شنبه 1 ارديبهشت 1403  
كاشف الغطاء نجم من نجوم الفقهاء

السيد كمال الحيدري (كاشف الغطاء:نجم من نجوم الفقهاء في سماء العراق)

 

في سماء العراق بزغ نجم الفقيه المستنير والمفكر الكبير الشيخ محمد الحسين أل كاشف الغطاء (1877-1954م) أوائل القرن الماضي كرمز من رموز الإحياء الإسلامي في المنطقة , وكغيرة من رموز الأحياء في العلم الإسلامي كان لآبد أن يلي قضية نهضة المسلمين الاهتمام الذي تستحقه , بحثا في أسباب التخلف واستقصاء لدواعي التقدم والنهوض بمعناه الحضاري الشامل الذي يتجاوز البعد العلمي والتقني دون أن يلغيه. وهذا مانهض به على أحسن وجه في العديد من كتاباته ونشاطاته التي استغرقت جل حياته لقد ساقه بحثه في الوضعين الديني والاجتماعي إلى (( القضاء والقدر)) الذي افتتح فيه الحديث بقوله .

 

((كلما حاولت أن أتجاوز هذا المقام وأطوي هذه المباحث دون أن أخوض هذه اللجة, لجة القضاء والقدر , وجدت كان دافعا يهزني ورقيبا علي ضميري يستفزني الآ عن مشاطرتها بعض من الكلام فيها )) ثم يخصص بحثا علميا معمقا يمتد قرابة خمسين صفحة , يرجع فيه القضاء والقدر إلى مبدأ السببية ونظام السنن كما سبقت الإشارة لبعض رؤاه ونصوصه عند الحديث عن نظرية التفسير , ليخلص بعد ذلك إلى عدم التعارض بين الإيمان بالقضاء والقدر والسعي في بناء العمران وإنشاء الحضارة , مؤاخذا من يرمي إلى شل إرادة الإنسان وتعطيل سعيه تحت هذه الذريعة : حينما عرفت أن الجد والسعي والطلب له مقام من الأهمية في الشريعة الإسلامية , وانه من نواميس عمارة العالم ولولاه والتوكل على الله والزهد في الدنيا لايثل شيئا من ذلك العرش ولا يصدم حاشية من ذلك الحصن المنيع , فسوف يتجلى لك خطل بعض الأقوال وخطا الخطوات عن مدرجة  الصواب ومحجة الحقيقة , وتود أن لايكون جرى قلم القائل بقوله :

جرى قلم القضاء بما يكون      فسيان التحرك والسكون

 


          بل وتعد ضربا من الجنون قوله بعد ذلك


جنون منك أن تسعى لرزق    ويرزق في غشاوته الجنين

 

 

 ذلك لان إلا تكاء على القضاء والقدر بالمعنى الذي يتعطل فيه الجهد الإنساني في طلب الرزق حيث ذكر الشاعر وفي غيره من الفعاليات والنشاطات , هو بنفسه مخالفه لسنة الله في العلاقات السببية , ومن ثم فحري بالإنسان أن (( لايعتمد ويتكل على القضاء والقدر وعلى مافي السماء من الرزق , فيخالف سنة الله وكلمته الحسنى التي سبقت لعباده نظرا لهم ورحمة بهم , من ربط الأمور بأسبابها ودخول البيوت من أبوابها .. فالإنسان حتم عليه إن يسعى لكن متكلا على الله لا على سعيه , ناظرا إلى انه تعالى هو الذي يسره للسعي واوجد له أسباب ومهد له السبيل وأعطاه غريزة العقل ))

 

لم يغفل كاشف الغطاء عما ألحقه تفشي الفهم العرفي الخاطئ للقضاء والقدر وللروح القدرية المستسلمة ولمذهب الجبر من وبال لحق الأمة ولا يزال ,حتى عد ذلك في مقدمة أسباب تأخر المسلمين (( ولعل ّ بعض السبب أو كله في تأخر المسلمين وسقوطهم في أعمق مهابط الخمول كما أحس َّ به اليوم كل واحد منهم هو سريان هذه الروح  الوبيئة في نفوسهم ، فلطوا بأرض الهوان وأخلدوا إليها ، ينتظرون أن تأخذ بأيديهم يد القضاء والقدر ، فتعيدهم إلى مراكزهم الأولى من التقدم الأمم )) . لكن هيهات فالخلود إلى هذا الوهم هو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ً ! إذ على الأمة لو أردت تجاوز كبوتها أن تلجأ إلى نواميس الله وسننه في النهوض ، فتصنع عندئذ ٍ قدرها بنفسها وعلى قدر مساعيها دون أن يفرض عليها فرضا كما تذهب التصورات العليلة .

 

لنلحظ ما يفيض به هذا النص من وضوح وامتلاء في الدلالة على هذا المعنى ، وقد كتب كاشف الغطاء عام 1328 هـ ، حين يقول مستأنفا الفقرة السابقة (( وهيهات ما لم ينهضوا تلك النهضة التي تأخذ بأيديهم على يد القضاء والقدر ، فلا يقضى ولا يقدر لهم إلا بالحسنى ، فنه لا يجري للقضاء والقدر على امة أو فرد إلا على حساب مساعيها وقدر جهدها )) لن يعود للمسلمين مجدهم (( حتى نعود إلى التمسك بتلك الأسباب المحكمة العرى التي حفظتنا ردحا من الدهر وما حفظناها ،وانغمسنا في حماة الضعة والخمول ضائعين حينما وضعناها وأضعناها)) .

 لم ترد العقيدة الإسلامية أن تتعثر بالإنسان خطاه في تشييد العمران وبناء الحضارة بدعوى القضاء والقدر ، إنما : (( يراد من النفوس أن لا تتكل على القضاء والقدر وتتوانى عن العمل فيختل نظام العالم المتبني على دعائم من إحكامها الحرص وحب الاستكثار الباعثان على الجد والجهد ، ويتفرع عليهما توسعة العمران وتمهيد الحضارة )) غاية ما في الأمر أن الإسلام رام تهذيب هذه الغريزة واستصلاحها لكي لا يميل الإنسان إلى الشر والجشع ، من خلال التوكل على مسبب تلك الأسباب ، والإيمان بأنه هو ( سبحانه ) الميسّر والمدبّر ، وان اللجوء إلى سلسلة الأسباب والمسببات لا يعني أنها قد خرجت عن حيطة ملكوته وسلطان مشيئته .

 

ما يبتغيه كاشف الغطاء من نصوصه المكثفة هذه في عدم الركون إلى القضاء والقدر ، هو ليس إلغاء هذه العقيدة الربانية القرآنية كما تفعل الاتجاهات المحدثة في الفكر الاجتماعي من خلال ما توجهه من نقد ، وإنما إعادة بناء هذا المعتقد في الواقع الإنساني الفردي والاجتماعي على ما تقتضيه قواعده وتلزم به حقيقتيه وإلا فكاشف الغطاء يؤمن هو الأخر بسريان القدر والقضاء في كل شيء (( كل ما يصدر منا من الحركات والسكنات والسيئات والحسنات مقدرة لنا واجبة علينا ،لكن لا كما يظّنه القارصون وبزعمه الزاعمون من انه لو أراد إن يفعل غير ما صدر منه لم يكن له ذلك ولا كان قادرا عليه ، بل بمعنى إن وجوبها يكون باختيارنا وإرادتنا ولو أردنا خلافها كان لنا ذلك )) . فما قدر لنا يأتينا عبر العمل والسعي وفق النواميس الإلهية في الكون والحياة ونظام الأسباب مقدر لنا أيضا لكن بعملنا وجهدنا , بل لنقل أن قدر الإنسان هو جهده وما يفعله , ذلك أن الله قد جعل (( في محكم قضائه وسابق علمه أن يكون الجد والسعي والحركة والعزيمة مهئيه لمطالبنا , موصله إلى مقاصدنا , مخرجة من القوة إلى الفعل كامن كمالاتنا ,كما جعلها الله أسبابا مقترنا بها مايصل ألينا من أرزاقنا وما قدر لنا من معايشنا أو لما يصرفه الله عنا من المكارة ويدفعه عنا من المضار, وكل هذه الغايات لاتحصل لنا إلا با جتماع كل هاتيك المبادئ والوسائط نظرا إلى نوميس الكون الأولية . إذ من الجلي انه لا يحدث ممكن في الكون إلا بأسبابه وسلسلة علله , ثم أن تلك الأسباب والوسائط من السعي والجد والنشاط وأضدادها أيضا واجبه لنا مقدرة علينا , ولكن سنخ وجوبها كما عرفت ليس تقدير إجبار وحتم بل على أنها تقع باختيارنا , وتنشا من ضعف أو قوة عزا يمنا التي يكون ضعفها وقوتها في إمكاننا واقتدارنا ))

هذه الجولة في البعدين العلمي والاجتماعي للقضاء والقدر تقود الشيخ كاشف الغطاء إلى إطلاق دعوتين :

الأولى : ينبغي للشعوب والأمم أن تعلم (( إن الدين منزه عن تلك الخزعبلات والمخرفات التي تصادم ضرورة العقل )) التي يتعلل بها الإنسان , لان الله (سبحانه ) ما جعل القضاء والقدر لتتخذه ستاراً لسيئاتك وتمشية لشهواتك عصى تتوصل بها إلى معاصيك وأهوائك، وإنما جعلها إظهارا لعظمته وبيانا لسعته علمه وإحاطته ونفوذ سلطانه وبلاغ قدرته ))

الثانية: التحذير من التواني والفشل الناشئين عن البطالة والكسل بذريعة الاتكال على القضاء والقدر . وهنا جاءت كلماته صيحة مدوية لتصطف إلى جوار كلمات من سبقوه وتمهد لمن يليه من رادة الإحياء الإسلامي. يقول مستخلصا : (( ليس الغرض من كل هذه النبذ هالا كلمة فذة , وهي نصيحة نفسي ومن بلغته دعوتي من التحذير من البطالة والكسل وما يستتبعان من الخمود والخمول والخور والفشل ,فالجد الجد ياعباد الله والعمل العمل )) والحذر كل الحذر من جنوح النفس وقرارها إلى الراحة, وكأنها (( تعمل على التفكيك بين الأسباب ومسبباتها والعلل ومعلولاتها وقد أبى الله في بديع حكمة لخليقته ذلك ))

ثم يطلقها زفرة عميقة تنشق عن صدر مكلوم

 (( أليس من الآسف والحيف , أسفا والله يميت الغيور ويشق الصدور قبل القبور أن من أمامكم من الأمم الراقية أوج الحضارة والعمران تقتدي بل ترتقي بحسنات مذاهبكم السامي ودينكم الآسلامي وتقتدون أنتم بسيئات مذاهبكم الآ سوا؟)) 

 تم التنضيد من قبل إدارة قسم أعلام مكتبة الإمام كاشف الغطاء- العامة

 

www.kashefalghtaa.com/site

info@kashefalghtaa.com

 

جميع الحقوق محفوظة لدى مكتبة

الإمام كاشف الغطاء – العامة

النجف الاشرف- محلة العمارة- مجاور مدرسة الإمام الشيخ محمد

الحسين آل كاشف الغطاء- الدينية ومجاور مسجد ومقبرة أل كاشف

الغطاء(قده)

 

 

 

 
امتیاز دهی
 
 

Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما