عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفلسفة و العرفان
p;iopl
الخميس, صفر 16, 1432 صدرالدين ‏محمد بن ابراهيم الشيرازي، حياته وفلسفته(3) ابو عبدالله الزنجاني

                               

اختيار الشيرازي لمذهب التصوف ووحدة الوجود
هذا الفيلسوف الهي يدور اكثر مباحثه حول التفكر في الاله المبدع ‏ووحدته وصفاته المعنوية من العلم والحكمة والقدرة، او ان شئت قل ‏البحث عن القوة المدبرة للكون، وفلسفته تستقي من معين التصوف،ووحدة الوجود معتمدة على المبادئ الاغريقية، وروح فلسفة افلاطون ‏وارسطو بادية باجلى مظاهرها فيها، ويلوح للناظر في كلماته ان ابان‏ درسه الفلسفة خاض مدة مديدة لجج المسائل اللاهوتية، ووازن حجج‏ الفلاسفة من الاشراقيين والمشائين، ودرس اصول المتكلمين واصحاب‏ الجدل، وعرف ا نها جميعا لا توصل الى الحق، ولا تروي غليله; لا نها معكرة بتناقض المبادئ .
وكيف تسكن نفس رجل زكي الفؤاد وقاد الذهن بما لا ينير ظلمة ‏المعضلات في المسائل اللاهوتية العويصة، وهي تحاول ان تبلغ مرتبة ‏الشهود والعيان من مراتب الايمان، وبعد مدة طويلة لما لم يجد ضالته في ‏درس ادلة الجدليين - الذين يقول في شان فلسفتهم: اني استغفر الله‏ واستعيذ عما ضيعت ‏شطرا من عمري في طريقهم غير المستقيم -لاذ بحجر التصوف، وهناك وجد سكونه واطمئنانه، واخذ يسعى في ‏التوفيق بينه وبين الشريعة بتاويل نصوصها وتوجيهها اليه .
جرت عادة الباحثين في المسائل اللاهوتية الا الصوفيين ان يضعوا بابا في البحث عن الموجد للكون ، ويذكروا فيها ادلة يستمد بعضها من‏ابطال التسلسل او الدور; لزعمهم ان المبدع الحكيم - اي القوة المدبرة - منفصل عن الكون، ولكن الصوفيين يرون ان الوجود المنبسط الذي يمثل‏ الكون بمحسوسه ومعقوله كاف للدلالة على وجود الموجد وصفاته; لانه‏ عينه، وفي كل شي‏ء آية دالة على وحدته .
ومذهب وحدة الوجود - البانتيسم - الله في الكل والكل في الله هو سرالتصوف وروحه، ولاجل ذلك لا يتمسكون بادلة الكلاميين والجدليين‏ وفرق الفلاسفة الذين لقرب فلسفتهم من مبادئهم، ولا يستدلون بوجود القوة المدبرة المبدعة باكثر من بحثهم في شؤون الوجود المنبسط ومراتبه ‏وظهوره .
وصدر الدين وان افاض في البحث عن كل المباحث اللاهوتية واكثر مباحث الفلسفة الادبية والفلسفة العامة وتبحر فيها، الا ان غرضنا الذي ‏نرمي اليه هو ان ناتي من فلسفته بنقطتي الوفاق والخلاف مع الفلسفة‏ المادية، وهي مسائل طالما سرح الانسان افكاره حولها كمسالة هل المادة ‏ازلية ام حادثة؟ وهل للكون مبدع غير الطبع؟ وهل هو شاعر عالم؟ وهل ‏في خلق الكون غاية وحكمة أم لا؟ ثم نردفها ببعض آرائه العلمية‏ والادبية، وبذلك نصور نفسية رجل حكيم خدم اللغة العربية والعلم خدمة‏ جليلة .
طريقه الى معرفة الله تعالى
يقول في الجزء الثالث من الاسفار الاربعة:
« فصل في اثبات واجب الوجود والوصول الى معرفة ذاته: واعلم ان‏الطرق الى الله كثيرة; لا نه ذو فضائل وجهات كثيرة، ولكل وجهة هو موليها لكن بعضها اوثق واشرف وانور من بعض، واسد البراهين‏ واشرفها اليه هو الذي لا يكون الوسط في البرهان غيره بالحقيقة،فيكون الطريق الى المقصود هو عين المقصود، وهو سبيل الصديقين ‏الذين يستشهدون به تعالى عليه، ثم يستشهدون بذاته على صفاته،وبصفاته على افعاله واحدا بعد واحد، وغير هؤلاء - كالمتكلمين‏ والطبيعيين وغيرهم - يتوسلون الى معرفة الله تعالى وصفاته بواسطة‏ امر آخر غيره، كالامكان للماهية والحدوث للخلق، والحركة ‏للجسم، او غير ذلك، وهي ايضا دلائل على ذاته، وشواهد على‏ صفاته، لكن هذا المنهج احكم واشرف، وقد اشير في الكتاب ‏الالهي الى تلك الطرق بقوله تعالى: « سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى‏ انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق » والى هذه الطريقة اشار بقوله:«او لم يكف بربك انه على كل شى‏ء شهيد» . وذلك لان الربانيين‏ ينظرون الى الوجود ويحققونه ويعلمون انه اصل كل شي‏ء، ثم‏ يصلون بالنظر اليه الى انه بحسب اصل حقيقته واجب الوجود، واما الامكان والحاجة والمعلولية وغير ذلك فانما يلحقه لا لاجل ‏حقيقته، بما هي حقيقته، بل لاجل نقائص واعدام خارجة عن اصل ‏حقيقته، ثم بالنظر فيما يلزم الوجوب او الامكان يصلون الى توحيد ذاته وصفاته، ومن صفاته الى كيفية افعاله وآثاره، وهذه طريقة‏ الانبياء كما في قوله تعالى: « قل هذه سبيلى ادعوا الى الله على ‏بصيرة » (1).
وهذا المذهب يشبه مذهب « باسكال » المتوفى سنة 1662 م . ارى‏ في الطبيعة كائنا واجب الوجود دائما لا نهائيا .
وقال في اول رسالته في سريان الوجود: « اعلم ان الواجب الحق هو المتفرد بالوجود الحقيقي وهو عينه،وغيره من الممكنات موجودة بالانتساب اليه، والارتباط به ارتباطا خاصا وانتسابا مخصوصا لا بعروض الوجود كما هو المشهور » . ثم قال: « ان الوجود قد يطلق ويراد به الكون في الاعيان، ولا شك‏ في كونه امرا اعتباريا انتزاعيا، وقد يطلق ويراد به ما هو منشا لانتزاع الكون في الاعيان ومصحح صدقه وحمله، وهو بهذا المعنى‏ عين الواجب » .
وقال بعد بضعة سطور:
«ان مناط الوجوب الذاتي ليس الا كون نفس الواجب من حيث هو مبدا لانتزاع الوجود والموجودية » .
من الاصول المقررة في الفلسفة الالهية التي وضع عليها بعض الآراء الفلسفية، واعترف بها صدر لدين فيما يظهر من كلماته السالفة ان الوجود امر واحد ذو مراتب في الشدة والضعف، وله وحدة معنوية .
ومنها: ان الوجود الحقيقي الذي صح ان يكون منشا لانتزاع‏ الموجودات عنه، والذي هو مصدر الكون، او هو كالشمس منبع الانوار ازلي موجود قائم بالذات لا جاعل له.
ومنها: ان مفهوم الوجود من اعرف الاشياء وكنهه في غاية الخفاء .فانا نرى ذرة المادة ونحسها بالبصر ونلمسها باليد ولكن اسال اي انسان‏ تشاء من العلماء الطبيعيين - اي الفيزيولجيين - ما هي؟ وكيف وجدت‏ اازلية ام حادثة؟ وما هو سرها؟ يقف امامك والحيرة ملكت عقله ‏ولا يدري ماذا يجيبك، ولا تنفعه اختباراته الكيميائية والفيزيائية .
فمعجرة كنه الوجود رمز لا يزال مجهولا على رغم جهود الانسان في‏ كشفه منذ الاجيال والقرون، وذهب سعيه سدى، وكل جناح فكره عن‏الوصول اليه.
فضم هذه الاصول بعضها الى بعض ينتج ان القوة التي اوجدت الكون ‏بمعقوله ومحسوسه، ومثلت اجزاءه المنسقة، ونظمتها بنظامه العجيب‏ هو الله على مذهب صدرالدين، او من هو سالك سبيله في القول بوحدة‏الوجود (2) ، وهذا الراي قريب من مذهب القائلين بان الطبيعة هي موجدة ‏الكون ازلا.
ونقطة الوفاق بين المذهبين - مذهب وحدة الوجود او الصوفيين‏ ومذهب الطبيعيين - هي ما اشرنا اليه، الا ان مذهب الصوفيين وانصار وحدة الوجود - كما سيذكره صدرالدين ونشير اليه - يفارق مذهب‏ الطبيعيين في ان هذه القوة الموجدة التي يطلقون عليها الوجود الحقيقي اوالواجب الوجود واجدة لجميع مراتب الكمال المعقول، ولا يشذ عنها كمال‏ في الوجود، فلها العلم والقدرة باقصى مراتبهما، فعلمه وقدرته غير متناهيين عدة وشدة ومدة.
وصدرالدين والصوفيون وانصار وحدة الوجود لا يقولون بانفصال ‏المبدا - الله - عن الكون، كما ا نهم لا يقولون بالحلول والاتحاد، بل يقولون:ان ارتباط الكون بالله تعالى وانتسابه كيفية مجهولة .
قال صدرالدين في اول رسالته سريان الوجود ما هذا نصه:
« ثم اعلم ان ذلك الارتباط كما مر ليس بالحالية ولا بالمحلية، بل‏ هي نسبة خاصة وتعلق مخصوص يشبه نسبة المعروض الى‏العارض بوجه من الوجوه، وليس هي بعينه كما توهم، والحق ان‏ حقيقة تلك النسبة والارتباط وكيفيتها مجهولة لا تعرف » . وهذا مذهب مالبرانش؛الذي قال في الكتاب الثالث من تاليفه المسمى بالبحث عن الحقيقة: ان ‏جميع الكائنات حتى المادية والدنيوية هي في الله الا ا نها بطريقة روحانية ‏محضة لا نستطيع فهمها، يرى الله في داخل ذات نفسه كل الكائنات( ص 71 ) محاضرات العالم « دي جلارزا » الاستاذ في الجامعة المصرية.وايد صدر الدين مذهبه بقوله تعالى: «وهو معكم اين ماكنتم‏»(الحديد/4)، «ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه‏الله‏»(البقرة/ 115)، «الا انه بكل شى‏ء محيط‏»(فصلت / 54،«واحاط بما لديهم واحصى‏»(الجن /28)، «وهو الله فى السموات ‏وفى الارض‏»(الانعام / 3)،«ونحن اقرب اليه من حبل ‏الوريد»(ق/ 16)،«نحن اقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون»(الواقعة / 85)، «هو الاول والآخر والظاهر والباطن‏»(الحديد /3). وهذا الفيلسوف لا يرضى ان تحمل هذه الآيات‏ على مجرد علمه تعالى، وقال: ولا تصرف هذه الآيات عن ظواهرها،فحملها على مجرد علمه تعالى بها او غيرها كما هو شيمة الظاهريين، فان‏ الصرف من الظواهر من غير داع اليه من عقل او نقل غير جائز اصلا،ولاداعي هناك قطعا، ولا مانع من الحمل على الظواهر على ما عرفناك‏ فاعترف .
وقال صدرالدين ايضا: الاقرب في تقريب تلك النسبة - اعني ‏احاطته ومعيته بالموجودات - ما قال بعضهم: من ان من عرف معية الروح‏ واحاطتها بالبدن مع تجردها وتنزهها عن الدخول فيه، والخروج عنه،واتصالها به وانفصالها عنه، عرف بوجه ما كيفية احاطته تعالى ومعيته ‏بالموجودات من غير حلول واتحاد، ولا دخول واتصال، ولا خروج ‏وانفصال وان كان التفاوت في ذلك كثيرا بل لا يتناهى، ولهذا قال: «من ‏عرف نفسه فقد عرف ربه‏» وللتنبيه على هذا المعنى قال بعض المشايخ ‏شعرا:
حق جان جهان است جهان جمله بدن.
املاك لطائف وحواس اين تن.
افلاك عناصر ومواليد اعضا.
توحيد همين است دگرها همه فن.
اي الله روح العالم، والعالم كجسمه، والاملاك حواس هذا الجسم‏ اللطيفة، والافلاك والعناصر الاربعة والمواليد الثلاثة اعضاء هذا الجسد،وهذا هو التوحيد حقا، وغيره لا يتجاوز كونه فنا من الفنون . ثم يقول:
« ولا يتوهم من ظاهر هذا الكلام ان الواجب الحق روح العالم ‏ونفسه كما توهم بعض القاصرين تعالى عن ذلك علوا كبيرا، فان‏ذلك على ما حقق في موضعه ممتنع، بل غرضه تقريب كيفية‏ احاطته تعالى بالموجودات من بعض الوجوه الى الاذهان السليمة‏ المستقيمة » .
احاطة الوجود وسعته
وذهب الى سعة في وجود الواجب ( اي الله ) واحاطة معنوية تامة ‏تشمل الكون باجمعه، ولا يشذ عنه شي‏ء، وهذا الراي يوضح مذهب‏ صدرالدين في القوة المبدعة اي ( الله ) كما ا نه يوضح معنى وحدة الوجود .
قال في كتابه الشواهد الربوبية:
« الاشراق العاشر في ا نه جل اسمه كل الوجود. قول اجمالي: كل ‏بسيط الحقيقة من جميع الوجوه فهو بوحدته كل الاشياء والا لكان ‏ذاته متحصل القوام من هوية امر ولا هوية امر ولو في العقل، قول ‏تفصيلي: اذا قلنا الانسان بسلب عنه الفرس او الفرسية فليس هو من ‏حيث هو انسان لا فرس، والا لزم من تعقله تعقل ذلك السلب اذ سلبا بحتا، بل سلب نحو من الوجود، فكل مصداق لا يجاب سلب‏ المحمول عنه لا يكون الا مركبا، فان لك ان تحضر في الذهن‏ صورته وصورة ذلك المحمول مواطاة او اشتقاقا، فتقايس بينهما وتسلب احدهما عن الآخر، فما به الشي‏ء هو هو غير ما به يصدق‏عليه انه ليس هو، فاذا قلت زيد ليس بكاتب فلا تكون صورة زيد بما هي صورة زيد ليس بكاتب، والا لكان زيد من حيث هو زيد عدما بحتا، بل لابد وان يكون موضوع هذه القضية مركبا من صورة ‏زيد وامر آخر به يكون مسلوبا عنه الكتابة من قوة او استعداد . فان‏ الفعل المطلق لا يكون هو بعينه من حيث هو بالفعل عدم فعل آخر،الا ان يكون فيه تركيب من فعل وقوة ولو في العقل بعض تحليله الى ‏ماهية ووجود وامكان ووجوب، و واجب الوجود لما كان مجردالوجود القائم بذاته من غير شائبة كثيرة اصلا فلا يسلب عنه شي‏ء من الاشياء، فهو تمام كل شي‏ء وكماله فالمسلوب عنه ليس الا قصورات الاشياء; لا نه تمامها، وتمام الشي‏ء احق به واوكد له من ‏نفسه، واليه الاشارة في قوله تعالى: « وما رميت اذ رميت ولكن ‏الله رمى » وقوله: « ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم‏ ولاخمسة الا هو سادسهم » فهو رابع الثلاثة وخامس الاربعة وسادس ‏الخمسة، لا نه بوحدانيتة كل الاشياء وليس هو شيئا من الاشياء، لان ‏وحدته ليست عددية من جنس وحدات الموجودات حتى يحصل ‏من تكررها الاعداد، بل وحدة حقيقية لا مكافئ لها في الوجود،ولهذا كفر الذين قالوا: ان الله ثالث ثلاثة، ولو قالوا: ثالث اثنين ‏لم‏ يكونوا كفارا . ومن الشواهد البينة على هذه الدعوى قوله تعالى:« هو معكم اينما كنتم » فان هذه المعية ليست ممازجة ولا مداخلة،ولا حلولا ولا اتحادا، ولا معية في المرتبة، ولا في درجة الوجود،ولا في الزمان، ولا في الوضع، تعالى عن كل ذلك علوا كبيرا «هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شى‏ء عليم » (3) .
ونسب اليه هذا الرباعي:
مجموعه كونين باشين سبق.
كرديم تفحص ورقا بعد ورق.
حقا كه نخوانديم ونديديم در او.
جز ذات حق و شئون ذاتيه حق.
اي تصفحنا صفحات الوجود ورقا بعد ورق حقا ما تلونا وما راينافيها الا ذات الحق تعالى، وشؤون ذاته الحقة .
ونسب اليه هذا البيت ايضا:
وما الناس في التمثال الا كثلجة.
وانت لها الماء الذي فيه (4) تابع.
وهذا الراي ايضا يشبه مذهب باسكال الذكر، وهذا المذهب كمذهب‏الماديين.
وان في المادة مبدا مدبرا هو الله، وان عنصر النظام الذي نعثر عليه في ‏نواحي المادة هو الله، ويشعر بل ينص بقدم المادة وازليتها لان البدع ليس‏ منفصلا عنه وان كان ارتباطه بطريق مجهول بقي شي‏ء، وفرق بين‏ المذهبين مذهب صدرالدين ووحدة الوجود، ومذهب الماديين وهو ان‏الماديين ينكرون الشعور العام المسمى بالعلم، وينكرون وجود الغاية‏ والحكمة في خلق الكون واجزاء العالم ونواميسه الجارية، ولكن ‏صدر الدين يثبت العلم والغاية في كليهما في الوجود .
مذهب صدرالدين في علم البارئ تعالى
من اعوص مسائل اللاهوت التي شغلت‏ حيزا من افكار الفلاسفة من‏اقدم عصور الفلسفة هي مسالة علم البارئ ( الله )، اضطربت فيها الآراء واختلفت المذاهب حتى بلغت اصول المذاهب الفلسفية في العلم الى‏ ثمانية اقوال وآراء; لان علم الواجب على المبادئ الفلسفية لا يقاس بعلم‏ الممكن.
ولما فكر صدر الدين في مذاهب الفلاسفة المتقدمين في العلم ‏فوجدها لا تزيح النقاب عن وجه الحقيقة كما يريد سلك مسلكا في العلم‏ يتصل الى مسلك وحدة الوجود، ولكن العصر لم يكن يسمح له بالتصريح ‏به خوفا من الاضطهاد الديني فذكر:
1 - مذاهب المشائين وابي نصر وابن سينا وبهمنيار.
2 - مذهب الاشراقيين والسهروردي صاحب حكمة الاشراق.
3 - مذهب المعتزلة.
4 - مذهب فرفوريوس.
وقال: ان لكل من هذه المذاهب الاربعة وجها صحيحا لعلمه‏التفصيلي، وقال: ولا الذي استراحت اليه قلوب المتاخرين من العلم‏ الاجمالي .
بل كما علمنا الله سبحانه بطريق اختصاصي سوى هذه الطرق ‏المذكورة، ولا ارى في التنصيص عليه مصلحة لغموضه وعسر ادراكه على‏اكثر الافهام، ولكني اشير اليه اشارة يهتدي بها اليه من وفق له، وهو ان ذاته‏ في مرتبة ذاته، مظهر لجميع صفاته واسمائه كلها، وهو ايضا مجلاة يرى ‏بها، وفيها صور جميع الممكنات من غير حلول ولا اتحاد; اذ الحلول ‏يقتضي وجود شيئين لكل منهما وجود يغاير وجود صاحبه، والاتحاد يستدعي ثبوت امرين يشتركان في وجود واحد ينتسب ذلك الوجود الى ‏كل منهما بالذات، وهناك ليس كذلك كما اشرنا اليه، بل ذاته بمنزلة مرآة‏ ترى فيها صور الموجودات كلها، وليس وجود المرآة وجود ما يتراى‏ فيها اصلا اشارة تمثيلية.
واعلم ان امر المرآة عجيب، وقد خلقها الله عبرة للناظرين، وذلك ان‏ ما يظهر فيها ويتراى من الصور ليست هي بعينها الاشخاص الخارجية ‏كما ذهب اليه الرياضيون القائلون بخروج الشعاع، ولا هي صور منطبعة ‏فيها كما اختاره الطبيعيون، ولا هي موجودات عالم المثال كما زعمه‏ الاشراقيون، فان كلا من هذه الوجوه الثلاثة مقدوح مردود بوجوه من‏ القدح والرد، كما هو مشروح في كتب الحكماء، بل الصواب ما اهتدينا اليه‏ بنور الاعلام الرباني الخاص وهو ان تلك الصور موجودات لا بالذات، بل‏ بالعرض بتبعية وجود الاشخاص المقترنة بجسم مشف وسطح صقيل على ‏شرائط مخصوصة، فوجودها في الخارج وجود الحكاية بما هي حكاية،وهكذا يكون وجود الماهيات والطبائع الكلية عندنا في الخارج، فالكلي‏الطبيعي اي الماهية من حيث هي موجودة بالعرض; لا نه حكاية الوجود ليس معدوما مطلقا كما عليه المتكلمون، ولا موجودا اصليا كما عليه‏ الحكماء، بل له وجود ظلي الخ .
و ايضاح هذا المطلب يتم بعدة مقدمات:
الاولى : ان علم البارئ يمثل بعلم النفس بذاتها، فان العلم والمعلوم‏هناك واحد، فالنفس عالمة، ومعلومة، والعلم ايضا قائم بها .
الثانية: ان وجود البارئ ببساطته لا يشاب بعدم ونقص، وله كمال ‏لانهائي، فارفع درجات العلم واكملها موجود هناك، ولا يشوبه غيبة شي‏ءولا صغيرة ولا كبيرة الا احصاها اذ لو بقي شي‏ء من الاشياء ولم يكن ‏ذلك العلم علما به لم يكن صرف حقيقة العلم، بل علما بوجه، وجهلا بوجه آخر، وصرف حقيقة الشي‏ء لا تمتزج بغيره، والا لم يخرج‏ جميعه من القوة الى الفعل ( اي لم يبلغ حد الكمال وهو خلاف ‏الفرض ) وعلمه الى وجوده فكما ان وجوده لا يشاب بعدم ونقص ‏فكذلك علمه الذي هو حضور ذاته لا يشاب بغيبة شي‏ء من الاشياء على‏ انه تعالى محقق الحقائق ومشي‏ء الاشياء، فحضور ذاته تعالى حضور كل ‏شي‏ء .
الثالثة : ان مثل الواجب البارئ كمثل المرآة، ومثل الموجودات‏ الممكنات كمثل الصور المرئية فيها، المنطبعة على صفحتها بواسطة اسبابها من محاذاة ذي الصورة لها و وجود النور وغيرهما، فالصورة مرئية فيها وبها ولكن كيفية انطباعها وظهورها مجهولة لنا، فتلك الموجودات تظهر في وجه الله، وقيامها وظهورها يكون به تعالى، فالطبائع الكلية لها وجود ظلي، ولو لا وجود البارئ لم يكن لها ظهور، كما ا نه لو لا المرآة لم يكن ‏للصور ظهور ووجود . فنحن نبصر الصور في المرآة ولا نعلم كيفية ‏انطباعها، فكذلك نرى الموجودات وهي قائمة به تعالى ولكن لا ندري ماهو الوجود الحق الواجب .
الرابعة : فهو عالم بذاته، وعلمه هو حضور الذات، فنحن اذا فرضنا ان‏المرآة شعرت بذاتها المنطبعة فيها الصور يكون المثل اقرب الى المقصود، فالوجود اللانهائي عالم بالوجود كافة .
هذه نهاية ما يصور ويدرك من فلسفة صدرالدين في العلم فهمناه من ‏جملة كلامه المستور بستائر التقية، ثم هذا العلم يتعلق بعلمه المتعلق ‏بالايجاد .
مذهب صدرالدين في الحكمة في اجزاء الكون و القصد من وجودها
من المسائل الفلسفية الغامضة التي تحير فيها كبار الفلاسفة مسالة‏ وجود القصد، والحكمة في تكون العالم، يقول صدرالدين :
« زعم انياذقلس ان تكون الاجرام الاسطقسية بالاتفاق، وذهب ‏ذميقراطيس ومن تبعه ان العالم وجد بالاتفاق، وان لم يكن تكون‏ الحيوان والنبات بالاتفاق .
يقول الثاني: ان مبادئ العالم اجرام صغار لا تتجزا لصلابتها، وهي ‏مبثوثة في خلاء غير متناه، وهي متشاكلة الطبائع مختلفة الاشكال ‏دائمة الحركة، فاتفق ان تصادمت منها جملة واجتمعت على هيئة‏ مخصوصة فتكون منها هذا العالم .
ويقول الاول: ان تكون الاجرام الاسطقسية بالاتفاق فما اتفق ان ‏كانت هيئة اجتماعية على وجه يصلح للبقاء والنسل بقي، وما اتفق‏ ان لم يكن كذلك لم يبق، واحتج‏ بحجج:
منها: الطبيعة لا روية لها فلا يعقل ان يكون فعلها لاجل غرض.
ومنها: ان الفساد والموت والتشويهات والزوائد ليست مقصودة ‏للطبيعة مع ان لها نظاما لا يتغير كاضدادها، فعلم ان الجميع غير مقصود للطبيعة، فان نظام الذبول وان كان على عكس النشو، والنمو لكن له كعكسه نظام لا يتغير، ونهج لا يمهل، ولما كان نظام الذبول ‏ضرورة المادة من دون ان يكون مقصودا للطبيعة، فلا جرم نحكم‏ بان نظام النشوء والنمو ايضا بسبب ضرورة المادة بلا قصد وداعية ‏للطبيعة، وهذا كالمطر الذي يعلم جزما انه كائن لضرورة المادة;اذ الشمس اذا بخرت الماء فخلص البخار الى الجو البارد فلما برد صار ماء ثقيلا فنزل ضرورة، فاتفق ان يقع في مصالح فيظن ان ‏الامطار مقصودة لتلك المصالح، وليس كذلك بل لضرورة المادة .
ومنها: ان الطبيعة الواحدة تفعل افعالا مختلفة مثل الحرارة فانها تحل الشمع، وتعقد الملح، وتسود وجه القصار، وتبيض وجه الثوب، فهذه حجج القائلين بالاتفاق » (5) .
وضع صدر الدين اولا مقدمة في دحض حجج هذا المذهب مفادها:ان الامور الممكنة على اربعة اقسام:
1 - الدائمي، وهو يوجد بعلته ولا يعارضه معارض كحركة المنظومة ‏الشمسية مثلا .
2 - الاكثري، وهو قد يعارضه كالنار في اكثر الامر تحرق الحطب،وهو يتم بشرط عدم المعارض سواء اكان طبيعيا او اراديا، فان الارادة مع‏ التصميم وتهيؤه للحركة وعدم مانع للحركة وناقض للعزيمة وامكان‏الوصول الى المطلوب فبين انه يستحيل ان لا يوصل اليه .
3 - ما يحصل بالتساوي كقعود زيد وقيامه .
4 - ما يحصل نادرا او على الاقل كتكون اصبع زائدة، اما ما يكون‏ على الدوام او على الاكثر فوجودهما لا يكون بالاتفاق; لان الاتفاق معناه‏ ان لا يخضع الشي‏ء للنظام المستمر او الاكثر، والثالث والرابع قد يكونان - باعتبار ما - واجبا، اي خاضعا لناموس لا يتغير، مثل ان يشترط ان‏المادة في تكون كف الجنين فضلت عن المصروف عنها الى الاصابع ‏الخمس، والقوة الفاعلة صادفت استعدادا تاما في مادة طبيعية، فيجب ان ‏يتخلق اصبع زائدة، فعند هذه الشروط يجب تكون الاصبع الزائدة،ويكون ذلك ايضا من باب الدائم بالنسبة الى هذه الطبيعة الجزئية وان كان ‏نادرا قليلا بالقياس الى سائر افراد النوع، فاذا حقق الامر في تكون الامرالاقل ا نه دائم بشروطه واسبابه، ففي صيرورة المساوي اكثريا او دائميابملاحظة شروطه واسبابه لم يبق ريبة، فالامور الموجودة بالاتفاق انماهي بالاتفاق عند الجاهل باسبابها وعللها، واما بالقياس الى مسبب‏ الاسباب والاسباب المكتنفة بها فلم يكن شي‏ء من الموجودات اتفاقا كماوقع في السنة الحكماء الاشياء كلها عند الاوائل واجبات.
فلو احاط الانسان بجميع الاسباب والعلل حتى لم ‏يشذ عن علمه ‏شي‏ء لم ‏يكن شي‏ء عنده موجودا بالاتفاق، فان عثر حافر بئر على كنز فهو بالقياس الى الجاهل بالاسباب التي ساقت الحافر الى الكنز اتفاق، واما بالقياس الى من احاط بالاسباب المؤدية اليه ليس بالاتفاق بل بالوجوب.
فقد ثبت ان الاسباب الاتفاقية حيث تكون لاجل شي‏ء الا انها اسباب فاعلية بالعرض، والغايات غايات بالعرض، وربما يتادى السبب‏ الاتفاقي الى غايته الذاتية كالحجر الهابط اذا شج ثم هبط الى مهبطه الذي‏ هو الغاية الذاتية، وربما لا يتادى الى غايته الذاتية بل اقتصر على الاتفاقي ‏كالحجر الهابط اذا شج ووقف، ففي الاول يسمى بالقياس الى الغاية‏الطبيعية سببا ذاتيا، وبالقياس الى الغاية العرضية سببا اتفاقيا وفي ‏الثاني‏ يسمي بالقياس الى الغاية الذاتية باطلا.
فاذا تحقق ذلك فقد علم ان الاتفاق غاية عرضية لامر طبيعي اوارادي او قسري ينتهي الى طبيعة او ارادة، فتكون الطبيعة والارادة اقدم من ‏الاتفاق لذاتيهما، فما لم يكن اولا امور طبيعية او ارادية لم يقع اتفاقا،فالامور الطبيعية والارادية متوجهة نحو غايات بالذات، والاتفاق طارئ‏ عليهما اذا قيس اليهما من حيث ان الامر الكائن في نفسه غير متوقع عنها،اذ ليس دائما ولا اكثريا لكن يلزم ان يكون من شانها التادية اليها، ثم اخذفي دحض حجج الاتفاقي على التفصيل:
دحض الحجة الاولى: بان الطبيعة اذا عدمت الروية ولا يستلزم او يوجب ان يكون الفعل الصادر عنها غير متوجه الى غاية، فان الروية ‏لا تجعل الفعل ذا غاية، بل انما يتميز الفعل الذي يختار ويعينه من بين‏ افعال يجوز اختيارها، ثم يكون لكل فعل من تلك الافعال غاية ‏مخصوصة يلزم تادي ذلك الفعل اليها لذاته لابجعل جاعل حتى لو قدر كون النفس مسلمة عن اختلاف الدواعي والصوارف، لكان يصدر عن‏ الناس فعل متشابه على نهج واحد من غير روية كما في الفلك، فان الافلاك‏ سليمة عن البواعث والعوارض المختلفة، فلاجرم ان تكون افاعيلها على ‏نهج واحد من غير روية، ومما يؤيد ذلك ان نفس الروية فعل ذو غاية وهي‏لا تحتاج الى روية اخرى .
و ايضا ان الصناعات لا شبهة في تحقق غايات لها، ثم اذا صارت‏ ملكة لم يحتج في استعمالها الى الروية، بل ربما تكون مانعة كالكاتب‏ الماهر لا يروي في كل حرف، وكذا العواد الماهر لا يتفكر في كل نقرة، واذا روى الكاتب في كتبه حرفا والعواد في نقره يتبلد في صناعته، فللطبيعة‏ غايات بلا قصد وروية .
ودحض الحجة الثانية: بان الفساد في هذه الكائنات تارة لعدم ‏كمالاتها، وتارة لحصول موانع وارادات خارجة عن مجرى الطبيعة .
اما الاعدام فليس من شرط كون الطبيعة متوجهة الى غاية ان تبلغ‏اليها، فالموت والفساد والذبول كل ذلك لقصور الطبيعة عن البلوغ الى ‏الغاية، وها هنا سر ليس هذا المشهد موضع بيانه.
واما نظام الذبول هو ايضا متاد الى غاية، وذلك لان له سببين:احدهما بالذات وهو الحرارة، والآخر بالعرض وهو الطبيعة، ولكل منهما غاية، فالحرارة غايتها تحليل الرطوبات فتسوق المادة اليه وتقنيتها على‏النظام، ذلك للحرارة بالذات والطبيعة التي في البدن غايتها حفظ البدن ماامكن بامداد بعد امداد، ولكن كل مدد تال يكون الاستمداد منه اقل من‏ المدد الاول ، فيكون نقصان الامداد سببا لنظام الذبول بالعرض، والتحليل ‏سببا بالذات للذبول، وفعل كل واحد منهما متوجه الى غاية، ثم ان الموت‏ وان لم يكن غاية بالقياس الى بدن جزئي فهو غاية بالقياس الى نظام‏واجب لما اعد للنفس من الحياة السرمدية، وكذا ضعف البدن وذبوله لما يتبعها من رياضات النفس وكسر قواها البدنية التي بسببها تستعد للآخرة‏ على ما يعرف في علم النفس .
واما الزيادات فهي كائنة لغاية ما، فان المادة اذا فضلت افادتها الطبيعة الصورة التي تستحقها ولا تعطلها كما علمت، فيكون فعل الطبيعة ‏فيها بالغاية وان لم يكن غاية للبدن بمجموعه، ونحن لم ندع ان كل غاية ‏لطبيعة يجب ان يكون غاية لغيرها .
واما ما نقل في المطر فممنوع، بل السبب فيه اوضاع سماوية تلحقها قوابل واستعدادات ارضية للنظام الكلي، وانفتاح الخيرات ونزول البركات‏ فهي اسباب الهية لها غايات دائمة او اكثرية في الطبيعة .
ودحض الثالثة: بان القوة المحرقة لها غاية واحدة هي احالة المحترق ‏الى مشاكلة جوهرها، واما سائر الافاعيل كالعقد والحل والتسويد والتبييض وغيرها فانما هي توابع ضرورية، وستعلم اقسام الضروري‏ الذي هو احد الغايات بالعرض .
وقد ذكر في كتاب الشفاء ابطال مذهب انباذقلس ببيانات مبنية على‏ المشاهدات وشواهد موضحة، ولذلك حمل بعضهم كلامه في البخت ‏والاتفاق على ا نه من الرموز والتجوزات، او انه مختلق عليه; لدلالة ما تصفحه ووجده من كلامه على قوة سلوكه وعلو قدره في العلوم، ومن ‏جملة تلك الدلائل الواضحة ان البقعة الواحدة اذا سقطت فيها حبة بر وحبة‏ شعير انبت البر برا والشعير شعيرا، فعلم ان صيرورة جزء من الارض برا والآخر شعيرا لاجل ان القوة الفاعلة تحركها الى تلك الصور لا لضرورة‏ المادة لتشابهها، ولو فرض ان اجزاء الارض مختلفة فاختلافها ليس‏ بالماهية الارضية، بل لان قوة في الحبة افادت تلك الخاصية لذلك الجزءالارضي، فان كانت افادت تلك الخاصية لخاصية اخرى سابقة عليها لزم‏التسلسل، وان لم يكن كذلك كانت القوة المودعة في البرة لذاتها متوجهة ‏الى غاية معينة والا فلم لا ينبت الزيتون برا والبطيخ شعيرا؟
الهوامش:
1) الاسفار الاربعة ، صدر الدين الشيرازى، ج‏6 ، ص‏12 - 14 .
2) والى هذا المعنى اشار الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي .
الله والكون لاع.
   لان الحياة اقترنا.
فما لذا عن ذاك او.
لذاك عن ذا من غنى.
ما الكون الا مظهر.
له به تبينا.
3) الشواهد الربوبية، صدرالدين الشيرازي ، ص‏128 .
4) وجدنا البيت‏ بنصه المنقول ولكن ضمير التذكير لا يستقيم الا بارجاعه الى التمثال .
5) راجع: الاسفار الاربعة ، ج‏2 ، ص‏253 - 255 .

 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID