الخميس, شوال 16, 1445  
 
مقدِّمة المؤسسة
 

  نقض فتاوي الوهابية

آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء  "قدس سره"

  



بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين.
     وبعد:
     فلم يعد ثمة شك لمستريب أن ما جهدت في ترويجه والدعوة إليه ـ ولسنين طويلة ـ حملة ومروجو الفكر الوهابي، بل وما استفرغوا فيه الطاقة والمال، والعبارات المزوقة الجوفاء ـ التي أصم ضجيجها الآذان، وأقرح سقمها النفوس ـ قد أتت عليه الحقائق الثابتة، والدلائل القاطعة المرتكزة والمتجذرة في عمق العقيدة الإسلامية المباركة، فعرته من كل دعاواه، وجردته من كل مدعياته، وبات ذلك الهاجس الذي شكل في يوم من الأيام ـ إبان فورة الاندفاع الأولي المتجلبب برداء التقوى والورع، والذب عن الدين الحنيف، وتشذيبه من كل ما علق به من غيره ـ هاجساً أرق بعض الأجفان الساذجة، مجرد حكاية سمجة، وشبهات باهتة، لا يعسر على مبتدئ في العلوم الدينية ردها ودحضها بالأدلة المرتكزة على القرآن الكريم والسنة المطهرة، والآثار الثابتة في كتب الفرق الإسلامية المختلفة، لا في اسفار الشيعة ومؤلفاتهم فحسب.
رأي علماء العامة في البناء على القبور

     ولعل من شبهاتهم الساقطة التي أقاموا من اجلها الدنيا ولم يقعدوها ما ابتدعوه من القول بحرمة البناء على القبور وزيارتها، ومايتصل بها، وحيث افتوا في ذلك بما خالفوا فيه إجماع المسلمين، وما عرف من سيرتهم القطعية بذلك في عموم البلاد الإسلامية دون استثناء، وحيث تصدى لإبطال تقولاتهم هذه ـ التي ادعوا فيها استنادها إلى الإجماع تارة، وإلى الحديث تارة أخرى، والى الإجماع المستند إلى الحديث ثالثة ـ جملة واسعة من علماء المسلمين، من السنة كانوا أم من الشيعة .
     ومن هؤلاء الأعلام الإمام المصلح الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء رحمه الله تعالى ، في موارد كثيرة ومنها هذه الرسالة القيمة الماثلة بين يدي القارئ الكريم، والتي سبق ان نشرت على صفحات «تراثنا» في عددها الثالث عشر ( شوال / 1408هـ ) تحقيق السيد غياث طعمة، حيث عمدنا إلى إخراجها مستقلة ضمن مستلات (ذخائر تراثنا) المتلاحقة .
     كما انا الحقنا بهذه الرسالة القيمة معجماً لما الفه علماء الامة الاسلامية للرد على خرافات الدعوة الوهابية، الذي قام بإعداده السيد عبد الله محمد علي ـ والذي سبق ان نشر في العدد السابع عشر من مجلة«تراثنا» ( شوال/ 1409هـ ) ـ إتماما‎ً للفائدة، وتسهيلاً للباحث والمستقرئ.
     وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبيين الطاهرين .
 

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث


(7)
 
على اعتاب الذكرى
     منذ ان روى الاسلام رمال الجزيرة بدماء الأبرار، فاخضرت أزهاره ونشر أريجه، وطمح أن يزيح كابوس الظلام والظلم عن صدر العالم، كانت جحافل الشر والكفر والنفاق تحاول قلع ما يغرسه الإسلام، وتقف سداً امام مد النور الساطع، لأنه إن انتشر ماتت، وما برحت تكيد الدسائس لمحو الإسلام، والإ فلتحجيمه على أضعف الآمال ...
     وبالفعل عصفت بالامة الإسلامية عواصف هوجاء، كل عاصفة تحمل لوناً وطريقة، لكنها تلتقي في هدف القضاء على الإسلام ...
     واذا كانت تلك النكبات قد جرت على أيدي اناس انتحلوا الإسلام وتولوا زمامه وهم يطعنونه صباح مساء، فلا غرو ان يشهر الغرب والشرق سلاحه ويعلن عداءه وهدفه بعد ان مهد ادعياء الإسلام له ذلك .
     وبالفعل فقد شمر عن الساعد ووضع كل إمكاناته في سبيل خدمة هدفه الأصلي ... القضاء على الإسلام العزيز ... ولأجل تحاشي الاصطدام ما امكن بدأ بزرع جراثيمه في الاصقاع الاسلامية، وكلما كان البلد أكثر عراقة واشد التزاماً بتعاليم دينه كان لابد ان تكون الشجرة الملعونة الحاكمة في ذلك البلد اشد سماً
(8)
واكثر انزلاقا في بحر الرذيلة، وعالمنا المعاصر انموذج حي لذلك، ففي فلسطين تبذر إسرائيل، وفي مصر لابد ان يحكم السادات واضرابه ليمر يد الذل ويمسح بها على يد تلطخت بدماء المسلمين الابرار وليجري اجل كلام ... كلام الله ... على افحش لسان ويدعي الاستناد الى القرآن في عمله ... وفي العراق وو...
     ولما كانت ارض الحجازتضم اقدس مقدسات المسلمين ... بيت الله وحرمه الآمن وحرم رسوله ـ صلى الله عليه وآله ـ ... كان لابد أن يكون الخنجر امضى من غيره... وهكذا كان حيث ترعرت الوهابية في رحم الكفر وولدت وتربت في احضانه، لتكون كما يريد وتطبق ما يأمر، وتقاتل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ باسم دين الله ارضاء لربها الانگلو أمريكي، ولتفتري ما يحلو لها على الله ورسوله وتفتي على اُصول الملَكة التي البست خادم الحريم! لا الحرم الصليب وهو يبتسم ولا يستطيع اخفاء فرحه بهذا الوسام...
     قد يكون ما حدث بالامس بعيداً حينما يكون الحدث ميتاً ... ولكنه حين يرتبط بالمقدسات يبقى حياً ماحيي الضمير في المجتمع المسلم وتبقى كل لحظات الحدث شاخصة امام الاعين والقلوب .
     اجل ... نحن على ابواب الذكرى السنوية الاولى لمجزرة البيت الحرام ... البيت الذي يأمن فيه النمل والجراد ... يأمن فيه القاتل من القصاص حتى يخرج منه، ويتعرض حجاج بيت الله الى مجزرة لم يشهد التاريخ لها نظيراً حتى ايام الجاهلية الاولى‍ ‍! ولا في جاهلية القرن العشرين ... !!
     اخذوا وقتلوا تقتيلاً، لا لذنب جنوه، إلا أنهم كبروا وهللوا وتبرؤوا من أعداء الله كما امر الله وتطبيقاً لشريعة الله ... لكن امن الاسلام وخلافة الله قتل زوار الله وهم على مائدة الله وفي ضيافته ؟!
     كيف يعرف الإسلام من ليس بمسلم ؟
     هل الوهاببيون مسلمون ؟! فأي إسلام يأمر ان تبقى لحوم الاضاحي طعمة لحرارة الشمس حتى تنفسخ ... وملايين البشر من المسلمين وغيرهم عيدهم ان
(9)
يشبعوا من رائحة الطعام فضلاً عن تناوله ... ؟ !
     هل هم مسلمون ... وهم يهينون رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ‎ـ حينما يعتبر زعيمهم عصاه افضل من النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة ... ؟!
     اهم يخدمون البيت ويطهرونه ... وهم قد نجسوه بكل منكر استطاعوا فعله .. ؟ !
     وأي شيء فيهم يمت الى الاسلام بصلة ولو كخيط بيت العنكبوت .. فكرهم .. أخلاقهم .. معاملتهم.. عدلهم .. ام ماذا .. ؟ !
     اجل، تمر الايام لتكمل سنة على المجزرة، لكنها سنة في حساب الزمن وهي لحظات في حساب الوجدان والضمير لانها ماثلة ما صعد نفس ونزل وما غمضت عين وفتحت ...
     لقد تصدى الكثير من العلماء الابرار للرد على هذه الفرقة الضالة وبدعها، والفت في ذلك المؤلفات مثل: كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب؛ فتننة الوهابية؛ هكذا رأيت الوهابيين، وغيرها، ومن جملة من الف الشيخ كاشف الغطاء ـ طاب ثراه ـ حيث كتب رسالة «نقض فتاوى الوهابية»



 
*     *      *
 

(10)

(11)

     وهي رسالة من خمس ـ او اربع رسائل ـ جمعت في كتاب « الآيات البينات في قمع البدع والضلالات » من تأليف علم من اعلام هذا القرن، غطت سمعته الأرجاء، واقر بفضله العلماء، ألا وهو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ـ طاب ثراه ـ .

اسمه ونسبه:
     هو الشيخ محمد حسين بن شيخ العراقين علي بن الحجة الشيخ محمد رضا ابن المصلح بين الدولتين موسى بن الشيخ الاكبر جعفر بن العلامة الشيخ خضر ابن يحيى بن سيف الدين المالكي الجناجي النجفي .

ولادته ونشأته:
    
ولد في النجف الاشرف سنة 1294هـ ، ونشأ في بيت جليل عرف بالعلم وربى العلماء، وشرع بدروسه حين بلغ العاشرة من عمره، وأنهى دراسة سطوح الفقه والاصول وهو بعد شاب، ثم بدأ الحضور في دروس أكابر العلماء كالشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد اليزدي وآغا رضا الهمداني واضرابهم، ولازمهم سنين طوالاً حتى برز بين اقرانه وحظي باحترام واهتمام اساتذته، ودرس الفلسفة على يد الميرزا محمد باقر الاصطهباناتي والشيخ احمد الشيرازي وغيرهما من الفحول .
     ولما لمع نجمه ونبغ شرع في التدريس في مسجد الهندي وكان درسه يضم من الفضلاء مايربو على المائة .

 
*      *      *

(12)
رحلاته ونشاطاته:
     ومن السمات المميزة لحياة الشيخ كاشف الغطاء ـ قدس سره ـ رحلاته المتعددة واستثمارها، ونشاطاته المتنوعة، خصوصاً في نشر صوت مذهب الإمامية والدعوة الى وحدة الكلمة بين المذاهب الإسلامية عموماً من خلال النقاش الموضوعي، فعندما طبع الجزء الاول من كتابه «الدين والاسلام » وهم بأن يطبع الثاني إذا بالسلطة تأمر بمهاجمته ومنعه من الطبع، فسافر الى الحج، ومنه الى الشام فبيروت وطبع الجزءين بصيدا، واتصل بكبار العلماء ورجلات الفكر وجرت عدة محاورات ومراسلات معهم من جملتها محاورته مع فيلسوف الفريكة امين الريحاني، وناقش ضمن هذه المحاورات جرجي زيدان حول مؤلفه «تاريخ آداب اللغة العربية » واظهر الكثير من شطحاته، وناقش كذلك الشيخ يوسف الدجوي احد مدرسي الجامع الازهر، والشيخ جمال الدين القاسمي عالم دمشق حينها، ونشر خلال هذه السفرة عدة مؤلفات له، ونشر عدة كتب لعدة مؤلفين واشرف على تصحيحها والتعليق عليها، وقضى ثلاث سنوات في سوريا ولبنان ومصر .
     ووافق عودته الى العراق سنة 1332 نشوب الحرب العالمية الاولى فقضى سنيها في سوح الجهاد بصحبة السيد محمد ـ ولد استاذه السيد اليزدي ـ ورجع الى النجف الاشرف عند انتهائها .
     وفي سنة 1338هـ رجع في التقليد الى المترجم له خلق كثير .
     وفي سنة 1350 انعقد المؤتمر الاسلامي العام في القدس الشريف ، ودعي من قبل لجنة المؤتمر مراراً فأجاب الدعوة، والقى في المؤتمر خطبة ارتجالية ظهر فيها فضله وعظمته، فقدمه العلماء وائتموا به في الصلاة، وفي عام 1352 زار ايران وبقي فيها حدود ثمانية اشهر داعياً الناس الى التمسك بمبادئ الدين الحنيف .
     وفي سنة 1371هـ حضر المؤتمر الاسلامي في كراجي .
(13)
مؤلفاته:
     إضافة الى المقالات النفيسة والقصائد البديعة التي نشرت في امهات الكتب، فقد ترك المؤلف آثاراً جليلة نذكر ما وقفنا عليه:
     1ـ الآيات البينات في قمع البدع والضلالات.
     2ـ اصل الشيعة واصولها .
     3ـ الفردوس الاعلى .
     4ـ الارض والتربة الحسينية.
     5ـ العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية ( مخطوط ) .
     6ـ تحرير المجلة .
     7ـ المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون .
     8ـ شرح على العروة، كتبه في حياة استاذه ( مخطوط) .
     9ـ الدين والاسلام، او الدعوة الاسلامية الى مذهب الامامية ( اربعة اجزاء طبع منها اثنان ) .
     10ـنزهة السمر ونهزة السفر ( مخطوط ) .
     11ـ المراجعات الريحانية، الموسوم بالمطالعات والمراجعات او النقود والردود .
     12ـ وجيزة الاحكام .
     13ـ السؤال والجواب .
     14ـ زاد المقلدين (فارسي ) .
     15ـ حاشية التبصرة .
     16ـ حاشية العروة الوثقى .
     17ـ تعليقة على سفينة النجاة .
     18ـ مناسك الحج .
(14)

     19ـ تعليقة على عين الحياة .
     20ـ حاشية على مجمع الوسائل (فارسي) .
     21ـ التوضيح في بيان حال الإنجيل والمسيح .
     22ـ عين الميزان، في الجرح والتعديل .
     23ـ محاورة مع السفيرين .
     24ـ ملخص الاغاني (مخطوط ) .
     25ـ رحلة الى سورية ومصر ( مخطوط ) .
     26ـ ديوان شعر ( مخطوط) .
     27ـ جنة المأوى .
     وغيرها كثير .

وفاته ومدفنه :
     دبت في بدن الشيخ الجليل كاشف الغطاء اواخر ايامه عدة اسقام ، لكنه لم يتوان لحظة ولم يأل جهداً في سبيل خدمة الدين والمسلمين، ولما اشتد عليه مرضه سافر الى بغداد ورقد في المستشفى شهراً فاقترح عليه البعض الذهاب الى (كرند ) لطلب الصحة، فقصدها في ذي القعدة سنة 1373 لكن الاجل لم يمهله، فوافاه يوم الاثنين 18 ذي القعدة 1373هـ بعد صلاة الفجر فنقل جثمانه الشريف الى النجف ودفن في مقبرته الخاصة التي اعدها سلفاً في وادي السلام وبذلك ودع الاسلام احد افذاذه وثلم به ثلمة عظيمة (*). وأليك ـ اخي المسلم ـ الرسالة كاملة...

____________
(*) لمزيد من الاطلاع على ترجمته انظر: الدليل العراقي الرسمي لسنة 1936، الموسوعة العربية، المكتبة البلدية، فهرس التوحيد، المنجد، نقباء البشر، الاعلام للزركلي، معجم المؤلفين، مقدمة الفردوس الاعلى، مقدمة جنة المأوى، المثل العليا في الاسلام لافي بحمدون، اصل الشيعة واصولها، مجلة «الاديب» عدد12 سنة13، صوت البحرين/ ذي القعدة ـ ذي الحجة 1373، العرفان 36و43 وآب/ 54، المعارف عدد2سنة 1، المقتبس/ عبدالفتاح العسكري 7: 776 ـ 778 و8: 212 ـ 213.
(15)

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 
(ان الذين يكتمون ما آنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون )

 
رسالة
نقض فتاوى الوهابية
ورد كلية مذهبهم

بسم الله الرحمن الرحيم

     ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام. واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد.

وحي معجز

بسم الله الرحمن الرحيم

     هذا ما القاه علينا استاذنا الاكبر، وشيخنا الاعظم، حجة الاسلام، آية الله في الانام، علامة الدهر، مولانا الشيخ محمد حسين دامت بركاته في شأن الوهابية، واستفتاء علماء المدينة المتضمن تهديم القبور وغير ذلك في عدة مجالس ضممنا بعضها الى بعض وجلوناها مجموعة عليك .
     قال دامت ايام إفاداته: وقفنا من جريدة العراق في العدد الموافق منها 13 ذي القعدة سنة 1344 على سؤال قاضي الوهابيين ابن بليهد مستفتياً علماء المدينة عن البناء على القبور، واتخاذها مساجد، وإيقاد السرج عليها وما يفعل عند الضرائح، من التمسح والتقرب إليها بالذبائح والنذور، وتقبيلها وعن التكبير والترحيم والتسليم في اوقات مخصوصة ...
(16)

     هذا ملخص السؤال وكان الجواب من علماء المدينة بالمنع مطلقاً ووجوب الهدم، مستدلين على المنع في بعضها، ومرسلين الفتوى بغير دليل في الباقي.
     وقد رغب إلينا الكثير من الاعلام والافاضل في إبداء ملاحظتنا على تلك الفتوى ، ووضعها في معيار الاختبار وميزان الصحة والسقم، وعرضها على محك النقد، ومطرقة القبول أو الرد ايضاحاً للحقيقة وطلباً للصواب، كي لا تعرض الاوهام والشكوك وتعلق الشبهة باذهان البسطاء من المسلمين، فإن البلية عامة، والمصيبة شاملة، والرزية على الجميع عظيمة ؛ وعليه فنذكر نص الفتوى جملة جملة حسبما ذكر في تلك الجريدة، ثم نعقب كل جملة منها بما يحق لها من البيان، وبالله المستعان .
     قالوا في الجواب: اما البناء على القبور فهو ممنوع إجماعاً لصحة الاحاديث الواردة في منعه، وبهذا افتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين على ذلك بحديث علي ـ رضي الله عنه ـ انه قال لابن الهياج: « الا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ الاادع تمثالاً الاطمسته، ولا قبراً مشرفاً الا سويته » (1) رواه مسلم. انتهى .
     فتراهم قد تمسكوا تارة بالإجماع، واخرى بالحديث، او بالاجماع المستند الى الحديث .
     اما دعوى الاجماع فهي مدحوضة مرفوضة ولكن لاتتسع اعمدة الصحف والمجلات لنقل كلمات العلماء في جوازه، بل رجحانه، وفساد توهم الاجماع وبطلانه من اول الاسلام والى هذه الايام، واي حاجة بك الى ان اسرد لك او املي عليك ما يوجب الملل ( قال فلان وقال فلان )، وهذا عمل المسلمين وسيرتهم القطعية في جميع الاقطار والامصار ملء المسامع والابصار، على اختلاف
____________
(1) صحيح مسلم 2/ 666 باب 31 ح 93، مسند احمد 1/ 96 و 129، سنن النسائي 4/ 88 وفيه : ولاصورة في بيت الا طمستها‎، سنن ابي داود 3/ 215ح 3218، الجامع الصحيح للترمذي 3/ 366 باب 56ح 1041.
(17)
طبقاتهم وتباين نزعاتهم، من بدء الاسلام إلى هذه الغاية من العلماء وغيرهم، من الشيعة والسنة وغيرهم، وأي بلاد من بلاد الاسلام من مصر أو سوريا أو العراق أو الحجاز وهلم جراً ليس لها جبانة شاسعة الاطراف واسعة الاكناف، وفيها القبور المشيدة والضرائح المنجدة؟!
     وهؤلاء أئمة المذاهب: الشافعي في مصر، وأبو حنيفة في بغداد، ومالك بالمدينة وتلك قبورهم من عصرهم الى اليوم سامقة المباني شاهقة القباب، وأحمد بن حنبل مباءة الوهابية ومرجعهم في الفروع كان له قبر مشيد في بغداد جرفه شط دجلة حتى قيل: «أطبق البحر على البحر». وكل تلك القبور قد شيدت وبنيت في الازمنة التي كانت حافلة بالعلماء وأرباب الفتوى وزعماء المذاهب، فما أنكر منهم ناكر، بل كل منهم محبذ وشاكر.
     وليس هذا من خواص الاسلام، بل هو من جار في جميع الملل والاديان، من اليهود والنصارى وغيرهم، بل هو لعمر الحق من غرائز البشر ومقتضيات الحضارة والعمران وشارات التمدن والرقي، والدين القويم المتكفل بسعادة الدارين إذا كان لايؤكده ويحكمه فما هو بالذي ينقضه ويهدمه، وإذا كان كل هذا لايكفي شاهداً قاطعاً ودليلاً بيناً على فساد دعوى الاجماع فخير أن تكسر الاقلام ويبطل الحجاج والخصام ولا يقول على شيء دليل ولابينة ولاحجة ولابرهان:

 
وليس يصح في الاذهان شيء * إذا احتاج النهار الى دليل

     هذا حال الاجماع، اما حديث مسلم: « لا تدع تمثالاً الا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته » فها هي نسخة من صحيح مسلم بين يدي ، طبع بولاق القديمة سنة 1290، وقد روى الحديث المزبور صفحة 256 ج 1 في باب الامر بتسوية القبر، ولكن بعد هذا بقليل صفحة 265 قال: ( باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها ) وروى فيه بسنده الى عائشة: ان النبي كان يخرج الى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين (2) الى الآخر في حديثين طويلين .
____________
(2) صحيح مسلم 2 / 669 ‎باب 35 ح 102 و 103 .
(18)

     وروى بعدهما بسنده الى سليمان بن بريدة عن ابيه، قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يعلمهم اذا خرجوا الى المقابر فكان قائلهم يقول في رواية ابي بكر: السلام على اهل الديار (3). وفي رواية زهير: السلام عليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين والمسلمات وانا ان شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العاقبة (4).
     ثم بعد ان فرغ من هذا الباب قال تلوه: « باب استئذان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ربه عز وجل في زيارة قبر امه» ، وروى فيه اربعة احاديث صريحة في الامر بزيارة القبور:
     أولها: بسنده الى ابي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: استاذنت ربي ان أستغفر لامي فلم يأذن لي، واستأذنته ان أزور قبرها فأذن لي (5).
     ثانيها: بسند آخر الى ابي هريرة، قال: زار النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قبر امه فبكى وابكى من حوله فقال: استاذنت ربي ان استغفر لها فلم يأذن لي واساذنته ان ازور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت(6).
     ثالثها: بسنده عن ابن بريدة، عن ابيه، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الاضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا (7) لكم، الى آخر الحديث .
     رابعها: بسند آخر بالمعنى المتقدم أيضاً (8).
     وبين يدي كذلك كتابان جليلان لعالمين جليلين من كبار مشاهير علماء
____________
(3) صحيح مسلم 2/ 671 باب 35 ح 104.
(4) صحيح مسلم 2/ 671 باب 35 ح 104.
(5) صحيح مسلم 2/ 671 باب 35 ح 105.
(6) صحيح مسلم 2/ 671 باب 35 ح 105.
(7) صحيح مسلم 2/ 671 باب 36 ح 106.
(8) صحيح مسلم 2/ 671 باب 36 ح 106.
 

 
السنة والجماعة: أحدهما كتاب «شفاء السقام في زيارة خير الانام، للامام الحافظ قاضي قضاة المسلمين في القرن الثامن الشهير بتقي الدين ابي الحسن السبكي، ويسمى ايضاً ب: شن الغارة على من انكر فضل الزيارة » وقد نشر هذا الكتاب ومثله للطبع سنة 1318 في مطبعة بولاق لعالم الفن العلامة الجليل احد اكابر علماء مصر القاهرة الشيخ محمد بخيت المطبعي، رئيس المحكمة الشرعية العليا بمصر، وقد حضرنا دروسه بمصر سنة 1330 فوجدناه في اكثر العلوم بحراً مواجاً، وسراجاً وهاجاً، شعلة ذكاء وفهم، وإحاطة وحزم؛ ودفع الينا جملة من مؤلفاته منها ذلك الكتاب الذي نشر في صدره مقدمة في بعض احوال ابن تيمية مؤسس مذاهب الوهابية وبعض بدعه في الدين وتكفيره من جمهور علماء المسلمين، وقد اجاد في تلك المقدمة، واحسن النظر في الموضوع وعلله واسبابه.
     اما ذات كتاب الامام السبكي فقد رتبه على عشرة ابواب:
     الاول: في الاحاديث الواردة في الزيارة .
     الثاني: في الاحاديث الدالة على ذلك وان لم يكن فيها لفظ الزيارة .
     الثالث: فيما ورد في السفر اليها .
     الرابع: في نصوص العلماء على استحبابها.
     الخامس: في كونها قربة.
     السادس: في كون السفر لها قربة.
     السابع: في دفع شبه الخصم وتتبع كلماته .
     الثامن: في التوسل والاستغاثة .
     التاسع: في حياة الانبياء .
     العاشر: في الشفاعة.
     وذكر في الباب الاول من الاحاديث الواردة في زيارة قبر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ، وفضلها، والحث عليها خمسة عشر حديثاً، واطنب في تصحيح سند كل واحد منها، عن رجال السند وعلله فصحح اسانيد اكثرها، مثل: « من
(20)
زار قبري وجبت له شفاعتي‎» (9)،وقد افاض في البحث عن سند هذا الحديث في خمس اوراق وبمضمونه حديثان آخران ومثل: ‎« من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي» (10) وافاض في النظر والبحث عن سنده في اربع اوراق ومثل: « من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني » (11) الى امثال ذلك من الاحاديث التي آخرها في هذا الباب: « من اتى المدينة زائراً لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة» و « من مات في احد الحرمين بعث آمنا‎ »(12) .
     ثم استوفى القول والحديث في الباب الثاني، ودخل بعده في الباب الثالث وذكر مفصلاً زيارة بلال من الشام التي هاجر اليها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ـ وانه راى في المنام وهو يقول له: « ما هذه الجفوة يا بلال، اما آن لك ان تزورني ؟ !» فانتبه حزيناً وجلاً، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ الى آخر الحديث. وكان ذلك في زمن اكابر الصحابة كالشيخين وغيرهما، وعقّبه بذكر زيارة جماعة من الصحابة والتابعين لقبره ـ وشد الرحال اليه .
     الكتاب الثاني بين ايدينا كتاب« الجوهر المنظم في زيارة قبر النبي المكرم » تأليف العالم الشهير صاحب المؤلفات الطائرة الصيت، ـ أحمد بن حجر
____________
(9) سنن الدار قطني 2/ 278 ح 194، الجامع الصغير للسيوطي ـ نقلاً عن البيهقي ـ 2/ 605 ح 8715، كنز العمال 15/ 615 ح 42583، وفاء الوفاء 4/ 1336، الكامل لابي احمد بن عدي 6/ 2350، واورد العلامة الاميني في الغدير 5/ 93ـ 96 «41» مصدراً، فراجع.
(10) سنن الدار قطني 2/ 278 ح 192، سنن البيهقي 5/ 246، كنز العمال 5/ 135 ح 12368 و 15/ 651 ح 42582، وفاء الوفاء 4/ 1340 وفيه: كان كمن زارني، الكامل لأبي احمد بن عدي 2/ 790، الجامع الصغير للسيوطي ـ نقلاً عن الطبراني ـ 2/ 594 ح 8628، واورد العلامة الاميني في الغدير 5/ 99ـ 100«9» مصادر، فراجع .
(11) كنزالعمال 5/ 135 ح 12369، وفاء الوفاء 4/ 1342، شفاء السقام: 23، واورد الاميني «9» مصادر في الغدير 5/ 100.
(12) وفاء الوفاء 4/ 1348، شفاء السقاء: 34، وقد اورد السبكي في شفاء السقام كل الاحاديث السابقة في الفصل الاول .
(21)
الشافعي، المطبوع ذلك الكتاب بمطبعة بولاق ايضاً في مصر، القاهرة سنة 1279، ورتبه ـ كسابقه ـ على فصول:
     الاول: في مشروعية زيارة قبر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، واستدل عليها من الكتاب بآيات، ومن السنة بأحاديث كثيرة صحح اسانيدها من الطرق المتفق عليها عند جمهور المسلمين، ثم استدلّ بإجماع علماء المسلمين، وزاد على ماذكره الحافظ السبكي لتأخر زمانه عنه.
     قال ابن حجر ـ بعد ان استوفى الكلام في سرد الحديث والاجماع على فضل الزيارة فضلاً عن مشروعيتها، صفحة 13ـ ما نصه:
     فإن قلت: كيف تحكي الاجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها وابن تيميه من متأخري الحنابلة منكر لمشروعيّة ذلك كله كما رآه السبكي في خطه، وقد اطال ابن تيميه في الاستدلال لذلك بما تمجه الاسماع وتنفر عنه الطباع، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً وانه لا تقصر فيه الصلاة، وان جميع الاحاديث الواردة فيها موضوعة، وتبعه بعض من تأخر عنه من اهل مذهبه ‎؟!
     قلت: من هو ابن تيمية حتى ينظر اليه او يعول في شيء من امور الدين عليه ؟! وهل هو الا كما قال جماعة من الائمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة؛ وحججه الكاسدة؛ حتى اظهروا عوار سقطاته؛ وقبائح اوهامه وغلطاته؛ كالعز بن جماعة: عبد اضله الله تعالى واغواه، والبسه رداء الخزي وارداه، وبوأه من قوة الافتراء والكذب ما اعقبه الهوان؛ واوجب له الحرمان.
     ولقد تصدى شيخ الاسلام، وعالم الانام، المجمع على جلالته، واجتهاده وصلاحه وامامته، التقي السبكي، قدس الله روحه، ونور ضريحه؛ للرد عليه في تصنيف مستقل افاد فيه (13)واجاد واصاب واوضح بباهر حججه طريق الصواب؛ ثم قال: هذا ما وقع من ابن تيمية مما ذكر، وان كان عثرة لاتقال ابداً، ومصيبة يستمر شؤمها، ليس بعجيب، فإنه سولت له نفسه وهواه
____________
(13) وكذا ناقسه في شفاء السقام في باب شبهة الخصم 98 ـ 115.
(22)
وشيطانه انه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب؛ ومادرى المحروم انه اتى بأقبح المعائب اذ خالف اجماعهم في مسائل كثيرة‎، وتدارك على أئمتهم سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة، حتى تجاوز الى الجناب الاقدس المنزه ـ سبحانه ـ عن كل نقص، والمستحق لكل كمال انفس، فنسب اليه الكبائر والعظام ، وخرق سياج عظمته بما اظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين، حتى قام عليه علماء عصره؛ والزموا السلطان بقتله او حبسه وقهره، فحبسه الى مات وخمدت تلك البدع، وزالت تلك الضلالات، ثم انتصر له اتباع لم يرفع الله لهم رأساً، ولم يظهر لهم جاها‎ ولا بأساً، بل ضربت عليهم الذلة والمسكنة باؤوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، انتهى.
     هذا بعض كلام ابن حجر العالم الذي ليس له في علماء السنة مدافع؛ ولا ينازع في جلالة شأنه وعظيم فضله منازع، ولسنا الآن في صدد تعداد مثالب ابن تيمية وبدعه في الدين، وما أدخله من البلية على الإسلام والمسلمين، فإن ذلك خارج عما نحن بشأنه من مواقف الحجة والبرهان، والنظر في الادلة على نهج علمي لا يخرج عن دائرة آداب المناظرة.
     واما حال ابن تيمية ... فقد كفانا مؤونة إشاعة فضائعه ووقائعه علماء الجمهور من اهل السنة والجماعة شكرت مساعيهم الجميلة .
     أما كلمتنا التي لا بد لنا من إبدائها في الجمع بين تلك الاخبار، ونظريتنا في استجلاء الحقيقة من خلال تلك الحجب والاستار، فسوف نبديها في تلو هذا السجل ناصعة بيضاء مستقرة، وعليه التكلان، وبه المستعان .
     ها نحن اولاء، وبعد ان سردنا عليك ذرواً من الاحاديث، وشذوراً من الروايات، نريد أن نأتي على الخلاصة، ونوقفك على الفذلكة، ونمنحك الحقيقة المكنونة، والجوهرة الثمينة فنتوصل الى الحقيقة من اقرب طرقها، ونتوسل الى البغية المنشودة بأقوى أسبابها، وأوثق عراها، وامتن أواخيها، فنقول:
(23)

     نقدر على الفرض ان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ها هو امام كل مسلم من امته يراه بعينه ويسمعه باذنه قائلاً له : « لاتدع تمثالاً إلا طمسته، ولاقبراً مشرفاً إلاسويته » بناءً على صحّة كل ما ورد في الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ إذ هذا الفرض ـ وان كنا لانقول به ـ ولكن نجعله من الاصول الموضوعة بيننا ـ اعني به ما هو فصل النزاع وقاطع الخصومة ـ ومعلوم ان المتخاصمين إذا لم يكن فيما بينهما اصول موضوعة ينتهون إليها، ويقفون عندها، لاتكاد تنتهي سلسلة النزاع بينهما والتخاصم طول الابد، وعمر الدهر، إذاً فنحن على سبيل المجاراة والمساهمة مع الخصم نقول بصحة ذلك الحديث‎، كما يلزمنا معاً ان نقول بصحة غيره من احاديث الصحيحين فها هو النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: « لاتدع قبراً مشرفاً إلاسويته» ، كما رواه مسلم، ـ ولكنه يقول حسب روايته ايضاً: « فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ... » ، و « استأذنت ربي في زيارة امي فأذن لي » ... وقد زار هو قبور البقيع ... وفي البخاري عقد باباً لزيارة القبور وحينئذ ـ فهل هذه الاحاديث متعارضة متناقضة ؟! النبي الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى يأمر بهدم القبور ... ويأمر بزيارتها ... يأمر بهدمها ثم هو يزورها ...
     فإن كان المقام من باب تعارض الاحاديث واختلاف الروايات وجب الجمع بينهما لا محالة، على ما تقتضيه صناعة الاجتهاد، وطريقة الاستنباط، وقواعد الفن المقررة في الاصول، بحمل الظاهر على الاظهر، وتأويل الضعيف من المتعارضين وصرفه الى المعنى الموافق للقوي، فيكون القوي قرينة على التصرف في الضعيف، وإرادة خلاف ظاهره منه كما يعرفه ارباب هذه الصناعة، فهل المقام من هذا القبيل ؟!
     كلا ثم كلا، ومهلاًُ مهلاً: ان هذه الساقية ليست من ذلك النبع، وتلك القافية ما هي من ذلك السجع؛ وليس المقام من باب التعارض كي يحتاج الى التأويل والجمع.
     ما كنت احسب ان ادنى من له حظ من فهم التراكيب العربية
(24)
والتصاريف اللغوية يخفى عليه الفرق بين « التسوية» و « المساواة» .
     ان الذين يصرفون قوله ـ عليه السلام ـ: «ولاتدع قبراً مشرفاً إلا سويته » الى معنى ساويته بالارض اي «هدمته» اولئك قوم أيفت أفهامهم، وسخفت أذهانهم، وضلت البابهم، ولم يكن من العربية لهم ولا قلامة ظفر فكيف بعلمائهم ؟!
     ولايخفى على عوام العرب ان تسوية الشيء عبارة عن تعديل سطحه او سطوحه، وتسطيحه في قبال تقعيره او تحديبه او تسنيمه وما اشبه ذلك من المعاني المتقاربة(14) والالفاظ المترادفة، فمعنى قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ: « لاتدع قبراً مشرفاً ـ اي: مسنماً ـ إلا سويته ـ اي ـ سطحته وعدلته ـ » وليس معناه: إلا هدمته وساويته بالارض كي يعارض ما ورد من الحث على زيارة القبور واستحباب إتيانها، والترغيب في تشييدها، والتنويه بها، وذلك المعنى ـ اعني ان المراد من تسوية القبر تسطيحه وعدم تسنيمه ـ كان هو الذي فهمته من الحديث اول ما سمعته بادئ بدء وعند أول وهلة، ثم راجعت الكتاب ـ اعني صحيح مسلم ـ ونظرت الباب فوجدت صاحب الصحيح ـ مسلم ـ قد فهم فيه مافهمناه من الحديث حيث عنون الباب قائلاً: ( باب تسوية القبور ) واورد فيه اولاً بسنده الى تمامه قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ثم قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يامربتسويتها (15) ثم اورد بعده في نفس هذا الباب حديث ابي الهياج المتقدم: « ولاقبراً مشرفاً الاسويته » .
     وكذلك فهم شارحوا صحيح مسلم وامامهم النووي الشهير، وها هو بين ايدينا يقول في شرح تلك الجملة النبوية ما نصه: فيه: ان السنة ان القبر لا يرفع عن الارض رفعاً كثيراً ولايسنم، بل يرفع نحو شبر، وهذا مذهب الشافعي ومن
____________
(14) معجم مقايس اللغة 3/ 112 (سوى ) .
(15) صحيح مسلم 2/ 666 باب 31 / 92.
(25)
وافقه، ونقل القاضي عياض عن اكثر العلماء ان الافضل عندهم تسنيمها (16). انتهى كلام النووي .
     ويشهد لأفضلية التسنيم مارواه البخاري في صحيحه في باب صفة قبر النبي وابي بكر وعمر بسنده الى سفيان التمار انه رأى قبر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ مسنماً (17)...
     ولكن القسطلاني احد المشاهير من شارحي البخاري، شرحه في عشر مجلدات طبعت في مصر القاهرة، قال ما نصه: « مسنماً» بضم الميم وتشديد النون المفتوحة اي: مرتفعا، زاد ابو نعيم في مستخرجه: وقبر ابي بكر وعمر كذلك، واستدل به على ان المستحب تسنيم القبور، وهو قول ابي حنيفة (18)ومالك (19)واحمد (20)والمزني وكثير من الشافعية:
     وقال أكثر الشافعية (21)ونص عليه الشافعي: التسطيح افضل من التسنيم لانه ـ صلى الله عليه وآله ـ سطح قبر ابراهيم وفعله حجة لافعل غيره (22)، وقول سفيان التمار لاحجة فيه ـ كما قال البيهقي ـ لاحتمال ان قبره ـ صلى الله عليه وآله ـ وقبري صاحبيه لم تكن في الازمنة الماضية مسنمة (23).
     وقد روى ابو داود بإسناد صحيح ان القاسم بن محمد بن ابي بكر قال: دخلت على عائشة فقلت لها: اكشفي لي عن قبر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وصاحبيه فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة
____________
(16) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 4/ 301.
(17) صحيح البخاري 2 / 128.
(18) المبسوط للسرخسي 2/ 62.
(19) المنتقى 2/ 22.
(20) المغني لابن قدامة 2/ 380.
(21) المجموع 5/ 295.
(22) الام 1/ 273.
(23) سنن البيهقي 4/ 4 وفيه ـ بعد ان نقل حديث التمارـ : وحديث القاسم أصح وأولى ان يكون محفوظاً .
(26)
الحمراء، اي لامرتفعة كثيراً ولا لا صقة بالارض (24)، الى ان قال القسطلاني الشارح: ولا يؤثر في أفضلية التسطيح كونه صار شعار الروافض لان السنة لا تترك بموافقة أهل البدع فيها ! ولا يخالف ذلك قول علي ‎ـ رضي الله عنه ـ أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ان لاادع قبراً مشرفاً الاسويته، لانه لم يرد تسويته بالارض وانما اراد تسطيحه جمعاً بين الاخبار‎، ونقله في المجموع عن الاصحاب (25) .
     إنتهى ما اردنا نقله من شرح البخاري، وانت ترى من جميع ما أحضرناه لديك وتلوناه عليك من كلمات أعاظم المسلمين وأساطين الدين من مراجع الحديث كالبخاري ومسلم، وأئمة المذاهب كأبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد، وأعلام العلماء واهل الاجتهاد كالنووي وامثاله، كلهم متفقون على مشروعية بناء القبور في زمن الوحي والرسالة، بل النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بذاته بنى قبر ولده إبراهيم؛ إنما الخلاف والنزاع فيما بينهم في ان الافضل والارجح تسطيح القبر او تسنيمه، فالذاهبون الى التسنيم يحتجون بحديث البخاري عن سفيان التمار انه رأى قبر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ مسنماً، والعادلون الى التسطيح يحتجون بتسطيح النبي قبر ولده إبراهيم، وصحيح القاسم بن محمد بن ابي بكر شاهد له، ولعل هذا الدليل هو الارجح في ميزان الترجيح والتعديل، ولا يقدح فيه انه صار من شعار الروافض وأهل البدع كما قال شارح البخاري ، فيما مر عليك نقله.
     ولايعنينا الآن الخوض في حديث الروافض وانهم من اهل البدع ام لا، إنما الشأن في حديث « لاتدع قبراً مشرفاً إلا سويته » واحسب أنه قد تجلى لك بحيث يوشك ان يلمس بالانامل، ويرى بباصرة العين ان معنى ‎« سويته » عدلته وسطحته في قبال سنمته وحدبته ويناسب هذا المعنى كل المناسبة التقييد
____________
(24) سنن أبي داود 3/ 215 ح 3220.
(25) إرشاد الساري 2/ 477.
(27)
بقوله « مشرفاً » فإن أصل الشرف لغة هو العلو بتسنيم مأخوذ من سنام البعير، وعليه فيحسن ذلك القيد، بل يلزم ويكون بلسان اهل العلم ( قيداً احترازياً ) . أما على معنى ساويته فالقيد لغو صرف، بل مخل بالغرض المقصود.
     وبعد هذا كله فهل من قائل لذلك المفتي، مفتي علماء المدينة الذي أفتى بجواز هدم القبور او وجوبه استناداً إلى ذلك الحديث: ياهذا ! من اين جئت بتلك النظرية الحمقاء، والحجة العوجاء، والبرهنة المعكوسة، والمزعمة المقلوبة التي ما همها واهم، ولاخطرت على ذهن جاهل فكيف بالعالم ؟!
     اللهم إلا أن يكون «ابن تيمية» أو بعض ذناباته فإن الرجل ترويجاً لأباطيله، وتمشية لأضاليله، حيث تعوزه الحجة والسند قمين بتحوير الحقائق، وقلب الادلة، والتلاعب بالحجج والبراهين تلاعبه بالدين « كما تلاعبت الصبيان بالاكر» .
     لا يا هذا، إن الشمس لا تستر بالاكمام، وإن الحق لا يسحق بزخارف الكلام وسفائف الاوهام ... إن الحديث « لاتدع قبراً إلاسويته » دليل عليك لا لك، وحجة قاطعة لأضاليلك وقالعة لجذور أباطيلك، فإن معناه الذي لايشك فيه إنسان من أهل اللسان « سويته اي: عدلته وسطحته، لا ساويته وهدمته»، وبهذا المعنى لا يكون معارضاً لشيء من الاحاديث حتى يحوج من له حظ من صناعة الاستنباط الى الجمع والتأويل، وهذا هو معناه بذاته وظاهر من نفس مفرداته وتركيبه، لا الذي يحصل بعد الجمع كما يظهر من عبارة شارح البخاري المتقدمة.
     نعم، لو ابيت إلا عن حمل « سويته » على معنى ساويته بالارض وجاملناك على الفرض والتقدير، حينئذ تجيء نوبة المعارضة ويلزم الصرف والتأويل، وحيث ان هذا الخبر بانفراده لا يكافئ الاخبار الصحيحة الصريحة الواردة في فضل زيارة القبور ومشروعية بنائها، حتى ان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ سطح قبر إبراهيم، فاللازم صرفه الى ان المراد: لاتدع قبراً مشرفاً قد اتخذوه
(28)
للعبادة إلا سويته وهدمته.
     ويدل على هذا المعنى الاخبار الكثيرة الواردة في الصحيحين ـ البخاري (26) ومسلم ـ من ذم اليهود والنصارى والحبشة حيث كانوا يتخذون على قبور صلحائهم تمثالاً لصاحب القبر فعبدونه من دون الله، ولعله إشارة الى بعض طوائف اليهود والنصارى والحبشة حيث كانوا كذلك في القديم فعدلوا واعتدلوا .
     أما المسلمون من عهد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى اليوم فليس منهم من يعيد صاحب القبر، وانما يعبدون الله وحده لاشريك له في تلك البقاع الكريمة المتضمنة لتلك الاجساد الشريفة، وبكل فرض وتقدير فالحديث يتملص ويتبرأ أشد البراءة من الدلالة على جواز هدم القبور فكيف بالوجوب؛ والاخبار التي ما عليها غبار ومما لم نذكره ناطقة بمشروعية بنائها وإشادتها وانها من تعظيم شعائر الله ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (26).

     تتمة:
في العام الماضي طبعت في النجف الاشرف رسالة موسومة بـ‌« منهج الرشاد» لا سطوانة من اساطين الدين ـ الشيخ الاكبر كاشف الغطاء ـ الذي يعرف كل عارف انه كان فاتحة السور من فرقان العزائم، وكوكب السحر في سماء العظائم، هو من أفذاذ الاعاظم الذين لاتنفلق بيضة الدهر إلا عن واحد منهم، ثم تعقم عن الاتيان بثانيه إلا بعد مخض طويل من الاحقاب، من غر اياديه ـ وكم له في العلم من أياد غرر ‎ـ تلك الرسالة التي رتبها على مقدمة وفصول، عقد كل فصل منها لدفع شبهة من شبهات الوهابية ودحضها بالادلة القطعية، والاحاديث النبوية الثابتة من الطرق الصحيحة عند أهل السنة، على ان المقدمة وحدها كافية في قمع شبهاتهم، وقلع جذوم مذهبهم، وهدم اساس طريقتهم، وقد ابدع فيها غاية الابداع. ومن بعض أبواب الرسالة: « الباب الرابع: في بناء قبور الانبياء
____________
(26) صحيح البخاري 2/ 114.
(27) الحج: 32.
(29)
والاولياء » وأفاض في البيان إلى أن قال:
     والاصل في بناء القباب وتعميرها ما رواه التباني واعظ أهل الحجاز عن جعفر بن محمد، عن ابيه، عن جده الحسين، عن أبيه علي ـ عليه السلام ـ أن رسول الله صلى الله عليه وآله ـ قال له: « لتقتلن في ارض العراق وتدفن بها، فقلت: يارسول الله، مالمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟ فقال: ياأبا الحسن، إن الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعاً من بقاع الجنة، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده تحن إليكم، وتعمر قبوركم، ويكثرون زيارتها تقرباً إلى الله تعالى ومودة منهم لرسوله» (28).
     ثم قال ـ قدس سره ـ بعد إيراد تمام الحديث: ونقل نحو ذلك أيضاً في حديثين معتبرين، نقل أحدهما الوزير السعيد بسند، وثانيهما بسند آخر غير ذلك السند، ورواه أيضاً محمد بن علي بن الفضل، انتهى .
     والقصارى: أن النزاع بيننا معاشر المسلمين أجمع وبين سلطان نجد وأتباعه الذين يحكمون بضلالة سائر المسلمين أو بتكفيرهم، لو كان ينحسم وينتهي بإقامة الحجج والبراهين لجئنا بالقول المقنع المفيد! ولكان عندنا زيادة للمستزيد، بل لو كنا نعلم أنهم يقنعون بالحجة البالغة، ويخضعون للأدلة القاطعة، لملأنا الطوامير من الحجج الباهرة التي تترك الحق أضحى من ذكاء، وأجلى من صفحة السماء، ولكن سلطان نجد له حجتان قاطعتان عليهما يعتمد، وإليهما يستند ، ولافائدة إلا بمقابلتهما بمثلهما أو باقوى منها، وهما: الحسام البتار، والدرهم والدينار، السيف والسنان، والأحمر الرنان، هذا لقوم وذاك لآخرين:
     أحدهما لأهل الصحف والمجلات في مصر وسوريا ونحوهما ليحبّذوا أعماله الوحشية ويحسنوا همجيته التي تضعضع أركان كل مدنية.
     والآخر لأعراب البوادي ولشرفاء الحجاز وامثالهم من امراء العرب حيث تساعده الظروف لاقدر الله .
____________
(28) فرحة الغري: 77.
(30)

     إذن فأي فائدة في إطالة الكلام، وسرد الاحاديث ونضد الادلة. نعم، فيها تبصرة وتبيان لطالب الحقيقة المجردة عن كل خوف ورجاء، وتحامل وتزلف، ولكن أين هو ذلك الرجل الطالب للحق المجرّد عن كل غرض ؟! ولئن كان لوح الوجود غير خال منه ففيما ذكرناه غنى له وكفاية.
     أما امير نجد واجناده وقضاته ومن لف لفهم الذين اتخذوا لتلك الدعوى والديانة وسيلة لامتداد سلطتهم، واتساع سطوتهم، وضخامة ملكهم، فلسنا معهم في الخصام وإقامة الحجج إلا كإشراق الشمس على المستنقعات العميقة، في الأودية السحيقة، لاتزيدها تلك الأشعة إلا سخونة وعفونة وانتشار وباء في الهواء.
     ليت قائلاً يقول لقاضي القضاة ـ ابن بليهد ـ ولمفتي علماء المدينة: أتراكم تعتقدون وتعتمدون على كل ما في صحيح مسلم، وتعملون بكل ما ورد من النصوص فيه؟ فإن كنتم كذلك فقد عقد مسلم في صحيحه باباً واورد عدة أحاديث في ان الخلافة لاتكون إلا في قريش، وان الائمة من قريش (29)، بأساليب من البيان، وأفانين من التعبير، وكلها صريحة في ان الخلافة الحقة المشروعة مخصوصة بتلك القبيلة .. ومثله، بل وأكثر منه في صحيح البخاري، وعليه فأين تكون خلافة اميركم ابن سعود؟ وكيف حال إمامته؟أهي من قوله تعالى : « وجعلنا منهم أئمة» (30) ؟! أم من قوله تعالى ‎لإبراهيم : « إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين»(31) ؟! وحسبنا هذا القدر، إن اللبيب من الإشارة يفهم!
     وأما حديث لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد
____________
(29) صحيح البخاري 9/ 77 باب «1» كتاب الاحكام، صحيح مسلم 3/ 1451ـ 1454 باب «1» كتاب الإمارة.
(30) السجدة: 24.
(31) البقرة: 124.
(31)
والسرج (32) فهو نهي للنساء عن التبرج والخروج إلى المجتمعات وعن السجود على القبر، وهو مما لا يصدرمن احد من المسلمين، وعن إيقاد السرج عبثاً وتعظيماً لذات القبر، أما الإسراج لقراءة القرآن والدعاء فلا منع ولانهي، بل في بعض الاحاديث جوازه (33).
     هذا كله في الجواب عن حديث مسلم في شأن هدم القبور وزيارتها والاسراج عليها، أما فتاوى مفتي علماء المدينة الاخرى المتعلقة بشأن التبرك بالقبور، والتمسيح بها، وزيارتها ونحو ذلك، فقد أفتى ذلك المفتي بالمنع منها مطلقاً، ولكن أرسل اكثر الفتاوى إرسالاً من غير ان يسندها الى حجة او يعمدها على دليل حتى نتصدى للجواب عنه.
     نعم، قال في آخرها ـ وما اصدق ما قال ـ: هذا ما ادى إليه نظري السقيم. انتهى.
     والسقيم ـ لا محالة ـ إنما جاء من إحدى العلتين اللتين مر ذكرهما او من كليهما، نسأله تعالى العافية لنا ولجميع المسلمين.
     وفي الرسالة ـ المنوه بذكرها من أمم ـ لكل واحدة من تلك المسائل فصل مستقل اثبت فيه من الطرق الصحيحة المعتبرة عند القوم مشروعيتها ورجحانها وعمل الصحابة والتابعين بها، فمن اراد فليراجع. وعلى هذا الحد فلتقف الاقلام، وينتهي الكلام، فقد تجلى الصبح لذي عينين، والسلام‎. تمت بحمد الله تعالى .


 
*      *      *

____________
(32) سنن ابي داود 3/ 218 ح 3236 .
(33) مستدرك الحاكم 1/ 374 .

زيارة القبوررسالة نقض فتاوى الوهابية


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID