الجمعة, رمضان 19, 1445  
 
بيان للمسلمين  

بيان للمسلمين

محمد حسين آل كاشف الغطاء

مجلة رسالة الاسلام – پاييز 1329- شماره 7 - صفحه 273-268))

 

قال دامت بركاته:

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمن الرَّحيمْ

و صلني العدد الأول من السنة الثانية من مجلة رسالة الإسلام الزاهرة التي تصدرها جماعة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة، و نظرت حسا سمح لي الوقت و الفراغ في أكثر ما نشره الأعلام فيه من المقالات، فما وقع بصري منه إلا علي النافع الشهي مما لذ و طاب، من أقلام أو لئك الكتاب، بيد أني شعرت من بعض ما نشر في آخر هذا العدد، و بعض الأعداد السابقة، أن جماعة من ذوي الفضل لم يصلوا إلي ما يهدف له أعضاء هذه الجماعة الأماثل، و حيث ضلوا عن قصد السبيل، و جدوا أن حصول غرض الجمعية من المستحيل

نعم إنه لمن المستحيل إن لم يكن عقلا فعادة، إذا كان الغرض هو إزالة الخلاف بين المذاهب الإسلامية، و جعلها مذهبا واحدا سنيا فقط أو شيعيا أو وهابيا، كيف و اختلاف الرأي و الخلاف في الجملة طبيعة ارتكازية في البشر، و لعل إليه الاشارة بقوله تعالي: «ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم» أي للرحمة ذو للختلاف علي اخلاف.

ولكن ينبغي أن يكون من المقطوع به أن ليس المراد من التقريب بين المذاهب الاسلامية إزالة أصل الخلاف بينها، بل اقصي المراد و جلّ الغرض هو إزالة أن يكون هذا الخلاف سببا للعداء و البغضاء، الغرض تبديل التباعد و التضارب، بالإخاء و التقارب، فان المسلمين جميعا مهما اختلفوا في أشياء من الأصول و الفروع فانهم قد اتفقوا علي مضمون الأحاديث المقطوع عندهم بصحتها من أن من شهد الشهادتين واتخذ الاسلام دينا له، فقد حرم دمه و ماله و عرضه، و المسلم أخو المسلم، و أن من صلي إلي قبلتنا، و أكل من ذبيحتنا، و لم يتدين بغير ديننا فهو منا، له مالنا و عليه ما علينا.

إن «جمعية التقريب» لعلها تقول: المسلمون بعد اتفاقهم كلمة واحدة علي أن القرآن العزيز وحي من الله جل شأنه و أن العمل به واجب، و منكر كونه وحيا كافر، و القرآن صريح في لزوم الاتفاق و الإخاء و النهي عن التفرق و العداء. و قد جعل المسلمين إخوة فقال عز شأنه: إنما المؤمنون إخوة». «و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا». «إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعاً لست منهم في شيء» إلي كثير من أمثالها، فبعد اتفاقهم علي وجوب الأخذ بنصوص الكتاب الكريم فأي عذر لهم في هذا التباعد و التباغض و العداء و البغضاء، و كفي بالقرآن جامعا لهم مهما بلغ الخلاف بينهم في غيره، فان رابطة القرآن تجمعهم في كثير من الأصول و الفروع، تجمعهم في أشد الروابط من التوحيد و النبوة و القبلة و أمثالها من الأركان و الدعائم و اختلاف الرأي فيما يستنبط أو يفهم من القرآن في بعض النواحي، اختلاف الجتهادي لا يوجب التباغض و التعادي.

نعم أعظم فرق جوهري، بل لعله الفارق الوحيد بين الطائفتين: السنة، و الشيعة، هو قضية الإمامة حيث وقع الفرقتان منها علي طرفي الخط، فالشيعة تري أن الامامة أصل من أصول الدين، و هي رديفة التوحيد و النبوة، و أنها منوطة بالنص من الله و رسوله، و ليس للأمة فيها من الرأي و الاختيار شيء، كما لا اختيار لهم في النبوة بخلاف إخواننا من أهل السنة، فهم متفقون علي عدم كونها من أصول الدين، و مختلفون بين قائل بوجوب نصب الامام علي الرعية بالاجماع و نحوه، و بين قائل بأنها قضية سياسية ليست من الدين في شيء لا من أصوله و لا من فروعع، ولكن مع هذا التباعد الشاسع بين الفريقين في هذه القضية، هل تجد الشيعة تقول إن من لا يقول بالامامة غير مسلم (كلا و معاذ الله) أو تجد السنة تقول إن القائل بالامامة خارج عن الاسلام ـ لا وكلا ـ إذن فالقون بالامامة و عدمه لا علاقة له بالجامة الاسلامية و أحكامها من حرمة دم المسلم و عرضه و ماله، و وجوب أخوته، و حفظ حرمته، و عدم جواز غيبته، إلي كثير من أمثال ذلك من حقوق المسلم علي أخيه.

نعم و نريد أن نكون أشد صراحة من ذلك، و لا نبقي ما لعله يعتلج أو يختلج في نفس القراء الكرام. فنقول: لعل قائلا يقول إن سبب العداء بين الطائفتين أن الشيعة تري جواز المس من كرامة الخلفاء أو الطعن فيهم، و قد يتجاوز البعض إلي السب و القدح مما يسيء الفريق الآخر طبعاً و يهيج عواطفهم. فيشتد العداء و الخصومة بينهم.

و الجواب أن هذا لو تبصرنا قليلا و رجعنا إلي حكم العقل بل و الشرع أيضا لم نجده مقتضياً للعداء أيضا.

أما (أولا) فليس هذا من رأي جميع الشيعة و إنما هو رأي فردي من بعضهم، و ربما لا يوافق عليه الأكثر. كيف و في أخبار أئمة الشيعة النهي عن ذلك فلا يصح معاداة الشيعة أجمع لإساءة بعض المتطرفين منهم.

(و ثانياً) ذن هذا علي فرضه لا يكون موجبا للكفر و الخروج عن الإسلام.

بل أقصي ما هناك أن يكون معصية، و ما أكثر العصاة في الطائفتين. و معصية المسلم لا تستوجب قطع رابطة الأخوة الإسلامية معه قطعا.

(و ثالثاً) قد لا يدخل هذا في المعصية أيضاً ولا يوجب فسقا إذا كان ناشئاً عن اجتهاد و اعتقاد، و إن كان خطأ، فان من المُتسالم عليه عند الجميع في باب الاجتهاد أن للمخطيء أجراً و للمصيب أجرين. و قد صحح علماء السنة الحروب التي وقعت بين الصحابة في الصدر الأول كحرب الجمل و صفين و غير هما، بأن طلحة و الزبير و معاوية اجتهدوا هم و إن أخطأوا في اجتهادهم، ولكن لا يقدح ذلك في عدالتهم و عظيم مكانتهم. و إذا كان الاجتهاد يبررولا يستنكر قتل آلاف النفوس من المسلمين و إراقة دمائهم، فبالأولي أن يبررولا يستنكر معه ـ أي مع الاجتهاد ـ تجاوز بعض المتطرفين علي تلك المقامات المحترمة.

و الغرض من كل هذا أننا مهما تعمقنا في البحث و مشينا علي ضوء الأدلة عقلية أو شرعية، و تجردنا من الهوي و الهوس و العصبيات، فلا نجد أي سبب مبرر للعداء و التضارب بين طوائف المسلمين مهما اتسعت شقة الخلاف بينهم في كثير من المسائل.

هذا كله بالنظر إلي القضية من حيث ذاتها مجردة عن كل الملابسات، فكيف إذا نظرنا إليها من حيث ما جرّه هذا الخلاف و العداء من الويلات و البليات علي المسلمين، و ما ضاع علي أثره من الممالك الإسلامية الكبري كالأندلس و القوقاز و بخاري و نحوها، و لو أن المسلمين كانوا في تلك الظروف يداً واحدة كما أمرهم الله، لما انتزع من الإسلام شبر واحد. و إذا لم يكفنا عبرة ما سجله التاريخ من تلك الفجائع فليكفنا ما رأيناه بأعيننا من رزية المسلمين بفلسطين و هي الفردوس الثاني؛ سبع دول عربية إسلامية كما يزعمون تتغلب عليها عصابة من أذل الأمم مشهداً و أقلهم عددا. ثم يمزقون تلك الدول شر ممزق. يشردون تسعمائة ألف مسلم بل أكثر من عرب فلسطين فيملكون دورهم و قصورهم و أراضيهم و أموالهم، و يضعونهم في البراري و القفار، تحت رجحة الأقدار. يفتك بهم البرد و الجوع

و المرض، و المسلمون يسرحون و يمرحون لا ينصرونهم إلا بالكلمات الفارغة، و التأوهات الكاذبة. أما و الله لو أن تلك الدول تركت عرب فلسطين يحاربون اليهود بأنفسهم لما استطاع اليهود أن يتغلبوا علي قرية من قراهم أو قطعة من أراضيهم. لم يكتف المسلمون بخذلان اخوانهم و تسليمهم إلي اليهود، بل كانوا ولا يزالون حتي اليوم عونا لليهود، يساعدونهم بكل ما في وسعهم من تهريب و غيره؛ بل بصنعون لليهود ما لا يصنع اليهود لأنفسهم؛ كل ذلك من آثار التقاطع و التخاذل بين المسلمين؛ فلا جامعة تجمعهم و لا رابطة تربط بعضهم ببعض، و تعطف بعضاً علي بعض، لذلك حقت عليهم كلمة العذاب، و لا يسمع الصم الدعاء إذا ولؤا مدبرين.

نعود فنقول إن جمعية التقريب تريد أن تقرب بين الطوائف الإسلامية و ترفع العداء المستحكم بينهم، و تدعوهم إلي الأخذ بما أمرهم الله به من الاعتصام بحبل الإسلام، و أن لا يتفرقوا و يتنازعوا فتذهب ريحهم، و يتسلط عليهم أذل عباده و أرذل خلقه؛ و ليست هذه الفئة المباركة بأول من نهض بهذه الدعوة و قام بهذه الفكرة، بل سبقهم إلي ذلك جماعة من المخلصين الغياري علي السلام و المسلمين كالسيد الأفغاني و تلميذيه الشيخ محمد عبده و الكواكبي و غيرهم؛ سوي أن هؤلاء كانت دعوتهم بصفة فردية، و رجال التقريب قاموا بها بصفة جمعية؛ و لعل الحق جل شأنه بعناية إذا علم بإخلاصهم و صدق نياتهم يجعل لدعوتهم ثمراً جنياً، و أثراً حسيا.

أما هذا العاجز فقد أهبتُ بالمسلمين و صرختُ فيهم بهذه الدعوة منذ عهد سحيق كما تشهد بذلك مؤلفاتنا التي طبعت قبل زهاء أربعين سنة، كالدين و الإسلام و المراجعات و غيرهما. ثم ملأنا الصحف و المجلات بإيقاظهم من نومهم، و بعثهم من موتهم، و ألقينا مئات الخطب علي المنابر في عواصم الإسلام،و قد طبع عدة منها كخطبة فلسطين التاريخية، طبعت مرتين؛ و خطبة الاتحاد و الاقتصاد في جامع

الكوفة و الخطب الأربع إلي كثير من أمثالها؛ ولكن كأن الله ختم علي قلوبهم و ذهب بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون.

جماعة التقريب تريد أن تقرب بين الطوائف الإسلامية و تبعثهم و تحثهم علي الأخوة و الوحدة التي أمرهم الله بها في كتابه العزيز، و لكن يلزمهم و يلزمنا تهميداً لهذه الغاية الشريفة أن ينصحوا لإخوانهم من الكتّاب و حملة الأقلام في مصر أن لا يتحر شوا و يطعنوا بإخوانهم الإمامية، فما يكاد يأتي عام إلاّ و نسمع أو نري كتاباً أو رسالة من مصر ترمي الشيعة بالفظائع و تهجم عليهم بالمطاعن، و بحكم الضرورة يلتجيء هؤلاء إلي الدفاع عن أنفسهم فتثور الاحقاد، و تستعر الحفائظ، و تكون أكبر خدمة للأعداء و المستعمرين، كما أن اللازم علي كل فرقة من المسلمين، من الشيعة و غير هم أن يوصدوا باب المجادلات المذهبية، و ما يثير الحفائظ و العصبية، فانها إن لم تكن محرمة بنفسها، و مضرة بذاتها، فهي من أعظم المحرمات في هذه الظروف التي أحاط بنا فيها الأعداء أعداء الإسلام من كل جانب و مكان حتي من المسلمين و مدعي الإسلام العدو الداخلي الذي ضرره أعظم من العدو الخارجي فهل في هذا كفاية و بلاغ أيها المسلمون.

« قل هذه سبيلي أدعو إلي الله. علي بصيرة أنا و من اتبعني. و سبحان الله و ما أنا من المشركين»؟

 

 

 


اطلع القراء علي ما نشرناه من قبل لبعض العلماء من استعظام مهمة التقريب، و توهم استحالتها،
و قد جاد فكر الإمام العلامة شيخ الشريعة، و كبير مجتهدي الشيعة بهذا البيان الناصع، الذي يفيض إخلاصا و إيمانا، كما يفيض ألمعية و علما، و نحن إذ ننشره دفاعا عن فكرة الحق، و جمعا للمسلمين علي كلمة الإيمان، نسأل الله تعالي أن يطيل حياة الشيخ، و يبارك فيها للاسلام و المسلمين.

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID