الجمعة, شوال 10, 1445  
 
في إجارة الآدمي  

 

 تحرير المجلة

آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء  "قدس سره"

 

  



الفصل الأول

في بيان خيار الشرط

(مادة 497)

يجري خيار الشرط في الإجارة كما جرى في البيع ويجوز الإيجار والاستيجار على أن يكون أحدهما أو كلاهما مخيراً كذا أيام.

خيار الشرط في الإجارة كخيار الشرط في البيع يصح أن يجعلاه لأحدهما أو لكليهما أو لأجنبي على نحو المؤامرة أو المشاورة أو الاستقلال متصلاً بالعقد أو منفصلاً عنه في يوم أو أيام أو أكثر حسبما يتفقان عليه من توزيع الأجرة لو حصل الفسخ في الاثناء أوردها تماماً، أما مع عدم التعيين فالتوزيع ــ كل ذلك لعموم أدلة الشروط.

(مادة 498)

كما أن الفسخ والإجازة على ما بين في (مادة 302 و303و304) يكونان قولاً كذلك أيضاً يكونان فعلاً ــ بناء عليه لو كان الآجر مخيراً وتصرف في المأجور بوجه من لوازم التملك فهو فسخ فعلي وتصرف المستأجر المخير في المأجور كتصرف المستأجرين إجازة فعلية.

إذا كان للمؤجر خيار فآجر العين ثانياً من مستأجر آخر فإن كان في غير زمن خياره فهو فضولي عن المستأجر وإن كان في زمن خياره فهو فسخ للإجارة الأولى، وإن كان الخيار للمستأجر وتصرف في العين المستأجرة أيام الخيار على نحو تصرف المستأجرين فهو اجازة منه لأن التصرف أمارة نوعية على الرضا والإلتزام، وهذا واضح وضوح:

(مادة 500)

لو انقضت مدة الخيار قبل فسخ المخير أو انفاذه الإجارة يسقط الخيار وتلزم الأجار.

(مادة 501)

مدة الخيار تعتبر من وقت العقد، يعني مع الاطلاق، ولكن:

(مادة 502)

ابتداء مدة الإجارة يعتبر من وقت سقوط الخيار ــ مبني على ما سبق في البيع من أن المبيع مع خيار البائع لا يملكه المشتري إلاَّ بعد انقضاء زمن الخيار، وعرفت أنه ممنوع عند جمهور فقهاء الأمامية وشذ من نسب إليه الرأي المتقدم الذي عرفت فيما سبق ضعفه من حيث القواعد.

(مادة 503)

لو أستؤجرت أرض على أن تكون كذا ذراعاً أو دونماً فخرجت زائدة أو ناقصة تصح الإجارة ويلزم الأجر المسمى لكن المستأجر مخير حال نقصانها، له أن يفسخ الإجارة إن شاء.

هذه القضية فرع يبتنى على أصل كثير الفروع، وكلي متوفر المصاديق وهو باب الكميات المتصلة والمنفصلة وقد مرَّ نظير ذلك في البيع أيضاً مثل ما لو باع قطعة قماش أو منقلة حديد أو آجر داراً على أنها خمس غرف أو سيارة بناء على أنها رقم كذا فتبين الخلاف في الجميع زيادة أو نقصاً فإن العدد المخصوص إن كان على سبيل القيدية والتعيين و(المقيد عدم عند عدم قيده) فالإجارة إن كانت شخصية تقع باطلة وإن كانت كلية صحّت وطالب بالمصداق في صورة النقص ورد الزائد في صورة الزيادة وإن كان على سبيل الشرطية وتعدد المطلوب صحّت مع المخالفة إن كانت شخصية وكان له خيار تخلف الشرط وإن كانت كلية طالب بالمصداق أو ورد الزائد.

هذا كله قبل الاستيفاء أما بعده فعليه أجرة مثل ما استوفاه ويطالب بالمصداق أو يرد أو يفسخ على اختلاف الصور، ويظهر من (المجلة) أن له الخيار في صورة النقص وله الزائد في صورة الزيادة وهو غريب ولا ندري بأي وجه يتملكها مع أن العقد وقع على الأقل منها، وقد تقدم في (مادة 226) إلى (مادة 228) ما لعله ينفع هنا أيضاً فراجع.

ثم إن حال الزمان في الزيادة والنقصان حال المقادير والأوزان في الأجناس والأعيان فلو اكترى منه دابة على أن يوصله بها إلى بغداد في أول رجب أو أعطاه ثوباً ليخيطه ويدفعه له ليلة العيد فتأخر عن ذلك فإن كان على نحو القيدية لم يستحق الأجير شيئاً أصلاً لأنه لم يأتِ بالمأجور عليه لا بشيء منه لأنه بسيط لا تركيب فيه وإن كان على نحو الشرطية كان له الفسخ فإن فسخ استحق الأجير بدل المثل وإن أمضى فالمسمى، وبهذا يظهر الخلل في:

(مادة 505)

يجوز عقد الإجارة على عمل عينت أجرته وشرط إيفاؤه في الوقت الفلاني يكون الشرط معتبراً، مثلاً لو أعطى أحد إلى الخياط ثياباً على أن يفصلها ويخيطها هذا اليوم أو لو استكرى أحد ذلولاً بشرط أن يوصله في عشرة أيام إلى مكة تجوز الإجارة والآجر أن أوفى الشرط استحق الأجر المسمى وإلاَّ استحق أجر المثل بشرط أن لا يتجاوز الأجر المسمى.

(مادة 504) لو استؤجرت أرض على أن كل دونم منها بكذا دراهم يلزم اعطاء الأجرة بحساب الدونم إذا كانت الدونمات معلومة العدد، هذا إذا كانت الدونمات معلومة العدد وإلاَّ فهي باطلة كما عرفت مكرراً، ولو قلنا بالصحة فهو واضح لا يحتاج إلى بيان.

(مادة 506)

يصح ترديد الأجرة على صورتين أو ثلاث في العمل والعامل والحمل والمسافة والزمان والمكان ويلزم اعطاء الأجرة على موجب الصورة التي تظهر فعلاً، مثلاً لو قيل للخياط إن خطت دقيقاً فلك كذا وإن خطت خشناً فلك كذا، فأي الصورتين عمل له اجرتها أو لو استؤجر حانوت بشرط إن أجري فيه عمل العطارة فأجرته بكذا، وأن أجري فيه عمل الحدادة فبكذا فبأي العمل أجرى فيه يعطي اجرته التي شرطت، وكذا لو استكريت دابة بشرط أن حملت حنطة فأجرتها بكذا وإن حملت حديداً فبكذا، فأيهما حمل يعطي أجرته التي عينت، أو لو قيل للمكارى استكريت منك هذه الدابة إلى (جورلي) بكذا وإلى (ادرنه) بكذا وإلى (فلبه) فإلى أيهما ذهب المستأجر يلزمه أجرة ذلك، وكذا لو قال الآجر أجرت هذه الحجرة بكذا وهذه بكذا فبعد قبول المستأجر يلزمه أجرة الحجرة التي سكنها، وكذلك لو ساوم أحد الخياط على أن يخيط له (جبة) بشرط أن خاطها اليوم فله كذا وإن خاطها بكرة فله كذا تعتبر الشروط.

ذكر فقهاؤنا في أكثر مؤلفاتهم نظير هذه الفروض بما صورته إذا قال: إن خطت هذا الثوب فراسياً أي (بدرز) فلك درهم، وإن خطته رومياً (بدرزين) فلك درهمان فإن قصد الإجارة بطل للجهالة وإن قصد الجعالة صحَّ، وكذا لو قال: إذا صبغت ثوبي اليوم فلك درهم وإن صبغته غداً فنصف والقول بصحتهما إجارة أو التفصيل ضعيف ولو عمل في صورة البطلان استحق أجرة المثل.

ثم ذكروا فرضاً آخر وهو ــ ما لو أستأجر من رجل دابته على أن يوصله إلى المحل المعين في زمن معين، أو يرسل كتابه إلى زيد كذلك فلم يوصله فإن كان لعدم سعة الوقت وعدم إمكان الوصول فالإجارة باطلة لعدم القدرة، وإن كان الزمان واسعاً فإن كان عدم الإيصال عن تقصير منه فلا يخلو أما أن يكون أخذ الإيصال الخاص على نحو القيدية بمعنى وحدة المطلوب أو على نحو الشرطية ــ أي التعدد ــ فعلى الأول البطلان ولا يستحق شيئاً، وعلى الثاني الصحة والخيار، ومع الفسخ فأجرة المثل، ومثله لو أستأجره لصوم الخميس فصام السبت وإن لم يكن عن تقصير بل لحدوث مانع فإن كان عاماً كثلج أو مطر شديد أو محاربة في الطريق فهي باطلة، ومثله ما لو كان المانع خاصاً كمرض أو ظالم أو عدو ونحو ذلك وكانت الإجارة شخصية مقيدة بالمباشرة، أما لو لم تكن شخصية فهي صحيحة ويوجه غيره للعمل والاستيفاء، وتلزمه الأجرة على كل حال.

وبالجملة فالمانع العام حكمه حكم التلف السماوي وكذا الخاص مع قيد المباشرة. وبهذا تستطيع استخراج الفروع الكثيرة التي هي من هذا القبيل.

الفصل الثاني

خيار الرؤية

(مادة 507)

للمستأجر خيار الرؤية.

(مادة 508)

رؤية المأجور كرؤية المنافع.


 

 (مادة 509)

لو أستأجر أحد عقاراً من دون أن يراه يكون مخيراً عند رؤيته

حال خيار الرؤية في الإجارة كحاله في البيع فلو آجره داراً غائبة بالوصف ثم انكشف الخلاف كان له الخيار. أما لو رآها وأستأجرها بتلك الرؤية فلا خيار بعد الاختيار إلاَّ إذا تغيرت بعد الرؤية وقبل العقد عليها، ولكن حيث إن المنافع كما عرفت غير مجتمعة الأجزاء في الوجود فلا يمكن رؤيتها لذلك صارت رؤية العين تقوم مقام رؤية المنفعة فيسقط الخيار برؤية العين وإن لم يرَّ المنفعة كما في:

(مادة 508) و(مادة 510)

من أستأجر داراً كان قد رآها من قبل ليس له خيار الرؤية إلاَّ لو تغيرت رؤيتها الأولى بأنهدام محل يكون مضراً للسكنى فحينئذٍ يكون مخيراً، بل وحتى لو لم يكن مضراً، وكما يكون للمستأجر خيار الرؤية كذلك يكون للأجير في محل عمله حيث يكون مما تختلف مصاديقه أو أصنافه كما في:

(مادة 511)

كل عمل يختلف ذاتاً بأختلاف المحل فللأجير فيه خيار الرؤية، مثلاً لو ساوم أحد الخياط على أن يخيط له (جبة) فالخياط بالخيار عند رؤية (الجوخ) أو (الشال) الذي يخيطه، بخلاف ما لم يكن فيه اختلاف كنقل الطعام من مكان معين إلى معين أو كما ذكر في:

(مادة 512)

كل عمل لا يختلف بأختلاف المحل إلى الآخر.

الفصل الثالث

في خيار العيب

(مادة 513)

في الإجارة أيضاً خيار العيب كما في البيع

ولكن العيب في الإجارة لا يكون في ذات المنفعة لأنها ليست من الأمور المستقلة في الوجود وإنما يكون فيما تتقوم به المنفعة وهو العين فكل عيب في العين يوجب نقصاً في المنفعة المقصودة بالإجارة فهو سبب لثبوت الخيار فيها كما ذكر في:

(مادة 514)

العيب الموجب للخيار في الإجارة هو ما يكون سبباً لفوات المنافع المقصودة بالكلية أو أخلالها كفوات المنفعة المقصودة من الدار بالكلية بأنهدامها ومن الرحى بأنقطاع مائها، أو كأخلالها بسقوط سطح الدار أو بأنهدام محل مضر للسكنى أو بأنجراح ظهر الدابة فهؤلاء من العيوب الموجبة للخيار في الإجارة، وأما النواقص التي لا تخل بالمنافع كأنهدام بعض محال الحجرات بحيث لم يدخل الدار برد ولا مطر، وكأنقطاع عرف الدابة أو ذيلها فليست موجبة للخيار في الإجارة.

(مادة 515)

لو حدث في المأجور عيب فإنه كالموجود في وقت العقد

يفترق العيب في الإجارة عنه في البيع بأنه متى ظهر أوجب الخيار في الإجارة حتى بعد القبض واستيفاء بعض المنافع بخلافه في البيع فإنه لا أثر له بعد القبض وانقضاء الخيار فالموجود قبل العقد والحادث بعده والحادث بعد القبض وبعد الاستيفاء كلها توجب الخيار بين فسخها في الباقي وامضائها واعطاء تمام الأجرة كما في:

(مادة 516)

لو حدث في المأجور عيب فالمستأجر بالخيار إن شاء استوفى المنفعة مع العيب وأعطى تمام الأجرة وإن شاء فسخ الإجارة.

يعني أنه ليس له المطالبة بالأرش كما في البيع مطلقاً أو في بعض الصور، ولكن التحقيق أنه لا مانع منه هنا بناء على أن المطالبة بالأرش وعدم الفسخ على مقتضى قاعدة أصالة اللزوم بالعقود وأنه يجب الوفاء بالعقد حسب الأمكان والأرش غرامة للوصف أو الجزء الفائت، وكذا لو زال العيب من نفسه أو أزاله المؤجر قبل فوات شيء معتد به من المنفعة سقط الخيار كما في:

(مادة 517)

إن أزال الآجر العيب الحادث قبل فسخ المستأجر الإجارة لا يبقى للمستأجر حق الفسخ.

(مادة 518)

إن أراد المستأجر فسخ الإجارة قبل رفع العيب الحادث الذي أخل بالمنافع فله فسخها في حضور الأجر وإلاَّ فليس له فسخها في غيابه وإن فسخها في غيابه من دون أن يخبره لم يعتبر فسخه وكراء المأجور يستمر كما كان، وأما لو فاتت المنافع المقصودة بالكلية فله فسخها في غياب الآجر أيضاً ولا تلزمه الأجرة إن فسخ أو لم يفسخ كما بين في (مادة 468) مثلاً لو أنهدم محل يخلُ من الدار المأجورة فللمستأجر فسخ الإجارة لكن يلزم عليه أن يفسخها في حضور الآجر وإلاَّ فلو خرج من الدار من دون أن يخبره يلزمه أعطاء الأجرة كأنه ما خرج، وأما لو انهدمت الدار بالكلية فمن دون احتياج إلى حضور الأجر للمستأجر فسخها وعلى هذا الحال لا تلزم الأجرة.

هذا أيضاً من الحكم الجزافي، والقول بلا دليل، فإنه متى حصل سبب الفسخ كان له أن يفسخ في حضور الآجر أو غيابه. نعم، يجب عليه لو فسخ وجوباً تكليفياً أعلام المؤجر دفعاً لما يحتمل من دخول الضرر عليه لو لم يعلمه بالفسخ فيبقى ملكه عاطلاً وتفوته أجرة تلك المدة، ولكن ليس معناه أن فسخه يكون باطلاً ولا أثر له مع الغياب في الأول دون الثاني.

وبالجملة فوجوب الأخبار لا علاقة له بأعمال الخيار، ولا يتوقف أحدهما على الآخر فليتدبر.

نعم، لو تعطلت الدار بالكلية انفسخت انفساخاً قهرياً لعدم الموضوع كما عرفت.

 (مادة 519)

لو انهدم حائط الدار أو احدى حجرها ولم يفسخ المستأجر الإجارة وسكن في باقيها لم يسقط شيء من الأجرة.

فإن الانهدام وإن أوجب الخيار ولكن سكوته وسكناه فيها دليل على رضاه بالعقد وأمضائه.

(مادة 520)

لو أستأجر أحد دارين بكذا دراهم وانهدمت أحداهما فله أن يترك الاثنتين معاً.

يعني يكون له الخيار إن شاء ترك الاثنتين وأسترد الأجرة وإن شاء المضي في واحدة واسترد ما يخص الثانية المنهدمة، لأن الإجارة فيها باطلة ذاتاً فلا معنى لإجازة العقد بل أما الفسخ فيهما أو الإجازة في الصحيحة، فليتدبر.

ومن هذا يظهر الخلل في:

(مادة 521)

المستأجر بالخيار في دار استأجرها على أن تكون كذا حجرة وظهرت ناقصة إن شاء فسخ الإجارة وإن شاء قبلها بالمسمى، ولكن ليس له إيفاء الإجارة وتنقيص مقدار من الأجرة.

فإن القواعد تقتضي أن يكون له الخيار، والخيار في منطقته هنا أما الفسخ في كل الدار أو الإجازة بنسبة الحجر الموجودة وتنقيص مقدار ما يخص الناقصة لأن الأجرة تتوزع على الحجر حسب الشرط فتنحل إلى عقود متعدد كما في نظائرها.

نعم، لو كان اللحاظ في الإجارة المذكورة على نحو البساطة كان لما ذكرته (المجلة) وجه ولكنه خلاف ما عليه التحقيق في نظائره.


 

الباب السادس

في بيان أنواع المأجور وأحكامه

ويشتمل على أربعة فصول:

الفصل الأول

في بيان مسائل تتعلق بإجارة العقار

(مادة 522)

يجوز استئجار دار أو حانوت بدون بيان أنها سكنى لأحد. نعم، هذه هي الإجارة الكلية التي يملك بها المستأجر المنفعة مطلقة غير مقيدة فله أن يستوفيها بنفسه أو بمن يفوضه عليها بإجارة أو غيرها. ومن الواضح الذي لا حاجة إلى بيانه:

(مادة 523)

من آجر داره أو حانوته وكانت فيه أمتعة وأشياؤه تصح الإجارة ويكون مجبوراً على تخليته فإن هذا من ضروريات الإجارة ولوازم التسليم فلا حاجة إلى بيانه.

(مادة 524)

من أستأجر أرضاً ولم يعين ما يزرعه فيها ولم يعمم على أن يزرع ما شاء فأجارته فاسدة، ولكن لو عين قبل الفسخ ورضي الآجر تنقلب إلى الصحة.

وهذا صحيح لما عرفت من لزوم التعيين وعدم الإجمال في الإجارة لكنها إذا فسدت للإجمال لم ينفع في صحتها التعيين أخيراً ولا يعقل أن ينقلب الشيء عمّا وقع عليه ويصير ما وقع فاسداً صحيحاً إلاَّ بعقد جديد فتدبره جيداً.

(مادة 525)

من أستأجر أرضاً على أن يزرعها ما شاء فله أن يزرع مكرراً صيفاً وشتاءً. هذا أيضاً من فروع الإجارة الكلية كما عرفت.

(مادة 526)

لو انقضت مدة الإجارة قبل ادراك الزرع فللمستأجر أن يبقى الزرع في الأرض إلى أدراكه ويعطي أجرة المثل.

هذا إذا كان في قلع الزرع ضرر على صاحبه أما مع عدم الضرر فلصاحب الأرض أن يجبر صاحب الزرع على قلعه بل وحتى في صورة الضرر على المستأجر ليس له أن يجبر صاحب الأرض على أجرة المثل بل اللازم أرضاؤه ولو بأزيد من أجرة المثل بالاستئجار ثانياً.

(مادة 527)

يصح استئجار الدار والحانوت مع عدم بيان كونه لأي شيء، وأما كيفية استعماله فيرجع إلى العرف والعادة.

هذا أيضاً من فروع الإجارة الكلية يستوفي المنفعة كيف شاء وحسب المتعارف في كل صنعة ومهنة على موازينها وعليه يبتني:

(مادة 528)

كما أنه يصح لمن أستأجر داراً مع عدم بيان كونها لأي شيء أن يسكنها بنفسه كذلك يصح له أن يسكنها غيره أيضاً وله أن يضع فيها أشياؤه وله أن يعمل فيها كل عمل لا يورث الوهن والضرر للبناء، ولكن ليس له أن يفعل ما يورث الضرر والوهن للبناء إلاَّ بأذن صاحبها وأما في خصوص ربط الدواب فعرف البلدة وعادتها معتبر ومرعى وحكم الحانوت على هذا الوجه.

(مادة 529)

أعمال الأشياء التي تخل بالمنفعة المقصودة عائدة إلى الآجر، مثلاً تظهير الرحى على صاحبها وكذلك تعمير الدار وطرق البناء وأصلاح منافذه وانشاء الأشياء التي تخل بالسكنى وسائر الأمور التي تتعلق بالبناء كلها لازمة.

الملحوظ بهذه المادة وما بعدها إلى آخر هذا الفصل هو بيان حكم الأحداث التي يحدثها المستأجر في العين المأجورة أو ما يلزمه من نفقاتها بالذات أو بالعرض، وتحرير هذا البحث الذي هو من مهمات بحوث الإجارة إن النفقات اللازمة على أنواع:

الأول: ما يتوقف بقاء تلك العين عليها كتلف الدابة وسقيها ونفقة العبد ومداواة علله أو جرح الدابة وما أشبه ذلك، ولا ريب في إن جميع ذلك إن لم يشترطها المؤجر على المستأجر فهي عليه فإن دفعها وإلاَّ أنفق المستأجر ورجع بها على المؤجر أذن أو لم يأذن فإن امتنع جبره الحاكم على غرامتها.

الثاني: الأحداث القائمة بالعين التي يتوقف الانتفاع بها كلاً أو بعضاً عليه كنقر الرحى وتنظيف مجرى الماء أو بيت الماء أو تعمير مثل الدرج أو الباب أو نحو ذلك من مرافقها الضرورية، ولا ينبغي الإشكال أنه على المالك المؤجر أيضاً.

الثالث: الجهات الكمالية، والمحسنات الاعتبارية كتبييض غرف الدار وصبغ أبوابها وما إلى ذلك، ولا ينبغي الريب أيضاً في أنها على المستأجر إلاَّ أن يشترطها على المؤجر، وإن انتهت المدة فإن أمكن قلعها من دون ضرر أخذها وإلاَّ كان له أخذها بعد تدارك الضرر سواء وضعها بأذن المؤجر أو بدونه، ويلحق بهذا ما يحدثه المستأجر في المأجور من غرس أو بناء أو شبه ذلك.

الرابع: الآلات الخارجة عن العين اللازمة عرفاً وعادة لأستيفاء المنفعة منها كالسرج والرحل واللجام وأمثالها للدابة، والمفتاح والقفل للدار والحانوت وكثير من نظائرها، فالمتبع في ذلك عرف البلد وعادة قوم المتعاملين، فإن اختلفوا أو لم يكن هناك عرف ولا عادة فهي على المستأجر إلاَّ مع الشرط، ومن هذا القبيل آلات الحياكة والخياطة والكتابة وما على هذا المثال من الصنائع والأعمال حتى في مثل الخيوط والأصباغ والبنود ونحوها، ثم إن في كل مورد وجب على المؤجر الصرف والإنفاق ولم يفعل ولم يقتدر الحاكم على إلزامه أو لم يكن حاكم فللمؤجر أن يفسخ عقد الإجارة ويسترد الأجرة إلاَّ إذا كان قد رآها وأستأجرها بذلك الحال ولم يطلب بادء بدء أصلاحها فلو أصلحها المستأجر حين لا حق له على المؤجر كان تبرعاً منه ولا حق له بالرجوع عليه بها.

هذا كل ما ينبغي أن يقال في هذه الناحية من الإجارة ومنه تعلم ما يوافق (المجلة) منها وما يخالفها ففي:

(مادة 531)

لو أحدث المستأجر بناء في العقار المأجور أو غرس شجرة فالآجر مخير عند انقضاء مدة الإجارة إن شاء قلع البناء والشجرة وإن شاء ابقاهما وأعطى قيمتها قليلة كانت أو كثيرة، بل المستأجر لا الآجر مخير أن يقلع أو يبقيهما للآجر فتكون ملكاً له مع أرضه وهو واضح.

الفصل الثاني

في إجارة العروض

(مادة 534)

يجوز إجارة الألبسة والأسلحة والخيام وأمثالها من المنقولات لمدة معلومة مقابل بدل معلوم.

إجارة كلية أو شخصية، مقيدة أو مطلقة، مضافة أو منجزة.

(مادة 535)

لو أستأجر ثياباً على إن يذهب بها إلى محل ثم لم يذهب ولبسها في بيته أو لم يلبسها يلزمه أجرتها.

لا يختص هذا بالمنقولات بل كل مأجور إذا سلمه المؤجر للمستأجر لزمه الأجرة سواء استوفى منفعته أو عطلها، فلو أستلم الدار أو الدابة ولم يركب ولم يسكن، أو الإنسان المستأجر ولم يستعمله لزمته الأجرة في الجميع، كما أن:

(مادة 536)

من أستأجر ثياباً على أن يلبسها بنفسه فليس له أن يلبسها غيره، لا تختص بالثياب بل يطرد ذلك في كل إجارة شخصية مقيدة بالمباشرة، إنما الإشكال المعضل في المقام ما لو أستوفى المنفعة غير المستأجر الخاص فهل يستحق المؤجر أجرة المثل مع أجرة المسمى بناء على أمكان منفعتين متضادتين في وقت واحد كما مال إليه أو قال به السيد الاستاذ في عروته في نظائر المقام أو عدم الإمكان فتبطل الإجارة ويستحق بدل المثل على من استوفى المنفعة لفوات المحل كما هو الأقوى عندنا لأستحالة أن يكون للشيء الواحد منفعتان متضادتان في وقت واحد، فلو أستأجر دابة لإدارة الرحى يوم الجمعة فركبها إلى (بغداد) لا يعقل أن يكون لتلك الدابة تلك النفعتان ويستوفي المالك أجرتين المسمى وأجرة المثل بل المعقول بطلان أجرة إدارة الرحى المسماة ويستحق أجرة المثل، أما استحقاقهما معاً فبأي وجه يكون؟.


 

ويلحق بهذا فروع كثيرة من هذا القبيل مثل ما لو أستأجر دابة لركوبه بنفسه فآجرها من غيره فعلى الأول يستحق المالك الأجرتين: الأولى وهي المسماة، والثانية أجرة المثل من المستأجر الثاني. وعلى ما أخترناه تبطل الأولى للتفويت ويستوفي من الثاني أجرة المثل أو أكثر الأمرين منها ومن المسماة ونظائر هذا كثيرة.

وعكس هذا النوع أعني ما تسقط فيه كلا الأجرتين ما لو أستأجره على خياطة ثوبه في ساعة معينة أو يوم معين فأشتغل ذلك اليوم بعينه ببناء دار المستأجر أو نحوها مع علمه فأنه لا يستحق أجرة الخياطة لعدم الاتيان بها ولا أجرة البناء لأنه متبرع لم يؤجر عليها، فتدبر هذه الفوائد وأغتنمها.

الفصل الثالث

في إجارة الدواب

عرفت إن التعيين في الإجارة شرط ركني فإذا آجرك الدابة فلابد من تعيين الدابة والمحل والزمان والأجرة، ومن هذا يظهر التسامح في:

(مادة 538)

كما يصح استكراء دابة معينة، يصح الاشتراط على المكاري الإيصال إلى محل معين، فإن استكراء الدابة المعينة لابد معه تعيين المحل وبدونه فالإجارة باطلة.

(مادة 539)

لو أستؤجرت دابة معينة إلى محل معين وتعيب في الطريق فالمستأجر يكون مخيراً أما بأنتظارها حتى تستريح أو نقض الإجارة ودفع أجرة ما مضى من المسافة من المسمى بالنسبة ولا يجري فيه.

(مادة 540)

لو اشترط حمل معين إلى محل معين وتعبت الدابة في الطريق فالمكاري مجبور على تحميله على دابة أخرى وأيصاله إلى ذلك المحل.

لأن الدابة هنا غير شخصية فله أن يحمله على أي دابة شاء بل له أن يحمله على أي مركوب آخر من (عربة) أو (سيارة) أو غيرهما.

(مادة 541)

لا يجوز استئجار دابة من دون تعيين، ولكن إن عينت بعد العقد وقبل المستأجر يجوز، وأيضاً لو استؤجرت دابة من نوع على ما هو المعتاد بلا تعيين يجوز ويصرف على المتعارف المطلق، مثلاً لو استؤجرت دابة من المكاري إلى محل معلوم على ما هو المعتاد بلا تعيين يلزم المكاري ايصال المستأجر على دابة إلى ذلك المحل على الوجه المعتاد.

قد تكرر منّا بيان إن الإجارة بدون التعيين باطلة، والتراضي بعد العقد على دابة معينة لا يجعلها مرتبطة بالعقد بل هو تراض مستقل لنفسه ويكون كإباحة ومعاطات. نعم، لو كان هناك انصراف أو عرف أو عادة قام مقام التعيين وصحَّ العقد كما ذكر في ذيل هذه المادة.

(مادة 542)

لا يكفي في الإجارة تعيين أسم الخطة والمسافة إلاَّ أن يكون أسم الخطة علماً متعارفاً لبلدة، مثلاً لو استؤجرت دابة إلى العراق لا يصح أن يلزم تعيين البلدة ولكن لفظ الشام وإن كان أسم قطعة تعورف أطلاقه على بلدة دمشق إلى آخره...

تعيين أسم المسافة يكفي على نحو الكلية فيجعلها في أي جهة شاء وعلى نحو الشخصية فيعينها في جهة مخصوصة فلو استؤجرت الدابة ليسير عليها مائة فرسخ فله أن يسير بها من الشام إلى العراق وإلى أي بلدة يريد من العراق.

(مادة 543)

لو استؤجرت دابة إلى مكان وكان يطلق على بلدتين فأيهما قصدت يلزم أجرة المثل.

إذا قصد أحديهما وعينه صحَّ وتعين المسمى وإلاَّ فسدت الإجارة وتعين بدل المثل لو استوفى المنفعة.

(مادة 544)

لو استكريت دابة إلى بلدة يلزم إيصال مستأجرها إلى داره

هذا غير لازم أصلاً بل اللازم اتباع عرف البلد وتواضعهم فإن أختلف فلابد من التعيين في متن العقد فإن لم يعين فلا حق في الإيصال إلى الدار بل إلى طرف البلد ومدخلها.

(مادة 545)

من استكرى دابة إلى محل معين فليس للمستأجر أن يذهب بتلك الدابة إلى محل آخر فإن تلفت الدابة يضمن.

الضمان هنا بقاعدة اليد بعد خروجه عن الأمانة فإن تلفت ضمن العين والمنافع من حين التجاوز إلى حين التلف خلافاً للحنفية القائلين بأن (الأجر والضمان لا يجتمعان) بل عندنا يضمن المنافع مطلقاً تلفت العين أم لا.

وهذه المادة تغني عن جملة من الموارد التي بعدها مثل:

(مادة 547)

لو أستؤجر حيوان إلى محل معين وكانت طرقه متعددة فللمستأجر أن يذهب بأي طريق شاء من الطرق التي يسلكها الناس ولو ذهب من غير الطريق الذي عينه صاحب الدابة وتلفت فإن كان أصعب من الطريق الذي عينه ضمن وإن كان مساوياً أو أسهل فلا، بل الصحيح أنه يضمن بالتجاوز مطلقاً ولا مستند لما ذكروه سوى الاستحسان والاعتبار الذي يذهب جفاء أمام القاعدة والدليل، ومثلها:

(مادة 548)

ليس للمستأجر استعمال دابة أزيد من المدة التي أستأجرها وإن استعملها وتلفت في يده يضمن، فإنها تكرار محض لما سبق، وهكذا:

(مادة 549 و550 و551 و552)

فإن الجميع فضول وتكرار بلا فائدة يلزم درجها جميعاً في مادة أو مادتين عند التحرير.

(مادة 553)

لو استكرى دابة للركوب من دون تعيين من يركبها ولا التعميم على أن يركبها من شاء تفسد الإجارة، ولكن لو عيّن وبين قبل الفسخ تنقلب إلى الصحة ولا يركب على تلك الدابة غير من تعين.

هذه المادة متهافتة متدافعة من جميع نواحيها فإن الاجارة إذا كانت فاسدة فما معنى الفسخ، ثم كيف ينقلب الفاسد صحيحاً والشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه.

والتحقيق إن الاجارة المزبورة أي الخالية من التعيين والتعميم صحيحة وهي على حد سائر الإجارات الكلية فإنه يستأجر الدار والدابة شهراً معيناً ليستوفي تمام منافعها أي يملك كل منفعة يمكن استيفاؤها من تلك الدار أو الدابة بأي نحو أما بنفسه أو بأيجارها لغيره أو غير ذلك، كل هذا جائز وصحيح، وهذا هو مفاد كل اجارة مطلقة فإذا أرادا غير ذلك وجب التعيين وإذا لم يعينا فليس معناه أنها فاسدة بل تكون مطلقة عامة إن لم يكن عرف خاص ينصرف إليه الأطلاق كما في (مادة 554) و(مادة 555) وكله واضح.

(مادة 556)

ليس للمستأجر ضرب دابة الكراء من دون أذن صاحبها ولو ضربها وتلفت يضمن، بل له أن يضربها على المتعارف وإن لم يأذن صاحبها.

(مادة 557)

لو أذن صاحب دابة الكراء بضربها فليس للمستأجر إلاَّ الضرب على الموضع المعتاد، مثلاً لو كان المعتاد ضربها على عرفها فضربها على رأسها وتلفت يلزم الضمان.

إذا استند التلف إلى الضرب المزبور ولم يكن مأذوناً به بخصوصه أما لو استند إلى سبب آخر أو لم يعلم السبب أو كان مأذوناً به فلا ضمان.

 (مادة 558)

يصح الركوب على دابة استكريت للحمل

لعل وجه ذلك عندهم إن الركوب أخف من الحمل وهو استحسان ممنوع صغرى وكبرى، والأصح أنه مع التقييد بالحمل فقط لا يجوز له الركوب ولو ركب فتلفت ضمن واجارة الحمل بطلت وعليه أجرة المثل للركوب. ومن هذا القبيل من الاستحسان الغير حسن:

(مادة 559)

لو استكريت دابة عين نوع حملها ومقداره يصح تحميلها حملاً مماثلاً له أو أهون منه في المضرة، ولكن لا يصح تحميل شيء أزيد في المضرة مثلاً من أستكرى دابة على أن يحملها خمسة أكيال حنطة كما يصح له أن يحملها من ماله أو مال غيره أي نوع كان خمسة أكيال حنطة كذلك يجوز أن يحملها خمسة أكيال شعير، ولكن لا يجوز العكس، يعني لأن الحنطة أصلب من الشعير، ويتضح بالمثال الثاني من (المجلة) كما لا يصح أن تحمل مائة وقية حديد دابة استكريت على أن تحمل مائة أوقية قطن.

فإن ثقل كل واحد منهما وإن كان واحداً ولكن ثقل الحديد يجتمع على رقعة صغيرة من ظهرها فيهده ويبهضه بخلاف القطن فإنه ينتشر على ظهرها فيهون ولا يؤذها فإنك قد عرفت عدم جواز التجاوز عن نص موضوع العقد، فإن هذه الطريقة تجعل العقد واهياً وتوجب الفوضى في العقود التي ما شرعت إلاَّ للضبط والاتقان بما لا يبقى معه مجال للتلاعب والتحوير حسب تبدل الأهواء والأغراض، هذا مضافاً إلى ما انبئناك عنه غير مرة من أن القصود تختلف أشد الاختلاف فقد يكون قصد صاحب الدابة أي المؤجر تحميلها الأثقل كالحديد ليروضها ولا يرضى بوزنه من القطن لأنه خلاف غرضه.

ومثل هذه المأجريات عند الناس لا تحرز بالقياس ولا تدرك بالاستحسان، فالجمود على نص العقود هو المتعين وإلاَّ بطلت الفائدة وضاع الغرض المهم فتدبر هذا واغتنمه.

 (مادة 560)

وضع الحمل على الدابة على المكاري

لأن المتعارف في بلادنا ذلك وقد يتعارف في بلاد خلافه فيكون هو المتبع.

(مادة 561)

نفقة المأجور على الآجر

وقد تقدم قريباً توضيح هذا الموضوع وحكمه وإن المؤجر إذا لم يدفع نفقة الدابة ولا أذن بها للمستأجر أي لو أستأذنه فلم يأذن يجبره حاكم الشرع فإن لم يمكن ولم يحصل الغرض بنفق المستأجر ويرجع بها على المؤجر وله حبس العين بعد المدة حتى يأخذ حقّه.

نعم، لو أنفق متبرعاً فلا معنى للرجوع حينئذٍ، ومن هذا يظهر الخلل في بقيه هذه المادة، (ولكن لو أعطى المستأجر علف الدابة بدون أذن صاحبها تبرعاً ليس له أخذ ثمنه من صاحبها بعد).

الفصل الرابع

في إجارة الآدمي

(مادة 562)

يجوز إجارة الآدمي للخدمة أو لأجراء صنعة ببيان مدة أو بتعيين العمل بصورة أخرى.

هذا البيان غير كافٍ ولا شافٍ، وتحرير هذا البحث إن اجارة الإنسان حراً أو عبداً أما أن تقع على الخدمة، وبعبارة أجلى يستأجره على أن تكون كل منافعه له فيستعمله في كل ما يريد من حوائجه ولا محيص في مثل هذه الإجارة من تعيينها بالمدة سنة معينة أو شهراً معيناً منجزة أو مضافة.

وأما أن تقع على عمل معين مخصوص من كتابة أو خياطة أو حياكة فلابد هنا من تحديد العمل ومحل العمل أي ما يعمل فيه من خياطة ثوب أو (جبة) أو غير ذلك، أما الزمان فإن عينه تعين وأن أطلق انصرف إلى المتعارف وإن لم يكن فاللازم أن يعمله بعد العقد بلا فصل ويكون له الاشتغال بمقدار ما يقدر له أهل الصنعة مثلاً صياغة القلادة في أسبوع وصياغة الخاتم في يوم وهكذا فإن لم ينضبط بذلك بطل كونه إجارة وصحَّ جعالة بالمسمى فإن لم يكن جعالة أستحق لو عمل أجرة المثل كما في:

(مادة 563)

لو خدم أحد آخر على طلبه من دون مقاولة أجرة فله أجرة المثل، لأنه بعدم تعيين الأجرة لم يقع اجارة ولا جعالة فله أجرة المثل سواء كان ممن يخدم بالأجرة أولاً، ولا وجه لتقييده بالأول كما في (المجلة) فإن عمل مسلم محترم وهو غير متبرع حسب الفرض.

نعم، لو خدم بغير طلب لم يكن له حق المطالبة بالأجرة لأنه متبرع سواء كان كبيراً أو صغيراً خلافاً لبعض من ألزم بها في الثاني دون الأول وهو تحكم، ولو أختلفا في الطلب فأدعاه الخادم وأنكره المخدوم حلف ولا حق إلاَّ إذا أقام الأول البينة كما في نظائرها، أما لو اعترف بالطلب وقال: قصدت أن تعمل لي متبرعاً، وقال الآخر: أنا ما عملت بقصد التبرع بل بقصد الأجرة يحلف لأنه أعرف بقصده الذي عليه المدار لا على قصد الطالب ويأخذ الأجرة، ومن هذا القبيل :

(مادة 564)

لو قال أحد لآخر أعمل هذا العمل أكرمك ولم يبين مقدار ما يكرمه به فعمل العمل المأمور به استحق أجر المثل، لما عرفت من أنه ليس إجارة ولا جعالة.

والضابطة العامة إن كل عمل متقوم لشخص أو في مال شخص عن اذن منه فللعامل أجرة المثل إلاَّ إذا كان إجارة أو جعالة فالمسمى وإن كان تبرعاً فلا شيء، ومنه:

(مادة 565)

لو استخدم العملة من دون تسمية أجرة تعطى أجرتهم إن كانت معلومة وإلاَّ فأجر المثل، لأن الإطلاق مع المعلومية ينصرف إليها وإن كان لا يخلو من نظر ومعاملة من يماثلهم على هذا الوجه أيضاً.

(مادة 566)

لو عقدت الإجارة على أن يعطي للأجير شيئاً من القميات لا على التعيين يلزم أجر المثل، مثلاً لو قال الأجر لآخر إن خدمتني كذا أياماً أعطيتك بقرتين لا يلزم البقر للجهالة ويلزم أجرة المثل، ولا فرق بين هذا وبين استئجار الظئر ــ وهي المرضعة ــ فلو استأجرها على أن يعمل لها ألبسة لا يصح إلاَّ إذا وصف الألبسة بما يرفع جهالتها كما يصح في الفرع المتقدم لو وصف البقرتين وإن لم توصف الألبسة ولم تعرف كانت باطلة ولو أرضعت بهذه الصورة كان لها أجر المثل، وقول (المجلة) يلزم من الدرجة الوسطى لا وجه له، ومن أفيسة أمام الحنفية أنه قال: يجوز استئجارها بألبسة مجهولة وعوض مجهول لأن محبة الآباء الزائدة لأبنائهم تجعلهم يحنون على الظئر فيعطونها أكثر مما تستحق، لأن الإجارة لا تفسد للجهالة بل للجهالة الموجبة للنزاع والجهالة هنا لا توجب نزاعاً، أنتهى.

وهذا نظير ما يقولون: سبك مجاز بمجاز وغلط في غلط، وهو ممنوع صغرى وكبرى، فإن الآباء وإن كانوا يحبون أولادهم ولكنهم يجازفون بأموالهم ويتنازعون على ما هو أقل من ذلك والشارع قد منع من مطلق الجهالة حماية للحمى حتى لا يصل الأمر إلى الجهالة الموجبة للنزاع فتدبره جيداً.

(مادة 567)

العطية التي تعطى للخدمة من الخارج لا تحسب من الأجرة

هذا واضح لا حاجة إلى بيانه لأنها عطية للخادم لا للمخدوم وإن كانت على حسابه.

(مادة 568)

لو أستؤجر أستاذ لتعليم علم أو صنعة فإن ذكرت مدة انعقدت الإجارة على المدة والأستاذ يستحق الأجرة بكونه حاضراً أو مهيأ للتعليم قرأ التلميذ أو لم يقرأ، وأن لم تذكر مدة انعقدت فاسدة وعلى هذه الصورة إن قرأ التلميذ فالأستاذ يستحق الأجرة وإلاَّ فلا.

يعني يستحق أجرة المثل على تعليمه، وعلى هذا فأستئجار المعارف طائفة من المعلمين براتب شهري وإن لم يكن المدة معلومة بأجمعها يمكن تصحيحة أن الإجارة حسب القصد الارتكازي والتعامل الجاري يكون على كل شهر برأسه فتكون المدة بهذا معلومة ويكون دفع الراتب عن أشهر العطلة كشرط ضمني.

والحاصل إن الإجارة تقع على كل حصة من الزمن فيكفي معرفة الحصة ولا يقدح عدم معرفة جميع الحصص من المستقبل.

(مادة 569)

من أعطى ولده الأستاذ ليعلمه صنعة من دون أن يشترط بينهما أجرة فبعد تعلم الصبي يعمل بعرف البلدة وعادتها وإن لم يكن عرف فأجرة المثل.

(مادة 570)

لو أستأجر أهل قرية معلماً أو أماماً للصلاة أو مؤذناً وأوفى خدمته يأخذ أجرته من أهل تلك القرية.

هذا مما لا اشكال فيه فيجمعونها من أفرادهم على حسب العادة فيما بينهم أو على مقار سعة كل واحد منهم إنما الاشكال في صحة مثل هذه الإجارة وهي مسألة معروفة بالأشكال ومن معضلات الفن عند الفقهاء وهي مسألة أخذ الأجرة على الواجبات وحيث إن (المجلة) لم تتعرض لهذا البحث مع أنه من مهمات مباحث الإجارة وكان حقه أن يذكر هنا أي في إجارة الآدمي أو في شرائط العمل المستأجر عليه، وموجز القول فيه إن الواجب لا يخلو أما أن يكون عينياً أو كفائياً وكل منهما لا يخلو أما أن يكون تعبدياً أو توصلياً وكل منهما لا يخلو أما أن يكون وجوبه أصلياً أو عرضياً وكل منهما أما أن يكون واجباً عليه أو على غيره، فالواجبات التوصلية بجميع أنواعها سواء وجبت عليه أو على غيره، يجوز أخذ الأجرة عليها مطلقاً لأن معنى التوصلي هو الذي يطلب وجوده في الخارج كيف اتفق ومن أي داعٍ وسبب كان فيجوز أن يستأجرك غيرك لتطهير ثوبه أو ثوبك للصلاة وغيرها، كما يجوز أن تستأجره لذلك أيضاً، وكذا الكلام في سائر التوصيليات وأما التعبديات وهو ما لا يصح إلاَّ بنية القربة أي لا يحصل أمتثاله إلاَّ بأتيانه بداعي التقرب إليه تعالى في امتثال أمره فلا يصح أخذ الأجرة عليه حسب القاعدة لأن الاتيان به بداعي القربة يتنافى مع الاتيان به بداعي الأجرة سواء كان عينياً أو كفائياً كصلاة الظهر أو الصلاة على الميت وكغسل الجنابة أو تغسيل الميت فلا معنى لأستئجار شخص يصلي عنك صلاة الظهر أو يصلي على ميتك أو يغسله والإجارة تكون باطلة لاغية.

نعم، يستثنى من ذلك أخذ الأجرة للصوم والصلاة والحج نيابة عن الميت الذي ثبت بالدليل من إجماع وغيره صحته، وقد أعضل على الاساطين تطبيق هذا الحكم على القواعد وتخريج وجه للجمع بين داعي القربة الذي تتقوم به روح العبادة وداعي الأجرة الذي لم يأت بالعمل عن الغير لولاها وهما متنافيان بالضرورة فكيف الجمع بينهما والشرع لا يصحح المستحيل؟، وقد ذكروا لذلك وجوهاً متعددة لا يخلو أكثرها من نظر وهو موكولة إلى محلها.

ويلحق بهذا المستحبات التعبدية مطلقاً كصلاة النوافل وقراءة القرآن فلا يصح أن تستأجر من يصلي النافلة عنك أو عن نفسه أو يقرأ القرآن له أو لك أو لولديك ولكنهم جوزوا النيابة عن الغير حي أو ميت في عامة المستحبات حتى الحج ولم يمنعوه إلاَّ في الصوم والصلاة عن الحي فلا يصح أن تستأجر من يصوم عنك شهر رجب أو شعبان أو يصلي لك صلاة النافلة أو صلاة التراويح.

نعم. يجوز استئجاره ليزور عنك أو يحج أو يقرأ القرآن وهكذا سائر المستحبات التي تصلح فيها النيابة.

أما الواجبات الكفائية والمستحبات الكفائية فقد أشير لك أنها أيضاً على قسمين: تعبدية كصلاة الميت وتغسيله، وتوصيلية دينية كتعليم الأحكام وتبين مسائل الحلال والحرام وأقراء القرآن وأمثالها، وتوصلية دنيوية كالصنائع والعلوم مثل علم الطب وسائر ما تتوقف عليه الحياة الإجتماعية من الحرف والمهن والصناعات فإن الجميع واجب كفائي ولكنه توصلي دنيوي ضرورة إن غرض الشارع وجوده على أي نحو أتفق ليستقيم به نظام الهيئة الاجتماعية، وقد عرفت إن الأول أعني ــ التعبدي ــ لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقاً.

نعم، تجوز الأجرة على مقدماته أو مستحباته الغير العبادية كما يجوز أخذ الأجرة على قسم التوصيليات منه مطلقاً، وقد أتضح لكَ بهذا البيان أن أخذ الأجرة على تعليم أهل القرية وإمامة الصلاة والأذان للأعلام بالوقت لا لصلاة نفسه جائز والإجارة صحيحة على الأقرب في رأيي وإن منع منه جماعة من العلماء وهو الأوفق بالاحتياط.

فإن قيل: أنه يجب قيام العالم والمؤذن والمقريء بمثل هذه الشعائر الدينية ولولا ذلك لذهب الدين وتعطلت الأحكام.

قلنا: نعم، لا ريب في وجوب كل ذلك، ولكن وجوباً كفائياً توصيلياً لأن الغرض حفظ الدين ونشر الأحكام ولا ينافيه أخذ الأجرة بعد أن كان المهم نفس وقوعها.

نعم، هو مكروه وكراهة شديدة سيما في تعليم القرآن لقوله (A): (أقرؤا القرآن ولا تأكلوا به) سواء كان من باب الفعل أو الأفعال، وأشد منه أمامة الجماعة بل لا تخلو صحة الصلاة معه من أشكال. نعم، لا كراهة لمن دفع ولده لمن يعلمه  القرآن أن يكرمه ويحسن إليه، ولكن لا بنحو الأجرة ويجوز للمعلم الأخذ خصوصاً إذا كان فقيراً ولا مهنة له سوى ذلك، وكذلك قراءة القرآن لأرواح الأموات فينبغي للناس أن يعطوهم وينبغي بل يجب على هؤلاء القراء والمعلمين أن لا يماكسوهم.

وقد حررنا هذا البحث على جري القلم من دون تجديد مراجعة واستقراء فعليك أيها الطالب الاستقصاء التام في مظانه، والله ولي التوفيق.

(مادة 571)

الأجير الذي استؤجر على أن يعمل بنفسه ليس له أن يستعمل غيره..إلى أخره

قد تكرر بيان هذا وأنه من الإجارة الشخصية فلو تجاوز منطوقها، وتعدى عن نصها لم يستحق الأجرة وكان ضامناً لو تلفت العين المستأجر على العمل بها، وهي قضية مطردة سيالة في جميع الأعمال مقيدة تارة ومطلقة أخرى ولكل حكمه، وقد أشار إلى المطلقة في:

(مادة 572)

لو أطلق حين الاستئجار فللمستأجر أن يستعمل غيره.

(مادة 573)

قول المستأجر للأجير أعمل هذا الشغل أطلاق، فلو قال للخياط: خط هذه (الجبة) بكذا، عن دون تقييد بنفسك أو بالذات وخاطها الخياط بخليفته أو خياط آخر يستحق المسمى وإن تلفت بلا تعد لا يضمن.

حيث لا تكون هناك قرينة حال أو مقال بأرادته نفس الخياط كما لو كان أستاداً ماهراً أو ما أشبه ذلك وإلاَّ ضمن بدفعها للغير.

(مادة 574)

كل ما كان من توابع العمل ولم يشترط على الأجير يعتبر فيه عرف البلدة وعادتها كما إن العادة أن الخيط على الخياط، ومثله في أن المتبع هو العرف والعادة.

(مادة 575)

يلزم الحمال أدخال الحمل إلى الدار ولكن لا يضعه في محله، مثلاً ليس على الحمّال أخراج الحمل إلى فوق الدار ولا وضع الذخيرة في الانبار.

(مادة 576)

لا يلزم المستأجر أطعام الأجير إلاَّ أن يكون عرف البلدة كذلك.

(مادة 577)

أن دور دلال مالاً ولم يبعه ليس له أجرة وإذا باعه دلال آخر كانت له الأجرة فقط.

(مادة 578)

لو أعطى ماله للدلال وقال: بعه بكذا دراهم، فإن باعه الدلال بأزيد من ذلك فالفاضل أيضاً لصاحب المال وليس للدلال سوى الأجرة.

ولكن الدلال في بيعه بالزائد الغير مأذون به يكون فضولياً يحتاج إلى الأجازة وتفسد الإجارة. ويستحق أجرة المثل على بيعه، وقد ورد في حديث عروة البارقي نظير


 

هذا حيث دفع له النبي (8) درهمين ليشتري له بهما شاة فأشترى شاتين. نعم، يمكن خروجه عن الفضولي بدعوى العلم بأذن الفحوى وإن المالك يرضى ببيع ماله بالزائد.

(مادة 579)

لو خرج مستحق بعد أخذ الدلال أجرته وضبط المبيع أورد بعيب لا تسترد أجرة الدلال.

إلاَّ إذا كان الدلال عالماً بأنه مستحق للغير فإنه لا يستحق الأجرة على معاملة باطلة بل ربما تكون حراماً لأنها أعانة على الأثم كما لو باع مال الوقف مع علمه بوقفيته إلى كثير من أمثاله.

(مادة 580)

من أستأجر حصادين ليحصدوا زرعه الذي في أرضه وبعد حصادهم مقداراً منه لو تلف الباقي بنزول الحالوب (البرد) أو بقضاء آخر فلهم أن يأخذوا من الأجر المسمى مقدار حصة ما حصدوه وليس لهم أخذ أجر الباقي.

هذه المسألة سيالة كثيرة الفروع موضوعها الكميات المتصلة والمنفصلة أي القارة وغير القارة التي مرَّ نظيرها في البيع وإنها تنحل إلى عقود متعددة فتصح في الموجود الممكن وتبطل في المفقود المتعذر بخلاف ما لو كان عقداً واحداً بسيطاً فإن الكل يعدم بأنعدام بعض أجزائه.

ومن هذا القبيل لو أستأجره على خدمة سنة فخدمه ستة أشهر وتمرض فأنه يستحق نصف الأجرة وهكذا لو أستأجره على خياطة الثوب فخاط نصفه بخلاف ما لو أستأجره على كون الثوب مخيطاً فأنه أمر بسيط فلو خاط بعضه لم يستحق شيئاً ويتضح هذا في مثل السفر فتارة يستأجره على المسير إلى المدينة وأخرى على كونه في المدينة، وأوضح من هذا أن يستأجره على الحج وأداء المناسك وأخرى على تفريغ ذمة أبيه من الحج الذي اشتغلت به ذمته، ومع ذلك فتمييز أحد النوعين عن الآخر في بعض المقامات من اعقد المشكلات.

(مادة 581)

كما أنه للظئر فسخ الإجارة لو مرضت (وتستحق أجرة ما مضى) كذلك للمسترضع فسخها إذا مرضت أو حملت أو ظهر بها أحد العيوب إلى أخره..

وهو واضح.

الباب السابع

في وظيفة الآجر والمستأجر بعد العقد

ويشتمل على ثلاثة فصول:

الفصل الأول

في تسليم المأجور

تسليم العين المأجورة هو بعينه:

تسليم العين المبيعة الذي قد عرفت الكلام فيه في (الجزء الأول) مفصلاً وإن أكثر الفقهاء فسروه بالتخلية وذكرنا ما فيه من الخلل والتسامح وأنه يختلف بأختلاف الأعيان المبيعة وقد عرفت قريباً إن الإجارة أيضاً تتعلق بالعين، ولكن من حيث المنفعة وتسليم المنفعة لا يكون إلاَّ بتسليم العين وهو يختلف بأختلاف الأعيان أيضاً و(المجلة) هنا قد تسامحت أيضاً حيث فسرته بما إلى التخلية أو الأذن وهو لا يطرد في جميع المستأجرات فإن تسليم مثل الحلي والحلل لا يتحقق إلاَّ بأقباضه يداً بيد كالنقود وهكذا في أكثر المنقولات. نعم، يتم ما ذكروه في الدور والعقارات ونحوها. وبهذا يتضح القصور في:

(مادة 582)

تسليم المأجور هو عبارة عن اجازة الآجر ورخصته للمستأجر أن ينتفع به بلا مانع. ومن توضيح الواضحات:

(مادة 583)

إذا أنعقدت الإجازة الصحيحة على المدة والمسافة فيلزم تسليم المأجور للمستأجر على أن يبقى في يديه مستمراً إلى انقضاء المدة أو ختام المسافة.


 

فإن هذا من لوازم الإجارة وبدونه لا يبقى لها معنى محصل ولا حاجة إلى المثال بالكروسة ووصولها إلى المحل كما أن من لوازم الإجارة وملكية منفعة العين المأجورة تسليمها فارغة من كل ما يشغلها على ما في:

(مادة 584)

لو آجر أحد ملكه وكان فيه ماله لا تلزم الأجرة ما لم يسلمه فارغاً إلاَّ أن يكون قد باع المال للمستأجر أيضاً.

(مادة 585)

لو سلّم الدار إلاَّ حجرة وضع فيها أشياءه يسقط من بدل الإجارة مقدار حصة تلك الحجرة والمستأجر مخير في الدار (بخيار تبعض الصفقة) وإن أخلى الأجر الحجرة وسلمها قبل الفسخ تلزم الأجارة يعني لا يبقى للمستأجر حق الفسخ.

أي حيث لا يمضي زمان متقوم لعدم تسليم الحجرة وإلاَّ فأخلاؤها بعد زمان معتد به لا يسقط خياره.

الفصل الثاني

في تصرف العاقدين في المأجور بعد العقد

(مادة 586)

للمستأجر أيجار المأجور لآخر قبل القبض إن كان عقاراً وإن كان منقولاً فلا

وذكروا في وجه الفرق بينهما إن احتمال هلاك المنقول غالب واحتمال هلاك العقار نادر، والنادر لا يعتبر في الأحكام الشرعية، وهو كما ترى قياس واستحسان لا يستقيم به الميزان، فإن احتمال الهلاك لا يصلح فارقاً فأنه إن هلك قبل القبض وجرت فيه قاعدة (التلف قبل القبض) انفسخ العقد فيهما وإلاَّ نفذ العقد فيهما وكان تلف العين على المؤجر وتلف منافعها على المستأجر ويذهب الثمن المسمى عليه سواء كان عقاراً أو منقولاً، ومقتضى ملكيته للمنفعة أن له ايجاره مطلقاً من المؤجر ومن غيره، ومنع بعضهم ايجاره من المؤجر لا وجه له، كما أن له بيع المبيع ثانياً للبائع ولغيره كما يجوز بيع بدل المنفعة إذا كان عيناً من المستأجر ومن غيره، وإذا كان ديناً يجوز بيعه منه أيضاً ومن غيره بناء على جواز بيع الدين مطلقاً كما يجوز هبته للمستأجر فيكون ابراء ومن غيره بناء على تمطي الهبة من العين إلى الدين وعدم اختصاصها بالأعيان فيكون تمليكاً مجانياً.

(مادة 587)

للمستأجر إيجار ما لا يتفاوت استعماله وانتفاعه بأختلاف الناس لآخر

يعني أنه لو أستأجر دكاناً أو حماماً أو سفينة يجوز أن يؤجره لغيره كما يجوز أعارته للغير، أما ما يتفاوت الناس بأستعماله كالدابة والثياب فلا يجوز.

وقد عرفت مكرراً إن الملاك ليس قضية التفاوت في الاستعمال مضافاً إلى أنه مما لا ضابطة له فأن الدار أيضاً مما يتفاوت الناس بأستعمالها فيستعملها بعض بمدارات وبعض بغير مبالاة، بل الميزان العدل في ذلك هو الإجارة الكلية فيجوز أو الشخصية فلا يجوز فالعبرة بالأطلاق والتقييد لا غير فتدبره.

(مادة 588)

إن آجر المستأجر بإجارة فاسدة المأجور لآخر بإجارة صحيحة يجوز.

عرفت إن الإجارة الفاسدة والباطلة سواء، وإذا كانت الإجارة فاسدة لم يترتب الأثر عليها وهو تملك المنفعة وإذا لم يملكها كيف يصح تمليكها لغيره والفاسد لا يترتب عليه إلاَّ الفاسد لا الصحيح؟.

(مادة 589)

لو آجر أحد ماله مدة معلومة لآخر بإجارة لازمة ثم آجر أيضاً تلك المدة تكراراً لغيره لا تنعقد ولا تنفذ الإجارة الثانية ولا تعتبر.

أحترز باللازمة عمّا لو كانت الإجارة جائزة لخيار شرط فيها ونحوه فإن إيجاره ثانياً تلك المدة بعينها من آخر يعد فسخاً للأولى، ولكن مع ذلك كان ينبغي أن تقول: أنها لا تنفذ بل تبقى موقوفة على إجازة المستأجر الأول ويكون المؤجر فضولياً بالنسبة إلى المستأجر الأول لا أنها لا تنعقد أصلاً فتدبر.

أما لو آجر غير تلك المدة فلا مانع من توارد الإجارات المتعاقبة على العين الواحدة بأختلاف الأزمنة.


 

(مادة 590)

لو باع الآجر المأجور بدون أذن المستأجر يكون البيع نافذاً بين البائع والمشتري وإن لم يكن نافذاً في حق المستأجر.

هذا بيان قاصر ناقص، وتحرير البحث إن المؤجر إذا باع العين المأجورة وقع النظر من جهتين:

1- جهة البائع والمشتري.

2- جهة البيع والإجارة، أو المؤجر والمستأجر.

أما من الجهة الأولى فإن كان المشتري عالماً حين العقد بأن المبيع مأجور لزم البيع عليه ولا خيار له أصلاً ولزم عليه الصبر إلى انتهاء مدة الإجارة وبعدها يستلم العين لأنه قد اشتراها مسلوبة المنفعة، والبيع المتأخر لا يبطل الإجارة المتقدمة، وإن كان جاهلاً بها ثم علم كان له الخيار إن شاء أمضى البيع وصبر وإن شاء فسخ ولا حق له في فسخ الإجارة أصلاً.

وأما من الجهة الثانية فقد ظهر لك أنه لا تزاحم بين الإجارة السابقة والبيع اللاحق أصلاً ولا سبيل للمشتري على فسخها كما لا سبيل للمستأجر على فسخ البيع بل يقضي مدته ثم يدفع العين إلى المشتري.

إذاً فما معنى قول (المجلة) وإن لم يكن نافذاً في حق المستأجر؟ وكان حقه أن تقول: وإن لم يكن نافذاً في حق المشتري لو كان جاهلاً، ولا حاجة بل ولا فائدة فيما فرعته على ذلك بقولها. حتى أنه بعد انقضاء مدة الإجارة يلزم البيع في حق المشتري وليس له الامتناع ..إلى آخره. يعني إذا كان عالماً.

الفصل الثالث

في بيان مسائل تتعلق برد المأجور واعادته

أكثر مواد هذا الفصل مع وضوحها وكونها غنية عن البيان مكررة متداخلة يغني بعضها عن بعض، مثلاً:

(مادة 591)

يلزم على المستأجر رفع يده على المأجور عند انقضاء الإجارة وهي عين:

(مادة 592)

ليس للمستأجر أستعمال المأجور بعد انقضاء الإجارة، ولا اختلاف بينهما إلاَّ في العبارة، فإن رفع اليد عبارة ثانية عن عدم الاستعمال، كما إن:

(مادة 593)

لو انقضت الإجارة وأراد الآجر قبض ماله يلزم المستأجر تسليمه أياه تكفى عنها وتدل عليها:

(مادة 594)

لا يلزم المستأجر رد المأجور ويلزم الآجر أن يأخذه عند انقضاء الإجارة..إلى آخره.

(مادة 595)

إن أحتاج رد المأجور إلى الحمل والمؤنة فأجرة نقله على الآخر

وبالجملة فحق حسن التحرير يقضي بألغاء هذا الفصل وجمع جميع مواده في مادة واحدة فيقال: العين المأجورة أمانة في يد المستأجر وهي أمانة مالكية لا يجب ردها بل يجب تسليمها عند طلبها وعلى المؤجر تسلمها ولو أحتاج ردها إلى أجرة فعلى المالك ولا يجوز بعد انقضاء المدة استعمالها إلاَّ بأذن جديد فلو أستعملها بدون أذن وتلفت ولو بغير تفريط ضمن ولو تلفت بغير استعمال وغير تفريط قبل الطلب فلا ضمان. إلاَّ أن يشترط على المستأجر ردّها ونفقتها فيكون عليه ضمانها لو قصر في ردها أو نفقتها.

ومن الغريب قول بعض الشراح: إذا اشترطا أن يكون أجرة إعادة المأجور على المستأجر فسدت الإجارة لأنه شرط مفيد للمؤجر والشرط المفيد لأحد العاقدين يفسد الإجارة، انتهى.

وما أدري كيف صار الشرط المفيد لأحد العاقدين مفسداً للإجارة مع أن كل ما يشترط شرطاً فإنه يشترطه بأعتبار أنه مفيد له، فهل يريد هذا القائل أن الشرط الصحيح هو ما يكون لغواً لا فائدة فيه، أو يحصره في المفيد لهما معاً والكل بحكم وجزاف يحكم عموم أدلة الشروط.


 

الباب الثامن

في بيان الضمانات

ويحتوي على ثلاثة فصول:

الفصل الأول

في ضمان المنفعة

(مادة 596)

لو أستعمل أحد مالاً بدون أذن صاحبه فهو من قبيل الغاصب لا يلزمه أداء منافعه، ولكن إذا كان مال وقف أو يتيم فعلى كل حال يلزم أجر المثل وإن كان معداً للإستغلال فعلى أن لا يكون بتأويل عقد أو ملك يلزم ضمان المنفعة يعني أجر المثل، مثلاً لو سكن أحد في دار آخر مدة بدون عقد إجارة لا تلزمه الإجرة، لكن إن كانت تلك الدار وقفاً أو مال يتيم فعلى كل حال يعني، إن كان ثم تأويل ملك وعقد أو لم يكن يلزم أجر مثل المدة التي سكنها، وكذلك إن كانت دار كراء ولم يكن تأويل ملك وعقد يلزم أجر المثل، وكذا لو أستعمل أحد دابة الكراء بدون أذن صاحبها يلزم أجر المثل.

قد مرَّ عليك كثير من فروع هذا الباب ونظائر هذا الغرض المبتني على القاعدة الأساسية عند الحنفية من أن (الأجر والضمان لا يجتمعان) وخالفهم الشافعية وعامة الأمامية، والقاعدة المزبورة مع أنها لا تستند إلى أي دليل شرعي ولا مدرك سوى الإستحسان، وإن معنى ضمان العين دخولها في الملك وإذا دخلت العين في ملك انسان ملك منافعها فإذا استوفاها لا يضمن لأنه قد ضمن عينها، وهو كما ترى ممنوع صغرى وكبرى فلا الضمان ملك ولا ملك العين مستلزم ملك المنفعة ولو سلمت كل هذه الأباطيل فما وجه استثناء الوقف ومال اليتيم فلو غصب الوقف أو مال اليتيم إلاَّ يكون ضامناً للعين فما وجه ضمان المنفعة مع ضمان العين، وهل هذا إلاَّ من قبيل ما يقال: سطح بهوائين، ثم سلمنا كل هذه التحكمات فما وجه استثناء المعد للإستغلال أيضاً إذا لم يكن بتأويل عقد أو ملك فإذا كان بتأويل الملك فلا ضمان.

أفليس من الحكم الجزاف والكلام الكيفي ما في:

(مادة 597)

لا يلزم ضمان المنفعة في مال استعمل بتأويل ملك وإن كان معداً للأستغلال، مثلاً لو تصرف أحد الشركاء مدة في المال المشترك بدون أذن شريكه مستقلاً فليس للشريك الآخر أخذ حصته لأنه استعمله على أنه ملكه، وهذا جزاف كما ترى في صغراه وكبراه فإن الشريك حين يتصرف في كل الدار المشتركة لا يلزمه أن يقصد أن الدار بأجمعها ملكه ولو قصد فليس لقصده أي أثر فضلاً عن هذا الأثر الشديد وهو اسقاط حق شريكه من منافع حصته.

وحقاً، إن الاحناف قد تطرفوا بهذه الفتوى مدى بعيداً، وفتحوا لحلية غصب أموال الناس باباً واسعاً، حيث صار بوسع كل أحد أن يستأجر داراً أو حانوتاً أو غير ذلك ثم ينوي به الملكية فيكون غاصباً وينتفع به مدة حسب ارادته ثم يرده إلى المالك بلا أجرة ولا بدل المثل ويكون ذلك حلالاً له، وهذا حكم لا يسيغه ذوق انسان ولا يقره عقل ولا وجدان، فكيف تقره الشريعة الاسلامية المقدسة؟.

ومثلها بل أسوء منها:

(مادة 598)

لا يلزم ضمان المنفعة في ما استعمل بتأويل عقد وإن كان معداً للإستغلال، مثلاً لو باع أحد لآخر حانوتاً ملكه مشتركاً بدون اذن شريكه وتصرف فيه المشتري ثم لم يجز البيع الشريك وضبط حصته ليس له أن يطالب بأجرة حصته وإن كان معداً للإستغلال لأن المشتري استعمله بتأويل العقد يعني حيث أنه تصرف فيه بعقد البيع لا يلزم ضمان المنفعة، كذلك لو باع أحد لآخر رحى على أنه ملكه وسلمها ثم بعد تصرف المشتري لو ظهر لها مستحق وأخذها من المشتري بعد الاثبات والحكم ليس له أن يأخذ أجرة لتصرفه في المدة المذكورة لأن هذا أيضاً تأويل عقد.

فإن تأويل العقد وشبهة الملكية لا تسقط الحق الصريح وملكية الشريك القطعية وبأي وجه مشروع أو معقول يستبيح المشتري منافع حصة الشريك الذي لم يجز العقد على ماله بغير اذنه؟ وهل هذا إلاَّ أكل مال بالباطل؟ والشرع ينادي (لا يحل مال أمرئ


 

إلاَّ بطيب نفسه، إلاَّ أن تكون تجارة عن تراض) والمنافع أموال بل هي ملاك مالية الأعيان ولذا تقابل بالأموال.

وهذه الفتوى الجائزة، والأحكام المجازفة كلها إنما جاءت من آفة العمل بالقياس، بل والقياس الوهمي أو القياس مع الفارق، أو الاستحسان المخالف للنص الصريح، والدليل الواضح، عصمنا الله واخواننا المسلمين من الزلل في القول والعمل.

(مادة 599)

لو استخدم أحد صغيراً بدون أذن وليه أو وصيه فإذا بلغ رشده يأخذ أجر مثل خدمته ولو توفي فلورثته أن يأخذوا أجر مثل تلك المدة من ذلك الرجل.

من المعلوم إن استخدام الصغير بدون إذن وليه غير جائز، والمعاملة معه باطلة، فلو استخدمه أحد فعل حراماً بلا إشكال إنما الإشكال في ضمان تلك المنافع إذا كان الصغير حراً كما هو فرض المسألة بناء على أن منافع الحر لا تضمن أما مطلقاً أو التفصيل بين الكسوب وغيره أو تضمن مطلقاً، كما هو الأقرب في رأينا لأن الحر وإن لم يكن مالاً، ولكن لا مانع من إن منافعه عند حصولها أو العقد عليها تكون أموالاً وبهذا صحَّ أن يؤجر نفسه، وعليه فمنافع الصغير إن استوفاها أحد بوجه مشروع أو غير مشروع تضمن ويدفع بدلها لوليه أو له بعد بلوغه ورشده أو لورثته بعد موته ولا يجوز إعطاؤها له في حال صغره ولا تحسب له، وكذا لو أنفقها عليه لباساً وطعاماً فأنه يكون متبرعاً إلاَّ إذا أذن وليه بذلك.

 


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID