عضويت در مرسلات     
 

›أخبار

›المكتبة

›البرامج

›بطاقات بريدية

›احاديث

›منشورات وأنشطة

›ارسال المقالة

›مقالات

›الصور

›منتديات

›الأسئلة و الأجوبة

›الروابط

›مرسلات في 120 ثانية

›اتصل بنا

›موبايل

›الفائزون

›تشاور

›صوت و فيلم

›خارطة الموقع

›بيت الاطفال و الشباب

›من نحن


القائمة
اعلان
اعلان
الفلسفة و العرفان
45274
الخميس, صفر 16, 1432 تفسير المعرفة وعلاقته بنظرية الكون راجح الكردي
                                               
أن تفسير المعرفة يرتبط عند فلاسفة المسلمين ارتباطاًوثيقاً بتفسيرهم للوجود او لنظرية الكون . واذا كنا قد رأينا عملهم التوفيقي فيتفسير الكون قد انتج مدرستين : مدرسة الفيض , ومدرسة الخلق المستمر لا في زمن , فاننا نجد عملا فلسفيا موازيا بالنسبة لتفسير المعرفة . ويمكننا ان نميز في تفسيرالمعرفة بين مدرستين كذلك , مدرسة اصحاب الفيض في الوجود وتتسم بصبغة اشراقية فيالمعرفة , ومدرسة الخلق المستمر , وتتسم بصبغة الاتصال في المعرفة , ذلك ان نظريةالفيض كانت اساساً بنى عليه الفارابي وابن سينا ومن تبعهم اراؤهم . في النفس والعقل ,العقل الفعال والعقل المادي والهيولاني والعقل المكتسب _ كما كانت كذلك منبعاًلنظرتهم في تفسير المعرفة . بينما كانت نظرية الخلق عند ابن رشد مصدرا كذلك لتفسيرالمعرفة في شرح اتصال العقل الهيولاني بالعقل الفعال خلافا لأسلافه من فلاسفةالمسلمين . " اذ ان المعرفة تتناسب مع الوجود او هي صورة منه بعبارة ادق " فكماتصدر الموجودات المختلفة الكثيرة عند الواحد بطريق الفيض فان المعرفة كذلك تصدر عنهبطريق الاشراق , عند الفارابي وابن سينا . وكما " ترتبط جميع الموجودات على نحو مابالموجود الاول , فان الوجود العقلي للموجودات , هو الذي يربط بينها برباط يجعلهاعلى هيئة كائنات متدرجة في كمالها , حتى ينتهي هذا التدرج الصاعد الى الموجودالمطلق " وهذا ما عرف بنظرية الاتصال عند ابن رشد .
وفلاسفة المسلمين مسبوقون في تفسير المعرفة تبعالتفسير الكون , بالقطبيين الرئيسيين لكل توفيق بين المذاهب الفلسفية : قطبالافلاطونية التي عرفت بالفيض , وقطب الارسطوطاليسية الذي يرد الوجود الى الواقعالطبيعي , وما تبع هاتين المدرستين من شروح وتوفيق , ولعل اظهر مدرسة سارت علىالتوفيق هي الأفلاطونية الحديثة التي مالت الى الفيض بل وزادت عليه . وفكرة الفيضعند افلاطون وأفلوطين تعتبر مصدرا رئيسيا للمعرفة الاشراقية ذلك ان النفس التي تمثلمرتكزاً اساسيا في الكون والمعرفة , تمثل عندهما نقطة اتصال بين عالم المثل اوالمعاني الكلية الدائمة الثابتة التي هبطت منه وبين عالم الحس او الجسد , لذي حلتالنفس فيه وتحاول الخلاص منه , أذ انها جوهر روحاني, من طبيعة عالم المثل , ولقدلحقها التشويه بسبب اتصالها بالبدن , ومن ثم فلابد لها من التطهر حتى تترقى وتعودالى طبيعتها غير متلبسة بالمادة , او حالة فيها . وهذا التطهر للنفس لا يكون بغيرالفيض الذي يغمر النفس دفعة واحدة فتشرق عليها المعرفة الحقة وتسمو بها . وقد تسربتهذه الفكرة الاشراقية الى فلاسفة المسلمين كالفارابي وابن سينا وكانت موجهة لهمتماما في نظرية المعرفة الاشراقية .
كما ان امكان المعرفة اصلا مرتبط بفكرة خلود النفس عندافلاطون, ذلك لأن المعرفة لا يمكن تفسيرها -عنده- الا اذا تأملت النفس المثال فيحياة سابقة على الجسد . فادراكنا للمحسسوسات لابد وان تسبقه معرفة عقلية موجودةفينا منذ ميلادنا وهو علم خالص يكون تذكره اساس نمونا كله . وعلى هذا النحوفالمعرفة التي لدينا عن الاشياء تفترض ان حياة النفس الحاضرة ليست حياتها بأكملهاقط , كما تفترض وجود المثل . لقد وجدت النفس قبل دخولها الى حياة الجسد واذن فليسمصيرها مرتبطاً قط بمصير جسدها , وفضلا عن ذلك يمكننا ان نكون على يقين بأنها ستوجدمن جديد بعد هذه الحياة الارضية طليقة من الجسد , ونتيجة هذا كله ليست المعرفةممكنة الا اذا كانت النفس خالدة " .
ومن ثم فأن المعرفة الحقيقة عند افلاطون هي معرفةالنفس بالتأمل العقلي الخالص لعالم المثل . والبدن يعيق النفس عن المعرفة ويشوشها , ذلك ان البدن مبدأ الشهوات ولا بد للنفس من التخلص من هذا البدن ومن شهواته وان تحلالروابط التي تربطها به . وتتحرر لتبلغ معرفة المثال بعودتها الى طبيعتها الحقة , " فالنفس لا تعرف ابدا ما تعرف الا حين تفكر من تلقاء ذاتها خالصة من كل تماس بالبدن " . وتأتي الافلاطونية الحديثة لتركز كذلك على اشراقية المعرفة لدى النفس وان كانتتقسم ادراكات النفس الى ثلاث درجات : الاحساس والنظر والوجد .
فالاحساس : درجة دنيا من المعرفة يقول عنه افلوطين : انه كالرسول الذي يأتي من العقل لايقاظ النفس . والاحساس له قيمة اذ هو صورةللمعقول ويدرك الصور كما هي مفصلة بالاستعانة بالنظر الا انه لا يرتفع بالاحساس الىدرجة اليقين او الى درجة المصدر الذي يجب ان تبدأ منه المعرفة , ذلك لان الانسان لايستطيع ان يتعلق بالمحسوس ما دام المحسوس مصدر التغير والكثرة والتعدد . أما درجةالنظر : فهي درجة اعلى من درجة الاحساس , يرتب فيها الانسان بين التصورات , ويربطبينها من اجل البرهان وهنا توجد ثنائية قلئمة بين الذات العارفة والموضوع المعروفولابد من التخلص من هذه الثنائية بالدرجة الثالثة وهي درجة الوجد . درجة الوجد : يرتفع في هذه الدرجة للتعارض بين الذات العارفة والموضوع المعروف لأن كل معرفة تقومعلى اساس ادراك الذات لوجود خارجي مقابلها , ومن ثم لا ننظر الى المعرفة على انهاتحصيل او كسب او ملك وانما نحسبها فقط وجودا او اتحادا او هوية , حيث تعود النفسلوحدة المطلقة او الاتحاد بالله , وفي هذه الحالة يسقد كل شئ من الموجودات وتفنىالنفس للوحدة المطلقة او الاتحاد بالله وفي هذه الحالة يسقد كل شئ من الموجوداتوتفنى النفس وتمحى الاثار الخارجية وتحصل الوحدة وتصبح الذات العارفة هي الموضوعالمعروف والموضوع هو الذات وتزول التفرقة بين العاقل والمعقول . وقد سار فلاسفةالفيض المسلمين على هدى هذه الفلسفة الاشراقية , فوحدوا بين فعل المعرفة وفعلالايجاد الى الفيض كما ردوا المعرفة الى الاشراق .
ولئن اتجه الفارابي وابن سينا اكثر ما يكون الاتجاهالى الافلاطونية والافلاطوينة الحديثة فأن ابن رشد قد اتجه بصورة اكبر بل حتىوبصورة كلية الى أرسطو اذ اخذ مبادئه في تفسير عملية الخلق , كما اخذ رأيه في تفسيرالمعرفة , بل وزاد وضوحا عن مذهب ارسطو , ان لم نقل حل ما جعله ارسطو معضلا . اتجهارسطو بالنفس اتجاها واقعيا بعيدا عن المثالية الافلاطونية واهتم بدراسة الوظائفالنفسية دراسة تكاد تكون علمية , اذ عنى عناية كبيرة بدارسة الاحساسات المختلفة , وكيفية حدوثها بسبب وجود بعض المؤثرات الخارجية , كما بذل جهدا كبيرا لبيان طبيعةكل حس من الاحساسات الظاهرة والباطنة . وذهب الى انه لا وساطة بين الله والنفس وأنالنفس مسؤولة عن وحدة الجسم واتساق وظائفه . ومن ثم فلا وساطة بين العالم المحسوسوالعالم المعقول . والعقل عنده قوة صرفة يستطيع ان يتعقل لموضوع كما هو اي تتحققالصورة المعقولة فيه . وهو ليس نوعا من الحس , اي ليس قوة جسمية وان كان يدركالجسيمات وهو يختلف عن لحس لأن الحس يدرك الجزيئات بأعراضها , والعقل يدرك الماهياتبانعكاسه على الحس . والمعقولات موجودة بالقوة في الصور المحسوسة سواء المجرداتالرياضية او الكيفيات الجسمية .
وهذا يجعل عملية الفهم او العلم قائمة على كل من الحسوالعقل , وهذا ابراز لدور الحواس في المعرفة , اذ انه لا يمكن التعلم او الفهم منغير الاحساس , فان المحروم حاسة محروم من المعارف المتعلقة بها . وتفسير المعرفةعنده هو اخراج ما بالقوة الى ما بالفعل ذلك انه لابد للعقل وهو بالقوة من شئ هوبالفعل يستخلص المعقولات من الماديات ويطبع بها العقل فيخرجه من القوة الى الفعل اي " يجب ان يكون في النفس تمييز يقابل التمييز العام بين المادة وبين العلة الفاعليةالتي تحدث الصورة في المادة , وفي الواقع نجد في النفس من جهة واحدة العقل المماثلللمادة من حيث انه يصير جميع المعقولات . ومن جهة اخرى العقل المماثل للعلةالفاعلية لأنه يحدثها جميعا . وهو بالاضافة الى المعقول كالضوء بالاضافة الىالالوان بالقوة في الظلمة الى الوان بالفعل .
ب- الكندي وتفسيرالمعرفة
ان الكندي وان ابتدأت فلسفة المسلمين تتخذ طابعهاالعقلي , عنده سواء في الوجود او المعرفة الا ان نظريتي الفيض والخلق المستمر لا فيزمن , لم تظهرا عنده بوضوح بل انه في حديثه عن هاتين المسألتين كان ما زال قريبا منالتصور القراني اذ وصف عملية الخلق والابداع بأنها " اظهار الشئ عن ليس " اي اخراجالشئ الى الوجود من العدم كما عرف النفس تعريفا اخر بالاضافة الى تعريف ارسطو الذياشتهر بعد ذلك عند فلاسفة المسلمين , عرفها بانها جوهر عقلي متحرك من ذاته بعددمؤلف , وهو بهذا يقرر روحية النفس ويصرح بخلودها ولا يتعرض لمسألة وجودها قبل البدناو معه , ولكنه يؤكد ان علاقتها بالبدن علاقة عارضة مع انها لا تفعل الا به متحدةبه رغم انها تبقى بعد فنائه . وحقيقة الامر اننا مهما حاولنا ابعاد الكندي عن نظريةالفيض والاشراق بصورة تفصيلية , الا اننا نجد شرحه للوجود والمعرفة كان متأثرا الىحد ما بالفلسفة اليوناينة , موفقا بينها وبين الدين , وهو يفرق بين نوعين للوجود , وجود الواجب ووجود الممكن . ومن ثم يجعل المعرفة لهذا الواجب هي المعرفة اليقينيةكما يجعل هذا الواجب وه وموضوع المعرفة . ويجعل العقل طريقا لمعرفة الواجب اليقينيةويجعل الحواس طريقا لمعرفة العالم المحسوس المتغير ومن ثم فهي لا تتصف بالثباتواليقين بل بالظن , ولكن فكرة العقول العشرة وفيضها واشراقها بصورة تبدو فيها الروحالافلاطونية , لم تتضح تماما الا بعد الكندي وعلى وجه الخصوص عند الفارابي وابنسينا , اذ جعلا العقول العشرة اساسا لتفسير نظرية الخلق ونظرية المعرفة . أاماالكندي بعد ان جعل الخلق اظهارا لوجود الشئ بعد عدم , جاء ففسر المعرفة على اساس ماأعطى الانسان من استعداد وطرق لها بعضها ظاهرة هي الحواس والعقل والبعض الاخرداخلية هي القلب .ومن ثم فالمعرفة عنده لا تحصل بطريق الاشراق المعرفي وانما تحصلبثلاث طرق :
أولها : الحواسوهيموجودة في الانسان منذ ان خلقه الله والانسان يباشر حواسه في وجوده مباشرة قريبةجدا منه ومن ثم فهي مرحلة وجود انساني اولى . والمحسوسات لها وجود خارجي عنده منفصلعن الذات العارفة اذ يقول : " فالمحسوس ابدا جرم " ويجعل في النفس الانسانيةبالاضافة الى الحواس ما يطلق عليه القوة الحساسة وهي تلك التي تشعر بالتغيير الحادثفي كل واحد من الاشياء في الخارج العيني . واعتراف الكندي بالوجود الخارجي على هذهالصورة يجعله مخالفا لأرسطو الذي جعل الاسبقية للوجود المنطقي بينما جعلها الكندي - بدافعه الديني - اسبقية في الزمن . واذا كان الحس يؤكد الوجود الخارجي عند الكنديفانه بحاجة الى ان يعمل مع العقل الذي هو الطريق الثاني للمعرفة .
ثانيهما : العقلوهومباين للحس والوجود الخارجي يحتاج العقل لاعمال الفكر فيه ومواصلة معرفته بعدالحواس لتبين حقيقته وكشف قوانينه ويوجد في هذا العقل الاوائل العقلية المعقولةاضطرارا . وحقيقة الامر ان العقل والحس يعملان معا في المعرفة عنده . يقول الكندي : " .... والاشخاص الجزية الهيولانية واقعة تحت الحواس واما الاجناس والانواع فغيرواقعة تحت الحواس ولا موجودة وجودا حسيا بل تحت قوة من قوى النفس التامة اعنيالانسانية هي المسماة العقل الانساني " .
ثالثهما : القلبوهو طريقللايمان عنده يعمل فوق حدود العقل والحس من الغيبيات وان كان لا يتعارض مع العقلالا ناه يتجاوزه فيما يعجز عنه هذا العقل . فالعقل يثبت الغيبيات والقلب يؤمن بماجاء به الرسول ويؤمن بالنبوة على هذا الاساس دونما اشراق .
ج - تفسير المعرفة لدى المدرسةالاشراقية
اتضحت النظرة الاشراقية للمعرفة عند الفارابي وابنسينا بصورة كبيرة , حتى اصبحت عندهما مرجعا لكل من جاء من الاشراقيين بعد ذلك . والمعرفة الاشراقية لا ترفض الحس والعقل طريقا للمعرفة , ولكنها تجعل العقل مصدراللمعرفة بالاضافة الى كونه طريقا . اذ هي تبني الموجود والمعرفة على اساس عقلي . وترد كليهما الى العقل الفعال واهب الصورة والمعرفة ذلك ان ما في العقل من صورعقلية انما يعود الى فيض العقل الفعال ز والعقل الانساني وان كان يعرف الواقعالمحسوس عن طريق الحواس انما يقوم بذلك ويترقى من كونه عقى هيولانيا او بالقوة الىعقل مكتسب او بالفعل , ويقوم بعملية تجريد وانتزاع للصور العقلية بابعاد ما يلابسهامن المادة حتى يصل الى درجة العقل المستفاد الذي تكون الصور العقلية فيه مجردةوتأخذ قيمتها المعرفية من عقل مجرد مفارق و هو العقل الفعال , او عقل الفلك العاشراي القمر .
ويشرح الفارابي فكرة الوسائط في المعرفة كما كانتالوسائط في عملية الكون او الخلق فيقول : " قد يظن ان العقل تحصل فيه صورة الاشياءعند مباشرة الحس للمحسوسات بلا توسط ليس الامر كذلك , ان بينهما وسائط وهو ان الحسيباشر المحسوسات فتحصل صورها فيه . ويؤديها الى الحس المشترك حتى تحصل فيه , فيؤديالحس المشترك تلك الصور الى التخيل والتخيل الى قوة التمييز ليعمل التمييز فيهاتهذيبا وتنقيحا ويؤديها منقحةالى العقل , فمبدأ معرفة الاشياء هو الحس الا انالمعقول من الشئ ووجود مجرد , وهذا الوجود لا يدرك بالحس بل يدرك بالعقل " . فالنفسبترقيها من الحس الى الخيال انما تستعد بعملية تطهير او تجريد او انتزاع او كماتسمى شجارا حتى تصل الى مرتبة تستعد فيها لقبول المعاني التي تفيض عليها مع العقلالفعال على هيئة الاشراق . فعملية التجريد والانتزاع هنا ليست العملية الوحيدة فيالمعرفة كما عند أرسطو وانما هي تمهيد نحة قبول ما يشرق بع العقل الفعال على العقلالانساني في درجة المستفاد من معان او صور عقلية .
والمعرفة عند الفارابي قد تكون بالحس والتخيل وبالقوةالناطقة او بالعقل . لكن مرد ذلم كله سواء أكانت الماديات ام المتخيلات امالمعقولات الى العقل الفعال . ومن الواضح جدا ان الفارابي قد أرجح المبادئ الاوليةللمعرفة او الاولويات الى فيض العقل الفعال , بعملية صعود بين قوى النفس او العقل , وتدرج حتى تكون مستعدة لهذا الاشراق . ومن ثم فالسعادة عنده " هي انتصير نفسالانسان من الكمال في الوجود الى حيث لا تحتاج في قوامها الى مادة , وذلك ان تصيرفي جملة الاشياء البريئة عن الاجسام , في جملة الجواهر المفارقة للمواد , وان تبقىعلى تلك الحال دائما ابدا الا ان رتبتها تكون دون رتبة العقل الفعال , وأنما تبلغذلك بأفعال ما أرداية بعضها افعال فكرية وبعضها افعال بدنية " .
ويوجد تقابل تام بين مراتب المعقولات ومراتب الموجودات , ذلك أن الادنى من الموجودات ينزع به الشوق الى ما فوقه والاعلى منها يرفع الادنىاليه , وكذلك العقل الانساني فهو ينزع الى العقل الفعال , كما ان العقل الفعال يهبالصور لجميع الموجودات الجسمانية ويفيضها على العقل المستفاد , فلا غرو اذا جاءتالمعرفة العقلية مطابقة لموضوعها الخارجي , لأ ن العقل الفعال يجمع في ذاته كلالصور فيرسلها الى عالم الحس ليكسو بها المادة , كما يرسلها الى العقل الانسانيليولد فيه المعرفة . وبين الصور التي في العقل الانساني والصور التي في عالم الحسمطابقة تامة تجعل المعرفة يقينية . مرد هذه المطابقة الى صدور جميع الصور الحسيةوالعقلية عن العقل الفعال , وغاية العقل الانساني ان يتصل بهذا العقل المفارقويتشبه به , ومعنى ذلك ان المعرفة اليقينية لا تحصل الا بفيض من العقل الفعال , الذي هو واهب المعرفة وواهب الصور , ومن اجل هذا الاتصال بالعقل الفعال يقوم العقلبالتخلص والتجرد من المادة والتكثر والتجزؤ وبالوعدة الى وحدته وكليته , فتعود بذلكللمعرفة وحدتها وكليتها , وبقدر ما ينجح العقل في هذا التوحيد يحصل له الكمال الذييستتبع قربه من العقول المجردة . ويحذو ابن سينا حذو الفارابي في تفسيره للمعرفةتفسيرا اشراقيا , بل ويزيد هذا التفسير شروحا وتأكيدا . وهو يعترف بالحس طريقاللمعرفة , تصل النفس به الى المحسوسات لتأخذ عنها صورها . وذل بتشبهها بالمحسوسوهذا وهو الادراك الحسي عنده , وهو يعرف الادراك بأنه " أخذ صورة المدرك , فان كانالمادي فهو اخذ صورة مجردة عن المادة فقط تجريدا ما لأن اصناف التجريد مختلفةومراتبها متفاوتة " .
ومن ثم فليست المعرفة تذكرا ,وانما هي انتزاع لصورةالمدرك بطريق التجريد ولكن الادراك الحسي لا يكفي في المعرفة لانه لا يجرد الصورةعن كل لواحق المادة , او كما يقول ابن سينا : " فالحس يأخذ الصورة عن المادة مع هذهاللواحق , ومع وقوع نسبة بينها وبين المادة , واذا زالت تلك النسبة بطل ذلك الاخذ , وذلك لانه لا ينزع الصورة عن المادة مجردة من جميع لواحقها ولا يمكنه ان يستثبت تلكالصورة وان غابت المادة فيكون كأنه لم ينزع الصورة عن المادة نزعا محكما , بل يحتاجالى وجود المادة ايضا في ان تكون تلك الصورة موجودة له " . ومن ثم فلابد ان تأتيمراحل اخرى تابعة للادراك الحسي وذلك بان تتجمع هذه الصورة في الحس المشترك ثم تذهبالى المخيلة , والخيال يبرئ الصورة المنزوعة عن المادة بحيث لا يحتاج في وجودها فيهالى وجود مادة . لأن المادة وان غابت او بطلت , فان الصورة تكون ثابتة الوجود فيالخيال ... فانه - الخيال - قد جردها عن المادة تجريدا تاما ولكنه لم يجردها عنلواحق المادة , لان الصورة في الخيال هي على حسب الصور المحسوسة وعلى تقدير ماوتكييف ما ووضوع ما " .
ثم تأتي مرحلة الوهم , فتكون الصورة قد اقتربت كثيرامن حدود المعقول , ولكنها تظل بطابعها الجزئي متعلقة بصور المحسوسات يقول ابن سينا : " واما الوهم فانه قد تعرى قليلا عن هذه المرتبة في التجريد , لأنه ينال المعانيالتي ليست هي في ذواتها مادية " ولكن هذه الصورة قبل انتتخطى مرحلة الاحساس , بماحصل لها من عملية انتزاع وتجريد تتلقى نوعا من الاشراق من مصدر عقلي , يقول : " اماالخير والشر الموافق والمخالف , وما اشبه ذلك فهي امور في نفسها غير مادية وقد يعرضلها ان تكون في مادة " وبعد ذلك تبدأ مرحلة الادراك العقلي وهي كذلك مرحلة متدرجةبحسب اقسام العقل ,وعمليات الانتقال من حالة الى اخرى انما يكون بما يهبه العقلالفعال من اخراجه لما هو بالقوة الى ما هو بالفعل . اي ان فعل التعقل يكون بسندخارج عن العقل الانساني هو العقل الفعال واهب الصور .
والنفس في سبيل الوصول الى اتصال بالعقل الفعال , انماتقوم بعملية تطهر تعود بها الى طبيعتها الروحية او الى جوهريتها العقلية , حيث انكمال الجوهر العاقل : ان تتمثل فيه جلية الحق الاول قدر ما يمكنه ان ينال منهببهائه الذي يخصه ثم يتمثل فيه الوجود كله على ما هو عليه مجردا عن الشوب مبتدأ فيهبعد الحق الاول , بالجواهر العقلية العالية , ثم الروحانية السماوية والاجرامالسماوية ثم ما بعد ذلك , تمثلا لا يمايز الذات فهذا هو الكمال الذي يصير به الجوهرالعقلي بالفعل " .
ويزيد ابن سينا المعرفة الاشراقية تفصيلا حتى يظن بهانه متصوف يتحدث بلهجة الصوفية , وليس الامر كذلك بل ان العبارة الصوفية التي تلمحعنده , ليست الا تعبيرا عن التعليل العقلي للوجود , والتفسير الاشراقي للمعرفة , وليست تلك الصوفية العملية القائمة على تزكية الروح بالعبادرت والرياضات الجسمية , وانما هي صوفية عقلية , او اشراقية طريقها التفكير العقلي او الرياضة العقلية .ذلكان طبيعة الوجود - في نظره - في أكمل صورتها عقلية مجردة وطبيعة المعرفة في اكملصورتها لذة عقلية باتصال العقل الانساني بالعقل الفعال , بطريق التطهر من أدرانالمادة وكدورات الحواس والتجوهر بالتجرد عن كل ملا يلابس النفس حتى تعود الى عالمالقدس .
وقد وضح ابن سينا هذا النوع من التصوف المعرفي - الاشراقي - الذي أراده , بانه ليس تصوف التقرب بالاعمال , فميز بين كل من العابدوالزاهد والعارف , فقال : " المعرض عن متاع الدنيا وطيباتها يخص باسم الزاهد , والمواظب على فعل العبادات من القيام والصيام ونحوهما يخص باسم العابد والمنصرفبفكره الى قدس الجبروت مستديما لشروق نور الحق في سره يخصباسم العارف " والعارفعنده اعلى هذه المراتب ويمر فيها ولكن الزهد والعبادة عنده غيرها عند غير العارف , ذلك " ان الزهد عند غير العارف معاملة ما , كأنه يشتري ويبيع متاع الدنيا ومتاعالاخرة , وعند العارف تنزه ما عما يشغل سره عن الحق وتكبر على كل شئ غير الحق . والعبادة عند غير العارف معاملة ما , كأنه يعمل في الدنيا لأجرة يأخذها في الاخرةهي الاجر والثواب , وعند العارف رياضة ما لهممه وقوى نفسه المتوهمة والمتخيلةليجرها بالتعويد عن جانب الغرور الى جانب الحق , فتصير مسالمة للسر الباطن , حينمايستجلي الحق لا تنازعه فيخلص السر الى الشروق الساطع ويصير ذلك ملكة مستقرة كلماشاء السر اطلع الى نور الحق , غير مزاحم من الهمم , بل مع تشييع منها له فيكونبكليته منخرطا في سلك القدس " . ويتحدث عن المراحل التي يمر فيها المريد من اجلالوصول فيقول : " اول درجات حركات العارفين ما يسمونه بالارادة وهو ما يعتريالمستبصر باليقين البرهاني او الساكن النفس الى العقد الايماني , من الرغبة فياعتلاق العروة الوثقى فيتحرك سيره الى القدس لينال من روح الاتصال فما دامت درجتههذه فهو مريد ثم انه ليحتاج الى الرياضة .
د - تفسير المعرفة لدى مدرسةالاتصال
يعترف ابن رشد كسائر فلاسفة المسلمين بالووجود الحسيوالعقلي , وان المحسوس او الواقع مصدر للمعرفة . وان الحس والعقل كلاهما يشاركان فيعملية المعرفة . وتفسير المعرفة من جهة المحسوس مبتدئة من الحواس الى المخيلة الىالعقل في مراحل ومراتب من التجريد والانتزاع , وكل مرتبة اعلى فهي اعلى واشرف فيالوجود والمعرفة . ولا خلاف لابن رشد مع سابقيه من فلاسفة المسلمين في مسألةالانتزاع والتجريد من حيث هي عملية تنتقل بها الصورة من المحسوس الى المعقول , ذلكلانهم جميعا اخذوا هذه الفكرة من أرسطو , ولكن الخلاف بينه وبين مدرسة الاشراقالسابقة له , في مصدر الصور العقلية وطريق حصول العقل الانساني عليها فبينما كانمصدر هذه الصور عقلاً مفارقا خارجا عن النفس الانسانية , وبطريق الجذب والاشراق اوالفيض من هذا العقل المفارق على العقل الانساني عند مدرسة الاشراق , فأن هذا المصدرعند ابن رشد قائم في العقل الانساني نفسه من جهة ما هو هيولاني مستعد , ومن جهة ماهو فعال ينقل العقل الهيولاني من القوة الى الفعل بعد عملية التجريد وبطريق اتصالالعقل الهيولاني الانساني بالعقل الفعال الذي هو مظهر من مظاهر النفس الاننسانيةوليس خارجا عنها ولا مفارقا لها . وبعبارة اخرى ان نظرية الاتصال بالعقل الفعالطريقا لتفسير المعرفة عند ابن رشد , ليست في حقيقة الامر الا " نظرية تجريد المعانيالكلية التي تنتهي بانتقال العقل المادي من القوة الى الفعل , والا نظرية مثالية فيالحدس العقلي الذي تستطيع النفس الوصول اليه عندما تعلم انها ذات مستقلة عن البدنوفي هذه المرحلة الاخيرة , تعرف النفس ذاتها على انها صورة مفارقة , اي ذات قائمةبنفسها تحدد للجسم كيانه ووجوده .
ونظرية الاتصال في المعرفة ترد المعرقة الى الانسان اوالى وحدة العقل الانساني الذي هو في احد مظهريه فعال . وتقيم بناءها على امكانمعرفة الانسان لذاته . بما فيه من عقل فعال هو من طبيعة عقليه تشبه عقول الافلاك اومبادئها ,تلك التي تعقل ذاتها . وابن رشد في نظرية الاتصال اكثر واقعية من سابقيهمن اصحاب نظرية الاشراق وان كان الواقع معتبرا لدى الجميع , ذلك لان ارجاع المعرفةالى وحدة العقل الانساني , والانسان من هذا الواقع عند ابن رشد , اكثر تعبيرا عنالواقع من رد هذه المعرفة الى جوهر مفارق كما في اصحاب مدرسة الاشراق , وان كانتهذه الواقعية قد جعلت ابن رشد يقول بأزلية او خلود العقل الانساني بمظهريهالهيولاني والفعال .
وابن رشد يجعل الانسان اقرب الموجودات الى العقولوالافلاك , بل يجعله " الواصلة التي اتصل بها الوجود لمحسوس بالوجود المعقول " ومنهنا كان الانسان محورا لعملية المعرفة وهو بهذا يعطي الوجود الانساني اهمية اكبر فيالعالم من النظرة الاشراقية السابقة . ولعله كان مدفوعا هنا بدافعين : دافع دينييجعل الانسان محود عمارة الكون والاستخلاف فيه , ودافع انتصار للاتجاه الارسطي الذيقدس العقل الانساني . فرد وجود الماهيات الى الوجود العقلي القائم في الواقع معترضاعلى الاتجاه الافلاطوني الذي كان يرى مفارقة الصور او المهايا لتكون في عالم المثل , ولعل اعتزاز ابن رشد بالنشاط العقلي الانساني دفعه الى التركيز اكثر من سابقيهعلى محاولة اثبات الاتصال بين الحكمة والشريعة من اجل اثبات وحدة الحقيقة على اساسعقلي . وقد كان يدافع بذلك على الطريقة العقلية التي يوحي بها القران فمثلا دافع عنالبرهان العقلي على وجود الله في وجه التقليد , كمن انتقد ادلة المتكلمين التي تركزعلى ظاهرة الحدوث كدليل على ووجود الله وارتضى بدلا منها دليل الاختراع ودليلالعناية الذين هما دليلان برهانيان - في نظره - لا يتزعزعان وينفعان لكل طبقاتالناس , سواءا اكانوا جمهورا اهل جدل ام خاصة اهل برهان .
ومن مظاهر هذه الواقعية لدى ابن رشد , انه كان يجعلكسب المعقولات متوقفا على التجربة ذلك انه اذا تأملنا حصول المعقولات لنا وبخاصةالمعقولات التي تلتئم فيها المقدمات التجريبية ظهر اننا مضطرون في حصولها لنا اننحس اولا ثم نتخيل وحينئذ ويمكننا اخذ الكلى , ولذلك فان من فاتته حاسة من الحواسفاته معقول ما , فأن الاعمى لا يعقل الالوان ولا يدركها . وأيضا فان من لم يحساشخاص نوعا ما لم يكن عنده معقوله وليس هذا فقط , بل يحتاج مع هاتين لقوتين الى قوةالحفظ , وتكرر ذلك الاحساس مرة بعد اخرى حتى ينقدح لنا الكلى , ولهذا صارت هذهالمعقولات انما تحصل لنا من زمان . وهو بهذا يأخذ طريقا غير طريق الاشراقيين وغيرطريق المتصوفة في تفسير المعرفة .
والنفس عدن ابن رشد في تدرج وظائفها العقلية تنتهي الىالاتصال , " وهي اذا ادركت معاني الاشياء المادية استطاعت ادراك ذاتها في اخر الامر , وانما كان ذلك امرا مستطاعا لأنها كائن مستقل على الرغم من وجود بعض الصلات بينهاوبين الجسد واذا ادركت النفس ذاتها لم يعد ثمة مجال للتفرقة بين المدرك والمدرك ايبين العقل والمعقول وذلك لانه لا يمكن التمييز حينئذ بين مظهرين مختلفين , احدهمابالقوة الاخر بالفعل " . وهي مع هذا التدرج واحده لانها تسمى عقلا فعالا , اذانظرنا اليها على اعتبار انها الجوهر الروحي الذي يصنع المعقولات او المعاني , وتسمىعقلا ماديا حين تقبل المعاني التي تجردها من الامثلة الحسية الخارجة عنها . وفكرةخلود العقل عند ابن رشد ينسجم معها رأيه في امكان ادراك الخالد اذ ليس من المستحيلأن يدرك الخالد ذاته وغيره من الاشياء الخالدة ومن ثم فهي اساس الحدس العقلي اوالادراك الذاتي عنده . كما ان هناك نوعا من التوازي بين تدرج الوظائف النفسية منجهة الوجود , ومن جهة المعرفة , فهناك وجود يكمل شيئا فشيئا وهناك معرفة تسمو هيالاخرى شيئا فشيئا وكل مرتبة في الوجود تقابلها مرتبة في المعرفة وقد شرح هذهالنظرية فيما يتعلق بالوظائف النفسية الدنيا في كتاب الحاس والمحسوس فقال : فتكونها هنا للصورة ثلاث مراتب : الاولى جسمانية , ثم تليها المرتبة التي في الحسالمشترك وهي روحانية , ثم الثالثة وهي التي في القوة المتخيلة في احضارها الى حضورالمحسوسات . وقد وضح هذا التدرج في الوجود والمعرفة في هذه الوظائف بمثال يقرب منالاذهان فقال : ان اللون الذي يحدث في الهواء ليس باللون الذي يحدث في العين واللونالذي يوجد في الخيال ليس يختلف عن اللون الذي يوجد في الحس المشترك , واللون الذييحدث في الذاكرة شئ اخر غير الذي يحدث في الخيال .
اما فيما يتعلق بالوظائف العليا او العقلية : فهي علىمظاهر النفس الواحدة او اقسام العقل الواحد عنده . وهو هنا يفرق بين امرين : بينالصور المدركة في النفس وبين الصور العقلية المفارقة . اما الاولى فيريد بها الحسوالخيال واما الثانية فهي كل من العقل الهيولاني والعقل الفعال , وهذان العقلان شئواحد من جهة الوجود اي انهما يعبران عن مظهرين للنفس اذا اتصلت بالبدن وكما انالصور المدركة في النفس بالحس والخيال تتدرج وتتوازى فيها المعرفة الوجود , فكذلكالصور العقلية المفارقة او قوى العقل " تتصل اتصال وجود واتصال ادراك بعضها ببعضفان النفس الادراك هو نفس الوجود ونفس الوجود هو نفس الادراك , ومعنى ذلك انه لافارق هناك بين الاتصال من جهتي الوجود والادراك . وهناك فارق هام بين الوظائفالنفسية الاولى كالاحساس والخيال وبين الوظائف العقلية السامية . فاننا اذا رأيناان الخيال يستكمل بالحس من جهة المعرفة . اي انه لا وجود للخيال الا اذا وجدت الصورالحسية قبله وليس الامر كذلك فيما يتعلق بالفوى العقلية اذ لا تستكمل القوة الاسمىمرتبة بالتي هي ادنى منها , بمعنى ان العقل بالقوة يسمو من جهة المعرفة فقط , فيصبحعقلا فعالا , دون ان يصحب ذلك انتقال منوجود الى وجود اخر " .

* نظرية المعرفة بين القران والسنة
 
 
امتیاز دهی
 
 

المزيد
Guest (PortalGuest)

دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم (شعبه اصفهان)
Powered By : Sigma ITID