتب التعزير، كما لا يخفى.
فهؤلاء الفقهاء القدماء قالوا بعدم جواز الاقتصاص الا بعد اذن
الامام، وادعى عليه عدم الخلاف بين الشيعة صاحب الغينة،
وبين الامة شيخ الطائفة في الخلاف كما مر.
7 - ووافقهم من المتاخرين العلامة في قواعده، فانه قال في
المطلب الاول من مطالب فصل كيفية الاستيفاء: «واذا كان
الولي واحدا جاز ان يستوفي من غير اذن الامام على راي. نعم،
الاقرب التوقف على اذنه خصوصا الطرف، ولو كانوا جماعة لم
يجز الاستيفاء الا باجتماع الجميع‏».
القول الثاني :
وكيف كان، ففي قبال هؤلاء الفقهاء جماعة اخرى قائلون
بعدم توقف القصاص ولا سيما قصاص النفس على الاستئذان
من الامام، بل للمقتص ان يبادر الى القصاص بنفسه مراعيا
للشرائط المعتبرة الاخر فيه.
1 - فاول من يظهر منه هذا شيخ الطائفة‏قدس‏سره في
موضع آخر من كتاب الجراح من المبسوط، فانه‏قدس‏سره
قال فيه ما نصه: «اذا وجب له على غيره قصاص لم يخل من
احد امرين: اما ان يكون نفسا او طرفا، فان كان نفسا فلولي
الدم ان يقتص بنفسه; لقوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا)، وليس له ان يضرب رقبته الا بسيف غير
مسموم‏».
وجه الدلالة ان ظاهر قوله: «فلولي الدم ان يقتص بنفسه‏» ان
له المبادرة اليه من غير توقف على شي‏ء حتى اذن الامام; لا
سيما وقد استدل بالآية الشريفة الدالة على ان لولي المقتول
سلطانا، واطلاق السلطان يقتضي عدم اشتراط امر آخر معه.
2 - واظهر من عبارته هذه ما قاله في موضع آخر منه ما نصه:
«اذا وجب القصاص على انسان واراد ان يقتص منه، فان الامام
يحضر عند الاستيفاء عدلين متيقظين فطنين احتياطا
للمقتص منه لئلا يدعي من له الحق انه ما استوفاه وانه هلك
بغير قصاص، وليتامل الآلة فيكون صارما غير مسموم وان
استوفى حقه بغير محضر منهما فان استوفاه بصارم غير
مسموم فقد استوفى حقه ولا شي‏ء عليه ; لانه استوفى حقه
على واجبه وان استوفى بسيف كال فقد اساء; لانه عذبه، ولا
شي‏ء عليه; لانه ما استوفى اكثر من حقه‏».
وموضع الدلالة فيها هو قوله: «وان استوفى حقه... الى قوله:
لانه استوفى حقه على واجبه‏» فان التعليل المذكور شاهد قوي
على ما استظهرناه; لانه في مقام الاستدلال على انه لا شي‏ء
عليه اصلا، فقد صرح بان القصاص حقه واستوفاه فلا شي‏ء
عليه. وعليه، فاحتمال انه لا اطلاق لها من حيث اذن الامام
حتى يكون اذنه مفروغا عنه - لو قلنا باعتباره غير مسموع جدا.
الا انه قد يقال انه لا دلالة في شي‏ء من هاتين العبارتين
للمبسوط على رجوعه عما صرح به في العبارة الاولى التي
نقلناها عنه من قوله بعدم جواز استيفاء القصاص بلا اذن من
ولي الامر لانه من فروض الائمة.
وذلك ان هذه العبارة انما هي في مقام بيان وظيفة وقائية
على ولي الامر كي لا يتعدى من له القصاص حقه، وان هذه
الوظيفة ليست‏شرطا لاستيفائه; ولذلك فاذا استوفاه كما
ينبغي بلا حضور العدلين فقد استوفى حقه ولا شي‏ء عليه;
وهذا لا ينافي ان يشرط الاستيفاء بشرائط اخر منها استئذان
ولي الامر.
واما العبارة السابقة عليها فهي ايضا في مقام بيان مواضع
جواز مباشرة من له القصاص للقصاص بنفسه، وحاصل ما
افاده انه لا يمكن من استيفاء القصاص في الطرف بنفسه; لانه
لا يؤمن عليه التعدي، ويمكن منه في قصاص النفس اذا
احسن الاستيفاء، واذا لم يحسن ففيه خلاف.
ووجه هذا الاستظهار انه‏قدس‏سره - بعد ان قال كما حكيناه:
«فان كان نفسا فلولي الدم ان يقتص بنفسه; لقوله تعالى:
(ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا)، وليس له
ان‏يضرب رقبته الا بسيف غير مسموم‏» استدل لاشتراط عدم
المسمومية بوجهين ثم تعرض لانه لا يمك ن من الاستيفاء
بسيف كال او مسموم وذكر الدليل عليه ثم قال: «فان حصرت
الآلة في سيف صارم غير مسموم مكن من الاستيفاء بضرب
الرقبة، فان ضرب الرقبة وقطع الراس فقد استوفى حقه، وان
ضرب على غير الرقبة سالناه‏» فذكر صوره وبين حكمها وبعض
فروعها ثم قال: «واما ان كان القصاص في الطرف لم يمكن
ولي القطع من قطعه بنفسه; لانه لا يؤمن ان يكون من حرصه
على التشفي ان يقطع منه في غير موضع القطع فيجني عليه
ويفارق النفس; لانه قد استحق اتلاف جملتها».
فملاحظة صدر العبارة وذيلها تعطي للمتامل انه‏قدس‏سره
في مقام التعرض لحكم مباشرة ولي القصاص لاستيفائه
بنفسه وانه يفرق فيه بين قصاص النفس والطرف، واما انه هل
يشرط الاستيفاء بالاستئذان من ولي الامر فهو امر آخر ليس
هنا محل بيانه، وانما تعرض له في مقام آخر وصرح بانه: «اذا
وجب لرجل على غيره قود في نفس او طرف لم يكن له ان
يستوفيه منه بنفسه بغير سلطان; لانه من فروض الائمة الى
آخر ما مرنقله‏».
وبالجملة، فالجمع بين كلمات المبسوط مم ا يشرف المتامل
على القطع بان الشيخ‏قدس‏سره في هذا الكتاب ايضا ليس له
الا قول واحد وهو اشتراط القصاص باذن ولي الامر،
وان‏عباراته الاخر انما هي في مقام بيان امر آخر، وليس لها
اطلاق ينافي ذاك‏الاشتراط. وبعد ذلك كله فالامر سهل.
3 - وكيف كان، فممن اختار جواز المبادرة وعدم التوقف على
اذن الامام المحقق‏قدس‏سره، فانه قال - في الفصل الرابع من
فصول القسم الاول من كتاب القصاص في الشرائع «واذا كان
الولي واحدا جاز له المبادرة، والاولى توقفه على اذن الامام;
وقيل: يحرم المبادرة ويعزر لو بادر، ويتاكد الكراهية في
قصاص الطرف، وان كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء الا بعد
الاجتماع اما بالوكالة او بالاذن لواحد».
فهوقدس‏سره قد صرح بالجواز في قصاص النفس والطرف
وان افتى بالكراهية بلا استئذان، ولا يختص عدم التوقف
المذكور في كلامه بخصوص ما اذا كان الولي واحدا، بل انما
الفرق بين وحدة الولي وكثرته توقف القصاص على اجتماعهم
في الثاني، فبهذا اللحاظ قيد جواز المبادرة الى القصاص
بوحدة الولي، وان الصورتين مشتركتان في عدم التوقف على
اذن الامام، كما هو ظاهر لمن تامل العبارة.
4 - وقريب منه عبارته‏قدس‏سره في المختصر النافع حيث
قال: «وللولي الواحد المبادرة بالقصاص، وقيل: يتوقف على
اذن الحاكم، ولو كانوا جماعة توقف على الاجتماع‏».
ومراده‏قدس‏سره واضح بعد ما مر من شرائعه.
5 - وممن اختار عدم التوقف على الاذن العلامة في المختلف،
فانه‏قدس‏سره - بعد نقل فتوى الشيخ في موضع من مبسوطه
بعدم التوقف ثم نقله لفتواه بالتوقف عن موضع آخر منه وعن
خلافه - قال: «والوجه ما ذكره الشيخ اولا; للآية‏».
6 - واختاره ايضا ولده فخر المحققين في ايضاحه، فانه قال
ذيل فتوى والده بالتوقف ما نصه: «واختار المصنف في
المختلف عدم التوقف على الاذن، وهو الاقوى عندي; لعموم
قوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا)».
7 - وقال الشهيد في الفصل الثالث من قصاص اللمعة: «ويجوز
للولي الواحد المبادرة من غير اذن الامام، وان كان استئذانه
اولى خصوصا في قصاص الطرف، وان كانوا جماعة توقف على
اذنهم اجمع‏» وهو صريح في عدم التوقف، وقد عرفت‏سر
التقييد بوحدة الولي، فتذكر.
8 - وقال الشهيد الثاني في المسالك - عند شرح عبارة
المحقق الماضية وبعد نقل قول الشيخ والعلامة بتوقفه على
الاذن - ما نصه: «واختاره الاكثر ومنهم الشيخ في المبسوط
ايضا والعلامة في القول الآخر الى جواز الاستقلال بالاستيفاء;
كالاخذ بالشفعة وسائر الحقوق، ولعموم قوله تعالى: (فقد
جعلنا لوليه سلطانا)، فتوقفه على الاذن ينافي اطلاق
السلطنة‏».
9 - وقال صاحب‏الرياض - عند قول الماتن: «وللولي الواحد
المبادرة بالقصاص‏»ما نصه : «وفاقا لاحد قولي المبسوط، وعليه
اكثر المتاخرين، بل عامتهم...».
فحاصل الكلام: ان المسالة ذات قولين بين اصحابنا الامامية،
فجمع من القدماء والعلامة في بعض كتبه قائلون بتوقف
استيفاء القصاص على الاستئذان من ولي الامر، وقد ادعى
عليه عدم الخلاف بين الشيعة في الغنية وبين الامة في خلاف
الشيخ. وفي قبالهم قول بعض آخر من نفس هؤلاء العلماء اعني
الشيخ في موضع من مبسوطه والعلامة في بعض كتبه وجمع
كثير من المتاخرين بعدم التوقف، ونسبه الى الاكثر في
المسالك، والى عامة المتاخرين في الرياض، ولعل مراد
المسالك اكثر المتاخرين.
واما العامة فالشيخ في الخلاف وان ذكر انه لا خلاف في
وجوب الاستئذان من الامام بينهم الا ان المنقول عن بعض
كتب الاحناف جواز المبادرة، فقد قال في «الفتاوى الهندية‏»
في الباب الثالث من كتاب الجنايات ما نصه: «واذا قتل الرجل
عمداوله ولي واحد فله ان يقتله قصاصا قضى القاضي به او لم
يقض: وكذا في المحيط‏». والعبارة كالصريحة في جواز
الاستقلال بالاستيفاء.
كما احتمل الجواز في قصاص النفس ابن قدامة الحنبلي في
كتابه المغني حيث قال ذيل الفصل 6658 من كتابه ما لفظه:
«ويحتمل ان يجوز الاستيفاء بغير حضور السلطان اذا كان
القصاص في النفس‏».
تحديد محاور البحث:
ان المتحصل مما قدمناه ان المسالة خلافية بين المسلمين
ولا اجماع فيها على احد الطرفين، فلا بد من الرجوع الى ادلة
المسالة ليتبين الحق فيها بعون الله الملك العلام.
فنقول توضيحا لمحل الكلام:
1 - لا خلاف ولا اشكال في ان الشارع تبارك‏وتعالى قد جعل
للمجني عليه نفسه او لوليه في مواضع القصاص حقا مشروعا،
فقد قال تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا)
واستفاضت بل ربما تواترت الاخبار بثبوت هذا الحق للمجني
عليه اذا كانت الجناية بما دون النفس ولوليه اذا كانت عليها،
فهذا مما لا كلام فيه.
2 - كما لا ينبغي الريب في ان من وظائف ولي امر المسلمين
الرقابة على انفاذ الاحكام الالهية وان كانت من وظائف الآحاد
فضلا عن مثل الحدود والقصاص والتعزيرات التي اقامتها في
كل دولة من وظائف مسؤول تلك الدولة وبعد ثبوت الولاية
للولي الاسلامي بالادلة الشرعية فحينئذ يجب عليه القيام
بتلك الوظائف واقامة الحدود، مضافا الى التصريح به في
اخبار معتبرة مستفيضة، منها قول ابي عبدالله(ع) في
صحيحة اسحاق بن غالب المروية في الكافي، في خطبة يذكر
فيها حال الائمة: وصفاتهم: «قلده دينه وجعله الحجة على
عباده، وقيمه في بلاده،... واسترعاه لدينه، وانتدبه لعظيم
امره، واحيى به مناهج‏سبيله وفرائضه وحدوده...».
فتقليد الدين عليه وجعله قيما على الناس في بلاد الله تعالى
وجعله راعيا للامة مراعيا للدين تبيين وتوضيح لحقيقة
الحكومة في النظام الالهي وان ولاية ولي المسلمين تؤول الى
هذه الامور، وهي عبارة اخرى عنها، كما ان احياء الحدود
بالامام وولي الامر ايضاعبارة اخرى عن ان اليه مسؤولية
اقامتها، ومن الواضح - وسياتي مزيد توضيح له ايضا - ان
القصاص ايضا داخل في حدود الله تعالى.
فهذان الامران مما لا كلام فيهما.
لكنه هنا امران آخران:
احدهما : ان المجني عليه او وليه وان جعل له حق القصاص
الا انه ليس له الاستقلال باستيفائه، بل عليه ان يرفع الامر الى
ولي الامر او المنصوب من قبله ليثبت عنده الجناية ويحكم له
بان له ان يقتص من الجاني.
وثانيهما : ان مجرد حكم الوالي او القاضي بثبوت حق
القصاص ايضا لا يكفي في جواز قيام من له القصاص به، بل لا
بد عليه من ان يستاذن ولي الامر او المنصوب من قبله في
الاقتصاص، فاذا اذن له فيه فله ان يقتص من المجني عليه.
فهذان الامران يمكن ان يقع فيهما الكلام، وعلى القول بتوقف
الاستيفاء عليهما يقع البحث ايضا في انه اذا قام المجني عليه
او وليه بالاقتصاص من دون حكم الحاكم او من دون اذنه به
بعد حكمه فقد اثم، وحينئذ فهل عليه التعزير، او هل عليه
القصاص، او لا ذا ولا ذاك، او هنا تفصيل فعليه التعزير دون
القصاص؟
فهذه الامور مما ينبغي البحث عنها وتبين مقتضى الادلة فيها.
الامر الاول: وجوب المرافعة لاثبات الحق :
بعد الاذعان بان الشارح قد جعل حق القصاص للمجني عليه
او وليه فهل هو مستقل في اعمال هذا الحق واقتصاص الجاني
او انه ليس له اعماله الا بعد رفع الامر الى الحاكم الاسلامي
واثبات جنايته وحكم الحاكم بها؟
فما يمكن الاستدلال به لاستقلاله في الاستيفاء انما هو
اطلاق ادلة اثبات هذا الحق; وذلك ان قوله تعالى: (ومن قتل
مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان
منصورا) يدل على ان لولي المقتول ظلما سلطانا، والظاهر انه
السلطان على القصاص منه النفس بالنفس، فجعل السلطة له
على قصاص النفس بالنفس بلا تقييد لها ولا لفعليتها بحكم
الحاكم يقتضي ان يكون اليه اعمالها وان لم يرفع الامر الى
السلطان ولا الى القاضي المنصوب من قبله لذلك.
ومثل هذا الاطلاق كثير في اخبار الباب، ففي صحيحة
عبدالله بن سنان قال: «سمعت ابا عبدالله(ع) يقول في رجل
قتل امراته متعمدا، قال: ان شاء اهلها ان يقتلوه قتلوه ويؤدوا
الى اهله نصف الدية - الحديث‏».
فترى‏انه(ع) قد علق قتل القاتل على مجرد مشيئة اولياء
المراة المقتولة بحيث مهما شاؤوا وارادوا قتلوه بلا توقف على
اي شي‏ء آخر، فلا محالة مقتضاه ان لهم قتله قصاصا وان لم
يرفعوا امرهم الى الحاكم ولم يستاذنوا فيه احدا.
وفي الاخبار مثل هذه الصحيحة روايات كثيرة زادت عن حد
الاستفاضة، بل هي متواترة او قريبة منها، فراجع.
هذا بالنسبة لقصاص النفس، وهكذا الامر في قصاص الاطراف:

ففي صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله(ع) في رجل فقا عين
امراة فقال: «ان شاؤوا ان يفقاوا عينه ويؤدوا اليه ربع الدية،
وان شاءت ان تاخذ ربع الدية‏». وقال في امراة فقات عين رجل:
«انه ان شاء فقا عينها والا اخذ دية عينه‏».
وفي صحيحة الفضيل بن يسار عن ابي عبدالله(ع): انه قال
في عبد جرح حرا، فقال: «ان شاء الحر اقتص منه، وان شاء
اخذه ان كانت الجراحة تحيط برقبته - الحديث‏».
الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الواردة في الباب مما علق
استيفاء القصاص على مجرد مشيئة المجني عليه، ومقتضى
اطلاقها ان له الاقدام على الاستيفاء وان لم يرفع امره الى
الحاكم ولم يستاذن فيه احدا.
فهذه المطلقات من الادلة تصلح لان يستدل بها تارة لعدم
اعتبار مرافعة الامر الى ولي‏الامر ولا الى المنصوب من قبله
حتى تثبت الجناية عنده ويحكم بان له القصاص، وا خرى
لعدم اعتبار اذن احد في اعمال الحق وتنفيذ حكم القصاص،
بل لو فرض قيام الدليل على وجوب المرافعة الى الحاكم لبقي
اطلاقها من الجهة الاخرى على حاله، كما هو مقرر في محله.
هذا، ولكن يمكن الاستدلال لاعتبار حكم الحاكم في جواز
الاقتصاص بعدة من الاخبار:
1 - منها ما رواه ثقة الاسلام وعلي بن ابراهيم في تفسيره
بسند معتبر الى القاسم بن محمد الجوهري - ورواه ايضا هو
في الكافي والصدوق في الخصال والشيخ في موضعين من
التهذيب بسند معتبر عن علي بن محمد القاساني عن القاسم
بن محمد الجوهري - عن سليمان بن داود المنقري عن
حفص بن غياث عن ابي عبدالله(ع) قال: «سال رجل ابي(ع)
عن حروب امير المؤمنين(ع) - وكان السائل من محبينا -
فقال له ابو جعفر(ع): بعث الله محمداصلى الله عليه وآله
بخمسة اسياف: ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتى تضع الحرب
اوزارها ... وسيف منها مكفوف [ملفوف - خ‏ل] وسيف منها
مغمود سله الى غيرنا وحكمه الينا ... - ثم بين وفسر(ع)
السيوف الثلاثة الشاهرة والسيف الرابع المكفوف - ثم قال :
واما السيف المغمود فالسيف الذي يقوم [يقام - خ‏ل] به
القصاص، قال الله: (النفس بالنفس والعين بالعين) فسله‏الى
اولياء المقتول وحكمه الينا، فهذه السيوف التي بعث الله بها
[الى نبيه - خ] محمدا صلى الله عليه وآله، فمن جحدها او
جحد واحدا منها او شيئا من سيرها او احكامها فقد كفر بما
انزل الله على محمد صلى الله عليه وآله‏».
ورواه العياشي في تفسيره - ذيل قوله تعالى في سورة
المائدة: (وكتبنا عليهم فيها ان‏الن فس بالنفس ...) الآية عن
حفص بن غياث عن جعفر بن محمدعليهماالسلام قال: «ان الله
بعث محمدا صلى الله عليه وآله بخمسة اسياف: سيف منها
مغمود سله الى غيرنا وحكمه الينا; فاما السيف المغمود فهو
الذي يقام به القصاص، قال الله جل وجهه: (النفس بالنفس ...)
الآية، فسله الى اولياء المقتول وحكمه الينا».
بيان الاستدلال : انه(ع) عد خامس السيوف التي بعث الله بها
نبيه(ص) التي من جحد واحدا منها او شيئا من احكامها فقد
كفر بما انزل الله على محمد فقد عد خامسها سيفا مغمودا،
وذكر في حكمه الذي كالمعرف له والمقوم لجوهره ان سله
الى غيرهم: وحكمه اليهم، وصرح بانه سيف القصاص المذكور
في قوله تعالى: (النفس بالنفس‏والعين بالعين والانف بالانف
والاذن بالاذن والجروح قصاص).
فحكم سيف القصاص في الشريعة الى النبي(ص) والائمة: اي
الى الحكومة الاسلامية، ولامعنى لكون حكمه اليهم الا انه لا
بد من رفع موارد القصاص اليهم:، فاذا ثبت عندهم الجناية
الموجبة للقصاص وحكموا به، فحينئذ حان حين سله‏لتنفيد
حكم القصاص واعمال حقه الذي للمجني عليه او وليه، فان
شاء اقتص من الجاني، وان شاء عفى او صالح على الدية. وعليه،
فلا مجال لسل سيف القصاص الابعد حكم ولي الامر او
المنصوب من قبله بالقصاص، وليس لصاحب القصاص القيام
باستيفائه الا من بعد حكمه.
والانصاف ان دلالته واضحة، وانه - كما عرفت - عام لقصاص
النفس والاطراف،بل والشجاج، فان ذكر قوله تعالى: (النفس
بالنفس والعين بالعين) في تفسيره شاهد على ان المراد به هو
السيف الذي به يقتص الجنايات المذكورة في الآية المباركة،
وهي عامة وناصة على الاقسام الثلاثة.
وحينئذ، فبمثله يقيد الاطلاقات المذكورة، وتنزل على ان
اولياء الدم او المجني عليه وان كان لهم حق القصاص الا انهم
ليس لهم اعمال هذا الحق وسل سيف القصاص الا من بعد
حكم الحاكم الاسلامي بان له القصاص.
بل لو ادعى احد ان الاطلاقات المذكورة بنفسها منزلة على
ذلك لما ادعى امرابعيدا ; فانه لا ريب في ان الاسلام دولة
ونظاما هو احسن النظم العقلائية، ومن البديهي في الانظمة
العقلائية ان القصاص سواء كان في النفس او الطرف فليس
صاحب الحق مخلى وطبعه يكون له القيام باعماله
والاقتصاص من الجاني بلا مراجعة الى حكام الدولة كيف!
وهذا يؤدي الى اختلال النظام، فانه يفتح سبيل الطغاة
والاشرار الى ايراد اية جناية شاؤوا على كل من يبغضون ثم
يدعون انه كان لاجل القصاص منه، ولا يتحرج بعض من
اختلاق حوادث ينسبونها كذبا الى من ادعوا الاقتصاص منه.
ولازم مثل ذلك الهرج والمرج واختلال النظام، ولا يرضى به
احد من العقلاء فضلا عن الله العليم الحكيم.
وبالجملة، فدلالة الحديث على وجوب رفع الامر الى الحكومة
ثم القيام بامر القصاص بعد الحكم واضحة، كما ان تقييد
المطلقات السابقة بها لو كان لها اطلاق واضح.
وانما الكلام في سنده، فقد وقع في جميع اسناده القاسم بن
محمد الجوهري وسليمان بن داود المنقري وحفص بن غياث.
كما وقع في غير سند واحد من الكافي علي بن محمد
القاساني، واما سند العياشي ففيه ايضا حفص بن غياث مضافا
الى ارساله، وفي وثاقة كل هؤلاء كلام الا ان الصحيح ان
الحديث مقبول السند، وقد بينا ذلك مفصلا في الملحق الاول،
فراجع.
وقد عرفت ايضا ان الحديث تام الدلالة على اعتبار حكم
الحاكم في جواز القصاص، والله العالم.
2 - ومن هذه الاخبار ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في
التهذيب باسنادهما عن سليمان بن داود المنقري عن حفص
بن غياث قال: سالت ابا عبدالله(ع): «من يقيم الحدود؟
السلطان او القاضي؟ فقال(ع): اقامة الحدود الى من اليه
الحكم‏».
بيان الدلالة: انه(ع) قد اجاب عن سؤال السائل بقوله: «اقامة
الحدود الى من اليه الحكم‏»، والتعبير بلفظة «الى‏» ظاهر في
ان امر اقامة الحدود بيد من اليه الحكم، فكما ان مفاد قوله
في الخبر الاول «حكمه الينا وسله الى غيرنا» ان حكم
ذاك‏السيف كان مفوضا اليهم ليس لاحد استعماله الا عن
حكمهم، وان امر سل ذاك‏السيف مفوض الى ذلك الغير الذي
هو ولي القصاص ليس لاحد سله الا لذلك الغير، فهكذا الامر
في اقامة الحد في هذه الرواية فليس لاحد ان يقيم حدا الا
عن حكم من اليه الحكم، وهو السلطان او الحاكم المنصوب
منه، فدلالة الحديث على توقف اجراء الحدود على حكم
الحاكم تامة.
ثم ان الحد بمعناه الاخص هو التاديب الخاص الذي عين في
الشريعة مقداره ومبلغه سواء كان في حقوق الله او في حقوق
الناس، فجلد الزاني ورجمه وقتله حد، كما ان جلد القاذف
وقتل القاتل وقصاص الجاني ايضا حد، وان افترقا في ان الاول
حق الله والثاني حق الناس.
ويدل عمومه لكلا القسمين - مضافا الى وضوحه بنفسه -
اخبار متعددة ظاهرة في ان‏اطلاق الحد على القتل قصاصا
امر شائع في الروايات:
1 - ففي صحيح زرارة عن ابي جعفر(ع) قال: «ايما رجل
اجتمعت عليه حدود فيها القتل فانه يبدا بالحدود التي دون
القتل ثم يقتل بعد ذلك‏».
2 - وفي موثقة سماعة عن ابي عبدالله(ع) قال: «قضى امير
المؤمنين(ع) فيمن قتل وشرب خمرا وسرق، فاقام عليه الحد،
فجلده لشربه الخمر، وقطع يده في سرقته، وقتله بقتله‏» فان
ظاهر قوله: «فجلده ... الخ‏» تفصيل لما لخصه في قوله: «فاقام
عليه الحد» فقد اطلق الحد على قتله بقتله اعني القتل قصاصا.
3 - وفي صحيح الفضيل قال: سمعت ابا عبدالله(ع) يقول:
«من اقر على نفسه عند الامام بحق من حدود الله مرة واحدة
حرا كان او عبدا او حرة كانت او امة فعلى الامام ان يقيم الحد
عليه للذي اقر به على نفسه... الى ان قال: ومن اقر على نفسه
عند الامام بحق حدمن حدود الله في حقوق المسلمين فليس
على الامام ان يقيم عليه الحد الذي اقر به عنده حتى يحضر
صاحب الحق او وليه فيطالبه بحقه، قال: فقال له بعض
اصحابنا: يا ابا عبدالله فما هذه الحدود التي اذا اقر بها عند
الامام مرة واحدة على نفسه اقيم عليه الحدفيها؟ فقال - بعد
ذكر حقوق الله فيها -: وام ا حقوق المسلمين فاذا اقر على
نفسه عند الامام بفرية لم يحده حتى يحضر صاحب الفرية او
وليه واذا اقر بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر اولياء المقتول
فيطالبوا بدم صاحبهم‏».
واطلاق الحد على قتل القاتل قصاصا بعد ضم الذيل الى صدر
الكلام واضح.
4 - وفي صحيح الحلبي عن ابي عبدالله(ع) قال: «ايما رجل
قتله الحد في القصاص فلا دية له - الحديث‏».
الى غير ذلك من الروايات. وقد عرفت ان شمول مفهوم الحد
لمثله واضح.
وعليه ، فعموم الحدود للقصاص يقتضي دخوله في عموم
قوله(ع): «اقامة الحدود الى من اليه الحكم‏» فاقامة القصاص
موكولة الى الحاكم لا يجوز للولي الاقدام عليه بدون حكمه،
وهو المطلوب. هذا كله بالنسبة لدلالة الحديث. واما بالنسبة
للسند فراجع الملحق الثاني.
5 - ثم انه لا ينبغي ان يتوهم دلالة مثل صحيحة اسحاق بن
غالب الماضية ايضاعلى المقصود بدعوى ان قول المعصوم(ع)
فيها في اوصاف الامام: «واحيى به مناهج‏سبيله وفرائضه
وحدوده...» مساوق للتعبير الوارد في خبر حفص، فاذا كان
المفروض دلالة خبر حفص دلت الصحيحة ايضا عليه، فان
احياء الحدود عبارة اخرى عن اقامتها.
وذلك لما قلنا من ان تعبير حديث‏حفص ان «الى الحاكم
اقامة الحدود» فكان عمدة الاستناد الى مفهوم لفظة «الى‏»
الدالة على ان امر القصاص كله بيد الحاكم، وهو عبارة اخرى
عن اعتبار حكمه او اذنه فيها، وهذا بخلاف تعبير الصحيحة
التي عبرت بان الله احيى به الحدود، فانه كفى في صدق
احيائها به ان يكون مراقبا عاليا على اجرائها من دون ان يباشر
الحكم بها او الاذن فيها.
هذا، والتحقيق تمامية دلالة الصحيحة ايضا على المطلوب
من ناحية اخرى: وبيانها ان يقال ان المتعارف في انظمة
جميع الدول والحكومات المتشكلة في العالم هو نظارتها على
الاحكام الجزائية سيما ما يتعلق منها بالنفس والاطراف بان
تنصب محاكم عالية يفوض اليها الحكم في تلك الموارد كلها
نفيا او اثباتا; ضرورة انه لولا ذلك لوقعت الامم في هرج ومرج
شديد، ولاختل نظام الجماعات من راس، فادارة البلاد لا
يمكن ان تتحقق الا بمثل هذه المحاكم التي على راسها حاكم
صالح يفحص عن الموارد ويحكم بما يظهر له ويثبت لديه،
وحينئذ، فاذا القي الى العقلاء - الذين ارتكزت اذهانهم على
ما ذكرناه - مثل صحيحة اسحاق بن غالب فهموا منها ان
الاسلام ايضا في نظامه لم يتعد عن تلك الطريقة العقلائية،
وان الامام هو الذي اليه وعليه اقامة الحدود في اقطار الدولة
الاسلامية. فهذا بيان لدلالتها قوي متين.
6 - ومن هذه الاخبار ما رواه الصدوق في نوادر الديات
باسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن داود
بن فرقد عن ابي عبدالله(ع) قال: «سالني داود ابن علي‏عن
رجل كان ياتي بيت رجل، فنهاه ان ياتي بيته، فابى ان يفعل،
فذهب الى السلطان، فقال السلطان: ان فعل فاقتله، قال:
فقتله، فما ترى فيه؟ فقلت: ارى ان لا يقتله، انه ان استقام
هذا ثم شاء ان يقول كل انسان لعدوه: دخل بيتي فقتلته‏».
والرواية صحيحة. وبيان دلالتها: ان موردها وان كان النهي
عن قتل من يدخل بيت الانسان بغتة عليه الا ان استدلاله
وتعليله لهذا النهي بقوله: «ان استقام هذا ثم شاء ان يقول كل
انسان لعدوه دخل بيتي فقتلته‏» يدل على النهي عن قتل
القاتل ايضا بلا حكم الحاكم، فانه اولى، فاذا قتل احد يمكن
لوليه ان يقتل من شاء من اعدائه ثم يدعي انه قتل ابني او ابي
مثلا فقتلته. وان شئت قلت: ان كلامه هذا اشارة بل تصريح
على ما مر منا آنفا من ان الاقدام على مثل قتل الاشخاص او
نقص اعضائهم قصاصا او حدا لا بد وان يكون بعد حكم
المنصوب لذلك من ناحية مسؤول الدولة وولي امر الامة والا
لوقع هرج ومرج شديد وانفتح باب الاعتداء على نفوس الناس
وقتلهم او ايراد النقص عليهم ثم ابداء ما يسوغ النيل منهم
كذبا، فدفعا لاختلال نظم الامة لا يجوز لاحد ان يقدم على
قتل غيره الا بعد حكم المحاكم الصالحة والمنصوبين من
ناحية ولي الامر. والانصاف ان الاستدلال بمثلها قوي متين.
7 - ومنها موثقة اسحاق بن عمار قال: «سالت ابا عبدالله(ع)
عن رجل له مملوكان قتل احدهما صاحبه، اله ان يقيده به
دون السلطان ان احب ذلك؟ قال: هو ماله يفعل به ما شاء ان
شاء قتل وان شاء عفا».
بيان دلالتها: ان ظاهر السؤال ان ارتكازه قد ثبت واستقر على
عدم جواز استقلال الولي باستيفاء القصاص من غير مراجعة
الحكومة، وانما سال عن جواز استقلال السيد اذا كان القاتل
والمقتول عبدين له، فحاصل سؤاله انه هل السيد في الفرض
المذكور مستثنى عن قاعدة عدم جواز الاستقلال اولا؟
فاجاب(ع) بجواز استيفائه مستقلا، وعل له بان‏القاتل ايضا لما
كان ملكا له كالمقتول فله ان يفعل به ما شاء ان شاء قتله وان
شاء عفا عنه، فتعليله(ع) للجواز بما ذكره دليل على تقرير ما
استقر عليه لارتكازه، وانه لا يستوفي القصاص في النفس الا
بعد الرجوع الى السلطان او المنصوب من قبله لمثله.
8 - ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر(ع)، قال:
«قلت له: رجل جنى، الي اعفو عنه او ارفعه الى السلطان؟ قال:
هو حقك ان عفوت عنه فحسن، وان رفعته الى الامام فانما
طلبت‏حقك، وكيف لك بالامام!».
وتقرير دلالتها قريب مما مر في السابقة، فان ارتكازه قد
استقر على ان مطالبة حقه لا طريق له الا بمرافعة الجاني الى
السلطان، وان ما سال عن انه هل له ان يعفو عنه قبل الرجوع
اليه، واجاب(ع) ايضا بثبوت هذا التخيير له، وظاهر الجواب
تقريره على ذاك‏الارتكاز، وانه ان لم يعف عنه فطريق الوصول
الى حقه انما هو رفع الامر الى الامام، وهو ولي الامة بالحق.
9 - ومنها صحيحة ضريس الكناسي عن ابي جعفر(ع)، قال: «لا
يعفى عن الحدود التي لله دون الامام، فاما ما كان من حق
الناس في حد فلا باس بان يعفى عنه دون الامام‏».
وتقريب الاستدلال بها قريب مما مر; وذلك انه(ع) وان كان
بمنطوق الكلام بصدد التفصيل في العفو عن الحدود قبل رفع
الامر الى الامام بين الحدود التي من قبيل حق الله والتي من
قبيل حق الناس بجوازه في حق الناس دون حق الله الا ان
تعرضه لخصوص ما قبل الرفع يدل بمفهومه على ان الامر دائر
بين العفو والرفع الى الامام، وهو مخير بينهما في حقوق
الناس، ويتعين عليه خصوص الرفع الى الامام في حقوق الله
تعالى. وعليه، فليس له في حقوق الناس ان يقوم باستيفاء
الحق والقصاص ممن عليه الحق‏مستقلا.
اللهم‏الا ان يقال: ان مجرد تعرضه لخصوص العفو قبل ان
يرفع الى الامام لعله لمكان ان محل البحث والكلام عنده قبل
تصديه لبيان الحكم كان خصوصه، فلا دليل فيه على
الانحصار المذكور، ولا مفهوم للكلام.
ثم ان الاستدلال بالصحيحة مبني على ان القصاص ايضا من
مصاديق الحدود التي للناس، وقد عرفت ثبوته ذيل الكلام
عن الحديث الثاني لحفص بن غياث، فتذكر.
10 - ومما يؤيد المطلوب استئذان الامام الصادق(ع) لوالي
المدينة حينما اراد قصاص قاتل معلى بن خنيس، ففي
معتبرة الوليد بن صبيح قال: «قال داود بن علي لابي
عبدالله(ع): ما انا قتلته - يعني معلى - قال: فمن قتله؟ قال:
السيرافي - وكان صاحب شرطته - قال: اقدنا منه، قال: قد
اقدتك، قال: فلما اخذ السيرافي وقدم ليقتل جعل يقول: يا
معشر المسلمين! يامروني بقتل الناس فاقتلهم لهم ثم يقتلوني،
فقتل السيرافي‏».
فقوله(ع): «اقدنا منه‏» مراعاة عملية لاعتبار اذن الحاكم في
استيفاء القصاص، فيدل على ان بناء القصاص في الشريعة على
رعاية اذنه، نعم في استئذان مثله لمثله تقية لا تضربالمطلوب.

اللهم الا ان يقال: لعل الاستئذان انما هو لانه لا يمكنه
القصاص الا من بعد اذنه، فان‏داود بن علي امير المدينة، وهو
صاحب السوط والسيف، بل لو دل فانما يدل على ان‏استئذان
الوالي كان شرط القصاص في بناء ولايتهم، وام ا اعتباره في
واقع الشريعة في الاقتصاص فلا دليل عليه; ولذلك قلنا انه
مما يؤيد المطلوب ولم يصل حد الدلالة.
11 - ومما يشعر بالمطلوب خبر محمد بن مسلم عن ابي
جعفر(ع)، قال: «من قتله القصاص بامر الامام فلا دية له في
قتل ولا جراحة‏» قال في الرياض هنا - بعد نفي الريب عن ان
الاستئذان احوط ونقل نفي الخلاف فيه -: «مع اشعار جملة
من النصوص باعتبار الاذن كالخبر «من قتله القصاص بامر
الامام فلا دية له في قتل ولا جراحة‏» وقريب منه غيره، فتامل‏».
و وجه الاشعار انه(ع) قد قيد القصاص الموجب لانتفاء الدية
بان يكون بامر الامام وولي امر الامة، وهذا التقييد يدل على
انه لولا امر الامام لثبت عليه الدية، فهذا التقييد والتعرض
لخصوص نفي الدية معه يشهدان انه لو لم يكن بامر الامام
لثبت فيه الدية، وثبوت الدية محضا يناسب ان للمقتص حق
القصاص لكنه لما لم يستامر الامام ثبت عليه الدية دون
القصاص الا ان ه يرد عليه انه يحتمل ان يكون سر التقييد انه
لولا امره لاحتمل فيه عدم رعاية الحدود الشرعية، لا انه مع
مراعاتها ايضا يكون فيه الدية، ولذلك قد ورد في بعض الاخبار
نفي الدية اذا قتله القصاص من دون تقييد بامر الامام(ع)
اصلا: ففي صحيح محمد بن مسلم عن احدهماعليهما السلام
في حديث: «من قتله القصاص فلا دية له‏» وفي صحيح الحلبي
عن ابي عبدالله(ع) قال: «ايما رجل قتله الحد في القصاص فلا
دية له - الحديث‏» الى غير ذلك من الاخبار.
فالمتحصل مما مر من الادلة :
ان المستفاد من الادلة الخاصة عدم جواز استقلال ولي‏الدم او
المجني عليه بالقصاص من دون رجوع الى ولي الامر او
المنصوب من قبله، فله حق القصاص الا انه ليس له الاستقلال
في الاستيفاء. وبمثلها يقيد اطلاق السلطان المجعول له في
قوله: (ومن قتل‏مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) بل ربما
يدعى انصرافه الى ما تعارف عند كل امة وقوم من عدم
مبادرتهم الى القصاص الا بعد الرجوع الى الحكومة واذنهم فيه
او حكمهم به، ومآل الانصراف الى التقييد ايضا.
وقد ظهر مما ذكرناه ان دلالة الادلة على عدم جواز
الاستقلال بالاستيفاء واضحة ليس فيها ذلك الخفاء، ومعه
فكيف خفي الامر على الاعاظم من اصحابنا المتاخرين حتى
صار عامتهم - على ما عرفت من الرياض - الى جواز مبادرة
ولي المقتول به بلا رجوع الى ولي الامر ولا المحاكم وحتى لم
يذكروا لعدم جواز الاستقلال الا مفهوم خبر محمد بن مسلم
وبعض الوجوه الاعتبارية التي لا اعتبار لها:
ففي الجواهر في توجيهه ورده: «ولعل وجهه ما سمعته من
الغنية والخلاف - يعني نفي الخلاف فيه - وما في بعض الاخبار
من الاشعار كما في الرياض، وهو قول الباقر(ع): «من قتله
القصاص بامر الامام فلا دية له في قتل ولا جراحة‏» وقريب منه
غيره، مؤيدا بالاحتياط وبما قيل: من انه يحتاج في اثبات
القصاص واستيفائه الى النظر والاجتهاد، ولاختلاف الناس في
شرائطه وكيفية استيفائه لخطر امر الدماء. وان كان هو كما
ترى; ضرورة كون المفروض اعتبار الاذن بعد العلم بحصول
مقتضى القصاص وعلم المستوفي بالشرائط عند مجتهده على
وجه لم يفقد الا الاذن، والاحتياط غير واجب المراعاة عندنا،
ونفي الخلاف المزبور غير محقق المعقد; لاحتمال ارادة
الكراهة منه ... وعلى تقديره فهو مرهون بمصير اكثر
المتاخرين الى خلافه، وبانه ليس بحجة‏».
وكيف كان، فدلالة الاخبار المتعددة على انه ليس للمجني
عليه او وليه الاستقلال بالقصاص واضحة لا مجال للكلام عليها.

الامر الثاني :
حكم الاستئذان من الحاكم عند الاستيفاء :
انما الكلام في ان اللازم شرعا مجرد اثبات جناية الجاني عند
ولي امر المسلمين او المنصوب من قبله لذلك او للاعم، فاذا
ثبت الجناية العمدية على النفس او الطرف عند القاضي
المنصوب لذلك وحكم على الجاني بانه القاتل عمدا او انه
الجاني تلك الجناية الموجبة لقصاص الطرف فبعد حكمه بهذا
فللمجني عليه او وليه ان يقوم بالقصاص مراعيا للشرائط
اللازمة من دون ان يستاذن في القيام به؟ او انه يجب عليه
بعد حكم الحاكم بالقصاص مراجعة ولي الامر او المنصوب من
قبله للاستئذان منه في تنفيذ القصاص وفي اعمال حقه
الثابت عند نفسه وعند الحاكم؟
فنقول: لا ريب لمن لاحظ الادلة ان الشارع قد جعل للمجني
عليه او وليه حق القصاص وجعل ولاية الامر وامامة الامة
لاقامة الاحكام واحياء الفرائض والحدود الالهية، فلا اقل‏من ان
على الامام وولي الامر ان يراقب امر الامة لكي يصل كل احد
الى حقه المشروع المجعول له، وقد مر ان مقتضى المطلقات
جواز ان يقوم المجني عليه او وليه باخذ حقه مستقلا الا ان
الاخبار الماضية منعته عن الاستقلال وفرضت عليه الرجوع
الى اولياء الامر، فلا محالة يؤخذ بموجب المطلقات الا في ما
تمت عليه دلالة تلك الاخبار المانعة، فلا بد اذن من مرور آخر
على تلك الاخبار.
فالمستفاد من خبر حفص بن غياث حيث قال(ع) - في
السيف الذي يقوم به القصاص - : «فسله الى اولياء المقتول
وحكمه الينا» وان كان توقف سله على حكمهم: الا انه بعد
ملاحظة ان من وظائف الامام - كما في صحيح اسحاق بن
غالب الوارد في ذكر صفات الائمة: حيث قال: «واحيى به
مناهج‏سبيله وفرائضه وحدوده...» - احياء الاحكام والحدود،
فلا محالة اذا رفع ولي القصاص امره الى الامام(ع) فعليه ان
يحكم به احياء لحدود الله وفرائضه، فاذا حكم الامام او
المنصوب من قبله بان له القصاص فقد تحقق الشرط المذكور،
ولا دليل على اعتبار اذنهم: ازيد من حكمهم به.
كما ان المستفاد من خبره الآخر: «سالت ابا عبدالله(ع): من
يقيم الحدود السلطان او القاضي؟ فقال(ع): اقامة الحدود الى
من اليه الحكم‏» وان كان ان امر الاقامة اليهم الا انه بعد
ملاحظة ما عرفت - من ان عليهم ايضا اقامة الحدود واحياءها
فلا يستفاد منه ايضا ازيد من انه لا بد وان يكون اقامة الحد
بحكمهم، واما انه بعد ان حكموا بالحد وكان للحدولي اي كان
الحد من حقوق الناس واراد من له الحد تنفيذ حكمه واخذ
حقه، فلا يدل‏على ان ليس له ذلك. بل ربما يمكن ان يقال:
بان عمدة نظر الحديث الى الحدود التي من قبيل حق الله
والتي جعل الامام خليفة الله في احيائه، فقد تعرض الحديث
لايكال احيائها الى القاضي الذي اليه الحكم، فتامل..
فبالجملة، لا ينعقد للخبر ظهور دال على ان ليس لولي
القصاص القيام به بعد حكم القاضي به الا اذا استاذن من اليه
الحكم ايضا، ومعه فيبقى الاخذ بمقتضى المطلقات سليما عن
كل مانع.
وكما ان تلك القاعدة العقلائية التي مر امضاؤها في الشريعة
لم يثبت استقرارها على ازيد من مرافعة الامر الى اولياء الامر
كي لا يقع هرج ومرج، واما بعد رفع الامر اليهم وحكمهم بان
له حق القصاص فلم يثبت بعده بناء عقلائي على الالتزام
بالاستئذان زائدا على الحكم المفروض.
وكما ان صحيحة داود بن فرقد انما دلت على عدم جواز
الاستقلال بالقصاص من دون رفع المورد الى اولياء الامور، والا
فاذا رفع‏الامراليهم وثبت الموضوع عندهم وحكموا بان له
القصاص، فلا تدل الصحيحة على المنع عنه حينئذ قطعا.
وهكذا موثقة اسحاق انما تامر بالرفع الى السلطان، لا بالاذن
منه ايضا زائداعلى حكمه بالقصاص بعد رفع الامر اليه.
وقريب منها صحيحة محمد بن مسلم التي لم تتضمن ازيد
من لزوم رفع الامر الى السلطان لمطالبة حقه.
وهكذا الكلام في صحيحة ضريس الكناسي، فلاحظ.
وبالجملة، فالمتيقن من السيرة العقلائية والاخبار الماضية ان
قيام من له حق القصاص بالاقتصاص من دون رفع امره الى
ولي الامر والمنصوبين من قبله لمثله ممنوع في الشريعة، بل
لا بد له من رفع الامر اليهم لمطالبة حقهم، واما اذا رفع الامر
اليهم وثبت‏حقه عندهم وحكموا بان له سل سيف القصاص
شرعا فانه يجب عليه بعده ايضا الاستئذان منهم في اخذ حقه
فهذا ما لا دلالة عليه، والمرجع حينئذ الاطلاقات الماضية
النافية لاعتبار ذلك.
وهذا الذي استفدناه من مجموع الاخبار هو الذي وردت به
رواية اسحاق بن عمار المروية في الكافي، قال: «قلت لابي
الحسن(ع): ان الله عز وجل يقول في كتابه: (ومن قتل‏م
ظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان
منصورا) فما هذا الاسراف الذي نهى الله عز وجل عنه؟ قال:
نهى ان يقتل غير قاتله او يمثل بالقاتل. قلت: فما معنى قوله:
«انه كان منصورا»؟ قال: واي نصرة اعظم من ان يدفع القاتل
الى اولياء المقتول فيقتله ولا تبعة يلزمه من قتله في دين ولا
دنيا». حيث دل على ان على اولياء الامر نصرة اولياء المقتول
ودفع القاتل اليهم لاجراء القصاص، فكان النظام الاسلامي
مكلف بنصرة اولياء المقتول في اعمال حقهم وقصاص قاتل
مورثهم، فبعد ان ثبت للنظام ان لهم القصاص يجب عليه دفع
القاتل وعرضه لاولياء الدم للقصاص، لا ان الامر يبقى كالمعلقة،
فتحترق قلوب اولياء الدم ولا يؤذن لهم في الاقتصاص، بل
من الوظيفة المسلمة عرفان القاتل وتسليمه ودفعه الى اولياء
الدم لاجراء القصاص عليه.
نعم، اذا راى ولي الامر او المنصوب من قبله ان الاسراع الى
تنفيذ القصاص او الاقتصاص بلا حضور القوى المسلحة
المنظمة ربما يوجب الفساد واختلال الامن اللازم في الامة
الاسلامية فله بل عليه بمقتضى ولايته ان يمنع من له
القصاص عن اعمال حقه الى ان يحصل له الشرائط اللازمة
المانعة عن ترتب الفساد واخلال النظام الا ان من المعلوم انه
ليس لولي الامر ان يتسامح في تحصيل ذي الحق لحقه بل
عليه بمقتضى انه ولي المسلمين وبه احياء الحدود ان يهيى‏ء
مقدمات وصول من له القصاص الى حقه لئلا يضيع حقه ولا
يتاخر.
هذا، فالحاصل ان القدر المسلم من الادلة وجوب الرجوع الى
اولياء الامور حتى يثبت‏حق قصاص من له القصاص عندهم
ويحكموا له به، واما بعد حكمهم به وثبوته لديهم فلا دليل
على استئذانه لهم في تنفيذه، ومقتضى الاصول اللفظية
والعملية عدم اعتباره، والله تعالى هو العالم باحكامه.
الامر الثالث: حكم الاستقلال بالقصاص بلا مرافعة:
قد عرفت ان الادلة تامة الدلالة على وجوب مرافعة الامر الى
ولي الامر او المنصوب من قبله لكي تثبت عنده الجناية
ويحكم بان له حق القصاص، فاذا قصر من له الحق عن
المرافعة وبادر الى الاقتصاص فلا ينبغي الريب في انه ارتكب
معصية الا انه يقع الكلام حينئذ في انه هل يجب عليه
القصاص; لعدم رعاية شرط المرافعة، او انه انما ارتكب
العصيان فيثبت عليه التعزير بناء على ثبوته لكل معصية، او لا
هذا ولا ذاك; لان‏القصاص حق له قد استوفاه وليس على من
استوفى حقه الشرعي سبيل؟
ولنفرض الكلام فيما اذا امكن له اثبات ان له حق القصاص
واثبته ايضا ولو بعد الاستيفاء ليختص البحث في خصوص
حكم عدم رعاية اثبات حقه عند ولي الامر قبل القيام
باستيفائه، والا فان لم يثبت‏حقه عنده ابدا فلعله محكوم
بالقصاص في الظاهر، ولعلنا نعود الى الكلام عن حكمه ان شاء
الله تعالى.
فنقول: قد نطق القرآن الكريم بانه: (ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في الق ت ل) فدل على ان لولي
المقتول سلطانا على القصاص، وقد قال تعالى عن القصاص:
(ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب) وبالجملة فقد دلت
الآيات على ان لولي المقتول حق القصاص. وهكذا قد تواترت
الاخبار بان لولي المقتول او المجني عليه حقا في ذلك، وقد
مضى شطر منها صدر المسالة مما علق استيفاء القصاص على
مشيئة المجني عليه او اولياء الدم. فلا ريب في تمامية دلالة
الادلة كتابا وسنة على ان لاولياء الدم في قصاص النفس
وللمجني عليه في قصاص الاطراف حقا مشروعا في استيفاء
القصاص، فاذا وضعت هذه الادلة جنب الادلة الدالة على
وجوب رفع الامر الى الحاكم كان المستفاد منها عرفا ان
الشارع تبارك‏وتعالى اوجب على من له حق القصاص تكليفا
في كيفية استيفاء حقه بان يرفع امره الى الحاكم ليثبت عنده
ويحكم له بالقصاص، ولا يتوهم احد من هذه الادلة ان ثبوت
حقه بحسب نفس الامر موقوف على هذه المرافعة، بل انها امر
واجب عليه مستقل اذا لم يمتثله فقد عصى الله تعالى فيه لا
في استيفاء حقه بل في كيفية استيفائه وطريقه، وعليه فلا
مجال لتوهم انه اذا استقل بالاستيفاء كان عليه القصاص، بل
لم يكن منه الا مجرد العصيان لله تعالى، فاذا قلنا بثبوت
التعزير على كل معصية او على ما يرجع الى الامور الحكومية
وتنظيم امر الامة فعليه التعزير بما يراه الحاكم، والافلا تعزير
عليه ايضا، والكلام عنه موكول الى مجال آخر، والله العالم.
وليكن هذا آخر كلامنا في هذه المسالة. والحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله
الطاهرين ولا سيما قائمهم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
الملحق الاول:
لقد وقع كلام في رجال هذا الحديث، واليك بعض ما قيل
فيهم:
اما علي بن محمد القاساني ففي رجال النجاشي: « علي بن
محمد بن شيرة القاساني (القاشاني) ابو الحسن كان فقيها
مكثرا من الحديث، فاضلا، غمز عليه احمد بن محمد بن
عيسى وذكر انه سمع منه مذاهب منكرة، وليس في كتبه ما
يدل على ذلك‏». وفي رجال الشيخ عند عد اصحاب ابي الحسن
الثالث علي بن محمد الهادي(ع) في باب العين: «9: علي بن
شيرة ثقة، 10: علي بن محمد القاشاني ضعيف اصبهاني من
ولد زياد مولى عبدالله بن عباس من آل خالد بن الازهر».
وصريح رجال الشيخ تعدد المسمى بعلي بن شيرة الثقة
والمسمى بعلي بن محمد القاساني الضعيف. فلا وجه لما عن
الخلاصة من استظهار الاتحاد، فعلي بن محمد القاساني قد
غمز عليه احمد بن محمد بن عيسى وضعفه الشيخ في الرجال،
فلا يمكن الاعتماد على روايته.
واما القاسم بن محمد فالمذكور في سند تفسير القمي
والكافي والتهذيب في موضعيه القاسم بن محمد بلا توصيف
الا انه قد وصف بالاصبهاني في سند الخصال.
واما في كتب الرجال ففي رجال النجاشي: «القاسم بن محمد
الجوهري كوفي سكن بغداد روى عن موسى بن جعفر(ع) له
كتاب اخبرنا ... عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد
بكتابه‏». ثم قال بلا فصل: «القاسم بن محمد القمي يعرف
بكاسولا لم يكن بالمرضي له كتاب نوادر اخبرنا ابن نوح قال
حدثنا الحسن بن حمزة قال حدثنا ابن بطة قال: حدثنا البرقي
عن القاسم‏».
وفي فهرست الشيخ باب القاسم: «القاسم بن محمد الجوهري
الكوفي له كتاب اخبرنا به المفيد عن ابن بابويه عن ابن الوليد
عن الصفار عن احمد بن محمد واحمد بن ابي عبد الله عن ابي
عبد الله البرقي والحسين بن سعيد عنه‏» ثم ذكر ترجمة
القاسم بن يحيى الراشدي ثم قال: «القاسم بن محمد
الاصفهاني المعروف بكاسولا له كتاب اخبرنا به جماعة عن ابي
المفضل عن ابن بطة عن احمد بن ابي عبد الله عنه‏».
وفي رجال الشيخ في باب اصحاب الصادق(ع) «القاسم بن
محمد الجوهري مولى تيم الله كوفي الاصل روى عن علي بن
ابي حمزة وغيره له كتاب‏». وفي اصحاب الكاظم(ع): «القاسم
بن محمد الجوهري له كتاب، واقفي‏».
وفي باب ذكر اسماء من لم يرو عن واحد من الائمة: في باب
القاف: «القاسم بن محمد الجوهري روى عنه الحسين بن
سعيد » ثم ذكر القاسم بن يحيى ثم قال: «القاسم بن محمد
الاصفهاني المعروف بكاسام روى عنه احمد بن ابي عبدالله‏».
والمتحصل منها ان هنا رجلين مسمين بالقاسم بن محمد:
احدهما الجوهري الكوفي الذي يروي عنه ابو عبدالله البرقي
والحسين بن سعيد، وثانيهما المعروف بكاسولا او كاسام
الموصوف بالاصفهاني في رجالي الشيخ وبالقمي في رجال
النجاشي ويروي عنه احمد بن ابي عبدالله البرقي، وبعد ظهور
كلام العلمين في الكتب الثلاثة في التعدد، فما في جامع
الرواة ذيل ترجمة القاسم بن محمد القمي ما نصه: «الذي
يظهر لنا ان يكون القاسم بن محمد الاصبهاني والقاسم بن
محمد الجوهري والقاسم بن محمد القمي متحدا; لاشتراكهم
في الراوي والمروي عنه على ما يظهر بادنى تامل في
ترجمتهم‏»، مما لا يمكن تصديقه، بل الجوهري متقدم على
كاسولا بطبقة يروي فيها ابو عبدالله البرقي والحسين بن
سعيد، ويروي عن كاسولا احمد بن ابي عبدالله البرقي.
وكيف كان، فقد وصف راوي حديثنا في الخصال
«بالاصبهاني‏» كما وصفه به ايضا الصدوق في طريقه الى
سليمان بن داود المنقري الذي هو المروي عنه في اسناد
الحديث هنا، والظاهر ان الراوي المسمى بالقاسم بن محمد
هنا في جميع الاسناد رجل واحد، فهو القاسم بن محمد
الاصبهاني القمي المعروف بكاسولا الذي قال فيه النجاشي «لم
يكن بالمرضي‏»، فلا شاهد على وثاقته الا مجرد وقوعه في
سند الفقيه الى المنقري، وهو محل كلام جدا، فانه اذا سلمنا
اعتبار اعتماد الصدوق على روايات الفقيه في حجيتها لنا الا
انه لا دليل فيه على كون جميع من في طرقه ثقات، فلعل
اعتماده على رواية كان لاجل ما قال: «جميع ما فيه مستخرج
من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع‏» نعم، لا يبعد
دلالته على الاعتماد والوثوق بصاحب هذه الكتب.
وفي رجال الكشي: «قال نصر بن صباح: القاسم محمد
الجوهري... قالوا: انه كان واقفيا».
والراوي لكتابه في الفهرست ابو عبدالله البرقي والحسين بن
سعيد وفي النجاشي الحسين بن سعيد، لكن في ترجمته في
جامع الرواة الاشارة الى روايات اربع روى فيها ابن ابي عمير
عن القاسم بن محمد، فمن يكتفي بروايتهما عن احد في
توثيقه - بناء على انهما لا يرويان الا عن ثقة - يثبت عنده
وثاقته وان كان واقفيا.
واما سليمان بن داود المنقري ففي رجال النجاشي : «سليمان
بن داود المنقري ابو ايوب الشاذكوني بصري ليس بالمتحقق
هنا غير انه روى عن جماعة اصحابنا من اصحاب جعفر بن
محمدعليهماالسلام، وكان ثقة له كتاب‏». وفي باب سليمان
من الفهرست: «سليمان بن داود المنقري له كتاب‏» ثم ذكر
طريقه اليه، وهو ممن روى عنه الصدوق في الفقيه وذكر
طريقه اليه في المشيخة فقال: «وما كان فيه عن سليمان بن
داود المنقري فقد رويته عن ابي‏رحمه‏الله عن سعد بن
عبدالله عن القاسم بن محمد الاصبهاني عن سليمان بن داود
المنقري المعروف بابن الشاذكوني‏»، وفيه اشعار بل دلالة على
ركون الصدوق اليه بناء على ما تعهده في اول الفقيه، فان
المتيقن منه انه يرى وثاقة الراوي الاول عن المعصوم(ع).
الا انه نقل عن ابن الغضائري تضعيفه قائلا: «الاصفهاني ضعيف
جدا لا يلتفت اليه يوضع كثيرا على المهمات‏»، والخطيب
البغدادي في تاريخه نقل رميه بالمنكرات والكذب.
فالحاصل: ان تضعيف ابن الغضائري ونقل الخطيب معارضان
بتوثيق النجاشي واعتماد الصدوق، ومن الواضح رجحان الثاني.
واما حفص بن غياث فقد ذكره الصدوق في مشيخة الفقيه
بقوله: «وما كان فيه عن حفص بن غياث فقد رويته - ثم ذكر
طرقا ثلاثة اليه لا ريب في اعتبار الاول منها - عن حفص بن
غياث النخعي القاضي‏». وفي رجال النجاشي: «حفص بن غياث
بن طلق - فذكر نسبه - ابو عمر القاضي، كوفي روى عن ابي
عبدالله جعفر بن محمد(ع) وولي القضاء ببغداد الشرقية
لهارون، ثم ولاه قضاء الكوفة ومات بها سنة 194، له كتاب -
فذكر طريقه اليه ثم قال - : وهو سبعون ومئة حديث او
نحوها. وروى حفص عن ابي الحسن موسى(ع)؟. وفي رجال
الكشي والشيخ في اصحاب الباقر(ع): «وحفص بن غياث عامي‏».
وفي فهرست الشيخ: «حفص بن غياث القاضي عامي المذهب
له كتاب معتمد...». وفي رجال الشيخ ضمن اصحاب
الصادق(ع): «حفص بن غياث بن طلق بن معاوية ابو عمر
النخعي القاضي الكوفي‏» وضمن من لم يرو عن الائمة:: «حفص
بن غياث القاضي...».
ثم ان عد الشيخ كتابه معتمدا يكفي في وثاقته; لمكان
الملازمة عند العرف، مضافا الى انه من مشيخة الفقيه
وللصدوق اليه طرق ثلاثة. وفي معجم رجال الحديث ما لفظه:
«وذكر في العدة في بحث‏حجية خبر الواحد عمل الطائفة
باخبار حفص بن غياث، ويظهر من مجموع كلامه فيها ان
العدالة المعتبرة في الراوي ان يكون ثقة متحرزا في روايته
عن الكذب وان كان مخالفا في الاعتقاد فاسقا في العمل. نعم،
رواية المعتقد للحق‏الموثوق به يتقد م على غيره في مقام
المعارضة. والمتحصل من ذلك ان حفص بن غياث ثقة
وعملت الطائفة برواياته‏».
الا ان المحقق التستري رد هذا الاستظهار بقوله: «فان العدة
انما قال: ان الامامية انما يعملون باخبار العامة مثل حفص بن
غياث اذا لم يكن له معارض من خبر امامي ولا اعراض من
الامامية‏»..
والاولى ذكر نص عبارة العدة هنا ليتضح ان الحق مع اي من
العلمين؟ فقد قال: - في فصل في ذكر القرائن التي تدل على
صحة اخبار الآحاد او على بطلانها، وما يرجح به الاخبار بعضها
على بعض، بعد ذكر المرجحات في الاخبار المتعارضة - ما
نصه: «واما العدالة المراعاة في ترجيح احد الخبرين على الآخر
فهو ان يكون الراوي معتقدا للحق‏مستبصرا ثقة في دينه متحر
جا من الكذب غير متهم في ما يرويه، فاما اذا كان مخالفا في
الاعتقاد لاصل المذهب وروى مع ذلك عن الائمة: نظر فيما
يرويه فان كان هناك‏من طرق الموثوق بهم ما يخالفه وجب
اطراح خبره، وان لم يكن هناك‏ما يوجب اطراح خبره ويكون
هناك‏ما يوافقه وجب العمل به، وان لم يكن هناك‏من الفرقة
المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه
وجب ايضا العمل به; لما روي عن الصادق(ع) انه قال: «اذا
نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا فانظروا الى
ما رووه عن علي(ع) فاعملوا به‏».
ولاجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث
بن كلوب ونوح ابن دراج والسكوني وغيرهم من العامة عن
ائمتنا: فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه‏».
وظاهر العبارات بدوا - كما ترى - موافق لما استظهره
العلامة التستري‏قدس‏سره، فانها لم تتعرض لازيد من لزوم
العمل بمثل اخبار حفص بن غياث اذا خلت عن المعارض
والمؤيد استنادا الى ان الصادق(ع) قد امر بذلك، وليس فيها
ان حفص بن غياث ونظراءه من العامة ثقة.
لكن لقائل ان يقول: ان الراوي لو كان من الفرقة المحقة اذا
كان غير ثقة في حديث لما جاز العمل بما يرويه، فلا يفهم من
الرواية المذكورة ولا يقول الشيخ ايضاقطعا بان‏الرواة العام ة
اعلى منزلة من الشيعة يقبل روايتهم ويعمل بها وان كانوا غير
متحرجين عن الكذب، فمراد الامام الصادق(ع) ومقصود
الشيخ رحمه الله تعالى ان‏الثقات من العامه يعمل باخبارهم
اذا خلت عن معارض من روايات شيعة اهل البيت:، وهو ما
استفاده الاستاذ العلامة الخوئي‏قدس‏سره.
ويشهد لما استفدناه قوله‏قدس‏سره في ذيل هذا المبحث
وبعد البحث عن حال روايات روتها الفرق المختلفة من الشيعة
بما نصه: «فاما من كان مخطئا في بعض الافعال او فاسقا
بافعال الجوارح وكان ثقة في روايته متحرزا فيها فان ذلك لا
يوجب رد خبره ويجوز العمل به; لان العدالة المطلوبة في
الرواية حاصلة فيه، وانما الفسق بافعال الجوارح يمنع من
قبول شهادته، وليس بمانع من قبول خبره; ولاجل ذلك قبلت
الطائفة اخبار جماعة هذه صفتهم‏».
فهوقدس‏سره قد صرح بان شرط قبول الخبر ان يكون ثقة
في روايته متحرزا عن الكذب فيها، فهذا شرط قبول الخبر
مطلقا حتى في الرواة العامة، بل ان ضم هذه الفقرة من
عبارته الى ما مرت يكون قرينة على ان حاصل
مرامه‏قدس‏سره ان ما يكون مرجحا في باب تعارض الاخبار
من العدالة هو ان يكون الراوي معتقدا للحق مستبصرا ثقة في
دينه متحرجا من الكذب غير متهم فيما يرويه، وهي لا تحصل
الا لمن كان من الفرقة المحقة وكان له ملكة ترك‏المعاصي
حتى يصدق عليه انه ثقة في دينه، وهذا بخلاف العدالة
المطلوبة في قبول الرواية بنفسها، فان المراد منها ان يكون
ثقة في روايته متحرزافيها، فالعدالة بهذا المعنى الثاني
معتبرة وكافية في الرواي الذي تقبل روايته سواء كان من
العامة او من الفرقة المحقة، والله العالم.
وكيف كان، فالاظهر المستفاد من كلام الشيخ في كتبه ان
حفص بن غياث ثقة معتمد، فلا مجال لرد الخبر من جهته.
وقد عرفت ان سائر رجال الحديث ايضا يصح الاعتماد على
روايتهم.
الملحق الثاني
ان الحديث مروي - كما عرفت - في الفقيه الذي شهد
الصدوق باعتبار اخباره، وقد ذكر في المشيخة طريقه الى
المنقري، وفيه القاسم بن محمد الاصبهاني، وقد قيل في
كتب الرجال: انه المعروف بكاسولا الذي قال فيه النجاشي:
«لم يكن بالمرضي‏» ولا يبعد ان يحمل القاسم بن محمد
المطلق الواقع في اسناد الفهرست للشيخ ايضا عليه بقرينة
ان‏الصدوق ايضا واقع في هذا الاسناد، فيكون سند الفقيه
والتهذيب محل كلام الا ان يستظهر اتحاده مع القاسم بن
محمد الجوهري - كما في جامع الرواة - فحينئذ ياتي فيه ما
مر فيه، لكنه بعيد، فان ظاهر الفهرست ورجال النجاشي
وغيرهما انهما رجلان.
هذا، ومع ذلك كله ففي روضة المتقين شرح الفقيه قال
المحدث المجلسي عند شرحه لهذا الحديث ما لفظه: «روى
سليمان بن داود المنقري في القوي كالصحيح كالشيخ
بسندين، عن حفص بن غياث‏» فوصف السند بالقوة كالصحة.
وقد عرفت الكلام عن سليمان بن داود وحفص بن غياث، فلا
نعيد.

 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID