الجمعة, شوال 10, 1445  
 
مواقفه الوطنية و القومية
يعد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء واحداً من أهم مراجع الدين الذين برزوا على الساحات الوطنية والقومية والإسلامية. فقد سجل له التاريخ الحديث الكثير من المواقف المشرفة في العديد من قضايا الوطن والأمة.
فقد كان الشيخ يؤمن برسالة رجل الدين ومكانته القيادية في المجتمع ومشاركته الفعالة في قضاياه المصيرية، يرفده في ذلك ما كان يتمتع به من مكانة علمية ونفوذ واسع وموهبة خطابية ساحرة؛ مكنته من التأثير في مستمعيه والإستحواذ على مشاعرهم فضلاً عن علاقاته الواسعة مع الشخصيات المهمة على الساحة الوطنية والقومية والإسلامية([1]).
وكانت باكورة مشاركاته الوطنية والقومية في رحلته إلى الشام ومصر سنة 1911م، ومشاركته أحرار سوريا في نضالهم من أجل التحرر من امثال أحمد طبارة وعبد الكريم الخليل وعبد الغني العريس وأحمد عارف الزين (صاحب مجلة العرفان) وباتروباولي وآخرين. وما تخلل ذلك من خطب وطنية ومقالات سياسية وقصائد حماسية دعا فيها الشيخ إلى الإستقلال والنهوض ومقاومة الإستعمار والتصدي للحملات التبشيرية التي كان يغذيها الغرب للقضاء على الهوية العربية والإسلامية([2]).
وبعد رجوعه إلى العراق قبيل إندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914. شارك مع علماء الدين الذين تصدوا للمعتدي الجديد. فقد كان مع السيد محمد نجل المرجع الكبير السيد محمد كاظم الطبطبائي اليزدي على رأس المجاهدين الذين توجهوا لمقاومة الإنكليز في جبهة الكوت، وألحقوا بهم ضربات موجعة وخسائرفادحة على الرغم من الأحداث بعد ذلك وفشل المقاومة وإحتلال الإنكليز للعراق([3]).
ولكن ذلك لم يثن الشيخ أو يبعده عن واجبه في الدفاع عن وطنه وأمته فقد كرس نفسه وقلمه لنصرة أصوات الحرية والإستقلال والوقوف بوجه المستعمر الجديد. وما كان حضوره في المؤتمر الإسلامي المنعقد في القدس سنة 1931م، إلا رد فعل مع المنظمات والشعوب الإسلامية إزاء الهجمات والمخططات الاستعمارية التي كان هدفها تمزيق وحدة الصف الإسلامي واغتصاب فلسطين([4]).
وفي سنة 1933م. أحدث اصدار كتاب (العروبة في الميزان) لعبد الرزاق الحصان زوبعة من الغضب والمظاهرات التي عمت الشارع العراقي. ولا سيما في بغداد والمدن المقدسة. وذلك لما أحتواه الكتاب من سموم طائفية ومحاولات تزوير الحقائق. فلم يوقف تأزم الوضع وزيادة حدة التوتر غير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي القى خطبة طويلة في الصحن الحيدري الشريف. دعا فيها الناس إلى السكينة والعودة إلى الحياة الإعتيادية بعد أن نال المتسبب جزاءه العادل([5]).
وكذلك كان للشيخ الأثر البارز في إبطال العادات المؤذية والتقاليد المتخلفة التي كان يمارسها بعض من ضعاف النفوس في المدن المقدسة خلال شهر ربيع الأول من كل عام. وبعد أن أصبحت الحالة لا تطاق. إرتقى الشيخ منبره وخطب في الناس وأستنكر تلك الأعمال والممارسات ووضح للجميع بطلانها وخروجها عن الدين. الأمر الذي وضع حداً لها وإختفائها إلى وقتنا الحاضر([6]).
وفي سنة 1935م. وعلى أثر إستقالة جميل المدفعي وتشكيل وزارة ياسين الهاشمي جراء إنتفاضة العديد من العشائر العراقية, اجتمع زعماء عشائر الفرات في الديوانية والرميثة والناصرية وسوق الشيوخ مع الشيخ محمد حسين في داره في مدينة النجف الأشرف. ووقعوا على مطالب ترفع إلى الحكومة سميت ب ــ (الميثاق الوطني) يطالبون فيه بالإصلاح والعدالة ونبذ الطائفية([7]).
ولكن المشروع لم يكتب له النجاح بعد ذلك وذهبت جهود الشيخ ادراج الرياح، بعد أن تنصل من الميثاق بعض الموقعين، وإغترارهم ببعض المناصب في الحكومة، التي استمرت في استخدام منهج القوة ورفض المفاوضات من جانب آخر. حتى تأزم الوضع وكادت الفتنة تعم العراق، مما دعا الشيخ إلى التدخل مرة أخرى وأوعز إلى وكلائه وزعماء العشائر على ترك السلاح والإخلاد للسكينة وحقن الدماء([8]).
وعند قيام حركة مايس سنة 1941م. التي جاءت رد فعل على السياسة الاستعمارية البريطانية في العراق وما صاحب ذلك في تدخل عسكري مباشر من قبل بريطانيا لإخماد الحركة. الأمر الذي دعا كثيراً من زعماء الدين إلى إصدار الفتاوى المساندة للحركة. وكان الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في مقدمتهم, حيث دعا إلى المشاركة في نصرة الشعب العراقي. وأكد أن العراق الحر قد فتح باب تحقيق أمل الحرية المنشود. فأدى ذلك إلى تدافع الآلاف من أبناء الشعب إلى التطوع والمشاركة في الدفاع عن العراق وصد المعتدين([9]).
وفي سنة 1952م. حدثت مظاهرات شديدة للمطالبة بالإنتخابات المباشرة وإسقاط وزارة مصطفى العمري, أدت فيما بعد إلى إسقاط تلك الوزارة وإعلان الحكومة الأحكام العرفية. وتشكيل وزارة عسكرية برئاسة رئيس أركان الجيش نور الدين محمود. مما أدى إلى زيادة حدة المظاهرات وسخط الشعب. وكادت الدماء تسيل بين القوة العسكرية في النجف وبعض أهالي المدينة فسارع الشيخ أيضاً إلى إصدار فتوى أذيعت في مكبرات الصوت في مآذن الصحن الحيدري, يحرم فيها الشيخ إصطدام الأهالي مع الجيش أو إصطدام الجيش مع الأهالي وذلك لأن الجميع هم أبناء شعب واحد ودين واحد. فأنخمدت نار الفتنة وعاد الاستقرار بعد ذلك([10]).
ونظراً للمكانة المهمة التي احتلها الشيخ في حياته حيث صار «واحداً من المجتهدين العرب القلائل من ذوي الأهمية»([11]).فقد زاره في مكتبته الواقعة في مدرسة كاشف الغطاء في النجف الأشرف عام 1953م. كل من السفيرين البريطاني والأمريكي في العراق، ودارت بينهم محاورات مهمة، حضرها جمع من العلماء وطلبة العلوم الدينية. فضح فيها الشيخ سياسات بريطانيا في العراق وتآمرها مع أمريكا ضد العرب والمسلمين ونهب ثرواتهم وغصب أرضهم المتمثلة بفلسطين، وفضح كذلك الحكومات الفاسدة في العراق وأثرها في تردي الأوضاع فيه. مع كل ما عرف به الشيخ من صراحة وقوة, نالت استحسان الشارع العراقي وتصاعدتالأصوات لطبع ما دار في ذلك اللقاء. لتتلقفه الأيدي بعد ذلك([12]).
وفي أواخر شهر آذار من عام 1954م. ورد إلى الشيخ كتاب من رئيس جمعية أصدقاء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية في نيويورك يدعوه فيه إلى حضور مؤتمر علماء الدين من المسيحيين والمسلمين والذي ينعقد في بحمدون. وذلك للمداولة في القيم الروحية للديانتين وموقفهما من الشيوعية ودراسة الطرق الكفيلة لنقل تلك القيم إلى الجيل الجديد([13]). ولكن الشيخ عرف الغايات المستترة وراء هذه الدعوة. ورفض حضور المؤتمر وأصدر كتاباً سماه (المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون) فضح فيه سياسات الغرب تجاه العرب والمسلمين. وحذر الشعوب من الانجراف وراء أضاليل الرأسمالية والشيوعية معاً(3).


([1]) ينظر: جنة المأوى (المقدمة): 77.
([2]) ينظر: شعراء الغري: 8/120.
([3]) ينظر: مذكرات خطية بقلم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء حول الجهاد. موجودة في مكتبة نجله الشيخ محمد شريف في النجف الأشرف ينظر الملحق رقم (7) آخر الكتاب.
([4]) ينظر: جنة المأوى: 28. وينظر: شعراء الغري: 8/120.
([5]) ينظر:عبقرية الإمام كاشف الغطاء: 697.
([6]) ينظر: المصدر نفسه: 698.
([7]) ينظر: تاريخ الوزارات العراقية, عبد الرزاق الحسني, ط1, مطبعة دار الكتب ــ بيروت 1394هـ ــ 1974م:4/80 وما بعدها.
([8]) ينظر تاريخ الوزارات العراقية: 4 80. وما بعدها. 32
([9]) ينظر: الأسرار الخفية في حركة سنة 1941م التحررية, عبد الرزاق الحسني, ط3, مطبعة العرفان ــ صيدا. 1973: 14 ــ 15.
([10]) ينظر: عبقرية الإمام كاشف الغطاء: 699.
([11]) العراق في الوثائق البريطانية سنة 1936م, نجده فتحي صفوة منشورات جامعة البصرة 1983م: 70.
([12]) ينظر: محاورة الإمام المصلح كاشف الغطاء مع السفيرين البريطاني والأمريكي, ط 1, المطبعة الحيدرية في النجف 1373هـ ــ 1945م.
([13]) ينظر: عبقرية الإمام كاشف الغطاء: 699.
(3) ينظر: المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون, محمد حسين كاشف الغطاء ط3, المطبعة الحيدرية, النجف 1954م.
 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID