پنجشنبه 30 فروردين 1403  
 

الفردوس الاعلي

 
فصل وأصل (1)

 

الفردوس الأعلى

  



 فصل وأصل (1)

قد تلونا عليك ما هو المعلوم لديك من أن هذه الأجسام من الإنسان والحيوان لا تعيش ولا تمتد حياتها الا بدعائم الحياة الثلاث الهواء، والماء، والغذاء، وما يلزمها من الحركة، والحرارة والضياء، ولكن لعلك تحسب ان الغذاء الذي نعيش به هو بذاته وصورته يكون جزء من أبداننا ومقوماً لأعضائنا وأنسجتنا كلاً فان هذا الوهم يذهب شعاعاً عند أول نظرة عن تدبر وفكرة وذلك ان كسرة الخبز التي نأكلها وفدرة اللحم التي نمضغها وتدخل في جوفها تعتور عليها عدة صور تخلع صورة وتلبس اخرى من الكيموس إلى ان تصير دماً، ثم توزعه العناية الكبرى المدبرة للكائنات والمربية للعوالم تلك العناية التي تحير العقول وتدهش الالباب، فتجعل من ذلك الدم لحماً وعظماً وشحماً وعصباً واليافاً وعروقاً وكبداً وقلباً ورئة وطحالاً إلى آخر ما يحتوي ويتكون منه هذا الهيكل الانساني والجسد الحيواني، اضرب بأجواء فكرك ما اتسع لك التفكير واعرف سر قولهم عليهم آلاف التحية والتسليم (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة) فكر وكبر عظمة المبدع كيف انشأ من كسرة الخبز التي نأكلها سبعين نوعاً من الانواع المختلفة والاجناس المتبائنة: فاين العظم من اللحم، واين الشحم من الغاز واين الغاز من المخ، واين المخ من الشعر، وهكذا وهلم جراً.

كل هذا تكوّن من لقمة الخبز التي نأكلها، فهل في لقمة الخبز كل هذه الأنواع مندمجة مطوية؟ ام انقلبت وتحولت من صورة إلى صورة ومن حقيقة إلى اخرى؟ أو انها كانت معدة للنطفة بأن تفيض العناية اليها صورة العلقة والمضغة وهكذا حتى تصير انساناً كاملاً؟ كل ذلك مما تقف عنده العقول حائرة خاسرة مهما سطروا وحرروا، وألفوا وصنفوا، فأنهم دون الحقيقة وقفوا، ولكن مهما تغلغل الأمر والواقع في مجاهل الغيب والخفاء فأن من الواضح الجلي انّ تلك اللقمة التي تدخل في جوفنا وتتصرف بها المشية تلك التصاريف المتنوعة لم تدخل هي في كياننا، ولم تصر جزءاً من اجسامنا، بل تطورت عدة اطوار وتعاورتها صورة بعد صورة، دخلت في معامل مكانيكية وتحليلات كيمياوية إلى أن بلغت هذه المرحلة ونزلت من اجسامنا بتلك المنزلة، فلو ان مؤمناً أكل كل لحم في بدن الكافر، أو أكل الكافر كل لحم في بدن المؤمن فلا لحم الكافر صار جزءاً من بدن المؤمن ولا لحم المؤمن دخل في بدن الكافر، بل اللحم لما دخل في الفم وطحنته الأسنان وهو الهضم الأول زالت الصورة اللحمية منه وارتحلت إلى رب نوعها حافظ الصور واكتست المادة صورة اخرى، وهكذا صورة بعد صورة، ومن القواعد المسلمّة عند الحكماء بل عند كل ذي لب: انً الشيء بصورته لا بمادته اذاً فأين تقع شبهة (الآكل والمأكول)؟ وكيف يمكن تصويرها وتقريرها فضلاً عن الحاجة إلى دفعها والجواب عنها؟ وكيف استكبرها ذلك الحكيم الكبير الألهي فقال: (يدفعها من كان من فحول)؟ ويزيدك وضوحاً لهذا: انّ جميع المركبات العنصرية يطرّد فيها ذلك الناموس العام: ناموس التحوّل والتبدل والدثور والتجدد، انظر حبة العنب مثلاً فهل هي الا ماء وسكر؟ وهل فيها شيء من الخمر أو الخل أو الكحول؟ ولكنها بالاختمار تصير خلاً ثم خمراً ثم غازاً أو بخاراً وهكذا، أترى انً العنب صار جزءاً من الخل والخل صار جزءاً من الخمر؟ اذاً فمن اين جاءت شبهة الآكل والمأكول التي لا يدفعها الاّ من كان من الفحول؟ ومن اين اتجه القول بأن لحم الكافر يصير من بدن المؤمن ولحم المؤمن جزءاً من بدن الكافر؟ لا أدري.

 فصل ووصل(2)

لعلك تقول: اذا كان هذا الهيكل الانساني عبارة عن صور متعاقبة يتلو بعضها بعضاً ويتصل بعضها ببعض اذاً فشخصية كل فرد من هذا النوع بماذا تتحقق؟ وتعينّة بأي شيء يكون؟ والماد بنفسها غير متحصّلة فكيف يتحصل بها غيرها وهي صرف القوة والأستعداد؟ فنقول: فليكن هذا ايضاً من احد الأدلة على وجود النفس المجرّدة ذاتاً المادية تعلقاً وتصرفاً وتشخّص كل فرد وتعيّنه انما يكون بتلك النفس التي تتعلق بتلك الصور المختلفة المتعاقبة بنحو الاتصال على المادة المبهمة والهيولي الأولي التي لا توجد ولا تخرج من القوة إلى الفعل الاّ بصورة من الصور وهي متحدة معها وجوداً منفكة عنها تعقلاً ومفهوماً والنفس الجزئية المستمدة من النفوس الكلية حافظة لها معاً وهي ايضاً متحدة بهما وجوداً ومتصلة بهما ذاتاً وتواكب وتصاحب كل تلك الصور المتعاقبة على نحو الاتصال والواحد السيال.

وأضرب لك مثلاً محسوساً لتقريب ذاك إلى ذهنك واستحضاره بعقلك أرأيت النهر الجاري في الليلة القمراء؟ حيث يطل القمر على الماء المتدافع وكل موجة تأتي يشع القمر عليها وترتسم صورته فيها ثم تمضي وتأتي موجة أخرى ترتسم صورة القمر فيها وهكذا حتى يجف الماء ويغيب البدر فالقمر هو النفس والنهر هو البدن والموجات المتدافعة من الينبوع هي الصور المتعاقبة على البدن التي يشرق عليها ويتحد مع كل واحدة منها وهي مع كثرتها واحدة ومع انفصال بعضها عن بعض متصلة والنهر واحد سيال على الاتصال كذلك البدن من حيث الصور المتعاقبة عليه واحد كثير متصّل منفصل والنفس مشرقة عليه هي المدبرة له الباعثة فيه النور والحرارة والحركة والحياة وهذا العالم الصغير يحكى لك العالم الكبير بل (وفيك انطوى العالم الأكبر) وهو المثل (ولله المثل الأعلى).

(ايها الانسان اعرف نفسك تعرف ربك) نعم النهر يجري من ينبوع الأرض والجسد والنفس تجري من ينبوع السماء بل من ينابيع العرش بل من ينابيع ربّ العرش عظمت جلالته، وجلت عظمته.

شد مبدل آب اين جو جند بار

 

عكس ماه وعكس أختر بر قرار

 

تبدل ماء هذا الجدول عدة مرات وعكس القمر والشمس لم يتحول ولم يتبدل عن ذلك القرار.

فصل وأصل(3)

هل في هذا الهيكل الانساني سوى ما هو المعروف والمحسوس من انه: جسد وروح؟ روح مجردة بسيطة، وجسد مادي مركب من العناصر، فهل ثمة شيء ثالث؟ ــ الجواب نعم ولكن لا تستغرب ولا تعجب لو قلت لك ان في كل جسم حي مادي عنصري ــ جسم آخر اثيري سيال شفاف اخف والطف من الهواء هو برزخ بين الجسم المادي الثقيل، والروح المجرد الخفيف ولعل هذا هو الجسم البرزخي الذي يسأل في القبر ويحاسب، وينعم ان كان تقياً ويعذب ان كان شقياً ويبقى في نعيم أو حميم إلى يوم البعث إلى يوم القيامة الذي تعود فيه هذه الابدان العنصرية للحياة الابدية وقد تلونا عليك من قبل ان الحقائق الحكمية والدقائق الفلسفية لا تسعها العبارات اللفظية، وان الالفاظ لا يقتنص منها شوارد المعاني، واوابد الاسرار، ولكنها اذا كانت لا تحكي عن الحقيقة من كل وجه فقد تحكي عنها من وجه، ارأيتك حين تقول: روحي وجسدي وعقلي من تعني بياء المتكلم؟ ومن هو الذي تقصده بقولك (انا وانت وهو) وامثالها من الضمائر؟ فهل تريد بقولك: انا لهذا الجسد الخاص ولشخصيتك المتعينة من الجسد والنفس؟ اذاً فماذا تريد بقولك جسدي؟ ومن هو الذي اضفت اليه جسدك أو اضفت جسدك أو نفسك أو عقلك اليه؟.

ثم هل تدبرت حالك حين تتلو سورة من القرآن؟ تحفظها في نفسك وتقرزها في خاطرك من دون ان تحرك لسانك أو يظهر صوتك وانت في تمام السكوت والسكون كان في داخلك شخصاً يقرً ويتلو عليك بغير صوت ولا لسان فقد تقرأ سورة من الطوال أو قصيدة ساحبة الاذيال مرتلاً لها ومترسلاً فيها واللسان صامت والمقول ساكت وقد قرأتها كلمة كلمة وتلوتها حرفاً حرفاً فمن ذا الذي املاها عليك؟ واين كانت مخزونة ومجتمعة، ثم جاءت واحدة بعد واحدة متقطعة، حقاً ان التفكر في هذه السلسلة سلسلة الفكر والذكر والحفظ والنسيان والتصور والتفكر والتصديق والشك واليقين وكل ما هو خارج عن المادة الجسمانية والاعضاء الحسية، حقاً ان معرفة كل ما هو من هذا النطاق امر لا يطاق ولا تصل انسرة العقول مهماً حلَّقت في سماء التفكير إلى كبرياء معراجه ومفتاح رتاجه، ولكن مهماً استعصى على اولي الحجى سره فهو يدل دلالة واضحة على ان في الانسان بشخصه الخاص جوهر مفيض وآخر مستفيض وغلاف وقشرة يحمل هذين الجوهرين فالمفيض هو النفس الجزئية المتصلة بالنفس الكلية المبدأ الاعلى، والمستفيض هو ذلك البدن المثالي الاثيري، والغلاف هذا البدن العنصري، على ان التحقيق والبحث الدقيق اوصلنا إلى حقيقة جلية وهي ان هذه الحقائق الثلاث شيء واحد وانها تنشأ نشأة واحدة وان النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء فهي تتدرج في تكونها ونشوئها ونموها من النطفة إلى ان تصير انساناً كاملاً عاقلاً بل إلى ان تصير عقلاً مجرداً ملكاً أو شيطاناً، فهذا العنصري هو النفس ولكن بمرتبتها السافلة، والنفس هي البدن ولكن مرتبته العالية، وكل ما فيه من الحواس الظاهرة والباطنة والقوى العاملة من الهاضمة والماسكة والدافعة والمصورة والمقدرة إلى غير ذلك كلها آلات للنفس وادوات تمدها وتستمدها وتتعاكس معها وتتعاون أخذاً ورداً وسلباً وايجاباً فكل الانفعالات النفسية تظهر فورها على البدن الا ترى جمرة الخجل وصفرة الوجل وضربان العروق وخفقان القلب عند الخوف وابتهاج البدن عند الفرح وبالعكس كلّ ما يصيب البدن من ضربة أو صدمة أو جرح تنفعل النفس به وتتألم؟ وكلّ هذا شاهد ودليل على وحدة النفس مع البدن، وانّ البدن المادي والبدن الأمتدادي المجرد عن المادة والروح المجردة عنهما شيء واحد، وهذا البدن الأمتدادي الأثيري هو همزة الوصل بين الروح المجردة عن المادة ذاتاً المتعلقة بها تصرفاً وبين البدن المادي ذاتاً والذي هو آلة الروح تعلقاً وتصرفاً وهو الذي تجد الاشارة عنه حيناً والتصريح به حيناً آخر في كلمات اكابر الفلاسفة الأقدمين والحكماء الشامخين والعرفاء السالكين مثل قول ارسطو فيما نقل عنه: انه ربما خلوت بنفسي وخلعت بدني وصرت كأني جوهر مجرد بلا بدن فأكون داخلاً في ذاتي خارجاً عن جميع الأشياء فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء ما ابقى له متعجباً مبهوتاً فأعلم اني جزءاً من اجزاء العالم  الأعلى الشريف، وعن الوصية الذهبية لفيثاغورس(1) أو ديوجانس(2) اذا فارقت هذا البدن اصبحت سابحاً في عوالم الفلك غير عائد إلى الإنسانية ولا قابلاً للموت وقال آخر: من قدر على خلع جسده صعد إلى الفلك وجوزي هناك بأحسن جزاء، والصعود إلى الفلك انما ذلك الجسم الأثيري بحكم التناسب فكما ان الجسم العنصري اخلد إلى الأرض لأنه منها ويعود اليها فكذلك الجسم الأثيري يرقى إلى الجسام الفلكية الأثيرية لأنه منها ويعود اليها ولا غرابة لو قال بعض العرفاء: ربما تجردت من بدني هذا وارتقيت إلى الأفلاك وسمعت تسبيح الملائكة، وكل هذه الأحوال انما هي لهذا البدن الأثيري المثالي لا للعنصري ولا للروح فأنها ترقى إلى عالم المجردات المحضة بعد كمالها لا إلى الأجسام الفلكية والعوالم الأثيرية. وعلى كلّ فيغنيك الوجدان عن البرهان في اثبات تلك الأبدان ــ الأبدان المثالية التي هي انت وانت هي وبقاؤك به لا بهذا الجسد العنصري الذي قد عرفت انه في كل برهة يتلاشى ولا يبقى منه شيء ثم يتجدد وتتعاقب في تقويمه الصور صورة بعد صورة وهيئة بعد هيئة وهو الذي يستعمل الحواس ويستخدمها وتملى عليه الروح المعارف والأمور العامة فيمليها على القلب واللسان.

انظر اذا كنت تحفظ سورة من القرآن أو خطبة من الخطب أو قصيدة من الشعر فربما تلوتها في نفسك وقرأتها في خاطرك فتجد كأن شخصاً في طويتك يتلوها عليك كلمة كلمة وانت سامد ساكن لم تفتح فماً ولم تحرك لساناً وطالما كنتُ امسك القلم باناملي فاجد كأن انساناً أو ملاكاً يملي علي الخطبة أو الشعر أو المقال ويجري مع القلم من دون فكرة ولا روية كأني انقله من كتاب امامي وليس شيء من هذه الاعمال من وظائف الروح والنفس وانما وظائفها العلم والادراك ومعرفة الكليات المجردة والامور العامة مثل ان الكثرة هي الوحدة والوحدة هي الكثرة وان العلة تعالي المعلول والمعلول تنازل العلة وان الغاية هي الرجوع إلى البداية والبداية هي النهاية وامثال هذه من قواعد الحدوث والقدم والوجوب والامكان والجواهر والاعراض كما انها ايضاً ليست من وظائف الجسد المادي الحي فان وظيفته ادراك الجزئيات وثورة العواطف من تأثير الحس الظاهري أو الباطني نعم بحكم الوحدة والاتصال بين تلك القوى يستمد بعضها من بعض ويتقوى بعضها ببعض وحكم العالم الصغير مثل العالم الكبير فكما ان الجسمانيات العنصرية مرتبطة بالفلكيات وهي مرتبطة بالمجردات، والنفوس الجزئية تستمد من النفوس الكلية، وهي تستمد من العقول المجردة، فكذلك هذا الجسد الانساني الذي انطوى فيه العالم الاكبر ولا تعد قواه ولا تحصر.

غيب ولكنه بلا ريب

حيث عرفت جيداً ان في الانسان بدناً برزخياً بين الروح المجرد والجسد المادي فاعلم ان هذا البدن قد تغلب عليه الناحية الروحية والنزعات العقلية فيغلب على الجسد المادي ويسخره لحكمه ويكون تابعاً له ومنقاداً لامره وقد ينعكس الامر فتتغلب النواحي المادية والشهوات الحسية على الملكات الروحية فتصير الروح مسخرة للمادة تابعة لها منقادة لرغباتها وشهواتها وهنا تصير الروح مادة تهبط إلى الدرك الاسفل وظلمات الجهالات ولكنه اخلد إلى الارض وهناك تصير المادة روحاً حتى تخف وتلطف وتنطبع بطابع المجردات فتسمو إلى الملأ الاعلى في هذه الحياة الدنيا فضلاً عن الحياة الاخرى، وقديماً ما قال بعض الشعراء في سوانحهم الشعرية:

خفت وكادت ان تطير بجسمها

 

وكذا الجسوم تخف بالارواح

 

بل الجسم قد يطير بالروح وقد قلت في كلمة سابقة: ان الانبياء والحكماء والعرفاء ومن هو على شاكلتهم من رجال الله تعالى جعلوا ابدانهم ارواحاً اما نحن فقد جعلنا ارواحنا ابداناً، واذا صار البدن روحاً وغلب حكم الملك على الملكوت لم يعسر على ذلك ان يخترق حدود الزمان وسدود المكان فيحكم على الزمان والمكان ولا يحكم شيء منهما عليه وبهذا يسهل عليك تصور المعراج الجسماني وسيره في الملكوت الاعلى ورجوعه قبل ان يبرد فراشه واحضار آصف عرش بلقيس قبل ان يرتد اليه طرفه ومبارحة امير المؤمنين(ع) المدينة إلى المدائن لتجهيز سلمان (رحمه الله) ورجوعه من ليلته بل وما هو اشد غرابة من ذلك وهو حضوره عند كل محتضر في شرق الارض وغربها من مؤمن أو منافق (يا حار همدان من يمت يرني) يسهل عليك تصور هذه القضايا الخارقة لنواميس الطبيعة يسهل اليك تصورها بل والتصديق بها، نعم وانما يستعصى علينا الاذعان بها ويجعل عندنا هذا القبيل من المستحيل انغمارنا في المادة وانطمار ارواحنا في مفازات الطبيعة فلا نبصر ولا نتعقل الا من وراء حجبها الكثيفة. ومن للاعمى والاكمه ان يرى نور الشمس أو يستلذ بلحن نغمات الاوتار وليس عندنا لرد هذه الانوار سوى الانكار وسد باب الاعتبار، ارأيت هذين الملوين المتعاقبين على هذه الكرة؟ لو قيل لك: ان احداً يراهما دفعة واحدة بعينه هل تعد هذا المقال الا من المحال، ولكن لو كان في احدى كواكب المجرة التي تبعد عن نظامنا الشمسي ملايين الملايين من الاميال ذو بصر حديد وايد شديد نظر إلى الارض لا بصر الليل والنهار فيها بآن واحد يعني يرى وجهها المقابل للشمس والمعاكس له دفعة واحدة وما ذاك الا لانه ترفع عن افق الزمان والمكان وخرج عن الحدود والقيود ولو ان البدن المثالي بما فيه من الروح تكاملت ملكاته وتعالت روحياته لغلبت قوته على هذا البدن العنصري وسار أو طار به حيث شاء كما ربما ينقل مثل ذلك عن بعض المرتاضين من العرفاء الواصلين وقد قيل لبعضهم انه روي ان عيسى (ع) مشى على الماء فقال: لو كمل يقينه لمشى على الهواء ولعل الى هذا ومثله الاشارة في الحديث القدسي المعروف (اطعني تكن مثلي اقول للشيء كن فيكون وتقول له: كن فيكون).

البداية والنهاية والبدء هو الغاية

 كل جسم نامئ من نبات أو حيوان أو انسان فبدء تكونه بذرة مختلطة من امشاج الأرض وعناصرها المختلفة ثم تستمد نموها ورقيها من المواد الأرضية وتتعاقب عليها الصور فتلبس صورة ثم تخلعها وتكتسي صورة اخرى فهي بما فيها من القوة والأستعداد لا تزال في خلع ولبس ونمو وسمو دائبة في صراط السير والحركة إلى الغاية المعدة لها وجميع تلك الصور والفعليات التي تتعاور على تلك البذرة الحاملة للقوة والاستعداد لقبول كل تلك الصور يفيضها المبدأ الأعلى بتوسط المثل العليا والعقول المفارقة والنفوس الكلية متدرجة في قوس النزول إلى تلك المادة والبذرة الحاملة أو المحمولة للهيولي الأولى والتي هي محض القوة والأستعداد وهي آخر تنزلات تلك الفعلية التامة والهوية الوجودية الكاملة ثم بعد ان نزلت إلى اقصى مراتب الضعف والشأنية أخذت ترتقي في قوس الصعود من صعدة إلى اخرى حتى تصل إلى ما منه بدأت منه البدء واليه المعاد وكما بدأكم تعودون فالنهاية هي العود إلى البداية، والمبدأ هو الغاية، وكل تلك الصور المتعاقبة في قوس الصعود تتلاشى موادها وتتفرق عناصرها وتضمحل تراكيبها اما صورها فهي محفوظة عند ارباب انواعها ومثلها العليا من العقول المفارقة والمجردات القادسة المدبرات امراً التي هي وجه الله الذي لا يفنى ولن يفنى ابداً وان من شيء الا عندنا خزائنه وما عندكم ينفد وما عند الله باق كما ان تلك المادة الأولية والبذرة المعينة محفوظة في خزائن الغيب وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو فأذا جاءت الساعة بأشراطها وقامت القيامة بالبعث والنشور ونفخ في الصور وامطرت العناية الأزلية من سماء المشيئة فبرزت تلك البذور عند النفخة الثانية في الصور واعشبت الأرض والقت ما فيها وتخلت وهي غير هذه الأرض طبعاً يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهّار ظهر كل انسان بجسمه وبدنه وعاد عليه بدنه المثالي المتجسد المتحد بروحه فلو رأيته لقلت هذا فلان بعينه كما لو رأيت زيداً ايام شبابه ثم رأيته كهلاً لا تشك في أنه هو زيد بعينه مهما تغيرت صورته وتبدلت الوانه واشكاله ولكن بما ان الدار الآخرة دار الجمع ودار القرار والثبات ودار الحس والحياة وكل شيء هناك حيّ وناطق وأن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون، نعم كل شيء هناك حيّ وناطق حتى لحمك ودمك وجلدك وقالوا لجلودهم لم شهدتهم علينا قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء، حيث انها دار الحسّ والحياة ودار الجمع والثبات تجتمع عندك جميع صورك في جميع ادوار حياتك ويتمثل لديك كل اعمالك صغيرة وكبيرة حسناتك وسيئاتك وتكون نفسك وذاتك وهويتك الخاصة وروحك البارزة في بدنك المثالي الأخروي العنصري المناسب لدار الحسّ والحياة التي تذوب وتنصهر فيها العنصريات والماديات، وبست الجبال بسّاً فكانت هباء منبثاً، وتكون الجبال كالعهن المنفوش والشمس كورت والكواكب انتثرت والبحار سجرت يعني ان المادة تتلاشى وتضمحل ويبقى الروح والجوهر والحسّ والشعور والحياة بارزة بأشكالها الدنيوية ولكنها جوهرية أخروية نعم تكون ذاتك ونفسك وهي كتابك اقرأ كتابك كفى بنفسك عليك اليوم حسيباً كتاب حسناتك بيمينك وكتاب سيئاتك بشمالك كل اعمالك بارزة امامك مجسمة بأجسامها المناسبة لها من خير أو شر وهذا معنى تجسم الأعمال وهي نفس اعمالك ترد اليك ( انما هي اعمالكم ردت اليكم) انما تجزون ما كنتم تعملون جزاؤكم نفس اعمالكم لكن بصورتها الحقيقية وحقيقتها الجوهرية وجوهرتها الروحية لا المادية اعمالك الصالحة واحسانك للناس يعود وجهاً حسناً جميلاً تأنس به واساءتك وشرّك يعود وجهاً قبيحاً تستوحش منه نعم وقد تعود حيات وعقارب تلسعك وهكذا اعضاؤك تعود عينك ولكن بغير شحم، ويعود سمعك ولكن بغير عظم. ويعود قلبك ولكن بدون لحم، وهكذا يعود كل شيء منك ولكن بأقوى واصح مما كان في الدنيا وكلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها هي غيرها وهي عينها ولو كانت غيرها تماماً لما جاز عقابها (ولا تنس حديث اللبنة)(3) وذاتك واعمالك وسريرتك واخلاقك ومعارفك وايمانك ويقينك وكفرك وجحودك هي ميزانك وهي كتابك وهي حسابك وهي صراطك وهي جنتك وهي جحيمك واشهد ان الموت حق والنشور حق والصراط حق والميزان حق وكل ما في القرآن العظيم حق على ظاهره وحقيقته من غير تأويل ولا تبديل ولكن اشهد ان الموت حق ليس معناه والمراد منه ان الموت أمر واقع فتكون شهادة تافهة باردة لأنه امر محسوس لا ينكره أحد بل المراد ان الموت حق لازم موافق للحكمة وحقيقة لابد منها ولولا الموت لكان الكون وايجاد الخلق عبثاً وباطلاً [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ](4) فالموت والبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب وكل ما ورد في الكتاب من المبدأ والمعاد واحوال البرزخ بينهما واحوال يوم القيامة بعدهما كله حق موافق للحكمة وضرورة لابد منها في العناية الأزلية فالحياة والموت والبرزخ والقيامة والحشر والنشر والكتاب والحساب وهكذا كلها مراحل تطويها النفس الإنسانية لتصل إلى الغاية التي منها بدأت نازلة ثم تعود اليها صاعدة.

تفكر وتدبر، واحسن التفكر والتدبر بقوله تعالى: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ](5) وقوله عز شأنه: [أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاّ  إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ](6) وهذه الإشارة خير من الف عبارة، فهذه النطفة القذرة كيف يصح لها ان تلتحق بعظمة جبروت الله وسعة ملكوته وتدخل في جناته وبهاء رضوانه الا بعد التصفية والتهذيب وطيّ تلك المراحل والمنازل فتعود اليه كما بدأت منه والاً بقيت مخلّدة في سجن الطبيعة وسجين المادة، وظلمات الأهواء، وجحيم الرذائل النفسانية، لهم نار جهنم خالدين فيها ابداً، عافانا الله منها ومن كل سوء واحسب انيّ بعد هذا كله قد اوضحت لك البيان وخرجت لك من العهدة، ومحضتك بعد المخض الحثيث بالزبدة، وعرّفتك من غوامض المبدأ ما يحل لك العقدة، وتضحي لك به انوار الحقيقة، ولكني حرصاً على مزيد اقناعك ورسوخ يقينك وشموخ عرفانك اضرب لك مثلاً من نفسك، هو اقرب شيء إلى وجدانك وحسّك، ففي الحكمة العالية ولعلها من معين ينابيع النبوة ايها الأنسان اعرف نفسك تعرف ربك (من عرف نفسه عرف ربه)(7) طرداً وعكساً، ولعلني بهذه اللمحة احسن لك التمثيل والتصوير وافتح لك باباً من التفكير، طالع وتطلع وانظر جسدك هذا الذي به حسّك وحياتك، وتدبر ما فيه من القوى والحواس ظاهرة وباطنة، وما اشتمل عليه من الجوارح والأعضاء، تجد لكل جارحة، ولكل عضو وظيفة معينة لا يتعداها ولا يشاركه غيره فيها فوظيفة العين مثلاً النظر، ووظيفة الأذن السمع فلا الاذن تتدخل يوماً في وظيفة البصر ولا العين تتدخل يوماً بوظيفة السمع بل كل منها ملازم لوظيفته لا يتعداها ولا يتجاوز إلى ما سواها وهكذا جميع الأعضاء والجوارح بل حتى الشرايين والعروق والوردة والشغاف واللحم والدم والعظم والقلب والكبد والرئة والدماغ، بل وخلايا الدماغ، بل وكريات الدم البيض والحمر لكل منها وظيفة معينة، وعمل خاص، لا يتجاوزه إلى غيره والكل والجميع وان كان يعمل لغاية واحدة ويرمى إلى هدف واحد وهو حراسة هذه المدينة وترميم ما يتداعى منها ودفع العداء المتهاجمين عليها لقلع قلاعها وردم حصونها ولكن كل واحد من اولئك العمال والموظفين يقوم بعمله مستقلاً كأنه ليس له أي ارتباط بالآخر موجوداً ام لا، فالعين تبصر وتؤدي وظيفتها سواء كانت الأذن موجودة ام مفقودة، وسواء قامت بوظيفتها تماماً ام قصرت فيها وهكذا كل واحد من الأعضاء والجوارح الظاهرة أو الباطنة مملكة مستقلة لا يرتبط احدها الآخر ولا يستمد بعضها من بعض حتى القلب وان كان هو خزانة التوزيع والتموين ولكن المدد الأعظم والفيض الأتم والذي ترتبط به جميع الأعضاء حتى القلب ولا يعمل شيء عمله الاّ بأشارته وبعثه هو الدماغ الذي هو عرش النفس وكرسيها الأعظم فالنفس أي الروح تعطي الحس وتبث الحياة لكل الجوارح والأعضاء وجميع الحواس الظاهرة والباطنة، وهي تعين وتعين كلّ جارحة وحاسة في وظيفتها فالعين لا تؤدي وظيفتها الاّ بتوجه النفس اليها، وتوجيهها للبصر والنظر، الا ترى ان النفس اذا كانت مشغولة في التفكر في موضوع مهم قد يمر به شخص فلا يراه وعيناه سالمة مفتوحة، وكذا قد يتكلم بحضوره متكلّم فلا يسمعه، كل ذلك لأن الروح منصرفة عن الحواس والجوارح منقطعة عن امدادها وارفادها التي به تستطيع اداء وظيفتها فالروح هي كل القوى وكلّها تستمد من الروح كما انّ القوى كلّها جنود تعمل لها وتقدم كل ما يتحصل لديها إلى النفس، وكل الصور المتحصلة للحواس على نحو البسط والنشر والتفصيل، من الخارج كانت كامنة ومتحصلة في النفس على نحو القبض والطي والجمال في الداخل افاضتها النفس على الحواس جمالاً وقوة واستعداداً فأدركتها وتحصلت لديها بسطاً وتفصيلاً وارتسمت في لوحها تعيناً وهوية فكانت المعلومات الذهنية المتحصلة من العيان الخارجية بدأت من النفس ثم عادت اليها فهي المبدأ واليها المعاد النفس تبسطها وتطويها وتعديها وتبديها، أرأيت السحاب كيف ينشأ من البحر ثم يعود إلى البحر أرأيت النواة حيث تغرسها في تربة وتسقيها ثم بعد قليل من الزمن تجد منها الخير وتجود لك بسعف وليف وكرب ثم بعد برهة بسراً ثم رطباً ثم تمراً وهكذا سبع سنين أو سبعين ثم بعد ذلك تفنى النخلة وتعود إلى النواة؛ ما ادري هل النخلة وكل ما نمى فيها وافيض منها كله كان في النواة؟ بنحو الكمون والبطون والأعداد والاستعداد والقوة والجمال ثم ظهر بنحو البسط والنشر والتفصيل والفعلية فكانت هي المبدأ واليها المعاد لا ادري، ولكن ايها الإنسان (اعرف نفسك تعرف ربك) أو اعكسها وقل: (اعرف ربك تعرف نفسك) العين لا تبصر الا بالنفس والنفس لا تبصر الا بالعين، نعم قد ترتقي النفس إلى حظائر القدس وتلتحق بالمجردات فلا تحتاج في مدركاتها إلى استعمال آلة فتكون بشدة اتصالها وتعلقها بمثلها العليا ومبادئها المقدسة سميعة بلا اذن بصيرة بلا عين قابضة وباسطة بلا يد عاقلة بلا قلب ذاك مقام (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به)(8).

(جه بي يسمع وبي يبصر عيان شد)

هناك ترتقي النفس من جنات تجري من تحتها الأنهار إلى (رضوان الله اكبر) بل هناك أي في ذات نفسك الجنان والرضوان والحور والولدان هناك مقام اعددت لعبدي المؤمن ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون هناك مقام.

باسمائك الحسنى اروح خاطري
اذا ظمأت نفسي فانك ريها

 

اذا هب من قدس الجلال نسيمها
وان شقيت يوماً فانت نعيمها

 

*****

كر باقليم عشق رو آرى

 

همه آفاق كلستان بيني

 

آنجه بيني دلت همان خواهد

 

وآنجه خواهد دلت همان بيني

 

رزقنا الله تلك المنازل الرفيعة، وجعلنا من السالكين اليها الواصلين اليه ومن اهل الزلفى عنده، والكرامة عليه، فانه لا ينال ذلك الا بفضله، وفيضه ولطفه وكرمه.

وان اردت الخلاصة والزبدة فاعلم: ان كل حركة تستلزم اربعة اركان المحرّك والمتحرك وما منه الحركة وما اليه الحركة ولا شك انك واقع في صراط الحركة والمحّرك علتك والمتحرك شخصيتك وهويتك(9) وما منه الحركة اوّل ما خلق الله النفس الرحماني(10) والعقل الكلي فان منه الحركة نزولاً واليه الحركة صعوداً اللهم لك الجود وانت الجواد ومنك الوجود والأيجاد، ومنك البدء واليك المعاد، النور واحد احدي بسيط لا تعدد فيه ولا تكرار، ولكن اذا اشرق على هياكل الممكنات ظهرت الأشباح والظلال على حسب القابليات، فالنور سطع من شمس الشموس وروح الأرواح وغيب الغيوب والأظلة هي الوجودات الأمكانية والقابلية هي حدود الماهية والأعيان الثابتة، ألم تر إلى ربك كيف مد الظل باشراق شمس الحقيقة عليه بسطاً ثم ينطوي ذلك النهار وتلك الأنوار فلا يبقى اثر لظله ولا لذي ظل قبضاً ولكن قبضاً يسيراً، فتدبر نكبة اليسير هنا احسن التفكير، وحقاً اذا اشرقت الشمس انطمست الكواكب وزالت الأشباح والأظلَّة وقامت القيامة وأتى النداء من معاقد عرش العظمة وسبحات وجه الجلال والجبروت ــ لمن الملك اليوم ــ لله الواحد القهّار، وكل شيء هالك الا وجهه وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والأكرام تندك الجهات ويبقى الوجه ثم قبضناه أي قبضنا وجه الكائنات وظل الممكنات الينا قبضاً سهلاً يسيراً، وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر.

وعساك قد اقتنعت بما اترعت لك من البيان في تصوير المعاد الجسماني وانه ممكن ذاتاً واجب وقوعاً وليس هو من اعادة المعدوم ولا من الفرض الموهوم، وانما هو سير وحركة وتفريق وجمع واستبدال وانتقال من حال إلى حال، ويحسن ان تختم المقال ببعض ما جاء في الكتاب الكريم واحاديث اهل البيت (عليهم السلام) ونجعله (مسك الختام).

وليس الغرض من ذكرها الأستدلال بالدلة النقلية بل لبيان مطابقة العقل للنقل وموافقة الوحي للوجدان والبرهان للعيان.

اما القرآن العزيز فأكثر الآيات ظاهرة في ان الذي يرجع إلى الله عزَّ شأنه ويعود اليه هو هذا الجسد المعين والهوية الخاصة التي يشار اليها بهذا ويعبر عن نفسه
(أنا) مثل قوله تعالى: [إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ](11)[وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ](12) [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ](13) وقوله تعالى: [كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ](14) [ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ](15) [هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ](16) وتشير هذه الكريمة ونظائرها إلى ان ثبوت المبدأ يستلزم ثبوت المعاد بل هما متلازمان ثبوتاً أو اثباتاً ولولا المعاد بطلت الحكمة وإذا بطلت الحكمة بطل المبدأ ولزم التعطيل أو العبث أو الصدفة وما اشبه ذلك من اللوازم الفاسدة التي اوضحنا بطلانها في الجزء الأول من كتاب (الدين والأسلام)(17) فالمعاد في الجملة ضروري لا بد من الأعتراف به والمصير اليه وبعض الآيات كالصريحة بأنه جسماني [وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ](18) والآية التي بعدها تشير إلى كيفية الأحياء واسلوبه [الَّذِي جَعلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ](19) وهي طريقة البروز والكمون والطي والنشر.

[أَو لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ](20) وهذه المثلية هي العينية فهو مثله باعتبار وعينه باعتبار آخر واختلاف الاعتبارين من اختلاف طباع النشأتين كما أوضحناه فيما مر عليك.

(أما الأخبار الشريفة) فقد جاءت باوسع من ذلك البيان وأفصحت عن كل ما جلّ دقّ، وما هو بالحق أحق، ففي الاحتجاج عن أمير المؤمنين(ع) ومثله عن الصادق(ع) ونقله في البحار بطوله وفيه بعض القضايا المحتاجة إلى التأويل أو التحصيل ولكن محل شاهدنا منه لا غموض فيه بعد مراجعة ما ذكرناه كمن الفصول و الاصول قال أي الزنديق يسأل الصادق(ع) بعد قوله (ع) هو سبحانه يحي البدن بعد موته ويعيده بعد فنائه فاين الروح؟ قال: في بطن الارض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث قال فمن صلب فاين روحه؟ قال: في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الارض واقول: لعله يشير (ع) بهذه الجملة إلى علاقة الروح بالبدن بعد فراقها وانها مرتبطة به لشدة الاتصال في الدنيا به كما عرفت من ان آثار الروح تظهر على البدن كحمرة الخجل وصفرة الوجل وضربان القلب ورعشة البدن وانفعالات البدن تظهر وتسري إلى الروح كألم الضربة والطعنة وسائر العوارض على البدن التي تتألم منها الروح بحكم تحقق الوحدة بينهما أي ان البدن هو الروح بمرتبته العليا، والروح هو البدن بمرتبته السفلى؛ والموت نوع من التعطيل في التصرف.

ثم قال: أي الزنديق أفيتلاشى الروح بعد خروجه من قالبه ام هو باقي؟ قال: بل هو باقي إلى وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الاشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس ثم اعيدت الاشياء كما بدأها مدبرها اقول: هذا اشارة إلى ما بين النفختين يوم يأتي النداء لمن الملك اليوم فلا مجيب الا نور الانوار، لله الواحد القهار، حيث عرفت ان شمس الشموس، اذا تجلت بتمام نورها للعقول والنفوس، استولى عليها الفناء والطموس، فلا ظل ولا ذو ظل، ولا حس ولا محسوس.

همه آنست ونيست جزاو
ج

وحده لا اله الا هو

 

 ثم قال: الزنديق(21) فأنّى له بالبعث والبدن قد بلى والأعضاء قد تفرقت فعضو ببلدة يأكله سباعها، وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو قد صار تراباً بني به مع الطين حائط قال: ان الذي انشأه من غير شيء وصوره على غير مثال سبق قادر ان يعيده كما بدأه قال: اوضح لي ذلك، قال الامام (ع): ان الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسيء في ضيق وظلمة والبدن يصير تراباً كما منه خلق وما تقذف به السباع والهوام من اجوافها مما اكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ووزنها وان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فاذا كان حين البعث مطر الأرض مطر النشور فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء والزبد من اللبن اذا مخض فيجمع تراب كل قالب إلى قالبه ينتقل بأذن الله القادر إلى حيث الروح فتعود الصور بأذن المصور كهيآتها وتلج الروح فيها فأذن قد استوى لا ينكر من نفسه شيء انتهى ما اردنا نقله من هذا الخبر الشريف ولو اردنا شرح هذه الكلمات النيرة وتفسير كل جملة كما هو حقه اقتضى ذلك تأليف رسالة مستقلة ولكن نعلق على بعضها رسالة اجمالية تكون مفتاحاً لرتاجها وذبالة لسراجها.

قوله (ع): الروح مقيمة في مكانها وحيث انها من المجردات والتجرد فوق الزمان والمكان أي ليس للمجرد زمان ولا مكان فلعل المراد من كونها مقيمة في مكانها وقوفها عن الحركة لوصولها إلى الغاية التي تحصلت لها من سيرها إلى الكمال الميسر لها في نشأتها الأولى ((وكل ميسر لما خلق له)) اما بعد انتقالها إلى النشأة الثانية فهي هناك واقفة ومقيمة في مكانها قد خرجت في عالم الترقي والأعداد والاستعداد الذي كان لها بتلك الدار ونزلت بدار القرار والاستقرار بخلاف الجسد الذي بقى في صراط الحركة ودار الأعداد والاستعداد والتبدل والانتقال من حال إلى حال ومن صورة إلى اخرى حتى ينتهي إلى الصورة الأخيرة الجامعة لجميع الصور ذلك يوم الجمع وهي التي يبلغ البدن بها إلى الغاية التي يكون بها بدناً أخروياً يصلح للاتصال بالروح فيعود اليها كما كان في النشأة الأولى فالمعاد هو معاد البدن إلى الروح لا معاد الروح إلى البدن وهنا تقف الحركة وينتهي السير والأعداد والاستعداد وردوا إلى الله مولاهم الحق وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه، وله المثل الأعلى، والأهونية هنا من جهة القابل لا من جهة الفاعل فأنه جلّ وعلا ليس شيء اهون عليه من شيء اذ الجميع في ظرف قدرته سواء وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ولكن حيث ان تراب البدن كما عرفت صارت له مع الروح علاقة خاصة اكتسب بها بعض المزايا وامتاز بذلك عن سائر الأتربة فرجوعه إلى الروح التي معها تمام الأنس واقوى العلاقة بل لا تزال العلاقة ثابتة فضعفت ثم تضاعفت اهون من انشاء الروح من التراب أي البدن الذي لم تكن لها به أي علاقة سابقة حسبما عرفت من ان النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء اذاً فما ابعد الفرق بين المقامين وهل من شك بأن النشأة الثانية اهون النشأتين.

وقوله (ع): ويعود تراباً كما منه خلق لعله يشير إلى ناحية من تلك الجوهرة يعني يصير تراباً كالتراب الذي خلق منه وحق المعنى ان يقال: يعود إلى التراب الذي خلق منه ولكن حيث ان التراب الذي خلق منه قد اكتسب من ملابسة الروح في النشأة ملكات وكمالات كانت فيه على نحو الاستعداد فصارت على نحو الفعلية لذا قال (ع): كما منه خلق أي كالتراب الذي خلق منه من حيث نوعه لا من خصوصياته أو من حيث ان طريق نزوله كطريق صعوده فتدبّر جيداً.

قوله (ع): وما تقذف به السباع إلى الآخر اشارة إلى دفع شبهة الآكل والمأكول وان التغذية والنمو في الأجسام ليس بصيرورة المأكول جزءاً من الآكل بل هو معد لأفاضة النفس الكلية بمشيئته تعالى صورة اخرى عليه بدلاً عما تحلل من ذلك الجسم فالمراد ان جميع الصور المفاضة المتعلقة كلها محفوظة في التراب عند ربِّ الأرباب.

قوله (ع): (وان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب) لعله اشارة إلى ان النفوس القادسة التي بلغت أقصى مراتب الصفاء والتجرد حتى تجردت أجسامها وصارت ارواحاً لا تبلى ولا تتغير كالذهب الذي لا يغيره التراب ولا يؤثر فيه كما ورد في كثير من الأخبار المنقولة في البحار وغيره ولعل المراد بمطر النشور نفخة الصور الثانية التي تقوم بها الخلائق أحياء بعد فناء الجميع بالنفخة الأولى وفي بعض الأخبار ان الله سبحانه وتعالى يرسل سحاباً فتمطر على ارض المحشر فينشر البشر ويخرج كما يخرج النبات من الأرض غب المطر واكثر آيات المعاد والحشر والنشر في القرآن العزيز تشير إلى ذلك مثل قوله تعالى: [وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ  جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ](22)، [ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ](32)، [وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ](24)، [كَذَلِكَ

النُّشُورُ](25) إلى كثير من امثالها.

وقوله (ع): فيجمع تراب كل قالب إلى قالبه ينتقل بأذن الله القادر إلى حيث الروح فتعود الصور بأذن المصور كهيآتها وتلج الروح فيها، صريح فيما سبق من ان البدن بعد استكماله وكماله وبلوغه اقصى ما قدّر له من السير في صراط الحركة والأعداد والاستعداد ينتقل إلى الروح ويتحد معها اقوى من اتحاده بها في النشأة الأولى لأنه صار لطيفاً روحانياً وكان كثيفاً مادياً، ولعل في قوله (ع): فتعود الصور بأذن المصور كهيئاتها وتلج الروح فيها ايماء إلى ما ذكرنا من: أن الصور المتعاقبة على البذرة الأولى التي تكون الأنسان منها جنيناً ثم رضيعاً وشاباً وكهلاً وشيخاً كلها محفوظة في مبادئها العالية والنفوس الكلية ويوم الحشر والنشر وهو يوم الجمع تعود كهيآتها وتتصل بالروح الاتصال الذي عبّر عنه الأمام (ع) بقوله: وتلج الروح فيها فأذن قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً فتجتمع كل الصور فيه ماثلة لديه، وليس العائد تلك الصور المحسوسة فحسب بل يعود لك حتى اعمالك وصفاتك وملكاتك وكل عمل خير أو شرّ يعود ماثلاً لديك بحقيقته وجوهره فالنميمة عقرب يلسعك والسعاية افعى تلدغك والغيبة لحم ميت تأكله وهكذا كلّ ما جنت جوارحك واقترفته يدك أو لسانك ومثل ذا كل عمل حسن أو معروف تجده صورة جميلة تؤنسك [وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا](26) [وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ](27)[إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ](28) ولا حذف هنا ولا تقدير كما يتخيله بعض المفسرين بل الجزاء نفس العمل وفي الحديث يقول جلّ شأنه: يوم القيامة للعباد اعمالكم ردّت اليكم. ولكن بجوهرها وحقائقها فكل ما في هذه الدار مجاز والحقيقة هناك وهذا معنى ما سمعته أو تسمعه من تجسم الأعمال فان عملك هو الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الاّ احصاها [وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا](29) فعن العياشي عن خالد بن نسيج عن ابي عبد الله الصادق (ع) اذا كان يوم القيامة دفع إلى الانسان كتابه ثم قيل له اقرأ قلت فيعرف ما فيه؟ فقال ان الله يذكره فما من لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم ولا شيء فعله الا ذكره كأنه فعله تلك الساعة قالوا يا ويلنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها، ومن ناحية تجسم الاعمال يأتي القرآن يوم القيامة شافعاً مشفعاً أو شاكياً إلى ربه ممن هجره أو لم يحفظه. ومن قرأ سورة لا اقسم وكان يعمل بها بعثها الله معه من قبره في احسن صورة تبشره وتضحك في وجهه حتى يجوز الصراط وبعض السور تصير صورة جميلة تؤنسه في قبره. ومن هذا ما ورد من ان اهل الجنة جرد مرد والمتكبرون يحشرون كالذر يطأهم الناس بأقدامهم وان ضرس احدهم كجبل احد. [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا](30) وفي الكافي من حديث طويل يقول الصادق (ع) فيه: (يدعى المؤمن للحساب فيتقدم القرآن امامه في احسن صورة فيقول: يا رب انا القرآن وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ويطيل ليله بترتيلي وتفيض عيناه اذا تهجد فارضه كما ارضاني فيقول العزيز الجبار: ابسط يمينك فيملاها من رضوان الله ويملأ شماله من رحمة الله ثم يقال: هذه الجنة مباحة لك فاقرأ واصعد فكلما قرأ آية صعد درجة)، وفي خبر طويل روى بعضه في البحار عن عقد الدرر في الامام المنتظر(ع) يقول فيه الله تعالى يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنيناً ينهشن لحمه ويكسرن عظمه يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث. اقول: وفي اربعين الشيخ البهائي (قدس سره) ويسلط عليه حيات الارض روي في الكافي عن الامام ابي عبد الله الصادق (ع) ان الله يسلط عليه تسعة وتسعين تنيناً لو ان واحداً منها نفخ على الارض ما انبتت شجراً ابداً، وروى الجمهور هذا المضمون بهذا العدد الخاص ايضاً عن النبي (ص) قال: بعض اصحاب الحال ولا ينبغي ان يتعجب من التخصيص بهذا العدد فلعل عدد هذه الحيات يقدر عدد الصفات المذمومة من الكبر والرياء والحسد والحقد وسائر الاخلاق والملكات الردية فانما تتشعب وتتنوع انواعاً كثيرة وهي بعينها تنقلب حيات في تلك النشأة انتهى.

واقول: ان التعبير الأصح هو ما قلناه من انها هي بعينها حيات في تلك النشأة وفي هذه لا أنها تنقلب ولكنما الدنيا غلاف الآخرة وقشرها والآخرة هي اللب والحقيقة وهي موجودة حالاً في باطن الدنيا كما يشير اليه قوله تعالى: [يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ](31) [يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ](32) واسم الفاعل حقيقة فيما تلبس بالمبدأ حالاً لا ما يتلبس به في المستقبل نعم الآخرة داخلة في الدنيا دخول الرقيقة في الحقيقة والمعنى في اللفظ والروح في الجسم والهيولي مع الصورة من هنا يتجه ببعض الأعتبارات دعوى اتحاد الدنيا مع الآخرة اتحاداً حقيقياً والأتحاد الحقيقي كما مرت الأشارة اليه هو اتحاد المتحصل مع غير المتحصل يعني اتحاد ما بالقوة مع ما بالفعل كاتحاد المادة بالصورة والجنس مع الفصل تحقيقاً واعتبار اما الشيئان المتحصلان فلا يتحدان ابداً كما ان الشيئين غير المتحصلين يستحيل ان يكونا متحدين الا اعتباراً وجعلاً لا حقيقة وواقعاً وقد احسن التلميح المليح إلى هذه الحقيقة الشاعر العرفاني ممن عاصرناه حيث يقول في لرنجالية له بديعة مطربة:

روحي في روحك ممزوجة
ج

وربما نمزج روحان

 

حتى كأني منك في وحدة
ج

لو صح ان يتحد اثنان

 

ويعجبني منها قوله قدست روحه الزكيّة:

هاموا هيامي فيك لو انهم

 

قد عرفوا معناك عرفاني

 

لكن تجليت فاعشيتهم
ج

بفرط انوار ونيران

 

واليه يشير ايضاً العارف الالهي الشيخ محمود التبريزي الشبستري.

 ج  

حلول واتحاد اينجا محالست

 

كه درو حدت دوئي عين ضلالست

 

 ومهما يكن من شيء فلا شك عند العارفين من ارباب اليقين ان كل شيء في هذه الدنيا قشر وصورة ولبابة وجوهرة في الآخرة والى هذا يرجع ما مر عليك من ان الآيات والاحاديث قد استفاضت صريحة بتجسّم الاحوال والاعمال والملكات وغيرها، وكل ذلك حق ليس فيه ريب.وانما يؤمن به الواصلون الذين شاهدوا الحقائق عياناً وارتفعوا عن درجة الايمان بالغيب(33).

والنواة التي تدور عليها هذه الكهارب هي ما تكرر ذكره واشرنا اليه من ان شيئية الشيء وشخصيته التي تكون بها هويته ويصير هو هو ويمتاز عن غيره انما تحقق بصورته لا بمادته وانما المادة هيولي صرفة وقوة محضة واستعداد خاص لكل الصور المتعاقبة وكل صورة لاحقة جامعة لكمال ما قبلها من الصورة السابقة وكل سابقة فهي معدة لكل لاحقة حتى تنتهي إلى الصورة الاخروية الاخيرة التي تعاد يوم المعاد وتقف بين يدي رب العباد، وهي الصورة الدنيوية الاخروية الجامعة لكل الصور طولاً لا عرضاً، بل طولاً وعرضاً، فانه وان كان من المستحيل اجتماع صورتين فعليتين في شيء واحد كاستحالة اجتماع شخصيتين وهويتين في شخص واحد، ولكن هذا انما هو في هذه النشأة دار التزاحم والتصادم بخلاف النشأة الثانية دار الجمع والنظم، وكل هذا من جهة ضيق المادة وما يتألف منها، اما الصور المجردة عن المواد المتعالية عن القوة والاستعداد كالمفارقات العلوية فلا تزاحم فيها ولا تضاد، فتدبره عساك تكون من اهله.ثم ان المراد بالصورة في قولهم ان حقيقة كل شيء بصورته لا بمادته الصورة التي هي احد الانواع الجواهر الخمسة وهي الوجود الخاص المعين لا الصورة بمعناها العرفي واستعمالها الدارج التي ترتسم بالمرآة أو بالخطوط والنقوش أو بالماء ونحوه أو بالتصوير الشمسي فانها اعراض واشكال ترجع إلى كم أو كيف أو إضافة... والفصاري ان بهذه القاعدة الحكيمة المحكمة تمشي قضية المعاد الجسماني في سبيل لا حب لا ترى فيه عوجاً ولا امتاً، ولا التواء، ولا تعاريج، وتتهافت على اشعة كل الشبهات والمناقشات، تهافت الفراش على النار، ولا يبقى مجال لشبهة الآكل والمأكول، ولا لاستحالة اعادة المعدوم، ولا لغير ذلك مما قيل أو يقال في هذا المجال.

نعم هنا خاطرة خاطئة لا بد من التعرض لها ونفض ما يعلق على بعض الاذهان من غبارها، واقالة عثارها، وهي توهم: ان في عود الروح إلى البدن أو عود البدن إلى الروح نوعاً من التناسخ ويشهد له ما قيل: من انه من دين من الاديان الا وللتناسخ فيه قدم راسخ وقد قامت الادلة العقلية والنقلية على بطلان التناسخ بجميع انواعه ولكن من عرف معنى التناسخ عند القائلين به يتضح له جلياً انه لا مجال لورود هذه الشبهة اصلاً فأن التناسخيين يقولون: ان عالم الكون والفساد محدود لا يزيد ذرة، ولا ينقص شعرة، وما الدنيا عندهم الا جمع متفرقات، أو تفريق مجتمعات، وهذا العالم المحسوس ما هو الا عناصر امتلأ بها الفضاء تجتمع فتصير اجساماً، وتتفرق فتصير غازاً، أو بخاراً، أو سديماً أو سحاباً، ثم تجتمع مرة اخرى فتصير انساناً أو حيواناً وهكذا، ثم ان النفوس ايضاً ارواح من الأزل محدودة لا تزيد ولا تنقص تدخل واحدة منها في جسم قد استعد لقبول روح انسانية أو حيوانية أو نباتية، وبحسب ما اكتسب من خير أو شر، اذا فارقت هذا الجسد دخلت في جسد آخر انساناً أو حيواناً؛ معذبة أو منعمة، وهكذا ما تزال منتقلة إلى الأبد ان صح ان يكون للأبد غاية أو يكون هو غاية ولذا جعلوا للتناسخ اربعة انواع فسخ أو مسخ أو فسخ أو رسخ(34) فالعمود الفقري للتناسخ هو انتقال الروح من بدن إلى آخر في هذه الحياة الدنيا. اما المعاد الجسماني في الاسلام فحبل وريده انتقال الروح أو عود الروح إلى بدنها الذي فارقته لا إلى بدن آخر أو عوده هو اليها، فكم من الفرق بين الامرين ولذا ينكر التناسخيون الدار الأخرى والحياة الثانية فلا مبدأ ولا معاد ولا حساب ولا كتاب ولا ثواب ولا عقاب بل كل جزاء من خير أو شر هو في هذه الحياة الدنيا ومن هنا اجمع ارباب الاديان على بطلان التناسخ تماماً لأنه يصادم الأديان تماماً ثم اذا احطت علماً بما ذكرناه يظهر لك الخلل فيما ذكره المجلسي (رحمه الله) في المجلد الثالث من البحار في (فذلكة له) حيث يقول: فالمراد بالقبر في اكثر الأخبار ما يكون الروح فيه في عالم البرزخ وهذا يتم على تجسم الروح وتجرده وان كان يمكن تصحيح بعض الأخبار بالقول بتجسم الروح ايضاً بدون الاجساد المثالية، ولكن مع ورود الاجساد المثالية في الأخبار المعتبرة لا محيص عن القول بها وليس هذا من التناسخ الباطل في شيء اذ التناسخ لم يقم دليل عقلي على امتناعه اذ ان اكثرها عليلة مدخولة والعمدة في نفيه ضرورة الدين واجماع المسلمين وهذا غير داخل فيما انعقد الاجماع والضرورة على نفيه انتهى، ومن المؤسف صدور مثل هذا الكلام من امثال هؤلاء الاعلام ولكن ليت من لا يعرف شيئاً لا يتدخل فيه وما اشد الخطأ والخطل بقوله:(التناسخ لم يقم دليل عقلي على امتناعه) ثم التمسك لابطاله بالادلة السمعية كالاجماع وضرورة الدين التي لا مجال لها في القضايا العقلية بل والعقلية المحضة كالتناسخ وتجسم الروح الذي هو من قبيل الجمع بين الضدين بل النقيضين واين المجرد من المادي والمحسوس من المعقول والبسيط من المركب ثم أي برهان عقلي اقوى من ان النفس التي تدرجت من القوة المحضة في الجنين إلى ان تكاملت فعلياتها إلى الكهولة وبلغ العقل اشده في الاربعين فالخمسين وهكذا وتستحيل ان ترجع القهقرى فتعود قوة محضة في جسم جنين آخر فان ما بالقوة يقع في صراط الحركة كما عرفت وينتهي إلى الفعلية ولكن ما هو بالفعل يستحيل ان يعود إلى ما بالقوة فالبرهان والوجدان شاهدان عدلان على بطلان التناسخ مضافاً إلى ادلة اخرى لا مجال لسردها فلا حاجة إلى الاجماع وغيره في ابطاله بل ذلك لا يجدي شيئاً في نقير أو فتيل ولا غرابة اذا غرب مثل هذا عن مثل شيخنا المجلسي طاب ثراه فانه من المتخصصين بعلم المنقول لا المعقول ولكن الغريب جداً ان يشتبه الامر على مثل شيخنا البهائي (قدس سره) وهو من المتضلعين في المباحث العقلية قال في كتابه (الاربعين) (وهم وتنبيه) قد يتوهم ان القول بتعلق الارواح يعد مفارقة ابدانها العنصرية باشباح اخرى كما دلت عليه تلك الاحاديث قول بالتناسخ وهذا توهم سخيف ولأن التناسخ الذي اطبق المسلمون على بطلانه هو تعلق الارواح بعد خراب اجسامها باجسام أخر في هذا العالم اما عنصرية كما يزعمه بعضهم ويقسمه إلى النسخ والمسخ والفسخ والرسخ أو فلكية ابتداء أو بعد ترددها في الابدان العنصرية على اختلاف آرائهم الواهية المفصلة في محلها، واما القول بتعلقها في عالم آخر بابدان مثالية مدة البرزخ إلى ان تقوم قيامتها الكبرى فتعود إلى ابدانها الاولية باذن مبدعها اما بجمع اجزائها المتشتتة أو بايجادها من كتم العدم كما انشأها اول مرة فليس من التناسخ في شيء أو ان تسميته تناسخاً فلا مشاحة في التسمية اذا اختلف المسمى. وليس انكارنا على التناسخية وحكمنا بكفرهم وحكمنا بكفرهم لمجرد قولهم بانتقال الروح من بدن إلى آخر فان المعاد الجسماني كذلك عند كثير من المسلمين بل لقولهم بقدم النفوس وترددها في أجسام هذا العالم وانكارهم المعاد الجسماني انتهى ولعمر الحق ان عجبي لا يتناهى من قوله ان المعاد الجسماني كذلك عند كثير من اهل الإسلام أي انه عبارة عن انتقال الروح من بدن إلى آخر وهل الباطل الا هذا ولا ينبغي نسبة ذلك إلى احد من المسلمين بل المتسالم عندهم عودها وانتقالها إلى بدنها الأول لا إلى بدن آخر وكيف كان فلا شيء من الأبدان المثالية البرزخية ولا العنصرية الأخروية التي تعود يوم القيامة ابدان اخرى بل هي تلك الأبدان التي نشأت من جرثومة الحياة الأولى والتي منها تكونت الروح واخذت تنمو مع البدن المثالي والعنصري على ما سبق توضيحه بأقوى بيان واجلى برهان وفي المعاد لم يحصل بدن جديد ولا روح جديدة وانما هو اختلاف في نحوي التعلق والاتصال كاختلاف تعلق الروح بالبدن بين حالتي النوم واليقضة أو الصحو والسكر.

وعلى ذكر حديث التناسخ نذكر ان بعض المتنطعين الذين يتكلفون ما ليس من شأنهم كتب الينا من (بغداد) كتاباً مطولاً يقول فيه ما خلاصته: انّ بعض الآيات في القرآن العزيز تدل على التناسخ ولماذا يحملها علماء الأديان على غير ظاهرها وذلك مثل قوله تعالى: [رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ  سَبِيلٍ](35) فان ظاهر الإماتة يقتضي ان تكون هناك حياة قبلها ولازم ذلك ان قبل هذه الحياة حياة وقبل هذا الموت الذي نحمل بعده إلى القبر موتاً وهذا هو التناسخ وقد اجبناه عن هذا التوهم ولعل الكتاب والجواب قد اثبتا في كتابنا ((دائرة المعارف العليا)) وقد تعرض المفسرون لتوجيه هذه الآية بوجوه اربعة كلها تصادم مبدأ التناسخ وقد استعمل الكتاب الموت والميت فيمن لم يعلم بأن له حياة سابقة أو معلوم عدمها [أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ](36) ، [فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ](37)، [كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بعْدَ مَوْتِهَا](38) ، إلى كثير من امثالها واصح واصرح من الجميع قوله: [كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ](39) وهو من العدم في مقابل الملكة كقولك للأعمى ذهب بصره ولا تقوله للحجر ومثله صغّر الله جسم البقة وكبّر جسد الفيل وضيق فم الركية، وفي هذا كفاية ان شاء الله ونقل الشيخ البهائي انّ الكتب الكلامية احتجوا بها على اثبات عذاب القبر فراجع.

ثم ان الشيخ البهائي رضوان الله عليه ذكر في آخر (الأربعين) جملة من اخبار المعاد والبرزخ وتجسيم الأعمال وعلق عليها تعاليق كلها تحقيق وتوفيق، فمن تلك الأخبار الشريفة: ما رواه من الكافي من كتاب الجنائز عن الصادق (ع) انه سأل عن الميت يبلى جسده قال: نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم الا طينته التي خلق فيها فأنها لا تبلى بل تبقى مستديرة حتى يخلق منها كما خلق اوّل مرة أقول: ان كلامه (ع) هنا شبيه بما تقدم نقله في احتجاجه مع الزنديق حيث يقول الأمام (ع) ان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فاذا كان حين البعث مطر الأرض مطر النشور فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء والزبد من اللبن اذا مخض إلى آخره والشيخ (رحمه الله) لم يفسر الحديث المتقدم ولا ذكر شيئاً من المتأخر هنا بل انتقل إلى اشادة بناء تجسيم الأعمال وسرد الشواهد عليه والأدلة، وينبغي ان يكون مآل الخبرين الشريفين إلى جوهرة واحدة هي انّ الجرثومة الأولى التي ينشأ شخص الانسان منها بنشوئها ونموها ويرتقي صاعداً من الجمادية إلى اقصى ما قدّر له من الكمال في الانسانية التي قد تعلو على الملكية كالبذرة التي تغرس في الأرض الطيبة فتنمو وتتصاعد حتى تثمر تمراً جنياً فصارت بعد الموت حياة، وبعد الجمادية نامية، وبعد الشحوب خضرة يانعة ثم اذا فارقته الحياة وخرجت منه الروح تتلاشى لحمه ودمه بل وكلّ شيء منه ولا يبقى في القبر الا بذرته الأولى وجرثومته السابقة على بساطتها مستديرة على نفسها، وابسط الأشكال هو المستدير، ولكن علاقتها مع الروح وما استفادت بواسطتها من الملكات محفوظة في التراب الذي قبرت فيه مستكنة في باطنه فاذا شاء الله البعث ونشر الخلائق امطرت الأرض العناية بالنشور فتمور الأرض موراً، وتسير الجبال سيراً، وجاءت الراجفة تتبعها الرادفة، فتمخض الأرض مخض السقاء الذي يرج ويهز هزاً عنيفاً لأخراج ما يستكن منتشراً فيه من الزبد فتخلص تلك البذور البشرية من التراب، وتفاض عليها تلك الصور المحفوظة عند ارباب انواعها ومثلها العليا، فيخلق منها كما خلق اول مرة، وما الفرق بين الخلقتين الا بالجملة والتفريق، والدفعة والتدريج، وفي ظرف الزمان تارة، وفي وعاء الدهر أخرى، فتعود الصور بأذن المصوّر كهيئاتها وتلج الروح فيها فأذن قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً، وفي الكافي عن ابي بصير قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن ارواح المؤمنين فقال: في الجنة على صور ابدانهم لو رأيته لقلت فلان. وفي خبر آخر في الكافي ايضاً عنه (ع) الارواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنة تتعارف وتتساءل إلى آخر الحديث. وعنه (ع) ان ارواح المؤمنين في حجرات الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها، والأخبار الشريفة بهذه المضامين كثيرة ومعتبرة، ومنها اخبار (وادي السلام) وانهم أي الموتى يجلسون حلقاً حلقاً يتذاكرون ويعرفون من زارهم وتصلهم صدقة من تصدق عنهم واحسن اليهم، ومن اراد الاستقصاء فليطلبها من مظانها ويحسن طلباً للحسنى منه تعالى: ان نردف هذه الأخبار ببعض الأخبار الواردة في تجسيم الأعمال صراحة عسى ان تكون لنا ولإخواننا المؤمنين فيها عظة وعبرة ونصّاً، ففي الكافي بسنده إلى سويد بن غفلة(40) قال امير المؤمنين (ع): ان ابن آدم اذا كان في آخر يوم من ايام الدنيا واولّ يوم من الآخرة مثل له ماله وولده وعمله فيلتفت إلى ماله فيقول: والله اني كنت عليك حريصاً شحيحاً فمالى عندك؟ فيقول: خذ مني كفنك، قال: فيلتفت إلى ولده فيقول: والله اني كنت لكم محباً وعليكم محامياً فمالي عندكم؟ فيقولون: نؤديك إلى حفرتك فنواريك فيها، قال: فيلتفت إلى عمله فيقول: والله اني كنت فيك لزاهد وان كنت عليّ لثقيلاً فمالي عندك؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك حتى اعرض انا وانت على ربك فان كان لله وليّاً اتاه اطيب الناس ريحاً واحبهم منظراً واحسنهم رياشاً فيقول: ابشر بروح وريحان وجنة نعيم ومقدمك خير مقدم فيقول له: من انت؟ فيقول: انا عملك الصالح، ارتحل من الدنيا إلى الجنة وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يعجّله، ثم وصف (ع) مجيء الملكين في القبر وسؤالهما وقولهما له ثبتك الله فيما تحب وترضى، ثم يفسحان له في قبره مدّ بصره ويفتحان له باباً إلى الجنة ويقولون له: نم قرير العين نوم الشاب الناعم فان الله يقول: اصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً واحسن مقيلاً واذا كان لربه عدواً فانه يأتيه اقبح من خلق الله زياً وانتنه ريحاً فيقول: ابشر بنزل من حميم وتصلية جحيم وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يحبسوه، وفي خبر الصادق (ع) فيقول له: يا عبد الله من انت؟ فما رأيت شيئاً اقبح منك فيقول: انا عملك السيء الذي كنت تعمله ورأيك الخبيث إلى ان قال: ثم يفتحان له باباً إلى النار ويقولان له نم بشرّ حال ويسلط الله حيات الأرض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره اعاذنا الله من كل ذلك، وسلك بنا إلى رضوانه انجح المسال ومثل هذا الحديث المستفيض نقله عند الفريقين عن قيس بن عاصم قال: وفدت مع جماعة من بني تميم على النبي (ص) فقلت يا نبي الله عظنا موعظة ننتفع بها فانا قوم نغير أو (نعبر) في البرية فقال رسول الله: يا قيس ان مع العز ذلاً وان مع الحياة موتاً وان مع الدنيا آخرة وان لكل شيء رقيباً وعلى كل شيء حسيباً وان لكل اجل كتاباً وانه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وانت ميت فان كان كريماً اكرمك وان كان لئيماً اسلمك ثم لا يحشر الا معك ولا تحشر الا معه ولا تسأل الا عنه فلا تجعله الا صالحاً فانه ان اصلح أنست به وان فسد لا تستوحش الا منه وهو عملك. فقلت يا نبي الله احب ان يكون هذا الكلام في ابيات من الشعر تفتخر به على من يلينا من العرب وندخره فامر النبي من يأتيه بحسان فاستبان لي القول قبل مجيئه فقلت:

تخير خليطاً من فعالك انما
 

قرين الفتى في القبر ما كان يفعل

 

ولا بد بعد الموت من ان تعده

 

ليوم ينادى المرء فيه فيقبل

 

فان تكٌ مشغولاً بشيء فلا تكنج  

بغير الذي يرضى به الله تشغل
 

فلن يصحب الانسان من بعد موته

 

وفي قبره الا الذي كان يعمل

 

ثم ان الشيخ البهائي رضوان الله عليه ختم كتابه ((الأربعين)) بفائدة جليلة فقال: ((ختام)) ما ورد في بعض احاديث اصحابنا (M) من ان الأشباح التي تتعلق بها النفوس مادامت في عالم البرزخ ليست بأجسام وانهم يجلسون حلقاً حلقاً على صور اجسادهم العنصرية يتحدثون وتنعمون بالأكل والشرب وانهم ربما يكونون في الهواء بين الأرض والسماء يتعارفون في الجوّ ويتلاقون وامثال ذلك مما يدل على نفي الجسمية واثبات بعض لوازمها على ما هو منقول في الكافي وغيره عن امير المؤمنين والأئمة من اولاده (عليهم السلام) يعطي ان تلك الأشباح ليست في كثافة الماديات ولا في لطافة المجردات بل هي ذوات جهتين وواسطة بين العالمين وهذا يؤيد ما قاله طائفة من اساطين الحكماء من ان في الوجود عالماً مقدارياً غير العالم الحسي هو واسطة بين عالم المجردات وعالم الماديات ليس في تلك اللطافة ولا في هذه الكثافة فيه ما للأجسام والأعراض من الحركات والسكنات والأصوات والطعوم والروائح وغيرها ومثل قائمة بذواتها معلقة لا في مادة، وهو عالم عظيم الفسحة، وسكانه على طبقات متفاوتة في اللطافة والكثافة، وقبح الصورة وحسنها، ولا بد انها المثالية جميع الحواس الظاهرة والباطنة فيتنعمون ويتألمون باللذات والآلام النفسانية والجسمانية وقد نسب العلاّمة(41) في شرح حكمة الاشراق القول بوجود هذا العالم إلى الأنبياء والأولياء والمتألهين من الحكماء وهو وان لم يقم على وجوده شيء من البراهين العقلية لكنه قد تأيد بالظواهر النقلية وعرفه المتألهون بمجاهداتهم الذوقية وتحققوه بمشاهداتهم الكشفية وانت تعلم ان ارباب الأرصاد الروحانية اعلى قدراً وارفع شاناً من اصحاب الأرصاد الفلكية الجسمانية، فكما انك تصدق هؤلاء فيما يلقونه اليك من خفايا الهيئات الفلكية، فحقيق ان تصدق اولئك ايضاً فيما يتلونه عليك من خبايا العوالم الملكية انتهى وبهذا انتهى كتابه (قدس سره) وضاعف اجره.

وقد احسن بهذا البيان غاية الإحسان ولكن يؤسفني اشد الأسف ان يغيب عن سعة علمه وقوة فهمه البراهين والقواعد العقلية على الأجسام المثالية مع كثرتها ومتانتها: مثل قاعدة اللطف: وقاعدة امكان الأشرف، وامكان الأخس، وعدم الطفرة في الوجود، وعدم البخل في المبدأ الفياض، وغير ذلك من القواعد التي لا تحضرني كلها حالاً وانا اكتب على جري القلم من غير مراجعة ولا مطالعة ولا استعمال فكرة، ولله الحمد والمنة، ولو اردنا شرح هذه القواعد والبرهنة عليها وما يبتنى من المباحث والفروع على اساسها لأحتجنا إلى مؤلف مستقل ولكن بما ذكرناه من الاشارة كفاية لأهل الفهم والدراية وحيث اننا قد خرجنا لك من العهدة ومحضنا لك الزبدة واعطيناك من الحقائق اصحّها ومن البيضة محّها فلنختم هذا الجزء شاكرين لله عظيم ما تفضل به علينا من عظيم النعمة، ووفقنا له من جسيم الخدمة، سائلين منه عز شأنه ان يتقبل هذا العمل بأحسن القبول، ويفسح لنا بالأجل حتى نؤدي رسالتنا كاملة غير منقوصة، ان شاء الله تعالى ربنا عليك توكلنا واليك انبنا المصير واليك المصير.

وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين

وقع الفراغ منه على يد مؤلفه يوم (14) شهر رمضان المبارك (1371)هـ

ختامه مسك

جادت براعة شيخنا الأمام دام ظله اثناء طبع الكتاب بكتاب كريم ارسله الينا بمقتضى لطفه وكرمه العميم نحو المخلص الصميم ننشره هنا ليكون ختامه مسكاً.

بسمه تعالى شأنه

سيدي الشريف العلاّمة ادام الله ايامه:

اريد ان اكتب اليك هذه المرة بالعربية وانت العربي الصميم وابن سيد العرب والعجم. وردني كتابك مؤرخ (29) شوال يوم (14) ذي القعدة (1372)هـ ضمن ملازم (الفردوس) الستة وقد كنت بغاية التشويش لانقطاع كتبك اكثر من شهرين حتى راجعت ولدنا العزيز الشيخ (محيي الدين المامقاني) فراجعكم في هذا الشأن، وكل تشويشي كان خوفاً من انحراف صحتكم الغالية علينا وعلى كل عارف بسجاياكم العالية وقد كشف عنا كتابكم هذا غمامة سوداء مضافاً إلى مرضي الشديد الذي اصابني من اول شوال إلى اليوم وقد عجز اطباء النجف وكربلاء والكوفة عن رفعه واتفقوا على ضرورة السفر إلى مستشفى بغداد خوف الخطر على بقية رمق هذه الحياة المرة التي سأمتها وسأمتني(42).

( تلخ است مراعيش ولي مي جشمش )

وقد منعوني عن كل عمل حتى الكتابة والمطالعة واشغال الفكر وانى لي بذلك. واشكركم اجزل الشكر على اهتمامكم في طبع الكتاب ولا سيما على مبالغتكم في الصحة التي هي اهم ما يطلب وقد طالعت الملازم صفحة صفحة فلم اجد فيها سوى غلطتين بسيطتين الأولى صفحة: (و) اول السطر الثامن (النفسية) وصوابها (النفيسة) بتقديم الياء والثانية صفحة: (23) سطر (7) (القنوة) وصوابها (القنوت) كما نهما في الطبعة الأولى مرسومان على الصحة ولعل هناك ما زاغ عن بصري ولكنه على كل حال لكم الفضل والفخر بهذا العمل الشاق وقد احسنتم واحسن السيد الفاضل العالم النجيب السيد محمد حسين الطباطبائي حفظه الله واجركم على الله والله لا يضيع اجر المحسنين. وارجوا بتوفيقه تعالى ان يكون الباقي سالماً حتى في هذه الأغلاط الطفيفة وان كنت جد خبير بما في ذلك من الصعوبة ولكن الهمم العالية تنسف جبال المصاعب نسفاً.

وتقدم اليه اطال الله عمره اسنى سلامنا وتحياتنا ولا شك انه يقتبس من انوار معارفكم فيقدر شرف هذا العمل مهما كان شاقاً ومتعباً ولكنه هو الأثر الخالد والذكر الباقي إلى ابد الدهر مضافاً إلى الجر الجزيل والذكر الجميل وفقكم الله تعالى لاتمامه على احسن ما يرام وانتم بخير وعافية انشاء الله تعالى. ولا برحتم مؤيدين بدعاء المخلص:

                                                        محمد الحسين آل كاشف الغطاء

النجف الأشرف 15 ذي القعدة 1372هـ


(1) فيثاغورس ــ فيلسوف يوناني كان في القرن السادس قبل الميلاد، لم يعرف عن حياته الا القليل، وتعاليمه التي نقلت الينا موضع شك ولكن مما لا شك فيه انه كان يقول بتناسخ الأرواح وينسب اليه القول بأن نهاية الأشياء كلها العدد. انظر كتاب مبادئ الفلسفة ص263 ــ 264 ط 4 قاهرة.

(2) دييوجانس ــ (ديوزن) الكلبي من مشاهير العلماء في المئة الرابعة قبل الميلاد. وسمي بهذا الأسم خمسة من حكماء يونان. انظر كتاب (مطرح الأنظار في تراجم اطباء الأعصار وفلاسفة الأمصار) لفيلسوف الدولة ميرزه عبد الحسين خان التبريزي (رحمه الله) ج1 ص373 ــ 375 ط تبريز سنة (1334)هـ.

(3) رواه حفص بن غياث القاضي قال شهدت المسجد الحرام وابن ابي العوجاء يسأل ابا عبد الله (ع) عن قوله تعالى: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ما ذنب الغير؟ قال: ويحك هي هي وهي غيرها قال: فمثل لي ذلك شيئاً من امر الدنيا قال: نعم ارأيت لو ان رجلاً اخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها فهي هي وهي غيرها. انظر الحديث في تفسير (البرهان) للعلامة السيد هاشم البحراني  وقد نقله بتغيير في بعض الفاظ الحديث عن كتاب (المجالس) للشيخ الطوسي و(الأحتجاج) للطبرسي وغيرهما انظر (البرهان) ج1 ص233 ط طهران.

(6) سورة الممعارج آية: 3ص ــ 39.

(7) المعروف في الألسن والمشهور في الكتب ان هذه الكلمة النيرة صادرة عن صاحب الرسالة المقدسة (ص) ولكن نقل العلامة الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري في كتابه ( باب الفتوح لمعرفة احوال الروح) صص ط1 مصر= =سنة (1304)هـ عن القاضي الخفاجي انه قال: عند استشهاد القاضي البيضاوي في كلامه بقوله (ع): من عرف نفسه فقد عرف ربه. انه (ليس بحديث بل هو من كلام ابي بكر الرازي كما ذكره الحفاظ وبعض الجهلة يظنه حديثاً كما يقع في بعض الموضوعات) وقال العلامة السيد عبد الله شبر  في كتابه مصابيح النوار ص204 ج1 ط بغداد (الحديث الثلاثون ما رويناه عن جملة من علمائنا الأعلام وفضلائنا الكرام، واشتهر بين الخاص والعام من قول النبي (ص): من عرف نفسه فقد عرف ربه) ومما هو جدير بالذكر ان هذه الكلمة لم يذكرها القاضي القضاعي في كتابه (الشهاب) من كلمات رسول الله (ص) بل هذه الكلمة المباركة هي الكلمة السابعة من مائة كلمة التي اخرجها واختارها كبير ائمة الأدب ابو عثمان الجاحظ من كلام امير المؤمنين(ع) قال الجاحظ: (ان لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب مائة كلمة كل كلمة منها تفي بألف كلمة من محاسن كلام العرب) انظر مستدرك (نهج البلاغة) للعلامة الكبير الشيخ هادي آل كاشف الغطاء  ص47 ط نجف وانظر ايضاً إلى هذه الكلمة الشريفة ص90 من ذلك الكتاب فظهر مما ذكرنا ان نسبتها إلى الرازي كذب محض وحديث خرافة اصلاً واساساً.

(8) اشارة إلى الحديث الشريف عن الأمام الصادق (ع) قال: قال الله تعالى: ما تقرب اليّ عبدي المؤمن بمثل اداء الفرائض وانه ليتنفل لي حتى احبه الخ، انظر إلى كتب الحاديث للأمامية تجد الحديث بأختلاف في بعض الفاظه ورواه الشيخ الثقة الجليل الحسين بن سعيد الأهوازي (رحمه الله) صاحب التصانيف الكثيرة وبكثرة كتبه يضرب المثل وهو من اصحاب الأمام علي بن موسى الرضا والجواد والهادي (ع) ــ في كتابه (المؤمن) ــ المخطوط ــ عن ابي جعفر وابي عبد الله (ع).

(9) وقولنا المتحرك شخصيتك وهويتك اشارة إلى الحركة الجوهرية التي شيد اركانها وانار برهانها الحكيم الألهي استاذ الحكماء المتألهين (الملا صدرا)  وتبعه من بعده وهي مبينة على ان تبدل الصفات والأعراض يستلزم تبدل الذات والا كان العرض مستقلاً عن معروضه.وهو باطل قطعاً وعلى ذلك يبتنى برهان حدوث العالم متغير وكل متغير حادث فلو كان تغير الصفات لا يستلزم تغير الذات لم يتم هذا البرهان كما هو ظاهر، وعليه فلا ريب ان كل شخص يتحرك في اعراضه واوصافه فهو اذاً متحرك بجوهره وذاته ولكن على نحو الإتصال وكل مرتبة لاحقة واجدة لما قبلها من المراتب حتى تصل إلى غايتها صاعدة وراجعة فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون.

(10) قد تكررت في عبارات هذا السفر الجليل كما في عبائر كثير من الحكماء والعرفاء خاصة في كتب صدر المتألهين  التعبير عن اول ما خلق الله تعالى تارة ((بالنفس الرحماني)) وأخرى ((بالحق المخلوق به)) وثالثة ((بالرحمة التي وسعت كل شيء)) اما الأول فالمشهور انه بفتح الفاء. والنفس عبارة عن الهواء الذي يدخل الفم والأنف حال التنفس في الرئتين ويخرج منهما إلى الخارج. وهذا الهواء النقي ضروري لأستمرار حياة الأنسان الحي بل لكل حي ذي الرئة باصلاح الدم الفاسد بواسطة الرئتين في حركتي الشهيق والزفير واحالته إلى دم احمر شرياني بعد ان كان اسود وريدياً.

وهذا الهواء الداخل والخارج باعتماده على المخارج يصير حروفاً مختلفة بالنوع. وذلك الهواء بمنزلة الوجود وانبساطه والمخارج بمنزلة الماهيات الممكنة والحروف المختلفة بمنزلة مراتب الماهيات المختلفة المتكثرة والنفس بمنزلة حقيقة الوجود الصرف والبحث البسيط وغيب الغيوب ولذا قال بعض الكابر من اساتذة الحكمة والعرفان في مقام التمثيل: ( النفس الرحماني كالنفس الأنساني ونسبة الماهيات الممكنة إلى النفس الرحماني كنسبة الحروف والكلمات إلى النفس الأنساني فكما ان الحروف والكلمات عين النفس الأنساني في الخارج ومتحدة معه ومتحصلة به فكذلك الماهيات عين النفس الرحماني ومتحدة معه ومتحصلة به) قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً. والغرض من هذه الكلمات اثبات المثال له تعالى لا اثبات المثل له فانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير كما في التنزيل المجيد.

واحتمل بعض اساتذتنا دام بقاه ان التعبير بالنفس الرحماني لعله اقتباس من قوله تعالى: والصبح اذا تنفس حيث انه شبهوا هذا النور اعني نور الوجود المنبسط على هياكل الممكنات بتنفس الصبح واشراق نور الشمس وانبساطه كما اشرق ذلك النور على الماهيات واخذ كل واحد منها من هذا النور بقدرها [أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا].

واما الثاني اعني التعبير بالحق المخلوق به فأنهم قالوا ان المراد بالحق ههنا هو الثابت ولما كان هذا الوجود ثابتاً بذاته فلذا اطلق عليه الحق وكونه مخلوقاً به لكون الماهيات موجودة به.

وأما الثالث فهو اقتباس من قوله تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء. لأن المراد من الرحمة هو الخير والفيض الفائض من الفياض والأنعطاف والأحسان منه ولما كان الفيض المنبسط خيراً بل هو الخير الفائض وشاملاً لجميع الموجودات عبر عنه بها كما صرح به بعضهم. واما الأختلاف في التعبير فانما هو بحسب الأصطلاحات كما اشار به شيخنا الأمام دام ظله فيما سبق من كلامه الشريف انظر صفحة 206.

(12) سورة البقرة آية: 2ص1.

(17) طبع هذا الكتاب القيم في جزئين وبرز إلى عالم الوجود بالطبع الجيد النفيس وعم نفعه العالم السلامي سنة 1330هـ في بلدة صيدا ــ لبنان في مطبعة (العرفان) للشيخ العلامة المجاهد الشيخ احمد عارف الزين شيخ العلم والأدب مدير مجلة (العرفان) الغراء وكم لهذا الرجل الفذ امثال هذه الخدمات الجليلة التي اداها إلى المجتمع الديني والعالم المذهبي نسأل الله تعالى دوام توفيقه وتأييده.

(21) (الزنديق) كلمة فارسية معربة قال ثعلب: ليس زنديق ولا فرزين من كلام العرب ثم قال: ويلي البياذقة وهم الرجالة (يريدان الفرزين في الشطرنج يلي البياذقة والفرزين هو الملك في اصطلاح الشطرنج) وليس في كلام العرب زنديق وانما تقول العرب: رجل زندق وزندقي: اذا كان شديد البخل واذا ارادت العرب معنى ما تقوله العامة قالوا ملحد ودهري فاذا ارادوا معنى السن قالوا دهري (بالضم للفرق بينهما) وقال سيبوبه: الهاء في زنادقة وفرازنة عوض عن الياء في زنديق وفرزين قال ابي دريد: قال ابو حاتم الزنديق فارسي معرب كأن اصله عنده زنده كرد زنده: الحياة وكرد: العمل. أي: يقول بدوام الدهر قال ابو بكر: قالوا: رجل زندقي وزندقي(يعني بفتح الزاء وكسرها) وليس من كلام العرب وفي المعيار: وهو بالفارسية (زند كيش) انظر تفصيل ذلك في كتاب (المعرب) للجواليقي وهامشه ص166 ــ 167 ط مصر.

 وقيل هو معرب زندي اي متدين بكتاب يقال له (زند) ادّعى المجوس انه كتاب زرادشت ثم استعمل     في العرف لمبطن الكفر وهم اصحاب مزدك الذي ظهر في ايام قباذ بن فيروز وقيل انه معرب (زن دين) أي دين المرأة انظر محيط المحيط صصص9 ج 1 ط بيروت للمعلم بطرس البستاني المتوفي سنة (1301)هـ.

وقال شيخنا الامام (دام ظله) في (الآيات البينات) ص2 ــ 15 ط نجف عند بيان انواع الالحاد وضروب الزندقة (لا تحسب ان الزندقة مذهب من المذاهب أو دين من الاديان كلا بل هي ذلك الالحاد البحت والكفر المحض سوى ان لفظه الالحاد عربية صراح والزندقة فارسية معربة) ثم شرع (دام ظله العالي) ــ لبيان ان دخول هذا اللفظ في لسان المسلمين كان على الظن الغالب في اواخر القرن الاول وايضاً شرع لبيان تطورات الالحاد على مر القرون ومناقضته مع الاديان وتشكله باشكال مختلفة حتى وصل إلى البابية والبهائية ((احسن ما الف في تأريخ هذه الفرقة الضالة هو كتاب (مفتاح باب الابواب) المطبوع في مطبعة المنار بمصر سنة(1321)هـألفه المؤرخ المحقق زعيم الدولة رئيس الحكماء الدكتور ميرزه محمد مهدي خان التبريزي نزيل مصر(القاهرة) المتوفي في الرابع من شهر محرم سنة(1333)هـ وهو من انفس الآثار الخالدة واصح الكتب التأريخية واتقنها في تأخريخهم وسرد خرافاتهم وكونهم من ولائد السياسة الغاشمة بالتحقيق والتنقيب والتحليل الصحيح وكفتنا مؤنة التعريف بهذا الكتاب والأعتماد على ما جادت به براعة مؤلفه اطراء شيخنا الأمام دام ظله عليه وعلى مؤلفه المرحوم طاب ثراه في كتابه (الآيات البينات) ص15 ــ 16 ط نجف.))، الذين هم من اركان الألحاد والزندقة وذكر السيد المرتضى علم الهدى  ايضاً شطراً وافراً من احوال الزنادقة في الأسلام في كتاب اماليه انظر صصص ــ 102 ج1 ط مصر.

(33) فاستمع هنا ايها القاريء العزيز ــ لقضية نقلها العلّامة القاضي سعيد القمي  المتوفي سنة (1103)هـ في رسالة الطلائع والبوارق الملكوتية في تحقيق ان لكل حقيقة من الحقائق الامكانية صورة وان احسنها الصورة الانسانية وهي الرسالة العاشرة من رسائل كتابه (الاربعينيات) ــ المخطوط.

قال : (قد وصل الينا ممن يوثق به عن استاذ اساتيذنا بهاء الملة والدين العاملي عامله الله بلطفه الخفي والجلي انه ذهب يوماً إلى زيارة بعض ارباب الحال وهو يأوي إلى مقبرة من مقابر اصفهان فلما جلس عنده ذكر ذلك العارف للشيخ الاستاذ انه رأى قبل ذلك اليوم امراً غريباً في تلك المقبرة قال: رأيت جماعة جاؤا بجنازة إلى هذه المقبرة ودفنوا ميتهم بموضع كذا ورجعوا فلما مضت ساعة شممت رائحة طيبة لم يكن من روائح هذه النشأة فتحيرت من ذلك ونظرت متفحصاً يمنة ويسرة لا علم من اين جاءت تلك الرائحة الطيبة فاذا شاب حسن الهيئة جميل الوجه في زي الملوك يمشي نحو ذلك القبر إلى ان وصل اليه ــ خلف فصيل كان هناك ــ فتعجبت كثيراً فلما جلس عند القبر فقدته وكأنه نزل إلى القبر ثم لم يمض من ذلك زمان اذ فاجأتني رائحة خبيثة اخبث ما يكون فنظرت فاذا كلب يمشي على اثر الشاب إلى ان وصل إلى القبر واستتر هناك فبقيت متعجباً اذ خرج الشاب الذي جاء اولاً وهو رث الهيئة مجروح الجثة فأخذ في الطريق الذي جاء منه فتبعته والتمست منه حقيقة الحال فقال: اني كنت مأموراً بأن اصحب هذا الميت في قبره لأني كنت عمله الصالح وقد جاء هذا الكلب الذي رأيته وانه عمل غير صالح فاردت ان اخرجه من قبره وفاء لحق الصحبة واداء لدين الاخوة فنهشني وجرحني ودفعني وصيرني إلى ما ترى فلم املك الوقوف هناك فخرجت وتركته يصحبه هو فلما اتى العارف المكاشف بتمام القصة قال شيخنا : صدقت فيما قلت وحقاً قلت فنحن قائلون بتجسم الاعمال وتصورها بالصور المناسبة بحسب الاحوال وصدقه البرهان والدليل وأذعنه كشف ارباب الحال وابناء هذا السبيل) نقلنا القصة من نسخة منقولة عن خط القاضي سعيد (رحمه الله) نسأل الله تعالى ان يوفقنا للاعمال الصالحة بحق النبي (ص) وعترته الطاهرة (E).

(34) (النسخ): في اصطلاح الحكماء والمتكلمين عبارة عن انتقال النفس الناطقة الانسانية بعد الموت من بدن انساني إلى بدن انساني آخر، و(المسخ): انتقال النفس من بدن الانسان إلى بدن حيوان آخر غير الانسان و(الفسخ): انتقال النفس من بدن الانسان إلى جسم نباتي، و(الرسخ): انتقال النفس الانسانية إلى جسم معدني، وأخس هذه المراتب الأربعة هو المرتبة الرابعة كما ان اخس مرتبة النفس هو المرتبة الجمادية المسلوبة عنها جميع الكمالات الحسية والعقلية فان للنفس مراتب وهي متدرجة في الكمال والنقص والشدة والضعف واكمل تلك المراتب مرتبة النفس الناطقة الانسانية التي هي الجوهر النفيس الرباني ثم النفس الحيوانية التي ليس لها قابلية الترقي والتقدم في الفضائل والكمالات سوى ادراك المحسوسات والشهوات البدنية ثم النفس النباتية الفاقدة لمرتبة الإحساس والإدراك وليس لها سوى قوة التغذية والتنمية ثم مرتبة الجمادية التي عرفت انها اخس المراتب واسفلها والأنسان جامع لجميع تلك المراتب وخواصها موجودة فيه ولذا تظهر آثارها منه قال تعالى: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] سورة الأسراء آية: 70.

(40) غفلة بالغين المعجمّة والفاء وقد صرّح به جمع من علماء الرجال وضبطه ابن داود  بالعين المهملة والفاء المفتوحتين ولكن لم نجد له في هذا الضبط مواقفاً إلى اليوم من الفريقين.

وسويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر الجعفي العراقي مخضرم من كبار التابعين قاله ابن حجر وقال سيد الحكماء السيد الداماد : (انه من اولياء امير المؤمنين (ع) وخلص اصحابه ومن اصحاب ابي محمد الحسن (ع)) وعده من علماء اهل السنة من اصحاب رسول الله (ص) وعده شيخ الطائفة (الطوسي) من اصحاب امير المؤمنين (ع) والحسن (ع) ولد بعام الفيل أو بعده بعامين وقدم المدينة يوم دفن رسول الله (ص) وكان مسلماً في حياته ثم نزل الكوفة وشهد مع امير المؤمنين (ع) صفين ومات في زمن الحجاج وله مائة وثلاثون سنة وفي مدة عمره خلاف بينهم وقال الذهبي انه: (كان ثقة نبيلاً عابداً زاهداً قانعاً باليسير كبير الشأن (رحمه الله) يكنى= =ابا امية) وهو راوي الخطبة الموجزة لسيدتنا وجدتنا الصديقة الطاهرة (ع). تلك الخطبة البليغة والكلمات النيرة التي صدعت فيها بالحقائق الراهنة والحجج البالغة وافصحت بالمصائب الواردة والنوائب النازلة عليها وعلى زوجها بعد ابيها صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما الطاهرين.

(41) قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي الكازروني الشافعي الملقب عند العامة بـ(العلاّمة) تلميذ الأمام الخواجة نصير الدين الطوسي  له مؤلفات كثيرة شهيرة كان مولده بشيراز واستوطن بتبريز وتوفى بها سنة (710)هـ ودفن بقرب القاضي البيضاوي.

(42) اسفنا جداً لانحراف صحة الأمام مرجع الشيعة المرجع الكبر وذلك لكثرة مشاغله وكثرة ما يرد عليه من الكتب والفتاوي التي يجيب عنها كلها فقرر الأطباء عليه الزاماً باتاً بالكف عن كل عمل وكل حركة ولا سيما الأعمال الفكرية حتى عن تحرير المكاتيب العادية البس الله امامنا ثوب العافية والصحة الضافية ليعود إلى النجف (الجامعة الكبرى) ويقر عين الأمة جمعاء

من قال آمين ابقى الله مهجته

 

فان ذاك دعاء يشمل البشرا

 


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
مجری سایت : شرکت سیگما