الجمعة, شوال 17, 1445  
 

الفردوس الاعلي

بيان

 

الفردوس الأعلى

  



بيان

لم يظهر كتاب (الفردوس الأعلى) لشيخنا واستاذنا الأمام آية الله كاشف الغطاء دام ظله من المطبعة – الطبعة الأولى - ويصل الى بعض الصحف العراقية وغيرها الا ونوهوا به واعلنوا عنه ايجازاً من بعض وتفصيلاً من آخرين وحيـث ان احسـن من كتب في هذا الموضوع وادى بعض حقه او كل ما هو اهل له عباقرة صحافي (المهجر) وادبائهم اللامعين والغيارى على الأسلام والعروبة والعلم والفضيلة في (بوئنوس آيرس) من الأرجنتين (اميركا الجنوبية) كالاستاذ عبد اللطيف الخشن في صحيفته الغراء (العالم العربي) والأستاذ الشيخ يوسف كمال في مجلته الزاهرة (الرفيق) والأستاذ الفاضل (صارمي) في مجلته الباهرة (المواهب) ونحن من اجل بيان فضلهم وتقدير معارفهم وسمو مداركهم ونفوذ افكارهم الى اعماق الفضائل واسرار العلوم والحقائق كما يتجلى ذلك من نفحات الفاظهم ورشحات اقلامهم وبديع اساليبهم ننشر هنا ما ذكروا ونذكر ما نشروا واننا اذ ننشر نص كلماتهم في هذه الطبعة الثانية انما نريد تخليد فخرهم وتشييد ذكرهم والاعتراف في صدر الكتاب بمعروفهم ومعارفهم زادهم الله كرامة وفضلاً وشهامة ونبلاً واليك مقال كل واحد من تلك الصحف على ترتيب ما وردنا منهم ومن الله نستمد التوفيق ونسأل التأييد.         

القاضي الطباطبائي

(الكلمة الأولى) (للعالم العربي) ننقلها عن مجلة (الغري)

الغراء عدد 6 السنة الرابعة عشر النجف الأشرف

الفردوس الأعلى في نظر الصحافة الأمريكية

صدر الأمام الأكبر آية الله كاشف الغطاء آخر مؤلف له ــ وما اكثر مؤلفاته وفيوضاته ـــ وسماه بـ(الفردوس الأعلى) لما فيه من مختلف ازهار العلوم وباقات الفكر والفلسفة، ولما فيه من حياة الروح وسعادة الفكر، ومتعة النفس ولما فيه من الهداية الى الأيمان بالله، والاعتقاد باليوم الآخر. وقد جاء هذا الكتاب كسائر مؤلفات الأمام – مفرغة عن بيان ساحر وحقائق علمية ناصعة، ومؤلفة عن حاجة والحاح وضرورة – وانتشر كأخواتها في آفاق العالم وانحاء البلاد حتى وصل الى اميركا واطلع عليه ذلك العالم الجديد البعيد فكتب صحفيها البارع عن مدى تأثير الكتاب على ذهنية ذلك العالم ومدى تأثيرهم به ونحن نقتطف هذه الكلمة البليغة عن صحيفة (العالم العربي) الصادرة في الارجنتين نظراً لاهميتها وايفائها حق الكتاب وحق مؤلفه الامام (حفظه الله) بقدر المستطاع.

((الغري))

سماحة الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء العراقي النجفي، ربما كان بين علماء المسلمين اليوم ابعدهم صيتاً واغزرهم علماً واكثرهم انتاجاً فيما اذا توفرت الاسباب.

وبالرغم من السنين الطوال. البالغة السبعة عقود التي ينوء تحتها هذا الفيلسوف الكبير، لا يزال قلمه جمرة تستعر دفاعاً عن الدين، وكرامته، والعروبة، ومناوئيها، بل لا يزال الامام آل كاشف الغطاء يتدفق فلسفة، وعبقرية وبحثاً وتدقيقاً، حتى غدا مرجعاً دينياً للعرب، والعجم من المسلمين.

الفردوس الاعلى

لقد اهدانا الامام الحجة نسخة من مؤلفه الجديد الذي اطلق عليه اسم (الفردوس الاعلى) وبالرغم من عرفنا في اعمالنا اليومية حتى الاسنان والاذقان حاولنا ان نكتفي من معدن علاّمتنا الاكبر بنهلة، وانكببنا على مطالعة (الفردوس الاعلى) ولكن النفس المتعطشة الى كل جديد المتعشقة ما ينتجه قلم هذا الفيلسوف الكبير، لم يطف علتها بضع صفحات في الكتاب، بل اخذنا نشفع الكأس بالكأس والكوب بالكوب حتى الثمالة، وحتى وصلنا الى نهاية هذا الكتاب النفيس الذي يصح ان يكون مرجعاً للمؤمن، والكافر، للعابد والجاحد.

ان اعظم ما لفت نظر ما في الكتاب، واعادنا الى الاسلام الصحيح،.. وافرغ قلبنا من نزوات الشك، وسقطات الظن، والتقدير، وابعد عنا شيطان الوسوسة المباحث الآتية في الكتاب ((غيب ولكنه بلا ريب)) هذا الباب يتعلق بسيرة المعراج وحديث احضار آصف عرش بلقيس وغير ذلك، وفسر بعض الآيات القرآنية تفسيراً علمياً ينطبق على نظريات عميقة تهدي القارئ الى ضالته المنشودة عندما يتعسر عليه معرفة كنه اسرار غوامض الحياة من شتى النواحي وقد جال قلم المؤلف في تفسير المادة، والروح تفسيراً علمياً منقطع النظير ينطبق على اقوال الكثيرين من علماء هذا العصر ((حتى الذين لا يؤمنون بخلود الروح ولا بوجود الخالق)).

يقول المؤلف مد الله في عمره:

((… ان في الانسان بدناً برزخياً بين الروح المجردة والبدن المادي، فاعلم ان هذا البدن قد تغلب عليه الناحية الروحية، والنزعات العقلية، فيغلب على الجسد المادي ويسخره لحكمه، ويكن تابعاً له، ومنقاداً لامره، وقد ينعكس الامر فتتغلب النواحي المادية، والشهوات الحسية على الملكات الروحية فتصير الروح مسخرة للمادة، تابعة لها منقادة لرغباتها، وشهواتها، وهنا تصير الروح مادة تهبط الى الدرك الاسفل وظلمات الجهالات، ولكنه اخلد الى الارض. وهناك تصير المادة روحاً حتى تخف، وتلطف، وتنطبع بطابع المجردات، فتسمو الى الملأ الاعلى في هذه الحياة الدنيا فضلاً عن الحياة الاخرى)).

وقديماً قال بعض الشعراء في سوانحهم الشعرية:

خفت وكادت ان تطير بجسمها

وكذا الجسوم تخف بالأرواح

وفي باب (المعاد الجسماني) للمؤلف براهين تهبط بالرجل الدهري من عالم المادة، الفارغ من جوهر الايمان الى العالم الملموس المحسوس وتوقفه على نافذة الحياة التي يرى منها شعاع النور الالهي.

وفي باب (الزكاة والاشتراكية الصحيحة) والتعاون في الاسلام ما يغني العالم كله عن البحث في كيفية التعاون المشترك بين الفرد، والجماعات وبين الاسر والعائلات، وقد افاض العلامة آل كاشف الغطاء بالبحث عن الاشتراكية حتى صورها من افضل مزايا الاسلام.

وهناك اسئلة واجوبة تتعلق في اصول الدين، وفروعه والفروض والفروع، وقد جاءت بعض فتاوي الحجة الامام آل كاشف الغطاء موافقة لروح العصر الحالي اذا لم تجيء كلها ((والذي لفت نظرنا هو ان سماحة المؤلف يستشهد كثيراً باقوال ابي هريرة، بينما زميله الامام السيد عبد الحسين آل شرف الدين (صور) جبل عامل، وقد فند جميع اقواله، في مؤلفه المشهور(ابو هريرة) وجردها من الحقائق، والاسانيد العلمية، التي يصح الاخذ بها والاعتماد عليها، ونحن لا نحاول بكلمتنا هذه ان نستبق الظروف, ونجعل من ضعفنا في التعرض للبحوث الدينية والعلمية قوة للخوض في معركة من هذه المعارك بينما يعلم الجميع ان هذه الجريدة لا تهتم الا للقضايا الوطنية البحتة، بقطع النظر عن احترامنا للدين، واربابه، ولعلماء الدين العاملين المخلصين كافة عامة).

فإلى سماحته (سماحة الأمام آل كاشف الغطاء) تحياتنا وتهانينا الحارة بمؤلفه الجديد طالبين من الجمعيات الإسلامية المنتشرة في هذه الجمهورية وغيرها ان تطلب من هذا الكتاب نسخاً للمطالعة، والإهداء، وبذلك تعود هذه الجمعيات (بعد ان غرقت في بحر المادة) الى الحياة مرة ثانية فتقف امام الخالق الديان وقفة المعترف بذنوبه، المقر بعيوبه، وما في كتاب (الفردوس الأعلى) كفاية لمن يفتش عن ربه وعن ذنبه معاً!..

العالم العربي

(الكلمة الثانية)

عن مجلة الرفيق العدد 10 السنة 8 شهر رجب 1372هـ نيسان 1953م

حول كتاب الفردوس الأعلى بقلم: الأستاذ احمد سليمان الأحمد الأديب البارع الشهير حفظه الله

تمهيد

صدر هذا الكتاب النفيس الرائع لمؤلفه الشهير مولانا الأمام الحجة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء صاحب المؤلفات العديدة الفريدة والتي منها كتاب (الدين والاسلام) الذي اخذ شهرة واسعة في العالمين الشرق والغرب معاً فكان برهاناً ساطعاً للمطيعين.

والفردوس الأعلى الذي بين ايدينا جامع للشروط والأحكام العصرية من دينية ومدنية، حاو لكثير من المسائل العلمية والفقهية لكبار علماء الأمة في مختلف البلدان الشرقية يستفتون الأمام كاشف الغطاء بها واجوبته الجليلة الواضحة عليها بما يقنع ويرضى كل سائل مستفيد.

ونحن اذ نشكر لمولانا الحجة آل كاشف الغطاء هديته الثمينة ندعو بطول بقائه واسعاده لنتمتع ببركاته وادعيته وعلمه الغزير، وليس لنا ما نقول بعد هذه الكلمة التي ننشرها لشاعر شباب العرب الأستاذ احمد سليمان الأحمد بهذا المؤلف الغزير المادة والكثير المنفعة والفائدة كما ننشر بختامها بعض الأسئلة الواردة واجوبتها، وهذه كلمة الأستاذ الأحمد الموفقة وفقه الله وزيد في حياته ورضي عنه.

(قلم التحرير) حول كتاب الفردوس الأعلى

قال سبحانه وتعالى: [ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا].

بهذه الآية الكريمة صدر الأمام الحجة آية الله الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء كتابه الجديد (الفردوس الاعلى). وحقيق بنا ان نقف امام ما يكتبه هذا الامام الجليل، وان نسترسل معه في افاقة الفكرية ننهل من معين ينبوعه الفيّاض، او نقطف من غرس (فردوسه الاعلى). وحقيق بنا ان نذهب مع هذا العالم الفقيه كل مذهب في ابحاثه ونظراته ونستشف منها حقيقة الدين، هذا الدين الذي يبرأ من فريقين، يدعيه الاول وهو اشد ما يكون منه براءة، هذا الفريق الاول هو حزب الجمود والخرافات والاكاذيب والأضاليل والانعزال والكره والتعصب، يعد هذه المجموعة ديناً ولا يقول الا بها، فيشوه حقيقة الدين ويكون هؤلاء القائلون الحجة القوية بنظر الملاحدة الذين يميلون عن الدين ويغالون في التنكر لكل عظيم وجميل وسام فيه.

ذاك الفريق الأول وهذا الفريق الثاني (الملاحدة) يلتقيان على صعيد واحد. كلاهما شقاء للإنسانية، وكلاهما لطخة عار في جبينها، بل في رأيي واعتقادي ان الفريق الأول اشد خطراً. والمجتمع الذي تفشو فيه هذه السموم هو مجتمع كتب عليه التأخر. في كتابة الأمام الحجة كاشف الغطاء وامثاله من المصلحين العظام ما يزيد ايماننا بالدين وبروحيته وبقداسته، وبانه الطريقة الوحيدة لإنقاذ العالم من التخبط من حمأة حلوله وشكوكه وظنونه، وما اكثر ما يثلج صدورنا، نحن دعاة الإصلاح ان نرى احبار امتنا تنهد للإصلاح الديني فلا تحيد خطوة واحدة عما يؤيده العقل، وعما يرتفع بالإنسان مادة وروحاً. ان النقيق المجرم الزري الذي قال
بالخرافات والأوهام هو نفسه النقيق المجرم الزري الذي تهجم على حملة لواء الإسلام والأيمان، فماذا يقول الإسلام والأيمان، ويا ليت شعري أي معنى لحركة او نظرية واي قيمة لها اذا كان علم يبرأ منها ويبين اخطاءها ثم يعتنقها جاهل او خمسون جاهلاً.

حدانا الى هذه العجالة الفكرية ما طلع علينا به علامتنا المرجع الديني الأعلى الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء في: (فردوسه الأعلى) وما دبجه قلمه البليغ من روائع الفكر والإلهام.. والحق ان مباحث العلامة الأكبر تمتاز بذلك التفكير المجرد، والإحاطة الشاملة في الموضوع، بل اسارع واقول ان ما يهتدى اليه من الشرح والتعليل وانارة السائل لما يعز نظيره ويكاد ينفرد به الشيخ الحجة من خوالج وخواطر وحقائق ودقائق.

وقد هزنا بنوع خاص، وما اكثر قول الأمام الذي يأخذ بمجامع القلوب ويملك الأفكار والعقول ــ اقول لقد هزنا بنوع خاص وصفه لمن يجب او يجوز الأخذ عنه وتقليده فيقول: ((النظر الى مقدار انتاجه وكثرة مؤلفاته وعظيم خدماته المشرع والإسلام ومساعيه في صيانة الحوزة والذب عنها)).

وما اروع واجل تفسيره، (رضي الله عنه)، لانخساف قمر العقل وانكساف شمس المعرفة، وما اعظم نصيحته في آخر الجواب: وان ابيت فطرح تلك الأخبار هو الأصح والله العالم.

كم في نفس هذا العالم من هدى وعلم ومعرفة واصلاح، ويا حبذا لو تأخذ الأمة بنصائحه وتوجيهاته, اذاً لعادلنا عزنا وفوزنا في الدنيا والآخرة، وماذا اقوب في الامام الا ترديد بيت من قصيدة لمولاي الوالد وجهها جواباً لقصيدة ارسلها اليه الامام الحجة الشيخ محمد الحسين. فقال:

بك ابن الرضى دالت الى العلم دولة

بها خدمت بيض الصفائح اقلاما

وماذا اقول في (الفردوس الاعلى) الا ان انقله بكليته للقاريء، وياحبذا لو عمم في البيوت ولو وعته القلوب التي تبصر.

 احمد سليمان الاحمد

في عالم التأليف                بقلم: آل كاشف الغطاء 

(الكلمة الثالثة): عن مجلة المواهب

الفردوس الاعلى

(بعض اسرار الحج)

بحسب هذا المؤلف الجديد (( الفردوس الأعلى )) أن يكون بقلم الإمام المجتهد الأكبر آية الله العلامة، سماحة حجة الاسلام الاشهر، الاجل الافقه الانور مولانا الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء متع الله الانام باطالة عمره الشريف فيأتي مطابقاً اسمه مسماه، ولفظه معناه، ويجيء آية في سلامة العقيدة والتفكير، وبلاغة التفسير والتعبير، وفي كشف دقائق الفقه والعرفان، وتوضيح اسرار العبادات والزكاة والحج والصوم ووحدة الوجود والمعاد الجسماني وغير ذلك بأجلى بيان وأقوى برهان، عدا مقدمات حافلة الضرع جليلة النفع يحتوي عليها هذا الكتاب العظيم وعلى مسائل فقهية فسيحة الارجاء متشعبة الطرق متعددة المقاصد، مسائل يندر جداً في عصرنا هذا، عصر العلوم والفنون من بوسعه وطاقته الاجابة عنها بهذا البيان الشافي المبدع، والاسلوب الرشيق الممتع بهذه الحجج البالغة والادلة القاطعة، كما تكرم واجاب عنها صاحب (الفردوس الاعلى) اعلى الله كلمته، من طريق العقل الناضج الراجح والنقل الثابت الصحيح ولا غرابة، فاما منا آل كاشف الغطاء ان هو الا في الربيئة من اولئك الرجال الافذاذ الذين غاصوا بجهدهم واجتهادهم الى القرار في بحار علوم اهل العظمة آل بيت الرسول ائمة الهدى ومناثر الايمان والاسلام عليه وعليهم السلام، فأستخرجوا درر كلمهم من مكامنها وجواهر معانيهم من معادنها، ثم اخذوا يبثونها في النفوس كتابياً شريفاً وسنناً نبوية سنية، تصقل الافهام وتنير الأذهان وتهدى الى سواء السبيل فما اكبرها نعمة على الناس وما اجلها منة!.

بئر معطلة وقصر مشرف

مثل لآل محمد مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى

والبئر علمهم الذي لا ينزف

تعطف سماحة الأب الروحي البار سيدنا المؤلف الأمام فشرفنا ولسماحته اكمل الشكر، باهداء نسخة من ((فردوسه الأعلى)) صادرة من مدرسته في النجف الأشرف في 15 ربيع الأول 1372.

وبكلمة الاهداء عليها بقلمه الشريف نراه يتلطف فيرغب الينا بان نطالعه بامعان وروية واستيعاب، ثم نفيه بعد ذلك حقه من نقد او رد، اما المطالعة بامعان فسمعاً وطاعة لما امر، واما النقد والرد، فأن من يطبقهما ــ بعرفنا ــ على هذا الكتاب القيم القويم، الذي ما خرج عن كونه تقريراً لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء فانه يطيق الرد على كتاب الله وسنة نبيه (ص) وكلام الموالي اهل البيت المعصومين (ع).

وتتشرف ((المواهب)) بنقل الفصل الآتي ((بعض اسرار الحج)) من هذا الكتاب الجليل الذي يجدر بكل اديب عربي حق مسلم وغير مسلم ان يطالعه بامعان وروية ليتبين مقدار فضله ونفعه وحاجة النفوس الخير اليه، واليكه:

انتهى

عن مجلة المواهب

العدد 9 – 10 – السنة الثامنة – جمادى الثانية ورجب

(سنة 1372هـ، ص14)

بسمه تعالى شأنه

[الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا]

(قرآن)

الفردوس الأعلى

تأليف

سماحة الأمام آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء

دام ظله

وعليه تعليقات نفيسة بقلم:

السيد محمد علي القاضي الطباطبائي

بسمه تعالى

مقدمة الطبعة الثانية

(عرفت الله بفسخ العزائم)

لمّا قضت العناية الإلهية وتقدير العزيز العليم في العام الماضي اعني سنة (1371هـ) بالتوفيق والتأييد، ووفقنا في النجف الأشرف لطبع كتاب (الفردوس الأعلى) من تصارنيف سماحة شيخنا واستاذنا الأمام آية الله كاشف الغطاء ــ وهو اليوم من اكبر مراجع الشيعة ومجتهديهم ــ متع الله الأمة بطول حياته وبقائه، بعد ان بذلنا الجهد في طبعه ونشره باهتمام الشاب النشيط في مطبعته الحيدرية، فبرز هذا الأثر الخالد الى عالم العلم والأدب، وما كان القصد الا خدمة الدين والمذهب وبث العلم ونشر الحقائق، وبعد برهة قليلة من زمن نشره وارتواء الناس من مناهله العذبة، وقعنا في المضايق المكربة بسبب بعض الحوادث العجيبة وتصارف الزمان والدهر الخوان، فعزمنا للقفول الى الأرض التي نشأنا فيها وفي قصد العود الى النجف الأشرف ــ مركز الفقاهة والثقافة العلمية والنزعات الأدبية ــ عاجلاً من دون تأن في ذلك ولا تأخير، فوردنا الى (تبريز) ووقعنا في الحوادث المزعجة التي تشمئز من سماعها النفوس الطيبة والقلوب النيرة، فعاقت هذه العوائق بيني وبين تلك الأمنية والرجوع الى الأرض المقدسة، ومن جراء ذلك لم اجد بداً الا التوقف والأقامة حتى تنفرج المضايق وتنقضي هذه الظروف بعون الله تعالى. وصار من العنايات الربانية في هذه الآونة الأخيرة ان قيض الله تعالى بعض الناشرين للعلوم والفضائل لطبع هذا الكتاب النفيس والسفر الجليل طبعاً ثانياً، بحلة قشيبة رائعة وطبعة جديدة طامحة، فكتبنا الى سماحة شيخنا الأمام دام ظله في النجف الأشرف، نستدعي الأذن في ذلك فتفضل علينا وعلى روّاد العلم وطلاب الفضيلة بالإجازة لتجديد طبعه، وامر بارسال نسخة مصححة بقلمه الشريف وفيها بعض الزيادات والتنقيحات، وامرني بتوقيعه المبارك بكتابه بعض التعاليق ايضاً زيادة على التعليقات التي كتبنا في الطبعة الأولى، وليس ذلك الا من الطافه الخاصة الينا، فبادرت لامتثال اوامره شاكراً لألطافه ولأرشاده الى ضالتي المنشودة وبغيتي المأمولة.

وقد ساعدنا في امور الطبع والتصحيح ونشر هذا الأثر النفيس بأبهى حلة حضرة العالم الفاضل الأستاذ السيد محمد حسين الطباطبائي[1]، نسأل الله تعالى ان يوفقه وايانا لأداء امثال هذه الخدمات الدينية الى العالم الإسلامي والمجتمع المذهبي، ومن الله التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان.

تبريز ــ ايران. شوال المكرم 1372هـ ــ 1953م

محمد علي القاضي الطباطبائي

كلمة الأمام المجتهد الأكبر آية الله كاشف الغطاء المؤلف ـ ادام الله ظله ـ كمقدمة للكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد والمجد

قال جلّ شأنه في محكم كتابه الكريم [وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ][2].

وكما انّ الحكمة الأزلية والعناية الكلية قضت اختلاف افراد البشر وامتياز كل واحد عن الآخر في طوله وشكله وملامحه وسائر جوارحه بل وحتى في نبراته ونغمات صوته فلا تكاد تجد فردين من نوع الانسان يتساويان في كل المزايا الجسمية والزوايا العضوية من لون او لغة او غيرهما كل ذلك دليلا على عظيم القدرة وآية على باهر الصنعة وان سعة المشيئة لا حد لها ولا منتهى ثم وعلى هذا ومثله جعل اختلافهم في الإفهام والمدارك والشعور والميول والأذواق والغرائز ولعل اختلافهم وتباينهم في الأخلاق اكثر من اختلافهم في الخلق حكمة باهرة، وقدرة قاهرة، جلت وعظمت فوق العظمة والإجلال بما لا يتناهى من الكبرياء والكمال وكان من الغرائز والميول التي اودعها جل شأنه في هذا البدن النحيف، والجسم الضعيف منذ درج على الارض او صار يميز بين الطول والعرض، الميل والرغبة الملحة الى التأليف والجمع، من كل اصل وفرع، ينضم وتنتظم بها الرغبة المتوقدة الى التذوق والمشاركة في شتّى العلوم واكثر الفنون فما انتهى العقد الاول من اعوامي الا وقد شرعت او كرعت من مناهل علوم العربية والادب مبادئ الفقه واصوله واول تأليف برز لي في هذه البرهة كتاب (العبقات العنبرية في طبقات الجعفرية) مجلدان كله ادب وتاريخ ونوادر برزت نسخة واحدة منه الى المبيضة ارسلناها في ذلك العصر الى عم لنا كان في اصفهان كي يمثله للطبع فعاجله الأجل قبل انجاز العمل ومات وماتت تلك النسخة النفسية معه وقد علمنا انها ما نشرت ولكن لا نعلم اين قبرت وليس عندنا منه سوى مسودة الجزء الاول بخطنا قبل ستين سنة وقد انتهل من مشارع هذه النسخة جملة من ادباء العصر ونقلو الكثير من فرائدها الى مؤلفاتهم مع حفظ امانة النقل وبدونها، ثم لم تنطو صحيفة العقد الثاني من حياتنا الا ونحن منهمكون في طلب دائب وحركة سافرة بالاشتغال في علوم الحكمة والفلسفة والكلام عند اساطينها الذين هاجروا الى النجف الاشرف لتحصيل العلوم الشرعية عند مراجع الشيعة الاعاظم في اوائل القرن الرابع عشر مضافاً الى اشتغالنا في علوم البلاغة كالمعاني والبيان والبديع والرياضيات من الحساب والهيئة واضرابها بله الفقه واصوله والحضور في حوزة درس الطبقة العليا من الاساطين كالكاظمين صاحب العروة وصاحب الكفاية () فقد لازمت الحضور عليه من السنة الثانية عشر هجرية الى حين وفاة الاول سنة 1337هـ والثاني سنة 1329هـ وعلى الشيخ الفقيه الهمذاني صاحب مصباح الفقيه المتوفي سنة 1322هـ وغير هؤلاء من الاعاظم (قدس الله اسرارهم) وفي حين الوقت الذي احضر عند هؤلاء الاساتذة الاعلام كانت لي حوزة درس من الافاضل المهاجرين لطلب العلم فكنت اكتب ما القاه من اساتذتي في الفقه واصوله واحرر ما القيه من الدروس على تلاميذي وفي هذه الآونة وانا في وسط العقد الثالث الفت شرح العروة في مجلدين كبيرين لم يطبع شيء منها الى الآن ومع استفراغ الوسع وبذل الجهود البليغة في علمي الفقه واصوله والحديث والتفسير ونحوهما وصرف اكثر ساعات يومي وليلتي فيها اجد في فؤادي شعلة متوقدة وعطشى ملتهباً يحفزني الى الانتهال والاشتعال بالعلوم الالهية، والمعارف العليا، والحكمة المتعالية، فكت ادرس في عين ذلك الوقت كتب صدر المتألهين (قده)[3] من مختصراته كالمشاعر والعرشية وشرح الهداية ومطولاته كالاسفار وشرح اصول الكافي ثم الح بي العطش والظمأ الى التماس جرعة من كتب العرفاء الشامخين كالفصوص والنصوص والفكوك وكثير من مثنويات ملا جلال الدين الرومي والجامي وشمس التبريزي والشبستري وغيرهم ممن نهج على منهاجهم وعرج في معراجهم فكنت لا اجد راحة وروحاً لروحي من عناء الحياة ومتاعب الكفاح لا بمزاولة الادب العربي والتلذذ بمطالعة كتب القوم والانس باشعارهم ومعارفهم حتى بلغت من ذلك على مثل ما قيل كنت اشرب ولا ارتوي فصرت ارتوي ولا اشرب، وعلى كل فلا اريد بكلمتي هذه ان اترجم لنفسي شؤون حياتي وكيف انقضت ساعات ايامي وليلاتي فان هذا يحتاج الى مؤلف ضخم كله عجائب وغرائب ودروس وحوادث وكوارث وعبر ولعل التاريخ يحتفظ بشيء منه ان كان لا يستطيع الاحتفاظ بكله، نعم جل القصد من هذه الومضة انارة زاوية واحدة من هذا العمر الحافل بالزوايا والمزايا، وهي ناحية الشغف والولع بالتأليف ونشر العلوم والثقافة بشتى انواعها فكان اول تأليف لنا (العبقات) كما اسلفنا وهو ادب وتأريخ وتراجم، واول تأليف في الفقه شرح العروة الوثقى كنا نكتب الشرح ليلاً ونلقيه نهاراً على حوزة الدرس المؤلفة من اعلام الافاضل المتجاوز عددهم المائة مسجد الهندي تارة وفي غيره اخرى وبعد وفاة استاذنا الطباطبائي اعلى الله مقامه بسنة واحدة رجع الينا جماعة من المؤمنين من اهلي بغداد وطلبوا منا تعليقاً على التبصرة ليكون عملهم عليها فعلقنا عليها حواشي وطبعت في هامش الكتاب مع حاشية الاستاذ (قدس سره) سنة 1338هـ، وفي خلال هذا ترجمنا عدة كتب من الفارسية الى العربية (كفارسي هيئت) و(حجة السعادة) ورحلة (ناصر خسرو) واول تأليف لنا في الحكمة والعقائد (الدين والاسلام) وكنا وسمناه (الدعوة الاسلامية) الى مذهب الامامية وشرعنا لطبعه بمطبعة در السلام في بغداد وبينا كانت المطبعة تشتغل بطبع الجزء الثاني سنة (1329هـ) وكانت بعض نسخ من الجزء الاول الذي نجز طبعه قد انتشر وتداولته الأيدي واذا بالسلطة تهاجم المطبعة بغتة وتصادر الكتاب بجزئيه وتحمله الى حيث لا ندري الى الآن وكان ذلك بأمر الوالي الشهير في عهد دولة (عبد الحميد ورشاد) (ناظم باشا) وبأيعاز المفتي (شيخ سعيد الزهاوي) فكبدونا بهذه الحركة الجائرة خسائر باهظة مادية ومعنوية بعثت فينا روح النشاط والحماس الى السعي بطبعه خارج العراق فصممنا العزيمة على الحج الى بيت الله الحرام من الكاظمية الى الشام على البغال شهراً كاملاً ومنها الى المدينة المنورة بالقطار ومنها الى مكة على الجمال وكتبنا بهذا السفر رحلة بديعة اسميناها (نزهة السمر ونزهة السفر) لا تزال بخطنا ثم اقفلنا بعد الفراغ من اداء المناسك الى الشام ايضاً ومنها الى بيروت فصيدا فانجزنا طبع الجزأين منه ولطفنا من اسلوبه الثقيل في الطبعة الاولى حتى ساغ مشربه للجميع ثم طبعنا الجزأين من (المراجعات الربحانية) والجزأين من (التوضيح في الانجيل والمسيح) وفي خلال هذا واصلنا السعي لنشر عدة كتب مهمة واشرفنا على تصحيحها (كالوساطة) للقاضي الجرجاني و (معلم الاصابة) في الكاتب والكتابة وديوان السيد الحبوبي و (سحر بابل) وغيرها ثم عدنا الى النجف الأشرف سنة 1332هـ اوائل الحرب العالمية الأولى والجأونا الى الإرشاد والدعوة وسافرنا للجهاد عدة مرات حتى اذا وضعت الحرب اوزارها وانتقل استاذنا السيد الأمام الكاظم الى جوار ربه وتحملنا اعباء وصيته مع الأخ المرحوم اعلى الله مقامه الذي اجتهدنا معه في تنقيح تأليف (العروة الوثقى) وطبعها مرتين في حياته وكانت مرجعية الأمامية في عموم الأقطار قد انتهت اليه ، وعلينا كان يعول في جميع فهماته ولا يضع ثقته عند غيرنا والينا يرجع كل مرافعة تنشر عنده فيحكم بحكمنا ويقضى بقضائنا ولا تزال وصاياه بخطه عندنا، وهذا تسعت دائرة المرجعية الينا بعد وفاته اضطرّتنا الظروف الى نشر الرسائل العملية المتنوعة فأصدرنا عدة رسائل كالوجيزتين الصغرى والكبرى فارسية وعربية، وقد طبعت عدة طبعات، وكالسؤال والجواب العربي الذي طبع تكراراً وكزاد المقلدين الفارسي الذي تكرر ايضاً طبعه في النجف الأشرف وفي خراسان، وكحاشية التبصرة وحاشية التبصرة وحاشية العروة وفيه انفس التحقيقات في المدارك الفقهية، وكذلك التعليقات على سفينة النجاة اربع مجلدات والأصل مجلدان للأخ المرحوم طبع ونفذ في حياته فعلقنا عليه حتى بلغ اربعة اجزاء وطبعناه ثانياً، والفنا الآيات البينات اربع رسائل مهمة في رد الأموية والبهائية والوهابية والطبيعية وقبل الحرب العامة الثانية الّفنا (تحرير المجلة) في خمسة اجزاء ويعرف قدر هذا الكتاب وعظيم وقعه وعلو مقامه من يطالعه ان كان من اهل ذلك، واعظم من كل هذا اثراً واعظم نفعاً واصدق خبراً وخبراً الكتاب (اصل الشيعة) الذي ترجم الى عدة لغات وطبع اثنى عشر مرة ويتلوه (الأرض والتربة الحسينية) ترجم الى الفارسية وطبع فارسياً وعربياً والمترجم لهما هو العالم المتبحر البر التقي الشاهزادة خسرواني اطال الله عمره واجزل اجره، وكان البريد وغيره يوصل الى مكتبتي سحابة عمري كتباً من الأقطار البعيدة والقريبة من العراق وخارجه تشتمل على اسئلة في مسائل عويصة ومشاكل غامضة في اصول الدين وفروعه، واسرار التشريع، والحكمة في الأحكام، مضافاً الى الاستفتاء في الفروع الفقهية والقضايا العملية فكان الجواب عنها يذهب مع السؤال ولم نحتفظ الا بالنزر اليسير مما ذهب وقد جمعنا من هذا اليسير مجلداً كبيراً واسميناه (بدائرة المعارف العليا) يصح ان يعد ثروة علمية من انفس الذخائر وقد بقي من هذا النوع اوراق مبعثرة في حقائبنا ومجاميعنا فيها الكثير من الخطب والكلمات والمقالات التي تتعلق بأهل البيت (ع) باختلاف المناسبات من ايام شهادتهم ووفياتهم ومواليدهم واسرار شهاداتهم وما الى ذلك مما يناط بهم ويعود اليهم مما نشر بعضه في بعض الصحف والمجلات وما لم ينشر كنت طالما احدث نفسي بجمع تلك المتفرقات في كتاب عسى ان يكون كعقد ثمين ينتظم في سلك تلك العقود من المؤلفات التي وفقنا الله جل شأنه لنشرها ولخدمة العلم والفضيلة ونفع الإنسانية وهداية البشر بها التي تجاوزت الثمانين والكثير او الأكثر ثم رأيت ان افرد المسائل العلمية والمباحث النظرية في كتاب وما يتعلق بالنبي واهل بيته الطاهرين (ع) في كتاب آخر ينتفع به اهل المنابر والخطباء مستقلاً على الأكثر وان كان هذا المنهل العذب للجميع شرعاً سواء، واجعل هذين المؤلفين او الثلاثة مسك الختام او ختامه مسك لحياتي التي اوشكت على الزوال وهي في آخر مراحلها وقد ذرفت على السبعين واخذت بعنقي او أخذت بعنق الثمانين:

قالوا انينك طول الليل يزعجنا

فما الذي تشكي قلت(الثمانينا)

ثم هذه السبعون او الثمانون مع تفاقم العلل والأسقام وضعف الحال وتراكم الاشغال وتوالي الاحن والمحن واجلاء وسوء الزمن واهل الزمن هو الذي كان يحول بيني وبين انجاز تلك الرغبة وجعلها في حيز العمل، وكنت مدة سنتين او اكثر على هذا الحال من التسويف والمطال حتى كانت احدى الليالي الشريفة من شهر رجب العام الغابر وبعد الفراغ سحراً من وظائفه وانا جالس في مصلاي انتظر الفجر اخذتني سنة، نقلتني الى غير العالم الذي انا فيه.

وتمثل لي ملاك لصورة انسان وانسان بهيئة ملك يقول لي لماذا والى كم تساهل عن (الفردوس)؟ قلت سيدي وما الفردوس؟ قال الكتاب الذي عزمت على تأليفه، اما انه هو الفردوس لك ولشيعتنا فاخذتني هزة ادهشتني، ورجعت بها الى هذا العالم المحسوس او المنحوس وصممت العزيمة من ساعتي على الشروع في هذا المشروع على ان يكون اسم المجلد الاول (الفردوس العليا) او الاعلى، واسم المجلد الثاني الخاص بأهل البيت (ع) (جنة المأوى) ومواد هذا الجزء كلها جاهزة وان فسح الله تعالى في الاجل ووفقنا لان نعززها بثالث نجعله (شجرة طوبى. وسدرة المنتهى) فتلك زيادة فضل منه تعالى الذي عودنا على الطافه منذ اوجدنا واسعد جدنا.

وكان من الالطاف الالهية والعنايات الغيبية نشر هذا الكتاب الذي وضعناه بين يديك ايها الناظر فيه. نعم من اقوى اسباب ظهوره وسطوع نوره تصدي العلامة الشريف الجامع بين شرفي الحسب والنسب وطرفي فضيلتي العلم والتقى حجة الاسلام (السيد محمد علي القاضي) التبريزي دامت بركات وجوده، وكانت عرى الولاء بيننا وثيقة وامراس التعارف معه بالمراسلات المتوالية متينة، ايام توقفه في بلدة (قم) للتحصيل ثم هاجر هذه البرهة الى (النجف الاشرف) للتكميل فتفضل علينا بل على العلم والفضيلة وتصدى للاشراف على طبع الكتاب وتصحيحه وعلق عليه تعاليق نفيسة لامعة لا تقصر فائدتها عن الاصل ان لم تزد عليه مع ان وقته العزيز مستغرق في الدرس والبحث ولكن من اخلص لله تعالى في عمله بارك الله في وقته وعمره واهله.

واذا اراد الله شيئاً هيأ اسبابه ومن الاسباب التي هيئها جل وعلا اقدام شاب نجيب لا يزال يدأب في نشر الكتب النافعة على نفقته وفي مطبعته زاد الله في توفيقه وكثر امثاله.


[1] وكيل مجلة (العرفان) الغراء بتبريز – ايران، لصاحبها العلامة المصلح المجاهد الشيخ احمد (عارف الزين) تلك المجلة الجليلة التي خدمت العلم والدين طيلة اربعين سنة وهي اليوم من اكبر المجلات الأسلامية الراقية انتشاراً وازدهاراً تصدر في صيدا - لبنان.

[2] سورة الاانعام

[3] اشارة الى الحالة الوضاءة التي كانت عليها جامعة النجف الأشرف في اوائل هذا القرن من بزوغ شموخ العلوم والمعارف والثقافة الدينية والثروة العلمية والمكانة الأدبية وسائر المزايا الفاضلة. فأن منذ تأسيس هذه الجامعة من زمن مؤسسها شيخ الطائفة وزعيم الشيعة الأكبر الشيخ ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي النجفي المتوفي (460)هـ الى اليوم تشد اليها الرحال من البلدان والأقطار الأسلامية لأقتباس العلوم الدينية على اختلاف= =انواعها واصنافها عند اساتذتها الأكابر زعماء الدين وكبراء المذهب، اجل تشد اليها الرحال ويكثر الى ارض الغري الترحال ويطوف رواد العلم وطلاب الفضيلة حول ضريح امير المؤمنين (ع) ومن قال في حقه الرسول الأمين (ص ): (انا مدينة العلم وعلي بابها)

انما المصطفى مدينة علم

وهو الباب من اتاه اتاها

هاجر شيخ الأمامية من خراسان وقدم العراق سنة (408)هـ واقام في بغداد الى سنة (448)هـ واستقل بالأمامة للشيعة بعد وفاة استاذه الشريف علم الهدى السيد المرتضى المتوفى (436)هـ فاشتهر صيته في الآفاق وسطع نوره وعرف فضله وانقاد الكل لعظمته وازدلفت اليه العلماء والفضلاء من كل حدب للتلمذة والحضور تحت منبره واجتمع اليه المستفيدون من الأقطار وبلغت عدة تلامذته الى ثلاثمائة من مجتهدي الفريقين حتى ان الخليفة العباسي (القائم بامر الله عبد الله بن القادر بالله احمد) جعل له كرسي الكلام وما كان العباسيون يسمحون به يوم ذاك الا لمن هو في الرعيل الأول والقمة العليا بين العلماء في علومه والمتفوق على نظرائه في الكلام فغلت الأضغان والأحقاد في قلوب الحساد واشتعلت نائرة الفتنة بين الفريقين وسارعوا في القضاء على الأخوة الأسلامية واوردوا ضربتهم المنكرة عليها واحترقت من جرائها كتب الشيخ (قدس سره) وداره في باب الكرخ وكرسي كان يدرس عليه للكلام.

فهاجر شيخنا وقتئذ الى النجف الأشرف ـ هذه الأرض المقدسة ـ واسس هذه الجامعة واختارها للمركزية العلمية، تحت لواء القبة العلوية، فازدلفت اليه العلماء والأفاضل وهاجروا معه واحاطوا به من كل جانب كالهالة على القمر وتقاطر اليه الفضلاء من كل صقع وناحية حتى برعوا بعلومه الجمة، ونشروا الوية العلم والدين في انحاء البسيطة بعده، وابى الله الا ان يتم نوره.

ولا يزال من ذلك الزمن الغابر هذه الأرض المقدسة محطاً لرحال رجال العلم ودار الهجرة رواده ولم يزل فيها على مر القرون الى اليوم جمع من اكابر العلماء والفقهاء يتكفلون امور شيعة اهل البيت (ع ) في التقليد والفتوى وتربية طلاب العلوم الدينية ورواد الفضيلة ولذا نجد اكثر علماء الشيعة بل جلهم في الأقطار والأمصار من تلك القرون الى اليوم من ةخريجي هذه المدرسة العلوية والمقتبسون علومهم ومعارفهم الدينية من هذه الجامعة المرتضوية فانها كالجامعات والكليات الراقية بالأضافة الى المدارس الأبتدائية بين جميع المعاهد العلمية للشيعة وانتشرت منها الى اليوم الملائين من المصنفات النفيسة والتصانيف الممتعة التي يعسر لنا بل لا يمكن لأحد احصاءها وعدها على التحقيق ومنذ تأسيس هذه الجامعة لم تزل تزدهر وتموج بالفضائل في كل هذه العصور, ولها تأثير عالمي واثر قوي يشمل الأنسانية ويحيط البشرية جمهاء، بيد ان اوائل هذا القرن من العصور المشرقة التي حوت على بعض المزايا الخالدة والثمار اليانعة في هذه الجامعة يوم ناهز فيها عدد طلاب العلوم الدينية عشر آلاف نسمة واجتمع فيه جم غفير من فطاحل الفقهاء والمجتهدين ورؤساء الدين وكانت الحرية التامة في دراسة العلوم من معقولها ومنقولها والتوسع في اقتنائها وتحصيلها على انواعها سائدة على تلك الجامعة، وفتحت طرقات سهلة في التحليل والتحري العلمي وتنوير الأفكار في البحث والتنقيب النظري واجتمع فيها ايضاً جمع من أكابر الحكماء المتشرعين والعرفاء الشامخين والمربين للنفوس بالحكمة العملية والدراسة العلمية وبتخلقهم بأخلاق الله بخشيتهم في جنب الله بتحليهم بالفضائل الأنسانية وما كان من نياتهم الا خدمة البشرية مع مراعاتها الطريقة المثلى والشرعة الوسطى في بحوثهم القيمة ودروسهم العالية، وتجنبهم عن الجمود والوقوف عن تحصيل= =العلوم والرجوع الى القهقري وممن رحل الى هذه الجامعة واقام مدة فيها من فحول ابطال العلوم العقلية والنقلية واساتذتها الأفاخم هو العلامة الحكيم والفقيه الشهيد الشيخ محمد باقر الشيرازي الأصطهباناتي الفائز لدرجة الشهادة حينما وقع هدفاً للرصاص في حسينية (قوام) بشيراز سنة 1326هـ  كان (قدس سره) مدرساً في المعقول والمنقول((وقفنا على تأريخ حياة هذا الفقيه الحكيم على نحو التحقيق والتفصيل وكيفية شهادته وخدماته الدينية وترويجه للشريعة وقيامه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر احسن قيام بعد ان قفل عن النجف الأشرف الى وطنه ــ في سفرنا الى شيراز قبل عدة سنين وكتب لنا تأريخ شؤون حياته ايضاً نجله الجليل بخطه ونقلناه بطوله في بعض مجاميعنا وكان من تلامذته وخاصته بل صاحب اسراره حضرة سيدي الوالد الماجد المرحوم قدس الله روحه وسمعت اشعة من ترجمة حياته منه (قدس سره) ايضاً))، وماهراً في تدريس الحكمة المتعالية على طريقة صدر المتألهين (قدس سره) درس العلوم الفلسفية والمعارف الآلهية والأصول الكلامية عل تلاميذه الكثيرين متناً وخارجاً واجتمع للارتشاف من نمير حكمته جم غفير من الأعلام والزعماء الكبراء من عظماء العلوم والفضائل في طليعتهم شيخنا الأمام العلامة ادام الله ظلاله وايامه كما ترشحت الإشارة به من قلمه الشريف في ذيل صفحة33 ج1 من كتابه القيم النفيس (الدين والإسلام) عند ذكره ترجمة موجزة لصدر المتألهين وصاحب الأسفار عن استاذه الحكيم المنوّه باسمه الشريف.

وايضاً كان من مشاهير المدرسين للحكمة العالية في ذلك الوقت الشيخ العلامة الجامع لأنواع العلوم الحاج ميرزا فتح الله الشهير بـ(شيخ الشريعة) الأصفهاني المتوفي سنة 1339هـ ــ الذي تقلّد الزعامة العامة والمرجعية في التقليد والفتوى مدة يسيرة في اواخر عمره الشريف ــ فأنه عند قدومه من ايران الى العراق مجازاً من علماء اصفهان سنة 1295هـ كان مدرساً كبيراً في الحكمة والكلام والفلسفة العالية والمعارف الدينية وكان خصيصاً في تشييد عقائد الدين في قلوب المحصلين بالأدلة والبراهين بغية استعدادهم وتثقيفهم للقيام بالذب عن الدين كيد الأعداء والخصماء وشبهات الملحدين واهل الضلال والأهواء ومدافعة الخصوم الواقفين في طريق السير والانتهاء الى اهدافهم المقدسة وفي سبيل بث العقائد الإسلامية، وكان (قدس سره) يدرس في المسجد الطوسي الواقع في جوار القبة العلوية ليلاً ونهاراً ويحضر بين يديه مئات من المشتغلين كما نقل لنا ذلك جمع من مشايخنا الأعلام واساتذتنا العظام ادام الله بركاتهم وذكرنا ايام اقامتنا في بلدة (قم) اشعة من تأريخ حياته وفهرساً من تصانيفه الممتعة مع الإشارة الى موضوعاتها في مقدمة كتابه (افاضة القدير في احكام العصير) المطبوع بـ(قم) سنة 1370هـ فراجع وايضاً كان من الجهابذة في الحكمة والفلسفة ومن المدرسين في هذه الجامعة الشيخ العلاّمة الحكيم الشيخ احمد الشيرازي المتوفي 1332هـ الجامع بين المعقول والمنقول وهو ايضاً من اساتذة سماحة شيخنا العلاّمة ادام الله ايامه وله حاشية على كتاب الفصول في اصول الفقه ونسخة منها بخط تلميذه حضرة سيدي الوالد الماجد(قدس سره) ((انظر ترجمته في مجلة (العرفان) الأغر ــ ص1197 ــ 1198 ج10 مج 33 ط صيدا)) موجودة في مكتبتنا الشخصية بـ(تبريز) فلو اردنا احصاء المدرسين والأساتذة الكبراء في المعقول والأخلاق والعرفان والحديث والرجال وعلوم القرآن في اوائل هذا القرن لطال بنا الكلام، واما الفقهاء والمجتهدين من افذاذ الفقه واصوله وحملة الشرع المقدس وقادته في فروعه واحكامه في ذلك الوقت فهم كثيرون يعسر احصاؤهم والاشارة الى اساميهم الشريفة في المقام خاصة من تلامذة الشيخ الامام الانصاري رضوان الله عليه.=

=وغير خفي على القارء الكريم اني لا اريد بكلمتي هذه ان احوم حول تأريخ النجف الأشرف وجامعتها ومزاياها وشؤونها الأجتماعية وتطورات اوضاعها التاريخية وآثارها العلمية الغابرة منها والحاضرة واثرها العميق ووقعها العظيم وتأثيرها المعجب في العالم الأسلامي والمجتمع المذهبي وشرح آثارها الخالدة وثروتها العلمية ومكانتها السامية في قلوب المسلمين عموماً والشيعة خصوصاً، فأن التجوال في هذا المجال يحتاج الى تأليف كتاب مستقل وترصيف تصنيف منيف وانما الغرض هو الأشارة بل الأشادة الى الثقافة العالية والحضارة العلمية والنزعات الدينية والرغبات الأدبية والتوسع في نطاقها والأهتمام في شؤونها في هذه الجامعة مضافاً الى مركزيتها للفقاهة والأجتهاد وسائر العلوم الدينية الموجودة اشعة لمعانها الى اليوم ببركة اعلام الشيعة وعظمائها ومراجع الأمامية وزعمائها وافذاذ الأمة ورؤسائها الأفصاح بأن اللازم على كل مسلم وشيعي حي غيور الحافظ على كيانه السامي العناية التامة لحفاظة هذه الجامعة الكبرى ولفت انظارهم اليها فأن في تقويتها قوة للمذهب وفي تشييدها ترويج للدين وفي الأهتمام بها قمع للباطل وذلك غير خفي على من له المام بهذا الموضوع واهتمام بهذا المشروع المقدّس ان كان ممن رزقه الله تعالى فهم ما هو الصالح لعالم التشيّع وحماية حوزة الدين وممن يقدم المصالح العامة والمنافع الأجتماعية على المنافع الشخصية والأغراض الفردية، وليعلموا اخواننا بالقطع واليقين ان من نيات اعداء الدين وخصماء المذهب من الأمم الأجنبية ومن مكايدهم الممقوتة، هدم اساس هذه الجامعة ومحوها وابادة مجدها وعظمتها وحطها عن مقامها الشامخ في عالم التشيّع ونسف حضارتها العلمية ونزعاتها الدينية، ولهم السعي البليغ في تهيئة اسباب ضعفها وسقوطها واضمحلالها وارجاع الناس الى غيرها وترغيبهم الى سواها في امر التقليد والفتوى، وتحكيم الجمود على افراده وسوقهم الى نبذ اغلب العلوم الى ورائهم ظهريا، والأكتفاء لبعض العلوم التي لا يكفي في قلع اساس الأباطيل والأضاليل وقمع جرثومة الزندقة والألحاد، كما فعلوا ذلك كله بالنسبة اليها بعد اوائل هذا القرن، وشاهدنا ذلك في هذه السنين الأخيرة وفي اثر ذلك توقف جمع من الأساتذة في هذه الجامعة عن دراسة بعض العلوم، وصار هذه الأمر من الجنايات التي لا يسدها شيء الا التيقظ او سد هذه الثلمة بالحربة التامة في تحصيل العلوم بشتى انواعها.

نسأل الله تعالى ان يوفق اهل الأيمان والعقيدة الراسخة لحفاظة هذه الجامعة وتشييدها وتأييدها وتقوية هذا الهدف الأسمى والغرض الأقصى ورزقفهم التيقظ عن رقدة الغفلة والأهتمام بمستوى الامة والقيام تجاه واجبهم الديني وفرضهم المذهبي وان يوفقهم لنبذ المصالح الشخصية والأقبال على المعاضدة للأمور الأجتماعية والدينية وتوحيد الجهود والتخلص عن كل غرض ممقوت والله الموفق.

18 ــ 9 ــ 1371هـ

القاضي الطباطبائي


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID