الجمعة, رمضان 19, 1445  
 
في بيان ما يدخل في البيع بدون ذكر صريح وما لا يدخل  

 

 تحرير المجلة

آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء  "قدس سره"

 

  



الباب الأول: في بيان المسائل المتعلقة بعقد البيع

وفيه خمسة فصول:

الفصل الأول

فيما يتعلق بركن البيع

 

(مادة 157)

البيع ينعقد بإيجاب وقبول العناصر التي يتركب البيع منها ستة:

(البائع، المشتري، المبيع، الثمن، الإيجاب، القبول).

والأركان منها أربعة:

(الثمن، والمثمن، والإيجاب، والقبول)

ولكل واحد من تلك العناصر شروط، أهمها بعد الشروط العامة (القصد) ومعلومية العوضين بوجه يرفع الجهالة الموجبة لغرر، وهذان الأمران شروط ركنية وسيأتي ذكر باقي الشروط في الأمور المتعاقبة.

وقد ظهر من طي المباحث الغابرة إن حقيقة البيع سواء جعلناه تبديلاً أو مبادلة أو تمليكاً أو تملكاً أو نقلاً أو انتقالاً، وهي من مقولة المعاني الإنشائية لا يكفي في تحققها قرارها الذهني ووجودها التصوري بل لابد لها من مظهر خارجي تظهر فيه وتتحقق به والذي يتحقق به إنشاء البيع أما قول أو فعل فالإنشاء القولي هو العقد الذي يتحقق بالإيجاب والقبول، والإنشاء الفعلي هو المعاطات الذي سيأتي بحثها، فكان الجدير (بالمجلة) أن تقول إن البيع العقدي هو الذي ينعقد بالإيجاب والقبول لا مطلق البيع.

(مادة 158)

الإيجاب والقبول في البيع عبارة عن كل لفظين مستعملين لإنشاء البيع في عرف البلد

المراد بهذه المادة بيان إن البيع لا يشترط فيه صيغة خاصة بل يتحقق بكل لفظين يستعملان فيه حسب العرف الخاص أعم من كون الاستعمال على نحو الحقيقة أو المجاز بل يعم اطلاق الاستعمال حتى الغلط في العربية إذا جرى عليه عرف البلد وأخرج بقوله (لفظين) الإشارة ونحوها، وهذا من البحوث المهمة في باب البيع بل مطلق العقود، وتحريره يستدعي النظر في جهات:

الأولى: إن البيع بل عامة العقود هل يتوقف صدق العقد عليها على انشائها بألفاظ أو يتحقق عقديتها بأنشائها ولو بالفعل كالتعاطي أو الإشارة أو الكتابة أو غير ذلك وقد أختلف الفقهاء في ذلك والذين ذهبوا إلى إن المعاطاة لا تفيد التمليك بنوا ذلك على اعتبار اللفظ في العقود ولخلو التعاطي عنه لا تكون المعاطاة عقداً فلا يكون مفادها التمليك بل الإباحة والاذن والظاهر اتفاقهم على إن اشارة القادر على اللفظ لا تكون عقداً كما إن كتابته كذلك كما اتفقوا على إن اشارة العاجز كالأخرس وكتابته تكون عقداً بنظر العرف مع العجز عن التوكيل أو مطلقاً كما هو الأقوى لأن اشارته عندهم تقوم مقام لفظه ولذا قدّمها الأكثر على الكتابة لأنها ليست ألفاظاً ولا تقوم مقام اللفظ. نعم، هي تحكي عن الألفاظ، والألفاظ تحكي عن المعاني، وأما كفاية الفعل كالتعاطي عن القول، فسيأتي تحقيقه إن شاء الله، فلو قلنا بعدم صدق العقد على الفعل ونحوه من غير الألفاظ وعدم تأثير غير ما دلّت السيرة على تأثيره وشككنا في اعتبار شيء في التأثير فالمرجع طبعاً إلى أصالة عدم التأثير ولا اطلاق يرجع إليه بخلاف ما لو قلنا بعدم اختصاص صدق العقد بالألفاظ فإن المرجع يحكم الإطلاق إلى أصالة الصحة الناشئة من أصالة عدن الأعتبار.

الثانية: بناء على اعتبار الألفاظ في صدق طبيعة العقد فهل يعتبر فيها ألفاظ مخصوصة أو يكفي كل ما دلَّ على طبيعة العقد أو مما استعمل فيه مجازاً أو غلطاً ولو بالقرينة فكما يتحقق طبيعة البيع بإنشائه بالألفاظ الخاصة بالإيجاب مثل بعت وشريت أو الخاصة بالقبول مثل أشتريت وأبتعت وقبلت. كذلك يتحقق بالألفاظ الدالة عليه باللازم مثل ملكت ونقلت وعاوضت وأمثالها فإن حقيقة البيع هي المبادلة وهي من لوازم تلك العناوين بل بما هو أوسع وأبعد كأستعمال اللوازم العامة مثل خذ هذا بكذا أو هو لكَ بكذا وما أشبه ذلك، ويتمطى الجواز حتى يتناول استعمال صيغة عنوان عقد خاص في عقد آخر فيستعمل البيع في الإجارة، فتقول: بعتك منفعة الدار بكذا. والإجارة بالبيع فتقول: آجرتك الدابة ملكاً بكذا. والبيع في الهبة مثل: بعتك الكتاب بلا عوض وبالعكس مثل: وهبتك الثوب بعوض كذا. ويطرد هذا في سائر العقود فما كانت هناك مناسبة وعلاقة كان مجازاً وإلاَّ كان غلطاً ولا منافاة عند المجوّز بين غلطية اللفظ وصحة العقد لأن المدار في العقد عنده على تحقق الإنشاء باللفظ مهما كان، هذا تصفية تصوير الوجوه والأقوال على الإجمال، أما التحقيق عندنا فهو إن عناوين العقود الخاصة كالبيع والإجارة والصلح والهبة ونظائرها لا تتحقق إلاَّ بأنشائها بالألفاظ ولا يلزم أن تكون تلك الألفاظ مشتقة من نفس ألفاظ عناوينها بل يكفي كل لفظ دلَّ عليها في نفس ذلك الاستعمال ولو بمعونة القرينة حالية أو مقالية فالمدار على التفاهم بين المتعاملين وأن يفهم كل منهما مراد الآخر حتى يقع القبول مطابقاً للإيجاب سواء كان استعمال تلك الألفاظ فيما قصداه، صحيحاً أو غلطاً، حقيقة أو مجازاً، وافق عرف البلد أو خالفه، لأن العقد ليس إلاَّ انشاء المعنى بلفظ مفهم للمقصود بنفسه أو بالقرينة.

ولا نقول: إن العقد منحصر بالانشاء اللفظي بل نكون إن الانشاء اللفظي عقد قطعاً بل أظهر أنواع العقد أما أنه يتحقق بالإنشاء الفعلي أم لا فسيأتي تحقيقه قريباً إن شاء الله.

و(بالجملة) فلا نجد العرف يعتبر في حقيقة العقد أكثر من القصد إلى ايجاد المعنى باللفظ ولازم قصد ايجاده وتحقيقه إلتزامه به حتى في العقود الجائزة فإن العقد الجائز أيضاً قد إلتزم الطرفان بمضمونه، ولكن مادام العقد وغاية الفرق بينه وبين اللازم إن ذاك له أن يحله متى شاء بخلاف الثاني.

أما في ظرف عدم حله فيجب الوفاء به وتترتب آثاره عليه وقد أشرنا فيما سبق إلى أن وجوب الوفاء في الآية يمكن أن يعم كل عقد خرج بالدليل العقود الجائزة من حيث جواز حلها وما عدا ذلك فيجب العمل على طبقها فيها وفي سائر العقود وهذا هو مدرك أصالة لزوم العقود كما تقدم.

والقصارى إن العقد يتحقق عرفاً بإنشاء معناه لفظاً مطلقاً بشرط أفهام القصد والمراد ولو بالقرينة، ولكن اللزوم الشرعي ووجوب الوفاء يمكن منع شموله لكل عقد عرفي حتى ما أنشأ باللفظ الغير الموضوع لذلك العنوان وسره إن اللام في العقود التي في الآية ظاهرة في العهد لا الجنس فيكون الحكم ثابتاً للعقود المعهودة في العرف الشائعة فيما بينهم لا مطلق ما يستعملونه، ومن المعلوم إن الشائع المتداول من العقود عندهم هو ما كان إنشاؤه بالألفاظ المنتزعة من عنوان ذلك العقد فالمتداول من عقد البيع هو ما يشتق من هذا العنوان وأخواته مثل: بعت وأشتريت، وشريت وأبتعت وقبلت لا مثل ملّكت (بالتشديد) وتملكت ونقلت وعاوضت وأشباه ذلك، وهكذا عقد الإجارة فإن المتعارف المتداول ما يشتق من عنوانه كأجرت لا من لوازمها وتوابعها مثل تمليك المنفعة ونحوها وهكذا الكلام في سائر العقود ذوات العناوين الخاصة كالهبة والصلح والمزارعة والمساقات فكل عقد كان انشاؤه بألفاظ منتزعة من عنوانه فهو لازم يجب الوفاء به وإلاَّ فشمول الدليل له غير معلوم.

والأصل هنا عدم اللزوم عند الشك في شمول الدليل لعدم احراز العموم أو الاطلاق فإن مصب العموم ضيّق كما عرفت، إذاً فليس كل عقد عرفاً يجب الوفاء به شرعاً بل هي تلك العقود الخاصة بعناوينها المخصوصة ومنه يستبين حال استعمال الكنايات القريبة أو البعيدة مثل (بارك الله لك في صفقتك) أو (شايف الخير) ونحو ذلك مما يستعمله العرف بعد المساومة لأطلاق البيع واظهار الموافقة، فإنَّ قصد به القائل انشاء البيع كما هو الغالب حيث يريدون به المعنى بعتك فهو عقد، ولكن لزومه غير معلوم على أن تحقق الانشاء به محل نظر فإن انشاء اللازم ليس انشاء للملزوم  فإن الدعاء بالبركة وإن كان لازمه أن يكون له ولكنه ليس انشاء لجعله له فهو محتاج إلى عناية أخرى بأن ينسلخ عن معنى الدعاء ويتمحض لنوع آخر من الانشاء وإن لم يقصد النقل والتمليك فلا اشكال في عدم كفايته، هذا كل من حيث مواد الألفاظ التي تستعمل لأنشاء البيع وسائر العقود، أما من حيث الهيئات فيتضح بالنظر في:

الثالثة: وهي إن البيع ونحوه من العقود، لما كان من المعاني الايجادية التي لا حقيقة لها في الخارج إلاَّ بنفس انشائها وإيجادها فإذا أنشئت تحققت ووجدت، وحيث إن هيئة الماضي هي الصريحة في الدلالة على الثبوت وتحقق الوقوع ومفادها الصريح تحقق نسبة وقوع الفعل من الفاعل ولذا كان بذاته مجرداً عن الزمان وإنما يدل على الزمن باللازم عند الإطلاق وكثيراً ما يطلق على نسبة وقوع الفعل في المستقبل بغير عناية وتجوز مثل: [إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ] و[أَتَى أَمْرُ اللَّهِ]، ونظائرها فمدلول هذه الصيغة الخاصة مطابقة هو الثبوت والتحقق فإذا استعملت في العقود من بيع ونحوه دلّت صراحة على تحقق وقوع معانيها وثبوتها فكانت هي الهيئة الصريحة في إنشاء تلك المعاني المحتاجة إلى ما يدل على تحقق وقوعها إذ لا حقيقة لها إلاَّ بأنشاء ثبوتها وتحققها.

أما هيئة المضارع فمدلولها الصميم ليس إلاَّ نسبة المبدأ إلى الذات أي الفعل إلى الفاعل فهو كأسم الفاعل حقيقة ولذا سمي بالمضارع سوى إن الفعل يدل على نسبة المبدأ إلى الذات وتلبسها به، وأسم الفاعل يدل على تلبّس الذات بالمبدأ ونسبتها له فهو مترتب عليه ومتأخر رتبة عنه فتقول: يضرب فهو ضارب، وهو أيضاً مجرد عن الزمان ويصلح للماضي كما في قولك: لم يضرب، ويتمحّض للأستقبال كما في: سوف يضرب، يتردد بين الحال والاستقبال كما لو تجرد. وعلى أي حال فحيث إن مدلولهما الصريح تلبس المبدأ بالذات أو تلبس الذات بالمبدأ من دون نظر إلى زمان وإلى تحقق ذلك لم يكن صريحاً في الثبوت والوقوع وربما يكون كل منهما دالاً عليه عند الاطلاق، ولكن باللازم وقد عرفت إن المعتبر في العقود الصراحة وإن انشاء أحد المتلازمين لا يستلزم انشاء الآخر وإن عدم الانفكاك في المتلازمين إنما هو في الخارجيات لا الأنشائيات،

والقصاري إن هيئة الماضي هي الصريحة في العقود وسيّما البيع، ولذا اتفقوا قولاً واحداً على تحقق العقد بها وأختلفوا في المضارع وأسم الفاعل والحق إنهما لا يصلحان لأنشاء المعاني العقدية بهما إلاَّ مع القرينة فتقول: أنا بائع، تريد انشاء البيع وتحقيقه بذلك مع القرينة الواضحة من حال أو مقال فليس هو ولا مضارعه من صيغة العقود الصريحة كالماضي.

وأما صيغة الأمر والطلب مثل: بعني أو زوجني ونحوهما، فهي أبعد من المضارع وأخيه بكثير إذ ليس هو انشاء للبيع بل هو طلب انشائه من الغير فهو استدعاء محض، أما لزوماً إن كان من العالي، أو إلتماساً ورجاء أن كان من غيره فإذا قال: بعني، وقلت له: بعتك، لابد من أن يتبعه بقوله قبلت وإلاَّ فلا عقد، إذاً فالماضي هو المتعين في العقود وما عداه لا يكفي إلاَّ بتكلف وعناية لا يصح الاعتماد عليها في العقود، وما ورد في بعض الأخبار من كفاية الطلب حيث قال: زوجنيها يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة، وما في شراء العبد الآبق وبيع المصحف وغيرها مما هو ظاهر في كفاية المضارع والأمر محمول على المقاولة قبل البيع تمهيداً لأجراء الصيغة لا الأكتفاء بنفس ذلك القول.

نعم، في خصوص الطلاق والعتق بل والوقوف والصدقات جعل الشارع الصيغة المخصوصة لها أسماء الصفات وأسم الفاعل مثل: أنتِ طالق، وأنتَ حر، وداري صدقة أو وقف كذل ذلك للدليل الخاص ولا يجوز التعدي عنها إلى غيرها فلا يصح داري إجارة أو مأجورة ونحو ذلك قطعاً، أما اعتبار العربية في صيغ العقود فإن كان المراد به عدم كفاية الألفاظ المرادفة للبيع في اللغات الأخرى فهذا مما لا دليل عليه بل الأصح إن الأدلة العامة [أَوْفُوا بِالْعُقُودِ] و[أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ] شاملة لكل عقد في كل لغة غايته إنها على نحو ما حققناه من كون الملحوظ فيها العقود المنشأة بألفاظها المأخوذة من عناوينها الخاصة سواء في لغة العرب أو غيرها، وإن كان المراد بأعتبار العربية أخراج الملحون، مادة أو هيئة الخارج عن قواعد العربية فالتحقيق إن اللحن إن لم يكن مغيراً للمعنى كما لو قال: بَعتَك (بفتح الباء أو التاء) لم يقدح، أما لو كان مغيراً كما لو أدخل الهمزة فقال: أبعتك، أو شوش نظم المادة فقال: جوزتك مكان زوجتك، أو استعمل المشترك اللفظي أو المعنوي أو المجاز ولم ينصب قرينة فتحقق حقيقة العقد بها مشكل وعلى تقديره فلزومه غير معلوم إن لم يكن معلوم العدم، هذا تمام القول فيما يتعلق بهذه المادة ومنه يعلم إن عرف البلدة لا خصوصية له فلو قالوا: الإيجاب والقبول لفظين مستعملين لأنشاء البيع عن وضع أو قرينة لكان أصح وأوسع فتدبر وبالله التوفيق.

(مادة 169)

الإيجاب والقبول يكونان بصيغة الماضي بدون النية كبعت وأشتريت وأي لفظ من هذين ذكر أولاً فهو إيجاب، والثاني قبول، فلو قال البائع: بعت وقال المشتري اشتريت أو قال المشتري أولاً أشتريت ثم قال البائع بعت، انعقد البيع ويكون لفظ بعت في الأولى إيجاباً واشتريت في الثانية بالعكس، وينعقد البيع أيضاً بكل لفظ ينبأ عن انشاء التمليك والتملك كقول البائع اعطيت أو ملكت وقول المشتري أخذت أو تملكت أو رضيت وأمثال ذلك.

تضمّنت هذه المادة ثلاثة أمور:

الأول: انعقاد البيع بالماضي، وقد عرفت الوجوه في إنها هي الصيغة الصريحة وما عداها بين مقطوع بعدم صحته وبين مشكوك.

الثاني: إعادة ما سبق في (مادة 101) من إن الإيجاب هو أول الكلام..إلى آخره. وتحرير هذه المسألة  إن الإيجاب والقبول أما أن يقترنا أو يتقدم أحدهما على الآخر وعلى كلا الفرضين فإما أن يكونا بلفظ بعت وقبلت، أو بغيرهما وعلى فرض التقدم والتأخر، فأما أن يتقدم الإيجاب ويتأخر القبول أو العكس فهنا ست صور:

الأولى: تقدم الإيجاب على القبول وهي القدر المتيقن والمتفق على صحتها كالاتفاق ظاهراً على بطلان.

الثانية: عكس الأولى وهي تقدم القبول.

الثالثة: اقترانهما بصيغة بعت وقبلت والصحة محل نظر كــ:

الرابعة: وهي اقترانهما بغيرهما من الصيغ.

الخامسة: تقدم بعت إيجاباً وتأخر أشتريت قبولاً أو العكس تقدم أشتريت وتأخر بعت ولا اشكال في صحة الأولى ويشكل صحة عكسها.

السادسة: التأخر والتقدم في أبتعت أو بعت أو رضيت أو العكس وحالهما حال سابقيتهما، وقد يتصور أكثر من ذلك ولكن يعرف حال كثير منهما مما ذكرنا.

والضابطة إنه كلما كان من أحدهما قبول أو بمعناه من الرضا والامضاء ونحوهما فلابد من تأخيره لما مرت الإشارة إليه من إن نحوه نحو المطاوعة والتأثر ويستحيل تحقق التأثر قبل المؤثر والإنفعال قبل الفعل كاستحالة تقدم المعلول على العلة، وإذا لم يكن من أحدهما القبول وما بمعناه مثل ابتعت وبعت واشتريت وبعت ففي الحقيقة كل منهما موجب وقابل بأختلاف الاعتبار بل يمكن الحكم بالصحة حتى مع التقارن في هذه الصيغ ويمكن فيها تطرق التفصيل بين ما إذا كان البيع صرفاً أو مقايضة فكل منهما موجب وقابل تقارناً أو تقدم أحدهما على الآخر، أما لو كان أحد العوضين سلعة والآخر نقداً فصاحب النقد مشترياً وقابلاً وصاحب السلعة بائعاً وموجباً تقدم أو تأخر على إن ترتب الثمرة على تعيين الموجب من القابل قليلة والفائدة العملية معدومة ضئيلة.

الثالث: من الأمور إعادة ما أشير إليه في المادة المتقدمة من كفاية كل ما ينبيء عن التمليك والتملك، وقد عرفت أوسع ما ينبغي من التحقيق فيه ومنه يظهر لك القدح فيما ذكرته (المجلة) هنا من انعقاد البيع بمثل قول البائع اعطيت وملكت وقول المشتري رضيت فإن الاعطاء ظاهر في التمليك المجاني فهو من صيغ الهبة ولا يجوز استعماله في البيع الذي هو رأس عقود المعاوضات إلاَّ غلطاً أو مجازاً بعيداً فلا يكون عقد بيع ولو سلم فلا يكون لازماً لما عرفت، وأيضاً فإن الرضا لا يصح استعماله قبولاً في مطلق العقود اللازمة لأن معنى القبول فيها يتضمن معنى يستلزم التعهد والالتزام والرضا اذن وموافقة لا تعهد وإلتزام فتدبره جيداً.

(مادة 170)

ينعقد البيع بصيغة المضارع إذا أريد بها الحال كأبيع واشتري وإذا أريد بها الاستقبال لا ينعقد.

قد ظهر لك مما أفضنا قبل في بيانه إن المضارع لا يدل على أكثر من نسبة المبدأ إلى الذات وتلبسها به وهذا غير كونه محقق الوقوع فإن أريد منه الحال بالقرينة كان لازمه كونه محقق الوقوع فيدل على انشاء المبادلة أو التمليك باللازم وكفايته في العقود محل نظر وهذا بخلاف الماضي فإنه صريح بالوقوع والثبوت، فليفهم. وقد عرفت إن طلب وقوع الشيء غير نفس وقوعه بل طلبه ظاهر في عدم تحققه وحصوله وهو عكس المقصود بالبيع ونحوه ومنه يعلم (مادة 171) التي هي تكرار للمادة التي قبلها.

(مادة 172)

لا ينعقد البيع بصيغة الأمر كبعْ  وأشترِ إلى آخره، ويريد بأقتضاء الحال القرينة على إرادة انشاء البيع بصيغة الأمر  وهو من قبيل استعمال الشيء في ضده فإن قولك: بعْ، طلب انشاء وقوعه الظاهر في إنه غير واقع فلو استعملته في إنشاء تحقق وقوعه كان استعمالاً في شبه ضده وحاله حال المضارع بل أسوء.

(مادة 173)

كما يكون الإيجاب والقبول بالمشافهة يكون بالمكاتبة أيضاً

قد عرفت إن الكتابة عندنا لا تصلح للعقد وحالها حال الإشارة من القادر. نعم، مع العجز وعدم امكان التوكيل فد يكتفي بالكتابة ومع دوران الأمر بينها وبين الإشارة في العاجز لا يبعد رجحان الإشارة لأنها أقرب إلى اللفظ كما في:

(مادة 174)

ينعقد البيع بالإشارة المعروفة للأخرس، أما الرسالة أي ارسال رسول لأجراء البيع فإن كان بنحو الوكالة صحَّ وإلاَّ فهو فضولي، وتلخص من كلها سبق إن الماضي هي الصيغة الصريحة في عامة العقود بأتفاق الجميع (بدون نية) أي بطبيعتها ومن غير حاجة إلى قرينية وإلاَّ فقصد الإنشاء لازم في الجميع ولو عبرت (المجلة) بذلك لكان أبعد عن الإبهام.

أما الأمر والمضارع فيصح استعمالهما في العقد عند أصحاب (المجلة)، ولكن مع النية وقصد الحال بهما أي ومع القرينة كقول العاقد أبيعك الآن أو حالاً أو نحو ذلك، أما عندنا فمشكل وكونه عقداً لازماً أشكل.

بيع المعاطاة

(مادة 175)

حيث إن القصد الأصلي من الإيجاب والقبول هو تراضي الطرفين، فينعقد البيع بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي ويسمى هذا بيع التعاطي، مثال ذلك أن يعطي المشتري للخباز مقداراً من الدراهم فيعطيه مقداراً من الخبز بدون إيجاب وقبول أو أن يعطي المشتري الثمن للبائع ويأخذ السلعة ويسكت البائع.

هذا هو بيع المعاطاة المشهور، وفي عبارة (المجلة) أيضاً نوع من التسامح حيث جعل القصد الأصلي من العقد أي الإيجاب والقبول هو التراضي مع إن الرضا والتراضي اذن وإباحة وهو غير ما هو المقصود بالعقود فإن المهم فيها هو انشاء التمليك والمبادلة، والرضا بتصرف الغير في ملكك معنى، وجعل مالك ملكاً للغير معنىً آخر، والمعاطات التي هي أخت العقد اللفظي هي التي يقصد بها انشاء البيع والتمليك وهذه هي التي ينبغي أن تكون محل الكلام وموضع النقض والإبرام إلاَّ التي يراد بها الرضا وإياحة التصرف وحلية الانتفاع شبه العارية ونحوها. نعم، أختلف فقهاؤنا أشد الاختلاف في موضوعها والمعنى المقصود منها في موضع النزاع كأختلافهم في حكمها فقيل هو ما قصد به المتعاطيان الإباحة، وقيل ما قصد به التمليك وقيل ما تجرّد عن كل منهما كما إن الأقوال في حكمها كثيرة من حيث الصحة والفساد والجواز واللزوم وقد تنتهي إلى ستة هي بين إفراط وتفريط فهي بيع فاسد عند بعض وبيع صحيح لازم كالبيع بالألفاظ عند آخرين وبيع صحيح ولكنه جائز وإنما يلزم بتلف أحد العوضين أو كليهما وهذا هو أوسط الأقوال وأقربها إلى القواعد، وذهب جماعة إنها تفيد إباحة التصرفات أما مطلقاً أو خصوص ما لا يتوقف على الملك، وصفوة ما عندنا هنا من التحقيق إن المشاهد المحسوس من حالنا بل ومن حال غيرنا من صغير أو كبير في شراء حقير أو خطير حتى الطفل المميز إذا أشترى شيئاً من الأسواق لا يقصد بدفعه المال من نقود وغيرها بإزاء ما يأخذه من السلعة إلاَّ مبادلة ذا بذاك وقطع علاقته من العين المدفوعة منه بالكلية عوض استيلائه على العين المأخوذة من الآخر فيصح على هذا تعريفها التحقيقي أو التقريبي بإنها عبارة عن أن يدفع كل من اثنين ماله إلى الآخر عوض ما يدفعه الآخر له، وقد مرَّ عليك إن انشاء التمليك لابد له من أمر خارج يتحقق به ويكون آلة لأيجاده، والألفاظ هي الأدوات التي يبني العقلاء على اظهار مقاصدهم بها حكاية أو إيجاداً يعني خبراً أو انشاء، ثم في الرتبة الثانية، الأفعال فإن للأفعال ظهوراً كما للأقوال وينشأ بها المعاني الاعتبارية كما ينشأ بالأقوال فكما إنكَ إذا قلت لشخص هذه العين لكَ، تارة تريد أخباره بأنها له، وتارة تريد إنشاء تمليكها له، فكذلك إذا دفعتها له وأنتَ ساكت قد تريد إن دفعها إليه من جهة إنها ملكه وماله العتيد، وتارة تريد انشاء إنها له فتكون من ماله الجديد، فهذا عقد وإلتزام ضمني ولكنه فعلي لا قولي وهو مع قصد التعاوض بيع ويشمله [أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ]، ولكنه ليس كالعقد القولي يجب الوفاء به لما عرفت قريباً من أنَّ [أَوْفُوا بِالْعُقُودِ] لا تشمل إلاَّ العقود اللفظية المنشأة لعناوينها الحاصة بها فأحل الله البيع تثبت مشروعية هذا العقد وأنه مؤثر، ولكن دليل اللزوم قاصر عنها فتكون جائزة ولكل من الطرفين الرجوع مادام كل من العوضين قائماً موجوداً أما مع تلفهما أو تلف أحدهما فيأتي اللزوم كما هو الشأن في جميع العقود الجائزة، كالهبة وغيرها (وسره) إن المالك سلطه على العين بجميع شؤونها ولازمه إن له جميع التصرفات حتى الناقلة والموقوفة على الملك ولازم ذلك إن لا رجوع مع التلف أو الإتلاف لأن حق الاسترجاع إنما هو مع بقاء العين وقيامها، أما مع تلفها فقد زال الموضوع وسقط الحق ولزم العقد، ومن نفس عنوان هذا النوع من البيع يعلم أنه لا يتحقق إلاَّ بالتعاطي من الطرفين حقيقة أو حكماً فإن المشتري إذا أعطى الثمن للبائع وأخذ السلعة والبائع ساكت فإن سكوته الكاشف عن رضاه يقوم مقام عطائه كما إنَّ أخذ المشتري يكون كإنشاء للتملك والتمليك وسكوت البائع أمضاء، وكذا دفع القصاب قطعة اللحم وأخذ المشتري لها بعد طلبه محقق للتعاطي حقيقة أما قبل أخذ المشتري لها فالبيع لم ينعقد والاستدعاء لا يجعل المشتري ملتزماً وقد عرفت إن كلاً من البائع والمشتري له العدول والفسخ بعد تحقق البيع بالتعاطي لأنه عقد جائز فكيف لا يجوز قبل أن تتم المعاطاة التي هي بمنزلة الإيجاب والقبول والاستدعاء لا يكون قبولاً ودفع القصاب اللحم كإيجاب بلا قبول فما وجه الحكم (المجلة) بأنه ليس للمشتري الامتناع من قبوله وأخذه بل له الامتناع على التحقيق حتى بعد أخذه أي له الرجوع والعدول لأنه بيع جائز ولا يلزم إلاَّ بتلف أحد العوضين حقيقة أو حكماً كما لو باعه أو رهنه أو ما يشبه ذلك، ومن الغريب قول القائل: إن الإيجاب والقبول إنما اعتبرا في البيع لقيامهما مقام التعاطي حكماً، فقد جعل التعاطي أصلاً والإيجاب والقبول فرعاً، مع إن الأمر بالعكس فإن الأصل في الخبريات والإنشائيات هو اللفظ، والقول والفعل والتعاطي فرع وتبع له بإتفاق أهل العلم، و(بالجملة) فإن إنشاء التمليك بالفعل إنما يكون بيعاً ويحصل به النقل والمبادلة إذا توفرت فيه جميع شروط البيع من معلومية العوضين وعدم الغرر والقدرة على التسليم وقصد المتعاقدين ورشدهما واختيارهما إلى غير ذلك من شروط البيع الآتية لا يفقد شيئاً من شرائطه ومقوماته سوى الإيجاب والقبول الذي يقوم تعاطيهما مقام هذين الركنين ويلزم فيهما كل ما يلزم في الإيجاب والقبول من التوالي ونحوه، فالتعاطي من طرف واحد كإيجاب بلا قبول أو قبول بلا إيجاب. نعم، يكفي من أحدهما العطاء حقيقة ومن الآخر حكماً وهو كثير، ومنه وضع الفلس في دكان بائع البقل أو محفظته وأخذ باقة البقل ونظائر ذلك، ومنه في الإجارة دخول المغتسل إلى الحمام ووضع الأجرة المعلومة في صندوق صاحب الحمام وهكذا، ومما ذكرنا يتضح أيضاً إن البيوع الفاسدة مطلقاً لا تدخل في باب المعاطاة بل لها حكم آخر ربما يأتي بيانه إن شاء الله.

كما يتضح إن المعاطاة على القول بإفادتها الملك أو الإباحة يصح جريانها في غير البيع من العقود جائزة أو لازمة، يعني كالإجارة أو كالهبة ولا تلزم في الإجارة أو غيرها إلاَّ بالتلف الحقيقي أو الحكمي أو القيام بالعمل فتدبره جيداً.

هذا أوجز ما ينبغي أن يقال في اختصار بيع المعاطاة. وهذا أقل قليل مما ذكره فقهاؤنا سيّما المتأخرين منهم في المطولات ولعله قليل يغني عن الكثير.

ومن أراد أن يعرف سعة فقاهة الإمامية ودقة أفكارهم وغزارة مادتهم فليرجع إلى مؤلفاتهم المبسوطة في هذا الباب.

(مادة 176)

إذا تكرر عقد البيع بتبديل الثمن أو تزييده أو تنقيصه يعتبر العقد الثاني. فلو تبايع رجلان مالاً معلوماً بمئة قرش ثم بعد انعقاد البيع تبايعا ذلك المال بدينار أو بمائة وعشرة أو بتسعين قرشاً يعتبر العقد الثاني.

في هذا الموضوع أيضاً إجمال وأشكال وتحرير ذلك حسب القواعد المتفق عليها. إن الإيجاب والقبول إذا وقعا جامعين للشرائط فقد انتقل مال كل واحد من المتبايعين إلى الآخر غايته إنهما ماداما في مجلس العقد يجوز لكل منهما الفسخ وحينئذٍ فإذا تبايعا ثانياً بمعنى إن البائع باعَ ثانياً ما باعه أولاً فإن كان بذلك الثمن فالثاني لغو طبعاً، وإن كان بثمن آخر. والفرض إن المشتري واحد فإن قصد ضمن البيع الثاني فسخ الأول ولو بقرينة مقامية أو ظهر منهما التباني على التقايل صحَّ الثاني وأنحل الأول طبعاً وإن لم يقصدا فسخاً ولا إقالة فالبيع الثاني باطل لأنه باعَ ما لا يملك على من يملك فتدبره جيداً على وضوحه.

الفصل الثاني

في بيان لزوم موافقة القبول للإيجاب

يعني يلزم أن يقع القبول على ما وقع عليه الإيجاب جنساً وقدراً ووصفاً وغير ذلك، فلو باعه المجموع بألف ليس له أن يقبل نصفه بخمسمائة  وهكذا في سائر الجهات على ما ذكروه في: (مادة 177). نعم، لو قبل البائع بذلك ثانياً أو اشترط القابل شرطاً لم يذكر في الإيجاب ثم قبل به الموجب ثانياً فلا يبعد في هذا وأمثاله الصحة.

و(الضابطة) أنه كلما كان القبول بالنسبة إلى الإيجاب من قبيل الأقل والأكثر أو الإطلاق والتقييد صحَّ بالقبول ثانياً، وكلما كان من قبيل المتباينين كما لو قال بعتك الدار، فقال: قبلت الدابة، فهو باطل ولا يصح بقبول البائع ثانياً ووجهه واضح، والظاهر إن هذا هو المشار إليه بــ:

(مادة 178)

تكفي موافقة القبول للإيجاب ضمناً فلو قال بعتك هذا بألف قرش وقال المشتري أشتريته منك بألف وخمسمائة انعقد البيع على الألف إلاَّ أنه لو قبل البائع هذه الزيادة في المجلس لزم المشتري أن يعطيه الخمسمائة التي زادها أيضاً إلى آخره.

ولا فرق في هذا بين الثمن والمثمن فكما جاز الاختلاف في الثمن بذلك يجوز مثله في المثمن، فلو قال: بعتك هذين الكتابين أحدهما بمائة والآخر بخمسين صحَّ للمشتري أن يقول قبلت الأخير بخمسين فما ذكروه عن الإمام مالك في:

(مادة 179)

لم يظهر وجهه وإذا وقفنا جموداً على ما وقع عليه الإيجاب فاللازم المنع في المقامين ولا وجه للتفكيك. نعم، لو باعه أنواعاً متعددة بثمن واحد صفقة واحدة من دون تعيين ثمن لكل واحد كان الأوجه عدم الصحة لو قبل المشتري بعضها بثمن يعينه من نفسه وإن كان لا يخلو من وجه إذا رضي البائع ثانياً فليتأمل، أما مع تكرر الإيجاب وتعيين ثمن لكل واحد فلا اشكال في صحة قبول بعض دون بعض كما في:

(مادة 180)

لأنه بحكم عقود متعددة، وأعلم إن من حق متانة التحرير أن يعقد هذا الفصل لشرائط الإيجاب والقبول فيقال:

1 ــ مطابقة الإيجاب للقبول.

2 ــ توالي الإيجاب والقبول.

3 ــ التنجيز فيهما أي (عدم التعليق).

4 ــ بقاء كل من الموجب والقابل على الأهلية إلى تمام العقد فلو عرض إغماء أو جنون أو موت للموجب قبل أن يتم القبول بطل العقد.

5 ــ العربية.

6 ــ الماضوية.

7 ــ الصراحة.

وقد تتداخل أيضاً شرائط الموجب والقابل في شروط العقد أي الإيجاب والقبول كالبلوغ والرشد والقصد والاختيار والملك وعدم الحجر وعدم تعلق حق للغير كالرهن وغير ذلك.


 

الفصل الثالث

في حق مجلس البيع

(مادة 181)

مجلس البيع هو الاجتماع الواقع لعقد البيع

مجلس البيع عبارة عن الموضع الذي جرى فيه الايجاب والقبول من المتبايعين سواء كانا مجتمعين في محل وجهاً لوجه أو متفرقين ولو في بلدين متباعدين وأسمع كل منهما كلامه للآخر ولو بآلة كالهاتف ونحوه ويكون مجلس البيع حينئذٍ هو موضع كل منهما حين العقد فلو انتقلا أو احدهما عنه فقد تفرقا، وكذا لو كانا متباعدين في صحراء وأوصل كل منهما صوته للآخر، فمجلس البيع هو موضع المتعاقدين عند العقد حقيقة لا حكماً غايته أنه أعم من أن يكونا مجتمعين أو متفرقين.

وعلى هذا يترتب خيار المجلس الذي سبق إجماله وسيأتي تفصيله.

(مادة 182)

المتبايعان بالخيار بعد الإيجاب إلى آخر المجلس مثلاً لو أوجب أحد المتبايعين البيع في مجلس البيع فقال: بعت ولم يقل الآخر اشتريت على الفور بل قال ذلك متراخياً قبل انتهاء المجلس ينعقد البيع وإن طالت المدة، تنحل هذه المادة إلى قضيتين.

الأولى: إن كلاً من المتبايعين بعد الإيجاب وقبل القبول مخير بين اكمال العقد وبين ابطال ما وقع منه فالبائع له إن يعدل عن ايجابه والمشتري له إن لا يلحقه بالقبول أصلاً فيبطل الإيجاب، وهو على أنه واضح غني عن البيان يكون حينئذٍ عين (مادة 183) لو صدر من أحد العاقدين قول أو فعل يدل على الأعراض بطل الإيجاب إلى آخره، ووجب الإكتفاء بتلك عن هذه.

الثانية: إن طول المدة بين الإيجاب والقبول وطول الفاصل بينهما لا يقدح في صحة العقد، وهذه قضية مستقلة ولا تصلح أن تكون مثالاً للقضية الأولى كما لا يخفى على المتدبر.

أما فقهاء الإمامية فعتبرون التوالي بين الإيجاب والقبول لازماً بحيث يكونان كالكلام الواحد الذي له هيئة اتصالية فلو حصل فصل يقدح بذلك الإتصال ولو قليلاً فضلاً عن الكثير بطل، وهذا من الواضحات التي يوجب تصورها تصديقها، فإن الفاتحة مثلاً سورة واحدة ولها هيئة اتصالية مخصوصة فإذا قيل أقرأ الفاتحة وقلت الحمد وبعد ساعة قلت لله وهكذا حتى اتممتها في عشرين ساعة لا يقول العرف أنه قرأ الفاتحة، وهكذا في كل ما له هيئة تأليفية ولذا قالوا: للمتكلم أن يلحق بكلامه ما شاء ولكن مادام مشغولاً بالكلام فإذا انقطع عدَّ كلاماً ثانياً وعليه بنوا قضية الإقرار والاستثناء، فلو قال علي لزيد عشرة دراهم وقال بعد ساعة إلاَّ درهما أو استثني درهما ونحو ذلك لم يقبل ويعد من قبيل الإنكار بعد الإقرار بخلاف ما لو اتصل بكلامه الأول وحيث إن العقد كجملة واحدة مركب من إيجاب وقبول مرتبط أحدهما بالآخر أشد الربط معنى وحقيقة فيلزم اتصالهما صورة ولفظاً كالإنسان المركب من اعضاء مرتبط بعضها ببعض فلو انفصلت لم يعد انساناً فإن شخصية كل انسان متقومة بتأليفه الخاص ومعيار الوصل اللازم والفصل المضرفي الكلام موكول إلى نظر العرف وهو يختلف حسب الموارد فالوصل بين لفظ الجلالة وأكبر أشد منه في ما بين فصول الآذان بعضها مع بعض والفصل بين آية وأخرى أوسع منه ما بين جملة وأخرى في نفس الآية والفصل بين كلمة وأخرى في الجملة الواحدة أضيق منه بين نفس الجمل وهكذا في أبيات الشعر بين البيت والآخر أوسع منه بين الشطر والشطر والجملة منه مع الأخرى.

والخلاصة، إن التوالي بين الإيجاب والقبول في عامة العقود وخصوص البيع من أهم الشروط وإذا حصل الفصل المخل بالوحدة الإتصالية بطل العقد ولم ينفع القبول المتأخر، ولا يكفي اتحاد المجلس وكما إن للأقوال وحدة اتصالية كذلك للأفعال المركبة عرفية كالكتابة والصياغة أو شرعية كالوضوء والصلاة وامثالها من العبادات.

(مادة 184)

لو رجع أحد المتبايعين عن البيع بعد الإيجاب وقبل القبول بطل الإيجاب

هذا أيضاً تكرار يغني عنه المادة كما تغني عن (مادة 185) تكرر الإيجاب قبل القبول يبطل الإيجاب الأول إلى آخره.


 

فهذه المواد الأربع بل الخمس كلها قضية واحدة غنية عن البيان فضلاً عن هذا التكرار الممل العاري عن كل فائدة فإن عدم تأثير الإيجاب وحده قبل القبول من لوازم اعتبار القبول وتركب العقد منهما.

فما الحاجة إلى هذا التطويل.

الفصل الرابع: في حق البيع بالشرط

الشروط والخيارات والإقالة وأمثالها إنما هي من توابع العقد الصحيح التام الأركان فلا يحسن بيان شيء منها قبل استيفاء مقومات العقد وأركانه كشرائط المتعاقدين العامة كالبلوغ والعقل وأن لا يكون محجراً عليه لفلس أو سفه أو شرائط الثمن والمثمن مثل مالين متقومين مملوكين ومن الغريب أن (المجلة) ذكرت بعض هذه المسائل المهمة في الباب السابع بعد أبواب الخيارات وكان الواجب استيفاء ما يتعلق بالعقد والمتعاقدين والعوضين ثم الشروع في ما يتبع العقد من الشروط والخيارات ومهما يكن فإن الشروط تقييدية وتعليقية والتعليقية باطلة لأن التنجيز عندنا شرط في عامة العقود والتعليق  ينافي التنجيز إلاَّ إذا كان صورياً صرفاً كالتعليق على محقق الوقوع مثل إن كانت الشمس اليوم طالعة فقد بعتك فإنه يصح على الأصح وإن استشكله بعض، وأما التقيدية فهي الالتزامات في ضمن الالتزامات العقدية كما سبق توضيحها في صدر الكتاب وهي أما أن يقتضيها العقد أو يقتضي خلافها أولاً يقتضيها ولا يقتضي عدمها، أما الأول فلا أشكال أنه يؤكد العقد وليس لها أي أثر فإن تخلف الشرط وإن اقتضى الخيار ولكن هذا في مثل المقام أثر العقد لا الشرط فلو شرط أن لا يدفع المبيع إلاّ عند قبض الثمن فلا حق للمشتري بالمطالبة به إلاَّ عند دفع الثمن ولو لم يدفع كان للبائع الخيار بعد الانتظار إلى ثلاثة أيام كما سيأتي، ومن هذا النوع اشتراط ضمان الدرك وأما التي يقتضي العقد خلافها وهي الشروط التي تنافي مقتضى العقد فقد عرفت بطلانها بل وتكون مبطلة للعقد، أما القسم الثالث فهي  الشروط التي تلزم في العقود اللازمة وهي أيضاً كما عرفت قسمان شرط الفعل وشرط النتيجة ولا إشكال في صحة شرط الفعل إلاَّ ما حرّم حلالاً أو أحل حراماً أو خالف كتاب الله تعالى على ما سبق بيانه، وما عدا ذلك من شروط الأفعال فهو لازم نافذ سواء كان مؤكداً لمقتضى العقد كما لو أشترط الرهن على الثمن المؤجل أو الكفيل عليه أو خارجاً عنه بالكلية كما لو اشترط خدمة أو كتابة ونحوها، أما شرط النتيجة فمثل اشتراط حرية العبد أو وقفية داره أي صيرورتها وقفاً لا أن يوقفها أو يعتق عبده، فهذه الشروط كلها صحيحة على الأصح كما اشارت (المجلة) إلى بعضها في (مادة 186) و(مادة 187)، ثم إن من شرط صحة الشروط ولزومها في العقود اللازمة أن يكون فيها فائدة أما للمتبايعين أو لأحدهما أو لثالث أما لو خلي عن الفائدة بالكلية كان لغواً وشرطاً سفهياً وعلى ذلك بنوا (مادة 188) البيع بشرط متعارف يعني الشرط المرعي في عرف البلدة صحيح والشرط معتبر مثلاً لو باع الفروة علي أن يخيط بها الظهارة أو القفل على إن يسمره بالباب أو الثوب على أن يرقعه.

فالفائدة في هذه الشروط للبائع و(مادة 189) البيع بشرط ليس فيه نفع لأحد العاقدين صحيح والشرط لغو كبيع الحيوان على إن لا يبيعه أو على أن يرسله في المرعى صحيح والشرط لغو.

وقد يتعلق للبائع غرض بهذه الشروط فتخرج عن اللغوية وكان عليهم أن يذكروا القسمين الآخرين وهو ما فيه نفع لهما أو لخصوص المشتري وهي واضحة وكثيرة.

وفي باب الشروط مباحث جمة، وتحقيقات مهمة، لا مجال لبسطها في المقام وقد مرّت الإشارة إلى بعضها وربما يأتي التعرض في متفرق أبواب هذا الكتاب لبعض آخر إن شاء الله.

الفصل الخامس

في إقالة البيع

إقحام الإقالة التي هي فسخ العقد برضاهما في غضون مباحث شروط البيع وقبل ذكر شروط العوضين والمتبايعين غير سديد.


 

 (مادة 190)

للمتبايعين أن يتقايلا المبيع برضاهما بعد انعقاده

وقد وردت الأخبار المعتبرة في تأكد استحباب الأقالة ففي النبوي: (من أقال نادماً في بيعه أقال الله عترته يوم القيامة)، وقد أختلف فقهاء المذاهب في إنَّ الإقالة عقد جديد أو فسخ العقد الأول فمنافع المبيع من حين العقد إلى حين الإقالة على الأول للمشتري ومنافع الثمن للبائع وعلى الثاني تبني القضية على إنه فسخ من حينه أو حل للعقد من أصله وعلى الأول فكالأول وعلى الثاني فبالعكس.

هذا بالنسبة إلى الزيادات المنفصلة، أما المتصلة فلا كلام في تبعيتها للعين.

(مادة 191)

الإقالة كالبيع تكون بالإيجاب والقبول

ولكن يكفي فيهما كل ما دلَّ عليهما مثلاً لو قال أحدهما: أقلت البيع أو فسخته وقال الآخر: قبلت، صحت الإقالة وينفسخ البيع، وكذا لو قال: أقلني، فقال: فعلت أورد عليه الثمن وأخذ المبيع برضا الثاني فهي إقالة فعلية نظير المعاطاة أو فرد منها كما في:

(مادة 192)

الإقالة بالتعاطي القائم مقام الإيجاب والقبول صحيحة.

(مادة 193)

يلزم اتحاد المجلس في الإقالة كالبيع فلو قال أحدهما: أقلت البيع وقبل أن يقبل الآخر انفض المجلس أو صدر من أحدهما ما يدل على الأعراض قولاً أو فعلاً ثم قبل الآخر لا يعتبر قبوله.

قد عرفت إن اتحاد المجلس لا يكفي في البيع بل لابد من التوالي الحافظ للهيئة الاتصالية، والوحدة العرفية، وكذلك لا يكفي في الإقالة بل لابد من الاتصال على منهاج ما سبق في البيع.

(مادة 194)

يلزم أن يكون المبيع قائماً وموجوداً في يد المشتري وقت الإقالة فلو كان المبيع قد تلف لا تصح الإقالة.

أما بناء على كونها عقداً جديداً فإعتبار قيام العين واضح، وأما بناء على كونها فسخاً فالفسخ وإن كان ممكناً على أن يكون أثره رد العين إن كانت موجودة ورد المثل أو القيمة لو كانت تالفة ولكن لما كانت الحكمة من الإقالة استدراك النادم والفسحة له فهي إنما تقتضي استرداد عينه، فلو كانت تالفة فلا موضوع للإقالة مضافاً إلى ظهور أخبارها بذلك وفي حكم التلف نقلها بعقد لازم كبيع أو هبة أو وقف أو نحو ذلك.

نعم، لو كان التالف البعض صحّت الإقالة في الباقي كما في:

(مادة 195)

وكذلك يعتبر قيام الثمن إن كان شخصياً لعين ما ذكرناه في المثمن، لكن لا يقدح كون الثمن كلياً كما هو الغالب في صحة الإقالة إذ لا يلزم أن يرد عليه نفس ذلك المصداق بل يكفي رد مصداق آخر يساويه والمهم من الإقالة هو استرداد العين المبيعة أي اقالة البائع لا المشتري كما أشير إليه في (مادة 196).

أما الخيارات فإن كانت الإقالة عقداً جديداً جرت فيها وإن كانت فسخاً وحلاً للعقد الأول فلا معنى لجريانها فليتدبر.

الباب الثاني

في المسائل المتعلقة بالبيع

وينقسم إلى أربعة فصول:

الفصل الأول

في حق شروط المبيع وأوصافه

حق هذا الباب أن يعنون بالمسائل المتعلقة بشرائط العوضين وما يدخل في المبيع وأحكامه ويدرج الباب الثالث فيه بزيادة فصل في الثمن.

(مادة 197)

يلزم أن يكون المبيع موجوداً

هذا ليس بشرط على الإطلاق كيف وقد عرفت إن المبيع تارة يكون شخصياً وهو لا يكون إلاَّ موجوداً وتارة يكون كلياً يضبط بالوصف ولا يكون إلاَّ معدوماً. نعم، لو أراد بيع الشخص الذي سيوجد مثل أن يبيعه ما ستحمله هذه الدابة أو الثمرة التي ستحملها هذه الشجرة فالبيع هنا بمقتضى القاعدة باطل، ولكن لا لكونه غير موجود بل لجهالته الموجبة للغرر والكلي يمكن ضبطه بالوصف بخلاف الجزئي ولذا صحَّ بيع السلم وهو بيع ما ليس بموجود فعلاً، فليتدبر.

لكن يمكن بيعه بالتبع كما يمكن الوقف عليه بالتبع نظير الوقف على البطون الموجودة وما بعدها وبيع الفرس واشتراط ما تحمله الأُخرى.

(مادة 198)

يلزم أن يكون المبيع مقدور التسليم

هذا مما لا أشكال فيه وهو موضع اتفاق في الجملة وبدونه يكون البيع غرراً فلا يجوز بيع الطير في الهواء وإن كان مملوكاً إذا كان وحشياً لا يعود، واستدلوا عليه بحديث نهي النبي (ص) عن الغرر وبحديث: (لا تبع ما ليس عندك) بتقريب أنه ليس المراد لا تبع غير ملكك وإلاَّ لقال: لا تبع ما ليس لكَ، فالتعبير بهذا الأسلوب ظاهر في إن المراد: لا تبع ما ليس لكَ عليه السلطنة التامة فإن الذي عندك وتحت يدك هو الذي تكون لكَ عليه السلطنة التامة الفعلية، وكيف كان فلا كلام في اعتبار القدرة على التسليم في الجملة. إنما الكلام في أمرين:

الأول: هل المعتبر القدرة على التسليم وقت البيع أو تكفي القدرة بعده، ومقتضى صحة بيع السلم ونحوه كفاية القدرة عند لزوم الدفع والتسليم لا عند اجراء الصيغة، ولكنهم مع ذلك يستشكلون في صحة بيع الآبق بغير ضميمة وبيع الثمرة قبل بروزها عاماً واحداً أو مطلقاً ويمكن الفرق بما مرّت الإشارة إليه من الكلي والشخصي فيصح في الأول دون الثاني.

الثاني: هل يكفي قدرة المشتري على التسلم وإن كان البائع لا يقدر على التسليم فيبيع العبد الآبق لمن يقدر على قبضه والدابة الشاردة لمن يقدر على امساكها، فنقول: مقتضى الإعتبار بل القواعد الصحة فإن مدرك المنع هو الجهالة والغرر وهما منتفيان في الفرض المزبور.

نعم، لو كان مدرك اعتبار هذا الشرط هو الإجماع وحديث (لا تبع ما ليس عندك) كان الوجه عدم الصحة ومع الشك فالمرجع أصالة عدم الشرطية المستفادة من اطلاقات [أَوْفُوا بِالْعُقُودِ] وامثالها وهذا هو الأوجه عندي وإن مال إلى المنع بعض أعاظم المتأخرين منّا.

(مادة 199)

يلزم أن يكون المبيع مالاً متقوماً

أما المال فقد عرفت حقيقته منّا غير مرة وإن المالية اعتبارات عقلائية تنشأ من عموم الحاجة إلى الشيء وقوة الفائدة والمنفعة فإن أقرهم الشارع ولو بعدم الردع فهو مال شرعي أيضاً وإلاَّ فهو غير مال شرعاً وإن كان مالاً عرفاً، والمعتبر في صحة البيع كون المبيع مالاً شرعياً ولا يكفي ماليته عرفاً ولذا لا يصح بيع الخمر والخنزير والأصنام والميتة بل وسائر النجاسات والأعيان المحرمة كآلات اللهو والقمار ونحوها، وعدم المالية. أما لنفاسة الشيء كالإنسان الحر والمعابد ونحوها وأما لخساسته كالقاذورات والحشرات وأمثالها فكل هؤلاء لا يصح بيع شيء منها لعدم ماليتها شرعاً وعرفاً أو شرعاً فقط.

(مادة 200)

يلزم أن يكون المبيع معلوماً عند المشتري

لعلك عرفت من غضون ما مرَّ عليك من المباحث في هذا التحرير إن من أهم شروط البيع عدم جهالة المبيع وبالأحرى معلومية العوضين علماً يرفع الجهالة والغرر، وبما إن الغرر والجهالة تبطل البيع فاللازم معلومية كل من العوضين عند كل من المتبايعين لا يختص ذلك بالمشتري ولا البائع فلو كان المبيع عند البائع مجهولاً فهو أحرى بالبطلان والغرر المنفي في الحديث النبوي مطلق فتخصيص المعلومية بالمشتري لا وجه له، ولا فرق في ذلك بين كون المبيع محتاجاً للتسلم والتسليم أم لا، ثم إنَّ المعلومية اللازمة في العوضين تعتبر في خمس جهات:

1 ــ الوجود: فالذي لم يحرز وجوده لا يكون ثمناً ولا مثمناً، كالحمل في بطن الناقة واللبن في الضرع.

2 ــ الحصول: فما علم وجوده ولم يعلم حصوله في اليد كالعبد الآبق والمال الغريق في البحر وما أخذه الظالم قهراً إلى كثير من أمثالها لا يقع البيع عليه.

3 ــ : جنسه: فما لا يعلم جنسه كزبرة من المعدن لا يعلم إنها حديد أم ذهب فإنها وإن كانت معلومة الوجود والحصول ولكنها مجهولة الجنس فلا يصح المعاوضة عليها.

4 ــ وصفه: فما كان مجهول الصفات كحنطة مجهولة الأوصاف وإنها من الأعلى أو الأدنى أو الوسط لا ينعقد عليها البيع.

5 ــالقدر: كقطعة من ذهب أو صبرة من الحنطة لا يعلم وزنها فإن بيعها باطل.

أما السلامة من العيوب فليست شرطاً إذ يصح بيع المجهول من هذه الجهة اعتماداً على أصالة السلامة في الأشياء فتكون كشرط ضمني وإذا ظهر أنه معيب كان مخيراً بين الفسخ وبين الأمضاء بالأرش أو بدونه.

ومن الغريب ما وجدته هنا في بعض شروح (المجلة) ما نصه:

((إذا كان المبيع غير محتاج للتسلم والتسليم كمن قال لبائعه يعني المال الذي أودعته عندي فباعه أياه صحَّ البيع ولو كان مقدار المبيع غير معلوم عند الطرفين)) انتهى. وهو كما ترى، وقد أشارت إلى بعض ما ذكرناه..

(مادة 201)

يصير المبيع معلوماً ببيان أحواله وصفاته التي تميزه عن غيره مثلاً لو باعه كذا مداً من الحنطة الحورانية أو باعه أرضاً مع بيان حدودها صار معلوماً وصحّ البيع.

معلومية المبيع من سائر الجهات المعتبرة تختلف أسبابها بأختلاف الأجناس والأنواع المبيعة فالجنس والوصف والمقدار مثلاً يعرف إذا كان المبيع كلياً بالذكر والإتفاق بين المتبايعين فيقول: أبيعك طناً من الحنطة الفلانية ثم يذكر من أوصافها ما له مدخلية في أختلاف الرغبات والأسعار وإن كان شخصياً فيعرف الأولان بالمشاهدة والأختبار، وأما المقدار فبالكيل والوزن والعدد والذراع كما سيأتي ولو كان المبيع الشخصي في عرف عام أو خاص يكتفى بمشاهدته عن اعتباره وتعيين مقداره كما في حزمة الحطب والخضروات وقرب الماء وأسقية الألبان وكثير من أمثالها صحَّ بيعه بالإشارة إلى عينه كما سبق وعليه تحمل:

(مادة 202)

إذا كان المبيع حاضراً في مجلس البيع تكفي الإشارة إلى عينه

وهذا مختص بما يباع بالمشاهدة لا مطلق المبيعات فإن المكيل والموزون لا يصح بيعه لو كان حاضراً بالإشارة إليه. نعم، في أمثال ما ذكرناه وفي أنواع الحيوان تكفي الإشارة كما أومأت إليه (المجلة) مثلاً لو قال البائع للمشتري (بعتك هذا الحيوان) والمشتري يراه فقال: (اشتريه) صحَّ. نعم، لو كان المكيل أو الموزون أو المعدود معلوماً عندهما فلا حاجة لوصفه أو اختباره كما ذكر في:

(مادة 203)

ومن هذا القبيل الدور بل مطلق العقارات والبساتين ولا فسخ له إلاَّ إذا ظهر تغيره عمّا كان يعلم.

(مادة 204)

المبيع يتعين بتعيينه في العقد، مثلاً لو قال البائع: بعتك هذه السلعة وأشار إلى سلعة موجودة في المجلس وقبل المشتري لزمه تسليم تلك بعينها وليس له أن يعطي غيرها من جنسها.

هذه خاصة البيع الشخصي فإن المبيع يتعيّن فيه بالعقد فلا يجوز دفع غيره حتى لو تراضيا معاً فإنها معاملة أخرى وتكون مقايضة (أي بيع سلعة بأخرى)، أما الكلي فلا يتعيّن بالتعيين فلو باعه وزنة حنطة ثم عينها في وزنة خارجية لم تتعين وكان له أن يدفع غيرها ولا حق للمشتري بإلزامه بدفعها. نعم، يتعين الكلي بالقبض فإذا قبضها المشتري لم يكن للبائع تبديلها فأغتنم هذا.

(مادة 205)

عنوان وبيان

إن نظم كتاب البيع عند فقهائنا في مؤلفاتهم إنهم يشرعون أولاً في المكاسب المحرمة كالأكتساب بالقمار والتصاوير والأصنام والخمر وأمثال ذلك، ثم يبدأون بكتاب البيع وتعاريفه وحقيقته وأصالة اللزوم فيه ويدخلون في شرائط العقد وتقومه من الإيجاب والقبول وشروطهما، والبيع الخالي منهما كبيع المعاطاة والبيع الفاسد ثم شروط


 

العوضين، وبعد ذلك شروط المتعاقدين ثم بيع الفضولي وبعد استيفاء العقد وأركانه وأجزائه يذكرون أنواع البيع وأقسامه بأعتبار المبيع ويبدأون منها ببيع الحيوان من إنسان وغيره وله أحكام وشؤون تخصه دون سائر المبيعات وهو كتاب مستقل، ثم بيع الثمار ولها كذلك مباحث وتحقيقات تختص بها ولا تجري في غيرها، ثم بيع الصرف وهو بيع النقدين وأحكامه الخاصة به، ثم بيع الربا وهو بيع المكيل والموزون مع التفاضل، ثم بيع السلم وهو بيع الكلي المؤجل، ثم بيع النسيئة بعكسه، وفي كل واحد منها تحقيقات أنيقة، ومباحث دقيقة، ثم يعقبون ذلك بكل واحد من أنواع الخيارات، ثم أحكام القبض، ثم الخاتمة في الإقالة، وأصحاب (المجلة) وإن رتبوها أبواباً وفصولاً ولكنهم لم يحسنوا التبويب والترتيب ولم ينهجو النهج الطبيعي الملائم للطبع والذوق وما يوافق الإعتبار وحسن الأختيار، وأدخلوا بعض الأنواع في بعض مع شدة الاختلاف في الأحكام، وقد رأيت كيف أقحموا الإقالة في أثناء شروط العقد والمتعاقدين إلى كثير من هذا النظير.

وأنظر هنا كيف أردفوا الفصل الأول الذي هو في حق شروط المبيع وأوصافه بالفصل الثاني الذي أهم ما فيه بعض أحكام بيع الثمار مع تباعد التناسب بين الفصلين وكان اللازم عقد فصل خاص لبيع الثمار بل عقد فصول لكل نوع يستقل بأحكام خاصة، وقد خلطوا في هذا الفصل خلطاً متنافراً، وجمعوا بين أحكام غير متلائمة لا تندرج في عنوان واحد فهي أضغاث من فصائل شتى، وأنواع متباينة، فبينما يذكرون بعض أحكام بيع الثمرة ولما يستوفوها وإذا بهم يقفزون إلى بيع غير مقدور التسليم وبيع غير المتقوّم وأمثالهما مما سبق ذكره قريباً وهو مضافاً إلى أنه تكرار لا فائدة فيه لا يتناسب مع ما ذكر في أول الفصل من أحكام بيع الثمار وهكذا كل ما في هذا الفصل من المواد لا يرتبط بعضها ببعض إلاَّ كأرتباط الحصى بالياقوت بأعتبار إن الجميع أحجار وإلاَّ فأي مناسبة بين بيع الحصة المشاعة (مادة 214) وبين بطلان البيع بما لا يعد مالاً (مادة 210) وبين صحة بيع الثمرة البارزة (مادة 206) حتى يحشر الجميع في صعيد واحد، وفصل منفرد، والعنوان المذكور وهو ما يجوز بيعه وما لا يجوز، واسع لا يحصى فما الوجه لذكر وحدات من مئات.

والغرض من كل هذا بيان إن الحق أن هذا الكتاب أعني (المجلة) فيه علم وفقاهة ولكنه مبعثر وغير محرر فهو أحوج ما يكون إلى التحرير والتهذيب، أما التكرار فيه والأعادة (فحدّث ولا حرج).

ولنرجع إلى نسق ما ذكروه على علاّته.

الفصل الثاني

فيما يجوز بيعه وما لا يجوز

(مادة 206)

الثمرة التي برزت جميعها يصح بيعها وهي على شجرها، سواء كانت صالحة للأكل أم لا.

الثمرة من النخيل أو الأشجار لها ثلاث حالات: قبل ظهورها وبعد ظهورها ، قبل بدو صلاحها، وبعد ظهورها وبدو صلاحها، ولا إشكال ولا ريب في صحة البيع في حال ظهورها وبدو صلاحها، سواء أشترط قطعها فوراً أو بقاءها إلى وقت جذاذها، وهذا هو الذي أرادته (المجلة) بهذه المادة وهو الفرد الواضح وكان اللازم التعرّض للحالين الآخرين فقد ذكروا الواضح السهل وأهملوا المهم المشكل وهو بيعها قبل بدو صلاحها وبعد ظهورها، والمشهور الصحة بشرط القطع أو الأبقاء إلى نضجها، وأشكل منه وهو محل الخلاف بيعها قبل ظهورها أصلاً وقد تضاربت الأقوال فيه وتكثرت وبالنظر إلى العام الواحد أو أكثر ومع الضميمة وعدمها تكون أمهات الأقوال ثلاثة أو أربعة:

1 ــ الصحة مطلقاً.

2 ــ العدم مطلقاً.

3 ــ الصحة في عامين فصاعداً، والبطلان في عام واحد.

4 ــ الصحة مع الضميمة مطلقاً في عام أو أكثر.

وهذا هو الأصح حسب القواعد لأن الأصل الأولي بطلان بيع المعدوم بل اعتبار الوجود من أول شرائط المبيع ويلزم الاقتصار في الخروج عن هذا الأصل على المتيقن وهو الصحة مع الضميمة مطلقاً ويشهد له بعض الأخبار ويؤيده ما ورد من صحة بيع الآبق مع الضميمة وأشباهه من مجهول الحصول أو الوجود ولا يبعد أيضاً صحة بيعها عامين فصاعداً ولو بدون ضميمة، كما ورد في بعض الأخبار المستفيضة والمحصل من مجموعها المنع بالفحوى من بيعها قبل الظهور عاماً واحداً، أما قبل بدو الصلاح بعد الظهور ففيها ما هو صريح بالمنع كصراحة بعضها في جواز بيعها عامين أو أكثر مطلقاً حتى مع عدم الضميمة، وقد علل الجواز في كثير منها بأنه إن لم يحمل بهذا العام حمل من قابل وهو مشعر بجوازه في العام الواحد مع الضميمة.

وتلخص، إن الأصح الجواز في عامين فصاعداً وفي العام الواحد مع الضميمة أو بعد بدو الصلاح وما عدا هذين فالأقرب المنع مطلقاً، هذا في النخيل والأشجار، أما الخضروات والزرع مطلقاً سواء كان المقصود حبة كالحنطة والشعير والرز والماش أو نفسه كالقصيل وورق الحنا وأمثاله فإن كان المقصود بيع الغلة قبل ظهورها وصيرورتها سنبلاً بل حنطة وشعير فهو باطل قطعاً لأنه بيع معدوم، وإن كان البيع وقع على نفس الزرع وأشترط بقائه إلى أوان حصاده أو قطعه قصيلاً فعلاً فهو صحيح نافذ كما يصح بيع الخضروات من الرياحين جزة وجزتين والبقل لقطة ولقطتين والأزهار ونحوها قطفة وقطفتين، وترتفع الجهالة في كل هذه الأنواع بالمشاهدة فإن أهلها وهم أهل الخبرة بمشاهدتها يعرفون مقدار عائدها وما يرتفع منها من المنفعة ويزول الغرر والخطر بذلك. نعم، لو باعها من غير مشاهدة كان باطلاً.

ومما ذكرنا ظهر جواز بيع الموجود منها وضم ما سيوجد إلى أمد معيّن كأسبوع أو شهر فيشتري الجميع بثمن معين كما عرفت سابقاً من إن المعدوم يجوز بيعه تبعاً للموجود على قاعدة أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل وامثالها من القواعد المتقدمة وإليه الإشارة بــ:

(مادة 207)

ما تتلاحق أفراده يعني إن ما لا يبرز دفعة واحدة بل شيئاً بعد شيء كالفواكه والأزهار والورق والخضروات إذا كان قد برز بعضها يصح بيع ما سيبرز من البارز تبعاً له بصفقة واحدة، وكان ينبغي تقييد ذلك بالمشاهدة الرافعة للغرر في أمثال هذه الأنواع.

(مادة 208)

إذا باع شيئاً وبين جنسه فظهر المبيع من غير ذلك الجنس بطل البيع، فلو باع زجاجاً على إنه الماس بطل.

الظاهر إن المقصود البيع الشخصي يعني أشار إلى الزجاج وقال بعتك هذا الألماس ثم ظهر إنه زجاج وقد سبق في (مادة 65) الوصف في الحاضر لغو، وفي الغائب معتبر إن الاختلاف في الوصف لا يقدح فلو أشار إلى الأشهب وقال بعتك هذا الأدهم صحَّ بيع الأشهب، أما في الغائب فيقدح لأن المدار في الحاضر على المشاهدة بخلاف الغائب فإن المدار فيه على الوصف إذ لا مشاهدة حتى يعول عليها، هذا في اختلاف الوصف أما مع اختلاف الجنس كما في مثال الزجاج فيظهر من (المجلة) هناك البطلان ولا يتضح وجه الفرق بين المقامين فإن المدار إن كان على المشاهدة وإن المقدم عند تعارض الوصف والإشارة هو الإشارة فلازمه اطراد ذلك حتى مع اختلاف الجنس فلو أشار إلى الزجاج وقال: بعتك هذا الألماس، فاللازم التعويل على الإشارة ويبطل الجنس كما يبطل وصف الأشهب بالأدهم، هذا إذا كان التعبير بنحو الإشارة، أما إذا كان على نحو الشرطية كما في هذه المادة حيث باعه الزجاج على أنه ألماس فالحق وإن كان كما ذكر فيها من البطلان ولكن لا فرق أيضاً في قضية الشرطية بين اختلاف الجنس أو الوصف حتى في الحاضر فلو قال: بعتك هذا الفرس على أنه أشهب وهو أدهم فالحكم بالصحة محل نظر بل منع لأن البيع وقع على المقيد وهو عدم عند عدم قيده فالموجود لم يقع العقد عليه وما وقع العقد عليه غير موجود فكيف نحكم بالصحة. والتحقيق أن تخلّف الوصف يوجب الخيار بخلاف تخلّف الحقيقة فإنه باطل.

وبالجملة، فباب الإشارة الجنس والوصف فيها سواء في الصحة، وباب التقييد والشرطية سواء في البطلان أو الخيار.

وقد تقدم ما عندنا من التحقيق الذي ربما ينفع هنا فراجع.

(مادة 209)

بيع ما هو غير مقدور التسليم باطل كبيع سفينة غرقت..إلى آخره.

تقدم هذا البيان بعينه في (مادة 198) من غير جهة إفادة في الإعادة كما إن:


 

 (مادة 210)

بيع ما لا يعد مالاً والشراء به باطل تقدمت بعينها في (مادة 199) وهي تغني عن:

(مادتي 211، 212)

بيع غير المتقوّم باطل والشراء به باطل.

وبالجملة، فقد ذكروا في هذا الفصل أربع مواد كلها مستدركة ولا فائدة بأعادتها، كما إن (مادة200) السابقة تغني عن (مادة 213) بيع المجهول فاسد..إلى آخره.

(مادة 214)

بيع حصة شائعة معلومة كالنصف والثلث والعشر من عقار معيّن مملوك قبل الأفراز صحيح.

لا إشكال ولا شبهة في صحة بيع الكسر المشاع ولكن اختصاص ذلك بالعقار لا يعلم وجهه بل يطرد في العقار وغيره، وفي المنقول وغيره كما إن قيد المملوك أن أريد به أخراج حصة المشاعة من غير المملوك كالوقف ونحوه فهو مما لا يقبل البيع مطلقاً لا بعضه المشاع ولا كله وإلاَّ فهو مستدرك إذ غير المملوك لا يصح بيعه ومثله قيّد (قبل الأفراز) إذ الحصة الشائعة لا تكون إلاَّ قبل الإفراز أما بعد الإفراز فلا إشاعة، وأخرج بالمعلومة الحصة المجهولة وهو واضح وضوح:

(مادة 215)

يصح بيع الحصة الشائعة بدون أذن الشريك

لأن الشركة لا تقتضي سلب مطلق السلطنة بل تسلب السلطنة المطلقة فمثل هذه التصرفات لا تتوقف على إذن الشريك. نعم، تصرف كل واحد من الشريكين بالانتفاع بالعين موقوف على اذن الآخر، أما البيع ونحوه مما يقع على نفس حصة الشريك لا على عين المال المشترك فلا يتوقف على الإذن ولكن إشفاقاً على الشريك من ضرر مشاركة الأجنبي الذي ربما لا يلائمه جبره الشارع بحق الشفعة فحفظ بذلك حرية المالك مع مراعاة جانب الشريك أن لا يبتلى بغير الملائم، وقيد الشائعة لعله احتراز عن بيع الحصة المعينة في المشاع فإنها لا تنفذ إلاَّ بأذن الشريك أو اجازته وإلاَّ فهو فضولي بالنسبة إلى حصة شريكه.

(مادة 216)

يصح بيع حق المرور وحق الشرب وحق المسيل تبعاً للأرض.

هذه الحقوق لها ثلاثة أحوال، فإن حق المرور مثلاً أما أن يكون في أرضه المملوكة له فله أن يبيعه تبعاً للأرض فإنه بعض منافعها وله أن يبيعه مستقلاً فيبيع هذه المنفعة الخاصة أن جوّزنا بيع المنافع، وأما أن يكون في أرض الغير فله بيعه مستقلاً لأنه حق مالي وكل حق مالي يصح بيعه كما يصح اسقاطه، وأما أن يكون في أرض غير مملوكة كالطرق والشوارع ــ عامة أو مرفوعة ــ فلا بيع ولا معاملة عليها مطلقاً بل هي بالحكم أشبه منها بالحق فلا تقبل النقل والإنتقال، كما لا تقبل الإسقاط بحال من الأحوال.

وبالجملة، فإن الإنسان في الشوارع وأمثالها من المحلات العامة لا يملك المنفعة وإنما يملك الانتفاع كما إن الناس في الماء والنار والهواء شرع سواء. نعم، في الطرق المرفوعة يمكن لأحد الشركاء مصالحة حقه لشريكه أو اتفاقهم جميعاً على مصالحته ونقله لأجنبي على اشكال أيضاً، وتحقيق هذا موكول إلى محله.

الفصل الثالث

في بيان المسائل المتعلقة بكيفية بيع المبيع

يظهر إن هذا الفصل يقصد به بيان المقادير والمقاييس التي تعرف بها الأعيان التي يتداولها الناس بالبيع والشراء، وقد أعلمناك إن المقصود عند العرف من معرفة الأجسام أما كمها المتصل أو الكم المنفصل، والمقصود من الأول أما معرفة ثقل الجسم أو مساحته.

والأول يعرف بالكيل والوزن وهو الأصل، والكيل طريق إليه، والثاني يعرف بالذرع، والثالث بالعدد، والذرع يرجع إليه فاصول المقاييس وزن وعدد.

(مادة 217)

كما يصح بيع المكيلات والموزونات والعدديات والمذروعات كيلاً ووزناً وعدداً وذرعاً يصح بيعها جزافاً أيضاً، مثل لو باع صبرة حنطة أو كوم تبن أو آجر أو حمل قماش جزافاً صحَّ البيع.

اتفق فقهاء الإمامية واستفاضت أخبارهم بأن الأطعمة وخصوص الحنطة والشعير بل كل مكيل وموزون عند العرف أو في زمان الشارع لا يصح بيعه إلاَّ بكيله ووزنه وإن بيعه جزافاً باطل حتى مع المشاهدة، ومن الغريب بل ومن الجزاف حكم (المجلة) بصحة بيع الكيلات وأخواتها جزافاً، وهل يشك أحد إن بيع صبرة الحنطة التي لا يعرف المتبايعان وزنها أطن أو أثنان؟ غرر وبيع الغرر بإجماع المسلمين للحديث المشهور باطل.

و(بالجملة) فبيع الجزاف باطل مطلقاً ولا يصح شيء منه لأن المعلومية شرط والجهالة مفسدة، كما تقدم في (مادة 200) و(مادة 213)، غايته إن بعض ما يباع ترتفع جهالته بمشاهدته فلا جزاف ثمة ولا غرر فبيع الحطب وكوم التبن والآجر وحمل القماش أو الفاكهة بالمشاهدة لا يعد من الجزاف أصلاً ولو كان لكان باطلاً قطعاً، وطبيعة البيع لا تحتمل الغرر والجهالة أصلاً بل هما متضادان أبداً. نعم، يحتمل الصلح وذلك لأنه مشروع لقطع الخصومة والتسالم والرضا بالواقع كيف كان بخلاف البيع والإجارة فإنهما من عقود التغابن والفائدة فلا يصح منها ما يكون مظنة الخطر والخسارة وتجويز البيع الجزافي ناشيء من عدم النباهة وضعف الفقاهة وقصور الباع في أحكام الشريعة الإسلامية ولذا لم ينقل القول به من أحد من فقهاء الإمامية مع كثرة اختلافاتهم في الفروع الفقهية، وأغرب من ذلك:

(مادة 218)

لو باع حنطة على أن يكيلها بكيل معلوم أو يزنها بحجر معين صحَّ البيع وإن لم يعلم مقدار الكيل وثقل الحجر.

ولعمري لقد سقطوا بالبيع من مكان حالق وهو وابه إلى بئر سحيق وهذه هي الفوضى بعينها، وسحق المدنية بأجمعها، ودعوى إن المشار إليه قد عليم به من طريق الحس وهو أقوى طرق العلم واضحة الوهن والسقوط فإن الحس والمشاهدة لم ترفع الجهالة بمقداره، ولم تفد معرفته بوزنه وعياره، وعلى ما ذكروه فيكون من العبث وضع الموازين والمكاييل وأمثالها وضاعت هذه الحكمة القويمة، والفلسفة العالية، التي توخاها عقلاء البشر من تلك المقررات في أوائل التمدّن الصحيح في الهيئة الإجتماعية فتدبره جيداً ولا يذهب بك الاسفاف إلى هذه المداحض فإن كل هذه الفروض من أفراد بيع الغرر الذي هو من أوضح أنواع البيع الفاسد.

وأعلم إن الغرر المنهي عنه الموجب لفساد البيع هو النوعي لا الشخصي، فلو فرضنا إن المشتري أو هو والبائع كان قوي الحدس بحيث لو نظر إلى الصبرة يعرف مقدارها أو يعرف مقدار ما يكفيه نفقة لمدة من الأيام فلا يلحقه أي غرر من شرائها لم ينفع ذلك لأن المبطل هو الغرر المتحقق في نرع هذا البيع فيبطل كل أفراده حتى الخالي من الغرر ولا يصح إلاَّ المعلوم مقداره من الطرق المتعارفة وهي الكيل والوزن والعدد ورديفاتها.

(مادة 219)

كلما جاز بيعه منفرداً جاز استثناؤه من المبيع مثلاً لو باع ثمرة شجرة واستثنى منها كذا رطلاً على إنه له، صحَّ البيع.

هذه المسألة من توابع بيع الثمار وهي قضية (الثنيا)، وإيجازها: إن بائع الثمرة يجوز له أن يستثني له منها كسراً مشاعاً ثلثاً أو ربعاً كما يجوز استثناء أرطال معلومة أربعا أو خمساً مع العلم بأن الثمرة تشتمل على أكثر من ذلك وله أن يستثني نخلات أو شجرات معينة وكل هذا يجوز بيعه منفرداً فيجوز استثناؤه لأنه معلوم من معلوم، أما لو استثنى نخلات غير معينة أو أرطالاً مجهولة العدد أو كسراً مشاعاً مردداً بين الكسور فهو باطل لأنه لا يجوز بيعه لجهالته فلا يجوز استثناؤه، وهذا إنما يتم على رأي من يعتبر في المبيع عدم الجهالة.

أما (المجلة) التي جوزت بيع الجزاف فلا مورد عندها لهذه المادة لأن الجميع يجوز بيعه فيصح استثناؤه، ثم إن فقهاؤنا فرعوا على قضية (الثنيا) إنه لو خاست الثمرة أو تلفت فإن استوعب التلف فلا ريب أنه على البائع والمشتري وإن تلف البعض ففي الكسر المشاع يسقط منه بحسابه وفي النخلات المعينات إن أصابها التلف فقط فعلى البائع خاصة وإلاَّ فلا ينقص منها شيء لتميز المالين وحينئذٍ فتلف (الثنيا) لا يلحق المبيع وتلف المبيع لا يلحق (الثنيا). وأما الأرطال المعلومة فإن نزلناها على الإشاعة توزع النقص على الجميع بالنسبة وإن نزلناها على الكلي في المعين أختص النقص في المبيع ولا يلحق (الثنيا) منه شيء وهذا هو مظهر الفرق بين المشاع والكلي في المعين، فتدبره.

(مادة 220)

بيع المقدرات صفقة واحدة مع بيان ثمن كل فرد وقسم منها صحيح، مثلاً لو باع صبرة حنطة أو وسق سفينة من حطب أو قطيع غنم أو قطعة من جوخ على إن كل كيل من الحنطة أو قنطار من الحطب أو رأس من الغنم أو ذراع من الجوخ بكذا صحَّ البيع.

إذا كانت الجملة من المقدرات معلومة المقدار كيلاً أو وزناً أو عدداً وهي متساوية الأجزاء كصبرة معلوم إن وزنها طغار أو قطعة جوخ معلوم إن طولها خمسون ذراعاً فباع الحنطة بأجمعها على إن كل وزنة بدينار والجوخ كل ذراع بربع دينار صحَّ إذ لا جهالة أصلاً، أما لو كانت الصبرة مجهولة المقدار والقطعة مجهولة الذراع أو كانت معلومة ولكنها غير متساوية الأبعاض لم يصح البيع كل ذراع بكذا عند فقهائنا للجهالة أي جهالة مقدار ما أشترى، وقد ذهب في كتاب الإجارة أنه لو آجره سنة كل شهر بدرهم بطل، ويظهر من (المجلة) الصحة مطلقاً وليس هو بأسوء من صحة بيع الجزاف عندهم وبعد البيع لا يجدي الانكشاف، فليتدبر.

وينسب إلى الحنفية صحة البيع في فرد واحد وهو تحكم، ولا يختلف الحكم عندنا بين الجنس الواحد أو الأجناس المختلفة كصبرتين حنطة وشعير، وقد عرفت إن ملاك الصحة في الجميع هو رفع الجهالة والمعلومية حال البيع بأن يعلم ماذا باع وبكم باع والمشتري كذلك ولا يبقى بينهما مجال للنزاع أو الخصومة، فأعرفه جيداً.

ومن هنا تعلم:

(مادة 221)

كما يصح بيع العقار بالذراع والجريب يصح بتعيين حدودها أيضاً، كل ذلك لما عرفت من إن ملاك الصحة ارتفاع الجهالة وهو واضح كوضوح:

(مادة 222)

إنما يعتبر القدر الذي يقع عليه العقد لا غيره، ومما تقدم أيضاً يتضح ما ذكروه في:

(مادة 223)

المكيلات والعدديات المتقاربة التي ليس في تبعيضها ضرر إذا بيع جملة منها مع بيان قدرها، صحَّ البيع سواء سمى ثمنها فقط أو فصل لكل كيل أو فرد أو رطل منها ثمناً على حدة فإذا وجد تاماً عند التسليم لزم البيع وإذا ظهر ناقصاً كان المشتري مخيراً إن شاء فسخ وإن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن وهو خيار تبعيض الصفقة، أما الزيادة فهي للبائع قطعاً. والمثال واضح فلا حاجة إلى التطويل.

(مادة 224)

لو باع مجموعاً من الموزونات التي في تبعيضها ضرر وبين قدره وذكر ثمن مجموعه وحين وزنه وتسليمه ظهر ناقصاً عن القدر، فالمشتري مخير إن شاء فسخ وإن شاء أخذ الموجود بجميع الثمن المسمى لأن النقص بمنزلة العيب ولا حصة للوصف من الثمن فليس للمشتري تنقيص الثمن كما هو الحكم بخيار العيب.

هذا الحكم أيضاً واضح فإن النقص إذا كان بمنزلة العيب فهو مخير بين الفسخ والإمضاء مع المطالبة بالارش أو الإمضاء بغير ارش. فإن الأوصاف وإن كانت لا تقابل بالأعواض كما سبق في صدر الكتاب ولكن النقص ليس فقد وصف بل فقد جزء ولا ريب إن الثمن يقسط على الأجزاء والأبعاض وإن لم يقسط على الأوصاف فالزيادة والنقيصة لها شأن وملاحظة ولا تذهب على البائع ولا المشتري.

وتحرير الفرع، إن المتبايعين إذا اتفقا على المعاملة على جملة مجموعة سواء كان في تبعيضها ضرر أم لا كقطعة لحم أو فص جوهر وعيناً وزنه وقيمته على الجملة فإن لوحظ الوزن الذي ذكراه من باب التقييد ثم انكشف زيادته أو نقصه فاللازم الحكم حينئذٍ أما بالبطلان أو الخيار على اختلاف الأعتبارين من أنه من قبيل المتباينين أو من قبيل تخلف الشرط وإن لوحظ على نحو الداعي أي إن المقصود بيع هذه الجملة بالثمن المعيّن كيفما كان وإنما ذكرا الوزن المخصوص لا على جهة التقييد بل على نحو الصفة التوضيحية لا الإحترازية ويكون من باب الخطأ في التطبيق فالبيع صحيح حتى مع انكشاف النقيصة أو الزيادة ولا خيار وليس للبائع ولا عليه شيء، فليتدبر.

هذا ولكن الغالب كما في مثال المصاغ والجوهر وغيرهما هو اعتبار القيدية فيكون له الخيار بين الفسخ وبين الأخذ بحسابه كما في:

(مادة 225)

إذا بيع مجموع من الموزونات التي في تبعيضها ضرر مع بيان مقداره وبيان أثمان أقسامه وأجزائه وتفصيلها ثم ظهر وقت التسليم زائداً أو ناقصاً... إلى آخره، وإن كان المثالان مختلفين واحتمال البطلان هنا بعيد بل هو مخير بين الفسخ وبين أخذ المجموع بحسابه وربما يختلف الحكم بأختلاف التعبير والقصد فإذا قال: بعتك هذه الصبرة على انها وزنه وكل حقة منها بدرهم فأنكشف إنها أقل كان له الخيار بين الأخذ بحسابها أو الفسخ في الجميع، أما لو قال: بعتك هذه الجملة بقيد كونها وزنة بكذا ثم انكشف الزيادة أو النقصان توجه البطلان.

والحاصل إن المقاصد والتعابير تختلف فيختلف الحكم فاللازم دقة الملاحظة في كل مورد بحسبه.

(مادة 227)

إذا بيع المجموع من العدديات المتفاوتة وبين مقدار ثمن ذلك المجموع فقط فإن ظهر عند التسليم تاماً لزم البيع وإذا ظهر ناقصاً أو زائداً كان البيع في الصورتين فاسداً، مثلاً إذا بيع قطيع غنم على إنه خمسون رأساً بألف وخمسمائة قرش ثم ظهر خمسة وأربعين رأساً عند التسليم أو خمسة وخمسين فالبيع فاسد.

لا يظهر وجه صحيح هنا لفساد البيع بل الصحة فيه أولى من الصحة في (مادة 225) وهي إذا بيع مجموع من الموزونات التي في تبعيضها ضرر..إلى آخره.

فقد حكمت (المجلة) فيها بالصحة مع الخيار بين الفسخ وبين أخذ المجموع بحسابه فإذا كان المجموع الذي في قسمته ضرر كمنقل من نحاس لا يفسد البيع بنقصه أو زيادته فبالأولى أن يصح ما لا ضرر في قسمته كقطيع الغنم، ومقتضى القاعدة أن يصح بحسابه


 

كما صحَّ هناك بل من المرجح أن يتعين هذا ولا يكون له خيار بينه وبين الفسخ أصلاً للفرق الواضح بين الأبعاض الأعتبارية والوحدة الحقيقية وبين الأبعاض الحقيقية والوحدة الاعتبارية فإن قطيع الغنم ليس وحدته إلاَّ اعتبارية وإنما هي وحدات واقعية اعتبر مجموعها شيئاً واحداً بخلاف المنقل فإنه واحد حقيقة وينحل بالاعتبار إلى أجزاء فالعقد على تلك الوحدات ينحل إلى عقود متعدد فكل رأس من الغنم مبيع مستقل فإذا وقع العقد الواحد على خمسين وكانت خمسة واربعين فنقص الخمسة لا يقدح في وقوع العقد على كل واحد من الخمسة واربعين فيكون لازماً لا خيار فيه ولكن بمقداره وهذا بخلاف منقل النحاس الذي هو خمسون رطلاً فإن العقد واحد وقد وقع على شيء واحد غايته إن العقل يحلله إلى أبعاض وهي الأرطال وحيث انكشف عدم وجود ما وقع العقد عليه فيقتضي أن يكون فاسداً ولكن بالنظر إلى التحليل الاعتباري وإن الموجود بعض المبيع فيكون له الخيار نظير تبعيض الصفقة وعلى كل حال فقد ظهر أن الصحة هنا أولى من الصحة هناك وإن حكم (المجلة) بأن البيع في الصورتين فاسد ــ فاسد.

وفذلكة الحساب في هذا الباب: إنك إذا بعت جملة من ذوات الكم المتصل كقطعة أرض أو طاقة قماش أو منقلة صفر وامثال ذلك وعينت عدد الأذرع في امثال الأولين أو الوزن في أمثال الأخير، وجعلت ثمناً واحداً للمجموع فإن كان البيع كلياً ثم دفعت المصداق فظهر إنه أكثر أو أقل فله أن يطالبك بالتكملة في الأول ولكَ أن تطالبه بالزائد في الثاني ليتحقق مصداق الكلي المبيع حسب الفرض وليس له الفسخ، وإن كان البيع شخصاً فقلت بعتك هذه الأرض التي هي ألف فدان فظهر إنها أقل أو أكثر فله الخيار إن شاء يأخذ الموجود بحسابه بعد توزيع الثمن المسمى على الألف وإن شاء الفسخ وكذا في صورة الزيادة ويكون كبيع جديد بالنسبة إلى الزائد وله الفسخ أيضاً سواء عين للجملة ثمناً أو لكل فدان مقداراً وعلى هذا المنوال بيع ذوات الكم المنفصل من المعدودات وما يلحق بها من الأطعمة والحبوب المكيلة والموزونة فإن الكيل يرجع إلى الوزن والوزن يضبط أخيراً بالعدد كوزنه وزنتين وهكذا، ففي البيع الكلي وظهور النقيصة له المطالبة بالمصداق ومع الزيادة يأخذها البائع ليبقى للمشتري حقه وهو

المصداق ولا فسخ في الصورتين، أما في البيع الشخصي فكل منهما مخيّر بين الفسخ وبين الإمضاء بالحساب فأغتنم هذا البيان فلعلك لا تجده في غير هذا الكتاب، ومنه تعرف ما في:

(مادة 228)

 إذا بيع مجموع من العدديات..إلى آخره. فأن الحكم بالخيار في صورة النقيصة كالحكم بالفساد في صورة الزيادة لا وجه له أصلاً وألحق أن البيع صحيح على جميع التقارير غايته أنه مع الخيار تارة وبلا خيار أخرى، كما إن:

(مادة 229)

في الصور التي يخير فيها المشتري من المواد السابقة إذا قبض المشتري المبيع مع علمه بأنه ناقص لا يخير في الفسخ بعد القبض.

نعم، لا خيار له بالفسخ مع علمه لأن قبضه ظاهر في رضاه بالعقد ولكن له حق المطالبة بالنقيصة كما إن دفع البائع مع علمه بالزيادة لا يمنعه من الرجوع به وهو أعلم بقصده إن قال قصدت الأمانة أو غير ذلك.

الفصل الرابع

في بيان ما يدخل في البيع بدون ذكر صريح وما لا يدخل

قد عرفت إن المرجع في مثل هذا إلى العرف الخاص للمتبايعين وهو يختلف بأختلاف الأمكنة والأزمنة والعناصر واللغات ولا يدخل تحت عنوان واحد وضابطة مطردة فإن تسالم المتبايعان على دخول شيء أو خروجه فذاك وإن تنازعا فالمرجع إلى عرفهما إن اتفق وإن اختلفا أو حصل الشك، فالأصل عدم الدخول لأستصحاب بقاء ملك البائع. وقد يتفق عرف البلدان والأمم على دخول شيء إذا كان كالجزء من الشيء أو جزء حقيقي كالمفتاح من القفل أو القفل اللاصق بالباب (كيلون) الذي هو كجزء منها أما مثل البقرة الحلوب فيختلف العرف في دخول فلوها وعدم دخوله فقد يدخل في عرف قوم وقد يخرج في عرف آخرين ثم إن تخلف الداخل في المبيع عند الاطلاق من حيث أنه يوجب الخيار فقط أو له المطالبة برد جزء ما يقابله من الثمن يرجع فيه إلى العرف أيضاً فإن كان عندهم بمنزلة الجزء الحقيقي كان له قسط من الثمن كالميزاب أو الباب مثلاً وإلاَّ فليس إلاَّ الخيار، وبهذا يتضح أكثر ما ذكر في هذا الفصل من المواد وما ينبغي أن يقال فيها على الإجمال.

وإلى هنا انتهى الباب الثاني من أبواب البيوع المسطورة في (المجلة) وبه يتم الجزء الأول من هذا الكتاب (التحرير)، ويليه إن شاء الله الجزء الثاني ويكون أوله (الباب الثالث) في المسائل المتعلقة بالثمن وكان العزم على إنهاء أبواب البيع كلها في هذا الجزء الذي بدأنا فيه أوليات شوّال سنة 1359هـ، وبلغنا إلى هذا المقام بأقل من شهرين وقد تجاريا طبعه وتأليفه معاً في زمن واحد، وقد انتهزنا سويعات إلقاء هذه الخواطر للنشر من أنياب النوائب وحوادث الأيام وكوارث الآلام والأسقام وتراكم الأشغال والمزعجات الروحية والبدنية وعلى كلٍ فالمنة لله وحده وهو حسبنا ونعم الوكيل.

تدارك

يوجد في مكتبتنا من مطبوعات القديمة كتاب (الأشباه والنظائر) للفقيه الشيخ زين بن نجيم الحنفي المصري من أهل القرد العاشر وكنّا قبل برهة متمادية تصفّحناه واتينا على جملة من أبوابه وعندما شرعنا في هذا التحرير وذكرنا المؤلفات في القواعد العامة غاب عنّا أن نذكر هذا الكتاب أو أن ننظر فيه ونستمد منه، ولما انتهينا إلى ختام هذا الجزء استحضرناه من المكتبة فوجدنا إن المائة مادة التي ذكرتها (المجلة) في المقدمة جلّها أو كلّها بنصها وترتيبها مأخوذ من هذا الكتاب بل وأكثر المواد في أبواب البيوع والإجارات وما بعدها من المعاملات أيضاً منتزع من الكتاب المزبور. وأول ما ذكر من القواعد العامة قاعدة ( لا ثواب إلاَّ بنية)، الثانية (الأمور بمقاصدها) وهكذا بتغير يسير عمّا في (المجلة) والناظر فيهما يجد في أول نظرة إن كتاب (المجلة) قد اختصر من ذلك الكتاب أو هو تحرير له.

أما الكتاب في حد نفسه فالأنصاف إن فيه ثروة من القواعد العامة والفروع النادرة ومادة من الفقاهة والاستنباط تنبع من سعة خيال، وطول باع، وغزير اطلاع، ولكن قد خلط فيه الحابل بالنابل، وجمع بين الغث والسمين، والركيك والمتين، حتى بلغ به الأسفاف والضعف إلى ذكر باب واسع من جملة أبوابه في أحكام (الجان) وأنت خبير بأن الفقه إذا دخلت فيه أحكام الجان، فقد صار أشبه شيء بالخرافة والهذيان، وإذا وفّق الله سبحانه لتأليف الأجزاء الباقية من هذا (التحرير)، فعسى أن نتعرض لذكر النافع من هذا الكتاب فإن فيه فوائد مطمورة في التوافه طمور الدر في المزابل، وهذا الكتاب عند الجمهور أشبه ما يكون بكتاب (القواعد) للشهيد الأول عند الإمامية ولكن ليس في كتاب (القواعد) أحكام الجان وكثير من أمثالها من الفروع السخيفة والفروض النادرة التي لعلها تقع وربما لا تقع في الدهر ولا مرة، وعلى كل ذلك فشكر الله مساعيهم، وأثابهم على نياتهم وأعمالهم، فقد جدوا واجتهدوا، ونفعوا وأفادوا، ونسأله أن يختم لنا بالحسنى أنه ولي الإحسان، وآخر دعواهم أن الحمد لله ربِّ العالمين.

وقد وافق ختامه بقلم مؤلفه الضعيف العاجز

محمد الحسين آل كاشف الغطاء صباح الجمعة

27 ذو القعدة الحرام سنة 1359هـ


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID