الجمعة, رمضان 19, 1445  
 
في الوقف
تحرير المجلة جلد 5


  





في الوقف
وقد جرت عادة الفقهاء علي التعبير عن هذا العلم الخيري بهذا العنوان الذي لم يرد التعبير في الكتاب الكريم اصلا و لا في السنة و الحديث إلا نادرا و انما التعبير الشايع عنه في السنة و احاديث الأئمة سلام الله عليهم هو الصدقة و الصدقة الجارية، و في اوقاف اميرالمؤمنين و الزهراء سلام الله عليهم هذا ما تصدق به علي و فاطمة وردت اخبار كثيرة في فضله و الحث عليه ولكن بعبارة (الصدقة الجارية) و انه لا ينفع ابن‏آدم من بعده إلا ثلاث ولد صالح و علم ينتفع به و صدقة جارية و قد استفاض هذا المضمون في اخبار اهل البيت (ع) ولكن المؤسف ان هذا المشروع الخيري قد انعكس و صارت الاوقاف الخيرية العامة أكلة و العوبة بايدي المتنفذين يستغلونها لانفسهم و ينفقون اكثرها في شهواتهم، و لا حسيب و لا رقيب و لا سامع و لا مجيب، اما الاوقاف الخاصة فقد صارت من اقوي اسباب الفتن و الفساد و البغضاء الشحناء بين الاقارب و من اشد دواعي تقاطع الارحام و اثارة الدعاوي الخصومات بل كثيرا ما ينجر إلي خراب الوقف و اضمحلاله فضلا عما يترتب عليه و تلف الاموال بل و النفوس، كل ذلك من الجهل الفاشي و غلبة الحرص و الاستيثار
و مصارع العقول (كما يقال) تحت بروق المطامع، فلا حول و لا قوة.
و قد عرفت في بعض الاجزاء المتقدمة - ان التمليك المجاني ان كان لا بقصد القربة فهو الهبة و ان كان بقصد القربة او لزومها فهو الصدقة بمعناها العام و هي نوعان منقول و هو واجب و مستحب فالواجب الزكاتان زكوة الاموال المنوه عنها بقوله تعالي انما الصدقات للفقراء و المساكين إلي آخرها، و زكوة الابدان المشار اليها بقوله عز شأنه: قد افلح من تزي و ذكر اسم ربه فصلي، و الصلوة في الكتاب الكريم دائما او غالبا مقدمة علي الزكوة إلا في هذا المقام لان الفطرة يجب تقديمها علي صلوة العيد، اما المستحب فهي الصدقة المتعارفة كاعطاء درهم او كسرة خبز و نحوها للفقير، و اما غير المنقول كالدار و العقار و نحوها و هي ايضا نوعان فانه إذا أخرج العين من ملكه و ملكها لغيره بقصد القربة و الدوام فهو الوقف و ان لم يملك الرقبة بل ملك المنافع فقط مدة معينة فهو الحبس و فروعه من العمري و الرقبي و السكني - هذا علي طريقة المشهور من ان الوقف اخراج عن الملك و تمليك للغير و جعلوا الفرق بينه و بين الحبس كالفرق بين البيع و الاجارة و من اجل هذا وقعوا في محاذير اشكل عليهم التفصي عنها، و التحقيق عندنا ان الوقف ليس اخراجا عن الملك و لا تمليكا للغير بل هو تقييد الانسان ملكيته المطلقة، فانت حين تملك دارك تملكها ملكية مطلقة صالحة للنقل و الانتقال حسب ارادتك فتبيعها او تهبها و تفعل بها ما تشاء و حين اوقفتها او وقفتها قيدت

70


ملكيتك فلا تقدر علي بيعها و لا رهنها و لا اي تصرف يتعلق برقبتها فهذه ملكية واقفة مقيدة و تلك متحركة مطلقة لان المالك قيد نفسه و منعها بالوقف عن التصرف فيها من حيث النقل لا انه اخرجها عن ملكه نعم ملك منافعها لغيره فالوقف من هذه الجهة مثل التحبيس و انواعه و هذا المعني هو المطابق تماما لما في الحديث النبوي (حبس الاصل و سبل المنفعة) نعم يفترق الوقف عن الحبس من وجهين (الاول) انه في الوقف منع نفسه عن التصرف بالعين مع بقائها في ملكه بخلافه في التحبيس فانه يتصرف بها كيف شاء (الثاني) انه ملك المنافع للغير في الوقف ملكية دائمة و في التحبيس ملكية مؤقتة و بهذا التحقيق تنحل جملة من المشكلات التي سيأتي الاشارة إلي بعضها.
ثم إن مطلق الوقف علي نوعين خاص و عام فالخاص ما كان علي افراد معينين متعاقبين و العام ما كان الجهات العامة كالقناطر و المساجد و المدارس و يلحق بالعام ما كان علي كلي كالفقراء و طلاب العلوم.
و اللازم النظر في احكام الوقف المشتركة بين جميع انواعه و بيان اركانه الاربعة صيغة الوقف - الواقف. و الموقوف عليه، ثم الاحكام العامة فهنا خمسة فصول.

71

في الوقف و صيغته و شروطه


المشهور اعتبار الصيغة الخاصة في الوقف فلا يصح بدونها و اللفظ الصريح هو وقفت او تصدقت و اختلفوا في كفاية مثل حبست و ابدت و الاصح كفاية كل لفظ يدل عليه ولو بالقرينة مع قصد معناه و لا يلزم العربية و لا الماضوية و تكفي الجملة الاسمية مثل قول القائل داري وقف قاصدا بها الانشاء، و كذا لو قال حبست داري قصد الوقف مع القرينة.
بناء علي اعتبار الصيغة فلا يصح الوقف بالمعاطاة كما لو دفع الدار قاصدا أنها وقف عليه نعم ذكر بعض الفقهاء انه لو بني مسجدا و اذن للناس بالصلوة فصلي فيه مسلم صح الوقف و صار مسجدا و كذا في القناطر و الخانات و امثالها من الخيرات العامة و كذا في مثل الحصر و البواري و كل ما يلزم للمساجد و المشاهد من الآلات و الاصح عندنا انها وقف عملي علي الجهة و يصح بهذا النحو من المعاطات في مثل هذه الاشياء و لا يطرد في غيرها.
المشهور ان الوقف عقد يتوقف علي الايجاب و القبول، و القبول في الوقف الخاص يكون من المتولي و في الاوقاف العامة من حاكم

72


الشرع، و الاصح عدم لزومه و ان كان هو الاحوط و الوقف علي الصغير يكفي فيه قبول وليه.
المشهور اعتبار القربة في صحة الوقف و خالف فيه السيد الاستاد قدس سره للاطلاقات و الاقوي عندها اعتبارها لما عرفت من ان الوقف صدقة و الصدقة قوام حقيقتها بالقربة و بها تمتاز عن الهبة فقصد القربة في جميع انواع الوقف لازم و هي ممكنة حتي من الكافر.
من شروط الوقف الركنية الاقباض و قد عرفت ان جميع التمليكات المجانية لا تحصل و لا تصح إلا بالقبض و هو شرط الصحة فلو اوقف و مات الواقف او الموقوف عليه قبل القبض لم يكن لوقفه اي اثر و يكون ميراثا ففي الخبر كل ما لم يسلم فصاحبه بالخيار و كل ما سلم فلا خيار فيه، و لا يشترط في القبض الفور فيصح ولو اقبضه بعد مدة طويلة.
إذا اوقف علي اولاده الصغار يكفي نية القبض عنهم ان كان الوقف بيده و إلا احتاج إلي قبض جديد ولو كان الوقف بيد الموقوف عليه او وكيله او وليه كفي، ولو وقف مسجدا او مقبرة كفي في لزومه صلوة واحدة و دفن ميت واحد بقصد كونه مسجدا او مقبرة و الوقف علي الجهات العامة لابد فيه من قبض المتولي او حاكم الشرع او وكيله.
من شروطه الركنية ايضا الدوام بمعني عدم توقيفه بمدة قلت

73


او كثرت و هو داخل في حقيقة بمعني جعل الملك واقفا لا يتحرك ابدا و هو المائز بينه و بين الحبس الذي هو ايقاف منافعه مدة معينة.
لو وقف علي من ينقرض غالبا كما لو وقف علي اولاده الصلبيين و لم يذكر من بعدهم فقيل يكون وقفا منقطع الآخر و قيل حبسا ثم يعود إليه او إلي ورثته و قيل يبطل رأسا و خيرها اوسطها و يشكل عوده بناء علي المشهور من خروجه عن ملك الواقف و ينحل علي طريقتنا.
و من شروطه ايضا التنجيز فلو علقه علي شرط كقدوم زيد او صفة كاول الشهر لم يصح علي المشهور نعم لو علقه علي صفة حاصلة كيوم الجمعة فإذا قال ان كان هذا يوم الجمعة فهو وقف صح.
ذكروا ان من شروطه اخراج نفسه من الوقف و استدلوا باخبار لا دلالة فيها و حيث ان حقيقة الوقف هو تغيير نحو الملكية فلا مانع من جعل ملكه واقفا عليه و علي جماعة مخصوصة لا ينتقل عنه و عنهم إلي غيره فإن تم إلاجماع فهو و إلا فلا مانع.
لو وقف علي أولاده أو علي جهة عامة و اشتراط اداء ديونه من غلة الوقف فالمشهور البطلان و كذا لو اشترط ادرار مؤنته لانه يعود إلي الوقف علي النفس و اللازم هنا التفصيل بين مالو وقفه عليهم و علي ايفاء ديونه فيبطل الثاني فقط و ان وقفه عليهم و اشترط يؤدوا دينه او يقوموا بنفقته فالصحة، ولو اشترط ادرار مؤنة عياله او وفاء دينهم صح ولو كانوا واجبي النفقة، و لا فرق بين كون الديون

74


للناس او حقوقا شرعية كالخمس و الزكوة و الحج و نحوها سواء اشترط ادائها في حياته او بعد مماته و كذا لو اشترط الزيارة او قراءة القرآن عنه أو علي قبره و الوقف في جميع هذه الصور وقف خاص و ليس من الوقف العام الخيري.
إذا عين الواقف متوليا خاصا ولو نفسه تعين و ان لم يجعل متوليا فالولاية في الوقف العام لحاكم الشرع و في الخاص للموقوف عليهم فإن تشاحوا و لم يتفقوا رجع الامر ايضا إلي الحاكم و يجوز ان يعين مقدارا من غلة الوقف للمتولي ولو نفس الواقف و ليس هو من الوقف علي النفس بل علي العنوان و هو حق التولية زاد عن اجرة عمله او نقص ولو عين له مقدارا كمائة درهم ولم تزد غلة الوقف علي ذلك لو حظ اجرة امثاله و اخذ بالنسبة و حق التولية جزء من الوقف لا استثناء من الوقف.
لا مانع من وقف العين من حيث بعض منافعها دون بعض فيوقف النخيل مثلا من حيث ثمرها لا من حيث حطبها و كربها و البقرة من حيث لبنها لا من حيث حرثها و الكتاب من حيث المطالعة لا الاستنساخ فتبقي ما عدي الجهة الموقوفة علي ملكه ولكن لاحق له في بيع العين و ان كانت اكثر منافعها مملوكة له، و الوقوف علي ما يقفها اهلها واف بصحة ذلك.
الوقف علي الجهات العامة كالمدارس و المنازل و الفنادق للمسافرين و نحوها يجوز للواقف الانتفاع بها كسائر الناس اما الوقف

75


علي العنوان مثل الفقهاء و الفقراء و طلبة العلوم ان كان منهم أو دخل فيهم فإن كان الوقف علي التوزيع اشكل دخولهم علي المشهور و ان كان علي نحو الجهة و المصرف جاز علي الاصح و كذا لو وقفه علي امام المسجد و نحوه و صار هو امام المسجد.
ولو اشترط في الوقف عوده إليه عند حاجته فالمشهور صحة الشرط و قيل بالبطلان و قيل يصح حبسا و هو الاصح بناء علي اعتبار التأبيد في الوقف و بناء علي عدمه فالاول و في بعض الاخبار دلالة علي الثاني و لا يبعد حمله علي الحبس لا البطلان مطلقا.

في شروط الواقف


يشترط فيه البلوغ و العقل و الاختيار و الحرية و عدم كونه محجورا لفلس او سفه، و في بعض الاخبار صحة وقف من بلغ عشرا كصحة وصيته و هو مع ثبوت رشده متجه، و يصح وقف الكافر اذا حصلت منه نية القربة حتي لو كان علي البيع و الكنائس و بيوت النيران و امثالها.

في شرايط العين الموقوفة


يشترط في الموقوف ان يكون مما يمكن الانتفاع

76


به مع بقاء عينه فلا يصح وقف شي‏ء من المنافع مثل سكني الدار و ركوب الدابة وقف الاعيان التي لا ينتفع بها إلا باتلافها كاعيان المأكولات قاطبة و المشروبات ايضا و لا يصح وقف الدين مع بقائه علي هذا العنوان و لا وقف الكلي في ذمة الواقف لعدم الانتفاع به إلا بتشخيصه، و مناقشة السيد الاستاد قدس سره في ملحقات العروة واضحة الضعف، و لا حاجة إلي الاجماع بل في الاصل و القاعدة كفاية.
لا يصح وقف المجهول مطلقا فلو قال وقفت شيئا او دارا او عبدا لغي و لا وقف عبد من عبدين و دار من دارين و لا وقف الكلي في المعين كمائة ذراع من هذه الارض كل ذلك للاصل و عدم عموم يصلح لشمول مثل هذه الفروض النادرة و المعلومية عدم الجهالة معتبرة في جميع العقود و مناقشات الاستاد لا محل لها.
لا تضر الاشاعة في صحة الوقف إجماعا مطلقا سواء وقف مشاعا في المعين أو مشاعا في المشاع نعم لا يصح الابهام كما لو وقف حصته في داره.
من شروط الموقوف ان يكون صالحا للملكية فلا يصح للمسلم وقف الخنزير مثلا ولو علي الكافر نعم يصح من الكافر و كذا لا يصح وقف الاعيان التي لا قيمة لها اما لكرامته كالحر او لخسته كالكلب و الحشرات و ما يلحق بها من المستقذرات و ان يكون مملوكا له فعلا فلا يصح وقف مال الغير إلا علي نحو

77


الفضولية ان قلنا بعمومها.
من شروطه ايضا امكان اقباضه عادة لا امكانه ذاتا فلا يصح وقف الطير في الهواء و إن كان مالكا له إذا كان مما لا يعود عادة و لا العبد الآبق كذلك ولو مع الضميمة و ان صح بيعه معها و لا العين المغصوبة التي لا يقدر عادة علي ردها لا هو و لا الموقوف عليه.
يعتبر في الموقوف ايضا يكون مما يبقي بعنوانه زمانا يعتد به فلا يصح وقف مثل الورد و الريحان و امثالها مما لا تبقي إلا زمنا قليلا.
يعتبر فيه ايضا ان لا يكون مما يحرم اقتناؤه و يجب اتلافه كالاصنام و آلات القمار و اللهو، و ان تكون المنفعة المقصودة بالوقف محللة فلا يجوز وقف الدار و الدكان لبيع الخمر او آلات القمار فيه و الدابة لحمل الخمر و الخنزير عليها.
يصح وقف الدراهم و الدنانير إذا امكن الانتفاع بها منفعة محللة مع بقاء عينها لكن لا يصح بعد وقفها الشراء بها و لا اقراضها و لا رهنها لان الوقف لا يصح للنقل و الانتقال نعم يصح اعارتها و اجارتها و نحو ذلك مما لا يوجب نقل عينها. يصح وقف مالا منفعة فيه فعلا ولكنه مستعد لها كالفسيل المغروس و نحوه نعم لا يصح وقف الخضروات و نحوها مما لا ينتفع به إلا بجذاذه.
يشترط في العين الموقوفة ان لا تكون متعلقة حق للغير فلا يصح وقف العين المرهونة و لا ام

78


الولد و لا المكاتب و يجوز وقف المدبر و يكون رجوعا.

 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID