جمعه 31 فروردين 1403  
 
 
دعوة الى الايمان

مبادئ الأيمان

آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء "قدس سره"

  


الاهداء

الى روح الفقيد الوالد تلك الروح السامية التي انصفت بالفكر النير والذهن المتوقد والعلم الغزير، والأدب الرفيع، والعاطفة المشبوبة وصفاء النفس، وحب الخير وقوة الايمان، والنشاط والحماس للعمل الصالح والشجاعة الفائقة في قول الحق والثورة على الظلم. اهدي هذا الكتاب الذي هو منه واليه آملاً من الله الأجر والثواب.

الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الناشر

كان المرحوم الفقيد الوالد حجة الإسلام الامام محمد الحسين آل كاشف الغطاء طاب ثراه، قد الف كتاباً مبسطاً موجزاً لطلاب المدارس في اصول الدين وفروعه سماه (الدروس الدينية) ونظراً لحاجة الناشئة والملأ لهذا النوع من الكتب رأيت نشر الكتاب، واتماماً للفائدة اضفت الى اصل الكتاب مواضيع هامة وواضحة من كتب اخرى للفقيد. وكتبت مقدمتين بقلمي للكتاب املا في افادة القارئ والتمهيد للكتاب وسميت الكتاب (مبادئ الايمان) لموافقته لأبحاث الكتاب ومن الله نسأل التوفيق للسداد والصواب.

مدرسة الامام كاشف الغطاء

النجف الأشرف

30 ربيع الأول 1378هـ ـ 14 تشرين الاول 1958م

عبد الحليم آل كاشف الغطاء

 

دعوة الى الايمان

يسود القلق العالم في العصر الحاضر لأسباب كثيرة كالضوضاء وازدحام السكان والحرب والفقر والتنافس والنزاع القومي والطبقي وغير ذلك. ويسود القلق المجتمع الشرقي بصورة اشد، بسبب الانحلال الخلقي الذي يسوده بالاضافة الى العوامل الاخرى المختلفة.

وهذا الانحلال الخلقي وان كان من اسبابه الفقر والجهل والتأخر، ولكن السبب الاساسي له الشك الذي نتج عن ضعف الوازع الديني في الشرق، ذلك الوازع الذي كان يحفز الناس الى النشاط وعمل الخير ويساعد في تنظيم شؤونهم بدون قوة قاهرة.

بما ان العقل الانساني يمتاز بسموه وشدة التفكير فيه، وغلبة الفكر على الحس والشهوة والغريزة، نجد الانسان المتمدن في حاجة شديدة الى الايمان بفكرة وعقيدة، ويتفق جميع علماء النفس والاجتماع على حاجة الانسان الى الايمان بفكرة، وبدون هذا الايمان يصبح شخصاً بهيمياً تتغلب فيه الشهوة والغريزة على الفكر والمثل العليا.

ولا مجال هنا لشرح الاسباب التي تبعث الانسان الى الايمان، ولكن اعتقد ان اهم الاسباب هو ان الانسان عندما يفكر ويعلم انه غير خالد في هذه الحياة يرى بصورة واعية او غير واعية من الهوان عليه والاحتقار لنفسه ان لا يكون لوجوده معنى وغاية، ويرى ان من الاحترام لنفسه والتقدير لها ان يجعل وجوده نافعاً للآخرين كالشجرة المثمرة. وعندما يساهم الفرد في المجتمع بالعمل النافع للجميع يؤدي عمله ذلك في نفس الوقت الى التقدم والعمران وتكوين مجتمع ارقى وافضل في المستقبل وبذلك لا يكون وجوده عبثاً بل لغاية سامية ارادها الله منذ الأزل، [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ]، [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]، [وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا]، [وَالْعَصْرِ  إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ  إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ]، [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ]، [وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ] وفي القرآن الكريم واحاديث النبي "ص" واخبار اهل بيته نصوص كثيرة تؤكد ضرورة الايمان اولاً والعمل الصالح ثانياً. والانسان يظل في شقاء وتعاسة مادام انانياً يفكر في نفسه، ومادام يرى انه مركز العالم كما يفكر الاطفال ويسعد عندما يخرج من انطوائه وعزلته، ويعلم انه خلق للعالم والوجود وانه وسيلة وغاية، وعندما يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

لا ننكر ان الدين قد ضعف في المجتمع الغربي وان لم يزل، ولكن قد نشأت فيه آراء وعقائد جديدة كونت مجتمعاً مترابطاً كالنزعة القومية والوطنية والانسانية والمبدأ الديمقراطي والاشتراكي والفلسفات الحديثة المختلفة، ولا شك ان اقوى الروابط في العصر الحاضر هي الرابطة القومية التي بلغت مع الاسف حد التطرّف احياناً.

والشعوب الشرقية لا تزال تجتاز مرحلة انتقال وتبلور، لذلك نجدها متبلبلة الرأي يسودها الكفر والقلق والانحلال، وتركت محاسن القديم ومحاسن الحديث واخذت مساوئ الطريقين.

والعلاج الناجع لشعوب الشرق هو الاحتفاظ بميزاتها الحسنة والايمان بعقائدها السليمة بدون جمود وتزمت مع اقتباس علوم الغرب وصناعته واتباعه في عاداته واخلاقه الحسنة كالتنظيم والعمل والمثابرة وترك عاداته السيئة وتجنب مشاكله الاجتماعية فان العاقل من اتعظ بغيره واستفاد من تجارب غيره. واذا تأملنا في الآراء والعقائد الغربية نجد الاسلام الصحيح جامعاً لها قاطبة. فانصح من حاد عن الاسلام ان يعود اليه ومن آمن به أن يشتد ايمانه ويقوى. ويجب على المسلمين ان يعلموا ان تأخّرهم لا يعود الى الاسلام بل لاسباب تاريخية ولأختلافهم وضعف ايمانهم والدليل على ذلك ان الاسلام لم يعقهم في السابق عن التمدن والحضارة.

عبد الحليم آل كاشف الغطاء

الدين والحقيقة

[سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ]

منذ آلاف السنين بهر الانسان هذا الوجود بتنوعه وغموضه وجماله ونظامه، ونظراً لما امتاز به الانسان من مزايا جسمية ومواهب عقلية بدأ تارة يحاول ان يتفهم اسرار الظواهر الطبيعية والاشياء ومنافعها، كل ظاهرة وكل شيء منفصلاً عن غيره، وتارة يحاول ان يعطي تفسيرات عامة تربط بين الاشياء والظواهر المختلفة، ويعد مرور آلاف من السنين في البحث تمكن في الوقت الحاضر ان يتعرف على بعض الحقائق الجزئية التي استعان بها لمنفعته، ولكن لم يستطع التعمق والوصول الى الاسرار البعيدة الا قليلاً، والاسئلة العامة التي عرضها فلاسفة اليونان الاقدمون لا تزال محل البحث والجدل، واهم تلك الاسئلة العويصة، كان عن سر الوجود بأجمعه ارضه وسمائه، وعن الجوهر الذي انبثق منه الوجود، وعمن نظّم هذا الكون واعطاه الجمال، وعن سر الحياة، وعن نهاية الكون والحياة وعن سر الزمان والمكان والمادة.

يمكن ان نحصر تراث الانسان الفكري، وجميع انواع المعارف التي انتجتها حضارة الانسان في اربعة اقسام: الدين والفلسفة والعلم والفن، العالم يدرس جزءاً محدوداً من الكون، يأخذ ظاهرة معينة او شيئاً معيناً، ويبحث عن العوامل التي تؤثر فيها، ويوضح لنا كيفية حدوث الاشياء والظواهر، ويقتصر على الاسباب، ولا يعني بالعلل البعيدة، ولا يخبرنا عن الأشياء بذاتها بل يرمز عنها، ولا يطلب من العالم ان يبين الروابط بين اجزاء الكون، فهو يجزء الموجود ويفصل بعضها عن البعض الآخر ليسهل عليه درسها وملاحظتها، ويعتمد العالم في الدرجة الاولى للوصول الى المعرفة على الحواس والآلات والمقاييس مع اعمال الفكر للاستقراء والمقارنة، وينتقل من الجزئيات الى الكليات، ويصنف المعلومات التي يحصل عليها بالطريقة المذكورة.

هناك حاجة للربط بين جميع الحقائق التي توصل اليها العلماء، هناك ضرورة للنظر الى جميع الاشياء الملاحظة ككل واحد.

فمن المعلوم ان الاجزاء في كثير من الاحوال عندما تجتمع تعطي معنى يختلف عن معاني الاجزاء منفردة، مثلاً السيارة تختلف في معناها عن معنى الاجزاء المكونة لها. وعندما يتحد عنصر الكلور مع عنصر الصوديوم يركبان ملح الطعام الذي يختلف في خواصه وصفاته عن عنصريه فعلى الفيلسوف ان يربط اكتشافات العالم مع الهام الفنان، وانفعالات المحب، وحماسة المصلح الاجتماعي، والوازع الاخلاقي للرجل العادي، ليعطي لهذه الاجزاء معنى جديداً يفسر فيه الوجود والحياة، العالم يعتمد في الدرجة الاولى على الحواس، والفيلسوف يعتمد على التفكير مع اعطاء الحرية التامة للفكر في فرضياته ونظرياته.

منذ ايام اليونان، انقسم الفلاسفة الى طائفتين مع اختلاف في مذاهب كل طائفة، فطائفة ذهبت الى أن المادة هي اصل الكون، والحياة او العقل ناتج عن تفاعلات المادة وتغيراتها وقالوا: بما ان المادة نستطيع ان ندركها بحواسنا فاليها تعود حقيقة الوجود. اما الطائفة الثانية فلا ترضى بهذا التعليل الناقص غير الدقيق وتعتبر الفلاسفة الماديين كمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء، وتقول بما ان وجود كل ما نتأمله يستلزم العقل، فالعقل هو اصل المحسوسات، والمادة لا تستطيع ان تولد العقل ما لم تكن من جوهر العقل وحقيقته لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وكيف جاز للماديين ان يجعلوا الطبيعة قادرة على خلق العقل وجردوها منه ملايين ملايين السنين قبل ظهور الانسان، فحقيقة الاشياء هي عقلية او روحية، والظواهر المادية ليست الا نتيجة للطريقة التي تتخذها الحقيقة الروحية للظهور، او كما يقول العالم الفيزيائي ادينكتون: ( إن الظواهر المادية نتيجة للتجريد او العزل الذي يلجأ اليه عقلنا في التعرف على الروحية التي تتضمن تلك الظواهر) أي ان الاشياء واحدة في طبيعتها ولكن عقلنا يظهرها بمظاهر مختلفة تبعاً للطريقة التي تحس بها السمع والبصر، والشم والذوق واللمس وغيرها.

او تختلف الاشياء في الصفات لا الذات كالشكل واللون والكثافة وغيرها من الصفات، اما المذهب الثالث وهو مذهب الشك الذي ينكر الوصول الى الحقيقة فمؤيدوه قليل، لأن الانسان يكره الشك ويبعثه الى القلق ويشله ولا يوحي النشاط والحماس.

ولا اريد في هذا المقال ان الخص تاريخ الفلسفة ولكن غرضي ان اختصر الادلة الى وجود الله وصحة الفلسفة المثالية الروحانية على الاجمال ثم اشرح نظرية وحدة الوجود المشهورة متوخياً البساطة والوضوح في التعبير، لأني رأيتها حسب فكري ومعلوماتي، ادق نظرية عن حقيقة الوجود لموافقتها للعلم والدين والفلسفة الحديثة، والنظريات العلمية الحديثة كالنظرية النسبية لأنشتاين ونظرية الكم لبلانك.

ان الدين لا ينكر على العلم اهمية حقائقه الجزئية، ولا يمنع الفلاسفة عن الجدل والمناظرة والتفكير، ولكنه يرى ان الوصول للحقيقة النهائية عن طريق الحس والعقل وحدهما، يؤدي الى الالتباس، بالاضافة الى هذين الطريقين ينبغي ان نستعين بطرق اخرى، ذات صلة باعماق النفس الانسانية وباطن الفرد، مثل التنبؤ والنظر الغيبي والالهام والوحي الالهي والتجلي، والبداهة والقناعة الذاتية.

ان الدين يؤمن ايماناً تاماً عن هذا الطريق، بأن الله هو اصل الوجود، وسواء جاءت ابحاث العلماء والفلاسفة مؤيدة له ام لا؟ فهو لا يكترث لها، لأن آراءهم عرضة للتغير والتبدل، يقول الدين: ان العالم بموجوداته المتنوعة من بحار وانهار واشجار وجبال وحيوانات ومواد مختلفة، توحي الينا بالبداهة ولأول وهلة انها ليست الاّ صوراً لحقيقة واحدة هي الله.

(وفي كل شيء له آية            تدل على انه الواحد)

كما انك تتنبأ عن اخلاق شخص عندما تجتمع به لأول مرة من تفرسك في بريق عينيه وملامح وجهه وتصيب في اكثر الاحيان، كذلك من نظرة عاجلة لهذا الوجود نعرف ماهيته وحقيقته، اما اذا اردنا ان نوسوس فاننا نفقد الصواب.

عندما يتأمل الفرد في نفسه، في تفكيره وانفعالاته وآماله وآلامه، وحيويته وغرائزه يجد انه لا يعبر عن ارادته، بل عن الارادة العامة للوجود التي تسيره كما شاءت. هنالك نواح لا نستطيع ان ندركها عن طريق العلم مثل معرفتنا بنفوسنا، ومعرفة العدل والجمال، ومعرفة الفكاهة والمزاح، ومعرفة اخلاق شخص آخر وانما نعرفها باللقانة (intuition  ) كذلك نعرف الحقيقة النهائية عن هذا الطريق أي الحدس والالهام.

والفن ذو صلة بالحقيقة الكلية، فالفنان لا يصور الوجود كما هو ويعبر عنه فحسب، بل يظهره بشكله الأكمل ويحاول أن يسمو بالحياة وينظر الى الافق البعيد ويتطلع الى المستقبل القادم ويسعى الى تحسين الحياة ويوجهها الى التقدم والكمال، ويعرف افلاطون الفن بأنه الكلي ممثلاً في الجزئي، ونحن نتذوق الفن كالموسيقى والغناء والتصوير والشعر والأدب عن طريق اللقانة ايضاً.

في القرن التاسع عشر انخدع الناس واصابهم الغرور للتقدم والتوسع الذي حصل في مختلف العلوم كالكيمياء والفيزياء، والاحياء والفلك، وطبقات الأرض ونشطت لذلك الفلسفة المادية، وآمن بعض الفلاسفة والعلماء مع الأسف، مثل ارنست هيكل وبخنر وهكسلي وسبنسر، بالتطور الذي حدث في الاحياء والجمادات كأحسن تفسير للعالم، مع ان التطور لا يخرج عن مجال العلم ويبين لنا فقط الادوار التي مرت على الأرض والاحياء. وخلاصة نظرية التطور العضوي ان اصل الأحياء كائنات حية بسيطة تطورت خلال ملايين السنين الى احياء راقية معقدة، وكانت بعض الأنواع تنقرض وتنشأ انواع جديدة تختلف عن اصولها لأسباب غير معلومة تماماً في الوقت الحاضر، وتبقى بعض الأنواع محافظة على وجودها ولكن التطور نفسه يحتاج الى تفسير، فما سره وما غايته وما نهايته ولا يوضح التطور اصل الوجود، فما هو الأصل الذي نشأت منه الأشياء هل هو النور او الهواء او الماء او الهيدروجين ام غيرها.

والمتعمق في الدين يعرف ان نظرية التطور لا تعارض الدين بل تؤيده. ان نظرية التطور تقول: ان كل شيء في الوجود من اشياء واحياء معرضة دائماً للتغير والدين يقول: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ]، الدين يقول: ان الثبات والخلود لله تعالى شأنه، والاشياء كلها متغيرة او فانية اما ان يكون لها وجود مؤقت في الحاضر، او معدومة في الحقيقة والوجود لله وحده لا شريك له، وبقاؤها على حالها او تغيرها او فناؤها ورجوعها اليه منوط بإرادته. فالله قد جعل التطور في الطبيعة ولو اراد ان يوقف التطور لقدر وفعل، والطبيعة من الله وتطورها منه.

فالدين لم ينشأ منذ القدم بسبب الخوف والرجاء، الخوف من شرور الطبيعة والرجاء من الله في دفعها، كما ظنَّ بعض الكتّاب والمؤرخين ولم ينشأ لخدع الجماهير وصرفها عن واقعها الاجتماعي المر، بل نشأ كالفلسفة والعلم للوصول الى الحقيقة، والبحث عنها وسار مع العلم والفلسفة دوماً.

وما نجد عند اهل الدين احياناً من اعمال وطقوس وآراء تتعارض مع الحقيقة بصورة اكيدة فهي طارئة على الدين وليست من جوهره.

واهم الادلة على اثبات الصانع ووجود الله وان الطبيعة المحسوسة ليست اصل الوجود ما يأتي:

(1)برهان الخلق ــ وخلاصته ان كل موجود وكل شيء من مادة وطاقة واحياء يتوقف وجوده على غيره من الموجودات وهذا يتوقف على غيره دون ان نرى ضرورة وجوده لذاته. وهذه الظاهرة في الاشياء ادت الى التركيب والتعقيد الشديد في الوجود وارتباط الموجودات مع بعضها، فلا بد اذن لهذه الموجودات من سبب لوجودها لا يتوقف وجوده على وجود آخر، ويعبر عنه في الفلسفة وعلم الكلام بواجب الوجود او الله، اما الأشياء فممكنة الوجود.

(2) مع ما نلاحظ في الوجود من تنوع وتعقيد، وتغير مستمر، تحليل يعقبه تركيب، وتركيب يعقبه تحليل. نلاحظ ايضاً ان النظام يسود العالم والتغير الذي يحدث في الطبيعة في الغالب تغير بطيء، والتغير السريع نادر واقل حدوثاً، فالله يحفظ الوجود غالباً ويغيره تارة ويفنيه تارة اخرى.

(3) الجمال يسود العالم ونعيه ونحس به كالنور والألوان الجميلة والاصوات الجميلة وجمال الطبيعة وجمال الاحياء، والجمال مرتبط بالنظام.

(4) خوارق العقل الانساني المنجلية في اكتناه الفكر لأسرار الكون وفي الرؤيا الصادقة المنبئة عن حوادث الغيب وفي التنويم المغناطيسي وقراءة الافكار ومناجاة الارواح.

(5) خوارق الطبيعة التي قام بها الانبياء والاولياء ويقوم بها بعض المتصوفة في الوقت الحاضر كالمشي على النار والمشي على الماء وشفاء الامراض المستعصية وغيرها.

نظرية وحدة الوجود

اول من قال بهذه النظرية وشرحها بعض كهنة الديانة البرهمية الهندية وهم اصحاب فلسفة الويدانت. وقال بها اصحاب الفلسفة الافلاطونية الحديثة من فلاسفة اليونان، واخذها الفلاسفة المسلمون من مصدرها الهندي واليوناني وتوسعوا في شرحها او توصلوا اليها بصورة مستقلة عن فلاسفة الهند واليونان وهو الارجح، ودعا اليها عدد كبير من الشيعة والسنة وخلاصتها: ان الموجودات وجميع الأشياء والظواهر كالمادة والطاقة والعقل والنبات والحيوان والروح والعقل متشابهة في حقيقتها وان اختلفت في الظاهر والواقع المحسوس (الحالة الراهنة) فهي متماثلة في الحقيقة والجوهر، ولما كانت حقيقتها واحدة ففي عالم الامكان كل شيء يمكن ان يتحول الى نظيره بالصيرورة والتغير، فالبذرة في الواقع والظاهر غير الشجرة التي تنشأ منها ولكنها في عالم الامكان شجرة. فعالم الامكان اوسع من عالم الواقع بكثير ويشمل الماضي والحاضر والمستقبل اما عالم الواقع فيشمل الحاضر والماضي. واقدم مثالاً علمياً لتوضيح وتأييد نظرية وحدة الوجود: في السابق كان علماء الكيمياء يعرفون العنصر بأنه المادة التي لا يمكن تحليلها الى ابسط منها، ولكن ان علماء الكيمياء الآن يعلمون ان المادة تتألف من 96 عنصراً وبواسطة اطلاق انواع خاصة من الاشعاع على أي عنصر يمكن تحويله الى عنصر آخر، مثلاً امكن تحويل النتروجين الى الاوكسجين والبريليوم الى كاربون والليثيوم الى هليوم والبلاتين الى ذهب وغير ذلك. والعناصر المشعة كاليورانيوم والراديوم بمرور الزمن تتحلل الى عناصر اخرى. ويعرف العنصر الآن بأنه المادة التي لا يمكن تحليلها الى مادتين او اكثر بالطرق الأعتيادية. وسابقاً ظن العلماء ان المادة لا تفنى ولا تستحدث وان المادة منفصلة عن الطاقة واثبت العالم انيشتاين ان المادة تكافئ الطاقة وانهما حقيقة واحدة وتتحول احداهما الى الاخرى[1].

ونجد ثلاث تفسيرات لهذه النظرية من ناحية علاقتها بالله:

(1) وحدة الوجود وتعدد الموجود:

من الصعب على الانسان ان يدرك صلة الله بالموجودات بوضوح عن طريق الحواس والعقل. ولذلك لا بد من الاجمال وترك التفاصيل، وهذا الرأي للنظرية يرى ان الموجودات على اختلافها هي حقائق موجودة لا ريب فيها ولكنها حقائق جزئية غير مطلقة أي انها حقائق متغيرة غير ثابتة على حالة واحدة، وشكل معين وصفات معينة وان كانت لا تفنى فناء تاماً والأشياء في حقيقتها لا تخرج عن حقيقة الله لأن الله تعالى حقيقة الوجود. والله يختلف عن الأشياء اختلافاً عظيماً في صفاته كما تختلف الموجودات فيما بينها اختلافاً عظيماً. فالاختلاف كبير بين الجماد والنبات وبين النبات والحيوان وبين المادة والطاقة، وان كانت حقيقتها واحدة والعقل اقرب الأشياء الى الله، والله غير منفصل عن الوجود، فالموجودات نشأت من الله والله لم ينفك عنها ولم ينعزل عنها فهو خالقها وحافظها ومنظمها ومحركها ومغيرها، والله عالم بما يحدث في الوجود، وقادر عليه فيخلق الأشياء والحوادث بالطرق الطبيعية الاعتيادية وبطرق خارقة للطبيعة والعادة وهي المعجزات. واحسن تعبير موجز عن هذا التفسير لوحدة الوجود قول امير المؤمنين علي بن ابي طالب "ع": (توحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة)، وقد قال بنظرية وحدة الوجود وتعدد الموجود كهنة الديانة الهندية الواضعون الأول لهذه النظرية والأئمة الاثنا عشر العلويون (ع) وعدد كبير من علماء الامامية منهم نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي والسيد حيدر الآملي والشيخ ميثم البحراني والسيد محمد باقر الداماد وصدر الدين الشيرازي ومحسن الفيض وعبد الرزاق اللاهيجي واستصوبها المرحوم الوالد الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء وشرحها شرحاً وافياً في كتاب الدين والاسلام وكتاب الفردوس الأعلى واعتبرها متفقة والشرع الحنيف ومؤيدة له.

وقد عبر عن هذا الرأي احد كهنة فلسفة الويدانت الهندية عن هذه النظرية بما يلي:

هذا الكون كله ليس الاّ ظهوراً للوجود الحقيقي الاساسي وان الشمس والقمر وجميع جهات العالم وجميع العالم وجميع ارواح الموجودات اجزاء ومظاهر لذلك الوجود المحيط المطلق. ان الحياة وجميع كيفياتها وصفاتها وحركاتها واعمالها اشكال لتلك القوة الوحيدة الاصلية.

هذه القوة هي التي اشعلت الشمس فهي تتقد ناراً كحزمة الحطب وتهبنا الحرارة والنور وان السحاب لا يمطر بل انما هي تلك العلة الاساسية التي تمطر بواسطة السحاب، تتقارب الموجودات وتتكاثر ولكنها العلة الاولى التي لا تزال تتكاثر بواسطتها وان الجبال والبحار والانهار والاشجار والنباتات وجواهرها التي تحمل حياتها كل ذلك تفجر من ذلك الروح المحيط الذي يستقر في سائر الاشياء وفي قلوبنا. تفقه هذا يا ولدي العزيز واقطع قيود الجهل التي تقيدك[2].

وفي القرآن والسنة اشارات كثيرة الى هذه النظرية. وحسب هذا الرأي تعتبر الاشياء موجودات حقيقية[3] وحقيقة الله وحقيقتها واحدة وان اختلفت في الشدة والضعف والصفات والنوع او الكم والكيف، وان جعلناها مختلفة عن حقيقة الله اختلافاً تاماً وقعنا في الشرك وتعدد القدماء. والموجودات مع عدم بقائها وتغيرها لها حظ من الوجود والحقيقة في الحال، لأنها تحافظ على بقائها مدة من الزمن ونلاحظها عندما تتغير لا تفنى فناء تاماً بل تتغير من حالة الى اخرى. ويعتبر هذا التفسير الله اوسع من الموجودات واوسع من العالم كله.

(2) وحدة الوجود ووحدة الموجود:

الصلة قوية بين الرأي الاول والثاني ولا يوجد تعارض واضح بينهما والرأي الاول اقرب الى الشرع والعلم. الرأي الاول يقول ان الموجودات وان نشأت من الله فهي مخلوقات قاصرة تختلف عنه كثيراً ومسيرة بإرادة الله. والرأي الثاني يقول بما ان الله لا يحده زمان ولا مكان فلا وجود لغير الله وهو يظهر في كل مكان وكل زمان بمظاهر مختلفة فالوجود والموجود هو الله تعالى فكل شيء من الموجودات ليس جزء من الله بل الله بعينه وانما الاختلاف الذي يظهر لنا بين الموجودات اما اختلاف في المظهر الذي يظهر فيه الله، واما ناشئ عن عقلنا وحواسنا التي تسبب هذا الاختلاف. والموجودات في الحقيقة غير قاصرة وصفات الله كامنة فيها ولذلك نشأ منها العقل والروح. وبإمكان الانسان بالايمان والتوجه الى الله ان يقترب من الله وان يقوم ببعض الكرامات والخوارق.

الرأي الاول يعتبر الموجود مؤلفاً من ذات وصفات، والذات الذي فيه جزء من الله والصفات وهبها الله، وللشيء وجود في الحال والوقت الحاضر.

اما الرأي الثاني فيقول ان الموجود مجرد صفات لا غير اظهرها الله وليس الموجود جزء من الله وليس له وجود في الوقت الحاضر وان المقصود من قوله تعالى [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ] فان في الحال لأن المشتق حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال. والمقصود بكلمة (باطل) في بيت الشاعر لبيد:

الا كل شيء ما خلا الله باطل          وكل نعيم لا محالة زائل

هو العدم في الحال ايضاً لا الاستقبال.

ويشبّه اصحاب الرأي الثاني الوجود بالبحر والموجودات بأمواج البحر، واصحاب الرأي الأول يشبهون الموجودات بأجزاء من البحر قد تغيرت عن اصلها.

وقد عبّر المرحوم الوالد عن الرأي الثاني وهو وحدة الوجود والموجود بما يلي: الوجود واحد والموجود واحد له ظهورات وتطورات يتراءى انها كثرات وليس الا الذات ومظاهر الأسماء والصفات وشؤون الجمال والجلال والقهر واللطف. وقد عبر عن هذا الرأي المتصوف الكبير محيي الدين ابن العربي بتغيير كلمة في البيت المشهور:

وفي كل شيء له آية
 

تدل على انه الواحد
 

*****

فقال تدل على انه عينه وتوصل الى ما هو اصرح فقال:

سبحان من حجب ناسوته
 

نور سنا لاهوته الثاقب
 

ثم بدا في خلقه بارزاً
 

بصورة الآكل والشارب
 

وعبّر عن ذلك الشاعر الصوفي الشهير ابن الفارض:

هو الواحد الفرد الكثير بنفسه
 

وليس سواه ان نظرت بدقة
 

بدا ظاهراً للكل في الكل بيننا
 

نشاهده بالعين في كل ذرة
 

وقال ابو مدين التلمساني:

الله قل وذر الوجود وما حوى
 

ان كنت مرتاداً بلوغ كمال
 

فالكل دون الله (ان حققته)
 

عدم على التفصيل والاجمال
 

واعلم بانك والعوالم كلها
 

لولاه في محو وفي اضمحلال
 

من لا وجود لذاته من ذاته
 

فوجوده لولاه عين محال
 

والعارفون فنوا به لم يشهدوا
 

شيئاً سوى المتكبر المتعال
 

ورأوا سواه (على الحقيقة) هالكاً
 

في الحال والماضي والاستقبال
 

وقال بهذا الرأي مشاهير متصوفة الاسلام كالجنيد والشبلي ومعروف الكرخي والحلاج والكيلاني ومحيي الدين ابن العربي. ويقترب من هذا الرأي اصحاب الفلسفة الافلاطونية الحديثة وفلسفة سبينوزا الالماني وبرغسون الفرنسي وبركلي الانكليزي الذي يقول: ان انغام الكون وكل ما يؤثث هذه الارض وبالجملة فان كل هذه الاجسام التي تكون الاطار العظيم للدنيا ليس لها مادة الا في عقلنا...وطالما انه لا يمكنني ادراكها بنفسي ولا توجد في عقلي فانها اما لا توجد اطلاقاً او انها توجد في عقل روحي ابدي.

وآراء انشتاين قريبة لهذا الرأي وسنلخصها على حدة في هذا المقال واقول ان الجمع بين الرأيين والتوفيق بينهما جائز. حسب الرأي الاول يمكن ان يكمن الكل في كل جزء فيتغير بصور مختلفة. وحسب الرأي الثاني الكل يظهر بصور مختلفة متعاقبة غير مقيدة بحدود الزمان والمكان.

وينبغي ان لا يتبادر لذهن القارئ الحلول من هذه الآراء فأن الحلول الذي يخالف الشرع ان ينحصر وجود الله في شيء معين او في شخص معين كالمسيح مثلاً او أحد الائمة اما الحلول بمعنى ان الله موجود في كل مكان فهو من صفات الكمال لله ويلزم الاعتقاد به.

(3) الموجود هو الوجود الواجب:

هذا الرأي يعتبر الموجودات هي الوجود الواجب، والعوالم المحسوسة والمعقولة بـأجمها تطوراته وتشكلاته، ووجود الله يتمثل في هذه الموجودات وهذا الرأي وان كان يقول بوحدة الوجود لكن لا يختلف عن آراء الماديين فهو كفر بالله وضلال لأنه لا يجعل لله وجوداً مستقلاً قائماً بذاته مهيمناً على الموجودات ومنظما لها. كما انه لا يفسر الوجود، فالموجودات اذا كانت حقيقة كاملة ينبغي ان لا يعتريها التغير وهذا الرأي لا يستطيع ان يفسر سر التغير المستمر في الوجود ذلك التغير الذي لا يتوقف واذا كانت الموجودات حقيقة كاملة فمعنى ذلك ان لم يكن الوجود ثابتاً غير متغير فلا بد أن يأتي وقت يتوقف فيه التغير والعلم لا يؤيد ذلك.

موجز آراء انشتاين عن الوجود

تقسم آراء انشتاين عن الوجود الى ثلاثة اقسام:

(1) النسبية الخاصة.  (2) النسبية العامة.  (3) المجال الموحد.

وسأشرح هذه الآراء بايجاز لأوضح اتفاق هذه الآراء مع الفلسفة الاسلامية.

(1) النسبية الخاصة:

ان معنى كلمة نسبي (RELATIVE) ان وجود أي شيء ونوعه يرتبط بغيره ويتوقف وجوده على غيره، أي ان كل شيء غير ثابت على حالة واحدة ومتغير في صفاته. وهذا التغير لا يقتصر على النوع والكيف بل يتعدى ذلك الى المقدار والكمية فكمية كل شيء غير ثابتة بل متغيرة حسب الظروف والاحوال والعلاقات. وهذا عين ما ذكرناه عن فكرة واجب الوجود في الدين.

في النسبية الخاصة يبين نسبية الحركة والزمان والمكان والكتلة (المادة) فبين ان الحركة نسبية ومرتبطة بالظروف لسببين:

اولاً: ان الانسان لا يشعر بالحركة فالشخص الذي يجلس في باخرة تسير بسرعة ثابتة في البحر لا يحس بالحركة اذا كان البحر هادئاً ويحس بها اذا هاج البحر او نظر الى الماء، وكل من ركب قطاراً يدرك كيف ان قطاراً متحركاً في الاتجاه المضاد يبدو مسرعاً. اما اذا كان القطار موازياً للقطار الذي يركبه فأنه يبدو كأنه ساكن لا يتحرك، والراكب اذا كان قطاره في محل مقفل فأنه لا يستطيع ان يعرف حركة قطاره الا بعد الخروج من المحل المقفل والنظر الى اشياء ثابتة في الخارج.

ثانياً: عندما نقيس سرعة الجسم نرجع الى جسم آخر ساكن يبتعد عنه الجسم المتحرك.

ولكن كيف نستطيع ان نضبط سرعة الجسم المتحرك، اذا علمنا ان السكون نسبي ولا يوجد في الكون جسم ساكن سكوناً مطلقاً. فنعتبر الارض ساكنة عند بحث الاغراض العادية للعلوم بالنسبة للسيارات والطائرات ولكن علماء الفلك يدركون ان الارض غير ساكنة بل تدور في الفضاء بحركة دورية معقدة فأنه بجانب دورانها اليومي حول محورها بسرعة الف ميل في الساعة، ودورانها السنوي حول الشمس بسرعة عشرين ميلاً في الثانية، فأنها مشغولة بدورانات اقل اهمية. والمجموعة الشمسية كلها تتحرك ضمن مجموعة النجوم المحلية بسرعة 13 ميلاً في الثانية. ومجموعة النجوم المحلية تتحرك داخل المجرة (درب التبانة) بسرعة مائتي ميل في الثانية. والمجرات تتحرك نحو المجرات الخارجية البعيدة بسرعة مائة ميل في الثانية والكل في اتجاهات مختلفة.

ويعتبر الزمان والمكان نوعاً من الالهام ويشبهان المدركات الحسية الأخرى كاللون والصوت والشكل والحجم، وليسا حقيقة مطلقة لها وجود في الخارج بل وجودهما ذهني، ولا يمكن اعتبارهما في المعادلات الرياضية الدقيقة كميتين ثابتتين مثل ثبوت سرعة النور بل كمية متغيرة، والمكان نظام للأشياء فاذا لم يوجد جسم لا يوجد مكان. والزمان نظام للحوادث فاذا لم يوجد حادثة لا يوجد زمان. واوضح ان كل ساعة مهما كان نوعها رملية او ذات بندول او ساعة جيب، اذا كانت متحركة تؤخر كلما زادت سرعة حركتها حتى تقف اذا تحركت بسرعة النور. والمسطرة تنكمش ويقل طولها في اتجاه حركتها، وهذان المثالان يوضحان نسبية الزمان والمكان.

وكما بين انشتاين ان الزمن والمكان كميتان نسبيتان برهن ان كتلة الجسم نسبية ايضاً وتتغير حسب حركته فتزداد كلما ازدادت السرعة.

والمقصود بكتلة الجسم هو غير مادة الجسم. والكتلة هي الصفة التي تقاوم الحركة، وكلما ازدادت مادة الجسم ازدادت كتلته أي مقاومته للحركة. وعندما تزداد سرعة الجسم تزداد مقاومته لزيادة السرعة ومعادلة انشتاين الدالة على ازدياد الكتلة مع ازدياد السرعة من المعادلات المهمة وهي:

وحيث ان كتلة الجسم المتحرك تزداد بازدياد سرعته، وان الحركة هي نوع من الطاقة (طاقة حركية) فأن مقدار الكتلة الزائدة للجسم المتحرك تنتج من طاقته الزائدة: وبالاختصار فأن للطاقة كتلة. وقد استطاع انشتاين ايجاد مقدار الكتلة المعادلة لوحدة الطاقة وقد عبر عنها بالمعادلة:

الطاقة = ك  في  ‑ص2

ك: الكتلة

ص: سرعة الضوء

وذهب الى أن الذرة لا تتحلل الى اجزائها المعروفة فحسب وهي البروتون والالكترون والنوترون والبوزيترون بل تتحلل الى ابعد من ذلك.

والوحدات النهائية للكون ليست المادة ولا الأثير الذي كان قد افترضه الماديون بل الحوادث الفضائية الزمانية. والجسم الذي تظهر فيه المادة ليس الا مجموعة صفات وحيث ان الصفات يدركها العقل فأن كل الكون الموضعي المكون من مادة وطاقة وذرات ونجوم لا توجد الا نتيجة لشعورنا وادراكنا أي انه عبارة عن صرح من الرموز الاصطلاحية تشكله حواس الانسان. فكما ان الكلمات ترمز الى الاشياء والمعاني فكذلك احساساتنا رموز الى الحقيقة وليست ادراكاً صحيحاً للحقيقة.

(2) النسبية العامة:

وفي نظرية النسبية العامة يوضح ان الزمان متصل مع الفضاء فهو البعد الرابع للجسم. بما انه لا يوجد جسم ساكن ثابت بصورة مطلقة فلابد ان يكون الزمان بعداً رابعاً للجسم فأن الزمان يتضح في الحركة وهي علاقة رياضية بين المسافة والزمن. والزمان يشبه المكان بأنه متصل يمكن تقسيمه الى ما لا نهاية له من الاقسام. فعندما نريد ان نصف أي حادث طبيعي له صلة بالحركة لا يكفي ان نحدد الموضع في الفضاء بل ينبغي ان نذكر كيف يتغير الموضع بتغير الزمن. ففي حالة طيران طائرة من بغداد الى القاهرة فأنه يمكن بيان هذه الحالة او هذا الحادث بأبعاد أربعة فأن بيان موضع الطائرة بابعاد خط الطول والعرض والارتفاع لا تكفي للدلالة على حركة الطائرة ولكن لابد من البعد الرابع الخاص بالزمن أي لابد من معرفة تغيرات الموضع بتغير الزمن.

وبعد ان وضح اتصال الزمان مع المكان صحح بعض الاخطاء التي وقع فيها نيوتن فشك في ان التوازن بين الجاذبية والقصور الذاتي كان مجرد صدفة من مصادفات الطبيعة والكون، وبين تكافؤ القصور الذاتي والجاذبية الذي ينص على انه لا سبيل الى التمييز بين الحركة الناتجة من القصور الذاتي كالتعجيل والاصطدام والقوة المركزية الطاردة والحركة الناتجة من قوة الجاذبية. ورفض الأخذ بالرأي القائل بأن الجاذبية قوة تؤثر على مسافات بعيدة وقال: ان قوة جاذبية الارض للاجسام لا تصل الى ابعد الآفاق في الفضاء.

الفرق بين رأي نيوتن في الجاذبية ورأي انشتاين هو في بيان الفرق بين القصور الذاتي (الاستمرارية) والجاذبية ونوضح للقارئ هذا الفرق في الاجسام الساقطة فأنه من المعلوم في علم الطبيعة اذا رمينا حجراً من محل مرتفع فأنه تزداد سرعة سقوط الحجر بزيادة الزمن. ويرجع نيوتن زيادة السرعة (التعجيل) الى استمرار تأثير قوة الجاذبية من جهة والى الاستمرارية من جهة اخرى فلو كانت قوة الجاذبية موجودة وحدها لأستمر الحجر في السقوط بسرعة منتظمة فقط ولكن القصور الذاتي او الاستمرارية[4] تجعل الجسم يستمر على سرعته المكتسبة. وبقاء تأثير القوة لابد ان يزيد في سرعة حركة الجسم اذا كان يسير على خط مستقيم[5].

وتعرف القوة في علم الطبيعة بأنها ما يحرك جسماً ساكناً او يوقف جسماً متحركاً او يزيد في سرعة الجسم او يغير اتجاه حركة الجسم او يغير شكل الجسم وتساوي في المعادلة الكتلة في التعجيل.

ق = ك ع

لما انشتاين فلا يفرض هذا الفرق بين الجاذبية والقصور الذاتي ويعتبر الجاذبية جزء من القصور الذاتي وهما شيء واحد. وظهر في علم الفلك عدة ادلة ايدت آراء انشتاين عن الجاذبية لا مجال لشرحها. وبما ان الحركة نسبية فقد أزال الفرق بين الحركة المنتظمة والحركة غير المنتظمة وقال في نظرية النسبية العامة (ان قوانين الحياة تنطبق على جميع الاجسام دون اعتبار لحالات حركتها).

في النسبية العامة لا يعتبر الجاذبية قوة بل هي مجال كالمجال المغناطيسي الكهربائي وله صفات مشابهة لذلك المجال، ويرى ان قوة الجاذبية ما هي الا جزء من القصور الذاتي[6] وحركة النجوم والكواكب لا تعتمد على قوة الجاذبية، وسرعتها المنتظمة لم تنشأ عن التوازن بين قوة الجاذبية (القوة المركزية) والاستمرارية (القوة المركزية الطاردة)، بل تعتمد على قصورها الكامن والمسالك التي تسلكها تحددها الخواص القياسية للفضاء وبعبارة ادق تحددها خواص متصل الفضاء والزمن.

ونظرية انشتاين في الجاذبية لها دلالات كونية عميقة، فهي تبين أن الكون ليس بناء جامداً او غير قابل للتبدل نثرت فيه اجرام مستقلة في فضاء وزمان مستقلين بل بالعكس فانه متصل متجانس وليس بناء ثابتاً بل هو مرن ومتغير ومعرض دائماً للتغير والتبدل فأينما وجدت مادة وحركة فأن المتصل يضطرب ويتشوش مثله في ذلك مثل سمكة عندما تعوم في البحر تجعل الماء حولها يضطرب، وكذلك فأن النجوم او الشهب او المجرات تحور هندسة الفضاء والزمن عندما تتحرك خلالهما. ولذلك يمكن تشبيه الكون بفقاعة الصابون المتمددة او (نفاخة الاطفال) فهو محدود ولكنه غير متناه.

(3) نظرية المجال الموحد:

وبيّن في نظريته عن المجال الموحد ان المادة تكافئ الطاقة، وان المجال الكهربائي المغناطيسي ومجال الجاذبية شيء واحد. فالمادة والطاقة والجاذبية حقيقة واحدة لا يختلف بعضها عن بعض الا كما يختلف الماء السائل عن بخار الماء او الثلج فالمادة طاقة مركزة، والطاقة مادة متحررة والمادة عندما تسير بسرعة النور تصبح طاقة وحقيقة الوجود واحدة هي تموج في متصل الفضاء والزمن.

ويظهر للقارئ من ذلك التقارب الشديد بين آرائه وآراء فلاسفة التصوف الاسلامي. فآراؤه في النسبية الخاصة عن الحركة والزمن والمكان والكتلة متشابهة لنظرية واجب الوجود التي تبين ان كل شيء في الوجود مرتبط بغيره ومتوقف على غيره والوجود القائم بالذات الحي الدائم هو الله والنظرية الثانية بالطبع اوسع واعم من النسبية الخاصة.

وآراؤه في النسبية العامة والجاذبية العامة تؤيد وجود منظم لهذا الكون وتفند مفهوم الجاذبية المؤدي الى اعتبار الكون جامداً ومسخراً لقوة ذاتية آلية جامدة بل يظهر كأنه يخضع لمحرك خارج عنه ويظهر ذلك في الامثلة التي يشرحها لتوضيح حقيقة الجاذبية.

وآراؤه في المجال الموحد مطابقة تماماً لنظرية وحدة الوجود ونظرية وحدة الوجود مؤيدة لوجود الله الواحد الأحد الفرد الصمد. فأن اتفاق الأشياء في حقيقتها ناجم عن علة واحدة وسبب واحد هو الله تعالى، ولو كانت الأشياء حقائق مطلقة ثابتة لكانت خالدة غير قابلة للتغير. فالكثرة ترجع الى الواحد، ولولا الكثرة الظاهرة ما عرف الله الواحد فهي دلائل لوجوده وآيات بينات ساطعات لنوره الفيّاض. فالله نور السماوات والأرضين.

الأخلاق والتصوف

يطعن بعض الكتاب في آراء الصوفية بأنها آراء تنطوي على التشاؤم ولا تنظر الى الوجود نظرة تفاؤل حيث تجعل الزوال والفناء من صفات الوجود الاساسية. وهذا سوء فهم من الناس، او سوء تطبيق من بعض الاتباع فأن النظرية تمتاز بالشمول والانطلاق والحرية والتفاؤل. فأن النظرية وان قالت بزوال الموجودات ولكن ما قالت بعدم التجدد وحدوث موجودات جديدة أي انها لم تقل بالفناء المطلق بل قالت بالتغير والتجدد اشياء تزول واشياء تظهر وتحدث. وربما كانت الحوادث الناشئة افضل من سابقتها. فهي آراء تدعو الى التقدم والتغير الى الأفضل لا التغير الى العدم والفناء او انقراض الحياة والانسان. كما انها حين ترجع الموجودات الى حقيقة واحدة تفسح امام الانسان مجالاً واسعاً من الامكانيات التي تنفعه وتحقق له الحرية والسعادة فيتحرر من قيود الطبيعة ويسيطر عليها ويسخرها لنفعه. وعندما يسيطر على الطبيعة سيطرة واسعة يتحرر من القيود الاجتماعية وينصرف الى تهذيب عقله وروحه واخلاقه فتصفو نفسه وتنطلق مواهبه الفطرية وخوارق عقله ويقترب من خالقه الذي يكمن في داخله.

ويشرح كتاب (غيتا) للسيد كرشنا اخلاق المتصوف فيقول:

ان نشاط العالم يجب ان يستمر في طريقه وان علينا ان نتخلّق بالسيرة التي من شأنها ان تساهم في تحسين العالم فنتركه خيراً لأبنائنا مما ورثناه عن آبائنا. لنكن مثل اولئك الطيبين الذين يغرسون الاشجار ليأكل ثمارها ابناؤهم واحفادهم. علينا بالسعي لأصلاح الأنسانية باصلاح انفسنا لنكون احسن في المواليد القادمة مما كنا في الحياة السالفة، على رغم اننا ننسى حياتنا الماضية ولا نعرف شخصياتنا الفائتة. وعلى كل انسان ان يقوم بواجبه الذي يفرضه عليه مقامه في الهيئة الاجتماعية. فليفعل في ظاهره ما يفعله سائر الناس من امور الدنيا. ولكنه يبقى في داخله غير متشبث بها، ليعمل ما يعمل من دون الاثرة وحب الذات. وليحافظ على توازنه العقلي في النجاح والخيبة في المنشط والمكره في السراء والضراء. فالذي تطهر نفسه بهذه الطريقة يسهل عليه التقدم في السيرة الحسنة بالمراقبة والعبادة يجب القيام بالواجبات من دون ان يسمح لعواقبها ان تقلق سكون البال وطمأنينة القلب. والمواظبة على هذا السلوك هو جوهر فلسفة (ويدانت)[7] وهذا المعنى موجود في القرآن والسنة ونهج البلاغة. يعتبرها متصوفة المسلمين من اصول التصوف. ولكن نقلت هذه الفقرة من الفلسفة الهندية لأنها تعتبر من اصول التصوف القديمة.

والخلاصة انه يتفق اكثر الفلاسفة القدماء والحديثين في الوقت الحاضر على النقاط التالية:

(1) ان للوجود سراً عميقاً لم يتوصل اليه الانسان بالتأكيد عن طريق العلم والتجربة. وان توصل اليه على الاجمال عن طريق البداهة والدين ويأمل الفلاسفة والعلماء والباحثون ان يقتربوا من هذا السر في المستقبل عن طريق تقدم علم الطبيعة وعلم الفلك والرياضيات وعلوم الحياة وعلم النفس، وللفقيد الوالد طاب ثراه ابيات جميلة في هذا المعنى:

ان هذا الوجود بحر ولكن
 

اين من في الوجود يسبر قعره
 

ولهذي الاكوان لب ولكن
 

ما عرفنا حتى لحاه وقشره
 

ولهذي الحياة معنى ولكن
 

علنا بالممات نعرف سره
 

فهو متيقن من وجود هذا السر ولكن لا يعرف كنهه.

(2) ان للوجود حقيقة واحدة. فهو بسيط الذات معقد في ظواهره وصفاته.

(3) ان الموجودات مركبة ومعقدة ومترابطة مع بعضها.

(4) ان الموجودات متغيرة دائماً. كل شيء يتغير من حال الى حال. واهم حقائق العلوم والحياة هي الوقائع والاحداث. والعلم يبحث كيف تحدث الأشياء أي يبحث عن تغير الأشياء. والتغير الذي يسود العالم يشمل التركيب والتحليل، تركيب يعقبه تحليل وتحليل يعقبه تركيب والله للحكمة جعل التغير ضعيفاً بطيئاً في الغالب، وشديداً سريعاً تارة اخرى.

فالأصالة والثبوت ليست للاشياء والموجودات لأنها متغيرة وفانية. وليست الأصالة للمثل او الماهية كما رأى افلاطون بل الأصالة للوجود وحقيقة الوجود التغير والحوادث والحركة والتموج. ولكن ما سبب هذه الحوادث في الوجود، انه الله. فهو خالق الموجوات والمحافظ عليها ومغيرها. والتطور الذي يسود عالم الجماد وعالم الأحياء لا يناقض الدين بل يؤيده لأن الثبوت والخلود لله وحده والأشياء كلها متغيرة.

(5) يجب على الفرد الانساني في سعيه للقيم الرفيعة الحق والخير والجمال والمحبة وغيرها ــ اولاً ــ ان لا يفصل الفرد نفسه عن الوجود (ويدخل ضمنه الطبيعية) ولا يفصل نفسه عن المجتمع الانساني فلابد من التعاون بين الفرد والمجتمع للوصول الى الحقيقة. فهنالك تعامل بين الفرد والمحيط (طبيعياً كان أو اجتماعياً) المحيط يؤثر في الفرد والفرد يؤثر في المحيط والعقل وسط بينهما يستقبل الحوافز ويصدر الأوامر للاعضاء المختلفة. ــ ثانياً ــ يجب عليه ان لا يفصل العلم عن العمل فلا يفصل معرفته عن سلوكه الشخصي ونشاطه. ولا يفصل العلم النظري عن العلم التطبيقي، أي لا يفصل العلم كغاية عن العلم كوسيلة لخدمة الفرد والمجتمع.                               النجف الأشرف

عبد الحليم آل كاشف الغطاء

بسم الله الرجمن الرجيم

احمد الله على جسيم نعمائه وعظيم آلائه مصلياً على انبيائه واصفيائه

وبعد

فهذه دروس دينية ــ امليتها لتدرسها الناشئة العربية التي لا تجد بداً من الدخول في هذه المدارس الجديدة الموضوعة على الطرز الحديث.

ومعلوم ان الامة أي امة كانت ــ لا تبقى حية في معترك هذه الاكوان ولا تقف في صف الامم والشعوب النابهة الذكر ــ الا بالأحتفاظ على جنسيتها وقوميتها. ولا تحفظ ذلك الا بالتمسك الشديد والعناية بلسانها وحفظ المستحسن من عاداتها واخلاقها ودينها. والا فلو ان العرب مثلاً تخلّقوا بأخلاق الصين وتزيوا بأزياء الاوربيين، او تدينوا بدين البراهمة والبوذيين، لم يكونوا عربا ولماتت الامة العربية وذهبت ذهاب امس الدابر، ولأنمحت من صفحة هذا الوجود كما انمحى غيرها من الأمم ذات الحول والطول كالآشورية وغيرها، واهم ما يلزم على الأمة للمحافظة على بقاء جنسيتها واستبقاء حياتها ــ المحافظة على لغتها ودينها فهما للامة بمنزلة الروح والحياة السارية في العروق، فالدين روحها واللغة حياتها. وقد القيت هذه الدروس قياماً بذلك الواجب عسى ان يحس ولدان اليوم وهم رجال الغد بالضرورة الكاضة الى التمسك بدينهم. والالتزام بالمهم من احكام شريعتهم. اذ يصح ان يقال انهم هم السبب الوحيد في استبقاء حياة الأمة العربية الى الغد وما بعده. واذا انسلخوا من دينهم ولغتهم (لا قدّر الله) فعلى العرب والعربية السلام ناهيك بما للدين من الفضائل وجمعه لأسباب سعادة الدارين وفوز النشأتين، وحفظ نظام الهيئة الاجتماعية وكل ما فيه صلاح النوع والافراد ــ الى ما لا يسعه المقام من سرد فوائده ومزاياه اخص بذلك دين الاسلام الذي هو خاتمة الشرائع والاديان ــ الذي جمع فاوعى، واخذ ما ابقى، وارجو ان يكون في القدر المودع في هذه الاوراق من مهمات الدين، كفاية للمبتدئين، وان كان بعض العبارات اغلاق او ابهام، فالمعول على كفاية المدرسين من اهل الفضل في توضيح المرام وتلقيح الافهام، وابلاغ الغرض بحسن البيان للتلاميذ احسن الله لهم التوفيق جميعاً.

ولما كان الدين مجموع اعتقادات، واعمال، واخلاق، وضعنا هذا المؤلف على ثلاثة ابواب.

الباب الأول: في العقائد

[ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ] (سورة البقرة).

الدين والشريعة والملة والمذهب ــ الفاظ مختلفة ومعانيها متقاربة، ويستعمل كل واحد منها موضع الآخر فتكون جميعاً بمعنى واحد كما تقول دين الاسلام، وشريعة الاسلام، وملة الاسلام، ومذهب الاسلام، والاضافة في الجميع لفظية، والمعنى دين هو الاسلام قال تعالى: [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ] ومن يعرف اتحاد الدين مع الاسلام كاتحاده مع مرادفاته المتقدمة ويستعمل الشريعة والملة والمذهب استعمالاً اخص من الدين حيث يراد بها احكام العبادات والمعاملات فقط دون العقائد، اما الايمان فهو اخص من الدين كما هو اخص من الاسلام فكل مؤمن مسلم ولا عكس. فالمسلم من اظهر الأعتقاد بأن لا اله الا الله وان محمداً رسول الله وشهد بهما ــ والمؤمن من اعتقد بهما قلباً وجري على مقتضاهما قولاً وعملاً. ويقابل المسلم الكافر وهو من لا يشهد الشهادتين، ويقابل المؤمن المنافق وهو من يشهد الشهادتين ويعلم من حاله عدم الاعتقاد بهما قلباً. فظهر ان وراء الدين امور اربعة: الاسلام. والايمان. والكفر. والنفاق. وبذا يستطيع التلميذ ان يجيب عن الاسئلة الآتية ما الدين؟ ما الايمان؟ ما الكفر؟ ما النفاق؟.

( درس 1): تعريف الايمان

الشائع في كلمات العلماء وكتبهم ان الايمان هو اعتقاد بالجنان واقرار باللسان. وعمل بالاركان. فالاعتقاد بالجنان معرفة ان الله جل شأنه هو الاله المعبود بالحق، الخالق لكل ما عداه من الخلق. واحد لا شريك له في الربوبية، ولا مثيل له في الوحدانية، وان محمداً عبده ورسوله ارسله بما فيه سعادة البشر في الدارين ويتم هذا باعتقاد الولاية لأهل بيته والبراءة من عدوهم. اما الاقرار باللسان فهو ان يعترف بتلك الامور ويتخذها ديناً له ونحلة.

واما العمل بالاركان فالمراد بها الدعائم التي بني عليها الاسلام وبها يكمل الايمان ففي اخبارهم (ع): ( بني الاسلام على خمسة اشياء: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والولاية). وسئل صادق اهل البيت (ع) عن الايمان الذي لا يسع احداً جهله فقال "ع": (شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله والاقرار بما جاء به من عند الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان والولاية لنا والبراءة من عدونا وتكون مع الصديقين).

( درس 2) :حقيقة الايمان

تلك هي الكلمات الدارجة في تعريف الايمان. ولكنها تعريفات رسمية تشير الى الحقيقة من بعض وجوهها لا الى ذاتها. وحقيقة الايمان، من حيث الشهود والوجدان ــ ان تتكيف[8] النفس بصفة اليقين بوجود ذات مقدّسة عن كل صفة نقص من صفات المخلوقين متصفة بكل صفات الكمال والغنى وان ذلك الوجود بما ان كل انسان محتاج اليه في آناء حياته ووجوده لأنه العلة فيه فهو الشاهد والرقيب عليه وهو القائم على كل نفس بما كسبت، ويكون تكيف نفسه بهذه الصفة على نحو تكيفها باليقين بأن النار محرقة والشمس مشرقة. بستحيل ان يتطرق الشك اليه فضلاً عن التحول والتبدل ــ كما يستحيل ان يجري على خلاف مقتضاه فيمد يده الى النار او يوقد مصباحاً مع ضوء الشمس وكذلك مع الايمان الكامل بالله يمتنع ان يرتكب ما يغضبه، او يترك ما يوجبه.

وتلك الصفة هي التي يعبر عنها باليقين تارة، وبالايمان تارة اخرى، وبالتقوى ثالثة وقد جمع كل ذلك بعض ائمة الهدى (ع) في كلمتين حيث قال: (التقوى ان لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث امرك).

( درس 3): الايمان الصحيح

الايمان مراتب ودرجات لا حد لها في النهاية، واول درجاته في البداية، السكينة والطمأنينة التي تهبط على القلب بأن الانسان رهين بأعماله مسؤل عنها في محكمة الجزاء بين يدي ربه ــ تلك السكينة التي تبعث روح النشاط الى العمل. وتنفض غبار الخمول والكسل. تلك السكينة الروحية هي الايمان الذي اراده الله جلَّ شأنه لعباده وبعث به الانبياء والرسل حياة للنفوس. وتعزيزاً للشعوب. وتوسيعاً في العلوم ــ لا الذي يخنق المشاعر ويقتل النفوس. ويميت العزائم تحت نير الجهل والذلة[9].

اول درجات الايمان ان تخضع النفس وتذعن للقوة المدبرة التي هي مصدر كل القوى ويعرف انها ربطت المسببات باسبابها وامرت بأن تؤتى البيوت من ابوابها. وانها قدرت لكل عامل جزاء عمله. وان اجره بمقدار سعيه. وان ليس للأنسان الا ما سعى. وحينئذ فيجري لطلب الغايات الشريفة من مسالكها المشروعة ثابت الجأش مطمئن القلب غير متكاسل ولا متواني معتمداً على تلك القوى المدبرة والعناية الكبرى التي كان من بعض الطافها ان ارسلت الى البشر مبشرين ومنذرين، يوضحون السبل ويكشفون الحجب، ويدلون على المهالك والمهاوي وعززتهم بالكتب الالهية، والارواح اللطيفة العلوية الموسومون باسم الملائكة. والغاية من كل هذه الاهتمام تسهيل طرق البشر للوصول الى سعادة هذه الحياة وما بعدها من الحياة الابدية والسعادة السرمدية ــ التي هي عبارة عن انتهاء الى علم لا جهل معه وغنى لا فقر فيه وحياة لا موت بعدها. وصفاء عيش لا كدر معه. هذا هو خلاصة معنى الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وبما ذكر يتضح لك ايضاً الصحيح من معنى الايمان بالقدر فتدبره جيداً.

( درس 4): اثبات الصانع

يجب معرفة الصانع، يعني تحصيل العلم بأن للعالم صانعاً ويجب ايضاً معرفة صفاته، كتوحيده وقدرته وعلمه ونظائرها حسب الطاقة البشرية. والدليل على هذا الوجوب، بعد اجماع كافة الملل، عقلي وسمعي. اما العقلي فمن وجهين:

الأول: قاعدة دفع الضرر المحتمل فأن الانسان اذا بلغ سن التمييز، وبلغه ان للناس ادياناً ومذاهب وان لهم معبودات يعبدونها تضر وتنفع، فلا شك ان يتطرق اليه احتمال الضرر الدنيوي والآخروي اذا لم يسلك طريق المعرفة وتحصيل العلم بمعبوده، ودفع الضرر المحتمل واجب بحكم العقل، ولذا يذم العقلاء من يسلك في سفره طريقاً غير مأمون السلامة، ومحتمل الهلكة، بل الضرر في المقام متيقن لأن الشك يوجب الخوف والخوف ضرر فعلي لأنه يوجب القلق وسلب الراحة.

الثاني: من طريق شكر المنعم، فأن شكر المنعم واجب وبيانه ان الانسان اذا بلغ سن التمييز عرف انه متمتع بجملة من النعم، اولها وافضلها نعمة الوجود فيلزمه شكر هذه النعمة لأحتمال عدم شكرها موجب لزوالها. وشكر المنعم موقوف على معرفته ليكون شكره مناسب لشأنه والا لم يكن شكراً. والباري تعالى هو الصانع، والموجد منعم فيجب معرفته كي يمكن القيام بشكره على ما يناسب شأنه تعالى شأنه، ومن معرفته معرفة انه حكيم ومقتضى حكمته ان يكلف لعباد بما فيه صلاحهم ولا يتركهم سدى كالبهائم فيجب معرفة مبلّغ التكاليف وهو النبي "ص" وحافظ التكاليف وهو الامام، ومعرفة الجزاء للطاعة والمعصية وهو المعاد، وانه تعالى لا يظلم عباده وهو العدل. وهذه بعد معرفة الصانع  هي العقائد الخمس المعروفة بأصول الدين (التوحيد) و(العدل) و(النبوة) و(الامامة) و(المعاد) فيجب معرفتها.

اما الدليل السمعي فمن وجهين ايضاً:

الأول: قوله تعالى: [فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ]والأمر للوجوب.

الثاني: انه لما نزل قوله تعالى: [ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ] قال النبي "ص": ( ويل لمن لاكها بين لحييه ولم يتدبرها). ووجه الدلالة انه صلوات الله عليه ذم من يتلو الآية ولا يتدبرها. والمراد في التدبر في الآية جزماً هو الاستدلال بالاجرام السماوية، والحركات الفلكية، وما في السماوات والأرض من آثار الصنعة، وعظم القدرة الدالة بالضرورة على وجود صانعها، وباهر قدرته، وبديع حكمته، وواسع علمه. فيكون النظر والاستدلال الموجبين للمعرفة والعلم واجباً وهو المطلوب.

ومن هذه الأدلة العقلية والسمعية ظهر لك ان الواجب هو المعرفة عن الدليل والبرهان ولا يكفي صرف الاعتقاد الحاصل غالباً من تقليد من الآباء والامهات لأن الواجب هو العلم، والتقليد ليس بعلم، كيف وقد ذم الله سبحانه وتعالى التقليد في اصول الدين والعقائد حيث قال جلَّ شأنه في ذم الكفار قالوا[إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ]. وحث على النظر والاستدلال بقوله تعالى: [اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ].

في اثبات الصانع واثبات توحيده، لابد من تمهيد مقدمة (اولاً) وهي ان كل معنى يتصور في الذهن اذا نسبناه الى الوجود الخارجي، يعني لو فكّرنا انه هل هو موجود فعلاً او لا؟، وعلى الثاني يقبل الوجود او لا؟، وهل وجود ما هو موجود من ذاته او من غيره؟، ونرجع فنقول: كل معنى ذهني اذا قسناه الى الوجود فأما ان يكون نفس ذاته يقتضي أن يكون موجوداً، أي لو تصورناه مع قطع النظر من كل شيء سوى ذاته لكان موجوداً.

واما ان يكون نفس ذاته يقتضي ان لا يكون موجوداً، واما ان يكون نفس ذاته لا يقتضي الوجود كما لا يقتضي العدم، بل هي في حلق الوسط بين الطرفين لا يقتضي هذا ولا ذاك. فالأول هو واجب الوجود لذاته، والثاني هو الممتنع أي المستحيل لذاته، والثالث هو الممكن الذي لا تقتضي ذاته الوجود ولا العدم، فقد يوجد وقد لا يوجد، فأن اقتضت علته وجوده وجد وصار موجوداً وواجباً بالغير، وان لم توجد علة وجوده او وجدت علة عدمه كان ممتنعاً بالغير. ومن هنا ظهر ان الواجب تارة يكون واجباً بالذات وهو واجب الوجود وتارة واجباً بالغير وهو الممكن الذاتي الذي وجد بوجود علته. وكذلك الممتنع تارة بالذات  وهو المستحيل كاجتماع النقيضين وتارة بالغير وهو الممكنات الذاتية التي لم تتحقق علة وجودها، ويمتنع تحقق المعلول بدون العلة، اما الامكان فلا يكون الا ذاتياً ولا معنى للامكان بالغير اصلاً كما يظهر بأدنى تأمل. ثم من اخص لوازم الوجود ومزاياه القدم واستحالة ان يتطرق اليه العدم. ومن اخص لوازم الامكان الحدوث أي كونه مسبوقاً بالعدم. يظهر من التأمل مما قدمناه من لوازم الواجب الذاتي أي واجب الوجود واستحالة اجتماع وجوبه الذاتي مع وجوبه الغيري لأن الواجب الغيري يمكن ان يرتفع بارتفاع الغيري، والواجب الذاتي يستحيل ارتفاعه على كل تقدير. وبنحو آخر الواجب الغيري معلول والواجب الذاتي لا علة له. وكون الشيء معلولاً وغير معلول تناقض. ووجود الواجب الغيري زائد على ذاته. والواجب الذاتي وجوده عين ذاته وهو بسيط لا تركيب فيه اصلاً والا لكان ممكناً لأحتياجه الى الآخر، والواجب الغيري مركب من الماهية والوجود. والماهية يمكن ان تتعدد بتعدد افرادها، والواجب الذاتي يستحيل تعدده لأنه لا ماهية له ولو كان له ماهية لكان ممكناً وقد فرضناه واجباً بالذات وهذا خلف. ومن كل هذا ظهر لك ان الممكن تتساوى نسبة الوجود والعدم اليه وليس احدهما اولى من الآخر بل هما بالنسبة اليه مثل كفتي ميزان ولو كان احدهما اولى به من الآخر خرج من معنى الإمكان الذاتي وقد فرضناه ممكناً. ومن جهة تساوي نسبة الطرفين اليه كان محتاجاً في وجوده الى المؤثر أي العلة ويستحيل الترجيح بلا مرجح فوجوده يستند الى وجود علته وعدمه لعدم علة وجوده. وعلة احتياجه الى العلة هو امكانه لا حدوثه[10] ولذا يحتاج الممكن الموجود في بقائه الى العلة كما يحتاج اليها في حدوثه لأن امكانه لا يزول حتى حين وجوده وبعد حدوثه فتدبر جيداً.

بعدما عرفت تلك المبادئ المحكمة والمقدمات المبرهنة نقول في الاستدلال على اثبات الصانع وتوحيده انه لا شك اننا نرى في الخارج موجودات كثيرة ونراها متغيّرة ولها حالات مختلفة ولا شك ان كل متغير حادث وكل حادث ممكن. اذن فهذه الموجودات ممكنة وكل ممكن يحتاج في وجوده الى علة ويفتقر الى سبب فأن كانت تلك العلة واجبة الوجود بالذات فلا تفتقر الى علة بل هي علة العلل وينقطع عندها السؤال وقد ثبت المطلوب والا لزم ان لا يوجد شيء من الممكنات المحسوسة وهو باطل بالضرورة. وان شئت قلت ان هذه الوجودات الامكانية معلولة والمعلول يدل على وجود العلة لا محالة. وتلك العلة ان كانت نفس تلك الممكنات او بعضها لزم الدور، وان كانت غيرها نقلنا الكلام اليها وان كان واجباً ثبت المطلوب. والا لزم التسلسل، والدور والتسلسل باطلان بالضرورة، اذن فلابد من وجود الصانع الذي هو واجب الوجود ولا مجال لأحتمال تعدده، لما عرفت من ان لازم وجوب الوجود عدم التعدد والاستحالة الاثنينية فيه، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا اله الا هو جلت عظمته. ومن هناك يسعك ان تعرف ان الاستدلال من طريقين:

الأول: من النظر الى الموجودات والتوصل الى العلل والاسباب من المعلومات والمسببات وهو المشار اليه بقوله تعالى: [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ] وهذا نفس ما استدل به الاعرابي من ان البعرة تدل على البعير واثر الاقدام يدل على المسير فسماء ذات ابراج وارض ذات فجاج لا يدلان على اللطيف الخبير.

الثاني: من النظر في نفس الوجود وتقسيمه الى الواجب والممكن والتوصل بهذا الى ضرورة تحقق الواجب جلَّ شأنه وهو المشار اليه بقوله تعالى: [أَوَلمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ].

والبحث الثاني بعد الفراغ من اثبات ذاته. اثبات صفات الواجب. وصفاته تعالى ثبوتية وهي صفات الكمال، وسلبية وهي صفات النقص، فكل صفة كمال لا تستلزم نقصاً فهي ثابتة لهو كالعلم والحياة والقدرة، وكل صفة نقص فهي منفية عنه، كالجهل والعجز والفقر ونحو ذلك وامهات صفات الكمال أي الصفات الثبوتية ثمانية والا فأوصافه الكمالية من جمالية وجلالية لا تعد ولا تحصى ونبدأ من صفات الكمال بالقدرة ولازمها الاختيار وانما بدأوا بها لأنها اقرب الى الصنع الذي تقدم الكلام فيه من جهة اثبات الصانع. اما اثبات انه قادر فلان القدرة صفة كمال فلو لم تثبت له ثبت ضدها وهو العجز وعدم القدرة وهو باطل لما عرفت من ان الوجوب الذاتي يعني واجب الوجود يستحيل تدخل العدم فيه ولو تدخل العدم فيه كان ممكناً، وقد ثبت انه واجب، فلو لم يكن قادراً لكان واجباً ممكناً وهذا محال، اذن فهو تعالى قادر لا محالة واذا ثبت كونه قادراً ثبت كونه مختاراً.

اذ الاختيار من لوازم القدرة بل ببعض الاعتبارات هو عين القدرة وتوضيح ذلك ان كل اثر يصدر عن مؤثر، فأما ان يصدر عن قصد وشعور وعلم وارادة، واما ان يترتب عليه ويصدر عنه قهراً من غير ارادة ولا علم كالنار في احراقها، والشمس في اشراقها. والأول هو الفاعل المختار والثاني هو الفاعل الموجب وبينهما فرق فالأول يمكنه الفعل والترك معاً لأمر واحد دون الثاني وقد شرحنا صفاته تعالى في الجزء الأول من كتاب الدين والاسلام.

( درس 5): توحيد الصانع والقول بوحدة الوجود

لا ريب ان كل ذي حس حتى الحيوان فضلاً عن الانسان يفهم للوجود معنى، ويميز بين الموجود والمعدوم.

والحكماء بعد ان اتفقوا على ان مفهوم الوجود المأخوذ من جميع الموجوات المتعينة واحد ويعبر عنه بطارد العدم تارة، وبما يترتب عليه اثر الشيء الخاص به اخرى، وما اشبه ذلك من العبارات التي هي شرح الاسم والمعرف اللفظي ـ لا بيان الكنه والحقيقة، ولذا قالوا ان الوجود مفهومه من اوضح الأشياء وكنهه في غاية الخفاء. وبعد اتفاقهم على وحدة مفهومه وبداهة تصوره واستحالة معرفته او تعريفه بجنس او فصل[11] اذ هو ليس بجوهر ولا عرض ولا جنس له ولا فصل فانها حدود للماهيات لا للوجود، واختلفوا في الموجودات الخارجية المتباينة الماهية والحقيقة كالانسان والحجر والشجر وان وجوداتها الخارجية بقطع النظر عن ماهياتها المتباينة هل هي حقيقة واحدة كمفهوماتها الذهنية او متباينة كماهياتها الواقعية فقال طائفة وهم المشاؤون من تلامذة افلاطون انها متباينة كماهياتها[12] ولازم هذا ان يكون الوجود عندهم من المشترك اللفظي[13] وهو موضوع لمعاني لا تتناهى وكل وجود مباين للآخر فضلاً عن تباين الحقيقة. وقالت طائفة اخرى بأنه في الخارج حقيقة واحدة كما هو في الذهن واطلاق الوجود عليها من المشترك المعنوي لا اللفظي سواء كانت معروضات الوجود افراد حقيقة واحدة كأفراد الانسان او حقائق مختلفة كأفراد الانسان وافراد الحجر فأن الوجود في الجميع واحد بالنظر الى ذاته وحقيقته. نعم حقيقة الوجود تختلف مصاديقها في الشدة والضعف والخفاء والظهور ففيها الواجب القديم الأزلي الذي وجوه بذاته وغناه بنفسه وهو علة العلل ومصدر كل الكائنات، وفيها الوجود الممكن المحتاج في حدوثه ووجوده الى الواجب فهو واجب بالغير وعلته واجب بالذات. لكنه مع هذا الاختلاف العظيم والبون الشاسع فنفس طبيعة الوجود فيهما واحدة وهي ما نعبر عنه بالظهور والتحقق وامثال ذلك. ولهم على ذلك عدة براهين رصينة واوضحها وانقحها ان المفهوم الواحد لا يعقل ان ينتزع من حقائق مختلفة ومعاني متباينة ليس بينها قدر جامع ووجه مشترك والاّ لبطلت الحكمة وحالت الحقائق وصح انتزاع كل شيء من كل شيء.

وهذا المذهب هو الحق الصراح الذي يقومه البرهان ويدعّمه الوجدان. ووحدة الوجود بهذا المعنى مما لا محيد عنه، وهي الأساس لأكثر القواعد في العلم الآلهي ولا تنافي شيئاً من قواعد الدين وعقائد الأسلام بل لا يتم توحيد الحق وحق التوحيد الا بها. ولذا لما اورد (ابن كمونة) شبهته المشهورة في امكان وجود الشريك لواجب الوجود (تعالى الله عن ذلك) ارتبك اهل الرأي في دفعها بل عجزوا عن الجواب عنها حتى قال بعضهم لو بعث الله نبياً في هذا الزمان لم اسأله من المعجزة الا دفع شبهة ابن كمونة. وفي الحق انها على ذلك المبنى لا مجال لدفعها كما انها على المبنى الثاني لا مجال لورودها فضلاً عن الحاجة الى دفعها وشرح ذلك يحتاج الى فضل بيان لا يسعه المجال. انما جلَّ الغرض ان وحدة الوجود بهذا المعنى هي الحق ولا يتم الا بها وحدانية الحق ولا يقدح في هذه الوحدة ان نقول ان واجب الوجود هو الوجود الحقيقي ووجود الموجوات الامكانية وجود مجازي نظراً الى ضعفها وحاجتها الى علتها وعدم بقائها وان كانت بحسب الحقيقة وجودات ذات آثار جلى ولها حظها من الوجود وهي بالقياس الى وجود الواجب كالعدم.

نعم هناك معنيان آخران لوحدة الوجود:

احدهما: أن الوجود في ظرف الخارج والتحقق ليس الا ذلك الوجود الواجب الأزلي وباقي الوجودات الامكانية كلها افعاله والفعل اثر الفاعل ولا وجود له سوى وجود فاعله فليس في الدار غيره ديار وشعاع النار لا وجود له سوى وجود النار ولعل هذا المعنى هو الذي يرمز اليه العرفاء وكبراء التصوف في كلماتهم واليه الإشارة بقولهم:

كل ما في الكون وهم او خيال
 

او عكوس في المرايا او ظلال
 

وقول آخر:

وما الوجه الا واحد غير انه
 

اذا انت عددت المرايا تعددا
 

وعليه يحمل شطحات بعض كبرائهم كقول الحلاج: أنا الحق وما في جبتي الا الحق وقول الجنيد: لمن روى له حديث كان الله ولم يكن معه شيء ــ الآن كما كان ــ يعني ان الفعل ليس مع الفاعل بل من الفاعل فهو متأخر عنه وقائم به. ولكن لا يصح به امثال قول القائل: انا انت فسبحانك سبحاني الا على نظرية انا من اهوى ومن اهوى انا. وعلى كلٍ فتلك الكلمات من المبهمات التي لا توافق بظاهرها ظواهر الشريعة، وربما تكون لأربابها مقاصد صحيحة والسرائر لله.

الثاني: ان الموجودات كلها هي الوجود الواجب ولكن ليس هو الا هذه العوالم المحسوسة والمعقولة وهي بأجمعها تطوراته وتشكلاته، وهذا هو الكفر المحض والضلال المبين واليه اشار بعض الحكماء الراسخين في اسفاره حيث قال: ان بعض الجهلة من المتصوفين المقلدين الذين لم يحصلوا طريق العلماء العرفاء ولم يبلغوا مقام العرفان توهموا لضعف عقولهم ووهن عقيدتهم وغلبة سلطان الوهم على نفوسهم ان لا تحقق بالفعل الا للذات الأحدية المنعوتة بالسنة العرفاء بمقام الأحدية وغيب الهوية وغيب الغيوب مجردة عن المظاهر والمجالي بل المتحقق هو عالم الصورة وقواها الروحانية والحسية والله هو الظاهر المجموع لا بدونه[14]. الى ان قال: وهذا كفر محض وزندقة صرفة لا يتفوه من له ادنى مرتبة من العلم ونسبة هذا الأمر الى اكابر الصوفية ورؤسائهم افتراء محض وافك عظيم يتحاشى عن اسرارهم وضمائرهم.

واقول: ان هذا هو عين قول الماديين والطبيعيين والا فأنه أخوه غذته امه بلبانها، وقد تجلى لك ان لوحة الوجود ثلاثة معاني صحيح لا ريب فيه وباطل لا مرية فيه ومجمل امره الى الله، فالعرفاء قصروا نظرهم على مقام الوحدة، وجهلة الصوفية قصروه على الكثرة والحق هو الجمع بين الوحدة والكثرة، ورد الكثرة الى الوحدة ولا ريب ان الكثير اصله الواحد عزَّ شأنه وسع برهانه[15].

(درس 6): العدل الاعتقادي[16]

فنقول: ومن الله المعونة انه قد اتفقت قاطبة المسلمين على اختلاف مذاهبها واذواقها ومشاربها على اتصاف ذاته تعالى بالعدل في الجملة بل ظني ان ذلك مذهب كل من يقول بثبوت الفاعل المختار في المبدأ حتى الأشاعرة وجعلهم في مقابلة العدلية انما هو باعتبار لازم قولهم ومذهبهم في مسألة اخرى كما سيتضح لك ذلك ان شاء الله والا فهم قائلون بأنه جلَّ شأنه متصف بالعدل منزه عن الظلم كيف والكتاب العزيز طافح بذلك على وجه الصراحة والنصوصية بحيث لا يصح من مسلم انكاره. نعم لهم مذهب يستلزم ذلك لزوماً بتياً، ويؤدي اليه اداءً بديهياً، وذلك انهم انكروا الحسن والقبح العقليين بمعنى ان يكون للعقل حكم بأحد الأمرين على الأفعال بذواتها وانفسها مع قطع النظر عن كونها ملائمة للطبع او منافرة له بتحصيل غرض او مصلحة او دفع مضرة ومفسدة او اعتياد عرفي او انقياد ديني يوجبان الالفة او النفرة فالأفعال عندهم بالذات، ومع قطع النظر عن تلك الجهات شرع سواء لا تفاوت فيها حسناً وقبحاً، وفاعلوها لا يختلفون في الاستحقاق مدحاً ولا قدحاً فلو ان رجلاً اسدى عظيم الاحسان الى الانسان ثم احتاج اليه بأهون شيء فقابله بالرد والهوان، او القتل والحرمان ولم يكن ذلك الفعل مما يعود الينا ابداً بمنفعة او مضرة، وقطعنا النظر عن حكم الديانة بتقبيحه وتحريـمه لم نجـد فيــه عندهم شناعـة، ولا استغراباً وبشاعة، وهذا الحكم عندهم سار في افعال الخالق والمخلوق جميعاً سوى ان افعال المخلوق قد تصير حسنة او قبيحة بعد تعلق احكام الديانات بها ايجاباً او تحريماً بخلاف افعاله المقدسة فأنه لا مجال للعقل فيها بتحسين او تقبيح ابداً فلو عذّب العبد الذي افنى عمره بالطاعة والعبادة وخلده في جهنم وانعم على الشقي الذي اهلك العباد وافسد البلاد بالقتل والظلم وادخله الجنة لم يكن ذلك منه قبيحاً ولا خلافه حسناً بل كل ما يفعله ويأمر به هو الحسن وكل ما يتركه او ينهى عنه فهو القبيح لا انه يفعل ما هو الحسن لحسن ذاتي يدعوه الى فعله او يترك الشيء لقبح ذاتي يوجب تركه ومن هنا لزم مقالتهم هذه انكار كونه تعالى عادلاً بالمعنى الآتي قريباً بل صرحوا بانكاره وجواز ان يدخل النار من اطاعه والجنة من عصاه قائلين بأن كل ما يفعله هو العدل كيف ما كان وقد خالفهم في ذلك قاطبة العقلاء وضرورة العقول وتظاهر في خلافهم والرد عليهم من المسلمين طوائف عرفوا بالعدلية، وهم كافة مشايخ العرفاء وسادة الصوفية واساطين الحكمة والفلاسفة الآلهية وقاطبة المعتزلة وجمهور الأمامية وسائر السلفية والظاهرية ونحن نوضح لك الحقيقة بأجلى بيان وذلك ان لكل واحدة من الحواس الظاهرة بالضرورة ملائمات ومنافرات من الأفعال الخارجية بل سائر الموجودات مما تقع عليه تلك الحواس فكما ان السمع تلذه أصوات القماري والبلابل بسجعها، وتؤنسه نغمات الأوتار في تناسب وقعها، وتزعجه اصوات الحمير وقعاقع الرعد المهول وعواصف الريح وزجل الطبول، واللمس تلائمه النعومة وتؤلمه الخشونة، والشم تنعشه روائح المسك وتكمده العفونة وهكذا الذوق والبصر، في مدركاتهما من الطعوم والصور، فكما ان لكل واحدة من هذه الحواس منافراً وملائماً، ومصالحاً ومصادماً، فكذا لرئيسها وحاكمها ومسيسها، الذي به صار الانسان انساناً، والا فهو بتلك الأمور وحدها لم يكن الا حيواناً.

لولا العقول لكان ادنى ضيغم
 

ادنى الى شرف من الانسان
 

فلا محالة له منافرات وملائمات، بضرورة ان له مدركات ومعقولات والا فهو معدوم باطل الذات، وما القول بوجوده حينئذ الا كالقول بالغول والعنقا وسائر الخرافات، ضرورة ان لا سبيل لنا للايمان بوجود شيء من القوى الحساسة الا بظهور  آثارها إذ كم من واجد لجارحة العين والاذن وهو اعمى او اصم، وفاقد لحاسة الشم وهو ذو انف اشم، هذا حال النفس وقواها مع ان لها جوارح وادوات، واعوان وآلات، ولهذا كانت مجردة في ذاتها، مادية في فعلها (والنفس في وحدتها كل القوى) فكيف بالعقل وهو المجرد في ذاته وفي فعله[17].

(درس 7): المعاد الجسماني[18]

المهم والاعضال في هذا الموضوع هو تصور كيف يعود هذا الجسم العنصري الذي تعتور عليه الأطوار والأدوار المختلفة المتنوعة التي ينتقل فيها من دور الى دور لا يدخل في واحد الا بعد مفارقة ما قبله ولا يتشكّل الا بشكل يباينه ما بعده ينشأ جنيناً ثم طفلاً رضيعاً ثم صبياً وغلاماً ثم شباباً وكهلاً ثم شيخاً وهرماً فبأي صورة من هذه الصور يبعث واي جسم من هذه الأجسام يعود ثم كيف يعود وقد تفرق ورجع كل شيء الى اصله غازاً وتراباً وكل ما فيه من عناصر ولو جمعت كلها واعيدت فهو خلق جديد وجسد حادث غايته انه مثل الاول لا عين الأول مضافاً الى الشبهات الكثيرة كاستحالة اعادة المعدوم وشبهة الآكل والمأكول وغير ذلك، وحيث ان الاعتقاد بالمعاد روحاً وجسماً يعد من اصول الدين الخمسة او من دعائم الاسلام الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد ومهما كان فلا مجال للشك بأن المعاد الجسماني على الاجمال من ضروريات دين الاسلام، وهل الضروري من الدين الا ما يكون التدين بذلك الدين مستلزماً للاعتقاد والتدين به مثلاً وجوب الصلاة من ضروريات دين الاسلام فهل يعقل الالتزام بدين الاسلام مع عدم الالتزام بوجوب الصلاة، والتصديق بنبوة النبي عبارة عن التصديق بأن كل ما جاء به حق وهو من الله جلَّ شأنه وهذا القدر يكفي في الاعتقاد بالمعاد ولا حاجة الى اكثر من هذا للخروج من عهدة التكليف الشرعي او العقل، ولا يلزم معرفة كيف يعود ومتى يعود واين يعود فان التكليف بمعرفتها تكليف شاق على الخواص فكيف بغيرهم فأنه يكاد يكون تكليفاً بما لا يطاق والعلم اللازم في اصول الدين لا يقدح فيه الاجمال ولا يلزم فيه ان يكون قادراً على البرهنة والاستدلال بل يكفي فيه حصوله من أي سبب كان وعدمه جواز التقليد في اصول الدين يراد منه عدم كفاية الظن ولزوم القطع واليقين لا لزوم اقامة الحجج والبراهين، والغاية من هذا البيان والغرض الأقصى به انه لا يجب على المكلفين ولا سيما العوام البحث عن كيفية المعاد الجسماني بل قد لا يجوز لهم ذلك كسائر قضايا القواعد النظرية والمباحث الحكمية مثل قضية القضاء والقدر والخير والشر والاختيار والجبر وما الى ذلك من المعضلات العويصة اذ قد تعلق الشبهة بذهن احدهم ولا يقدر على التخلص منها فيكون من الهالكين كما هلك ابليس اللعين بشبهة خلقتني من نار وخلقته من طين فالأولى بل الأسلم هو الالتجاء الى العلم الحاصل من النقل من كتاب وسنة واعتبارات يستفاد من مجموعها اليقين بأن المعاد الجسماني مثلاً من اصول الدين ويلتزم به ويقف عند هذا الحد وعلى هذه الجملة والاجمال لا يتجاوزه الى تفاصيل الاحوال اما الاستدلال عليه كما قد يقال بأنه ممكن عقلاً وقد اخبر به الصادق الأمين فيجب تصديقه فهو دليل لا مناعة فيه لدفع الاشكال فأن المانع يمنع الصغرى ويدعي انه ممتنع عقلاً ام لاستحالة اعادة المعدوم او لغير ذلك من المحاذير المعروفة وحينئذ فاذا ورد ما يدل عليه بظاهر الشرع فاللازم تأويله كي لا يعارض النقل دليل العقل كما في سائر الظواهر القرآنية مثل يد الله فوق ايديهم والرحمن على العرش الى كثير من امثالها مما هو ظاهر في التجسيم المستحيل عقلاً اذاً أليس الأسد والأسعد للانسان القناعة بالسنة والقرآن وترك البحث والتعمق وطلب التفصيل في كل ما هو من هذا القبيل ولعل هذا المراد من الكلمة المأثورة[19] ((عليكم بدين العجائز))أي اعتقاد الطاعنين او الطاعنات في السن فأن من نشأ على عقيدة وشبَّ وشاب عليها تكون في اقصى مراتب الرسوخ والقوة ولا تزيله كل الشبهات والتشكيكات عنها وان كانت العقيدة عنده مجردة عن كل دليل بل تلقاها من الآباء والامهات [إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ] ولعل في كلمة (العجائز) تلميحاً ايضاً الى العجز عن اقامة الدليل فأن اهل الاستدلال والصناعات العلمية غالباً اقرب الى التشكيك من اولئك البسطاء المتصلبين في عقائدهم غلطاً كانت في الواقع او صواباً ولذلك كانت الانبياء "عليه السلام" يقاسون انواع البلاء واشد العناء في اقناع امتهم بفساد عقائدهم واقلاعهم عنها من عبادة الاصنام او غيرها. والبساطة في كل شيء اقرب الى البقاء والدوام من التركيب والانضمام والبسائط اثبت من المركبات لقبول الأجزاء الانحلال والتفكك ولعل هذا هو السبب في جعل الاعتماد في الاعتقاد بالمعاد والجسماني منه خاصة على ظواهر الشرع والادلة النقلية دون العقلية من بعض اكابر الحكماء كالشيخ الرئيس ابن سينا  حيث قال في المقالة التاسعة من آلهيات الشفاء (فصل في المعاد) وبالحري ان نحقق ههنا احوال النفس الانسانية اذا فارقت ابدانها وانها الى أي حالة تعود فنقول: يجب ان يعلم ان المعاد منه ما هو مقبول من الشرع ولا سبيل الى اثباته الا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة وهو الذي للبدن عند البعث وخيرات البدن وشروره معلومة وقد بسطت الشريعة الحقة التي اتانا بها سيدنا ونبينا ومولانا محمد بن عبد الله "ص" حال السعادة والشقاوة التي بحسب البدن، ومنه ما هو مدرك بالعقل والقياس البرهاني وقد صدقته النبوة وهما السعادة والشقاوة التي للانفس انتهى محل الحاجة منه. وعليه فمن حصل له الاعتقاد بالمعاد من الادلة السمعية ولم تعرض له فيه شبهة توجب تشكيكه لرسوخ عقيدته وقوتها فقد وفق واصاب، وبلغ النصاب، ولا ينبغي بل لا يجوز له الخوض في الأدلة العقلية والأصول النظرية ولكن من عرضته الشبهة او اعتقد بالاستحالة والامتناع عقلاً وانه لابد من تأويل الظواهر الشرعية كي لا يتنافى الشرع مع العقل ويسقط عنده قول المستدل انه ممكن واخبر به الصادق الأمين لاندفاعه عنده بما اشرنا اليه قريباً فلابد حينئذ من رفع هذه الدعوى اعني دعوى الاستحالة والامتناع واثبات انه ممكن عقلاً بل واقع فاللازم اثبات امكانه الذاتي وامكانه الوقوعي ابقاء للادلة الشرعية على ظواهرها، وقطع ايدي التأويل عن منيع مقامها.

وحيث ان الحاجة الى النظر في هذه القضية لابد ان يكون من غير الظواهر النقلية بل من المبادئ العقلية، فاعلم اولاً ان الأقوال في المعاد اربعة:

احدهما: انكاره مطلقاً لا جسماً ولا روحاً، وهو قول جميع الملاحدة والطبيعيين الذين ينكرون المبدأ، فكيف المعاد وهما متلازمان في المفاد وبينهما اقوى مراتب الاتحاد واثبات المبدأ يكفي في ايطال هذا القول راجع الجزء الأول من (الدين والاسلام) تجد فيه لأثبات الصانع ما يغنيك عن غيره بأجلى بيان، واقوى برهان.

ثانيهما: اثبات المعاد الروحاني فقط نظراً الى ان الأرواح مجردة والمجرد باق، والجسم مركب من عناصر شتى، واذا فارقته الروح، ودخلت في عالم المفارقات انحل هذا المركب ولحق كل عنصر باصله. وانعدم وتلاشى ذلك المركب، وانعدمت تلك الصورة، والمعدوم يستحيل عوده، والروح باقية، وهي التي تعاد للحساب وانجاز عملية الثواب والعقاب، ولعل الى هذا الرأي المثالي او الخيالي يشير المعلم الثاني ابو نصر الفارابي  في ارجوزته التي يقول فيها:

اصبح في بلابلي وامسي
 

امسي كيومي وكيومي امسي
 

يا حبذا يوم حلول رمسي
 

مطلع سعدي ومغيب نحسي
 

من عرضي يبقي بدار الحس
 

وجوهر يرقى لدار القدس
 

وكل جنس لاحق لجنس
 

ويعني بالعرض الجسم التعليمي، ذا الابعاد الثلاثة، والكيفيات الخاصة وهو الذي تتفرق بالموت اجزاؤه، ويلحق كل جزء باصله من العناصر ولم يعلم رأيه انها تعود او لا تعود وكيف تعود، وعلى كل فبطلان هذا القول يبتني على منع صيرورة البدن معدوماً بالموت او بعد الموت كما سيأتي قريباً ان شاء الله.

ثالثها: القول بالمعاد الجسماني فقط، وهو مذهب جميع اهل الظاهر من المسلمين وبعض المتكلمين، وهو لازم كل من انكر وجود النفس والروح المجردة، بل انكر وجود كل مجرد سوى الله (فلا مجرد الا الله ) اما الملائكة، والعقول، والنفوس والارواح، فكلها اجسام، غايته انها تختلف من حيث اللطافة والكثافة والعنصرية والمثالية يظهر هذا من كلمات عدة من العلماء ولكني اجلهم عن ذلك، وكلماتهم محمولة على غير ما يترائى منها، ومغزاها معاني اخرى جليلة.

رابعها: وهو احقها واصدقها اثبات المعادين الجسماني والروحاني، أي معاد هذا الجسد الذي كان في الدنيا بروحه وجسمه، فيعود للنشر يوم الحشر كما كان، ويقف للدينونة بين يدي الملك الديان. كما هو ظاهر جميع ما ورد في القرآن الكريم من الآيات الدالة على رجوع الخلائق الى الله عز شأنه والرد على منكري البعث والمعاد لمحض العناد او الاستبعاد او اخذاً بقضية استحالة اعادة المعدوم المرتكزة في الاذهان وقد رد عليهم الفرقان المحمدي بأنحاء من الاساليب البليغة البالغة الى اقصى مراتب البلاغة والقوة يعرفها من يتلو القرآن بتدبر وامعان وحيث ان غرضنا المهم من تحرير هذه الكلمات هو اثبات الامكان ودفع الاستحالة كي تبقى ظواهر الادلة على حالها لذلك لم نتعرض لسرد تلك الآيات النيرات واتجهنا الى تلك الوجهة ودحض تلك الشبهة بأوضح بيان واصح برهان ومنه تعالى نستمد وعلى فضل فيضه نعتمد ونقول حيث ان من الواضح المعلوم بل المحسوس لكل ذي حسن ان كل شخص من البشر مركب من جزئين الجزء المحسوس وهو البدن العنصري الذي يشاهد بعين الباصرة ويشغل حيزاً من الفضاء وجزء آخر يحس بعين البصيرة ولا تراه عين الباصرة ولكن يقطع كل احد بوجود شيء في الانسان بل والحيوان غير هذا البدن بل هو المصرف والمتصرف في البدن ولولاه لكان هذا البدن جماداً لا حس فيه ولا حركة ولا شعور ولا ارادة، اذاً فيلزمنا للوصول الى الحقيقة والغاية المتوخاة البحث عن هذين الجزئين فأذا عرفناهما حق المعرفة فقد عرفنا كل شيء واندفع كل اشكال ان شاء الله. (واليك البيان) يشهد العيان والوجدان وهما فوق كل دليل وبرهان واليهما منتهى اكثر الأدلة ان هذا البدن المحسوس الحي المتحرّك بالإرادة لا يزال يلبس صورة ويخلعها وتفاض عليه اخرى وهكذا لا تزال تعتور عليه الصور منذ كان نطفة فعلقة فعظاماً فجنيناً فمولوداً فرضيعاً فغلاماً فشاباً فكهلاً فشيخاً فميتاً فتراباً تكونت النطفة من تراب ثم عادت الى التراب فهو لا يزال بعد ان أنشأه باريه من امشاج ليبتليه فجعله سميعاً بصيراً اما شاكراً واما كفوراً في خلع ولبس [أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ] يخلع صورة ويلبس اخرى وينتقل من حال الى حال ومن شكل الى آخر مريضاً تارة وصحيحاً وهزيلاً وسميناً وابيضاً واسمراً وهكذا تعتوره الحالات المختلفة والاطوار المتباينة وفي كل ذلك هو هو لم تتغير ذاته وان تبدلت احواله وصفاته فهو يوم كان رضيعاً هو يوم صار شيخاً هرماً لم تتبدل هويته ولم تتغير شخصيته بل هناك اصل محفوظ يحمل كل تلك الاطوار والصور وليس عروضها عليه وزوالها عنه من باب الانقلاب فأن انقلاب الحقائق مستحيل فصورة المنوية لم تنقلب دموية او علقية ولكن زالت صورة المني وتبدلت بصورة الدم وهكذا فالصورة متعاقبة متبادلة لا متعاقبة منقلبة ( اذ صورة لصورة لا تنقلب) وهذه الصورة كلها متعاقبة في الزمان لضيق وعائه مجتمعة في وعاء الدهر لسعته والمتفرقات في وعاء الزمان مجتمعات في وعاء الدهر ولابد من محل حامل وقابل لتلك الصور المتعاقبة ما شئت فسمه مادة او هيولي او الأجزاء الاصلية كما في الخبر الآتي ان شاء الله وكما ان المادة ثابتة لا تزول فكذلك الصور كلها ثابتة في محلها في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها وقد عرفت في ما مرَّ عليك من المباحث ان الشيء لا يقبل ضده والموجود لا يصير معدوماً والمعدوم لا يصير موجوداً وانقلاب الحقائق مستحيل.

ثم ان هذا البدن المحسوس العنصري لا ريب في انه يتحصل من الغذاء وان اجزاءه تتحلل وتتبدل فهذا الهيكل الجسماني بقوة الحرارة الغريزية التي فيه المحركة للقوى الحيوانية العاملة في بنائه وحفظه وتخريبه وتجديده كالجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة وغيرها لا يزال في هدم وبناء واتلاف وتعويض كما قال شاعرنا الحكيم في بيته المشهور:

والمتلف الشيء ضامنه        وقاعدة (المتلف ضامن)


وفي بيان اوضح ان علماء (الفزيولوجيا) علم اعضاء الحيوان قد ثبت عندهم تحقيقاً ان كل حركة تصدر من الانسان بل ومن الحيوان يلزمها يعني تستوجب احتراق جزء من المادة العضلية والخلايا الجسمية وكل فعل ارادي او عمل فكري لابد وان يحصل منه فناء في الاعصاب واتلاف من خلايا الدماغ بحيث لا يمكن لذرة واحدة من المادة ان تصلح مرتين للحياة، ومهما يبدو من الانسان بل مطلق الحيوان عمل عضلي او فكري فالجزء من المادة الحية التي صرفت لصدور هذا العمل تتلاشى تماماً ثم تأتي مادة جديدة تأخذ محل التالفة وتقوم مقامها في صدور ذلك العمل مرة ثانية وحفظ ذلك الهيكل من الانهيار والدمار وهكذا كلما ذهب جزء خلفه آخر خلع ولبس كما قال عزَّ شأنه: [أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَديدٍ]، ويكون قدر هذا الاتلاف بمقدار قوة الظهورات الحيوية والاعمال البدنية فكلما اشتد ظهور الحياة وتكثرت مزاولة الاعمال الخارجية ازداد تلف المادة وتعويضها وتجديدها ومن هنا تجد ارباب الاعمال اليدوية كالبنائين والفلاحين واضرابهم اقوى اجساماً واعظم ابداناً بخلاف ذوي الاعمال الفكرية الذين تقل حركاتهم وتسكن عضلاتهم، ثم ان هذا التلف الدائم لا يزال يعتوره التعويض المتصل من المادة الحديثة الداخلة في الدم المتكونة من ثلاث دعائم هي دعائم الحياة واسسها الجوهرية الهواء والماء والغذاء ولو فقد الانسان واحداً منها ولو بمدة قصيرة هلك وفقدت حياته.

وهذا العمل التجديدي عمل باطني سري لا يظهر في الخارج الا بعد دقة في الفكر وتعمق في النظر ولكن عوامل الاتلاف ظاهرة للعيان يقال عنها انها ظواهر الحياة وما هي في الحقيقة الا عوامل الموت لأنها لا تتم الا باتلاف اجزاء من انسجتنا البدنية واليافنا العضوية فنحن في كل ساعة نموت ونحيا ونقبر وننشر، حتى تأتينا الموتة الكبرى ونحيا الحياة الأخرى.

اذاً فنحن بناء على ما ذكر في وسط تنازع هذين العاملين عامل الاتلاف وعامل التعويض يفنى جسمنا ويتجدد في مدار الحياة عدة مرات بمعنى ان جسمنا الذي نعيش به من بدأ ولادتنا الى منتهى اجلنا في هذه الحياة تفنى جميع اجزائه في كل برهة وتتحصل اجزاء يتقوم بها هذا الهيكل ليس فيها جزء السابقة ولا يمكن تقدير هذه البرهة على التحقيق يعني أي مقدار تتلاشى تلك الأجزاء جميعاً وتتجدد غيرها بموضعها ــ نعم لا نعلم ذلك ولكن ينسب الى الفيزلوجي (موليشت) ان مدة بقائها ثلاثين يوماً ثم تفنى جميعاً ونقل عن (فلورنس) ان المدة سبع سنين، وقد اجرى العلماء المحققون في هذه الاعصار الامتحانات الدقيقة في بعض الحيوانات كالأرانب وغيرها فأثبت لهم البحث والتشريح تجدد كل انسجتها بل وحتى عظامها ذرة ذرة في مدة معينة، فكيف يتفق هذا مع ما يرتأيه الماديون ومنكرو النفس المجردة في زعمهم ان الذاكرة قوة تنشأ من اهتزازات فسفورية تختزن في الخلية العصبية من الدماغ عند وصول التأثيرات الخارجية اليها نعم كيف يجتمع هذا مع ما تقرر في الفن وشهد به الاختبار والاعتبار من ان كل ما فينا من الانسجة والعظام والخلايا العصبية تتلاشى ثم تتجدد بمدة معلومة اقصى ما تتجدد به سبع سنوات، ولو كانت قوة التذكر والتفكر مادية وقائمة في خلايا الدماغ لكان اللازم ان نضطر في كل سبع سنين الى تجديد كل ما علمناه وتعلمناه سابقاً، والحالة الراهنة المعلومة بالضرورة والوجدان عندنا ان سيال المادة المتجدد والمجدد لما يندثر منا على الاتصال لم يحدث ادنى تغيير في ذاكرتنا ولم يطمس أي شعلة من علومنا ومعارفنا ولعمري ان هذا لأقوى دليل على وجود قوة فينا مدركة شاعرة مجردة عن المادة باقية بذاتها مستقلة في وجودها بقيمومية مبدئها، محتاجة الى آلاتها المادية في تصرفها متحدة معها في ادنى مراتبها، ودثور المادة لا يستوجب دثورها ولا دثور شيء من كمالاتها ولا من مدركاتها ولا من معلوماتها كيف لا؟ ولا تزال تخطر على بالنا في وقت الهرم امور وقعت لنا ايام الشباب بل ايام الصبا وما قبله، وكيف كان فأن من الوضوح بمكان ان كل ما فينا يؤيد ثبات شخصيتنا وعدم تغيرها مع تغير وتبدل جميع ذرات اجسامنا.


[1] وقد ذكر الفقيد الوالد (قدس سره) برهانيين عقليين لنظرية وحدة الوجود في الجواب على قول الحكماء (الواحد لا يصدر عنه الا الواحد) ونصهما:

1 ــ ان حضرة الحق سبحانه لا بد ان يكون احدي الذات احدي الصفات فأنه ان لم يكن كذلك يلزم التركيب والتركيب ملازم للامكان والامكان طارد الوجوب ولا يجتمع معه فلو كانت فيه حيثيتان متباينتان لكان مركباً ولو كان مركباً لكان ممكناً ولو كان ممكناً لم يكن واجباً وهذا خلف. 

2 ــ ان بين كل علة ومعلول لا بد ان تكون سنخية ومناسبة بمعنى ان تكن بينهما جهة وحيثية وبتلك الجهة والحيثية يصدر هذا المعلول من تلك العلة فان لم يكن بينهما السنخية والاقتضاء الخاص يلزم ان يؤثر كل شيء في كل شيء ومعروف انه لولا السنخية بين العلة والمعلول لزم تأثير كل شيء في كل شيء.

[2] عن ومقالة ويدانت في مجلة ثقافة الهند عدد يونيو 1951.

[3] يقصد بكلمة حقيقي او الحقيقة كل ما هو موجود في الخارج مستقلاً عن حواس الانسان وفكره أي ضد كل ما هو نفسي او خيالي، وتستعمل للصدق ضد الكذب أي لما حدث او يحدث صدقاً. اما الحقيقة المطلقة فلها معنى ادق المخصصة بما يلي:

1 ــ لا يتوقف وجودها على وجود آخر أي قائمة بذاتها.

2 ــ لا يتغير ادراكنا لها بتغير الظروف والاحوال والعلاقات أي يكون لها صفة واحدة وكيفية واحدة.

3 ــ ان تكون لها كمية ثابتة فلا يتغير مقدارها حسب الظروف والاحوال.

4 ــ ان تكون خالدة ابدية لا تفنى ولا تتغير.

والأشياء لا تتوفر فيها هذه الأمور فهي ليست حقائق مطلقة بل حقيقة جزئية.

[4] يعرفها علماء الطبيعة بأنها محاولة الجسم للمحافظة على حالته في السكون والحركة ما لم يؤثر فيه مؤثر.

[5] تغيير اتجاه حركة الجسم يحتاج الى قوة.

[6] وضّح انشتاين تكافؤ الجاذبية والقصور الذاتي بعدة امثلة لطيفة يستطيع ان يفهمها الشخص المثقف فراجعها في كتاب (العالم وانشتاين) تعريب محمد عاطف البرقوقي ص82.

[7] مجلة ثقافة الهند عدد يونيو 1951.

[8] تكييف النفس باليقين تصيير اليقين كيفية من كيفياتها وملكة من ملكاتها بحيث لا تفارقها ولا تنفك عنها مثل ملكة الجود والشجاعة وامثالها.

[9] لقد دفع المؤلف بهذا البيان الطعن الذي يقول به الملحدون، بأن الدين يبعث الى الكسل وترك العمل وتخدير الجماهير وصرفها عن المطالبة بحقوقها، وهي نقطة هامة انتبه اليها المؤلف.

الناشر

[10] يقصد في هذه العبارة وما بعدها ان الموجود بعد ان يحدث يبقى ممكناً ولا يكتسب صفة لوجوب بعد حدوثه، ويحتاج الى العلة لبقائه بعد حدوثه كما احتاجها قبل حدوثه، أي انه لابد ان يتغير او يزول بعد حدوثه طال امد بقائه ام قصر أي يبقى ممكناً.

الناشر

[11] الجنس والفصل اصطلاحان في علم المنطق لتعريف النوع مثلاً عندما نقول (الانسان حيوان ناطق) فالأنسان نوع والحيوان جنس والناطق فصل.

[12] قال في التعريفات: (الماهية تطلق غالباً على الأمر المتعلق مثل المتعلق من الانسان وهو الحيوان الناطق مع قطع النظر عن الوجود والأمر المتعلق من حيث انه معقول في جواب ما هو سمي ماهية ومن حيث ثبوته في الخارج سمي حقيقة ومن حيث امتيازه عن الاغيار هوية ) والماهية تقارب معنى المثل عند افلاطون.

[13] المشترك اللفظي مثل كلمة العين للباصرة وينبوع الماء والذهب وكفة الميزان وغير ذلك.

[14] اعتبار أن الموجودات هي واجب الوجود فيه شيء كثير من التعقيد في المعنى احد المعاني ان الموجودات شريكة لله في الثبوت وعدم التغير وهذا ما ينقضه العلم والآخر ان الله ليس له وجود مستقل عن الموجودات ولا هيمنة له عليها وهذا كفر محض، اذن كيف نشأت الموجودات من العدم؟ ولماذا تتغير؟.

الناشر

[15] ان النبذة الأخيرة بقلم الفقيد المؤلف احسن خلاصة وتوضيح لنظرية وحدة الوجود.

الناشر

[16] اضيف نقلاً عن كتاب الدين والاسلام ج1 ص129.

[17] يستدل الفقيد على صحة مذهب العدلية بميول الحواس فالسمع يميل الى الأصوات الحسنة مثلاً بغض النظر عن فائدتها بل لذاتها، والعقل الذي هو سيد الحواس وارقى منها لا بد ان يميز الحسن من القبيح على وجه العموم وهذا الرأي مع صوابه لا ينقض رأي الاشاعرة تماماً لأن رأيهم لا يخلو من صحة، والحقيقة دائماً ذات وجهين (السلب والايجاب) وقد تكون ذات وجوه احياناً.

الناشر

[18] اضيف نقلاً عن الفردوس الأعلى ص164.

[19] مراد شيخنا الامام دام ظله من كون تلك الكلمة مأثورة هو كونها مأثورة من بعض السلف لا انها مأثورة بهذه العبارة عن احد المعصومين "عليهم السلام" لأنها ليست من المأثورات عن النبي "ص" او اهل بيته "عليهم السلام" ولم يروها احد من المحدثين بطرق اصحابنا الامامية او بطرق اهل السنة في الجوامع الحديثية عنهم صلوات الله عليهم =كما حققنا ذلك تفصيلاً في بعض مجاميعنا، وقال الحافظ ابو الفضل محمد بن طاهر بن احمد المقدسي في كتابه (تذكرة الموضوعات) من ص40 الطبعة الثانية سنة 1354 بمصر (عليكم بدين العجائز ليس له اصل من رواية صحيحة ولا سقيمة الا لمحمد بن عبد الرحمن البيلماني بغير هذه العبارة له نسخة كان يتهم).

محمد علي القاضي الطباطبائي

 



 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما