الدور الريادي للشهيد الأول في تدوين القواعد الفقهية
 
الدور الريادي
للشهيد الأول في تدوين القواعد الفقهية
في المدرسة الفقهية الإمامية
 
 
السيد منذر الحكيم
 
 
خلاصة المقالة
 
كان يتّسع ويزداد الاهتمام بالتقعيد الفقهي وضبط وحصر القواعد التي على أساسها يتم الاستنباط للأحكام الشرعية من مصادرها المقرّرة لها بمستوى التطوّر العلمي الذي كان يحظى به فقه أهل البيت ‏عليهم السلام من خلال فقهاء مدرستهم .
و كانت هذه القواعد الفقهية تستلفت أنظار الفقهاء، كما أن منهج الاستنباط كان هو الاهتمام الآخر الذي يستلفت نظر جملة اُخرى من الفقهاء الحريصين على تقنين وتعليم عملية الاستنباط للمتفقهين .
ولو استعرضنا تطورات حركة التأليف الفقهي الإمامي للاحظنا أن " الشهيد الأول محمّد بن مكّي العاملي " هو أوّل من أفرد مجموعة من القواعد الفقهية في كتاب مستقل أسماه ب" القواعد والفوائد ".
و نهتمّ في هذا المجال بتبيين كيفية تطور القواعد الفقهية بداية من الشهيد الأول و تأثيره في تدوين هذه القواعد و تبيين الخطوط العريضة في كتابه المنهجي " القواعد و الفوائد " و التركيز التوجه إلى القواعد الفقهية ذات المستند القرآني، و نقوم بإرائة المنهج المقترح لدراسة القواعد الفقهية بشكل منهجي على أساس حركة الشهيد الأول في القواعد و الفوائد .
 
 
المقدمة
 إذا تجاوزنا التأسيس القرآني والنبوي للتقنين الإسلامي المرتكز على مجموعة من الاُصول والقواعد العامة لترشيد سلوك وأوضاع المسلمين - أفراداً ومجتمعاً - نصل الى التراث الفقهي لأهل بيت الرسول ‏صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة التي اعتبرها النبي (ص) عِدلاً للكتاب ومفسّراً لمقاصده وآياته وأحكامه وحدوده كما هو مضان حديث الشيعة . ونلاحظ في هذا التراث الثّر تطبيقاً واسعاً للقواعد الفقهية في مختلف الأبواب والمجالات التي تناولها فقه أهل البيت‏عليهم السلام . وبمستوى التطوّر العلمي الذي كان يحظى به فقه أهل البيت‏عليهم السلام من خلال فقهاء مدرستهم كان يتّسع ويزداد الاهتمام بالتقعيد الفقهي وضبط وحصر القواعد التي على أساسها كان يتم الاستنباط للأحكام الشرعية من مصادرها المقرّرة لها .
ومن هنا نلاحظ تتأثر القواعد الاُصولية والفقهية في ثنايا الكتب الفقهية التي كان يقوم بتدوينها الفقهاء ويتناولها الباحثون والمتفقّهون بالدرس والتحقيق .
ومن ثمّ أخذت عملية الاستنباط الفقهي تتطلب بالتدريج اهتماماً أوسع ودقة أبلغ ليتم تقنين الاستنباط ضمن حدود وضوابط مقبولة ويمكن الاستناد إليها والاحتجاج بها .
والقواعد الفقهية - أيضاً كالقواعد الأصولية - أصبحت فيما بعد - تستلفت أنظار الفقهاء، كما كان منهج الاستنباط هو الاهتمام الآخر الذي كان يستلفت نظر جملة اُخرى من الفقهاء الحريصين على تقنين وتعليم عملية الاستنباط للمتفقهين .
ولهذا نلاحظ تأخر عملية التدوين المستقل للقواعد الفقهية عن تدوين القواعد الاُصولية إذ كان النشاط الفقهي آخذاً بالتفرّع والاتّساع والنموّ باتجاه تطوير المعالجة الفقهية للقضايا بدءًً من النظرة التجزيئية الى النظرة الشمولية، ومن الانهماك بالمصاديق الى استخلاص القواعد العامة التي يمكن تطبيقها في كل الظروف والأحوال .
وعلى هذا التأسيس نقول : اذا استعرضنا تطورات حركة التأليف الفقهي الإمامي نلاحظ " الشهيد الأول محمّد بن مكّي العاملي[1] " أنه أوّل من أفرد مجموعة من القواعد الفقهية في كتاب مستقل أسماه ب" القواعد والفوائد " ويشهد لهذه الدعوى أنه قد وصفه في اجازته المعروفة لابن الخازن :
" بانّه مختصر يشتمل على ضوابط كلية اُصولية وفرعية تستنبط منها الأحكام الشرعيه، لم يعمل للأصحاب مثله "[2].
و وصفه تلميذه " المقداد السيوري[3] " قائلاً :
" وكان شيخنا الشهيد قدس الله سره قد جمع كتابا يشتمل على قواعد وفوائد في الفقه تأنيسا للطلبة بكيفية استخراج المعقول من المنقول وتدريبا لهم في اقتناص الفروع من الأصول ، لكنه غير مرتب ترتيبا يحصله كل طالب وينتهز فرصة كل راغب ، فصرفت عنان العزم إلى ترتيبه وتهذيبه وتقريبه ، وسميته " نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية "[4].
فالشهيد الأول حسب نصّه هو : هو أوّل من اقتحم هذا الميدان من أصحابنا الإمامية، وتلميذه الفاضل المقداد هو أول من رتّب هذه القواعد ترتيباً قدّم فيه القواعد العامة لكل الأبواب الفقهية على القواعد الخاصة بكل باب فقهيّ، مقدّماً فيها أبواب العبادات على سائر الأقسام الفقهية .
وليس معنى ذلك أن هذه القواعد لم يذكرها الفقهاء في مصنفاتهم، بل إنها قواعد وردت في نصوص الكتاب العزيز والسنّة الشريفة، كما وردت في طيّات بحوث الفقهاء .
ولكن تطوّر حركة التدوين الفقهي وتطوّر اتجاهات الفقهاء في كيفية التأليف لتحقيق مقاصد يبتغيها الفقهاء ومنها اسعاف المتعلّم والمتفقّه بالقواعد المحدودة التي تعينه على استنباط ما لا حصر له من الأحكام للوقائع المستجدة في الحياة ... دعت الفقهاء الى أن يشعروا بضرورة الاهتمام بالقواعد بشكل مستقل بعد أن كان الفقهاء يعتمدون على القواعد الاُصولية ويجدون فراغاً هائلاً في ميدان القواعد الفقهية المتناثرة بين كتب الاُصول وكتب الفقه معاً، فإنّ الفقيه إذا لم يزوّد نفسه بالقواعد الفقهية فإنه سوف يجد نفسه عاجزاً أمام المستجدّات وغير قادر على الاجابة عن الاسئلة المتعلقة بالحكم المقرر لها شرعاً بعد الإيمان بأن لكل واقعة في الحياة حكماً شرعيّاً خاصاً بها .[5]
وإنّما نعتبر عصر الشهيد الأول (786ق) بداية عصر الاهتمام بالقواعد الفقهية المدوّنة بشكل مستقل تقريباً؛ لأن التصنيف في مجال القواعد الفقهية بشكل مستقل عن الكتب الفقهية المتداولة قد بدأ في عصر هذا الشهيد وتمثل ذلك في كتابه الذي سمّاه ب" القواعد والفوائد " وقد طبع فى جزئين بتحقيق فضيله العلّامة الشهيد الدكتور السيد عبدالهادي الحكيم‏ (رحمه الله) .
ذكر البعض أن كتاب " قواعد الأحكام " للعلامة قد سبق الشهيد . ولكن بمراجعته و مراجعة " القواعد و الفوائد " يعلم أن مصطلح " القواعد " قد استخدم العلامة في معنى لا يتجاوز النظام الفقهي الموروث عند المحقق و من سبقه أو لحقه، بينما الشهيد قد الستخدم القواعد في المعنى الذى نقصده اليوم، فيكون الشهيد هو السابق في هذا المضمار . و لا ننكر وجود محاولات جزئية محدودة في هذا المجال و لكنها لا تصل إلى مستوى عمل الشهيد فالأشباه و النظائر هي محاولات تمهيدية للوصول إلى مستوى التقعيد الذي طرحه الشهيد .
 
جذور وخلفيات النشاط الفقهي التقعيدي‏
ان الفقه الإسلامي يعبّر عن التشريع والتقنين على اُسس إلهية عبر النصوص التي اُوحيت إلى الرسول الأعظم‏صلى الله عليه وآله واجتمعت في ما عرف بالقرآن الكريم، والسنّة الشريفة. وهي بحاجة الى تفقّه وتفهم واستظهار واستجلاء وتطبيق على الموضوعات المستجدّة خلال العصور والأيام المتتالية .
وللشريعة منهج خاص ومتميّز، قد تناثرت النصوص الدالّة عليه بين آيات الكتاب والمصادر الناقلة للسنّة وقد تخصّص في تعليمه للآخرين والتربية عليه أهل بيت الوحي والرسالة صلوات اللَّه عليهم أجمعين [6].
وبسبب الانفلات الذي حصل من قبل بعض المسلمين في عصر الرسول‏ صلى الله عليه وآله فى مجال فهم النصوص وتفسيرها، نرى نصوصاً نبوية تدين ظاهرة تفسير القرآن بالرأي، وهي تحاول ضبط عملية الفهم والتفقه ضمن اصول تقنّن الفهم وتجعله قابلاً للدرس والتعليم .
وظاهره الانفلات هذه قد استمرّت - كما هي سنّة الحياة حين لا يلتزم بالحدود والقوانين المقررة كل من ينتمي الى الشريعة التزاماً دقيقاً - حتى تمخّضت عن ظاهرة الانفلات هذه ظاهرةُ تجاوز نصوص الرسول‏ صلى الله عليه وآله فى ما يرتبط بتدوين السنة النبوية أمام الرسول نفسه[7]، وهكذا ظاهرة تجاوز نصوص الرسول‏ صلى الله عليه وآله فيما يرتبط بالخلافة بشكل خاص متعدد و شديد، ثم استفحلت هذه الظاهرة حتى أصبح للرأي تيّار عام بين النخب و العلماء وبرزت الى جانبه ظاهرتا القياس والاستحسان .
ووقف اهل بيت الرسالة بعد الرسول ‏صلى الله عليه وآله أمام هذه التطرفات والانحرافات المنهجية وواجهوا تبعاتها ونتائجها بكل حزم وجدّ، وظهرت الى الساحة مدرسة النص أو التعبد بالنصوص الاسلامية، واصبح الاستظهار والفهم خاضعاً لقواعد واُسس لا تنتهي بالتفقه في الدين الى الرأي والقياس والاستحسان، في الوقت الذي لا ينبغي أن يسيطر الجمود على النصوص مادامت الشريعة خالدة وفاعلة على مدى الحياة .
ومن هنا كان المنهج في مدرسة أهل البيت ‏عليهم السلام بين تطرّفين : التطرّف في العقلنة الذي يصبّ في اتجاه الرأي والقياس والاستحسان، والتطرف في الجمود على النصوص وعدم التفاعل مع مستجدات الحياة .
وما التعبير المعروف في نصوص أهل البيت‏عليهم السلام بأن القرآن " يجري كما تجري الشمس والقمر "[8]، إلّا واحد من نماذج كثيرة تدين الجمود على النصوص في مدرسة أهل البيت‏عليهم السلام.
ومن هنا ولد علم اُصول الفقه في أحضان عمليات الاستنباط الفقهي الملتزم بالمنهج المقبول لدى المشرّع والذي ظهر من خلال نصوص الوحي كتاباً وسنّة ومن خلال سلوك أهل البيت‏ عليهم السلام وسيرتهم .
وفضلاً عن القواعد الاُصولية التى تبلورت بالتدريج في كتب علم الاُصول[9] قد تبلوت القواعد الفقهية التي وردت جملة منها بشكل صريح في القرآن الكريم[10]، وجملة اُخرى في نصوص السنّة الشريفة[11]، وجملة ثالثة منها قد تناثرت في المصاديق والمفردات التي هي بحاجة الى استخلاص واقتناص القاعدة العامة منها بمنهج استقرائي سليم .
غير أن ظاهرة تقنين الفهم والتفقه في الدين قد واجهت في طريقها عقبات وإشكاليات في ميدان الممارسة، وتنوّع الدارسون في ميلهم الى الجمود على النصوص او التحرر من النصوص باستجلاء الدلالات اعتماداً على كبريات العقل او الكبريات المستندة الى العقل والنقل .
ومن هنا نلاحظ نموّ اتجاهين متعاكسين في داخل المدرسة الإمامية، بل في خارج هذه المدرسة أيضاًمما يشير الى وجود اتجاه متحفظ واتجاه آخر متحرر دائماً وأبداً، ويقارنهما اتجاه متوسط يجمع بين التحفّظ والتحرّر وذلك حين يقنن عملية الفهم والاستظهار فيعطي للتعقل مجاله وللتعبّد مجاله الخاص به.
وهكذا سار المفيد ومن تبعه في هذا الاتجاه المتوسط، وتكاملت ظاهرة التفقه وتكامل التقنين عبر مراحل حتى انتهت المرحلة الى ظهور مدرسة الوحيد البهبهاني الاُصولية وذلك على انقاض المدرسة الإخبارية الغابرة .
ولئن كان الوحيد البهبهاني ‏قدس سره قد أولى اهتمامه الخاص بتزييف شبهات الإخباريين لانتشال علم الاُصول ممّا تعرّض له من محاولات الإدانة والتسقيط وذلك بما قدمه من تأسيس في فوائده الحائرية، فاننا نجد تلامذته الكبار - مثل المحقق الميرزا القمي (1232ق) والشيخ جعفر كاشف الغطاء (1228ق) والسيد مهدي بحر العلوم (1212ق) والميرزا مهدي الشهرستاني (1216ق) والسيد علي الكربلائي (1231ق) حاولوا بجدّ لتسليح الفقيه بما يسعفه من القواعد الاُصولية والفقهية معاً .
ويمثّل كتاب كشف الغطاء حركة الفقه الإمامي باتجاه اخضاع الفقه للقواعد حيث قدّم القواعد الاُصولية على القواعد المشتركة بين الأبواب الفقهية جميعاً ثم أتبعها بالقواعد العامة المشتركة بين كل أبواب الفقه ثم قواعد كل باب .
ولعلّ تسمية " القوانين المحكمة " للمحقق القمي هي تعبير واضح عن هذه النزعة وهذا الاتجاه القواعدي التقنيني .
واستمرت هذه الحركة بعد الشيخ جعفر كاشف الغطاء (1228ق) الكبير تلميذ البهبهاني وتلامذته، والنراقي الأول (محمد مهدي بن أبي ‏ذر 1209ق) وهو تلميذ الوحيد البهبهاني وزميل الشيخ جعفر الكبير (كاشف الغطاء) في الدراسة عند الوحيد البهبهاني وهو استاذ ابنه الشيخ أحمد النراقي (1245ق) وقد ترك له ولنا تراثاً اُصولياً وفقهياً غنياً [12].
وفي هذا الوسط العلمي والتيار الفقهي انطلق الشيخ أحمد النراقي وكتب كتابه المشهور والمعروف به " عوائد الأيام " والذي قال عنه :
" هذا ما استطرفته من " عوائد الأيام " من مهمات أدلة الأحكام ، وكليات مسائل الحلال والحرام وما يتعلق بهذا المرام " [13].
والسيد مير عبدالفتاح الحسيني المراغي (المتوفى سنة 1250ق- 1266ق) هو الفقيه الآخر الذي يعدّ معاصراً للنراقي الملا أحمد صاحب المستند والعوائد . وقد كتب كتابه " العناوين " في خصوص القواعد الفقهية والتي اعتبرها البعض أنها حصيلة دراسته لدى الشيخ موسى كاشف الغطاء والشيخ علي كاشف الغطاء لاتجاههما هذه الوجهة واعتمادهما هذا المنهج .
ان هذه العقود الخمسة التي بدأت بالوحيد البهبهاني (1208ق) وانتهت بالمراغي (1250ق) تعدّ عصر ازدهار هذا الاتجاه الفقهي نحو تدوين متكامل للقواعد الفقهية الى جانب التأليف المركّز في حقل القواعد الاُصولية، وذلك لكثرة التصنيف المستقل في مجال قواعد الفقه أوّلاً .
ولتنوّع المناهج في معالجة هذه القواعد ثانياً، كما تشير الى ذلك فهارس هذه التصنيفات، بل تفصح عنها طبيعه البحوث المدوّنة في هذه الفترة .
ولا نغفل عن أن أهمّ ما لدينا من تراث فقهي حول القواعد الفقهية إنّما يعود الى هذه العقود الخمسة .
واستمرت حركة التطوير هذه في مجال القواعد الفقهية فيما بعد ولكن بشكل محدود حتّى نجد المتأخرين عن هذه الفترة عالة على من ذكرناهم في هذه العقود الخمسة .
وربما نستطيع أن نعتبر هذه الفتره التي ازدهرت فيها حركة البحث والتأليف عن القواعد الفقهيه منطلقاً الى نشوء وازدهار البحث عن النظريات الفقهيه التي مهّدت الطرق للبحث عن النظم الفقهية قبل استقرار الدولة الاسلامية الحديثة بعقود .
 
المراحل العامّة لحركة الفقه الإسلامي‏
وهكذا نجد ترابطاً وثيقاً بين مراحل الحركة الفقهية بدءاً ب :
1- " فقه النصوص " والمسائل الخاصة الفقهية التي انتظمت في أبواب فقهية معينة .
2- ثم دونت القواعد الأصولية في كتب مستقلة .
3- ثم طوّرت الحركة باتجاه " تقعيد القواعد " وكشفها وتدوينها بشكل مستقل .
4- ثم بلغت مرحلة البحث عن " النظريات الفقهية ".
5- ثم انتهت الى البحث عن " النظم الفقهية " للمجتمع الاسلامي، فقد اصبح كتاب " اقتصادنا " نموذجاً بارعاً في مجال بلورة النظرية الاقتصادية ثم بلورة النظام الاقتصادي الاسلامي والذي تجلّت نتائجه في ما أسماه الشهيد الصدر بسلسلة " الاسلام يقود الحياة " بعد عدّة عقود من انتاج وتدوين " اقتصادنا " حيث تضمن هذا الكتاب الأخير رغم صغر حجمه صورة واضحة وعامة عن نظام الحكم أو النظام السياسي بشكل عام في عصر الغيبة والنظام الاقتصادي ومعالم عامة عن النظام الاجتماعي الاسلامي في بحثي منابع القدرة في الدولة الاسلامية وبحث خلافة الانسان وشهادة الانبياء .
وهكذا نستطيع أن نتبيّن موقع المستقل و المفصل للقواعد الفقهية و تيلوه الشهيد الثاني الذي سار على منهاجه و أكمل تراث الشهيد الأول ثم أكمل الشوط فقهاء آخرون و تميّز منهم من تميّز مثل " الفاضل المولى أحمد النراقي " حيث تميز في تطوير هذه الحركة الفقهية باعتباره رائداً من روّاد وفقهاء المدرسة الإمامية بعد عصر الشهيدين، ومن خريجي مدرسة الوحيد البهبهاني الاُصولية الفقهية .
ويعتبر الفاضل النراقي (م 1245ق) من الجيل الثاني من أجيال مدرسة الوحيد البهبهاني .
ومدرسة الوحيد البهبهاني هي المدرسة الاُصولية الحديثة التي سيطرت على الحواضر العلمية الاسلامية الإمامية بعد الهزيمة التي سببّتها هذه المدرسة للمدرسة الأخبارية الحديثة .
ومن هنا فقد كانت هذه المدرسة في عصر النراقي رحمه اللَّه تعالى في أوج نشاطها وحيويتها ؛ وذلك لما كانت قد حققته من انتصارات علمية ورائدة أدّت الى نضج المسلك الاُصولي في عملية تقنين فهم نصوص الشريعة وأحكامها وهي التي تسمى بعملية الاستنباط والاجتهاد في عصرنا الحاضر.
إن جهود الوحيد البهبهاني (م 1208ق) الرائدة في دفع شبهات المسلك الأخباري ضد المسلك الاُصولي خلال قرنين من الصراع قد أسفرت عن منهج متكامل يجمع بين العقل والنقل ويعطي لكل منهما دوره في عملية الاستنباط ويحدد له مجالاته التي تتناسب مع طبيعته وخصائصه كمصدر معرفي وكوسيلة للوصول الى مقاصد التشريع وتفاصيل الشريعة وأحكامها .
ولم تتطرّف هذه المدرسة الاُصولية لكل واحد من العقل والنقل على حساب الآخر بل حاولت تقنين عملية الاستنباط اعتماداً على اُسس علمية قوية وتوثيق علمي مطلوب لكل قاعدة اصولية فضلاً عن تثبيت اُسس ومصادر الاستنباط التي حاولت المدرسة الاخبارية زعزعتها باستمرار .
ومن هنا استطاعت هذه المدرسة الاُصولية الحديثة أن تؤصّل لمنهج الاستنباط فضلاً عن تقييمها لأدوات الاستنباط وتأصيلها لقواعده اللفظية والعقلية ؛ بعد أن كانت تستند الى اُصول وقواعد معرفية لا يمكن نسفها وإبطالها .
إنّ شبهات الإخباريين التي كانت تشكّل حواجز أمام المسلك الاُصولي أضحت نقاط انطلاق للبحث الجادّعن مدى مشروعية علم الاُصول وكيفية استخدامه لصياغة المنهج السليم وبلورته لكي يمكن تحقيق فهم الشريعة من مصادرها .
وهذا التطور الاُصولي الذي قد حصل على مستوى المنهج وعلى مستوى القواعد أيضاً قد انعكس على عامة مجالات البحث الفقهي‏مما أدّى إلى تطور الدراسات الفقهية أيضاً وتعميقها وإنضاجها في هذا العصر على اُسس علمية متينة .
إنّ الآثار الفقهية، والاُصوليه التي صدرت خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر بما تضمنته من مناهج حديثة في التأليف تكشف عن الاتجاهات الفقهية والاُصولية لعلماء هذه المرحلة من مراحل التطور الاُصولي والفقهي في المدرسة الإمامية الاثني عشرية .
و إحدى الظواهر الملفتة للنظر في هذه الحقبة التاريخية من حركة الفقه الإمامي هي ظاهرة " الاهتمام بتدوين القواعد الفقهية " من قبل جملة من الفقهاء المتميزين بدءً بالوحيد البهبهاني (1208ق) نفسه و خيرة تلامذته مثل الميرزا القمي (1232ق) و السيد مهدي بحر العلوم (1212ق) والشيخ جعفر كاشف‏الغطاء (1228ق) وكبار تلامذته وتلامذة تلامذته .
ان هذا الاهتمام الذي تجلّى في جملة من الكتب الاُصولية والفقهية بشكل ضمني [14] قد تجلّى بشكل تيار قوي في تدوين كتب القواعد الفقهية بشكل مستقل أو بشكل رسائل فقهية .
وتكفي مراجعة سريعة لتراث هذه المجموعة من الفقهاء، بدءً بالوحيد البهبهاني وانتهاءً بتلامذته[15] وتلامذة تلامذته[16] الذين عاشوا في النصف الأول من القرن الثالث عشر للوقوف على حجم هذا التوجه الى القواعد الفقهية فضلاً عن الاُصولية، ومدى التطور العلمي في مستوى ومحتوى البحوث الفقهية[17].
فلو أخذنا قاعدة نفي الضرر مثلاً وقارنّا ما كتبه الميرزا المحقق أبوالقاسم القمي (1227ق) - وهو من خيرة تلامذة الوحيد البهبهاني - مع ما كتبه مثل الفاضل التوني (1071ق) الذي يعود عصره الى أواسط القرن الحادي عشر، وكذلك ما كتبه الشهيد الأول الذي يعود عصره الى أواسط القرن الثامن الهجري والذي يعتبر بداية عصر تقعيد القواعد، لوجدنا البون شاسعاً في المحتوى والمنهج والاسلوب والحجم جميعاً .
ويعود الفضل إلى الشهيد الأول لاقتحامه هذا الميدان بجد لأن ما كتبه و قدّمه في " القواعد و الفوائد " لا زال يحمل عناصر الإبداع و التجديد حتى يومنا هذا . و خلافا لمن قال بأن " القواعد و الفوائد كتاب غير منتظم نستطيع أن نقول : إن كتاب " القواعد و الفوائد " يمثل منهجاً علمياً فريداً للشهيد بين التوجّه العقلي و النقلي و يزاوجه فيه بين الإهتمام بالقواعد الأصولية و تطبيقاتها الفقهية من جهة، و يزاوج فيه بين تعليم منهج استنباط القواعد من العقل و النقل، و من الإستقراء للأحكام الفقهية المتناثرة في مختلف أبواب الفقه من جهة اخرى، يتبنى تدريب الطالب المتفقه على ضرورة اكتشاف الخطوط العامة للتشريع و تقنين عملية الإستنباط الفقهي على أساس فهم مقاصد الشريعة من جهة و فهم خطوط التشريع العامة التي تمدّ الأحكام الشرعية بالقيم و الأهداف الإنسانية والرسالية، و ضرورة فهم القواعد الخاصة الجارية في كل باب أو كتاب فقهي و التي ترتبط بالأهداف العامة و الخطوط التشريعية العامة ارتباطاً وثيقا .
و لعل طول فترة تدوين هذا الكتاب المعتمد على الإستقراء تكفى لفهم سبب تناثر بعض القواعد و تكريرها في نقاط مختلفة مما أثار إلىعدم الإنتظام فيما بينها .
بينما من يلاحظ الفهرس لكتاب سوف يجد نظاماً خاصاً و فريداً حكّمه الشهيد لعرض قواعده و سوف نشير إليه فيما سيأتي من ايضاح حول هذا الجهد المتميز للشهيد .
و لعلنا لا نبالغ لو قلنا بأن الشهيد قد أدخل الفقه إلى ميدان التنظير الفقهي بما عمله في هذا الكتاب من جمعه للقواعد الفقهية المتقاربة في مضامينها و ذات المحور الواحد و التي تدور حول موضوع خاص . فقواعد النية مثلا قد ذكرت تحت عنوان قاعدة و فوائد و هي تشكل في نفسها نظرة متكاملة عن قواعد تخص ّ النيّة . و بذلك توفر المادة اللازمة للتنظير الفقهي حول مبدأ النية و أحكامها في الفقه الإسلامي، بل يمكن طرحها بأنها قد قدّمت نظرية متكاملة حول النية أو الضمان أو الضرر أو العسر و الحرج في الفقه الإسلامي .
و بهذا يمكن القول بأن الشهيد الأول لا زال رائداً للفقهاء لا في مجال التقعيد الفقهي فحسب بل في مجال التنظير الفقهي الذي لم ندخل إلى ميدان البحث عن تعريفه و حدوده و ضوابطه و منهجه و ان أشرنا إلى ذلك إشارة عابرة فحسب لأن البحث قد ركّزناه على محور القواعد الفقهية . و ان كنّا في هذا العصر بحاجة ماسّة إلى تعميم النشاط الفقهي و تطويره من مستوى التقعيد الفقهي إلى مستوى التنظير الفقهي .
 
 
حاجة العصر الى تقعيد الفقه والتنظير الفقهي‏
إنّ المستجدات بعد عصرة الثورة الاسلامية المباركة و دخول الفقه الى ميدان المجتمع كعنصر محوري و أساسي يتطلب جهوداً علمية أصيلة قد نجد الاهتمام بها عند فقهاءنا الذين عاشوا في مرحلة تشبه هذه المرحلة الراهنة من حيث الاهتمام بمحورية الشريعة في الحياة الاجتماعية، وتوجه الفقهاء الى تطبيق الشريعة في المجتمع وهو يتطلّب أوّلاً رؤية اجتماعية للإسلام . كما يتطلّب فهماً اجتماعياً للنصوص ثانياً . ويحتاج الى فهم القواعد العامة والخاصة للشريعة ثالثاً . و يحتاج إلى عدم اغفال فقه المقاصد وفلسفة الفقه رابعاً . وبالتالي خامسا لابد من الدخول الى عصر التنظير الفقهي وتدوين الأنظمة الفقهية التي تلبّي كل الحاجات الاجتماعية الانسانية على اساس الاسلام الذي جاء ليَظهر على الدين كلّه ويغطّي كل الساحات الاجتماعية ويمثّل خط الهداية الربّانية في كل مجالات الحياة .
 
الشهيد الأول من فقه المقاصد الى فقه القواعد
ان القرآن الكريم ثم نصوص أهل البيت‏عليهم السلام تبعاً للقرآن الكريم هي المصادر الاُولى التي اهتمت بطرح وتبيان مقاصد الشريعة.
غير أن الفقه في المدرسة الإمامية لأجل أسباب خاصة كانت قد أحاطت به أخذ يبتعد عن الاهتمام بمقاصد الشريعة بالتدريج وأصبح يركّز على تفاصيل الأحكام الشرعية وأدلتها ويلتمس الوثائق والأدلة لمستحدثات المسائل بعيداً عن محور العلل والمقاصد والأقيسة حتى أغفل الفقهاء في بعض المراحل من هذه الحركة الفقهية الاهتمام بالمقاصد التي تشكل الاطار الأول والعام للأحكام والنظريات الفقهية حيث يكون اغفالها موجباً لخروج الفقه عن المسيرة التي أعدت له في الحياة.
 وحين نتتبّع هذا الاهتمام بالمقاصد الشرعية للأحكام الإلهية عند فقهاءنا نجد الشهيد الأول من الروّاد الذين أدلوا بدلوهم الكبير وممّن اهتم بهذا الحقل اهتماماً رائعاً كما جاء في كتابه النفيس " القواعد والفوائد ".
فالشهيد الأول ركّز في قواعده بشكل عام على المقاصد الشرعية كما في القواعد رقم (4 و 5 و 6)[18] حيث ربط القواعد الشرعية بالمقاصد وجعلها كلها مصاديق وطرقاً لتحقيق مقاصد الشريعة التي تتلخص في جلب النفع ودفع الضرر عن الانسان في الآخرة والدنيا بشكل أساس ووزّعها على مجالات خمسة هي: النفس والدين والعقل والنسب والمال.
ولعل في عبارة المقداد السيوري من أنه :
" يشتمل على قواعد وفوائد في الفقه تأنيساً للطلبة بكيفية استخراج المنقول من المعقول "[19]
إشارة واضحة الى هذا المنحى المقاصدي في هذه القواعد .
من هنا يمكن القول بأن الاتجاه العام في قواعد الشهيد الأول هو الاهتمام بالقواعد الفقهية على اساس الاهتمام بالمقاصد الشرعية، وهي حقيقة مهمة وأساسية لا يمكن اغفالها حين دراسة القواعد الفقهية من خلال النصوص الدينية التي وردت حول هذه القواعد . ويشهد لذلك قلّة اعتماده على النصوص التي تكفّلت ببيان هذه القاعد اذا ما قسنا ذلك بما جمعه المتأخرون من النصوص حول كلٍ من هذه القواعد .
بينما سار المحقق القمي باتجاه كيفية اقتناص القاعدة الفقهية من النصوص المأثورة فالبحث عن قاعدة نفي الضرر عند المحقق القمي ‏قدس سره قد اتجه بهذا الاتجاه بكل وضوح .
وتكفي مقارنة بسيطة بين النصّين : نصّ الشهيد الأول ونصّ المحقق القمي لفهم هذا الانتقال .[20]
وقد جاء بحث الفاضل النراقي لقاعدة نفي الضرر على اعتاب هذا الاتجاه الجديد، فالفاضل النراقي قد اتبع منهج المحقق القمي وطوّره متجهاً الى فقه النصوص المأثورة وكيفية معالجتها لاقتناص قاعدة فقهية ذات مستند منصوص في روايات الفريقين أيضاً .
والشهيد الأوّل قد ذكر بشكل عام أن القواعد تستند الى الكتاب والسنّة والاجماع والعقل، وذكر منها قاعدة نفي الضرر واشار في مطاوي بحثه عن مصاديق هذه القاعدة الى آية قرآنية واحدة، ولكن القرآن الكريم حافل بآيات تكلّمت عن " نفي الضرر[21]" ولم يُشر اليها أي واحد من هؤلاء الفقهاء بدءً بالشهيد وانتهاءً بالنراقي والميرفتاح والشيخ الأنصاري فهل في ذلك ما يردّ الاستدلال بها ؟ أم أنه غفل عنها ؟ انسياقاً مع الاتجاه الاخباري في التغافل عن كتاب اللَّه والاهتمام بنصوص الحديث فقط ؟  أم أن نصوص الكتاب ذات إجمال ونصوص الحديث ذات بيان وتبيان ؟ واللَّه أعلم بحقيقة الحال .
 
تأملات في كتاب القواعد و الفوائد للشهيد الرائد
1-    ان اطلاق مصطلح القاعدة على كل ما جمعه الشهيد الأول و ان كان فيه شيء من التجوّز، لأن التعريف لمصطلح الحكم أو السبب أو المانع لا يسمى قاعدة فقهية بالمعنى الذي نفهمه اليوم، ولكن التعريف باعتباره يعطي ضابطة معينة لتحديد دائرة المعرّف و مصاديقه جاز اطلاق اسم القاعدة عليه .
2-    انّ نسقا خاصاً نلاحظه في ترتيب بحوث الشهيد في القواعد و الفوائد حيث يبدا بتعريف الفقه ثم الحكم ثم أقسامه و مجالاته و أهدافه ثم بيان علاقة الأهداف و المقاصد بالوسائل و الأسباب و الموانع والشروط و بيان أنواع الوسائل و الأسباب و الموانع و الشروط ثم يشير إلى مدارك الأحكام الشرعية ثم القواعد العامة المستنبطة التي ترجع الأحكام إليها و يلخص القواعد العامة في خمسة قراعد هي " قواعد النية و الحرج و الإستصحاب و الضرر و العادة أو العرف " ثم يبحث عن قواعد فهم النصوص الشرعي و هي قواعد الحقيقة و المجاز و قواعد السبب و المانع و الأمر و النهي و العموم و الإطلاق و التقييد ثم قواعد الإجتهاد و قواعد تزاحم الحقوق و قواعد الضمان و قواعد الملك و النكاح و الطلاق و القضاء و الولاية . هذا هو المنهج العام و ربما تخلف عنه لأسباب أشرنا إلى بعضها فيما مر.
3-    ان الشهيد الأول قد اتبع المنهج الإستقرائي لتحصيل جملة من القواعد الفقهية بالمعنى المتعارف لدينا اليوم، فهو يقتنص القواعد من مصاديقها و مظانّها اقتناصاً ربما لا يستسيغه المتأخرون و المعاصرون من علمائنا الأبرار الذين يبحثون عن القواعد المنصوصة بحيث يظهر من نصوصها التعميم أو الإطلاق بشكل يتمكن الفقيه من اعمالها في مظانّها . بينما ما يجمعه المستقرئ من موارد متشابهة لا يكتفي لأن تحصل منها على قاعدة عامة تفيد الفقيه في مقام الإفتاء على أساسها . و الشهيد يقوم بتحقيق غرضين مهمّين في آن واحد فإنه بالإستقراء يوفّر فرص التطبيق كما يعلم كيفية اقتناص القاعدة من مواردها المختلفة و يبين موارد تطبيقها عن موارد استثناءاتها .
4-    ان الجهد الذي بذله الشهيد الأول في تدوين القواعد التي توزّعت على الساحة الفقهية و الأصولية جهد استثنائي و متميّز و قد جعل كتابه هذا مصدرا أساسياً لمن يريد أن يدخل كباحثٍ في حقل القواعد الفقهية . بل في مجال ممارسة الإستنباط من جهت تحصيل القدرة على رد الفروع للأصول و تطبيق الأصول على الفروع .
5-    ان جملة من القواعد التي ذكرها الشهيد هي قواعد مرتبطة بالقاعدة الأصلية التي ذكرها بعنوان " القاعدة ".
6-    ان كل قاعدة مع فوائدها ربما تكوّن مادة كافية لإعطاء و استنتاج نظرية فقهية في موضوع معين . و بذلك يكون للشهيد دور ريادي في مجال التنظير الفقهي بالمعنى المتعارف لدينا اليوم .[22]
7-    ان القواعد اللغوية أو الأصولية انما ذكرها الشهيد الأول باعتبارمدخليتها في الإستنباط الفقهي فهي قواعد تفيد الإستنباط و ان كانت لغوية أو أصولية، بل يمكن القول بأنه قد استقرأ قواعد فقه النص و ذكرها في هذا الكتاب و ان لم يتعرض لها الأصوليون في بعض مؤلفاته الخاصة بالقواعد الأصولية .
8-    ونظرا لاتّجاه بعض المتأخرين من علمائنا إلى الاعتماد على النصوص غير القرآنية لتوثيق القواعد الفقهية، واتجاه الشهيد الأول إلى التوثيق القرآني و اهتمامه بطرح هذا الاتجاه في الإستنباط الفقهي حاولنا تمييز القواعد الفقهية التي استند فيها إلى النصوص القرآنية، و إليك نصوص هذه القواعد و ان كانت قليلة و محدودة . لكنها تعدّ نماذج من منهج الشهيد في البحث عن القواعد الفقهية و تبيّن للباحث مدى سعة اطلاعه و احاطته بأبواب الفقه الإسلامي و مدى مدخلية سعة الإطلاع في القدرة على التقعيد و التنظير الفقهيين .
 
القواعد الفقهية ذات المستندات القرآنية عند الشهيد الأول
1- قاعدة المشقة موجبة لليسر
" لقوله تعالى : " ما جعل عليكم في الدين من حرج "[23]، " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "[24]. وقول النبي صلى الله عليه وآله : " بعثني بالحنيفة السهلة السمحة "[25] وقوله صلى الله عليه وآله : " لا ضرر ولا ضرار "[26]، بكسر الضاد وحذف الهمزة ".[27]
فاستدل لهذه القاعدة بآيتين و بحديثين نبويين . فانه يرى أن نفي الضرر يدل على نفي الحرج و المشقة باعتبار أن الحرج و المشقة ضرر يتوجّه إلى الإنسان، فينبغي دفعه و ينتهي بذلك إلى ضرورة التيسير منه تعالى لعباده . ولم يستدل الشهيد لقاعدة نفي الضرر بدليل قرآني و لا روائي و انّما ذكر تطبيقاتها الفقهية و أشار إلى مواردها و لعله ايمانا منه بفطريتها أو وضوحها لأن الشريعة تبتني على تحصيل المنافع و دفع المفاسد و الأضرار . و قد استشهد بآيات القرآن لبعض مصاديق القاعدة فحسب بينما هناك آيات صريحة في نفي الضرر في القرآن الكريم . و اليك نص كلامه عن قاعدة الضرر المنفي .
 
2- قاعدة الضرر المنفي
" وحاصلها : أنها ترجع إلى تحصيل المنافع ، أو تقريرها لدفع المفاسد ، أو احتمال أخف المفسدتين .
وفروعها كثيرة حتى أن القاعدة الثانية تكاد تداخل هذه القاعدة .
فمنها : وجوب تمكين الامام لينتفي به الظلم ، ويقاتل المشركين وأعداء الدين .
ومنها : صلح المشركين مع ضعف المسلمين ، ورد مهاجريهم دون مهاجرينا ،
وجواز رد المعيب ، أو أخذ أرشه ، ورد ما خالف الصفة أو الشرط ، وفسخ البائع عند عدم سلامة شرطه من الضمين أو الرهن .
وكذا فسخ النكاح بالعيوب .
ومنها : الحجر على المفلس ، والرجوع في عين المال ، والحجر على الصغير ، والسفيه ، والمجنون ، لدفع الضرر عن أنفسهم اللاحق بنقص مالهم .
ومنها : شرعية الشفعة ، والتغلظ على الغاصب بوجوب أرفع القيم ، وتحمل مؤنة الرد ، وضمان المنفعة بالفوات ،
وشرعية القصاص والحدود ، وقطع [ يد ] السارق في ربع دينار ، مع أنها تضمن بيد مثلها أو خمسمائة دينار ، صيانة للدم والمال وقد نسب إلى المعري . يد بخمس مئين عسجد فديت * ما بالها قطعت في ربع دينار فأجابه السيد المرتضى رحمه الله : حراسة الدم أغلاها وأرخصها * حراسة المال فانظر حكمة الباري وقلت : خيانتها أهانتها وكانت * ثمينا عندما كانت أمينا نظما لقول بعض العلماء : " لما كانت ثمينة كانت أمينة فلما خانت هانت ". وتذكير : " الثمين ، والأمين " باعتبار موصوف مذكر ، أي : شيئا .
ومن احتمال أخف المفسدتين : صلح المشركين ، لان فيه إدخال ضرر على المسلمين ، وإعطاء الدنية في الدين ، لكن في تركه قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا خاملين بمكة لا يعرفهم أكثر الصحابة ، كما قال الله تعالى : " ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ..."[28] الآية . وفي ذلك مفسدة عظيمة ، و ضرر ؟ على المسلمين ، وهي أشد من الأولى . ومنه .
الإساغة بالخمر ، لان شرب الخمر مفسدة ، إلا أن فوات النفس أعظم منه ، نظرا إلى عقوبتهما . وكذا فوات النفس أشد من أكل الميتة ، ومال الغير .
ومنه ، إذا أكره على قتل مسلم محقون الدم بحيث يقتل لو امتنع من قتله ، فإنه يصبر على القتل ولا يقتله ، لان صبره أخف من الاقدام على قتل مسلم ، لان الاجماع على تحريم القتل بغير حق ، والاختلاف في جواز الاستسلام للقتل . ولا كذا لو أكره على أخذ المال ، لان اتلاف نفسه أشد من اتلاف المال ، فالفساد فيه أكثر . وكذا لو أكره على شرب حرام ، شربه ، لكثرة الفساد في القتل .
فصل : قد يقع التخيير باعتبار تساوي الضرر ، كمن أكره على أخذ درهم زيد أو عمرو ، أو وجد في المخمصة ميتين أو حربيين متساويين . ولو كان أحدهما قريبه قدم الأجنبي . كما يكره قتل قريبه في الجهاد .
ومنه : تخيير الامام في قتال أحد العدوين من جهتين مع تساويهما من كل وجه . ويمكن التوقف في الواقع على أطفال المسلمين ، إن أقام على واحد قتله ، وإن انتقل إلى آخر قتله . وكذا لو هاج البحر واحتيج إلى إلقاء بعض المسلمين فلا أولوية . ولو كان في السفينة مال أو حيوان ألقي قطعا . ولو كان في الأطفال من أبواه حربيان قدم .
ولو تقابلت المصلحة والمفسدة ، فان غلبت المفسدة درئت ، كالحدود فإنها مفسدة بالنظر إلى الألم ، وفي تركها مفسدة أعظم ، فتدرأ المفسدة العظمى باستيفائها ، لان في ذلك مراعاة للأصلح ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : " يسألونك عن الخمر والميسر ..."[29] الآية . وإن غلبت المصلحة قدمت ، كالصلاة مع النجاسة أو كشف العورة فان فيه مفسدة ، لما فيه من الاخلال بتعظيم الله تعالى في أن لا يناجى على تلك الأحوال ، إلا أن تحصيل الصلاة أهم .
ومنه : نكاح الحر الأمة ، وقتل نساء الكفار وصبيانهم ، ونبش القبور عند الضرورة ، وتقرير الكتابي على دينه ، والنظر إلى العورة عند الضرورة . وقد قيل : منه : قطع فلذة من الفخذ لدفع الموت عن نفسه . أما لدفع الموت عن غيره ، فلا خلاف في عدم جوازه .
ومن انغمار المصلحة في جنب المفسدة فيسقط اعتبار المصلحة : رد شهادة المتهم ، وحكمه كالشاهد لنفسه والحاكم لها ، لان قوة الداعي الطبيعي قادحة في الظن المستفاد من الوازع الشرعي قدحا ظاهرا لا يبقى معه إلا ظن ضعيف لا يصلح للاعتماد عليه . فالمصلحة الحاصلة بالشهادة والحكم مغمورة في جنب هذه المفسدة . أما شهادته لصديقه أو قريبه أو معرفيه فبالعكس ، فإنه لو منع لأدى إلى فوات المصلحة العامة من الشهادة للناس ، فانغمرت هذه التهمة في جنب هذه المصلحة العامة إذ لا يشهد الانسان إلا لمن يعرفه غالبا .
ومنه : اشتمال العقد على مفسدة تترتب عليه ترتيبا قريبا ، كبيع المصحف أو العبد المسلم من الكافر ، وبيع السلاح لأعداء الدين ، ويحتمل أيضا : قطاع الطريق ، وبيع الخشب ليعمل صنما ، والعنب ليعمل خمرا . وقد يدخل المسلم في ملك الكافر فيزال ، كالإرث ، والرجوع بالعيب ، وإفلاس المشتري ، والملك الضمني كقوله : إعتق عبدك عني . وفيما لو كاتب الكافر عبده ، وملك عبدا فأسلم ، فعجز المكاتب فعجزه سيده الكافر ، فإنه يدخل ذلك العبد المسلم في ملك السيد الكافر ثم يزال . وفي شراء من ينعتق عليه ، إما باطنا كقريبه ، أو ظاهرا كما إذا أقر بحرية عبد ثم اشتراه ، فيكون شراء من جهة البائع ، وفداء من جهة المشتري . وفيما إذا أسلم العبد المجعول صداقا ، في يد الذمية زوجه الذمي ، ثم فسخ نكاحها ، لعيب ، أو ردتها قبل الدخول ، أو طلاق ، أو إسلامها قبل الدخول .
وفي تقويم العبد المسلم على الشريك الكافر إذا أعتق نصيبه . وفي وطئ الذمي الأمة المسلمة لشبهة فإنه يقوم الولد عليه ، إن قلنا بانعقاده رقا ، مع أنه مسلم .
ولو تزوج المسلم أمة الكافر الذمية - في موضع الجواز - وشرط عليه رق الولد - وقلنا بجوازه في الحر المسلم - ففي جوازه هنا تردد ، فان جوزناه دخل في ملك الكافر ثم أزيل . وفيما لو وهبه الكافر من مسلم واقتصه ، وقلنا بجواز رجوعه في موضع جواز الرجوع .
ولا يبطل بيع العبد باسلامه قبل قبض المشتري الكافر ، بل يزال ملكه عنه ويتولى مسلم قبضه بإذن الحاكم ".[30]
 
3- قاعدة " ما هو على الإمام من أفعال النبي (ص) "
" ما فعله عليه السلام ويمكن فيه مشاركة الامام دون غيره فالظاهر أنه على الامام ، كما كان عليه السلام يقضي الديون عن الموتى ، لكونه " أولى بالمؤمنين من أنفسهم "[31] وهذا حاصل في الامام ، والمروي عن أهل البيت عليهم السلام : أن على الامام أن يقضي عنه . ولما أقر النبي صلى الله عليه وآله أهل خيبر على الذمة قال : " أقركم ما أقركم الله " فيجوز ذلك أيضا للامام . وقيل : بالمنع ، لان المعنى الذي فعله النبي صلى الله عليه وآله لأجله هو انتظار الوحي ، وهو لا يمكن في حق الامام ".[32]
 
4- قاعدة " كل ما جازت الشهادة به جاز الحلف عليه ، وما لا فلا "
" لعموم قوله تعالى : " ولا تقف ما ليس لك به علم "[33]. وزعم بعضهم : أن مجال اليمين أوسع : لأنها في الغالب مستنده إلى النفي ، للأصل ، فتعتضد به . فيجوز له الحلف على ما يراه بخط أبيه في دفتره إذا غلب على ظنه ، وكذا لو أخبره ثقة بقتل فلان أباه ، أو غصبه منه ، وإن لم تجز له الشهادة به . وهو مردود عندنا ".[34]
 
5- قاعدة " كل عدة لا يشترط فيها العلم بأنها عدة إلا في موارد "
" كل عدة لا يشترط فيها العلم بأنها عدة ، إلا : في المتوفى عنها زوجها ، وفي المسترابة بعد مضي تسعة أشهر . أما في المتوفى عنها ، فللحداد ، إذ هو المقصود . وأما في المسترابة ، فلان الأول كان لغاية الاستبراء من الحمل لا للاعتداد : ولان الغالب في العدد التعبد المحض ، كاعتداد الصغيرة واليائسة وغير المدخول بها ، عدة الوفاة ، وكمن غاب عن زوجته سنين ، فحضر ، ثم طلقها قبل المسيس . وقال بعض العامة : إنما وجب ثلاثة أشهر بعد التربص ، لأنا نعلم يأسها بعدها ، وقد قال الله تعالى : " واللائي يئسن من المحيض ..."[35] الآية ، رتب الاعتداد على اليأس ، فلا يحصل قبله ، كسائر الأسباب والمسببات . وهذا غير مستقيم ، لأنه لا نعلم بمضي هذا القدر يأس المرأة ، كيف وقد تبقى سنين بغير حيض ثم تحيض ؟ ".[36]
 
 
6- قاعدة " حرمة المداهنة و جواز التقية "
" المداهنة في قوله تعالى : " ودوا لو تدهن فيدهنون "[37] معصية . والتقية غير معصية . والفرق بينهما ، أن الأول تعظيم غير المستحق ، لاجتلاب نفعه ، أو لتحصيل صداقته ، كمن يثني على ظالم بسبب ظلمه ، ويصوره بصورة العدل ، أو مبتدع على بدعته ، ويصورها بصورة الحق . والتقية : مجاملة الناس بما يعرفون ، وترك ما ينكرون ، حذرا من غوائلهم . كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام . وموردها غالبا الطاعة والمعصية . فمجاملة الظالم فيما يعتقده ظلما ، والفاسق المتظاهر بفسقه ، اتقاء شرهما ، من باب المداهنة الجائزة ولا يكاد يسمى تقية . قال بعض الصحابة : " إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم ".
وينبغي لهذا المداهن التحفظ من الكذب ، فإنه قل أن يخلو أحد من صفة مدح . وقد دل على التقية الكتاب والسنة ، قال الله تعالى : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ ، إلا أن تتقوا منهم تقاة ".[38]
وقال الله تعالى : " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ".[39]
وقال الأئمة عليهم السلام : " تسعة أعشار الدين التقية ".[40]
وقالوا عليهم السلام : " من لا تقية له لا دين له ، إن الله يحب أن يعبد سرا كما يحب ان يعبد جهرا ".[41]
وقالوا عليهم السلام : " إمضوا في أحكامهم ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا " .[42]
وكتب الكاظم عليه السلام إلى علي بن يقطين بتعليم كيفية الوضوء على ما هو عليه العامة ، فتعجب من ذلك ولم يسعه الامتناع ، ففعل ذلك أياما ، فسعي به إلى الرشيد بسبب المذهب ، فشغله يوما بشئ من الديوان في الدار وحده ، فلما حضر وقت الصلاة تجسس عليه ، فوجده يتوضأ كما أمر ، ( فسرى عن الخليفة ) واعتذر إليه . فكتب إليه بعد ذلك الإمام عليه السلام : أن يتوضأ كذا وكذا ، ووصف له الوضوء الصحيح [43].
وفتاوى أهل البيت عليهم السلام مشحونة بالتقية ، وهو أعظم أسباب اختلاف الأحاديث ".[44]
 
7- قاعدة التعظيم بما جرت به عادة الزمان
" يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به ( عادة الزمان ) وإن لم يكن منقولا عن السلف ، لدلالة العمومات عليه ، قال الله تعالى : " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ".[45]
وقال تعالى : " ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ".[46]
ولقول النبي صلى الله عليه وآله : " لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تقاطعوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ".[47]
فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء وشبهه ، وربما وجب وإذا أدى تركه إلى التباغض والتقاطع ، أو إهانة المؤمن .
وقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله قام إلى فاطمة عليها السلام ، وقام إلى جعفر عليه السلام لما قدم من الحبشة ، وقال للأنصار : ( قوموا إلى سيدكم ) ، ونقل : أنه صلى الله عليه وآله قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحا بقدومه . فإن قلت : قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " من أحب أن يتمثل ( الناس له ) قياما فليتبوأ مقعده من النار ".[48]
ونقل : أنه صلى الله عليه وآله كان يكره أن يقام له ، فكانوا إذا قدم لا يقومون ، لعلمهم كراهته ذلك ، فإذا فارقهم قاموا حتى يدخل منزله ، لما يلزمهم من تعظيمه .[49]
قلت : تمثل الرجال قياما هو ما يصنعه الجبابرة من إلزامهم الناس بالقيام في حال قعودهم إلى أن ينقضي مجلسهم ، لا هذا القيام المخصوص القصير زمانه . سلمنا ، لكن يحمل على من أراد ذلك تجبرا وعلوا على الناس ، فيؤاخذ من لا يقوم له بالعقوبة . أما من يريده لدفع الإهانة عنه ، والنقيصة به ، فلا حرج عليه ، لان دفع الضرر عن النفس واجب . وأما كراهيته صلى الله عليه وآله ، فتواضع لله ، وتخفيف على أصحابه .
وكذا نقول : ينبغي للمؤمن أن لا يحب ذلك ، وأن يؤاخذ نفسه بمحبة تركه إذا مالت إليه . لان الصحابة كانوا يقومون - كما في الحديث - ويبعد عدم علمه بهم ، مع أن فعلهم يدل على تسويغ ذلك .
وأما المصافحة ، فثابتة من السنة . وكذا تقبيل موضع السجود .
وأما تقبيل اليد ، فقد ورد أيضا في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله : " إذا تلاقى الرجلان فتصافحا ، تحاتت ذنوبهما ، وكان أقربهما إلى الله أكثرهما بشرا "[50]. وفي الكافي للكليني رحمه الله في هذه المقامات أخبار متكثرة .
وأما المعانقة ، فجائزة أيضا . لما ثبت من معانقة النبي صلى الله عليه وآله جعفرا . واختصاصه به غير معلوم . وفي الحديث : " أنه قبل بين عيني جعفر عليه السلام مع المعانقة ".[51]
وأما تقبيل المحارم على الوجه ، فجائز ، ما لم يكن لريبة أو تلذذ ".[52]
 
8- قاعدة القرعة
" ثبت عندنا قولهم عليهم السلام : " كل أمر مجهول فيه القرعة "[53]، وذلك لان فيها - عند تساوي الحقوق والمصالح ووقوع التنازع - دفعا للضغائن والأحقاد ، والرضا بما جرت به الاقدار ، وقضاء الملك الجبار .
ولا قرعة في الإمامة الكبرى ، لأنها عندنا بالنص . وقد تقدم ذكر مواردها . وإنما روعيت في العبيد ، ولم يشع العتق فيهم ، لوجوده : الأول : ما روي : أن رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه لامال له غيرهم ، فجزأهم النبي صلى الله عليه وآله ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة ... وليست القرعة من الميسر في شئ ، لأنه قمار ، والقرعة ليست قمارا ، لاقراع النبي صلى الله عليه وآله بين أزواجه ، واستعملت القرعة في الشرائع السالفة ، بدليل قوله تعالى : " فساهم فكان من المدحضين "[54]، وقوله تعالى : " إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم "[55]. وليس هنا نقل الحرية وتحويلها ، لان  عتق المريض لا يستقر إلا بموته ، مع الشرائط ، ولهذا لو طرأ الدين المستوعب بطل ، وغير المستوعب يقدم ". [56]
 
المنهج المقترح لدراسة القواعد الفقهية بشكلٍ منهجي‏
إنّ الاهتمام بالمنهج العلمي المتكامل الذي رسم كل واحد من الفقهاء أو كل مجموعة من الفقهاء القدامى والمحدثين بعض خطوطه العريضة، يتلخص في مجال البحث عن القواعد الفقهية بما يلي :
1 - استقصاء مقاصد الشريعة في الكتاب والسنّة، استقصاءً تاماً مع تمييز المقاصد العامة لها.
2 - استقصاء القواعد الفقهية وتنظيمها بشكل هرمي يجمع القواعد العامة لكل مجالات الحياة وأبواب الفقه الى جانب القواعد الخاصة بكل مجال وبكل باب فقهي .
3 - التوجه الى كتاب اللَّه لاستخراج هذه القواعد من النصوص مباشرة أو من خلال مصاديقها حسب منهج استقرائي قابل للاحتجاج به . كما لاحظناه في القواعد و الفوائد عند الشهيد الأول .
4 - التوجه الى نصوص الحديث ودراستها سنداً ونصّاً ودلالةً .
5 - مقارنة ما أفرزته نصوص الكتاب مع ما أفرزته نصوص السنة وملاحظة المقاصد التي تشكل الإطار العام لكل التشريعات لئلّا نخرج في فهمنا واستنباطنا عن ذلك الاطار الذي حدّدته نصوص الكتاب والسنّة .
6 - الاهتمام بالمصاديق والفروع التي جاءت في الكتاب والسنّة ثم الفروع التي ذكرها الفقهاء وملاحظتها ضمن الاطار العام الذي حددته نصوص الكتاب والسنّة.
7 - ان الفهم الاجتماعي للنصوص اصل لابد منه، بمعنى ضرورة رؤية هذه النصوص من زاوية ان الاسلام دين انساني عالمي خالد حي يسير مع الزمن فهو دين أبدي اجتماعي فهو يصلح لكل لمجتمعات البشرية و على مدى الاجيال ما مضى منها وما سيأتي، وأنه جاء لإدارة شؤون الحياة الفردية التي تقع في اطار نظام اجتماعي دائماً و ابداً بالاضافة الى أنه يشكّل رسالة شاملة لكل مجالات الحياة و مرافقها و يريد للإنسانية أن تتكامل باستمرار من خلال أحكامه و تشريعاته فقوانينه قوانين دقيقة حيّة لتنظيم حياة المجتمعات بل العالم الانساني أجمع .
إذن لا ينبغي أن نغفل عن هذه الحقائق التي تدخل كقرائن لُبيّة في فهم النصوص الدينية وتؤثر بلا ريب في كيفية استنباط الأحكام من خلال النصوص . ولا نغفل عن النظريات الفقهية و النظم الشرعية التي يتكامل بعضها مع البعض و ينسجم كل منها مع الآخر .
8 - وعلى هذا فالقواعد الفقهية لا تُدرس بشكل منفصل عن بعض، مادامت تدخل في بنية النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتربوي والأخلاقي الاسلامي. بل تلاحظ مترابطة، كما قد تتداخل تطبيقاتها في أكثر من مجال.
9 - وتبقى مبدأية الاُسس الأخلاقية التي يبتني عليها فقهنا الإسلامي و هذه قضية جوهرية تدخل في صميم فقهنا، وينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار في كل مجالات الاستنباط، سواء كان الاستنباط على مستوى حكم فردي أو اجتماعي فرعي، وفي قضية معينة أو على مستوى قاعدة فقهية أو نظرية فقهية أو نظام فقهي.
وما قاله العدلية من ابتناء كل الأحكام الأخلاقيه على مسألتي حسن العدل وقبح الظلم يعتبر مؤشراً واضحاً لهذا الاتجاه، حيث إن الشارع الأقدس لا يتجاوز هذين الأساسين، و هذا يعني أن الشريعة الإسلامية في روحها شريعة ذات محتوى أخلاقي واُسس قيميّة فريدة .
10 - وقد أيّد القرآن الكريم هذا التأسيس الرائع حين قال تعالى مبيّناً الخطوط العريضة للشريعة الإسلامية في محكم كتابه الخالد :
"إنّ اللَّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون" [57].
إنّ في ما نصّت عليه الآية الكريمة لبلاغاً لقوم يعقلون ويفقهون ‏وذلك حين يلتفتون الى أن هذه الآية المباركة قد جمعت لنا كل اُطر التشريع الإسلامي والوجهة التي تتوجّه اليها الشريعة الغرّاء في تفاصيل أحكامها، وكم لها من نظير يستحق التأمل والدراسة الجادة حين تصنّف مداليل الآيات حسب تسلسلها الهرمي من الاُسس الى الخطوط العريضة الى التفاصيل ثم الفروع والتطبيقات .
 
وما توفيقي إلّا باللَّه عليه توكلت واليه اُنيب‏
17/ صفر المظفر/1430
25/11/1387
منابع
 
الأصول الأصيلة؛ الفيض الكاشاني، تحقيق : مير جلال الدين الحسيني الأرموي، سازمان چاپ دانشگاه، 25 محرم الحرام 1390.
الأصول الأصلية و القواعد الشرعية؛ السيد عبد الله الشبر، قم، منشورات مكتبة المفيد، 1404 ق.
أعلام الهداية؛ السيد منذر الحكيم، قم، مركز الطباعة و النشر للمجمع العالمي لأهل البيت (ع)، الطبعة : الثانية، 1425ق.
الأعلام؛ خير الدين الزركلي، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة : لخامسة، أيار - مايو 1980.
أمل الآمل؛ الحر العاملي، تحقيق : السيد أحمد الحسيني، بغداد، مكتبة الأندلس.
بحار الأنوار؛ العلامة المجلسي، بيروت، مؤسسة الوفاء - دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية المصححة، 1403ق 1983 م .
بصائر الدرجات؛ محمد بن الحسن الصفار، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، تهران، منشورات الأعلمي، 1404ق- 1362 ش.
الذريعة؛ آقا بزرگ الطهراني، بيروت، دار الأضواء، الطبعة : الثالثة، 1403 - 1983 م.
سنن الدارمي؛ عبد الله بن بهرام الدارمي، دمشق، مطبعة الاعتدال، 1349 .
صحيح مسلم؛ أبي الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري، بيروت، دار الفكر.
عوائد الأيام؛ المحقق النراقي، تحقيق : مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قم، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة : الأولى، 1417 - 1375 م.
عوالي اللئالي؛ ابن أبي جمهور الأحسائي، تقديم : السيد شهاب الدين النجفي المرعشي / تحقيق : الحاج آقا مجتبى العراقي، الطبعة : الأولى، قم، سيد الشهداء، 1403 - 1983 م.
القواعد والفوائد؛ الشهيد الأول، تحقيق : السيد عبد الهادي الحكيم، قم، منشورات مكتبة المفيد.
الكافي؛ ثقة الاسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي ، تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري، تهران، دارالكتب الإسلامية، الطبعة : الخامسة، 1363 ش .
كشف الحجب والأستار؛ السيد إعجاز حسين، قم المقدسة، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، الطبعة : الثانية، 1409ق.
كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال؛ علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، ضبط وتفسير : الشيخ بكري حياني / تصحيح وفهرسة : الشيخ صفوة السقا، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1409 - 1989 م .
مجلة فقه أهل البيت (ع)؛ قم،
مجلة الفكر الإسلامي؛ مجلة علمية تخصصية فصلية، العدد السابع، السنة الثانية،قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1415ق.
مستدرك الوسائل؛ الميرزا النوري، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة : الأولى المحققة، بيروت، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1408 - 1987 م.
معتمد الشيعة في أحكام الشريعة؛ مولى محمد مهدى بن ابى ذر نراقى.
وسائل الشيعة (آل البيت)؛ الحر العاملي، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414ق.
نضد القواعد الفقهية؛ المقداد السيوري، تحقيق : السيد عبد اللطيف الكوهكمري، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي، 1403ق.
النظرية الإجتماعية الإسلامية دراسة في فكر السيد محمد باقر الصدر؛ السيد منذر الحكيم، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، الطبعة : الأولى، 2008م.
نقد الرجال؛ التفرشي، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، شوال 1418.
الهداية؛ الشيخ الصدوق، تحقيق : مؤسسة الإمام الهادي (ع)، قم، مؤسسة الإمام الهادي (ع)، الطبعة : الأولى، رجب المرحب 1418ق.
 
 


[1] - الشهيد الأول ( 734 - 786 ه‍ = 1333 - 1384 م ) محمد بن مكي بن محمد بن حامد العاملي النبطي الجزيني ، شمس الدين الملقب بالشهيد الأول : فقيه إمامي . أصله من النبطية ( في بلاد عامل ) سكن ( جزين ) بلبنان . ورحل إلى العراق والحجاز ومصر ودمشق وفلسطين ، وأخذ عن علمائها . واتهم في أيام السلطان ( برقوق ) بانحلال العقيدة ، فسجن في قلعة دمشق سنة ، ثم ضربت عنقه ، فلقب بالشهيد الأول . من كتبه ( اللمعة الدمشقية ) و ( الرسالة الألفية ) و ( الرسالة النقلية ) و ( الدروس الشرعية ) و ( البيان ) كلها في فقه الشيعة و ... ؛ راجع : خير الدين الزركلي، الأعلام ج 7، ص 109، التفرشي، نقد الرجال ج 4، ص 329، الرقم 5093 / 737، الحر العاملي، أمل الآمل ج 1، ص 181، الرقم 188.
[2] - انظر مقدمة القواعد والفوائد، واجازته لابن الخازن.
[3] - مقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلي الأسدي قم‍ 94 م‍ 824 : فقيه إمامي . من تلاميذ الشهيد الأول محمد بن مكي . وفاته في النجف . له كتب ، منها ( كنز العرفان في فقه القرآن ) و ( إرشاد الطالبين ) في شرح ( نهج المسترشدين في أصول الدين ) للحسن بن يوسف الحلي ، و ( الأسئلة المقدادية ) و ( الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية ) و ( جامع الفوائد ) في اختصار قواعد الشهيد ، و ( اللوامع الإلهية ) في الكلام ، و ( التنقيح ) في شرح مختصر الشرائع ...؛ راجع : خير الدين الزركلي، الأعلام ج 7، ص 282.
[4] - المقداد السيوري، نضد القواعد الفقهية ص 4.
[5] - وردت نصوص تؤكد أن لكل واقعة حكم مثل قوله (ع) : " ما من شئ إلا وفيه كتاب أو سنة "؛ الشيخ الكليني، الكافي ج 1، ص 59، ح 4؛ و مثل قوله تعالى : " ... اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ..."؛ (المائدة 3)؛ و أيضا : " هدى للناس "(البقرة 185) و (آل عمران 4)؛ و ايضا : " قل إن هدى الله هو الهدى " (البقرة 120) و (الانعام 71).
[6] - راجع : الشيخ الكليني، الكافي : 1 / 209 / 6، محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات : 69 / 6، العلامة المجلسي، بحار الأنوار : 23 / 138 / 84. وفي الكافي : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عبد القهار ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من سره أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنة التي وعدنيها ربي ويتمسك بقضيب غرسه ربي بيده فليتول علي بن أبي طالب عليه السلام وأوصياءه من بعده ، فإنهم لا يدخلونكم في باب ضلال ، ولا يخرجونكم من باب هدى ، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم وإني سألت ربي ألا يفرق بينهم وبين الكتاب حتى يردا علي الحوض هكذا - وضم بين أصبعيه - وعرضه ما بين صنعاء إلى أيلة ، فيه قد حان فضة وذهب عدد النجوم ؛ محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات : 433 - 434 / 3، الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت) : 27 / 33 - 34 / ( 33144 ) 9؛ وفي الوسائل : وقد تواتر بين العامة والخاصة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض؛ وقبل هذاالحديث نجد نصوص القرآن الدالة على أن النبي (ص) و أهل البيت (ع) يقومون بدور البيان و التفسير لنصوص القرآن و أحكامه و نصوص نبوية تؤكد أن الإمام علي (ع) مدينة علم النبي (ص) و ضرورة مراجعته و ان أهل البيت (ع) هم الأعلم و هم باب عيبة علم النبي (ص).
[7] - انظر هذه النصوص في البخاري وغيره فيما ذكر تحت عنوان رزيّة يوم الخميس؛ حيث انبرى صحابة للرسول يمنعونه من تدوين وصيته ثم استمروا على ذلك حين سيطروا على زمام الأمور و منعوا من تدوين السنة و نشرها و استمر المنع لمدة قرن أو أكثر حتى ضاعت و أهملت و همشت و حرفت و ابتدعت نصوص كثيرة أدت إلى ضياع السنة النبوية عند عامة المسلمين .
[8] - محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات : 223 / 2، الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت) : 27 / 196 - 197 / ( 33580 ) 49؛ وفي البصائر : حدثنا محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعيل عن منصور عن ابن أذينة عن الفضيل بن يسار قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية مامن آية الا ولها ظهر وبطن وما فيه حرف الا وله حد يطلع ما يعنى بقوله لها ظهر وبطن قال ظهر وبطن هو تأويلها منه ما قد مضى ومنه ما لم يجئ يجرى كما تجرى الشمس والقمر كلما جاء فيه تأويل شئ منه يكون على الأموات كما يكون على الاحياء كما قال الله تعالى وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم ونحن نعلمه .
[9] - انظر ماجمعه السيد عبداللَّه شبر والفيض الكاشاني والحرّ العاملي في‏كتبهم الثلاثة الخاصة بالقواعد الاُصولية من نصوص أهل البيت ونصوص الوحي القرآني لتعرف أن التأسيس لمنهج التفقه في الدين قد حصل منذ الأيام الاُولى للتشريع ولكن تبلور هذا المنهج كان بحاجة الى زمن يناسبه والى ظروف تظهره الى عالم الكتابة والتحرير.
[10] - مثل قوله تعالى : " ما جعل عليكم في الدين من حرج " (الحج 78) و " وعفا اللَّه عمّا سلف " (مائدة 95).
[11] - مثل قوله‏ صلى الله عليه وآله : الإسلام يجبّ ما قبله، لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه، البيعان بالخيار مالم يفترقا، للمزيد راجع : السيد منذر الحكيم، موسوعة أعلام الهداية ج 1 ص 233 " اصول التشريع الإسلامي في تراث الرسول الأعظم (ص) وأيضا ج 8 ص 242 " قواعد فقهية عامة ".
[12] - من تراثه الاُصولي : تجريد الاُصول ومن تراثه الفقهي : معتمد الشيعة.
[13] - المحقق النراقي، عوائد الأيام : 3.
[14] - هناك قواعد فقهية بحثت في كتب علم الاُصول ضمن المباحث الاُصولية مثل قاعدة الطهارة وأصاله الحل، قاعدة الميسور، وقاعدة نفي الضرر، وقواعد فقه المعاملات في عامة كتب الفقه.
[15] - مثل المولى مهدي النراقي وبحر العلوم وكاشف الغطاء والميرزا القمي والسيد علي‏الطباطبائي.
[16] - مثل شريف العلماء والسيد محسن الأعرجي والمولى أحمد النراقي والأعرجي والشيخ محمدحسن النجفي (صاحب الجواهر).
[17] - انظر دليل المحقق لدراسة تطور الفقه الإسلامي الإمامي، مجلة فقه أهل البيت العددين 16 و17. ولا تكفي هذه المراجعة لتحصيل احصائية دقيقة عن الاهتمام العلمي بتدوين القواعد الفقهيه اذا لم تراجع عامة كتب الاُصول المدوّنة في هذه المرحلة.
[18] - الشهيد الأول، القواعد والفوائد : 1 / 33 - 35 ؛ قاعدة [ 4 ] لما ثبت في علم الكلام أن أفعال الله تعالى معللة بالاغراض ، وأن الغرض يستحيل كونه قبيحا ، وأنه يستحيل عوده إليه تعالى ، ثبت كونه لغرض يعود إلى المكلف ، وذلك الغرض إما جلب نفع إلى المكلف أو دفع ضرر عنه ، وكلاهما قد ينسبان إلى الدنيا ، وقد ينسبان إلى الآخرة ، فالأحكام الشرعية لا تخلو ( عن أحد ) هذه الأربعة . وربما اجتمع في الحكم أكثر من غرض واحد ، فان المتكسب لقوته وقوت عياله الواجبي النفقة أو المستحبي النفقة إذا انحصر وجهه في التكسب ، وقصد به التقرب ، فان الاغراض الأربعة تحصل من تكسبه . أما النفع الدنيوي ( فلحفظ النفس عن ) التلف . وأما الأخروي فلأداء الفريضة المقصود بها القربة . وأما دفع الضرر الأخروي فهو اللاحق بسبب ترك الواجب . وأما دفع الضرر الدنيوي فهو الحاصل للنفس بترك القوت . قاعدة [ 5 ] كل حكم شرعي يكون الغرض الأهم منه الآخرة ، إما لجلب النفع فيها ، أو لدفع الضرر فيها ، يسمى عبادة أو كفارة . وبين العبادة والكفارة عموم وخصوص مطلق ، فكل كفارة عبادة وليس كل عبادة كفارة . وما جاء في الحديث : ( الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ) ، و ( ان غسل الجمعة كفارة من الجمعة إلى الجمعة ) ، ( أن الحج والعمرة ينفيان الذنوب ) ، و ( أن العمرة كفارة كل ذنب ) ، لا ينافي ذلك ، فان الصلاة والحج يتصور فيهما الوقوع ممن لا ذنب له ، كالمعصوم . قاعدة [ 6 ] وكل حكم شرعي يكون الغرض الأهم منه الدنيا ، سواء كان لجلب النفع ، أو دفع الضرر ، يسمى معاملة ، سواء كان جلب النفع ودفع الضرر مقصودين بالأصالة أو بالتبعية . فالأول : هو ما يدرك بالحواس الخمس ، فلكل حاسة حظ من الأحكام الشرعية . فللسمع : الوجوب ، كما في القراءة الجهرية . والتحريم ، كما في سماع الغناء وآلات اللهو . وللبصر : الوجوب ، كما في الاطلاع على العيوب ، وإرادة التقويم . والتحريم ، كما في تحريم النظر إلى المحرمات . وللمس : أحكام الوطئ ومقدماته ، والمناكحات ، ثبوتا وزوالا إذ الغرض الأهم منها اللمس . ومما يتعلق باللمس : اللباس ، والأواني ، وإزالة النجاسات ، وتحصيل الطهارات . ويتعلق بالذوق : أحكام الأطعمة والأشربة ، والصيد ، والذبائح . وهذا في جلب النفع ، وإما دفع الضرر المقصود بالأصالة فهو حفظ المقاصد الخمس ، كما سيأتي إن شاء الله . والثاني : هو ما تكون المصلحة مقصودة بالتبع ، فهو : كل وسيلة إلى المدرك بالحواس أو إلى حفظ المقاصد .
[19] - المقداد السيوري، نضد القواعد الفقهية ص 4.
[20] - انظر مقال المؤلف حول قاعدة نفي الضرر في مجلة الفكر الإسلامي العدد الخاص بالشيخ الأنصاري .
[21] - راجع الآيات : 282 و 230 - 234 من سورتي البقرة والطلاق، والنساء : 12 و 95 و113 وغيرها من الآيات التي اشتملت على اشتقاقات هذه المادّة.
[22] - مصطلح النظرية الإجتماعية : مصطلح النظرية يطلق على ثلاثة معاني مختلفة ولكنها مترابطة فيما بينها: المعنى الأول : الرأي والنظر، وهو المعنى اللغوي أو ما يقرب منه : الرؤية و الفكرة و النظرية. المعنى الثاني : المركّب النظري. المعنى الثالث : النقطة الجوهرية في المركّب النظري التي تعبّرعن فلسفة هذا المركب و روحه و جوهره. و المركب النظري عند الشهيد الصدر: «هو المركب الذي يحتلّ في إطاره كل واحد من المدلولات التفصيلية موقعه المناسب. وتستحصل فيه أوجه الإرتباط بين هذه المدلولات التفصيلية. وهذا ما نسميه بلغة اليوم بالنظرية. فيقال : النظرية القرآنية عن النبوّة، النظرية القرآنية عن المذهب الإقتصادي، النظرية القرآنية عن سنن التاريخ». والنظرية الإجتماعية بالمعنى الثاني يراد منها رؤية شاملة حول المجتمع الإنساني تجمع في داخلها تحديد عناصر المجتمع و تحديد موقع كل عنصر في المركب الإجتماعي و علاقته بسائر العناصر و خطوط العلاقة القائمة بين العناصر و الإطار الذي يتم ضمنه التوفيق بين هذه العناصر؛ راجع السيد منذر الحكيم، النظرية الإجتماعية الإسلامية دراسة في فكر السيد محمد باقر الصدر ص 35-36.
[23] - الحج : 78.
[24] - البقرة : 185.
[25] - الشيخ الكليني، الكافي : 5/ 494/ 1، العلامة المجلسي، بحار الأنوار : 22/ 263 - 264/ 3؛ في الكافي : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مغضبا يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان فوجده يصلي ، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : يا عثمان لم يرسلني الله تعالى بالرهبانية ولكن بعثني بالسفيّة السهلة السمحة ، أصوم واصلي وألمس أهلي ، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح .
[26] - الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت) ج 26، ص 14، ح 32382 / 10.
[27] - الشهيد الأول، القواعد والفوائد ج 1، ص 123 القاعدة الثانية.
[28] - الفتح : 25.
[29] - البقرة : 219.
[30] - الشهيد الأول، القواعد والفوائد ج 1، ص 141-146 القاعدة الرابعة.
[31] - الأحزاب : 6.
[32] - الشهيد الأول، القواعد والفوائد ج 1، ص 213 ق 62.
[33] - الإسراء : 36.
[34] - الشهيد الأول، القواعد والفوائد ج 1، ص 422 ق 157.
[35] - الطلاق : 4.
[36] - الشهيد الأول، القواعد والفوائد ج 2، ص 131ق 195.
[37] - القلم : 9.
[38] - آل عمران : 28.
[39] - النحل : 106.
[40] - الشيخ الكليني، الكافي ج 2 ص 217 ح 2.
[41] - الحر العاملي، وسائل الشيعة ج 11 ص 465 ح 23.
[42] - الحر العاملي، وسائل الشيعة ج 18 ص 5 ح 7.
[43] - الحر العاملي، وسائل الشيعة ج 1، ص 313، ح 3.
[44] - الشهيد الأول، القواعد والفوائد ج 2، ص 155 ق 208.
[45] - الحج : 32.
[46] - الحج : 30.
[47] - صحيح مسلم ج 4، ص 1983، ح 23.
[48] - سنن أبي داود ج 2، ص 648 .
[49] - المتقي الهندي، كنز العمال ج 4، ص 43، ح 967 .
[50] - ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي ج 1، ص 435، ح 142، الميرزا النوري، مستدرك الوسائل ج 9، ص 63، ح 10210 / 15.
[51] - انظر : سنن أبي داود ج 2، ص 646، والشيخ الصدوق، الهداية ص 36.
[52] - الشهيد الأول، القواعد والفوائد ج 2، ص 159ق 209.
[53] - الحر العاملي، وسائل الشيعة ج 18، ص 189 ح 11 ، 18.
[54] - الصافات : 141.
[55] - آل عمران 44.
[56] - الشهيد الأول، القواعد والفوائد ج 2، ص 183 ق 213.
[57] - النحل : 90.
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

كنگره بين المللي شهيدين
مجری سایت : شرکت سیگما