مدير مركز التحقيقات التابع لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية

حوار مع الشيخ أحمد المبلغي

يمكن أن ندعي أنّ الشهيدين توجد في حياتهم العلمية والسلوكية بعض الخصائص التي نحن بحاجة لاحياءها واستثمارها في راهننا وتوظيفها في التعامل مع بعض معضلاتنا المعاصرة،

 

س- تستعدون لعقد مؤتمر الشهيدين في بيروت، وأكيد أن هذا المؤتمر يكتسي اهمية فائقة إن لجهة العنوان أو لدلالة المكان.

أية دلالات يحملها مؤتمر الشهيدين موضوعا ومكانا؟

ج- بعض الشخصيات تتميز حياتها العلمية والعملية بخصائص جد مميّزة، وبالتالي تكون هذه الخصائص قابلة للمتابعة والالتفات وموضوع توقف ونظر، ففتح نافذة على تجارب هؤلاء تصبح ضرورية خاصة في المخاضات الصعبة للاستفادة من رصيدهم وتراثهم في عصرنا الراهن  الحاضر، وطبعا فمثل هذه الشخصيات ليس بالكثرة في تاريخنا..نعم إذا أردنا أن نستدرك على هذا القطع فيمكن أن نقول أنه توجد شخصيات تاريخية - بلا شك- لها بعض الخصائص الجيدة والايجابية إلاّ أنّ تلك الخصائص ليس لها قابلية التوظيف والاختراق في زماننا على صعيد معالجة بعض التحديات، هي خصائص تنفع بلا ريب؛ ولكن الشخصيات التي لها خصائص ويمكن الاستفادة من أبعاد شخصيتها في كل عصر وفي كل زمان، هي شخصيات قليلة ومحدودة.ويمكن أن ندعي أنّ الشهيدين توجد في حياتهم العلمية والسلوكية بعض الخصائص التي نحن بحاجة لاحياءها واستثمارها في راهننا وتوظيفها في التعامل مع بعض معضلاتنا المعاصرة، ومن جملة هذه الخصائص أنّ للشهيدين نظرة ورؤية وحدوية أوما نسميه اليوم بمنهج تقريبي.

فالحركة التقريبية قد تبدو للبعض –أحيانا- أنّها مجرد شعارات وإعلان عن نوايا طيبة، وبلا عمق فقهي او تاريخي، كما قد تبدو لهذا البعض ضحلة ومجوفة من حيث المحتوى بل يكاد لا يكون لها محتوى أو لب!

 لكن الواقع هو أن بعض النشاط التقريبي قد تعدى عن كونه مجرد شعار، أو هو منحصر كأطروحة في الشعار فقط، حيث تبرز حقيقته في قالب وأسلوب ورؤية وفكرة بل أن بعض هذه الرؤى لها نفوذها  ولها قدرتها على تغيير ثقافة المجتمع على صعيد العلاقة بالآخر المغاير مذهبيا، وبعض هذه الرؤى التقريبية تستبطن آليات السير بالمجتمع الإسلامي باتجاه التقريب، ويمكن أن ندعي أن الشهيدين ولا سيما الشهيد الأول؛ لهما رؤية خاصة تقريبية ويمكن أن نقول أن هذه الرؤية تتمثل في ما يلي:

 أولا- كانت رؤيتهما التقريبية عبارة عن رؤية مع سلوك متناسب ومنسجم مع تلك الرؤية وليس مجرد رؤية، بل رؤية مدعمة بسلوك، وسلوك مبني ومدعم برؤية، ما يعني أنّ الحركة التقريبية للشهيدين حركة تحقق فيها تفاعل الرؤية والسلوك والتطبيق، فهما كانا يعيشان في مجتمع سنّي ويتفاعلان مع أهل السنة وكانا يرون نفسيهما داخل المجتمع الإسلامي الكبير، ولم يحاولا أن يكونا بمعزل عن المجتمع الإسلامي، بل كانا يتحركان ويعيشان أجواء وتحديات المجتمع الإسلامي وحاولا الترسيخ لأجواء التعايش المذهبي وبناء نظرية في التسامح مع الآخر مدعمة بالسلوك والموقف ومعزّزة بالممارسة العلمية.

وهذا هو الذي قلما يوجد، يعني أن الظرف التاريخي أتاح لهما هذه التجربة التي امتزجت فيها الرؤية بالسلوك بالإضافة إلى الممارسة العلمية كدرس وتدريس المذاهب الإسلامية كما في حالة الشهيد الثاني على وجه الخصوص.

وهذا واقع وتجربة تاريخية لا يمكن أن نمر عليها مرور الكرام، هذا أمر مهم أن يأتي سنّي ويدرس الشيعة أو يأتي شيعي ويدرس السنة، هذا أمر مهم للغاية.. ونحن لا نجد في تاريخنا بل في تاريخ المجتمع الإسلامي تجربة كهذه إلاّ في حياة الشهيدين وبعضا من القلائل الآخرين. وكل هذا إن دل على شيء فإنما  يدل على أن هاتين الشخصيتين كانتا تنظر إلى أفق أوسع وأكبر وممتد عن زمانهما الذي كان يضيق بالاختلاف ولا يتقبل الطرف الآخر..كانتا تنظران بل تؤسسان من خلال السلوك والنظرية إلى مجتمع إسلامي مختلف.

 فإذا الشهيدان لهما هذه الخصوصية، ومثل هذه الخصوصية هي التي نتعطش إليها -حقيقة- عطشا كبيرا، ولهذا يجب إخضاعها للدرس والبحث والنظر، وتحليلها وشرحها وإحياءها، هذه الخصلة حقيقة مهمة، وهكذا فإن الرهان من هذا المؤتمر هو إحياء هاتين الشخصيتين وإعادة اكتشاف خصائصهما والتأمل في أدوارها في سياق مجتمع كان يضيق بالتعدد والاختلاف لنخلص إلى معالم سلوك يسهم في معالجة تحدّي التعصب والانغلاق المذهبي والذي تعيشه بعض مجتمعاتنا.

س – وماذا عن دلالة المكان..مؤتمر في بيروت مع ما لبيروت من وزن ثقافي ورمزي؟

ج- هناك جملة اعتبارات لعقد الدورة الثانية من مؤتمر الشهيدين في بيروت، لا ننسى أن الشهيدين ولدا في لبنان وعاشا فيه طورا من حياتهما؛ بلحاظ أنهما سافرا كثيرا إلى الحواضر الإسلامية؛ ودرسا ودرّسا في جبل عامل، فلبنان كان أو بالأحرى منطقة جبل عامل كانت هي مجالهما الحيوي ومحل تأليف كتبهما، إذا بيروت هي التعبير عن المكان والمجال الذي قدّم للعالم الإسلامي شخصيتين على هذا المستوى العظيم من الأدوار التاريخية ومن العطاء على المستوى العلمي والمعرفي. 

س- ما هي رهاناتكم من وراء هذا المؤتمر بشكل محدّد؟

ج- من هذا المؤتمر نريد تحقيق جملة أمور:

أولا التعرف على هاتين الشخصيتين  الإسلاميتين..فشخصيتهما تتجاوز كونها شخصيتان شيعيتان كما سبق وأشرت ؛ نتعرف على زوايا وأبعاد هاتين الشخصيتين وما لهما من كتب وأفكار وأساليب خاصة، ونظريات خاصة، ومن حياة علمية وحياة جهادية خاصة، هذه هي المهمة الأولى الموكلة إلى هذا المؤتمر .

وثانيا نريد أن نجعل هاتين الشخصيتين في معرض الرؤية لهذا الجيل الجديد الذي يروم إقامة ربط بين ماضيه و   حاضره ومستقبله، ومن بين عناصر هذا الربط بين الحاضر والماضي الشخصيات الماضية التي لها أفكار قابلة على الاستمرار ..ونحن نريد إحياء هاتين الشخصيتين ليس فقط لتحصيل المعرفة الصرفة بهما، بل لنستفيد منهما ونقتدي بهما ونشق الطريق بوجه التحديات المعاصرة بالرجوع إليهما ومن خلال تدارس أفكارهما.

ونحن حين ننظر إلى إيجاد التلاءم في علاقة الطوائف الإسلامية فيما بينها والكشف عن صياغة مميزة ومؤثرة لمواجهة هذه التحديات يبدو الأمر في غاية الصعوبة نظريا وعمليا، لذلك تبدو استعادة الشهيد الأول والشهيد الثاني مهمة ومفيدة، والأمر طبعا يخرج عن إطار المجاملة.

نحن أمامنا آفاق كما تواجهنا تحديات ومشاكل لابد من تجاوزها، فحينما نواجه طريقا مسدودا فلا بد لنا من شق هذا الطريق وقد يكون الرجوع إلى شخصيات من قبيل الشهيدين مساعدا في إحداث الاختراق المطلوب.

وأقول أن هذه هاتين الشخصيتين اختارتا سلوكا أدى بهما إلى الاستشهاد، لم يكن ليمضيا من دون محاولة خلخلة البنية المذهبية المغلقة للمجتمع الإسلامي حتى ولو كلفهما ذلك حياتهما..وكذلك كان، فقد دفعا حياتهما الشريفة فداءًا لهذا الخيار. إذا هما ليسا شهيدا الشيعة بل شهيدا مبدأ التقريب بين مذاهب الأمة الإسلامية.

س-  يزعم البعض أن مثل هذه المؤتمرات التي تعقد لتكريم بعض الشخصيات العلمية؛ وعلى أهميتها؛ تظل نتائجها محدودة الأثر على راهننا..كيف تردون على ذلك؟

ج- المشكلة ليست في الشخصيات أو في إحياء ذكرى هذه الشخصيات سنية كانت وشيعية، ولا ينبغي أن نزعم أو نتصور أن تاريخنا لا يملك شخصيات تنفع حياتنا المعاصرة، ويمكن أن يكون لإحياء مآثرها والنظر في أدوارها أثر على راهننا المأزوم؛ فهذا زعم وتوهّم ... المشكلة وإن وجدت فهي تكمن في عملية وآلية المراجعة لهذه الشخصيات أي أن المشكلة ترجع إلينا لا إليهم، بمعنى أن استئناف النظر في تجربتهم وتراثهم العلمي حتما مفيد ويمكن أن ينكس إيجابا على أوضاعنا، نعم لو قمنا بإحياء بعض الشخصيات ولكن في إطار ضيق ومن منطلقات ضيّقة فهذا طبعا لا ينفع كمؤتمر لإحياء هذه الشخصيات،لا ينفع وليس له ثمرة إلا رفع منسوب التعصب وضخ المزيد من ذلك على بنياته المترسبة.

إذا فالمشكلة منا ولابد أن نغير من آليات وأساليب النظر إلى تراثنا ورموزه، لا بد أن نفرّغ أذهاننا من الصوّر النمطية و نزيل هذه الحواجز وننظر إلى الأمور نظرة متحررة من ثقل التاريخ، آنذاك ستكون استعادتنا لبعض الشخصيات استعادة تسهم في تفكيك معوقات نهضتنا الإسلامية.

والشهيدان جديران حقيقة بان تحيى شخصيتهما في إطار تعزيز مناسبات وفرص التلاقي والحوار بين السنة والشيعة.

س- درجتم في هذه المؤتمرات الخاصة ببعض الأعلام على عرض موسوعات تجمع كل مؤلفاتهم محققة ومنظمة.

ماذا يضفي عرض الموسوعة على مؤتمر تكريمي لهذه الشخصية او تلك؟

ج- في انتخاب شخصية علمية وللتمكن من تعريفها نحن نواجه مشكلة، هذه المشكلة هي انتشار مؤلفاته هنا وهناك، وربّما نصل إلى جزء من مؤلفاته أو رسائله ولا نصل إلى جزء آخر، مع أن مجموعة الآثار كلما كانت بأيدينا وتحت نظرنا فنحن ننظر إلى الشخصية المكرّمَة وبالنظر إلى هذا الشرط نظرة مستوعبة، فجمع الآثار هو الذي يمكننا من أن نفهم الشخصية ونستفيد منها أكثر فأكثر.

 والموسوعة أهميتها تكمن في الآثار المنتشرة لشخصية علمية ثم أنت تجمعها وتجعلها بين دفتين، وتجعلها أمامك، وهذا يجعلك قادرا على الاستفادة من المجموعة، وأن يكون لك نظر جامع ومستوعب لآراء الشخصية العلمية قي نموها وتبلورها بل وحتى في ما قد يطرأ عليها من تغيير، فأحيانا يقود التركيز على بعض الآراء وترك غيرها إلى تشوّش في فهم الشخصية العلمية وحتى إنصافها. فإذا الموسوعة لها فوائد عدّة؛ الأهمية الأولى هي أهمية علمية في جمع ونشر آراء علمية وتسهيل المراجعة للآراء العلمية؛ وهذا في نفسه مهم، ولكن أكثر من هذا، فنحن نخدم الشخصية ذات هذه الموسوعة من خلال ما تسمح به الموسوعة من امتلاك النظرة المستوعبة الشاملة الصحيحة الدقيقة إلى هذه الشخصية أو تلك؛ بحيث لولا هذه الموسوعات لما أمكن لنا أن نحصّل مثل هذه الرؤية الشاملة الجامعة إلى الشخصية.

 فعرض موسوعة لكل شخصية يُعقد لها مؤتمر هو في الواقع جزء من عملية الإحياء ذاتها، لأننا لا نريد فقط إحياء اسمه أو طرح بعض كتبه بل نريد تمكين النخب والجيل الحاضر من فهم الشخصية؛ ومن جملة مقدمات فهم الشخصية الحصول على مجموعة أعمال الشخصية  وكتبه وهذا ما تتكفل به هذه السلسلة من المؤتمرات التي يرعاها المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية.     

س- دعنا نفترض معكم فرضا جميلا؛ وهو أن يضمن الانتشار الواسع لموسوعتي الشهيد الأول والشهيد الثاني   رضوان الله تعالى عليهما حيث تصل إلى أوسع دائرة من المراكز والمدارس والمؤسسات والجامعات في العالم الإسلامي، وإلى يد الشخصيات العلمية البارزة في العالم الإسلامي وفي الدائرة السنية بالتحديد.

 كيف تتوقعون ذلك ووقعه على الذهنية المذهبية؟

          ج- أظن أنّنا بحاجة إلى بعض الجهود حتى نتمكن من ان نستفيد من عرض هذه الموسوعات في سبيل التعريف بالشخصية عند الآخر أو عند الطائفة الأخرى وتوسيع النظرة إلى المذهب .. لابد من عرض الموسوعة بشكل جيّد في المؤتمر، فالمؤتمر له دور ومساهمة في إيجاد الأرضية لكي تصل هذه الأفكار الموجودة في الموسوعة إلى الآخر الذي ربما له نظرة مشوّهة إلى المذهب الذي تنتمي إليه الشخصية، وسيما وأنّ إقامة المؤتمر في بيروت وفي لبنان له أهمية أكبر لجهة كسر الحواجز وتمهيد الطريق وتسهيلها لوصول هذه الموسوعة للعلماء من الطائفة السنية ، كان هذا الجهد الأول المطلوب، أما الجهد الثاني هو ما يرتبط بمرحلة متأخرة من المؤتمر، وهذا الجهد يتمثل في مواصلة ومتابعة مشروع إحياء فكر الشهيدين. من منطلق أنّ المؤتمر يوجد القابليات ويوجد أرضية لابد من الاستفادة منها باتجاه إيصال هذه الأفكار إلى الآخر.        

والجهد الثالث لا بد من تجنب التركيز على جزء من عملية التقريب وترك الأجزاء الاخرى، بل لابد من أن نقوم بعملية تقريبية مستوعبة وشاملة لأننا لو ركزنا على إقامة المؤتمرات فقط فهذا لن ينفع كثيرا، بل لابد من أن نقوم إلى جانب ذلك بنشاطات، من قبيل إحياء تراث شخصيات سنيّة وشيعية ممن طبعت تاريخها بالجهد التقريبي وتميزت بالانفتاح المذهبي. ولذلك قرّرنا في هذا المؤتمر أن نجعل من المدرسة النورية -في بعلبك- والتي كان الشهيد الثاني يدرّس فيها رمزا للوحدة الإسلامية، يعني تحويلها من مجرد عنوان تاريخي الى رمز له قيمة كبرى في وقنا الحاضر.

وبقي أن أقول نحن بحاجة إلى عملية تقريبية ذات أبعاد واسعة بعضها تطبيقية وبعضها سلوكية وبعضها سياسية  بعضها فكرية ونظرية وبعضها يرتبط بالاقتصاد وهكذا.

   

 

 

 

 


 
امتیاز دهی
 
 

خانه | بازگشت | حريم خصوصي كاربران |
Guest (PortalGuest)

كنگره بين المللي شهيدين
مجری سایت : شرکت سیگما