الجمعة, رمضان 19, 1445  
 
الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل  

 

 تحرير المجلة

آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء  "قدس سره"

 

  



 

(مادة 49)

من ملك شيئاً ملك ما هو من ضروراته

هذه المادة لا تصلح أن تكون مادة مستقلة ولا عامة كلية مطردة بل يختلف الحال باختلاف المقامات وعرف كل بلاد بحسبه فإن السرج واللجام مثلاً من ضرورات الفرس، وقد يتعارف في بلاد إن ملكية الفرس لا تقتضي ملك اللجام بل يكون عارية أو إجارة أو غير ذلك. نعم، اليد على الفرس يد على لجامها وسرجها واليد ظاهرة في الملكية وهذه الجهة غير الجهة الملحوظة بالمادة.

أما المثال الذي ذكره بعض شراح المجلة من إن مالك العقار يملك الطريق الموصّل إليه فهو ضعيف ضرورة إن الطريق إن كان عاماً فصاحب العقار يملك العبور فيه كسائر الناس ولا يملك نفس الطريق وإن كان خاصاً وهو الطرق المرفوعة فلها أحكامها فإن كان فيها دور متعددة فهي مشتركة بينهم على الإشاعة والمتأخر يشارك المتقدم دون العكس وإن أختصت بواحد فهي له كالحريم التابع للدار والبئر على ما هو مفصّل في محله.

(مادة 50)

إذا سقط الأصل سقط الفرع

لعل المراد بالأصل مثل الدين والفرع هو الكفالة، فإذا سقط الدين بإبراء ونحوه تسقط الكفالة أو مثل الطاعة والتمكين من الزوجة الذي يتفرع عليه وجوب النفقة فإذا سقطت الطاعة بالنشوز سقط الفرع وهو النفقة وليست هي قاعدة مطردة بل تختلف الموارد والمتبع هو الدليل في كل مورد بخصوصه.

(مادة 51)

الساقط لا يعود كما إن المعدوم لا يعود

لعل الملحوظة بهذه القاعدة قضية الحقوق الساقطة مثلاً إذا أسقط الشارع الحق بسبب أو من له الحق أسقط حقه فإنه لا يعود فلو أسقط الشارع حق النفقة بسبب النشوز أو حق المضاجعة فلو عادت المرأة إلى الطاعة لم يعد ذلك الحق الساقط بالنسبة إلى ما مضى من الزمان، وكذا لو أسقط الدائن دينه أي أبرء ذمة المديون فإنه لا يعود حتى لو رضي المديون بعوده أو لم يرضَ من أول الأمر بسقوطه خلافاً لما توهمه بعض شراح (المجلة) من كون السقوط مشروطاً برضا المديون فإنه وهم واضح الضعف ضرورة إن الحق له مستقلاً ولا علاقة للمديون بثبوته وسقوطه ومهما يكن فإن الحق إذا سقط لا يعود إلاَّ بسبب جديد كما إن المعدوم من الأجسام المادية لا يعود فإذا عدمت الشجرة المعينة مثلاً فإنه يستحيل عودها بذاتها.

نعم، قد يعود وجود آخر مثلها في أكثر خصوصياتها لا في جميعها ضرورة إن الزمان من جملة الخصوصيات والمشخّصات وهو لا يعود قطعاً وبالجملة فالعائد وجود ثانٍ مثل الأول لا عينه.

ومن هنا كانت هذه القضية من أقوى الشبهات في قضية المعاد الجسماني وأعضل التفصي منها على فلاسفة الإسلام والبحث فيها موكول إلى محله.

 

الخلاصة:

إن الحقوق في الشرع على أقسام:

قسم منها ما يقبل الإسقاط كما يقبل الصلح عليه أي يصح انتقاله من صاحبه إلى غيره.

وقسم يقبل الأول دون الثاني.

وقسم لا يقبل الإسقاط ولا الانتقال فيكون نظير الحكم الذي لا يسقط ولا ينتقل والفرق بينهما يشكّل ويحتاج إلى لطف بيان ودقة نظر.

أما الأول: فمثل حق الخيار وحق التحجير وحق القصاص على الأشبه.

وأما الثاني: فمثل حق الشفعة فإنه يقبل الإسقاط ولا يقبل الإنتقال إلى الأجنبي.

وأما الثالث: فمثل حق الجلوس في المساجد والمعابد والعبور في الشوارع العامة ونحوها فإنه لا يقبل الإسقاط ولا الانتقال وقد يشتبه هذا بكونه حكماً لاحقاً فهو كحق الرجوع في الهبة الذي لا يقبل انتقالاً ولا إسقاطاً.

أما العكس، وهو قبول الانتقال دون الإسقاط فيشكل تحققه إذ كلما جاز نقله جاز اسقاطه. نعم، قد يتصور في بعض الفروض نادراً مثل حق الولي بالتصرّف بمال القصير فأنه قد يقال بصحة نقله إلى ثقة آخر ولا يصح اسقاطه وهو محل نظر وقد خبط بعض الشراح هنا خبطاً كثيراً وعلى كلٍ فالقاعدة غير عامة فإن بعض الساقط في الشرعيات قد يعود مثل حق الخيار بالبيع حيث يسقط بالعيب الحادث عند المشتري فإذا زال عاد الخيار فليتأمل.

(مادة 52)

إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه

وهذه المادة ترجع إلى (مادة 50) إذا سقط الأصل سقط الفرع وينبغي أن يكون المراد بها إن الشيء إذا فسد فسد ما يبتني عليه فإذا بطل البيع بطل ما في ضمنه من الأقباض والقبض واستحقاق المشتري لمنافع المبيع والبائع منافع الثمن وهكذا، والأمثلة كثيرة ولا حاجة إلى تمثيل بعض الشراح بمن باعَ دمه حيث قال: (لو قال رجل لآخر أقتلني فدمي حلال لكَ فقتله يجب على القاتل الدية لا القصاص وإذا قال: أقتلني بعتك دمي بكذا فقتله يجب على القاتل الدية والقصاص لأن البيع باطل والأذن بالقتل الواقع في ضمنه باطل أيضاً) انتهى.

وكل هذا لا نعرف له وجهاً صحيحاً بل يجب القصاص في المقامين، ولا تجب الدية في المقامين والبيع باطل مطلقا فإن الحر لا يباع والعبد لا يملك نفسه حتى يبيعها والاذن في حد نفسه باطل لا لبطلان البيع وليس المقام من موارد الشبهة التي تدرء بها الحدود وتنتقل إلى الدية بل الآمر يحبس مؤبداً والمباشر يقتل هذا هو الحكم في هذا الموضوع عند فقهائنا الإمامية ومستنده الأخبار المروية عن الأئمة (ع).

(مادة 53)

إذا بطل الأصل يصار إلى البدل

يعني إذا كان الأصل موجوداً لم يجز العدول عنه إلى البدل فإذا كان المشتري قد قبض المبيع وظهر البيع فاسداً وجب رد عين المبيع لابد له وهكذا المغصوب. نعم، لو تلف المبيع أو المغصوب تعيّن الرجوع إلى البدل المثل في المثلى والقيمة في القيمي.

 

 (مادة 54)

يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها، أو في المتبوع

هذه المادة يعبّر عنها تارة بهذا اللفظ وأخرى بلفظ (يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل) ويستعملها فقهاؤنا في جملة موارد منها، توابع المبيع. كالعبد المبيع فإنه يتبعه ثياب بدنه وخاتمه وغير ذلك والجهالة في العبد لا تغتفر وتغتفر في توابعه وهكذا في الوقف فإنه لا يجوز الوقف على المعدوم ولكن يجوز تبعاً للموجود.

(مادة 55) و(مادة 56)

البقاء أسهل من الابتداء، يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الإبتداء هذه المادة وإن كانت عقلية ضرورية سواء قلنا بإستغناء الباقي عن المؤثر أو قلنا بأن حاجة الممكن إلى العلة والمؤثر حدوثه لا إمكانه وإن كان الأصح إن سبب حاجته إمكانه ومهما يكن الأمر فإن هذه القضية في الكونيات مسلمة عقلاً وعرفاً، أما في الشرعيات فلا أثر لها عندنا أصلاً إلاَّ إن ترجع إلى الاستصحاب ولزوم ابقاء ما كان على ما كان وعدم نقض اليقين بالشك مما ثبت بالأدلة الشرعية القطعية.

نعم، قد يكون لها أثر عند أهل القوانين المدنية ويعنون إن واضع القانون قد يتساهل في الشروط بالنسبة إلى البقاء بما لا يتساهل به في الابتداء وما ذكره بعض الشراح من الأمثلة لهاتين المادتين كلها مدخولة ومحل نظر ومناقشة.

(مادة 57)

لا يتم التبرع إلاَّ بالقبض

هذه القاعدة تكاد تكون إجماعية عند فقهاء الأمامية ولا تختص بالهبة بل تعم جميع العقود المجانية كالصدقات بأنواعها حتى الوقف وأخواته كالسكنى والعمرى والرقبى وهو عندهم شرط في الصحة لا في اللزوم، فلو وهب عيناً فلا أثر لهبته ما لم يقبض ويكون العقد بدون القبض لغواً وهكذا الصدقة المطلقة والوقف وأخواته. نعم، يستثنى من العقود التبرعية خصوص الوصية فإنها وإن كانت مجانية ولا يلزم فيها القبض فتحصل الملكية المعلقة على الموت بمجرد العقد ولكنها جائزة وله الرجوع وتلزم بالموت.

(مادة 58)

التصرف على الرعية منوّط بالمصلحة

هذه المادة إنما تأتي على أصول الفقهاء الأربعة وأمثالهم، أما على أصول الإمامية فلا محل لها لأن التصرف بالرعية إنما هو حق إلهي للإمام العادل أو من ينصبه الإمام، والإمام العادل بالطبع لا يتصرف إلاَّ بما فيه المصلحة للأمة أما منصوبة فأمره راجع إليه ولو تصرف خلاف المصلحة كان هو الرقيب عليه والمؤدب له. نعم، المسؤولية العامة ثابتة على كل أحد في كل تصرف حتى تصرف الإنسان في نفسه وعائلته وإليها النظر بقوله (ص): (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول) وهو غير الملحوظ بالمادة المبحوث عنها وكان لهذه المادة أثر مهم في الأزمنة القديمة يوم كانت إرادة السلطان هي النافذة وهو الفاعل المختار الذي يَسأل ولا يُسأل، أما اليوم وقد أصبحت أكثر الأمم دستورية ونواب الأمة هي التي تفنن القوانين التي تدور على مصالحها فإنما ينفذ من القوانين ما شرّع موافقاً للمصلحة لأنهم موكلون على هذا ولكن أين الوكالة؟ وأين الموكلون؟ وأين الوكلاء؟ (ودعْ عنك نهباً صيح في حجراته).

(مادة 59)

الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة

أظهر مثال لهذه القاعدة ولاية الإنسان على ماله وأطفاله وعياله وسائر شؤونه الخاصة ولا تعارضها الولاية العامة كولاية الحاكم والوالي بل والسلطان. نعم، لهؤلاء حسب الولاية العامة سلطة على الأفراد ولكن في دائرة محدودة تعود أيضاً إلى شؤون المصالح العامة ومثل ذلك ولاية الولي على القصير فإنها مقدمة على ولاية القاضي والحاكم ونحوهما فمع وجود الولي الخاص لا ينفذ بيع الحاكم مال الصغير ولا تزويجه ومثل ذلك ولي الوقف فإنه مقدم على من لهم الولاية العامة. نعم، للولي العام إن يعزل ولي الوقف في ظروف خاصة كالخيانة ونحوها.

 (مادة 60)

أعمال الكلام أولى من أهماله

اللازم هنا تأسيس القاعدة التي تبنى عليها هذه المادة والتي بعدها وقد تقرر في قواعد المحاورات العرفية البناء على أصول يسمونها الأصول العقلائية مثل أصالة عدم الخطأ واصالة عدم السهو والنسيان واصالة عدم العبث واللغو واصالة عدم الهزل والمزاح وكلها أصول بنت العقلاء على الاعتماد عليها في أقوالهم وأعمالهم فإذا تكلم رجل عاقل وشك في بأنه سهى أو غفل أو يريد الهزل والمزاح لا يعتني بشيء من ذلك ويحمل على الإرادة الجدية ويلزم به خبراً كان كالأقرار أو انشاء كالبيع والهبة وإلى هذه الأصول ترجع هذه المادة، فإن معنى أهمال الكلام حمله على اللغو أو السهو وما أشبه ذلك مما تنفيه الأصول العقلائية ويحكم بلزوم حمله على معناه الظاهر حقيقة كان الظاهر أو مجازاً فإن كان للكلام ظهور في أحدهما فهو المتبع وإن لم يكن وتردد بينهما حمل على معناه الحقيقي بأصالة الحقيقة فإن تعذر حمل على المجاز وهو (مادة 61) فإن تعذر أيضاً لم يكن بد من اهماله وهو (مادة62).

أما أسباب تعذر حمله على الحقيقة أو عليها وعلى المجاز فهو وجود المانع الشرعي كما لو قال القائل تزوجت أختي أو بنتي فإنه لا يمكن شرعاً حمله على معناه الحقيقي فلابد من حمله على بعض المعاني المجازية أو المانع العقلي كما لو قال أنا أولدت أبي أو أمي تولدت مني فيحمل على المجاز أو المانع العرفي كما لو حلف أن لا يأكل من هذه النخلة فإنه يمتنع الأكل من نفس النخلة ولابد من حمله مجازاً شائعاً على إرادة عدم الأكل من ثمرها، أما تعذر حمله على الحقيقة والمجاز فكما لو قال أحدى زوجاتي طالق أو بعض مالي وقف أو بعتك بعض ما أملك وأمثالها كثيرة.

(مادة 63)

ذكر ما لا يتجزأ كذكر كله

هذه المادة ليس لها عند فقهاء الإمامية عين ولا أثر وما ذكره الشراح من الأمثلة مثل ما لو قال: أنا كفيل بنصف زيد وإنه يحمل على الكفالة بتمام نفسه لأن زيد لا يتجزأ لا وجه له عندنا بل يعد هذا الكلام من اللغو الباطل والعقود تحتاج إلى صراحة واستعمال نصف زيد في زيد ليس بحقيقة ولا مجاز صحيح فلا تثبت به الكفالة لعدم الدلالة ومثله لو قال أشفع في البعض فإنه منافٍ لمشروعية الشفعة وهو دفع الشريك فهذه القاعدة ساقطة عندنا من أصلها.

(مادة 64)

المطلق يجري على اطلاقه إذا لم يقم دليل لتقييد ..إلى آخره

هذه المادة هي عبارة عن قاعدة أصالة الإطلاق وإنه متى احتمل التقييد في المطلق فالأصل عدمه أما وضعاً وأما بمقدمات الحكمة وإن الحكيم لا يخلُ بغرضه فلو أراد التقييد لبين ذلك والمطلق هو اللفظ الدال على كلي ينطبق على كل فرد من افراده، أما على البدل أو على الاستيعاب، فالأول مثل أعتق رقبة و[إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ]، والثاني مثل [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ] والتقييد مفرداً كان أو جمعاً هو حصر الكلي في حصة معينة من حصصه مثل (رقبة مؤمنة) و(أكرم العلماء العدول).

(مادة 65)

الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر

تحرير هذه المادة وتوضيحها إن البيع بإعتبار المبيع كما سيأتي، أما أن يكون كلياً أو جزئياً شخصياً فإن كان كلياً اعتبر ضبطه ورفع الجهالة عنه بالوصف فيقول بعتك فرساً كذا عمرها وكذا لونها أشهب أو ادهم أو غير ذلك وهكذا سائر الصفات التي تؤثر في اختلاف القيم لإختلاف الرغبات ويلزم البائع تسليم ما يوافق تلك الصفات وإن كان جزئياً فلا يخلو، أما أن يكون حاضراً فلا طريق لرفع الجهالة عنه إلاَّ بالمشاهدة ثم إن كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً أعتبر مع ذلك الكيل والوزن والعدد وإلاَّ كفت المشاهدة.

وأما أن يكون غائباً حين العقد فيلزم رفع الجهالة عنه أيضاً بالوصف، فيقول: بعتك الفرس الأدهم الطويل العنق الذي هو الآن في المحل الفلاني فإن ظهر موافقاً للأوصاف لزم البيع وإلاَّ تخير المشتري بين الفسخ والقبول.

هكذا ينبغي أن يقال في شرح هذه المادة، أما ما ذكره بعض الشراح من الأمثلة وهي:

 (1) لو باع الفرس الأشهب وقال بعتك هذا الأدهم وأشار إلى الأشهب صحَّ البيع ولغا الوصف.

(2) لو قال المدعي هذه السيارة الحمراء ملكي وشهد الشهود كذلك مشيرين إليها وهي صفراء تقبل الدعوى والشهادة لأن الوصف هنا لغو.

(3) ولو قال شخص وكّلتك على شراء هذا الثوب الأخضر فأشتراه الوكيل فإذا هو أسود صحَّ شراؤه لموكله، فكل هذه الأمثلة لا علاقة لها بما نحن فيه بل هي من أمثلة تعارض الوصف والإشارة وليس هنا قاعدة مطردة في تقديم أحدهما على الآخر بل تختلف الموارد بأعتبار القرائن الحالية أو المقالية ومثله تعارض الإسم والإشارة كما لو قال زوجتك بنتي هذه زينب، فقال: قبلت، وظهر إنها هند فترجيح الإشارة هنا غير معلوم بل لعل الأقوى ترجيح الأسم، ومثله لو قال: بعتك عبدي هذا جوهر فظهر أنه ياقوت فالأصح أما البطلان أو الخيار والأظهر الأول.

(مادة 66)

السؤال معاد في الجواب

هذه المادة لا يترتب عليها أثر في مقام الأحكام ومن المعلوم إن الدار على ظهور الكلام في الاعتراف أو الإنكار وجواب السؤال كما ذكروا في (كتاب القضاء) إن جواب المدّعي عيه أما أقرار وإنكار، أو سكوت ومثل السكوت قوله لا أدري، والإقرار نعم وأخواتها، والإنكار لا ونظائرها، وهذان بكون السؤال فيهما معاداً سلباً أو إيجاباً. أما الثالث وهو السكوت أو الشك فليس السؤال فيهما معاداً وعلى كلٍ فلا يترتب أثر على كونه معاداً أو غير معاد وإنما الأثر لصدق الإقرار أو الإنكار قبل كل شيء ونظير الكلام في:

(مادة67)

السكوت في معرض الحاجة بيان

فإن السكوت لا يكون بياناً إلاَّ مع ظهور قرينة من حال أو مقال بأنه بيان سلباُ أو إيجابا ومنه ما ورد في الشرع في البكر وأنه يلزم أن تستأمر في زواج نفسها وسكوتها رضاها، فقد أعتبر الشارع سكوتها رضاً بقرينة إن الغالب أن الحياء يمنعها من التصريح بالقبول فيكون السكوت قبولاً ومثله ما لو سكن رجل في دار غيره وقال له صاحب الدار أريد بدل سكناك عن كل شهر ديناراً فسكت فإنه يلزم بالدينار لو استوفى المنفعة شهراً وهكذا نظائرها ومنه ما لو باع المرتهن العين المرهونة بحضور الراهن فإنه بعد إجازة خلافاً لبعض الشراح.

(مادة 68)

دليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه

هذه العبارة لا تخلو من تعقيد ولعل المراد إن الأمور الخفية التي يعسر الاطلاع عليها غالباً يكتفي في الحكم بها بآثارها الظاهرة ولوازمها الحاصلة مثلاً لو تزوج رجل فأولدت أمرأته ولداً لستة أشهر نحكم بأنه دخل بها وإن الولد ولده فإن الدخول بها لما كان أمراً خفياً استدللنا بلازمه وهو كون الولد على فراشه وإذا وجدنا رجلاً عارياً إلاَّ من الساتر في الشتاء القارص استدللنا منه أنه فقير لا ثياب عنده ولا مال، والحاصل قد نستكشف الأمور الخفية من الامارات الظاهرية ولكنها لا تفيد القطع واليقين وإنما تكون أمارة ظنية غالبية.

(مادة 69)

الكتاب كالخطاب

لا عبرة عندنا معشر الأمامية ولا نعقد العقود والمعاملات إلاَّ بالألفاظ أو إشارة الأخرس فلو وجدنا كتاب زيد الذي نعلم بأنه خطه  وتوقيعه بأنه قد باع داره لا نحكم بالبيع حتى يعترف هو أو تقوم البينة أو يحصل لنا اليقين بأنه قد أوقع صيغة البيع لفظاً خلافاً لما يظهر من بقية المذاهب التي تعتبر الكتابة كاللفظ، أما عندنا فلو كتب أني بعت وكتب الآخر أني قبلت لم يكن عندنا بيعاً عقدياً فإن تعاطيا كان معاطاة وإلاَّ فلا شيء.

(مادة 70)

الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان

أتفقت الأمامية على إن إشارة الأخرس المفهمة لمقاصده تقوم مقام اللفظ ليس في معاملاته فقط بل حتى في عباداته وصومه وصلاته ونكاحه وطلاقه ووصيته ولعل اخبارهم بذلك مستفيضة، والظاهر اتفاق المذاهب الأربعة أيضاً عليه ولكن مشروط

بإفادة اشارته القطع بمراده أما مع عدم القطع فمشكل وهكذا الكلام في قبول قول المترجم عن المترجم عنه كما في

(مادة 71)

نعم، لو كان المترجم عادلاً صدوقاً أمكن الإعتماد على ترجمته بناءً على حجية خبر الواحد في الموضوعات كما هو الأقوى عندنا.

(مادة 72)

لا عبرة بالظن المتبين خطؤه فهي مستدركه فإن القطع المتبين خطؤه لا عبرة به فكيف بالظن. نعم لو عمل المكلف بالإمارة الشرعية كالبينة ونحوها وانكشف خطؤها أيضاً ينقض ما بنى عليه من حكم وغيره.

(مادة 73)

لا حجة مع الاحتمال الناشيء عن دليل

الإمارات الشرعية كالبينة وخبر الواحد والإقرار غالباً أو دائماً تدور مدار حصول الوثوق وحصول الظن بمؤداها ولو نوعاً ولا أقل من كونها منوطة بعدم الظن بخلافها فإذا حصل الظن بخلافها من إمارة ولو حالية يشكل الاعتماد عليها والوثوق بها وبعبارة أجلى إن أدلة حجيتها قاصرة عن شمول مثل هذا النوع منها وذلك كالإقرار بالبيع مع قرائن قصد الحرمان فإنه لا عبرة به كشهادة الوكيل لموكله والأجير لمستأجره مع التهمة والوالد لأبنه، فإن اطلاق أدلة البينة وإن كان شاملاً في الظاهر لجميع هؤلاء ولكن يمكن دعوى انصرافها أو قصورها عن موارد التهمة وهي تختلف حسب اختلاف الموارد شدة وضعفاً وكل ذلك منوط بنظر الحاكم ووجدانه ومقدار وثوقه في المورد الخاص ولا عبرة بالتوهم كما في:

(مادة 74)

وهو أيضاً مستدرك وغني عن البيان وأي حجية في الإحتمال المجرد عن الرجحان بل لا يمكن جعله حجة شرعاً ولا عقلاً لأنه ترجيح بلا مرجح كما لو كان الوهم أحد طرفي الشك أو ترجيح المرجوح كما لو كان خلاف المظنون والأمثلة واضحة وكثيرة.

(مادة 75)

الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان

وهذا أيضاً ضروري وواضح فإن الثابت بالبرهان العقلي أو الحجة الشرعية أو العيان والمشاهدة سواء في وجوب العمل ولزوم ترتيب الآثار وإن اختلفت درجة العلم واليقين، الحاصل منها نظير ما يذكره بعض العرفاء في مراتب المعرفة من علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين فلو أقرَّ المدعى عليه بدين إمام الحاكم أو ثبت ذلك بخطه وتوقيعه فالجميع يصلح لأن يكون مدركاً لحكم الحاكم وإن اختلفت المراتب وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

(مادة 76)

البينة على المدعي واليمين على من أنكر

هذا نص الحديث في بعض الروايات وهي قاعدة أساسية من القواعد الإسلامية وهي الركن الأعظم في باب الحكومة والقضاء فالمدعي هو المكلّف بإقامة البينة ولا تثبت دعواه بغيرها أصالة والمنكر بكفيه في ردّ دعوى المدعي اليمين أصالة ولا ينافي ذلك إن المدعي قد يتوجه عليه اليمين كما في اليمين المردودة والمنكر قد تقبل منه البينة كما في تعارض البينات وفي باب التداعي والمراد بالبينة عند الشارع هو خصوص شهادة العدلين.

وإن كان أصل معنى البينة لغة كلما يتبين به الأمر المشتبه فمرور مائة سنة على المفقود بينة على موته ولكن لم يسمها بينة ويطلق عليها وعلى أمثالها من القرائن الزمانية أو المكانية ونحوها إمارة، وبمقتضى هذا الحديث إن اليمين لا يكون على المدعي بحال وهو المحكي عن الحنفية وعند الإمامية وباقي المذاهب إن المدعي عليه له أن يرد اليمين على المدعي كما أنه لو نكّل المدعي عليه عن اليمين ردها الحاكم على المدعي حيث بعجز عن البينة وفيما لو أقام المدعي شاهداً وعجز عن الثاني فإنه يجبره بيمينه وذلك في خصوص الحقوق المالية وبقية الكلام موكول إلى محله من مباحث الفقه الواسعة.

 (مادة 77)

البينة لأثبات خلاف الظاهر واليمين لأبقاء الأصل

هذه المادة كأنها متممة للمادة السابقة في إعطاء الضابطة والتعريف للمدعي والمنكر وقد تكثر الضوابط والتعاريف لهما ولعل الجميع يرجع إلى معنى واحد وكان المجلة اعتبرت المدعي هو من يدعي خلاف الظاهر وكان من حق المقابلة أن يجعل المنكر من يدعي ما يوافق الظاهر ولعلهم أرادوا بالظاهر هنا الأصل وإن كان خلاف مصطلح الفقهاء فيكون المدار حينئذٍ في المدعي والمنكر على ما خالف الأصل ووافقه ولكنه لا يطرد في جميع الموارد فإن من أدعى عيناً في يد آخر فصاحب اليد منكر إجماعاً مع إن قوله إن العين له لا يوافق الأصل. نعم، يوافق الظاهر ودعوى الخارج إنها له تخالف الظاهر ضرورة إن اليد ظاهرة في الملكية وظهر بهذا إن كلاً من الضابطتين أعني الأصل، والظاهر لا يصلح أن يكون ميزاناً مطرداً للمدعي والمنكر ولذا عدل بعضهم عن ذلك وعرف المدعي أنه هو الذي لو تَركَ تُرك (بالفتح في الأول والضم في الثاني) وهو أيضاً لا يشمل كثيراً من أبواب التداعي كما لو اتفق مثلاً البائع والمشتري على إن الثمن عشرة واختلفا في إن المبيع ناقة أو بقرة إلى كثير من أمثال هذا والأصح عندنا أن تمييز المدعي من المنكر منوط إلى نظر الحاكم في القضايا الشخصية فقد يتميزان بمخالفة الأصل وموافقته تارة وبمخالفة الظاهر وموافقته أخرى، وقد يتميزان بغيرهما أحياناً، وحينئذٍ يلزم كلاً بوظيفته من بينة أو يمين، أما في باب الأمانات فقد تنعكس القضية ويكون المدعي هو ما وافق قوله الأصل والمنكر ما خالفه، فلو أدعى الودعي تلف الوديعة كان القول قوله بيمينه ومنكر التلف مدعياً مع إن قوله موافق الأصل ولكن عليه البينة، وكذا في دعوى الرد يصدق الأمين باليمين وعلى منكره البينة وإن كان هذا الأخير محل خلاف كل ذلك للأدلة الخاصة من إن الأمين ليس عليه إلاَّ اليمين وتفصيل البحث موكول إلى مواضعه وأبوابه في الفقه.

(مادة 78)

البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة

الفرق بين البينة والإقرار إن البينة جعلها الشارع طريقاً نزل مؤادها منزلة الواقع في كل ماله من الآثار فإذا شهدت بطهارة ماء كان نجساً صار الماء بمنزلة ما لو طهرته بنفسك فتشربه وتتوضأ به وترتب عليه كل ما للماء الطاهر من أثر وهكذا لو شهدت إن الدار لزيد فتشتريها منه وتملكها وتسترهنها منه إلى غير ذلك، أما الإقرار فلا نظر في أدلة اعتباره إلى الواقع بل غايته إن المقر يلزم بإقراره بحديث اقرار العقلاء على أنفسهم جائز أو نافذ، أما غير المقر فلا يلزم به ففيما لو أقرَّ زيد بزوجية هند له وأنكرت هي فإنه يلزم بآثار الزوجية من نفقة وغيرها ولا تلزم هي بشيء من آثار زوجيته، أما لو أقام البينة عليها أو حكم الحاكم فإنها تلزم بجميع آثار زوجية ولا يبقى أي أثر لأنكارها وسره ما ذكرنا من اختلاف دليل الحجية والاعتبار فتدبره جيداً ومما ذكرنا علم ما في:

(مادة 79)

المرء مؤاخذ بأقراره أي إن اقرار نافذ عليه وملزم به ومن احكام الإقرار إن الانكار بعده لا يسمع فلو أقرَّ بأنه مديون لزمه فلو ادعى بعد ذلك الإيفاء طولبَ بالبينة.

(مادة 80)

لا حجة مع التناقض لكن لا يختل معه حكم ألحاكم

كأن هذه المادة ناظرة إلى تعارض البينات والحق عندنا إن البينتين إذا تعارضنا فقد تعارض الحجتان لا إنهما سقطتا عن الحجية ولذا ننظر في المرجحات ونعمل بالراجح منهما. نعم، مع التساوي من جميع الجهات يسقط العمل بهما لأشتباه الحجة بينهما وعلى كلٍ فإن تعارضتا قبل الحكم لزم العمل بأرجحهما وإن ظهرت البينة المعارضة بعد الحكم فلا أثر لها. نعم، لو كذبت البينة نفسها أو رجع الشاهدان عن شهادتهما لم ينقض الحكم وغرمت البينة إن كان الحكم بمال أو حق مالي فلو حكم الحاكم بالقصاص فأقتص الولي ثم رجعت البينة عن شهاتها فإن قالت أخطأنا غرمت الدية، وإن قالت تعمدنا قتلا معاً ورد الولي على ولي كل منهما نصف الدية.

 (مادة 81)

قد يثبت الفرع مع عدم ثبوت الأصل

المدار في الأحكام الشرعية سيّما في باب الغرامات والضمانات على أسباب خاصته وموازين معينة فقد تقوم الحجة على الفرع فيثبت ولا تقوم على الأصل فلا يثبت، فلو أدعى رجل آخر ديناً وقلت للمدعي: أنا كفيله أو أنا ضامن لهذا الدين، ولكن المدعي عليه أنكر كنت أنت الملزوم به وأنت فرع دون المدعي عليه وهو أصل فثبت الكفالة ولا يثبت  الدين وذلك لحصول الحجة وهو الإقرار في الأول دون الثاني والنظائر كثيرة.

(مادة 82)

المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط

هذا ضروري وإلاَّ لم يكن الشرط شرطاً وليعلم إن الشرط في لسان الفقهاء يطلق على معنيين متغايرين:

أحدهما: ما يعلق عليه العقد أو الإيقاع.

والثاني: ما يتقيد به العقد أو الايقاع.

والأول هو ما يكون من قبيل جزء العلة التامة والثاني هو ما يكون من نحو التعهد والالتزام وهذا هو الأكثر في باب المعاملات استعمالاً في لسان الشارع والمتشرعة وهو قسمان وصف وهو المحقق الوقوع في الحال أو الماضي أو الاستقبال مثل قوله: بعتك إن طلعت الشمس غداً أو إن كانت طالعة حالاً وهكذا وهذه في الحقيقة صورة تعليق لا تعليق حقيقي، أو حال وهو ممكن الوقوع فقد يقع وقد لا يقع مثل بعتك إن جاء ولدي غداً من السفر أو عافى الله مريضي ونحو ذلك وهذا هو التعليق الحقيقي الذي اتفقت الإمامية أنه مبطل للعقود والإيقاعات وإنه لابد فيها من التنجيز لأن التعليق بهذا المعنى توقيف مضمون جملة على حصول جملة أخرى وحيث إن المعلق عليه غير حاصل فعلاً فالبيع غير حاصل أيضاً وحصوله بعد يحتاج إلى عقد جديد والعمدة في دليل البطلان هو الإجماع إن تمَّ وإلاَّ فللمناقشة فيه مجال واسع ويظهر من المجلة عدم مانعية التعليق من صحة العقد والإيقاع سواء كان واقعاً أو ممكن الوقوع وهو من حيث الأعتبار غير بعيد ولكن نقل الإجماع على بطلانه عند الإمامية مستفيض، هذا موجز الكلام في الشرط بمعنى التعليق.

أما الشرط بمعنى التقييد في العقد الذي يرجع إلى التعهد والألتزام فهو الذي اشارت له المجلة في:

(مادة 83)

يلزم مراعاة الشروط بقدر الإمكان والشرط بهذا المعنى ينقسم بأعتبارات شتى إلى أقسام:

أولها: إن الشرط تارة يكون ابتدائياً استقلالياً وأخرى يكون تبعاً ضمنياً فالأول مثل أن تقول شرطت على نفسي أن أدفع لك مائة دينار أي تعهدت لكَ بذلك وكاد أن ينعقد إجماع الإمامية بأن مثل هذه الشروط الابتدائية لا يجب الوفاء بها وإن الشرط بهذا النحو وعد يستحب الوفاء به فإن ثم الإجماع تعبدنا به وإلاَّ فللمناقشة فيه مجال والفرق بين الوعد والشرط يظهر بالتأمل.

والثاني: هو الالتزامات في ضمن العقود مثل بعتك داري واشترطت لك تعليم ولدك أو خياطة ثوبك أو اشترطت لي خيار الفسخ إلى كثير من امثال ذلك وبهذا المعنى قد فسر الشرط صاحب (القاموس) وهو من بعض اخطائه حيث قال، الشرط إلزام الشيء وإلتزامه في البيع ونحوه، ومن المتفق عليه عند عموم المذاهب لزوم مثل هذه الشروط في الجملة ولكن إنما يلزم الوفاء بالشروط الصحيحة منها لا مطلقاً، أما الفاسدة فهي لغو كما إنها أنواع:

أولها: المستحيلات عقلاً وعادة ويلحق بها ما لا فائدة فيه من اللغو والعبث كما لو اسشترط عليه أن يمشي على رجل واحدة أو يرفع يديه على رأسه مدة أيام.

ثانيها: المحرمات شرعاً ذاتية أو عرضية.

ثالثها: ما ينافي مقتضى العقد مثل بعتك بشرط أن لا تملك وآجرتك بشرط أن لا تستوفي المنفعة أصلاً لا مباشرة ولا تسبيباً، فكل هذه الشروط باطلة بغير إشكال إنما الإشكال في أنها تفضي إلى بطلان العقد أيضاً أم لا، والحق إنها تختلف فالأخير يقتضي البطلان قطعاً كما سيأتي دون الأولين فلو باعه مثلاً بشرط أن يشرب الخمر بطل الشرط وصحَّ العقد ثم الشرط بمعنى الالتزام تارة يكون عملاً خارجياً وأخرى وصفاً داخلياً فتارة يشترط له التعليم أو الخياطة وأخرى يشترط له أن يكون العبد المبيع كاتباً أو الفرس أصيلاً وتخلف الشرط في كلا الصورتين يوجب الخيار وهو المسمى بخيار تخلف الشرط وهذا أيضاً موجز الكلام في الشروط بمعنى الالتزامات والتفصيل موكول إلى محله في كتب الفقه ومنه ظهر الكلام في:

(مادة 84)

المواعيد بصورة التعليق تكون لازمة

وفذلكة التحقيق هنا إن الوعد سواء كان معلقاً أو مجرداً لا يجب الوفاء به وجوباً فقهياً. نعم، يجب وجوباً أخلاقياً فإن الوفاء بالوعد من أجمل مكارم الأخلاق ووعد الحر (كما يقال) دين أي يجب الوفاء به سواء كان أيضاً مجرداً أم معلقاً فلو قال رجل لآخر بعْ هذا الشيء من فلان وإن لم يعطك الثمن أنا أدفعه لك فلو لم يعطه الثمن فإن كان الوعد بنحو الالتزام والتعهد وجب أن يدفع له وإلاَّ فلا، وهذا من منفرداتنا أما ظاهر المشهور فعدم الوجوب مطلقاً فلتدبر.

(مادة 85)

الخراج بالضمان

الظاهر إنها كلمة نبوية كقاعدة اليد وأمثالها من جوامع كلمه القصار القليلة اللفظ الكثيرة المعنى والمراد بالخراج ما يخرج من العين من غلة ومنافع، والظاهر إن الباء سببية يعني إن منافع العين تملك بسبب ضمانها ولازم هذا إن كل من عليه ضمان العين فمنافعها له غير مضمونة عليه وبهذا تمسك الحنفية لما ذهب إليه أمامهم من إن الغاصب لا يضمن ما استوفاه من منافع العين المغصوبة لأنه ضامن وضمان العين لا يجتمع مع ضمان منافعها.

وحيث تظافرت أخبار الإمامية عن أئمتهم إن الغاصب يضمن العين والمنفعة وصحيحة (ابي ولاد) عندهم مشهورة معروفة وقد تضمنت رد تلك الفتوى بأبلغ بيان لهذا ألتزم فقهاؤهم بتأويل هذه الجملة المتقدمة فحمله بعض أعلام المتأخرين على ما حاصله بعد توضيح وتنقيح منّا، إن المراد بالضمان في النبوي هو الضمان الجعلي الأختياري ضرورة إن كل عاقل إذا ضمن ملك الغير وجعل غرامة تلفه عليه فإنما يصنع ذلك بغرض استيفاء منافعه، فالخراج يكون له بسبب ضمانه الاختياري لا الضمان القهري المجعول شرعاً كضمان الغاصب ولا الضمان التبعي كضمان البائع درك المبيع والمشتري درك الثمن ضرورة إن البائع هنا مع أنه ضامن للمبيع ولكن منافعه ليست له بل للمشتري وهكذا في المشتري بالنسبة إلى الثمن فإن الخراج هنا ليس بالضمان قطعاً. نعم، خراج الثمن للبائع بالضمان أي بضمانه لأن تلف الثمن عليه ومن ماله كما إن خراج المبيع للمشتري لأنه ضامن له وتلفه يكون عليه ومن ماله فليس المراد الضمان القهري. ولا التبعي ولا الضمان التقديري كما في أعتق عبدك عني فإن الضمان عليه ومنافع العبد ليست له فتعين كون المراد هو الضمان الجعلي الاختياري كما في ضمان المعاملات والمعاطات فلا تصلح القاعدة دليلاً على عدم ضمان الغاصب للمنافع ويمكن أن يكون المراد منها إن خراج العين بسبب ضمانها أي من كان تلف العين عليه ومن ماله، فخراجها ومنافعها له فيكون محصلها إن خراج العين لمالك العين الذي لو تلفت العين كان تلفها عليه ومن ماله فيكون مفادها مفاد (مادة 67) الغنم بالغرم أي غرامة العين وتلفها على من تكون له منافعها وغنيمتها وقد يعبّر عنها بعبارة أخرى وهي من له الغنم فعليه الغرم ومن جميع ما ذكرناه يتضح أن وجه القدح في:

(مادة 86)

الأجر والضمان لا يجتمعان، والحق انهما يجتمعان ولا مانع من اجتماعهما عقلاً وشرعاً فالمقبوض بالسوم أو بالعقد الفاسد يضمن العين قابضها ويعطي أجرة ما استوفاه من منافعها وهكذا الغاصب ونظرائه وكذا ما في:

(مادة 87)

الغنم بالغرم

وقد سبق إن من المعلوم كون منافع الشيء لا يملكها الإنسان إلاَّ إذا كان مالكاً أو متلقياً من المالك فمعنى هاتين المادتين أو الثلاث إن المالك له منافع الشيء وغلته وعليه خسارته وغرامته وإليها أيضاً ترجع:

 (مادة88)

النقمة بقدر النعمة وإن كانت لا شيء عند التحقيق.

(مادة 89)

الفعل ينسب إلى الفاعل لا الأمر ما لم يكن مجبراً.

هذه قاعدة أساسية محكمة يحكم بها العقل والشرع والعرف ويترتب على ذلك إن تبعات الفعل من قصاص أو ضمان أو عقوبة فهي على الفاعل لا على الآمر وإن ترتب على الآمر أحكام شخصية أخرى لكونه آمراً لا لكونه فاعلاً. نعم، قد يتحمل الآمر كل تبعات الفعل بحيث لا يكون شيء منها على الفاعل إذا كان جاهلاً وقد غره الآمر وأغراه بقاعدة المغرور يرجع على من غره وكذا إذا كان صبياً أو مجنوناً وقد أمره الرجل العاقل بأتلاف مال غيره أو حياته فإنه وإن رجع على الولي لكن الولي يرجع بالغرامة على الآمر، أما لو كان الآمر أيضاً صبياً فلا وإلى هذا ترجع.

(مادة 90)

إذا اجتمع المباشر والسبب يضاف الحكم إلى المباشر

ويلزم إن يستثنى من هذه الكلية ما لو كان السبب أقوى من المباشر نظير ما سبق من كذب البينة فلو شهد اثنان لرجل بأن فلاناً قتل أباك فقتله ثم تبين تزويرها فأنهما يقتلان مع الرد ولا يقتل الفاعل لأن السبب هنا أقوى من المباشر أو قال له أسرق مال فلان وإلاَّ قتلتك فسرقه فإن الضمان على الآمر لأنه أقوى من المباشر السارق وهكذا نظائرها وهي كثيرة.

(مادة 91)

الجواز الشرعي ينافي الضمان

ينبغي أن تكون هذه المادة ناظرة إلى الأمانات الشرعية كاللقطة ومجهول المالك وقبض مال اليتيم للمصلحة أو الحفظ وكثير من أمثال ذلك فإنه قبض جائز شرعاً والتصرف بغير تعدي مأذون به من الشارع ومع أذن الشارع لا ضمان لو تلفت بغير تعد أو تفريط وأذن الشارع إن لم يكن فوق أذن المالك فليس هو بأقل منه، والحاصل إن كلاً منهما مسقط الضمان وقد غفل بعض الشراح عن هذه المادة ومثل لها بأمثلة لا علاقة لها بهذه القاعدة أصلاً مثل ما لو حفر أحد في ملكه حفرة فسقط فيها دابة فهلكت فلا ضمان على صاحب الحفرة فإن الضمان هنا لا مقتضي له أصلاً ضرورة إن تلف الدابة لا يستند إلى صاحب الحفرة لا مباشرة كما هو واضح ولا تسبيباً لأن الإنسان له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء. نعم، لو حفرها في غير ملكه أو في شارع عام أمكن أن يلزم بالضمان وأن يكون هو السبب إن لم يكن إهمال من صاحب الدابة وعلى كلٍ فينبغي أن يكون موضوع المادة ما كان مقتضى الضمان موجوداً ولكن الإذن الشرعي يرفع الضمان كما في الأمانات فإن وضع اليد على مال الغير يقتضي الضمان ولكن الإذن الشرعي أو المالكي يرفعه فلا يجتمع الضمان والجواز فتدبره جيداً.

(مادة 92)

المباشر ضامن وإن لم يتعمد

هذه المادة هي قاعدة الإتلاف التي يعبر عنها فقهاؤنا (بأن من أتلف مال غيره فهو له ضامن) وتفترق هذه عن قاعدة اليد المشهورة بأن هذه ناظرة إلى التلف تحت اليد وتلك إلى الأتلاف وإن لم يكن تحت اليد فبينهما عموم من وجه يجتمعان ويفترقان والإتلاف والتلف يوجبان الضمان في الجملة وإن لم يكونا عن عمد، ولكن بنحو الاقتضاء وهذه القاعدة تستفاد من جملة من الأخبار والأمثلة كثيرة لا تخفى ولا يشترط في الإتلاف العمد. نعم، يشترط ذلك في التسبيب فالمسبب للتلف إن كان متعمداً ضمن بلا أشكال وإلاَّ فإن اسند الفعل إليه عرفاً كان ضامناً وإلاَّ فلا.

أما التعدي أي عدم الإذن الشرعي أو المالكي فهو شرط في جميع أسباب الضمان وإلى قضية التسبيب أشارت:

(مادة 93)

المتسبب لا يضمن إلاَّ مع العمد.

(مادة 94)

جناية العجماء جبار

هذه المادة على الظاهر مضمون حديث أو نصه وفي بعض كتب الحديث (جرح العجماء جبار) والمعنى واحد والعجماء هي البهائم لكن إذا كانت البهيمة مملوكة


 

وأهملها صاحبها حتى دخلت دار قوم أو زرع آخرين فأتلفته فإنه ضامن لأن السبب هنا أقوى من المباشر وهذا من موارد ضمان السبب وإن لم يكن متعمداً لأن التلف كان من فعله ويسند إليه والدابة كالآلة ومن هنا يظهر عدم صحة الإطلاق في المادة السابقة وهي إن المتسبب لا يضمن إلاَّ مع التعمد.

نعم، لو إن شخصين ربط كل منهما دابته إلى جنب دابة الآخر في فلاة أو في المنازل العامة كالخانات فأتلفت أحدهما الأخرى وكذا لو ربطها مالكها فأفلتت واضرت فلا ضمان.

(مادة 95)

الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل

يعني حيث لا ولاية له على ذلك المال أما لو كان له ولاية كمتولي الوقف أو ولي اليتيم أو حاكم الشرع في مال الغائب وأمثال ذلك فالأمر بالتصرف صحيح ونافذ شرعاً وبالجملة فالبطلان يدور مدار العدوان فهذه المادة ترجع إلى التي بعدها.

(مادة 96)

لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بغير اذن

ولو قال بغير اذنه أو اذن الشارع لأغنت أيضاً عن المادة التي بعدها (لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي) وكلها ترجع إلى مفاد الحديث النبوي (لا يحل مال امرئ إلاَّ بطيب نفسه) بعد قوله تعالى: [ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ] وأمثالها التي حرّم الله سبحانه فيها الأثم والبغي والعدوان والأمثلة واضحة كثيرة وأظهرها موارد الغصب والسرقة والرشوة. وقد مثّل لها بعض الشارحين بما إذا صالح عن الدعوى فظهر أنه لا حق له بتلك الدعوى أصلاً فإن الصلح باطل ويسترد بدل الصلح ففيه مع أنه ليس من أمثلة ما نحن فيه والبدل قد دفعه المصالح بطيب نفسه نمنع بطلان الصلح فإنه وقع لأسقاط الدعوى لا للحق الواقعي وهو واضح فتدبره جيداً.


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID