التنظير الأخلاقي عند الشهيد الثاني زين الدين العاملي الجبعي (911- 965هـ)
 
 
التنظير الأخلاقي
عند
الشهيد الثاني
زين الدين العاملي الجبعي (911- 965هـ)
                      
                             
 
 
تمهيد
---------- تتناوب مسيرة التاريخ الحضاري للانسانية بين الرقي والانحطاط ,, وتتفاوت فترات الرقي والانحطاط زمنيا .. وتختلف مفاهيم الرقي والانحطاط بأختلاف فلسفات مجتمعاتها وانتماءاتهم ,, ولكنها تتفق على ان العلم والعمل هما الركيزتان الاهم . لاسباب الرقي ونقيضيهما ركيزة الانحطاط .. وان اختلفت تلك الاراء في صغريات مصاديق العلم او العمل ..
وتقاس مديات الرقي في تعدد العلوم , ووفرة المعاهد والمؤسسات العلمية والبحثية وحرية البحث . وتتبع العلوم والمعاهد في رقيها , ابداع العلماء وافكار الباحثين وانتاجاتهم ونشاطاتهم العلمية .
وأن نتاجات السابقين تشكل اصولا ومصادرا للاحقين وعند ذلك يتناغم التاريخ مع الحاضر ويرتبط الابداع مع الاصالة ويبقى الفكر حيا لايموت .
ومن الوفاء للعلم والعلماء تخليد ذكراهم , واحياء تراثهم , وتتبع مسيرتهم ليكونوا هدى للاجيال واسوة حسنة سهلة المنال .
وتاريخ الاسلام الثقافي والعلمي مليء باولئك . بحيث لا يكاد يخلو كل قرن من قرونه التي سلفت من علماء ومفكرين ومبدعين ومجددين , اوصلوا الحضارة الانسانية الى ارقى عصورها حتى في احرج ظروف الكبت والحرمان والقهر والتسلط والتنكيل , وخصوصا ما وقع منها على فكر ائمة اهل البيت ( عليهم السلام) والسائرين على نهجهم .
 
والشهيد الثاني :
---------------------- واحد من أولئك الذين مضوا ضحية ذلك . وهو الشيخ زين الدين بن الشيخ نور الدين علي بن احمد بن محمـد بن جمال الـدين الشيـخ تقـي الديـن بن صـالح بن مشرف الطلوسي ([1]) الشامي العاملـي الجبـعي ([2])المولود في 13 شوال سنة 911 هجرية ([3]) شهرته ( ابن حجة ) أو (إبن الحاجة) . قضى عمره بين العلم والعبادة والعمل . فدرس وطالع, وصنف وراجع ,,  وقضى ليله في العبادة والخشوع والتذلل والدعاء ,, وعمل بيده في تدبير احوال معيشته ..
ارتحل هنا وهناك, وقرأ على هذا وذاك ,
 حتى اجتمـعت عنده العلوم واصبح ملاذ العاملين , وموئل الطلاب والدارسين .
وتعددت مواهبه . حتى انتهى اليه الادب بجميع فنونه .
ودار قطب الفقه حوله حتى اصبح فلك شموسه .
سبر اغوار الاصول حتى عد من اقطابه , وله عصا السبق في الحديث وعلومه فأبدع في المعقول والمنقول وقيل أنه أول من صنف من الإمامية في دراية الحديث ، لكنه نقل الإصطلاحات من كتب العامة ([4]) . وتدبـر القـران الكـريــم وتفـكـر في اياتـه فاطنـب في الوجيز , واوضـح منـه الغـريب والعـزيـز .
ومن امهـات العلـوم هـذه عـرف الهيئة والحساب والعلوم الصعاب , حتى طرق فيها كل باب . فكان موسوعيا بحق .
وكان الشيخ زين الدين موضوعيا متجردا من كل هوى.
فقد اصَل للفقه فأبدع , ونظّر للاخلاق فأجاد . وقد درس فوعى , ودّرس فافهم . فتعددت مداركه , وتنوعت مسالكه .
استند الى العقل والنقل , والف بين المختلف والمؤتلف . نسق ونمق, وحقق وعلق. .رتب وبـُوب , واختصر واطنب .
فليس في اطالته ملل , ولا في اختصاره خلل .
صاغ اللفظ فأصاب المعنى , وتحرى الدليل وبحث في المبنى .
يطلق فيصيب , ويقيد بلا عيب , حتى اصبح منارا للعلم , ومنهجية للبحث والتنقيب .
ابتغى حضارة الحوار , ونظّر للحوار الحضاري .
فدرس لغة الاختلاف واسبابه . وشخص داء التفرقة , ووصف دواء التقارب.  لذلك قرأ على الموافقين والمخالفين واستجازهم   . دّرس الافكار والرؤى والتشريعات على مختلف المذاهب واجازهم .
ومن تفرد إبداعات حياته : تلك الروح العلمية الوثابة الباحثة عن الحقيقة بموضوعية متجردة عن كل إنتماء .. فقد كسَر حواجز المذهبية الضيقة ، والطائفية المحدودة ، وإنطلق في آفاق البحث والتنقيب لبحث سبل الآلتقاء وتقريب هوة الإفتراق .
فكان كثير الرحلات ، واسع الا فاق ، نبذ الفرقة ، وتجاوز حدود الإختلافات .
فدرس الفقه المقارن ، ووازن بين النتيجة والدليل ،، وأجازه المخالفون لمذهبه برواية مصادرهم ، إذ لا تمنح الاجازات وقتذاك اعتباطا , وانما ينظر الى المستوى العلمي والاخلاقي والادبي الذي يعد عند المانحين لها الميزان لكل الحقول والاختصاصات العلمية
وإجتهد في فقههم فكان : شافعيا بين الشافعية . ومالكيا مع المالكية . وغيره مع غيرهم . ليدلل على وحدة العلم ، وسمو الهدف ، وسلامة النوايا ، والإخلاص في العلم والعمل .
وأثبت إن تباين النتائج نتيجة حتمية لتنوع الفكر عند البشر تبعا لتنوع إنتمائاتهم .
فقد بدأ بفطرة لاتنتمي إلا لما فطرها الله عليه ..
وعاش مستوعبا لهذه الفطرة ، وسار منقبا عن الإعتصام بحبل الله ، مطبقا لوحدة الأصل والمنبع ،، داعيا إلى وحدة المصير والمآل .
ولذلك دعا إلى العلم والعمل به ، ولكنه ميَز بين العلماء ودعاة العلم ، وبين طلاب الحقيقة والباحثين عن غيرها .
فوضع نظرياته للعلم وسموه ، وحذَرمن إذلالــه وبـذلـه في غير أهله .
ونظًر للمعلم مهام عمله ، وألقى على عاتقه أثقـل الأمانات .
ورسم لطالب العلم طريقا عبًده بالــورود وحذًره من أشواكها .
ولم يترك حلقات الدرس ، فأعطاها قداسة لاترقى إليها قداسة .
ليصون العلم والعلماء وطلابه .
فقد اكتسب علما , وعمل بما علم وذهب ضحية لعلمه وعمله .
 قتله جمود الافكار المتحجرة , وبغى عليه الذين لا يرون الاعتصام بحبل الله , بعد ان ابى الا أن يكون كذلك .
فصدق ما عاهد الله عليه , وانتظر حتى قضى نحبه شهيدا في عام 965 او 966 هجرية
وقد(( كان لابواب الخيرات مفتاحا , وفي ظلمة عمى الامة مصباحا , منه تعلم الكرم كل كريم , وبه استسقى من الجهالة كل سقيم , واقتفى اثره في الاستقامة كل مستقيم . لم تأخذه في الله لومة لائم , ولم تثن عزمه عن المجاهدة في تحصيل العلوم الصوارم , اخلص لله اعماله ،فأثرت في القلوب اقواله )) ([5])
اما صفاته الجسدية فقد (( كان ربعة من الرجال في القامة معتدل الهامة , وفي اخر امره كان الى السمن اميل , بوجه صبيح مدور , وشعر سبط الى الشقرة ما هو , مع سواد العينين والحاجبين , وكان له خال على خديه واخر على جبينه . وبياض اللون ولطافة الجسم , عبل الذراعين والساقين , كأن اصابع يديه اقلام فضة إذا نظر الناظر في وجهه وسمع لفظه العذب لم تسمح له نفسه بمفارقته وتسلى عن كل شيء بمخاطبته . تملي العيون من مهابته وتبتهج القلـوب لجـلا لـته وأيم الله أنه فوق ما وصفت، وقـد إشتمـل على خصال حميدة أكثر مما ذكرت)) ([6])
وما احتوى من مواهب وما اكتسب من علوم وما ترك من اثار يتعب الباحثين عنه وعن جهوده وافكاره , ولا يمكن لقاعدة تقديم الاهم على المهم ان تهديهم . لصعوبة التفريق بين مؤلفاته واثاره . وقد دعتني الى الخوض في مضمار الاخلاق عنده , حاجة الاجيال المتعاقبة الى اسس تربوية واخلاقية توضح رؤية العقائد الدينية عموما , والعقيدة الاسلامية , بوجه اخص انطلاقا من التوحيد .
فقد قال تعالى (( أرأيت من اتخذ الهه هواه ))([7])
وقال عز من قائل (( الذين اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله )) ([8])
وتزيل الغموض والعتمة عن الحكمة الالهية في العبادات التي فرضتها .انطلاقا من
 قوله تعالى :(( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر  ... )) ([9])
التنظير الاخلاقي عند الشهيد الثاني :
---------------------------------------- لم يكن دور الاخلاق والتربية في الشريعة الاسلامية دورا ثانويا , اعتمد التوجيه والتوصيات – كما في التشريعات الوضعية الاخرى – بل كان اساسا ابتنت عليه الشريعة بدءا من عقيدتها بالتوحيد , وانتهاء الى اخر مناطات احكامها في المباح .
فقد بدأت الاخلاق من بذرة تكوين الانسان كعلقة في رحم امه فبارك الله به ولابويه ان كان من نكاح , وتوعد وهدد ان كان من سفاح .
ورافقه في مسيرته في الحياة الدنيا , حتى دخوله القبر متطهرا من الاخباث .
فوحدة الاصل تدعوه الى نبذ التعالي على بني جنسه, ووحدة النسب توقظه عند التفاخر بحسبه . وعبوديته للخالق تذلل من كبريائه , وتحد من جبروته, ونهايته كجثه هامدة تفزعه .
فمهمة الاصلاح الذي اوكلت اليه , واستخلاف الارض الذي انيط به حمّله عبئأ اعتذرت عن حمله السموات والارض .وما تتم مهمة الاصلاح هذه الا بالاخلاق .
لم تتفرد الشريعة الإسلامية دون الشرائع الأخرى بمهمة الأخلاق ،وإنما دعت إليها جميع الشرائع حتى غير السماوية منها ، فهي تهدف إلى تقييم سلوك الفرد ،وإن إختلفت في الوسائل الموصلة إليه . لآن الأخلاق والسلوك المنضبط هو التعقل ،ودعاة الأديان يشتركون بالعقــل .
وقد يرى البعض منهم نسبية الأخلاق ، تبعا لنسبية الفضيلة والرذيلة ،بالزمان أو المكان .
ولكن هذه النسبية ليست أصيلة في الأخلاق ، وإنما مكتسبة تبعا للأعراف والتقاليد والموروثات لتلك المجتمعات.
وإلا فمفــهوم الفضيــلة واحد ، ومدلول الرذيــلة ثابت ، وعلى هذا الأساس من الثبوت جاء مفـهوميــهما واحد في الشرائع السماوية .
وما يراه البعض إختلافا فإنه قادم من تقادم الزمن عليها وإبتعاد المفهوم عن مصدره الأساس، وتدخل النوازع والنوايا الإنسانية – غير المعصومة – حولت المفاهيم الإلهية إلى مفاهيم بشرية وإختلطت حقيقتيــهما .
فتحول الفكر اليهودي إلى فكر اليهود ، والفكر المسيحي إلى فكر المسيحيين . والفكر الإسلامي إنتابه فكر المسلمين .
وبين الإثنين بون شاسع .
أما الشريعة الاسلامية فلم تترك ذلك الامر مبهما ولا مشوشا . بل اوضحت سبله وبنيت مسالكه , كي لا يكون الامر على الناس غمه . فدعت الكثير من ايات القران الكريم الى ذلك
 اشارة وتلميــح تـارة , وافصــاح وتوضيـــح تـاره اخـــرى.
 قــال تعــالى:(( ولا تمـش فـي الارض مـرحـا انـك لـن تخـرق الارض ولن تبـلغ الجبال طــولا )) ([10])
 ((ولاتصـعرخدك للناس ولا تمش في الارض مرحا ان الله لا يحب كل محتال فخور )) ([11])
ولو استقرأنا هذا الهدف من القران الكريم لطال بنا البحث.  وفي سنة المعصومين وسيرتهم اكثر منه اقوالا وافعالا وتقريرا ... اذ لا تحويه صفحات بحث كهذا .
فوعى الشهيد الثاني ذلك بعد ان رأى ان الفقه الاسلامي بمؤلفاته المتعددة ورسائله العلمية وقد نحى المنحى القانوني اكثر من منحيات المقاصد, فأعتمد الدليل لاستنباط الحكم ثم اصدر الفتوى في الاركان والواجبات والشروط والموانع والمبطلات لصحة الفريضة .
بينما ابتعد الفقـــه تماما بل واهمـل الخوض فيما يتفرع من تلك الفرائض من سلوك واخلاق فردية او اجتماعية وهذا قد يفقد الفرائض مغزاها الحقيقي او الغاية والاهداف التي شرعت من اجلها . فتربية الروح الناشيء من العبادات يجب ان ينشأ منه سلوك فردي يتناغم مع الروح .
 فوضع منية المريد نظر بها آدابا للمفيد والمستفيد.
وقد (( تميز به عن غيره من المفكرين التربويين القدماء , بأنه استفاد من كل التراث النظري والعلمي الذي استطاع ان يتوصل اليه , فظهر كأنه موسوعة متكاملة تتضمن اغلب ما يرتبط بالعملية التربوية من بعيد او قريب . فمن باب فضائل العلم الى المناهج , الى المناظرة والاستفتاء والاجتهاد , بوصفها مجالات علمية ونظرية لاستمرار العملية التحصيلية , الى الكتابة وتقييد العلم .
واذا شاركه غيره في معالجة الموضوعات المطروحة , فأن اسلوبه في العرض ومنهجه المنطقي التبويبي المنظم جاء ليبرز عبقرية هذا الفقيه , ويضفي على مؤلفاته طابع الجدة والتجدد , فبدا كأنه اول من تطرق لهذا الموضوع )) ([12]).
وقد قدم العلم على جميع الاخلاق , فربط الحصول عليه والتوفيق به على اخلاق المتعلم , وطلب بذلك روح العلم ,فقصد المعنى وعّبر عنه بالالفاظ . فقال : (( ان الله سبحانه جعل العلم هو السبب الكلي لخلق هذا العالم )) ([13])
فأستند الى القران دليلا على نظرياته , واستشهد بالكثير من اياته في معترك حديثه,
 ويردف الاية بالاية لتوضيح مرادها , ويعود الى اصول الفقه , فيستند على المعقول دليلا على نظرياته . فقال ( على سبيل المثال ) – (( وقد تقرر في اصول الفقه ان ترتب الحكم على الوصف مشعر بكون الوصف عله )) ([14])
واعتمد السنة والاثر لتكون اسسا ودلائلا لمنهجه في التنظير ([15]).
واقتطــع فصـلا مـنها لاحــاديث ائمـة اهـل البيـت (عليهم السلام) واطلـق عليــه طـريـق الخـــاصـة ([16]). 
ورجع الى اقوال الحكماء وكتب السماء , كالتوراة والانجيل والزبور ليقوي دلائله , ويسند براهينه , وليجعل من الاخلاق مشتركا عاما لكل الطوائف والملل والاديان , ثم ليخاطب القــاصي والـدانـي  ([17]).
فأستخـرج مـن بطـون الاثـار احـاديـثا جمـعها ونسقـها بتـبويب تتقـارب فيه المعاني , ليضع للمستفيد منهاجا وتشريعات اخلاقية يستشف منها بغيته , ويشرح له معانيها , ويستطلع الفاظها.
 ولعل من بدائع حكمه وروائع نظرياته نقله لقول بعض المحققين بأن (( العلماء ثلاثة :
- عالم بالله غير عالم بأمر الله , فهو عبد استولت المعرفة الالهية على قلبه فصار مستغرقا بمشاهدة نور الجلالة والكبرياء , فلا يتفرع ليتعلم علم الاحكام الا ما لا بد منه ,
 - وعالم بأمر الله غير عالم بالله , فهو الذي عرف الحلال والحرام ودقائق الاحكام , لكنه لا يعرف اسرار جلال الله .
- وعالم بالله وبأمر الله , فهو جالس على الحد المشترك بين عالم المعقولات , وعالم المحسوسات , فهو تارة مع الله بالحب له , وتارة مع الخلق بالشفقة والرحمة , فأذا رجع من ربه الى الخلق صار معهم كواحد منهم , كانه لا يعرف الله , واذا خلا بربه منشغلا بذكره وخدمته فكأنه لا يعرف الخلق . فهذا سبيل المرسلين والصديقين وهو المراد بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم) : ( سائل العلماء , وخالط الحكماء , وجالس الكبراء ) )) ([18]).
فصنف وفق ذلك العلماء حسب اهداف مناهجهم وغاياتهم , وترك للمتعلم حرية الاختيار بعد ان هداه الى احسن السبل .
وصنف العلوم كذلك الى ثلاثة اصناف :
الاول : علم بالله , يبحث فيه عن كنه معرفته , وحكمة وحدانيته , وصفاته وذاته , ليستفرغ جهده في طريق الوصول اليه , واطلق عليه علم المعقولات . ثم خص العاملين به بصفة الحكماء , وامر بمخالطتهم , ولم يكفرهم او يوصي بأجتنابهم كما امر بعض من سبقه , ومثلهم كالقمر ينقص تارة ويزيد اخرى .
الثاني :
علم بأوامر الله , ومباحثه الفقه , والاحكام الشرعية , ومناطات تلك الاحكام من حلال او حرام واطلق عليه المحسوسات , ووسم العاملين به بالعلماء . ثم امر بأتباعهم لتجنب الزلات والشطط . وصورهم بالسراج الذي يحرق نفسه لاضاءة طريق غيره .
الثالث : علم بالله واوامره . وهذا يشمل المعقولات والمحسوسات , فذلك العلم والعمل . معرفة الله كأنه يراه , وعاملا ومنفذا لامر مولاه , ومثله كالشمس لا تزيد ولا تنقص . ([19])
فدعا الى الحكمة والفقه , والى العلم والعمل .
ومن هنا انطلق يفصل في الاداب , وهي مفاتيح الاخلاق فبعد ان حث على العلم والتعلم وجعله اشرف صناعة يتعاطاها الانسان . ترتفع بصاحبها وتسمو به عن مدارك هوى النفس . وضلالات الجهل , وتهديه سبل الرشاد الى سعادة الدنيا وحسن ثواب الاخرة .
ثم بدأ يملي على المعلم ادابه , وعلى المتعلم ادابه , وصنفهما بين الثابت والمتغير , او بين العام والخاص , او بين الدائم والمؤقت .
فالاول في النفس , والثاني في مجلس الدرس ([20])  
وراح يقسم العلم وفق آثاره على ثلاثة اصناف
1-     علم خزقة لا قيمة له .
2-     علم جوهرة لا يعلم قيمتها لعظم قدرها .
3-     علم ويال على صاحبه .
وجعل نية العمل والاخلاص في طلب العلم وبذله هو مدار قيمة ذلك العلم .  
وكعادته استدل على نظريته تلك بالقران واياته , وبالسنة والاحاديث المروية فيها .
ولعل من ابدعها قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) : (( اشد الناس عـــذابا يــوم القيـــامة عالــم لم ينفعــه علمــه )) ([21])
او قولــه  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( كـل عـلم وبـال على صاحبـه يـوم القيـامــة , الا
 
من عمل به )) ([22])
او قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( من قال انا عالـــم فهــو الجـــاهــل )) ([23])
ويوصي بالاخلاص في العلم ويعده هدفه وغايته القصوى , اما العمل بالعلم فهو قبول العلم .فالقبول اذن مرتبط بنكران الذات ونبذ الهوى ومرديات النفس ونوازعها .
وبهذا قال (( انما كان الغرض الذاتي من العلم مطلقا . العمل )) ([24])
ويحول نظرياته الى تطبيق فيقول : (( وهكذا الفقيه اذا احكم علم الطاعات , ولم يعمل بها . واحكم علم المعاصي الدقيقة والجليلة ولم يتجنبها , واحكم علم الاخلاق المذمومة وما زكى نفسه منها , واحكم علم الاخلاق المحموده , ولم يتصف بها , فهو مغرور في نفسه ومخدوع عن دينه , اذ قال الله تعالى (( قد افلـــح مـن زكــاهــا )) ([25])
ولم يقل قد افلح من تعلم كيفية تزكيتها , وكتب علمها وعلمها الناس )) ([26])
ومن نظرياته تحذير اهل العلم والمعرفة وطالبيها من الغرور والتعالي فهذه افة للعلم والمتعلم والغرور يؤدي الى الحسد , والحسد باب الحقد , والحقد من حبائل الشيطان , وحذر من النفس ومدارك هواها , وقد شخص الداء تشخيصا دقيقا . ووصف الدواء بقوله : (( ومن احسن في نفسه بهذه الصفات المهلكة فالواجب عليه طلب علاجها من ارباب القلوب , فأن لم يجدهم فمن كتبــهم المصنـفة فـي ذلك , وإن كـان كلا الأمـرين قد إنمحى أثره , وذهب مخبره , ولم يبق إلا خبره – نسأل الله المعونة والتوفيق – فـالـواجب عليه الانفراد , والعزلة , وطلب الخمول , والمدافعـة عما يسأل . الا ان يحصل على شريطة التعلـم والعــلم )) ([27]) .
ولكي لا يكون الامــر غمــة على العالم في تشخيصه للداء , فقد استدرج كل تساؤلات تخطر على باله , واجابـه عليها وكانه في ذاتك يحدثك عن نفسك , فيكرر القول (( ربما يأتيه الشيطان – او – ربما لبس الشيطان عليه )) او ما شابه ذلك من العبارات .
فيزيل الوهـم ويـوضـح الغـمة , ويـكشف الغشـاوة , ويحـذر العــالم من ذلك اكثر من الجاهل . كون الاول قدوة للثاني وافعال العالم عذر للجاهل . (( لان الجـاهل يأتي يوم القيامة بذنبه , والعالم يأتي بذنبه الذي فعله , وذنب من تأسى به , واقتــدى بطــريقــته الى يوم القيامة )) ([28])
وما ابدع ما يستنطق النصوص القرانية , ويتعدى ظاهر الفاظها الى المراد فمن قوله تعالى : (( فلولا نفـــــر مـن كــل فــرقــــة ... )) ([29]
ويقول : (( الذي يحصل به الانذار غير هذا العلم المدون , فأن مقصود هذا العلم حفظ الاموال بشروط المعاملات , وحفظ الابدان بالاموال وبدفع القتل والجراحات , والمال في طريق الله اية , والبدن مركب , وانما العلم المهم هو معرفة سلوك الطريق إلى الله تعالى , وقطع عقبات القلب التي هي من الصفات المذمومة , فهي الحجاب بين العبد وبين الله تعالى , فأذا مات ملوثا بتلك الصفات كان محجوبا عن الله تعالى ومن ثم كان العلم موجبا للخشية , بل هي منحصرة في العالم كما نبه عليه تعالى بقوله (( انما يخشى الله من عباده العلماء )) ([30]) اعم من ان يكون فقيها او غير فقيه )) ([31]) .  
اما التوكل على الله واخلاص النية وتفويض الامر له في توفير الرزق لطالب العلم فهذا امر مفروغ منه عنده ومن الضروريات وقد حذر من الاستعانة بغير الله بذلك مستندا في ذلك على اخبار مروية ادرجها في مضانها .([32])
ولكنه اصر على حسن الخلق بزيادة على الناس ( للعالم وطالب العلم ) وكذلك التواضع وتمام الرفق , وبذل الوسع في تكميل النفس , وقد بدأ حديثه برواية عن الصادق (عليه السلام) : (( اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار , وتواضعوا لمن تعلمونه العلم , وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم , ولا تكونوا علماء جبارين , فيذهب باطلكم بحقكم )) ([33]),
ونظر لعفـة النفس , وعلو الهمة , والانقباض عن الملوك واهل الدنيا وقال في ذلك (( لا يدخل اليهم طمعا , ما وجد الى الفرار منهم سبيلا , صيانة للعلم عما صانه السلف , فمن فعــل ذلـك , فقــد عــرض نـفسه , وخــان امــانتــه , وكثيـرا ما يثمــر عـدم الوصــول الى البغيــة )) ([34]).
واوصى بأظهار تلك الاخلاق الى العمل في الحفاظ على شعائر الاسلام وظواهر الكلام , كالصلاة , وافشاء السلام للخاص والعام مبتدئا ومجيبا , والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الاذى والا (( اذا لم ينتفع العالم بعلمه , فغيره ابعد عن الانتفاع به , ولهذا عظمت زلة العالم لما يترتب عليها من المفاسد .
ويتخلق بالمحاسن التي ورد بها الشارع وحث عليها , والخلال الحميدة والشيم المرضّية من السخاء والجود , وطلاقة الوجه من غير خروج عن الاعتدال وكظم الغيظ , وكف الاذى , واحتماله , والصبر والمروءة , والتنزه عن دني الاكتساب , والايثار , وترك الاستيثار , والاتصاف , وترك الاستنصاف , وشكر المفضل , والسعي في قضاء الحاجات , وبذل الجاه والشفاعات والتلطف بالفقراء والتحبب الى الجيران والاقرباء , والاحسان الى ما ملكت الايمان , ومجانبة الاكثار من الضحك والمزاح , والتزام الخوف والحزن , والانكسار والاطراق والصمت , بحيث يظهر اثر الخشية على هيئته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه وسكوته )) ([35])
بعدها درج العادات والاخلاق الذميمة والخلق الدنيء, ونهى عن العادات والصفات فهو يوافق من يرىبان العلم نور (( لا يقذفه الله تعالى بالقلب المنجس بالكدورات النفسية , والاخلاق الذميمة , كما قال الصادق (عليه السلام) ((ليس العلم بكثرة التعلم , وانما هو نور يقذفه الله تعالى في قلب من يريد الله ان يهديه )) ([36]) .
وفي القسم الثاني
 فصل نظرية الارشاد والتوجيه التربوي , فدعا الدارسين والمتعلمين على الاشتغال بالعلم والدرس والمطالعة واعتبره لهم رأس مال يقدم على كل الاهداف والغايات.
 ومن نظرياته لطالب العلم :
(( ان لا يسأل احدا تعنتا وتعجيزا , بل سؤال متعلم لله او معلم له , منبه للخير قاصد للارشاد او الاسترشاد ))
ونهى عن المراءاة والجدال وحب الظهور وقصد الغلبة . ووضح مساوئ ذلك وحذر المعلم والمتعلم منه .
وهذا يتبع الغايات السامية للعلم والتعلم , ويبعدهما عن الغايات الرخيصة والمبتذلة , لان تحصيل العلم اسمى غايات الخلق , ولم يترك الامر عاما دون تخصيص , ولا مطلقا دون تقييد , فقد حدد المفهوم الى ادق مصاديقه , وما ابدع قوله عند تعريفه للمراء فيقول (( واعلم ان حقيقة المراء الاعتراض على كلام الغير بأظهار خلل فيه لفظا او معنى او قصدا لغير غرض ديني امر الله به , وترك المراء يحصـل بتـرك الانكـار والاعتـراض بكل كــلام يسمعه , فأن كان حقا وجب التصديــق به بالقلب , واظهار صدقــه حيث يطلـب منه . وإن كـان باطلا, ولم يكن متعلقا بأمـور الدين , فأسكت عنه ما لم يتمـخـض النهـي عـن المنـكر بشروطه )) ([37]) .                               
وقــــد استنتج من قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( الحكمـــة ضــالة المـــؤمن ))  نظريته في (( ان لا يستنكف من التعلم والاستفادة ممن هو دونه من منصب او سن او شهرة او دين او في علم اخر – } ا و قوله {  - الانقياد للحق بالرجوع عند الهفوة ولو ظهر على يد من هو اصغر منه )) ([38]).
واعتبر الاصرار وعدم الرجوع عن الهفوة من الكبر المنهي عنه ولعل في لقاء موسى (عليه السلام) مع العبد الصالح ادق الاثار في ذلك وأقواها دليلا .
فأن اكبر افات المعرفة والعلم الكبر وادعاء الاعلمية مهما اوتي من علم فالعلم نور الهي ونفحة ربانية لا تمنح الى متكبر , لان الكبرياء ثوب الله ما لبسه احد الا واذله الله .
وقد قسم توصياته على اركان العلم الثلاثة . العلم , والمعلم , والمتعلم , واعطى لكل ادابه واخلاقياته .
فعلى المعلم ان لا يورد العلم الا بعد التأكد من الحقيقة وازالة الاوهام والشبه عنها , والسؤال والبحث والتقصي عنها , حتى تحصل له القناعة بها كي لا يترك بابا مفتوحا للطعن للخصماء والاعداء , فيكون وصمة عليه . ومنها ان يتطهرمن الحدث والخبث ومتطيب في الثوب والبدن فأعطاه المخبر والمنظر .
وأعطاه آدابا مع نفسه وألزمه الإتصاف بها . ومنها: ([39])
1-     أن لايتصدى للتدريس إلا بعد أن يرى في نفسه الكفاءة والأهلية الكاملة . ويشهد له قرنائه وشيوخه بها.
2-     أن يبذل العلم لآهله ، ولايذله في غير أهله .
3-     أن يكون عاملا بعلمه .وإلا يكون ممن قال بهم الله تعالى : (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ))([40])
وعن الامام علي ( عليه السلام ) قوله :(( قصم ظهري رجلان , عالم متهتك , وجاهل متنسك , فالجاهل يغش الناس بتنسكه , والعالم ينفرهم بتهتكه )) ([41]).
ويحترز بمخالفة فعله لقوله . فيكون ممن وصفهم الإمام الصادق (عليه السلام ) :
(( من لم يصدق فعله قوله فليس بعالم ))([42])
ولذلك نراه يوصي العالم والمتعلم بحسن الخلق والتواضع ويحذره من عدمها لانه (( قد علق في عنقه امانة عظيمة وحمل اعباء من الدين ثقيلة , فليجتهد في الدين جهده.  وليبذل في التعليم جده , عسى ان يكون من الفائزين )) ([43]).
4- أوصى المعلم بزيادة حسن الخلق والتواضع ،وبذل وسعه في تكميل نفسه، فعن الإمام علي (عليه السلام) قوله : ((إن للعالم ثلاث علامات:العلم والحلم والصمت. وللمتكلف ثلاث علامات : ينازع من فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهــــــــر الظلمة ))([44]).
5-     وأن لايمتنع من تعليم أحد بحجة أنه غير صحيح النية .
6-     بذل العلم لمستحقيه وعدم البخل به،.  
والثاني ادابه واخلاقه مع العلم كبذله والعمل به وعدم اذلاله .
والثالث ادابه واخلاقه مع طلبته([45] ) بأن يودبهم على الخلق الرفيع والاداب والشيم المرضية وصيانة النفس من الهوى والاخلاص لله تعالى ويزهده في الدنيا ويصدقه عن التعلق بها .
ويرغبهم في العلم وان يحب لهم ما يحب لنفسه ويزجرهم عن سوء الخلق وينهاهم عن المعاصي .
ولعل من أهم نظرياته في هذا :أن يتواضع لطلبته ، ولايتعاظم عليهم .ويسأل عن غائبهم ويتفقد أحوالهم ،ويعرف كل ما يحيط بهم. ويكون سمحا معهم،سهلا متلطفا بهم بالرفق والنصيحة،
ومن وصاياه في ذلك (( أن لايتأذى ممن يقرأ عليه إذا قرأ على غيره أيضا ، لمصلحة راجعة إلى المتعلم ، فإن هذه مصيبة يبتلى بها أكثر جهلة المعلمين ومن لايريد بعلمه وجه الله تعالى ، لغباوتهم وفساد نياتهم ))([46])
ومن دقة تشخيصه للعلم وامراض حلقات الدرس وما يشينها فقد اوصى المعلم والطالب على لبس ردائه وثيابه وهيبته ووقاره, حال وقوفه وجلوسه – كأن يستقبل القبله – والتجمل والتعطير , وحتى مكان الجلوس لا في حمارة القيض ولا قرارة الزمهرير ([47]).
ومن بدائع نظرياته في طرق التدريس ،على المعلم ((أن يتحرى تفهيم الدرس بأيسر الطرق ،وأعذب ما يمكنه من الألفاظ ، مترسلا ،مبينا ،موضحا ،مرتبا من المقدمات ما يتوقف عليها تحقيق المحل ، واقفا في موضع الوقف .موصلا في موضع الوصل ، مكررا ما يشكل من معانيه وألفاظه مع حاجة الحاضرين ،أوبعضهم إليه، وإذا فرغ من تقرير المسألة سكت قليلا حتى يتكلم من في نفسه كلام عليه))([48]).
وأوصاه ((أن لايشتغل بالدرس ،وبه ما يزعجه ويشوش فكره من ،مرض ،أو جوع، أوعطش ،أو مــدافعة حدث ، أوشدة فرح أو غـم ، أوغضـب ، أونعاس ، أوقـلـق ، أوبرد أوحر مــــــؤلمين ))([49])
وأطلق العنان للعلم ورفض تقييده بعمر دون غيره معترضا على الماوردي في أدب الدين والدنيا الذي يرى بأن العلم في الكـبر كالكتـابـة على المــاء .([50])
بينما يرى الشهيد الثاني بأنه (( قد إشتغل جماعة من السلف في حال كبرهم ، فتفقهوا وصاروا أساطين في الدين وعلماء مصنفين في الفقه وغيره ))([51]). فأطــلق نظريــة العلم من المهــد إلى اللحـــد ،وجعل العلــم كالهــواء لاينبــغي لأحد أن يمنعـه عن آخر.
وأوصى طالب العلم بالتنحي عن الأهداف الجانبية التي تعرقل مسيرته العلمية ، كالسعي وراء الثروة والغنى والجاه والسلطة والرئاسة ، وجعل العلم الغاية القصوى وتحصيله الهدف الأسمى ،لأن (( العلم لايعطــيك بعضــه حتى تعطيـه كــلك ))
وهو يرى بأنه ((لاشيء أولى ولا أفضل ،ولاواجب أضيق من العلم ، سيما في زماننا هذا ، فإنه وإن وجب على الأعيان ، أو الكفاية على تفصيل ، فقد وجب في زماننا هذا على الأعيان مطلقا ،لآن فرض الكفاية إذا لم يقم به من فيه كفاية يصير كالواجب العيني في مخاطبة الكل به وتأثيمهم بتركه ، كما هو محقق في الأصول ))([52]).
وتعتمد اسس التربية والتعليم على ما كتبه الغربيون اليوم دون العودة الى التراث الاسلامي وما خلفه العلماء المسلمون في هذا الباب (( وان النقل الحرفي للمناهج الغربية في العلوم الانسانية خصوصا وتطبيقاتها بوصفها نماذج علمية مثالية في العالم الثالث , يلغي كل خصوصية اجتماعية ودينية وجغرافية للشعوب والامم غير الغربية , وهنا مكمن الداء العضال الذي نتخبط فيه )) ([53]).
وعودة ومراجعة بدقة وتوضيح لكتاب الشهيد الثاني هذا نراه قد بين اسس التربية وعلم النفس التربوي ووضح طرق التدريس وكيفية تعامل المدرسين مع طلابهم والمتعلمين مع مدرسيهم بأختلاف مستوياتهم , وتباين مشاربهم , وتعدد درجات ذكائهم , وحتى تلك المفاجات التي تحدث اثناء الدرس وكيف يتعامل المعلم معها ومع الطلبة وطرق ذلك التعامل فيقول مثلا (( واذا سأل – الطالب – عن شيء ركيك فلا يستهزيء به , ولا يحتقر السائل , فأن ذلك امر لا حيلة فيه , ويذكر ان الجميع كانوا كذلك , ثم تعلموا وتفهموا )) .
ويعود للمعلم فيوصيه بان (( من اهم الاداب اذا سئل عن شيء لا يعرفه او عرض في الدرس ما لايعرفه , فليقل لا اعرفه او لا اتحققه او لا ادري , او حتى اراجع النظر في ذلك , ولا يستنكف عن ذلك فمن علم العالم ان يقول فيما لا يعلم : لا اعلم او والله اعلم )) ([54])
فنظّر للعلم ادابه واخلاقياته .
 و للمفيد ادابه واخلاقياته, في نفسه وفي المستفيد وفي العلم.
وللمستفيد اخلاقه في نفسه ومع شيخه وفي مجلس درسه .
وفصل القول في كل من هذه الثلاث .
وأعطى للتعلم نظريات وإلتفاتات لم تكن قد تبلورت في وقته ذاك ، فرسم لطالب العلم منهجا دقيقا وطريقة علمية ينتهجها ، فدعاه إلى التخصص في القراءة والمطالعة , وحدد له إستغلالا أمثل لطاقته ووقته فدعاه إلى (( ترتيب التعلم بما هو الأولى ، والبدء فيه بالأهم فالأهم ،فلا يشتغل في النتائج قبل المقدمات ، ولا في إختـلاف العلماء – في العقــليات ، والسمعيـات – قبل إتقان الإعتقــاديات ، فإن ذلك يحير الذهـن ويدهـش العقـل ، وإن إشتغــل في فـن فـلا ينتقــل عنـه حتى يتـقن فيه كتابا ، أو كتبا إن أمكن .وهكذا القول في كل فن ))([55]).
ولايقتصر الطالب على التعلم من العلماء المشهورين أو الأعلام منهم . لأن الحقيقة ليس حكرا على أحد ،والمشهورين والأعلام لم يصلوا إلى العصمة حتى يكون قولهم الأصوب ،وقول سواهم مرفوض ، فرب مشهور لا أصل له .
ولذلك إعتبر الشهيد الثاني التقيد بالأخذ من المشهورين وترك الأخذ من غيرهم تكبرا على العلم ((وهو عين الحماقة ، لآن الحكمة ضالة المؤمن ،يلتقطها حيث وجدها ، ويغتنمها حيث ظفر بها ،ويتقلد المنة ممن ساقها إليه ،وربما الخامل ممن ترجى بركته ، فيكون النفع به أعم ، والتحصيل من جهته أتم ))([56]).
ووضع للمتعلم مع شيخه وصايا بمثابة نظريات أوصلها إلى الأربعين .([57])
وفي درسه وقرائته ومع رفقائه أخرى أوصلها إلى ثلاثين وصية .([58])
وقد يضرب الأمثال ويذكر أقوال الحكماء والظرفاء واهل المعرفة والفن ليكون للتربية طريقا سالكا آخر أكثر أثرا في النفوس ، وأقرب إلى التطبيق ، فمن أقواله : (( وقد قـيل :أربعة لايأنف الشريف منهن ، وإن كان أميرا : قيامه من مجلسه لأبيه ، وخدمته للعالم الذي يتعلم منه ، والسـؤال عمـا لايعـلم ، وخدمتــه للضيـف ))([59]).
ومن بدائع نظرياته عندما يوصي طالب العلم أن يبتدأ بحفظ القرآن حفظا متقنا ، وهذا أمر لايختلف إثنان على أهميته وخاصة في الدراسات الآسلامية ، فيعًود لسان طالب العلم على النطق الصحيح والبلاغة القرآنية ، والأسلوب الأدبي الرفيع ، فتكون له قابلية كبيرة على الحفظ ،وإسلوب قرآني في حديثه ،وفصاحة وبلاغة في التأليف والتدوين.
ثم يعتمد القرآن في أحكامه الشرعية والأخلاقيـــة باستحضاره آياته .
ثم يوصي بعد ذلك بتفهم معاني القرآن ودلالات ألفاظه وملازمة قرائته .
ولم يهمل الوقت وقد أعطاه أهمية قصوى ودعا إلى الإستغلال الأمثل له ، وإلى تقسيمه حسب حاجة العلم . ناظرا في هذا إلى الحالة النفسية التي تنتاب طالب العلم بإختلاف ساعات اليوم ، من تعب وإرهاق أو تأثيرات أخرى . ومن ذلك قوله (( وأجود الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الإبكار ، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة والمذاكرة الليل وبقايا النهار – } أو قوله{ - إن حفظ الليل أنفع من حفظ النهار ،ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، والمكان البعيد عن الملهيات كالأصوات والخضرة والنباتات والأنهار والبحيرات ،وقوارع الطرق التي تكثر فيها الحركات ، لأنها تمنع من خلو القلب ، وتقسمه على حسب تلك الحالات ))([60]).   وكرر وصاياه بالتواضع في العلم للعالم والمتعلم وقال: (( وليحذر كل الحذر من نظر نفسه بعين الكمال ، والأستغناء عن المشايخ ، فإن ذلك عين النقص ، وحقيقة الجهل ، وعنوان الحماقة ودليل قلة العلم والمعرفة لو تدبر ))([61]) .
ثم خصص الباب الثاني من كتابه لآداب الفتوى والمفتي والمستفتي .
فاستقرء آيات القرآن الكريم ليفتتح بها كلامه وأحاديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام ) ليستدل بها على قوله .وأقوال العلماء الأعلام من الفريقين ، كلها تحذر من الفتوى بغير علم ودون دليل . كقول الإمام الباقر (عليه السلام) (( من أفتى الناس بغير علم ولاهدى لعنته ملائكة الرحمة ، وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه ))([62]).
وفصـــل القـول فـي شروط المفتي وآدابـه ، وفي آداب الفتـوى ، وفي أحكام المستفتـي وآدابه وصفته.([63])
أما المناظرة وشروطها وآدابها وأوقاتها فقد خصص لها الباب الثالث من كتابه . وفصل القول في آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق . وعد منها إثنتى عشرة آفة :
الإستكبـار عن الحق وكراهيته ، والرياء ، والغـضب ، والحقـد ، والحســد ، والهجــر والقطيعـة ، والكـلام فيه بما لايحل من كذب أوغيبــة أو غيـرهما ، والكبــر والتــرفع , والتجسس وتتبع العورات ،والفرح بمساءة الناس والغم بسرورهم ، وتزكية النفس والثناء عليها ، والنفــــــاق ([64]).
 ولم يترك الكتابة والتأليف دون أن يضع لها أخلاقا وآدابا وضعها المختصون بالمناهج والتأليف فيما بعد نظريات وإصول للبحث والكتابة ، فلقد خصص لها الباب الرابع من سفره الخالد هذا ، فاشترط إخلاص النية لله تعالى ،وجمع المصادر والمعلومات من الكتب والمؤلفات التي سبقه بها الماضون ، ومن ثم ختم كتابه بمطالب في أقسام العلوم الشرعية ، وما تعتمد عليه من علوم عقلية أو أدبيه . ليشفعها بوضع منهجية رائعة ودقيقة للمتعلم في تلقيه هذه العلوم ،والتدرج في تحصيلها من الأسهل فالأصعب ، ولتستوعبه مراحل
 حياة المتلقي العمرية منذ الطفولة حتى الشبيبة فالمشيب . وفق خطة علمية وتربوية مدروسة منبعثة من تجربة واعية للتعلم والتعليم([65]).
ولو تحولت نظرياته تلك الى التطبيق الامثل لما بقي جاهل يفسد ولا طالب علم يحسد , فالجهل طريق الافساد , والعلم منهج الاصلاح , وجاهل اليوم , عالم الغد , والعلم ورثه الانبياء , والانبياء مشاعل الحياة وسعادة الاخرى .
فلو عمل العالم بعلمه لاقتدى الجاهل بنهجه, ولو نفع القانون وحده لاغلقت السجون واكثر من نصف المستشفيات, لان القانون يأتي دوره بعد ارتكاب الخطأ ليقتص من الخاطئ او يعيد الحق من الغاصب لاصحابه .
بينما يأتي دور الاخلاق قبل ارتكاب الخطا بل يمنع وقوع الخطأ والغصب والبغي والتعدي , ولو تعاون الناس على الاخلاق والمثل العليا لتقلص عدد المحاكم وعدد القضاة .
وما احوجنا اليوم في ظل الثقافة المادية الى (( احياء روح الاخلاق والصدق الباطني في اوساطنا الاسلامية , روح لا تجمد على ثنائي الحلال والحرام , بل تتجاوزه لقيم اخلاقية بدأت بالنفاذ من مجتمعنا الديني ... ان العودة الى الاخلاق , والدعوة الى هذه العودة فريضة كبيرة
تقع في الدرجة الاولى على عاتق العلماء والصلحاء . لا لازدهار احوالنا , بل على الاقل لتفادي حجم اكبر من الضرر والفساد القادمين سيما على الاجيال اللاحقة , وفي ذلك كله يكون اسوتنا في القـيم العليــا حبيبنــا رســول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(( وانـك لعــلى خلـــــق عظـــــيم ))([66]))) ([67])
 ومادام مفهوم الاخلاق يعني (( الالتزام بعنصر داخلي تلقائي يوجه الانسان نحو الخير ويحول بينه وبين الشر )) او هو (( تحـرير الطـاقــات الايجـابيــة والحقــائق الســامية
المتعالية في الذات الانسانية , في سياق تحقيق الكمال والغاية العليا للحياة )) ([68]).
فهل يرتبط هذا المفهوم بالدين ؟
 وهل يتفاعل هكذا مفهوم بالتقنية العلمية وما تطرحه اليوم من حاجات مادية اصبحت ضرورية للحياة والمجتمع ؟
 فأرتباط الاخلاق بالدين عامل اساسي , بل تمثل الاخلاق بمثلها السامية وتحولها الى تطبيق العامل الاول في رقي المجتمع , وتلك هي غاية الدين القصوى . وتفاعل الاخلاق بالتقنية العلمية , بل وتوجيه التقنية العلمية توجيها اخلاقيا يمثل الجوهر الاساس والعنصر الاول لاعطائه صفة التطور العلمي , لان التقنية التي تؤدي الى إفساد المجتمع وتزيد من حالة الاغتراب بين افراده , مما يزيد المجتمع تحللا , وتشبع افراده مأسي واحزان وتبعده عن السعادة , وذلك ديدن الافساد لا الاصلاح وما دامت الاخلاق هي العامل المنطلق من داخل الذات الانسانية والوازع المانع من الاعتداء على الاخرين , دون رقابة من رقيب خارجي فهي تمثل اذن جوهر الدين الاساسي , وغاية العلم الحقيقية والا فبغيرها لا يمكن ان نطلق على الذي لا يتصف بها كونه ( متدينا ) وبالوقت نفسه فهو من طبقة الجهال , مهما اوتي من قدرة على تقنية علمية بل هو اقرب الى الحيوانية منه الى الانسانية .
وصحيح ما اطلق عليه الشيخ حيدر حب الله بعنوانه (( الاخلاق العلمية ))
فما احوج المسلمين وبخاصة المثقفين منهم الى هذا المصطلح بل وتبنيه من قبل المؤسسات البحثية والجامعات والمعاهد , فالمناهج الدراسية تحتاج الى اخلاق توضع نصب اعين الواضعين له , ولعل الموضوعية والتجرد والحرية وعدم الانحياز , تعتبر حجر الزاوية الاهم لتلك المناهج , والامانة العلمية للباحث ولدوائر الطبع والنشروقد اصبحت (( الحاجة ماسة الى اشاعة ثقافة التوثيق الظاهرة , فكلما نقل الباحث شيئا عن باحث اخر , وكانت الفكرة للثاني مستمدة من الاول , فمقتضى اخلاقية الامانة العلمية توثيق المصدر بدقة تحرزا عن التورط في منافيات اخلاقية )) ([69]
ومن جملة أخلاقيات الباحث (( ان لا يستخلص نتائج من دون شيء من الخبرة والدراية حفاظا على النمو السليم للمعرفة )) ([70]).
وقليلون اولئك الذين بحثوا في الاخلاق والقيم , واقل منهم الذين ربطوا بين العبادات والمعاملات وبين ما يفرضه الالتزام بها من قيم واخلاق حتى تكاد البحوث والمؤلفات والمؤتمرات والندوات التي تعني بالاخلاق ودورها والتنظير لها وتحويل النظريات الى تطبيق, معدومة قياسا بتلك التي عنيت بالفقه والاصول والحديث , وكذلك الدروس في المعاهد والجامعات والمدارس ,
بينما تشكل الاخلاق الركيزة الاساسية والاهم في فلسفة العبادات والمعاملات . بل ويتوقف القبول من عدمه على منهج الاخلاق (( حتى ليبدوا للناظر في تراثنا الفكري والفلسفي , اننا اسرى لمفارقة تاريخية كبرى , نحن الامة الناهضة على اتمام مكارم الاخلاق , لم تمنح الاخلاق من اشتغالاتنا ما منحناه غيرها , الا لماما او اجتزاءا . وقد ظل النظر الى الاخلاق – كعلم – قاب قوسين او ادنى من ان يصبح نافلة , بل ومهجورا في اروقة الدرس الشرعي نفسه , الامر الذي ينذر بأزمة خطيرة تمس الاسس , لا سيما بعد ان اصبح الفكر العربي والاسلامي يتجرد بدل ان يتخلق )) ([71]).
فما احوج معاهدنا اليوم وحلقات الدرس الى كتاب الشهــيد الثـاني ونظـرياته الاخلا قيـة في كتابه ( منيه المريد ) والذي يعتبر بحق (( موسوعة ومرجعا لكل ما قيل في هذا المجال , وهذه مـــيزة الكتاب لا نجــد لها مثيـلا في كتب من سبقـه من المـؤلفين في التأديب والرياضة او التعليم ))([72])
ولقد كاد الشهيد الثاني ان يحول الوصايا الاخلاقية التي تناولها القران الكريم والتي اوصى بها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وائمة اهل البيت (عليهم السلام) والسلف الصالح من فقهاء المسلمين وعلمائهم . ان يحولها الى نظريات بمثابة مواد قا نونية يعتمدها المعلم والمتعلم في الطرح والعرض , وفي الالقاء او التلقي , وفي البحث والكتابة , ليرسم منهجا تربويا , ونظاما اخلاقيا يجعل للعلم جوهرا , وللمعلم والمتعلم ذاتا مخلصة متجردة عن الانا وخصوصيات الذات , فالعلم نور والنور هداية وبصيرة .
وقد فصل القول في اخلاقيات العالم والمتعلم والعلم وحلقات الدرس والمنهج والعملية التعليمية دروسا تربوية ، ولا نجاحها اركانا واخلاقيات وضوابط تتحكم بها .
ولم يكن الشهيد الثاني منظرا بعيدا عن التطبيق ، ولاقائلا دون فعل ، فقد (( حاز من صفات الكمال محاسنها ومآثرها ،وتروى من أصنافها بأنواع مفاخرها ، كانت له نفس علية تزهي بها الجوانح والضلوع ، وسجية سنية يفوح منها الفضل ويضوع ، كان شيخ الأمة وفتاها ، ومبدأ الفضائل ومنتهاها . لم يصرف لحظة من عمره إلا في إكتساب فضيلة ،ووزع أوقاته على ما يعود نفعه في اليوم والليلة ))([73] )
وقالــوا عنـه :  بأنـــه ((كاد أن يكـون في التخلـق بأخــلاق الله تبـارك وتعــالى تاليــا لتلــو المعصـــــوم ))([74] )
ووصفه مترجموه بالتفـــرد بالعمــل قبـل العلــم ، وبالعمــل بالعلــم .([75])
وقيل عنه (( أنه أفضل المتأخرين ، وأكمل المتبحرين ، نادر الخلف ، وبقية السلف ))([76])
وهذا أقرب للتصديق وأوثق للتطبيق ، لأن كلماته عبرت بشكل دقيق عن خلقه الرفيع . وعند ذلك تكون أوقع على النفس وأقرب للروح ،لذلك جاءت ادق تعبيرا ، وأكثر تأثيرا.
ولم يكن كتابه (منية المريد وبغية المستفيد ) الوحيد عنده أو الفريد في هذا الباب ، بل قيل أن له كتاب في الأخلاق (مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد ) وما أحوجنا إليه.
وآخر ( كشف الريبة عن أحكام الغيبة ) وما أبعدنا عنه .
ومختصرات لها تناولت الأخلاق .([77])
أما عن كتابه موضوع البحث فقد قيل عنه أنه (( مشتمل على مهمات جليلة وفوائد نبيلة ، تحمل على غاية الإنبعاث في الترغيب في اكتساب الفضائل وإجتناب الرذائل والتحلي بشيم
 
الأخيار والعلماء الأبرار))([78])  
والكتاب يحتاج الى اعادة نظر دقيقة من قبل المتخصصين في التربية وعلم النفس وطرائق التدريس , ليحولوه الى مواد دقيقة في تعبيرها سهلة الفهم لكل مرحلة دراسية حسب درجة طلابها فتوضع لطلاب المدارس الابتدائية اسسا ,  وللثانويات دروسا , وللجامعات مناهجا تعتمدها في اكمال العــملية التعليميـــة .
وقيل أن له كتاب ((منار القاصدين في أسرار معالم أحكام الدين )) هو الآخر متخصص في الأخلاق ، والظاهر من عنوانه أنه في المقاصــد الأخلاقيــة من الأحكام الشرعية وهذا ما نبحث عنه نحن المسلمين في وقت كهذا أكثر من أي وقت مضى
أما في غير ذلك فقد ألف الشهيــدالثاني في مختلف العلوم ،ما يقارب السبعين كتابا أكثرها رسائل في الفقه ومسائله وقواعده .([79])
                        واخــر دعــوانا ان الحمــد لله رب العــالميــن .
         
                       **                             **                        **
 
                                                                     
                                                                      الدكتور
                                                        محمود شاكر عبود الخفاجي
                                                    الجامعة الإسلامية / النجف الأشرف                       
                                                                   العراق
                                                               25 / 12 / 2008
 
                                       
                                              خاتمة البحث
الحمد لله الذي جعل العقل دليلا لمعرفته , والعلم هداية لدينه , والصلاة والسلام على المبعوث رجمة لبريته , وعلى آله سبل النجاة لجنته .
 يرتبط الفقـه بعباداته ومعاملاته إرتباطا وثيقا بالأخلاق , بل وتشكل الأخلاق الغاية الحقيقية لفلسفة الفقـــه .
وقليلون أولئك الذين بحثوا أو كتبوا في تلك الغاية إذا ما قورنوا بأولئك الذين كتبوا في الفقه ومباحثه وتفرعاته .
وقد أدرك الشيخ زين الدين الجبعي العاملي ( 911- 965هـ ) المعروف بالشهيد الثاني , ذلك الأمر , ورأى أن يضع ذلك نصب أعين العلماء وطلاب العلم والمعرفة ,كي يدركوا بأن العلم دون أخلاق كشجرة دون ثمر .
فجمع ثمرة جهوده , وتجارب سعيه , واستعان بالقرآن حجة , ومن سيرة المعصومين وأفوالهم دلائلا , واستقصى كل ما يراه سبيلا لمسعاه , ودونها في كتابه الشهيـر ( منية المريد في آداب المفيد والمستفيد ) فوضع للعلم أخلاقا , وفصل القول بها في موارد متعددة , وأوصى المدرس بالإلتزام بقواعد وسلوكيات حددها لمهمته , ودعاه إلى التمسك بها
ولم يترك طالب العلم متلقيا ,دون أن يفرض عليه أخلاقيات التلقي , لأنه أدرك أن طالب العلم اليوم ,   معلم الغد .
وهذه الثلاثة – العلم, والمعلم , والمتعلم – اسس العملية التربوية في كل مراحلها الدراسية . ولم يترك مجلس الدرس وحلقاته إلا ووضع له آدابا يتصف بها
 ففصل كل ذلك عن دراية ووعي , وأوصى بها بعد أن عمل بها
فقد أعطى للعلم فضائل وفرائض يتصف بها
وللمعلم عبرا وأمثالا يقتدي بها
وللمتعلم قواعد ومعارف يتعظ بها
ولمجلس الدرس طروحات ونظريات منهجا لحلقاته
فقدم طرحا موضوعيا موجزا أحيانا , وفيه إسهاب وإطناب أحيانا أخرى , تبعا لطبيعة المقام وحاجة العرض .
وبمنهج خصصه لطلبة الحوزات العلمية والعلوم الدينية بالدرجة الأولى .
وقد يحتاج إلى شروحات وتفصيل وعرض وتوضيح وتسهيل يتلائم وطبيعة كل مرحلة دراسية أكاديمية ومستويات طلبتها ,
ويوضع منه منهجا لدورات متخصصة بأعضاء الهيئات التدريسية لتتحول نظرياته إلى تطبيق .
وقد تميزعمن سبقه ممن خاض مسالك العملية التربوية, بمراجعته لجهودهم , وإستفادته من نتاجاتهم
وإذا كان غيره قد إشترك معه في ذلك فقد تميز نتاجه هذا في عرضه ومنهجه
وبهذا جعل العلم في حركة دائبة تنعكس نظرياته على صور حية بالواقع , وتتحول إلى تجارب عملية غايتها القصوى تقدم حركة الإصلاح التي تمثل المهمة الأساسية الموكلة بالإنسان على الأرض
وما أحوج قاعات الدرس وحلقاته اليوم إلى هذا السفر الخالد , منهاجا ودليلا وسبيلا لمسيرة العلم والمعرفة
وياحبذا لو تحول إلى لغة تتناسب مع مستوى كل مرحلة , وتقتطع من الدرس بعض ساعاته ليسترشد طلبة العلم به
وفي الأمر تفصيلات أكثر وأدق تناولها البحث في مضانها .
                     
                          *   وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين *

د.محمود شاكر عبود الخفاجي
 
 
 
مصادر البحث ومراجعه :
------------------------
-         القرآن الكريم
1-    الأردبيلي ( محمد بن علي الغروي الحائري )
                   جامع الرواة وإزاحة الإشتباهات عن الطرق والإسناد
                             إيران / قم 1403هـ ( بدون مطبعة )
2-    الأمين ( محسن الحسيني العاملي )
                            أعيان الشيعة
                  مطبعة الإتقان / دمشق ، 1367هـ - 1948م
3-    الأميني ( الشيخ عبد الحسين النجفي )
                           شهداء الفضيلة
                   طبع / مؤسسة الوفاء / بيروت ( بدون سنة طبع )
4-    البحراني ( يوسف بن أحمد ت 1186هـ )
                          لؤلؤة البحرين
                حققه وعلق عليه ( محمد صادق بحر العلوم )
             ط/2 ، مطبعة النعمان / النجف الأشرف ، 1969م
5-    الجبعي ( علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين العاملي )
                         الدر المنثور من المأثور وغير المأثور
                      ( بدون مطبعة ولا مكان ولاسنة طبع )
6-    الحر العاملي ( الشيخ محمد بن الحسن ت 1104هـ )
                            أمل الآمل
                    تخقيق : السيد أحمد الحسيني
                      مكتبة الأندلس / بغداد ( بدون سنة طبع )
 
7       - الخوانساري ( محمد باقر الموسوي الأصبـهاني )
                    روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات
              ط /1 ، الدار الإسلامية / بيروت ، 1411هـ - 1991م
8- الشهيد الثاني ( زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الشامي ت 965هـ )
                           حقائق الإيمان مع رسالتي الإقتصاد والعدالة
                               تحقيق : السيد مهدي الرجائي
          ط/1 ، نشر :مكتبة آية الله المرعشي العامة / قم 1409هـ
9-    الشهيد الثاني
                         منية المريد في آداب المفيد والمستفيد
                    ط / 6 ، مؤسسة النشر الإسلامي / قم ، 1427هـ
10- القمي ( الشيخ عباس ت 1359هـ )
                         الفوائد الرضوية في أحوال علماء المذهب الجعفرية
                         تحقيق : ناصر باقري بيد هندي
                       إيران / قم ، 1385 هـ ( بدون مطبعة )
11- القمي ( الشيخ عباس )
                              الكنى والألقاب
                      ( بدون مطبعة ولامكان ولاسنة طبع )
12- الكليني ( محمد بن يعقوب الرازي ت 329 هـ )
                           إصول الكافي
               ط /5 ، دار الإسوة / إيران   ، 1425 هـ
14 – الماوردي ( أبو الحسن علي بن محمد البصري البغدادي ت 450 هـ )
                             أدب الدين والدنيا
                       دار الفكر / بيروت
 
 
البحوث والدراسات :
-------------------
1-    إدريس هاني / في البدء كانت الأخلاق
بحث منشور في / مجلة المنهاج ( العدد : 31 ، السنة الثامنة )
2- حيدر حب الله  / الأخلاق الدينية بين الخطاب التواصلي والتأصيل المعرفي
بحث منشور في / مجلة المنهاج ( العدد : 29 ، السنة الثامنة )
3- محمد دكير / الفكر التربوي عند الشهيد الثاني
     بحث منشور في / مجلة المنهاج ( العدد : 10 ، السنة الثالثة )
4-     مسعود أميد / الأخلاق وتحولات المعرفة الإنسانية
      بحث منشور في / مجلة المنهاج ( العدد : 29 ، السنة الثامنة )
                  ترجمة / سرمد الطائي 
               
 
 
**                          **                                     **


(1)  الطلوسي : نسبه إلى قرية طلوسه . من اعمال جبل عامل في واد قريبة من فلسطين . وقيل اصل ابيه منها .
( 2) الجبعي : نسبه الى قرية جبع . قرية شمال جبل عامل , وشمال النبطيه في لبنان . قيل انها مسقط رأسه .
( 3)   انظر ترجمته في : يوسف البحراني : لؤلؤة البحرين : 28 ومابعدها
                       الخوانساري :   روضات الجنات : 3  /337 ومابعدها
                       الحر العاملي : امل الامل : 1 / 85 وما بعدهـــا
                       محسن الامين العاملي :  اعيان الشيعة : 33 / 223 ومابعدها
-                           عبد الحسين الأميني  :   شهداء الفضيلة : 138 وما بعدها
                       عباس القمي : الفوائد الرضوية  :1 / 328
                            عباس القمي : الكنى والألقاب : 2 / 381 ومابعدها
                            الأ ردبيـــلي : جامع الرواة : 1 / 346 وما بعدها
 
 
(4) الحر العاملي : أمل الآ مل : 1 / 86
(5) ينسب هذا القول الى تلميذه ( المولى الشيخ محمد بن علي بن حسن العودي الجزيني )
ظ / الشهيد الثاني / حقائق الايمان مع رسالتي الاقتصاد والعدالة / ص8 مخطوطة محفوظة في مكتبة اية الله المرعشي العامة برقم 26
تحقيق : السيد مهدي الرجائي
ط1/ نشر مكتبة اية الله المرعشي العامة / 1409 هـ
(6 ) علي بن محمد الجبعي العاملي : الدر المنثــــور : 2 /157
 
(7) الفرقان : 34 
(8) التوبة : 31
(9)  العنكبوت :45
(10) الإســــراء / 37
(11) لقمان / 18
 (12) محمد دكير : الفكر التربوي عند الشهيد الثاني : 275
      بحث منشور في مجلة المنهاج العدد / 10 السنة الثالثة
 
(13) الشهيد الثاني : منية المريد في آداب المفيد والمستفيد : 5
(14) الشهيد الثاني : منية المريد :6, 7
(15) ظ / الشهيد الثاني : منية المريد : 9 وما بعدها
(16) ظ / الشهيد الثاني : منية المريد : 18
(17) ظ / الشهيد الثاني : منية المريد : 29 , 30
(18) الشهيد الثاني : منية المريد :33
(19) ظ / الشهيد الثاني : منية المريد : 33 ,34
(20) ظ / الشهيد الثاني : منية المريد : 37 وما بعدها
(21) الشهيد الثاني : منية المريد : 41 , نقلا عن : المنذري: الترغيب والترهيب 1/127 الحديث14
(22) الشهيد الثاني : منية المريد :41
(23) الشهيد الثاني : منية المريد : 43 , نقلا عن :المتقي الهندي : كنز العمال :10/187 الحديث 28977
24) الشهيد الثاني : منية المريد : 54
(25) الشمس / 9
(26) الشهيد الثاني : منية المريد : 55
(27) الشهيد الثاني : منية المريد : 49
(28) الشهيد الثاني : منية المريد : 50
(29) التــوبة / 122
(30) فاطر /28
(31) الشهيد الثاني : منية المريد : 60
(32) ظ / الشهيد الثاني : منية المريد :62 وما بعدها
(33) الكليني : إصول الكافي :2/53 ,54 الحديث ,7,8
(34) الشهيد الثاني : منية المريد : 65
(35) الشهيد الثاني : منية المريد : 67, 68
(36) الشهيد الثاني : منية المريد : 69
(37) الشهيد الثاني : منية المريد : 72
(38) الشهيد الثاني : منية المريد : 74 ,75
(39) ظ /  الشهيد الثاني : منية المريد : 76 وما بعدها
(40) البقــــــرة /44
(41) الصدوق : الخصال : 69 الحديث 103
( [42] ) الكلينــــي : إصول الكافي : 1/ 54 باب صفة العلماء ( الحديث : 64)
(43) الشهيد الثاني : منية المريد : 79 ,81
( [44] )الكلينــــي : إصول الكافي : 1/ 55 باب صفة العلماء ( الحديث :69)
( [45] )ظ / الشهيد الثاني : منية المريد:84 ومابعدها
( [46] ) الشهيد الثاني : منية المريد : 94
(47) ظ / الشهيد الثاني : منية المريد : 100 ومابعدهـــا
( [48] ) الشهيد الثاني : منية المريد :100
( [49] ) الشهيد الثاني : منية المريد : 101
( [50] ) المــــاوردي : أدب الدين و الدنيا : 57
( [51] ) الشهيد الثاني : منية المريد :110
( [52] ) الشهيد الثاني : منية المريد : 112
(53) محمد دكير : الفكر التربوي عند الشهيد الثاني : 255
    
(54) الشهيد الثاني : منية المريد : 103 
( [55] ) الشهيد الثاني : منية المريد : 114
(56) الشهيد الثاني : منية المريد : 119
( [57] ) ظ /الشهيد الثاني : منية المريد : من 118 إلى 134
( [58] ) ظ /الشهيد الثاني : منية المريد : من 136 إلى 147
( [59] )  الشهيد الثاني : منية المريد : 134
( [60] )  الشهيد الثاني : منية المريد : 138
( [61]الشهيد الثاني : منية المريد : 140
 
 
( [62] ) الكليني / إصول الكافي : 1 / 61 باب النهي عن القول بغير علم ، الحديث (97)
( [63] )  ظ / الشهيد الثاني : منية المريد : من 155 إلى 165
( [64] ) ظ /الشهيد الثاني : منية المريد :من 174إلى 194
( [65] ) ظ /الشهيد الثاني : منية المريد :231 وما بعدها
(66) القلم / 4
(67) حيدر حب الله : الأخلاق الدينية بين الخطاب التواصلي والتأصيل المعرفي : 8
        بحث منشور في : مجلة المنهاج : العدد / 29 , السنة الثامنة
(68) مسعود اميد : الاخلاق وتحولات المعرفة الانسانية : 245
                     ترجمة / سرمد الطائي
        بحث منشور في : مجلة المنهاج , العدد / 29 , السنة الثامنة
 
(69) ظ / مجلة المنهاج : العدد / 29 , السنة الثامنة /   291 ومابعدها
 
(70) حيدر حب الله : الأحلاق العلمية : 302
(71) ادريس هاني : في البدء كانت الاخلاق : 49
         بحث منشور في :  مجلة المنهاج : العدد /31 , السنة الثامنة
(72) محمد دكير : الفكر التربوي عند الشهيد الثاني : 261
([73] ) علي بن محمد الجبعي : الدر المنثور : 2 / 153     
([74] ) الخوانساري : روضات الجنات : 3 / 337
([75] ) ظ / علي بن محمد الجبعي : الدر المنثور : 2 / 155
([76] ) عبد الحسين الأميني : شهــداء الفضيلة : 140
)77) الحر العاملي : أمل الآمل : 33 / 87
([78] ) علي بن محمد الجبعي : الدر المنثور : 2 / 86
( [79] )  ظ /  مقدمة منية المريد
 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

كنگره بين المللي شهيدين
مجری سایت : شرکت سیگما