الخميس, شوال 16, 1445  
 
مقدمة الكتاب:روح الإنسان وأزمة العصر

 الخطب الأربعة

  



مقدمة الكتاب:روح الإنسان وأزمة العصر

منذ مائة سنة حصل تقدّم كبير في وسائل رخاء الإنسان ورفاههه وصحته، فتضخمت الآلات العاملة لخدمة الإنسان، وتحسنت وسائط النقل، ونمت الزراعة، وتوصل إلى الوقاية من أمراض كثيرة ومعالجتها... ومع ذلك يسود العالم الآن قلق شديد، وعدم الطمأنينة، وخوف على مستقبله ومصيره. وسبب ذلك الحروب الكثيرة التي حدثت في هذه الفترة، ومنها الحرب العالمية الأولى والثانية، والحروب المحلية المحدودة، وثورات التحرر الوطني، وارتفاع الأسعار، وزيادة السكان، والصرف على التسلّح، والرعب من حرب ذرية ماحقة.

ومن حق الناس أن يرين على قلوبهم القلق والفزع لهذه الأسباب في النظرة العابرة لأول وهلة، ولكن إذا أردنا أن نتعمق في الأمر، ونتفهم روح الإنسان وحقيقته، نجد ما يبعث على الأمل والرجاء، ويطرد اليأس والأسى.

إن مشكلتنا مع اسرائيل والدول الاستعمارية جزء من مشكلة الانسان القديمة والحديثة...مشكلة الصراع بين قوى الخير وقوى الشر، بين قوى الحق وقوى الباطل...هذه المشكلة التي حسبها بعض الفلاسفة والأدباء مشكلة أزلية وأبدية. وفي الحقيقة أن الإنسان الكائن الحي العاقل الجبار لابد أن يحلها وينهي أمرها بعون الله تعالى ومشيئته التي لا تقهر.

يعم العالم العربي الآن حيرة بسبب النكسة التي أصابته... ثلاثة ملايين تتغلب على مائة مليون عربي!...ولكن تزول الدهشة إذا عرفنا إنَّ مشكلتنا ليست مشكلة محلية، بل مشكلة عالمية، وجزء من الصراع بين قوى الخير والشر، بين قوى الأثم والعدوان وقوى المحبة والأمان، بين قوى الغدر وقوى الصدق والشرف.

فمعركتنا مع إسرائيل لا تزال معركة طويلة الأمد، وهي جزء من المعركة العالمية، لذلك لابد أن يطول أمدها. والمهم أن لا يتغلب على نفوسنا اليأس، ويجب أن لا نستسلم ونقبل بأنتهائها لغير صالحنا. فما دامت قوى الشر مع اسرائيل وقوى الخير والانسانية بأسرها معنا، فلابد أن تنتهي المعركة لصالحنا.

لقد أبتلي العرب بإسرائيل بسبب الدول الاستعمارية. وان كانت مسؤولية انقاذ العرب من النكبة تقع على الضمير الحي العالمي المتمثل في الدول المحايدة وكل شعوب العالم، فمن الواضح أن ذلك لا يسقط العمل والمسؤولية عن انفسنا. فعلينا أن نستعد من الآن للمعارك القادمة بكل ما اوتينا من قوة، ونعبئ كل قوانا ــ الروحية والمادية والحربية ــ كي نساعد العالم ويساعدنا على الخلاص من الصهيونية والاستعمار.

يحسن أن نرجع إلى تحليل نفس الفرد الانساني. فنلاحظ في حياة الفرد مظاهر أربعة: الحس، والفكر، والشعور، والعمل.. أي إنَّ الإنسان جسد، ومخ، وقلب، ويد. فرقي الحواس وسعة الفكر وسمو الانفعال والعاطفة وتحرر يديه من المشي جعله أكثر اتصالاً بما حوله من جماد واحياء وناس، وأكثر تأثيراً..أي إنَّ الإنسان أصبح أكثر انفتاحاً للعالم من جميع الأحياء..ففي جرمه الصغير انطوى العالم الأكبر، كما قال الشاعر:

وتحسب أنك جرم صغير

 

وفيك انطوى العالم الأكبر

 

فالإنسان حيوان ناطق. فهو وان كان يشابه الحيوان في أفعاله الحيوية، لكن يختلف عنه أختلافاً نوعياً، فيختلف أختلافاً تاماً عن أرقى الحيوانات.

فالحيوان يقف من العالم موقفاً منفعلاً سلبياً يتأثر بما حوله، ولكن لا حول له ولا طول له، لا يستطيع أن يؤثر في العالم ويغيره. والإنسان حيوان مفكّر ذو عزيمة وإرادة قوية لا تقهر، فيقف الإنسان من العالم دائماً موقفاً إيجابياً يتفهم العلاقات بين الاشياء ويغير العالم الطبيعي لصالحه.

والإنسان كما أنه وقف موقفاً إيجابياً إزاء علاقته بالطبيعة فهو لم يقف موقفاً سلبياً إزاء علاقته بأبناء جنسه ونوعه منذ أبتداء التاريخ. فما استكان إلى ضيم ولا رضي يوماً بالذل والهوان. فالإنسان دائماً بطل معركة، ميزته الصمود والبطولة ومقاومة الشر، والنصر والمجد للإنسان دائماً.

إنَّ أهداف الفرد في الحياة مرتبطة بروحه وميزاته الجسدية والنفسية، فليس همه إشباع حاجات الجسد فقط، بل تتغلب عليه الحاجات النفسية والمعنوية على حاجاته الجسمية. فهدف الفرد السعادة في الحياة، ولكن السعادة ليست في القناعة أو العزلة أو الكسل أو الانهماك في الشهوات، بل في العمل والنشاط وعمل الخير والمحبة الإنسانية، ولا يتحقق ذلك للفرد إلاَّ في ظل مجتمع متقدّم سليم يسوده الإخاء والحرية والعدالة. والحياة الفردية المنعزلة لا يمكن أن تحقق السعادة للفرد، والحياة الاجتماعية الراقية هي التي تحقق الحرية الواسعة والسعادة للفرد. أما الحرية المطلقة للفرد التي يتصورها الفلاسفة الوجوديون فلا حقيقة لها. وما نجد من مساوئ في الحياة الاجتماعية فسببه فساد النظام الاجتماعي الذي يحتاج إلى أصلاح وتغيير.

والإنسان منذ القديم مازال يحلم بسيطرته الواسعة على الطبيعة واستغلالها لراحته وسعادته، ويحلم بالتخلص من الظلم ومن خضوع فئة لفئة أخرى.

وكان التأخر العلمي والصناعي وقلة الإنتاج عائقاً لتحرر الإنسان من الطبيعة، وجهل الناس وعدم معرفتهم بحقوقهم مع التأخر الصناعي ساعد على الظلم الاجتماعي.

ويأمل الإنسان ــ في المستقبل القريب ــ أن تزداد سيطرته على الطبيعة، كما إنَّ التخلّص من الاستبداد السياسي والفقر والجهل والمرض آخذ في الاتساع، وأصبح قريباً الزمن الذي يحصل فيه الناس على حرياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بفضل جهادهم وجهودهم.

إنَّ الفرد وإن كان يسعى لتحقيق رغباته الفردية في النجاح والحب والسعادة، ولكنه يدرك إن حياته إلى زوال وفناء، فيرغب في أعماق نفسه أن تكون لحياته معنى وقيمة، ويفتش عن عزاء لنفسه لهذا الفناء والزوال، فيجد عزاءه تارة بطاعة الله ومحبته وتارة بالذرية أو الإبداع الفني أو العلمي أو الصناعي، أو تشييد المباني الفخمة والمشاريع الخيرية، أو المحبة الإنسانية والإصلاح الاجتماعي وغير ذلك.

فحقيقة الفرد الإنساني أنه جزء من عالم الطبيعة وعالم الأحياء والمجتمع، ولكنه جزء ينطوي على العالم بأسره، كأنه ممثل لله وخليفته في أرضه. فعن طريق الحواس والعقل يدرك العالم الخارجي ويتصل به، وهو كائن تتمثل فيه صفات جميع الأحياء. وعن طريق الحب والعاطفة والشعور بالمسؤولية يشمل أخوانه من البشر ويندمج بهم. وعن طريق العمل يتصل بالعالم الخارجي ويؤثر فيه ويغيره، فيزرع الأرض، ويشيد العمارات، ويبني السدود، وينصب المصانع.

إن الشرور التي نشاهدها في الوقت الحاضر في المجتمع الانساني كالحروب، والجريمة، والقتل، والفقر، والسرقة، والكذب، والاحتيال، والخيانة، والدعارة، والقلق، واليأس، والانتحار، والجنون أحياناً... كلها ناتجة عن خلل الأنظمة الاجتماعية التي تسود العالم، وسوف تنتهي بإصلاح هذه الانظمة، وتحقيق التعاون الدولي، والتخلص من أسلحة الدمار، وانتهاء الحروب.

والإنسان بالرجوع إلى العلم والعقل والحب والعمل يستطيع الوصول إلى أقصى مراتب الرقي والحرية والسعادة.

ومع الأخطار الكثيرة التي تكتنف الانسان في الوقت الحاضر وتنذر بالشر في المستقبل بسبب حماقة الاشرار من ابنائه...فإن مراجعة التاريخ وسائر المعلومات المتوفرة لدينا عن روح أكثرية الناس، تدلنا ان النصر للإنسان والغلبة لقوى الخير والنور والتقدم على قوى الشر والظلام والتأخر.

والإسلام هو الدين الوحيد الذي حثَّ على العمل والجهاد، وأكّد على الموقف الإيجابي من العالم، وندد بالنسك والهروب...بينما كثير من الأديان، كالمسيحية والبوذية، حبّذت العزلة والموقف السلبي من العالم.

"وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ".

*****

هذه الخطب السبع التي بين يدي القارئ كان الفقيد الوالد الإمام حجة الإسلام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ألقاها في الفترة الزمنية من حياته، بعد حضوره المؤتمر الإسلامي المنعقد في القدس الشريف لمدة اسبوعين ابتداء من ليلة الإسراء 27رجب 1350هـ الموافق 6 كانون الأول 1931م. ويلاحظ القارئ في أكثرها قسطاً كبيراً في الحث للدفاع عن فلسطين، ووجوب الجهاد لحمايتها وانقاذها، ولهذا السبب ولمضامينها الأُخرى يجد القارئ كأنها كتبت لهذا الوقت، ولم تفقد فائدتها وأهميتها.. خصوصاً وانها صدرت من مرجع ديني فذ أحس بواجبه الديني والقومي، ولم يتهرب من المسؤولية، فنبه قومه إلى الأخطار المحدقة.

وإن لم يتحقق في حياته ما كان يصبو إليه من تحرر ورقي للمسلمين والعرب، فأن كلماته وصيحاته الداوية قد أثرت في نفوس الجماهير واثمرت مع جهود المخلصين ثمراً طيباً بعد وفاته.

 

عبد الحليم كاشف الغطاء

النجف الأشرف

10/7/1389هـ

 

فتوى: الإمام الكبير حجة الإسلام والمسلمين العلامة الراحل

الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء بشأن قضية فلسطين

من النجف الأشرف ــ في 5 جمادي الثاني 1357هـ

إلى جمعية الدفاع عن فلسطين ــ بغداد

نمى إلينا عن بعض ما قدرتموه من جعل يوم الجمعة (5 آب 1938م) يوم فلسطين، وان تقوموا مع الأمة العراقية التي لا تزال مشكورة المساعي في مساعدة شقيقتها بأعمال عساها تكون نافعة إن شاء الله.

ورأينا إن من واجبنا أن نقول كلمة في الموضوع تكون كنداء عام... وها هي تصل إليكم للنشر...تدفعها الزفرة، وتمدها العبرة، وتؤلفها شظايا القلب المتقطعة، وتؤججها نيران الأسى والأسف من هذه الأمة المتمزقة... نعم! منها وعليها... الأمة التي أصبحت لا من الأحياء فترجى ولا من الأموات فترثى. وعسى أن يحدث الله بعد ذلك لها أمراً، ويجعل لها من أمرها فرجاً ويسراً.

محمد الحسين

((وإليك نص الفتوى)):

نداء عام

أيها الإسلام!...

أيها العرب!...

لا.. بل أيها الناس ويا أيها البشر!...

أصبحت الحالة التي بلغت إليها فلسطين الذبيحة مشاهدة محسوسة لكل أحد. ونحن نقول ــ وما زلنا نقول ــ : إن قضية فلسطين ليست قضية تخصها، وليست هي قضية فلسطين فقط، بل قضية العرب بأجمعها. فإذا خرجت فلسطين من هذا الجهاد ظافرة فقد ظفرت العرب وفازت، وإذا ــ لا سمح الله ــ تغلّبت عليها الدولة الظالمة والصهيونية الغاشمة فقد باءت العرب بالذل والخسران، لا بل بالموت والعار المخلّد.

وكنا نقول أيضاً ــ ولا نزال نقول ــ : إن الدولة التي أحتلت فلسطين كأنها أخذت على نفسها من يوم قيامها بهذا الاحتلال الغاشم غير المشروع أن لا تقيم للعدل وزناً ولا للحق معنى ولا تصغي إلى آية حجة ومنطق .. فكان موقع الأحتجاجات والمقالات من سمعها موقع الهواء في شبك ممزق ! ولذلك ذهبت تلك الاحتجاجات من الأقطار العربية والإسلامية، مدة عشرين سنة، كلها سدى .. بل ما أفادت سوى الشدة والعناد، والتمادي في الغي والفساد.

وعلى فرض أنه كان للإحتجاج في الزمن الغابر معنى وفيه ومضة أمل أو لمضة رجاء .. أما اليوم فقد حقت الحقائق وصرح الزبد عن محضه، وجازت القضية عن دور الاحتجاج والأقوال إلى دور الأعمال.

وقضية العمل منوطة إلى كل عربي، بل كل إنسان، بمقدار الحد من غيرته وشعوره، ومبلغ حظه من الإنسانية. فمن كان يجري في عروقه الدم الحي الشريف فلا ريب إن شرف عنصره يهيب به ويدفعه إلى اللحوق بإخوانه في فلسطين والجهاد معهم، ولا ينتظر أن تأتيه فتوى المفتي بوجوب الجهاد، بل فتوته تسبق الفتوى وتعرفه بواجبه بوحي من ضميره وشرف وجدانه.

فيا أيها العرب!.. ويا أيها المسلمون!.. بل يا أيها البشر ويا أيها الناس!.

أصبح الجهاد في سبيل فلسطين واجباً على كل إنسان لا على العرب والمسلمين فقط. نعم! هو واجب على كل إنسان لا بحكم الشرائع والأديان فقط بل بحكم الحس والوجدان، ووحي الضمير وصحة التفكير.

والخطة العملية في ذلك هي: إن من يستطيع اللحوق بمجاهدي فلسطين بنفسه فليلتحق بهم، وأني ضمين أنه كالمجاهدين مع النبي (صلى الله عليه وآله) في (بدر)، فأن المقام أجلى وأعلى من ذلك المقام، مقام شرف وغيرة وحس وشعور، لا مقام طلب أجر وثواب، وان كان كل ذلك بأعلى مراتبه.. ومن لم يستطع اللحوق بنفسه فليمدهم بماله، وإما بتجهيز من لا مال له ليلحق بهم، أو بأرسال المال إلى المجاهدين وعيالهم وأطفالهم. ومن عجز عن كل ذلك، فعليه أن يجاهد ويساعد بلسانه وقلمه ومساعيه جهد أمكانه.. وهذه هي أدنى المراتب.

وليكن كل أحد على علم جازم أن القضية قضية موت العرب وحياتها. وليعلم ناشدو الوحدة العربية والإسلامية إنهم لا يجدونها أبداً إلاَّ بنصرة فلسطين، فإن انتصرت ــ بحول الحي وقوته ــ فما يرومونه من الوحدتين في قبضة أيديهم وعلى كثب منهم، وإن كانت الأُخرى ــ لا سمح الله ــ فأين العرب وأين الإسلام حتى تكون لهم وحدة أو تتطلبها لهم القضية !.. نكون كما يقول أرباب الفنون ((سالبة بأنتفاء الموضوع)).

هذه دعوتي وندائي العام أبعثه إلى عموم العرب والإسلام.

ويشهد الله لولا أني قد تجاوزت العقد السادس من العمر مع تزاحم أنواع العلل والاسقام على هذه العظام النخرة، لكنت أول من يلبي هذه الدعوة، ولشخصت بنفسي اليوم إلى تلك البلاد المقدسة كما شخصت إليها بالأمس.

وأنه لعزيز علي أنه لم يبقَ عندي من النصرة لها إلاَّ هذه الكلمات، وعبراتي التي تسبق العبارات، وتوقد لاعج الزفرات.. وعند الله أحتسب كل ذلك، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

النجف الأشرف     5/6/1357هـ

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

فتوى ثانية للفقيد: ((اعلان الجهاد المقدس لأنقاذ فلسطين))

نشرت في الصحف العراقية بالعنوان التالي:

 ((اعلان الجهاد المقدس لأنقاذ فلسطين))

أصدر سماحة المجتهد الكبير العلامة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء الفتوى الخطيرة التالية في سبيل انقاذ فلسطين:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد

من العراق ــ النجف الأشرف

15 ذو القعدة 1366هـ

"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ…".

طلب مني بعض الأعاظم إرسال نسخة من الفتوى التي كنت أصدرتها في لزوم الدفاع عن فلسطين. والباعث على هذا الطلب ما وصلت إليه هذه الأرض المقدّسة في محنتها الحاضرة بعد كفاح ثلاثين حولاً، والتضحيات بالأنفس والأموال التي تفوق حد الإحصاء.

ونحن نرى، في الحال الحاضر، إن المحنة والبلوى قد تجاوزت حدود الفتوى، وأصبح كل ذي حس من المسلمين يفتي له وجدانه ويوحي له ضميره وجوب الدفاع

عن فلسطين بكل ما في وسعه، ويستهون ببذل العزيزين (النفس والمال) في هذا السبيل وأعلان الجهاد المقدّس.

فلا تهنوا أيها المسلمون...ولا تتوانوا وأنتم الأعلون...وان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. وما النصر إلاَّ من عند الله والله قوي عزيز.

النجف الأشرف

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

 

صرخة داوية لفلسطين الدامية

من الإمام حجة الإسلام آية الله ((كاشف الغطاء)) لعموم المسلمين

"وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"

أيها المسلمون:

نشرت الصحف العراقية عليكم نداء عاماً منافي جواب الكتب التي وردتنا من لفيف من الشباب البغدادي النجيب ومن غيرهم، وكان ذلك قبل اعلان الحرب الرسمي ــ أي قبل 15 أيار ــ.

أما اليوم وقد اشتبكت الدول العربية، وأعلنت حربها لليهود لتطهير البلاد المقدسة من رجس الصهيونية..فقد أصبح جميع العرب في حالة حرب.

والمصيبة العظمى التي لعلها أعظم من مصيبة الصهيونية هي: إنَّ المسلمين، والأخص العراق بحدته، وعشائريه، وزعمائه، وشبابه، وسائر طبقاته..لا يزالون يغطون في نومهم العميق..لا يحسون بهذا الحس ولا يشعرون بهذا الشعور كي يقوم كل واحد بواجبه، ولا يزالون يعمهون في سكرتهم، ويتمتعون في شهواتهم ولهوهم.

أيها المسلمون:

أتحسبون إن اليهود إذا غلبوا على فلسطين ــ لا سمح الله ــ يتركون العراق والحجاز وغيرها من الأقطار العربية؟!.. أيهون عليكم أن تصبحوا رعايا لأشقى أمة في الأرض: اليهود والصهاينة؟!.

فإن كنتم لا تحضرون ميادين الحرب مع اخوانكم فلا أقل من اعانتهم بجمع الأموال والعتاد والسلاح.

وكان اللازم أن تكثروا الاكتتابات الشعبية في كل مدينة، وفي كل قبيلة، ومن كل زعيم، ومن كل تاجر وذي ثروة.. ثم تمدونهم بالتضرّع والدعاء إلى الله ــ جلَّ شأنه ــ في كل جامع، وفي كل مسجد، وفي كل مرقد من المراقد الشريفة.. تتضرعون إليه تعالى وتضجون بالعويل، خاضعين باكين، في أن يمد أخوانكم الذين في المعارك وتحت حمم القنابل بالصبر والثبات، ويكتب لهم الفواز والظفر.

أيها المسلمون:

قد برز اليوم الإيمان كله إلى الشرك كله.. وعادت الحروب الصليبية بأبشع صورها، وتألبت دول الكفر بأجمعها على الإسلام بأجمعه.

أتعرفون ما معنى ((الحروب الصليبية))؟.. هي اتفاق دول الغرب على محو كلمة الإسلام من صفحة الوجود، كما صنعوا في القرن السادس زمن صلاح الدين الأيوبي.

أفلا يجب عليكم ــ أيها المسلمون ــ أن تنهضوا لحفظ كرامتكم وبلادكم من ألد أعدائكم؟!.

وأعلموا أنَّ الله ــ سبحانه ــ لا يجعل النصر لكم إلاَّ إذا انقطعتم إلى الله، وتركتم الملاهي والمقاهي والسينمات، وتجعلونها حراماً عليكم حتى ينصر الله اخوانكم في فلسطين. فإن رجعتم إلى الله وأنبتم، ورفضتم المحرمات والمنكرات، وأخذتم بالدعوات والتضرعات.. فأنا الضمين لكم بالله ــ جلَّ شأنه ــ أن يكون الفتح لأخوانكم والنصر وقفاً على جيوشكم، وإلاَّ فخزيُ الدنيا وعذاب الآخرة!.

اللهم أشهد، فأننا قد بلغنا وأنذرنا، وإليه الحجة البالغة.

"وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ"

                                                              النجف الأشرف

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

 

خطبة الاتحاد والاقتصاد

الخطاب الجليل الذي تفضّل به سماحة المصلح العظيم، أمام المؤتمر الاسلامي، العلم حجة الإسلام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، وألقاه في المسجد الأعظم بالكوفة في 6 شوال 1350 هجرية.

تقديم

وبعد...

فلا أراني مغالياً إذا قلت: أن الأمة الإسلامية عامة أصبحت في حالة دونها شق الضمائر وفقع المرائر، هائمة في ميدان الجهالة، سادرة في بيداء الغواية والضلالة.. أخذ الأجنبي بخناقها، وربض الدخيل بكلكله على غاربها.. تصبح على هم وتمسي على غم.. تكابد ما لو تشعر الحمامة ببعضه لمزقت أطواقها، وتحمل ما لو أحست الجبال بمثله لأكثرت أطراقها.. دائبة على النفاق، داعية إلى الشقاق.. يأكل القوي منها الضعيف، ويدافع البدين النحيف.. "أَيُحِبُّ أَحدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ"؟!.

رؤوس لا تفكر، وجسوم لا تدبر!.

أني لأفتح عيني حين أفتحها

 

على الكثير ولكن لا أرى أحدا

 

قوم إلههم واحد..نبيهم واحد.. كتابهم واحد.. تكاليفهم واحدة..كل أصولهم وعقائدهم واحدة..إلاَّ أنهم مختلفون!..

هذا ــ لعمر الحق ــ العجب العجاب. هذا الذي حيّر الأوهام وأطاش الألباب. أدين واحد وشنئنان؟ وسطح واحد وهواءان؟. ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين!.

هذا إجمال من تفصيل، وقليل من جليل، مما اتصفت به في هذا اليوم الأمة الإسلامية والجماعة المحمدية.

نعم! وهذا ما حدى بسماحة المصلح العظيم، والإمام الجليل، العلامة الشيخ ((محمد الحسين كاشف الغطاء)) إلى قيامه برحلته الإسلامية وهجرته الدينية إلى البيت المقدس، لحضور المؤتمر الإسلامي العام، مهاجراً إلى الله ورسوله.. ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله.

أجل! هذا ما نبّه منه ذلك الأسد الذي ما تعود أن يفترش الترب ذراعيه، وأسمع منه ذلك البطل الذي لم يصم يوماً من الأيام عن دعوة الحق أذنيه..

فشمّر ــ على أسم الله ــ عن ساعد لا يعرف الكلل، وترجم ــ وهو المفوه ــ بلسان صدق لا يعتريه الملل. وما فتأ سماحته من يوم قفوله من المؤتمر الإسلامي حتى اليوم مقتعداً غارب عزمه الوقّاد داعياً ومرشداً..فمن استنهاض واستنفار، إلى دعوة وأرشاد، إلى محاضرات أصلاحية، إلى خطب اجتماعية..شاحذاً الهمم، وموقداً نار الحماسة والعزيمة في قلوب العراقيين، باعثاً لهم ــ بكل ما أوتي من قوة ــ إلى عقد الجمعيات الخيرية، وتشكيل النقابات الإصلاحية، وتأليف اللجان الاقتصادية.. له بكل مقام مقال، وبكل نادٍ ارشاد. فيوم ببغداد، وآخر بكربلاء، وثالث بالنجف، ورابع بالكوفة….

له بكل محفل خطاب جليل، وبكل مشهد مقال عريض طويل. وآخر مواقفه الخطيرة ــ كثّر الله لنا من أمثالها ــ ذلك الموقف الجليل والمحفل المهيب، الذي عقد لسماحته في مسجد الكوفة الشريف ــ عصر الجمعة 26 شوال 1350 هجرية ــ بناء على طلب وإلحاح من وجهاء أهل الكوفة وأشرافها..وقد حضره ثمانية آلاف أو يزيدون، من جهات العراق وأرجائه، وطبقاته العالية ووجهائه. وما أستوى ــ حفظه الله ــ على المنبر حتى هزَّ النفوس طرباً، وملأ القلوب عجباً. وأستدام يخطب ــ مرتجلاً ــ أكثر من ساعتين، أورق في خلالهما عود الأمل بعد الذبول، وأثمرت أغصان ((ليت ولعل)) بعد النصول، ودبت روح الرجاء بعد اليأس في قلوب الناس.. فآثرنا أن نتقدم بذلك الخطاب النفيس إلى العالم الإسلامي، رجاء أن يستيقظ بعد غفلته، وينتبه عقب سكرته "وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ".

النجف الأشرف

صالح الجعفري


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID