السبت, شوال 11, 1445  
 
في بيان شروط انعقاد الرهن  

 

 تحرير المجلة

آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء  "قدس سره"

 

  



الكتاب الرابع

في الحوالة

(ويشتمل على مقدمة وبابين)

المقدمة

في بيان الإصلاحات الفقهية المتعلقة بالحوالة

(مادة 673)

الحوالة نقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى

بعد أن كان الضمان عندهم ضم ذمة إلى أخرى يتجه تعريف الحوالة بالتعبير المزبور، وأوضح منه تعبير بعضهم: بأنها نقل الدين من ذمة إلى أخرى بدين مماثل له، أما بناء على أن الضمان هو نقل المال من ذمة إلى ذمة، كما هو عند الأمامية فقد قيدوا الحوالة للفرق بينهما وبين الضمان بأنها تحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة ــ أو تحويل المديون دائنه على مديونه، وإن أجزنا الحوالة على البريء قلت: إحالة المديون دائنه على غيره.

وتحرير هذا البحث القائم على وجه يتضح به فلق الحق والتحقيق، أنه كما أن الضمان أو الكفالة بأصطلاحهم كان يبتني على أربعة أركان: الضامن والمضمون له، والمضمون عنه، والمال المضمون، فكذلك الحوالة تبتني على مثلها: المحيل، والمحال عليه، والمحال، والحق المحال به، فالمحال عليه في باب الحوالة يوازي الضامن في باب الضمان سوى أن الضامن عندهم ــ كما عرفت سابقاً ــ يلزم أن يكون غير مشغول الذمة بما يضمنه بخلاف المحال عليه حيث يلزم أن يكون مشغول الذمة بما أحيل عليه، وجعلوا هذا هو الفرق بين الضمان والحوالة بعد تساويهما في نقل المال من ذمة إلى أخرى، ولكن في الضمان إلى ذمة بريئة وفي الحوالة إلى ذمة مشغولة، وقد سبقت الإشارة إلى الخدشة في هذا الفرق، وإن الضمان والحوالة متباينان أو متغايران من حيث الجوهر والذات والفرق بينهما بالنحو المذكور عند الأصحاب يشبه أن يكون من قبيل التعليل بالعرضي مع وجود الذاتي فإن حقيقة الضمان تعهد وإلتزام أي جعل الإنسان سلطنة على نفسه سواء كان مشغول الذمة أو بريئاً، وحقيقة الحوالة إزالة السلطنة عن نفسه وجعل سلطنة لغيره على غيره سواء كان أيضاً مشغول الذمة أو بريئاً وعلى مشغول الذمة أو بريء، فالقضية ليست قضية اشتغال أو براءة وإن كان الغالب في الضمان البراءة وفي الحوالة الاشتغال، بل قضية الفرق بين العقدين ترجع إلى جوهر الحقيقتين وإن أتفقا في أكثر الأثر، وعلى كل حال ففي التعريفات المزبورة للضمان أو للحوالة تسامحات واضحة، ويهون الأمر أن الغرض منها الإشارة إلى الشيء من بعض وجوهه لا الإشارة إليه من حيث حقيقته وكنهه أو كل وجوهه فليتدبر.

أما المواد من (674) إلى (677) فهي واضحة لا يتماسك عيها أي تعليق.

(مادة 678)

الحوالة المقيدة هي التي قيدت بأن تعطي من مال المحيل الذي هو في ذمة المحال عليه أو في يده.

بناء على تعريفهم الحوالة بأنها نقل المال من ذمة إلى أخرى يخرج منها التحويل على مال المحيل الخارجي الذي هو في يد المحال عليه بل هو في الحقيقة ليس له أي علاقة بالحوالة وإنما هو وكالة على الدفع والتسليم لا نقل مال من ذمة إلى أخرى كما هو واضح.

(مادة 679)

الحوالة المطلقة هي التي لم تقيد بأن تعطي من مال المحيل الذي هو عند المحال عليه.

هذا مبني على جواز الحوالة على البريء، وتحرير البحث إن المحال عليه أما أن يكون مشغول الذمة للمحيل أولاً، والثاني هو الحوالة على البريء والأول أما أن يحيل على ذلك المال الذي له في ذمة المحال عليه أو بمال آخر مغاير، والأول هو القدر المتيقن والمتعارف من الحوالة، والثاني أما أن يكون الملحوظ بالمال المحول المال الذي له في ذمة المحال عليه أولاً، والأول كما لو قال: أحلتك عليه بعشرة دراهم من الدنانير التي لي عليه، ويظهر من بعض اساتيذنا بطلانها والأصح الصحة فيكون كوفاء الدين بغير الجنس كما لو كان له دنانير فوفاه بدارهم فأنه يكون كمعاملة ضمينة مطوية يعني أنه باعه الدراهم بالدنانير التي في ذمته، وكذا في المقام فأنه أستبدل الدينار أو الدينارين بعشرة دراهم وأحال عليها ورضي الثلاثة بذلك فما المانع من صحته؟ أما لو أحال عليه بمال آخر من دون نظر إلى المال الذي له بذمته فيكون كل من المحيل والمحال عليه مشغول الذمة لصاحبه فيتحاسبان فأما التهاتر أو يرد كل واحد منهما الزائد للآخر، ولو أحال عليه بمثل ما عليه جنساً وقدراً من دون نظر إلى ما في ذمته فالتهاتر قهراً.

الباب الأول

في بيان عقد الحوالة

ويقسم إلى فصلين:

الفصل الأول

في بيان ركن الحوالة

(مادة 680)

لو قال المحيل لدائنه: حولتك على فلان، وقبل الدائن تنعقد الحوالة.

المراد بهذا بيان أن الحوالة عقد يتركب من إيجاب المحيل بلفظ ــ حولتك ــ وقبول المحال وهو دائن المحيل ويكفي هذا في انعقاد الحوالة وكأنها تشير إلى عدم اعتبار رضا المحال عليه وهو أحد الأقوال في المسألة عندنا، ولكن المشهور عند فقهاء الأمامية اعتبار رضا الثلاثة بل قيل أنه يعتبر قبول المحال عليه مع قبول المحال فيتركب العقد من ايجاب وقبولين، والمتحصل من الأقوال هنا أربعة:

1- اعتبار رضا الثلاثة بالإيجاب من المحيل والقبول من المحال ورضا المحال عليه ولعله المشهور.

2- الإيجاب من المحيل والقبول من الآخرين.

3- أيجاب المحيل وقبول المحال وعدم اعتبار رضا الثالث ولا قبوله، وهو ظاهر هذه المادة.

4- كفاية إيجاب المحال له والمحال عليه وعدم التوقف على رضا المحيل أو قبوله كما هو صريح المادة اللاحقة.

هذا كله بناء على كون الحوالة عقداً بل من العقود اللازمة، والظاهر اتفاق جميع المذاهب على ذلك، ولكن خالف فيه سيدنا الأستاذ (P) في عروته وجعلها هي والضمان والوكالة والجعالة ايقاعات لا عقوداً فقال في (كتاب الحوالة) ما نصه:

ولكن الذي يقوى عندي أنها من الإيقاع غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه، وهذا لا يصيره عقداً وذلك لأنها نوع من وفاء الدين وإن كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة المحال عليه فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء وهو لا يكون عقداً وإن احتاج إلى الرضا من الآخر كما في الوفاء بغير الجنس فأنه يعتبر فيه رضاء الدائن ومع ذلك هو ايقاع، ومن ذلك يظهر أن الضمان أيضاً من الايقاع فأنه نوع من الوفاء وعلى هذا فلا يعتبر فيهما شيء مما يعتبر في العقود اللازمة ويتحققان بالكتابة ونحوها، بل يمكن دعوى أن الوكالة أيضاً كذلك كما أن الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيهما الرضا من الطرف الآخر إلاَّ ترى أنه لا فرق بين أن يقول: أنت مأذون في بيع داري أو قال: أنت وكيل، مع أن الأول من الايقاع قطعاً، انتهى.

وفي هذا الكلام مواقع للنظر بارزة، ومخالفات لقواعد جاهزة، وبيان ذلك يستدعي تمهيد مقدمة وهي أن الضابطة التي يمتاز بها العقود عن الايقاعات وهي: أن كل معاملة أو عمل ذي أثر شرعي أن توقف ترتب أثره عليه على طرفين فهو عقد وإن كفى طرف واحد فهو ايقاع فالبيع والإجارة ونحوهما عقود لأن أثرها وهو ملكية الثمن للبائع والمبيع للمشتري لا يتحقق إلاَّ بطرفين وهما المشتري والبائع.

أما العتق والطلاق فلمّا كان ترتب الأثر من كل منهما لا يتوقف على طرفين بل يكفي في حصوله طرف واحد فيترتب الأثر قهراً رضي الآخر أم لا، جعلنا كل واحد منهما ايقاعاً.

وعلى هذه الضابطة فالضمان والحوالة والوكالة لمّا كان بالضرورة والإجماع لا يكفي في حصول آثارها ــ وهو انتقال المال من ذمة إلى ذمة بعمل واحد بل لابد من رضا الأثنين أو الثلاثة فهي عقد لا محالة، وليت السيد (S) جائنا بضابطة غير هذه حتى نجعلها معياراً للفرق والتمييز ونحكم بموجبها على تلك المعاملات ــ هي عقود أم أيقاعات؟.

إذا أتضح هذا نقول:

أولاً: إن جعل الحوالة نوعاً من وفاء الدين ممنوع صغرى وكبرى ضرورة أن حقيقة الحوالة انتقال الحق من ذمة إلى أخرى كما عرفت، وحقيقة وفاء الدين استيفاء الحق لا نقله ووفاء الدين معاملة بين الدائن والمدين والحوالة بينهما وبين أجنبي ثالث بينهما، ثم لو سلّم أنها من وفاء الدين فقد ينفرد بعض الأنواع عن بعض بحكم أو أحكام وكون بعض الوفاء إيقاعاً لا يستلزم أن يكون كل وفاء كذلك ألاَّ ترى أنه لو باع المديون لدائنه طعاماً مثلاً أو غيره بالدين الذي عليه ودفعه له كان وفاءً لدينه ولكنه بنحو البيع والعقد لا بنحو الإيقاع.

ثانياً: إن جعل الوفاء من الإيقاع أيضاً مما لا محصل له فأنه على التحقيق لا عقد ولا ايقاع بل هو عمل واجب وحق لازم الأداء.

نعم، أصل القرض عقد ولكن الوفاء من توابعه وآثاره كوجوب دفع العين المبيعة بعد البيع الذي هو من آثار العقد وليس هو عقد ولا ايقاع.

ثالثاً: أن جعل النقل والانتقال من الوفاء واضح الضعف فأن الوفاء عمل المكلف والنقل والانتقال أثر توليدي للعقد يترتب عليه قهراً.

رابعاً: إن الوفاء بغير الجنس ــ عند تدقيق النظر فيه ــ ليس إلاَّ معاملة ضمنية، وعقد مطوي، وإلاَّ فكيف يعقل أن يكون الطعام مثلاً وفاء للدراهم أو بالعكس مع أن الوفاء يلزم أن يكون بالمثل فلابد أن يكون هناك مبادلة بين المالين برضا صاحبي الحقين؟.

خامساً: لو سلمنا أن هذه المعاملات إيقاعات فإن الإيقاع أيضاً له صيغة خاصة لا يترتب الأثر المطلوب إلاَّ بها كالطلاق والعتق وغيرهما، والظاهر اتفاق الأصحاب على أن الإيقاع كالعقد لا يتحقق بالكتابة ولا الإشارة إلاَّ من الأخرس الذي لا يستطيع الكلام.

وبالجملة فجعل الضمان والحوالة من الايقاع وهم، ودعوى تحققهما بالكتابة وهم في وهم.

سادساً: أن دعوى عدم الفرق بين ما لو قال: أنت مأذون ببيع داري أو قال: أنت وكيل في بيعها مع أن الأول من الإيقاع قطعاً ــ غريبة جداً أما:

أولاً: فإن الأذن ببيع الدار أو غيرها ليس عقداً ولا ايقاعاً بل هو رخصة واباحة بخلاف الوكالة فإنها عقد يتوقف على طرفين والفرق بينهما جلي إلاَّ ترى أنه لو اذن له والمأذون رد ولم يقبل ثم باع كان البيع صحيحاً أما لو وكله ورد ثم باع كان بيعه باطلاً فستخ الأول سنخ الحكم وسنخ الثاني سنخ الحق وما أبعد البون بينهما.

وثانياً: لو سلم التساوي بينهما وعدم الفرق، ولكن تساويهما في جهة لا يوجب تساويهما في جميع الجهات ألاَّ ترى إن هبة الدين والإبراء سواء وإن كان الأول عقداً اتفاقاً من القائلين بصحته، والثاني ايقاعاً بلا ريب، فتدبر هذه النتف فإنها من الطرف وبالله التوفيق.

(مادة 681)

يصح عقد الحوالة بين المحال له والمحال عليه وحدهما، مثلاً لو قال أحد لآخر: خذ مالي على فلان من الدين وقدره كذا قرشاً حوالة عليك، فقال له الآخر: قبلت، أو قال له: أقبل الدين الذي لك بذمة فلان وقدره كذا قرشاً حوالة علي، فقبل تصح الحوالة حتى أنه لو ندم المحال عليه بعد ذلك لا تفيد ندامته.

يعني يكون المحال هو المحيل كما في المثال الأول أو المحال عليه كما في المثال الثاني فيتقوم العقد من اثنين فقط، وهذا كلام غير موضح ولا منقح فإن المحال عليه في المثالين إن كان عنده مال للغائب المديون فلا يصح أن يدفع حقه لدائنه إلاَّ برضاه وبعبارة أجلى لا تبرأ ذمة المحال عليه من حق غريمه إلاَّ برضاه وتحويله ولا أثر لتحويل دائنه بغير علمه ورضاه كما هو واضح وإن لم يكن عنده مال له بل كان بقبوله متبرعاً فهو وإن صحَّ بدون علم الغائب ورضاه ولكنه خارج عن باب الحوالة ويدخل في باب الضمان سواء جعلناه ضمَّ ذمة إلى ذمة أو نقل حق من ذمة إلى أخرى، وحينئذٍ فالمثالان أما حوالة باطلة أو ضمان صحيح، وقد اعتبرت:

(مادة 682)

علم المحال عليه ورضاه حيث تقول: الحوالة التي أجريت بين المحيل والمحال له وحدهما إذا أخبر بها المحال عليه فقبلها صحّت وتمت، مثلاً لو أحال دائنه على آخر وهو في ديار أخرى فبعد أعلام المحال عليه أن قبلها تتم الحوالة واعتبرت:


 

 (مادة 683)

علم المحال ورضاه إذ تقول الحوالة التي أجريت بين المحيل والمحال عليه تنعقد موقوفة على قبول المحال له، مثلاً لو قال أحد لآخر: خذْ عليك حوالة ديني الذي بذمتي لفلان وقبل المحال عليه ذلك تنعقد الحوالة موقوفة فإذا قبلها المحال له تنعقد.

الفصل الثاني

في بيان شرط الحوالة

عرفت أن الحوالة كالضمان تقوم على خمسة أركان: المحيل، والمحال، والمحال عليه، والحق المحال، والصيغة أي الإيجاب والقبول، وأشارت (المجلة) إليهما في أول الفصل المتقدم ولا يلزم أن يكون الإيجاب من مادة الحوالة ومشتقاتها بل يكفي كل ما دلَّ عليها دلالة صريحة مثل: خذ حقك علي من فلان، أو جعلت دينك علي على فلان وما أشبه ذلك، ويكفي في القبول كلما دلَّ على الرضا مثل قبلت ورضيت ونحوهما، ثم تعرضت لشرائط المحيل والمحال بـ:

(مادة 684)

يشترط في انعقاد الحوالة كون المحيل والمحال له عاقلين، واشتراط العقل في الثلاثة مما لا ريب فيه عند الجميع، وكذلك اشتراط البلوغ في الثلاثة أيضاً عند الإمامية.

أما المجلة فقد جعلته شرطاً في المحال عليه فقط واكتفت بالتمييز فيما عداه وأنه يصح حوالة الصبي المميز وتحويله، ولكن لا ينفذ شيء منهما إلاَّ بأذن وليه، أما التحويل عليه فلا يصح والمستفاد من مجموع (مادتي 684 و685) عدم الصحة مطلقاً يعني حتى مع اذن الولي وهو تحكم واضح، أما الملائة فليست شرطاً عندنا في صحة الحوالة.

نعم، لو أحاله على معسر فقبل وهو غير عالم بأعساره عند القبول كان له الخيار بعد العلم بين فسخ الحوالة أو أمضائها.

(مادة 686)

لا يشترط أن يكون المحا عليه مديوناً للمحيل فتصح حوالته وإن لم يكن للمحيل دين على المحال عليه.

يريد بهذا صحة الحوالة على البريء وقد عرفت أن المشهور عند أصحابنا اعتبار كونه مشغول الذمة فرقاً بينها وبين الضمان ووافقهم على ذلك عموم الشافعية وإلاَّ كانت من أداء الدين تبرعاً، وقد سبق تحقيق القول في هذا الموضوع فراجع.

(مادة 687)

كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به

لعلهم يريدون بهذه القاعدة إن ما لا يصح ضمانه وكفالته كالديون الغير الثابتة فعلاً مثل ما لو قال له: استقرض وعلي ضمان قرضك أو ما تحقق سببه كنفقة الزوجة وأمثال ذلك أو الديون التي لا تلزم شرعاً كثمن الخمر والخنزير في الذمة فإن جميع هذه الأموال لا يصح ضمانها فلا تصح حوالتها.

أما طرد هذه المادة وهي:

(مادة 688)

كل دين تصح به الكفالة تصح حوالته أيضاً فلا يخرج منها إلاَّ الدين المجهول مقداره أو صاحبه فإنه يجوز ضمانه، ولكن لا يجوز حوالته فإن الدين في الحوالة يلزم أن يكون ثابتاً قاراً معلوم الجنس والمقدار والصاحب كما صرحت به في قولها: لكن يلزم أن يكون المحال به معلوماً فلا تصح حوالة الدين المجهول مثلاً لو قال: قبلت دينك الذي يثبت على فلان لا تصح الحوالة.

(مادة 689)

كما تصح حوالة الديون المترتبة في الذمة أصالة كذلك تصح حوالة الديون التي تترتب في الذمة من جهتي الكفالة والحوالة.

يعني كما تصح الديون المرتبة في ذمتك أصالة من غير جهة الحوالة فتحيل بكل دين منها على شخص كذلك يصح أن تحول ما لزم ذمتك ذمته بالحوالة أو بالضمان والكفالة فإذا أحال عليك دائنك تحيل محاله على مديونك وهو يحيله على مديونه وهكذا فيترامى الضمان والحوالة ويتسلسل فيعود أو يدور.


 

الباب الثاني

في بيان أحكام الحوالة

(مادة 690)

حكم الحوالة هو كون المحيل وكفيله من الكفالة إن كان له كفيل بريئين من الدين والكفالة ويثبت للمحال له حق مطالبة ذلك الدين من المحال عليه وإذا أحال المرتهن أحداً على الراهن فلا يبقى له حق حبس الرهن ولا صلاحية توقيفه.

كل ذلك لأن الحوالة نقل الحق من ذمة إلى أخرى ومعنى انتقاله من ذمة المحيل برائتها فهو أداء أو كالأداء وإذا أبرء برء كفيله أيضاً وأنفك الرهن الذي كان على الحق فلا حق للراهن في حبسه وتشتغل ذمة المحال عليه بالحق للمحال ويكون كدين جديد عليه.

(مادة 691)

لو أحال المحيل حوالة مطلقة فإن لم يكن له عند المحال عليه طلب يرجع المحال عليه على المحيل بعد الأداء وإن كان له طلب يقاضيه به.

مقتضى قولهم بعد الأداء أنه ليس له حق المطالبة والرجوع قبل الأداء، ولكن مقتضى ما عرفت من أنه كدين جديد وإن المحال عليه صار مديوناً للمحال ودائناً للمحيل إن له حق المطالبة إن كان الأجل حالاً ولو قبل الأداء للمحال إذ لا علاقة لأحد الدينين بالآخر بعد القبول فمقتضى القواعد صحة الرجوع لأنه أصبح مشغول الذمة له.

نعم، ثبت خلاف هذا في الضمان على خلاف القاعدة وأنه لا حق للضامن في الرجوع إلاَّ بعد الأداء، كما أنه لا حق له إلاَّ بالرجوع بمقدار ما دفع لا بمقدار الدين، أما هنا فيرجع بما أشتغلت به الذمة سواء دفع ذلك المبلغ أم دفع الأقل على مقتضى القاعدة من أنه أشتغال جديد لا علاقة له بسابقه بعد تحققه، هذا إذا كان المحال عليه بريئاً، أما لو كان مشغول الذمة للمحيل فإن أحال بمثل دينه سقط بالتهاتر قهراً وإلاَّ فيتحاسبان ويأخذ كل واحد منهما حقه من الآخر.

(مادة 692)

ينقطع حق مطالبة المحيل المحال به في الحوالة المقيدة وليس للمحال عليه بعده أن يعطي المحال به للمحيل وإن أعطاه يضمن وبعد الضمان يرجع على المحيل ولو توفي المحيل قبل الأداء وكانت ديونه أزيد من تركته فليس لسائر الغرماء حق في المحال به.

أشتملت هذه المادة على ثلاثة أمور:

الأول: إن الحوالة على مشغول الذمة ــ وهي الحوالة المقيدة عندهم ــ  توجب براءة ذمة المحيل من دين المحال ولا حق له بمطالبة حقه من المحيل حيث أنه قد انتقل إلى ذمة المحال عليه.

الثاني: أنه يترتب على ذلك عدم جواز أعطاء المحال عليه الحق للمحيل لأنه صار للمحال فلو أعطاه له ضمن للمحال ودفع الحق له ثم أسترجعه من المحيل طبعاً.

الثالث: مما يترتب على ما تقدم من الانتقال أنه لو مات المحيل قبل أداء المحال عليه للمحال وكانت ديونه أكثر من تركته فليس للديان أن يتدخلوا في ذلك الحق المحال وأن يجعلوه من جملة تركته كي يضرب المحال معهم بالنسبة كسائر الغرماء لأن الفرض أنه قد انتقل إلى المحال وملكه على المحال عليه قبل موته ولا يتوقف ذلك على الأداء وعدمه والجميع واضح.

(مادة 693)

لا تبطل الحوالة المقيدة بأن يؤدي مما في ذمة المشتري للبائع من ثمن المبيع إذا هلك المبيع قبل التسليم وسقط الثمن أورد بخيار الشرط أو خيار الرؤية أو خيار العيب أو أقيل البيع ويرجع المحال عليه بعد الأداء على المحيل يعني يأخذ ما أداه للمحال له من المحيل، أما لو تبين براءة المحال عليه من ذلك الدين بأن أستحق وأخذ المبيع فتبطل الحوالة.

تضمنت هذه المادة أيضاً أمرين مهمين:

أحدهما: إن البائع إذا أحال دائنه على المشتري بالثمن ثم حصل ما يوجب فسخ البيع بأقالة أو خيار أو تلف المبيع قبل القبض فإن الحوالة تبقي بحالها ولا تنفسخ بل غايته إن البائع يغرم للمشتري مثل الثمن إن كان مثلياً وقيمته إن كان قيمياً كما في سائر موارد التصرف في أحد العوضين الذي يتعقبه فسخ بأحد الأسباب.

ثانيهما: أنه لو ظهر بعد الحوالة بطلان البيع فأن الحوالة أيضاً تكون باطلة لأنه إنما أحال بالثمن على المشتري والفرض أنه قد انكشف أن ذمته غير مشغولة بالثمن لبطلان البيع.

وتحرير هذا أنه أما أن يحول البائع أجنبياً على المشتري بالثمن أو يحول المشتري البائع به على أجنبي:

أما الأول: فلا أشكال في أن الحوالة يظهر بطلانها بعد ظهور بطلان البيع فإن كان الأجنبي لم يقبض فلا شيء وإن كان قبض استرده المشتري منه ورجع المحال على البائع بحقه إن كان له عليه حق، ودعوى الصحة بناء على صحة الحوالة على البريء مدفوعة بأنه لم يحول عليه بل أحال على المال الذي في ذمته وهو الثمن واحتمال كونه من قبيل الداعي واضح الفساد، فإنه في صميم العقد لا في القصد وحده فتدبره.

وأما الثاني: فلا ينبغي الإشكال أيضاً في أن الحوالة باطلة إنما الكلام في أن الأجنبي الذي دفع للبائع هل برئت ذمته من دين المشتري لأنه قد دفعه إلى البائع بأذنه بل يأمره فلا حق عليه، ولكن يرجع على البائع فيأخذ منه ما استلمه من الأجنبي بتحويله؟ أو أن ذمته بعد مشغولة للمشتري لأنه أحال عليه بأعتبار كونه مشغول الذمة للبائع وقد انكشف عدم اشتغال ذمته له فتبطل الحوالة لفقد شرطها وهو اشتغال ذمة المحيل للمحال، أي المشتري للبائع، وهذا هو الأقوى، وحينئذٍ فيرجع المشتري على الأجنبي بحقه ويرجع الأجنبي على البائع بما دفع له اشتباهاً وبغير حق.

(مادة 694)

تبطل الحوالة المقيدة بأن يؤدي من مال المحيل الذي هو في يد المحال عليه أمانة إذا ظهر مستحق وأخذ ذلك المال ويعود الدين على المحيل.

ليس هذا من الحوالة المصطلحة لأنها انتقال الأموال من الذمم إلى الذمم، أما التحويل على مال الوديعة ونحوها فحقيقته أنه توكيل على الدفع، ولكن الحكم على كل حال واحد، يعني أنه لو ظهر أن المال مستحق للغير وكان المحال قد دفع رجع صاحب المال عليه ويرجع هو على المحيل لأنه هو السبب لدفعه وهو ظاهر كظهور:

(مادة 695)

إذا كانت الحوالة مقيدة بأن يؤدي من مبلغ المحيل الذي هو في يد المحال عليه فهلك ذلك المال فإن لم يكن مضموناً بطلت الحوالة وعاد الدين على المحيل، وإن كان مضموناً لا تبطل الحوالة مثلاً لو أحال أحد دائنه على آخر على أن يؤدي من دراهمه التي هي عنده أمانة ثم تلفت الدراهم قبل الأداء بلا تعد تبطل الحوالة ويعود ين الدائن على المحيل، وأما لو كانت تلك الدراهم مغصوبة أو أمانة مضمونة بأتلافه فلا تبطل الحوالة.

ووجهه واضح فإن الحوالة تنقلب على عوض الأمانة التالفة المضمونة فيجب أن يؤدي منها، ولكن كل هذا ليس من الحوالة المصطلحة في شيء مثل:

(مادة 696)

لو أحال أحد دائنه على آخر بأن يبيع مالاً معيناً له ويؤدي الدين من ثمنه وقبل المحال عليه الحوالة بهذا الشرط تصح ويجبر المحال عليه على بيع ذلك المال وأداء دين المحيل من ثمنه.

فإنها أجنبية عن الحوالة الشرعية ولا يلزم المحال عليه العمل بها، وله أن يرفضها حتى بعد القبول بل هي وكالة على البيع، ووكالة على الدفع، والوكالة عقد جائز من الطرفين ــ كما سيأتي ــ ولكل منهما أن يحلها ويرفضها متى شاء، والحوالة الصحيحة هي التي تشتغل بها الذمم وينتقل المال بها من ذمة لذمة، وهذه هي اللازمة التي لا يمكن رفضها ولا تزول إلاَّ بأسباب خاصة كالبيع والإجارة وأمثالها فتدبره جيداً.

(مادة 697)

الحوالة المبهمة أي التي لم يبين فيها تعجيل المحال به وتأجيله إن كان الدين فيها معجلاً على المحيل كون حوالة معجلة على المحال عليه ويلزمه الأداء في الحال وإن كان الدين مؤجلاً تكون حوالة مؤجلة ويلزم الأداء بحلول الأجل.

يريدون بالحوالة المبهمة ــ المطلقة ــ أي التي لم يذكر فيها تعجيل ولا تأجيل فتكون معجلة إن كان الدين معجلاً، وإن كان مؤجلاً تكون الحوالة مؤجلة، فالإطلاق ينصرف إلى التعجيل أصالة إلاَّ أن يكون الدين من ذاته مؤجلاً، وحينئذٍ فإن قيدوها بالتعجيل تعجلت وإلاَّ فهي على طبق الدين حسب واقعه.

(مادة 698)

ليس للمحال عليه أن يرجع على المحيل قبل أداء الدين ولا يرجع إلاَّ بالمحال به يعني يرجع بجنس ما أحيل عليه من الدراهم وإلاَّ فليس له الرجوع بالمؤدي، مثلاً لو أحيل عليه بفضة وأعطى ذهباً يأخذ فضة وليس له أن يطالب بالذهب وكذلك لو أداها بأموال وأشياء أخر فليس له إلاَّ أخذ ما أحيل به عنه.

أوضحنا لك قريباً إن هذا الحكم مختص بالكفالة ــ أي الضمان ــ على خلاف القاعدة للخبر والإجماع، أما الحوالة فهي باقية على ما تقتضيه القواعد من أن له المطالبة سواء أدى أو لم يؤدي بعد أن اشتغلت ذمته للمحال واشتغلت ذمة المحيل للمحال عليه لو كان بريئاً فكل منهما له أن يطالب الآخر بحقه عند حلول الأجل ولا يناط أحد الدينين بالآخر ولا علاقة بينهما فراجع وتدبر.

ومنه تعرف ما اشتملت عليه هذه المادة من الأمر الثاني وهو قولهم: ولا يرجع إلاَّ بالمحال به بعني يرجع بجنس ما أحيل عليه إلى آخره، يعني لو أحاله بدراهم فتراضى المحال والمحال عليه أن يدفع عوضها دنانير أو ثوباً أو غير ذلك فلا يرجع المحال عليه على المحيل إلاَّ بالدراهم لا بما تراضيا عليه.

(مادة 699)

كما يكون المحال عليه بريئاً من الدين بأداء المحال به أو بحوالته أياها على الآخر أو بأبراء المحال له أياه كذلك يبرء من الدين لو وهبه المحال أو تصدق به عليه وقبل ذلك.

حاصل هذه المادة إن براءة ذمة المحال عليه كما تكون بأداءه المبلغ المحال أو تحويله على آخر كذلك تحصل بأبراء المحال له أو هبته له أو التصدق به عليه، والفرق بينهما قصد القربة، أو يحتسبه عليه من الحقوق الشرعية من خمس أو زكاة أو غيرهما.

ومثل هذه الوجوه تحصل ما لو مات المحال فورثه المحال عليه فإن المال ينتقل إليه وتبرء ذمته لأن الإنسان لا يملك على نفسه شيئاً كما في:

(مادة 700)

لو توفي المحال له وكان وارثه المحال عليه لا يبقى حكم الحوالة.


 

 

الكتاب الخامس

في الرهن

(ويشتمل على مقدمة وثلاثة أبواب)

المقدمة

في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالرهن

(مادة 701)

الرهن حبس مال وتوقيفه في مقابلة حق يمكن استيفاؤه منه ويسمى ذلك المال مرهوناً أو رهناً.

عرف الرهن فقهاؤنا بما هو أخصر من هذا وألصق بحقيقته فقالوا: هو وثيقة على الدين، أو وثيقة على دين المرتهن، والأقرب إلى حقيقته أنه سلطنة على العين من المال لدائنه في استيفاء دينه منها عند عدم الدفع في الأجل فهو حق مالي يتعلق بالعين للمرتهن يوجب حبسها على الراهن إلى أن يصله حقه أو يستوفيه منها.

وبعبارة أجلى، إن الحق كما يكون في ذمة الإنسان وفي عهدته كذلك قد يكون في عهدة المال وذمته، يعني في ذمة العين المالية، فالرهن في الحقيقة ضم ذمة الأعيان إلى ذمة الإنسان فالمال الذي أقرضته لزيد تارة تتعهد لك ذمته به فقط وهو الدين المطلق وتارة ذمته وذمة العين المرهونة وهو الدين الموثوق فلك في العين حق استيفاء المال منها لا أن لكَ مثل المال فيها كما ينسب إلى الحنفية، وفرعوا على ذلك أنها لو تلفت في يد المرتهن بغير تفريط كان التلف عليهما لو زادت على الدين أو نقصت، وعلى المرتهن لو ساوته، مثلاً لو كانت قيمتها مأتين وكان الدين مائة سقط دينه ولم يغرم للراهن شيئاً فيكون تلفها عليهما، ولو كانت قيمتها مائة فتلفها على المرتهن فقط، ولو كانت ثمانين دفع له الراهن عشرين لأن التلف ــ كما عرفت ــ عندهم استيفاء، أما عند الإمامية وباقي المذاهب فالتلف بلا تفريط على الراهن فقط مطلقاً ودين المرتهن بحاله لا يذهب منه شيء كما لو كفل المال كفيلين ومات أحدهما فتدبره.

أما (مادة 702) إلى (مادة 705) فكلها واضحة ولا حاجة إلى ذكرها.


 

الباب الأول

في بيان المسائل المتعلقة بعقد الرهن

وينقسم إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول

في بيان المسائل المتعلقة بركن الرهن

(مادة 706)

ينعقد الرهن بإيجاب الراهن والمرتهن وقبولهما، ولكن لا يتم الرهن ولا يلزم ما لم يكن تمَّ قبض الرهن، بناء عليه للراهن أن يرجع عن الرهن قبل التسليم.

أشتملت هذه المادة على أمرين مهمين من مباحث الرهن:

الأول: إن الرهن من العقود فيحتاج تحققه إلى أيجاب وقبول ولكن إيجاب الراهن وقبول المرتهن لا كما في (المجلة) ايجابهما وقبولهما وكونه من العقود مما لا ينبغي الريب فيه بل لعله مما اتفق عليه فقهاء المذاهب أجمع، ولكن يكفي فيهما كل ما دلَّ على انشاء معناهما كما نصَّ عليه في المادة التالية:

(مادة 707)

أيجاب الرهن وقبوله هو قول الراهن: رهنتك هذا الشيء في مقابلة ديني أو لفظ آخر في هذا المآل وقول المرتهن قبلت أو رضيت أو لفظ آخر يدل على الرضا ولا يشترط ايراد لفظ الرهن مثلاً لو أشترى أحد شيئاً وأعطى للبائع مالاً وقال له أبقِ هذا المال عندك إلى أن أعطيك ثمن المبيع يكون قد رهن ذلك المال.

الثاني: مما أشتملت عليه المادة السابقة أشتراط قبض العين المرهونة في الرهن، وهذه المسألة من مسائل الخلاف عندنا، والمعروف فيها ثلاثة أقوال:

الأول: أنه شرط في صحة الرهن فيكون نحو اشتراطه فيه نحو أشتراطه في الهبة فلا يكون للعقد أي أثر بدونه.

الثاني: أنه شرط في لزومه فيكون العقد قبل القبض مؤثراً لتعلق حق بالعين، ولكن على نحو الجواز لا اللزوم فله أن يرجع قبل القبض فيبطل العقد بخلافه بعد القبض. وهذا هو الظاهر من عبارة (المجلة) في هذه المادة.

الثالث: أنه غير شرط لا في لزومه ولا صحته وحال القبض فيه حاله في سائر عقود المعاوضات مثل البيع والإجارة حيث يجب على كل من المتعاقدين تسليم ما وقع عليه العقد إلى الآخر بمقتضى حكم المعاوضة، ولعل هذا هو الأوفق بالقواعد، والأقرب إلى مفاد الأدلة وهي عمومات الرهن وعدم المخصص لها سوى ما يتوهم من قوله تعالى [فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ]، وفي الحديث: (لا رهن إلاَّ مقبوضاً) ودعوى الإجماع الذي لم نتحققه، أما الآية فمن تدبر ما قبلها وما بعد لا يجدها في مقام التعرض لشرائط الرهن ومقوماته ولا في مقام الوجوب والإلزام وإنما هي في مقام الإرشاد إلى التوثق في الدين وأخذ الحائطة بالكتابة والإشهاد وما إلى ذلك.

ولا يبعد أن المراد في الآية والحديث بيان أن الرهن يلزم أن يكون عيناً يمكن قبضها حين العقد لا ديناً في الذمة، ولعل إليه الإشارة بتأنيثه في الآية أي عيناً مقبوضة.

وبالجملة، فليس من دليل صريح في توقف عقد الرهن على القبض لا لزوماً ولا صحة، وليس حاله بالنسبة إلى القبض إلاَّ حال سائر العقود فإذا جرى عقد الرهن إيجاباً وقبولاً وجب على الراهن أن يقبض المرتهن العين المرهونة، ثم أما أن ينفقا على بقائها عنده إلى الأجل أو عند الراهن أو عند أمين ثالث بينهما، ولكن ليس للراهن بعد العقد الرجوع عن الرهن خلافاً لما في (المجلة) الموافق للمشهور عند فقهائنا، وعقد الرهن كسائر العقود يكفي فيه كل ما يدل عليه ولكن بصراحة ولو بمعونة القرينة ولا ينعقد بالمجازات البعيدة، والكنايات الغامضة، كما في (مادة 707).

الفصل الثاني

في بيان شروط انعقاد الرهن

(مادة 708)

يشترط أن يكون الراهن والمرتهن عاقلين ولا يشترط أن يكونا بالغين حتى جاز رهن الصبي المميز وارتهانه.

أما عند الأمامية فيشترطون البلوغ أيضاً قولاً واحداً، وأن يكون مختاراً قاصداً، ولا مكرهاً ولا هازلاً.

(مادة 709)

يشترط أن يكون المرهون صالحاً للبيع بناء عليه يلزم أن يكون موجوداً، ومالاً متقوماً، ومقدور التسليم في وقت الرهن.

لما كان الرهن بحسب حقيقته وثيقة على الدين فلازم ذلك أن يكون مالاً ذا قيمة يمكن عادة حصول الوثوق والاطمئنان به في تأمين حق المرتهن الدائن، وحينئذٍ فلا يصح رهن ما لا مالية له كالهوام والحشرات، ولا رهن ما لا وجود له حال الرهن، فلا يصح رهن ما سيوجد كثمرة الشجرة وحمل الدابة ويلزم أن يكون ملكاً طلقاً، فلا يصح رهن الوقف ومال المفلس وتركة الميت التي تعلق بها حق الغرماء، بل لا يصح أيضاً رهن العين المرهونة عند مرتهن آخر إلاَّ برضا المرتهن الأول وهكذا، وأن يكون مقدور التسليم حين الرهن، فلا يصح رهن العبد الآبق والدابة الشاردة والمال الساقط في البحر وأمثال ذلك، وأن يكون عيناً فلا يصح رهن المنفعة، وقد جعلت (المجلة) ضابطة العين التي يصح رهنها هي العين التي يصح بيعها ولكنك عرفت في (الجزء الأول) ص72، التأمل في صحة هذه الضابطة، والمناقشة في الكلية القائلة: (إن كل ما يصح بيعه يصح رهنه) وأنها تنتقض بالدين الذي يصح بيعه أتفاقاً ولا يصح رهنه اتفاقاً والمشاع، فأنه يصح بيعه ولا يصح رهنه اتفاقاً والكلي فأنه يصح بيعه ولا يصح رهنه عند الأكثر إلاَّ بعد قسمته كي يمكن قبضه فعلاً، والمنافع لو قلنا بصحة بيعها ولكن لا يصح رهنها اتفاقاً وإن كان لا مانع منه عقلاً واعتباراً.

نعم، عكس القاعدة مسلم لا ريب فيه فإن كل ما لا يصح بيعه لا اشكال في أنه لا يصح رهنه وليس عندنا ــ ما يصح رهنه ولا يصح بيعه ــ هذا كله في شروط العين المرهونة.

وأما الحق الذي يصح الرهن عليه فقد أتفقوا على أن الحق الذي يصح الرهن عليه هو الكلي الذي استقر اشتغال الذمة به سواء كان قرضاً أو ثمن مبيع أو سلماً أو مهراً أو فدية خلع أو نفقة أو ارش جناية أو ارش معيب أو غير ذلك، هذا هو الأصل فيما يصح الرهن عليه، ثم توسعوا فجوزوه على العين كما أجازوه في الدين فقالوا: بصحة الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوب ودرك المبيع والمقبوض بالسوم وبالعقد الفاسد وهكذا سائر ما يتعلق به الضمان من الأعيان ولا يخرج إلاَّ الأمانات لأنها غير مضمونة كما نصت عليه:

(مادة 710)

يشترط أن يكون مقابل الرهن مالاً مضموناً بناء عليه يجوز أخذ الرهن لأجل مال مغصوب ولا يصح لأجل مال الأمانة.

وتخصيصه بخصوص الديون ــ كما لعله لأشهر ــ ليس له حجة ظاهرة كتخصيصه بالحق الثابت فعلاً أي حال الرهن فلا يجوز الرهن على ما سيفترضه أو ما سيغرمه أو ما سوف يجنيه أو ما أشبه ذلك وعدم صحة الرهن على مثل هذه الحقوق المفترضة التي لم تحصل هي ولا أسبابها مما لا ريب فيه، إنما الكلام فيما تحقق سببه ومقتضيه، كعقد الزواج الذي هو سبب لوجوب النفقة على الزوج والطلاق الذي هو مقتض لوجوب نفقة العدة وأمثال ذلك، والأصح صحة الرهن عليها وكفاية هذا المقدار من الاستعداد لتعلق الحق، وبهذا الملاك صحَّ الرهن على ضمان درك المبيع أو الثمن لو ظهر مستحقاً للغير.

الفصل الثالث

في زوائد الرهن المتصلة وفي تبديل الرهن وزيادته بعد عقد الرهن

(مادة 711)

كما أن المشتملات الداخلة في البيع بلا ذكر تدخل في الرهن أيضاً، كذلك لو رهنت عرصة تدخل في الرهن أشجارها وأثمارها وسائر مغروساتها ومزروعاتها وإن لم تذكر صراحة.

هذا مع الإطلاق أو العرف الخاص فواضح أما بدونهما فالمتبع التقييد.

 (مادة 712)

يجوز تبديل الرهن برهن آخر، مثلاً لو رهن أحد ساعة في مقابل كذا دراهم دينه ثم بعد ذلك لو أتى بسيف وقال: خذ هذا بدل الساعة، ورد المرتهن الساعة وأخذ السيف يكون السيف مرهوناً مقابل ذلك المبلغ.

مدرك هذه المادة واللتين بعدها:

(مادة 713 و714)

زيادة الرهن على الدين الواحد كزيادة الدين على الرهن الواحد يعني لو ان الرهن على مائة ثم أخذ من المرتهن مائة أخرى على أن يكون الرهن على المائتين أو ضمَّ الساعة إلى السيف على المائة الواحدة أن الحق بينهما فإذا تراضيا وأوقعا العقد ثانياً على الزائد أو الناقص صحَّ ذلك لوجود المقتضى وعدم المانع.

(مادة 715)

الزائد الذي يتولد من المرهون يكون مرهوناً مع الأصل

هذا مع الأطلاق مما لا إشكال فيه فإن فوائد العين المرهونة تتبع الأصل إنما الكلام أنه هل يصح اشتراط اطلاقها على أن يتصرف بها الراهن كيف شاء أم لا يصح ذلك؟ وجهان من عموم أدلة الشروط ومن أنه منافٍ لمقتضى عقد الرهن فإن مقتضى طبيعة عقد الرهن منع الراهن والمرتهن من التصرف واستيفاء المنافع من العين المرهونة تصرف فيها وهذا هو الأقوى.

الباب الثاني

في بيان مسائل تتعلق بالراهن والمرتهن

من خواص عقد الرهن الذي يعز النظير له فيها أنه لازم من أحد الطرفين جائز من الطرف الآخر، فمن جهة الراهن لازم، ومن جهة المرتهن جائز، وسره واضح لا يحتاج إلى بيان، كما نصّت عليه:

(مادة 716)

المرتهن له أن يفسخ الرهن وحده، أي وإن لم يرضَ الراهن.

(مادة 717)

ليس للراهن فسخ عقد الرهن بدون رضا المرتهن، فإذا رضي أنفسخ لأن الحق له وقد أسقطه فيسقط قهراً حتى مع عدم رضا الراهن، أما لو اتفقا معاً على الفسخ فبالطريق الأولى ينفسخ كما في:

(مادة 718)

إذا أتفق الراهن والمرتهن لهما فسخ الرهن، ولكن من الغريب قول (المجلة) هنا: وللمرتهن حبس الرهن وأمساكه إلى أن يستوفي طلبه من الراهن بعد الفسخ فإنهما إذا اتفقا على الفسخ وفسخ المرتهن الذي هو صاحب الحق فأي حق له في حبس الرهن بعد الفسخ؟ وهل هذا إلاَّ التناقض بعينه والتهافت بنفسه؟ فتدبرها جيداً فإنها نكراء.

ولازم صحة الفسخ أن يرد المرتهن العين المرهونة ــ لو كانت عنده ــ إلى الراهن، ويحرم عليه أمساكهما بعد الطلب ويكون ضامناً لو تلفت مطلقاً، ولا يعقل أن يتوقف الفسخ على التسليم وهو من آثاره فتدبر.

(مادة 719)

يجوز أن يعطي المكفول عنه رهناً لكفيله.

هذا في كفالة المال ــ أي الضمان ــ واضح لأن المكفول عنه مديون للكفيل بما كفل إذا كان بطلبه وأذنه، أما في كفالة النفس فمشكل حتى لو قلنا بصحة ضمان العين فتأمل.

(مادة 730)

يجوز أن يأخذ الدائنان من المديون رهناً إن كانا مشتركين في الدين أو لا..إلى آخره.

هذه المادة وما بعدها التي هي عكسها مدركهما واحد وهو حصول التوثق في كلا الصورتين وكان ينبغي جمعهما بمادة واحدة في عبارة موجزة فيقال: يصح رهن العين الواحدة على ديون متعددة لواحد أو متعدد كما يصح رهن الأشياء المتعددة على دين واحد أو متعدد لواحد أو متعدد، فتفيد معاني كثيرة في عبارة يسيرة فتدبر.

الباب الثالث

في بيان المسائل التي تتعلق بالمرهون الرهن

وينقسم إلى فصلين:

الفصل الأول

في بيان مؤنة المرهون

(مادة 722)

على المرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه أو بمن هو أمينه كعياله وشريكه وخادمه

كان اللازم أولاً بيان أن عقد الرهن ما الذي يقتضيه حسب طباعه وأطلاقه هل هو بقاء العين المرهونة عند الراهن أو المرتهن؟ أو عند ثالث أو لا اقتضاء له في شيء من هذه الناحية؟ بل يتبع ما يتفقان عليه، وهذا هو الأصح ولا ينافيه اعتبار القبض عند الأكثر إذ لا ملازمة بين قبض المرتهن وبقاءه عنده فإن اتفقا بعد قبضه وانعقاده على وجه فهو، وإن تشاحا رجعت القضية إلى حاكم الشرع فيضعه عند عدل مؤتمن وإن أتفقا على وضعه عند المرتهن وجب عليه حفظه كما في المتن في هذه المادة و:

(مادة 723)

المصارف التي تلزم لمحافظة الرهن كأجرة المحل والناظر على المرتهن، ولكن إنما تلزم على المرتهن بالشرط وإلاَّ فأطلاق العقد لا يقتضي ذلك بل الواجب عليهما أن يعينا ذلك وكون القبض لمصلحة لا يقتضي تعيين ذلك عليه ضرورة إن المصلحة مشتركة بينهما.

نعم، الأطلاق يقتضي كون العلف وأجرة الرعي والراعي إن كان حيواناً كما في:

(مادة 724)

على الراهن، وإن كان عقاراً فتعميره وسقيه وتلقيحه وتطهير خرقه وسائر مصارفه التي هي لأصلاح منافعه وبقاءه عائدة إلى الراهن أيضاً فإن بذلها أو أذن المرتهن أن ينفقها أسحق المرتهن الرجوع بها عليه وإن لم يأذن ولم يدفع أستأذن المرتهن الحاكم وكان له حق الرجوع وإن أنفق بدون أذن الراهن ولا الحاكم كان متبرعاً لا يستحق الرجوع على الراهن بشيء كما أن الراهن لو أنفق ما يجب على المرتهن انفاقه بدون أذنه لا يستحق الرجوع به أيضاً لأن بحكم المتبرع كما في:

(مادة 725)

كل من الراهن والمرتهن إذا صرف على الرهن ما ليس عليه بدون أذن الآخر يكون متبرعاً وليس له أن يطالب الآخر بما صرفه.

الفصل الثاني

في الرهن المستعار

(مادة 726)

يجوز أن يستعير أحد مال آخر ويرهنه بأذنه ويقال لهذا الرهن المستعار

تقدم في (الجزء الأول) التعرض لهذه القضية وإنها من معضلات فن الفقه إذ كيف يرهن انسان على دينه مال غيره مع أنه (لا رهن إلاَّ في ملك)؟ ثم كيف بعد ذلك يباع مال انسان قهراً عليه ويوفى به دين غيره؟ وكيف يدخل العوض في ملك غير من خرج منه المعوض؟ ثم أن العارية بطبيعتها عقد جائز للمعير أن يرجع بها متى شاء فكيف صارت هنا لازمة لا يقتدر المالك على الرجوع بها إلاَّ بأداء الدين وهو غير مستدين، فالحكم بصحة الرهن هنا تحتاج إلى علاج كل هذه المخالفات المنافية للقواعد الأساسية ومحكمات الفقه، وقد سبق البحث في بعض هذه الجهات وسيأتي كثير من أحكام الرهن المستعار في الفصل الثاني وكان اللازم ذكرها أجمع في هذا الفصل.

وكيف كان فلا ريب إن الرهن المستعار تابع سعة وضيقاً لإجازة المالك ومقدار رخصته في الأطلاق والتقييد فلو قيد أن يرهنه في زمن معين أو على مقدار معين أو شخص معين يلزم الراهن الأقتصار على محل الرخصة فلو تجاوز بطل الرهن وأن أطلق المال كان لراهن أن يرهنه كيف شاء كما نصت على ذلك (مادة 727 و728) وكان ينبغي لـ(لمجلة) التنبيه على أن المستعير لو تجاوز موضع الأذن وتلف المال عنده أو عند المرتهن ضمنه للمعير مطلقاً وإلاَّ فلا ضمان إلاَّ مع التعدي.

الباب الرابع

في بيان أحكام الرهن

وينقسم إلى أربعة فصول:

الفصل الأول

(مادة 729)

حكم الرهن هوان يكون للمرتهن حق حبسه إلى حين فكه، وأن يكون أحق من سائر الغرماء بأستيفاء الدين من الرهن إذا توفى الراهن.

إذا تمَّ عقد الرهن يترتب عليه عدة أحكام: تكليفية ووضعية.

أما التكليفية فمثل حرمة تصرف كل من الراهن والمرتهن بالعين المرهونة مطلقاً إلاَّ ما يعود إلى حفظ العين كسقي الدابة وعلفها ونقل المتاع من محل إلى آخر أحفظ وأمثال ذلك.

أما الوضعية فهي كثيرة:

منها حق حبس العين على الراهن ومنعه من التصرف في ملكه إلاَّ برضا المرتهن، وليس معنى الحبس أن يحبسها المرتهن عنده فإن ذلك ليس من مقتضيات الرهن بل المراد حبس المال عن التصرف فلا يصح بيعه ولا إيجاره ولا رهنه ثانياً ولا هبته إلاَّ برضا المرتهن.

ومنها أن الراهن لو فلسه الحاكم فالمرتهن لا يضرب مع الغرماء كاملاً فإن زاد منه شيء رده إلى بقية الغرماء وإن نقص ضرب معهم في بقية الأموال.

ومنها أنه لو مات الراهن فإن فكَّ الورثة الرهن وإلاَّ كان المرتهن أحق به من سائر الغرماء سواء قصرت التركة عن الديون أم لا.

ومنها أنه لو أمتنع الراهن عن وفاء الدين كان للمرتهن أن يرفع أمره إلى الحاكم فيبلغ المرهون ويدفع له دينه ويدفع الباقي للراهن أن بقي شيء سواء كان الامتناع عن عجز أو ممطالة.

ومن هذا البيان تعرف خلل عبارة (المجلة) وقصورها عن الوفاء بما يجب في هذا البحث.

(مادة 730)

لا يكون الرهن مانعاً عن مطالبة الدين وللمرتهن صلاحية مطالبته بعد قبض الرهن أيضاً.

الرهن لا يغير الدين ولا يبدله، ولا يقدمه ولا يؤخره، فهو على حاله أن كان مؤجلاً فمؤجل وإن كان معجلاً فمعجل وله المطالبة بدينه عند حلول أجله ولا يمنعه وجود الرهن من ذلك.

(مادة 731)

إذا أوفى مقداراً من الدين لا يلزم رد مقدار من الرهن الذي هو في مقابله، وللمرتهن صلاحية حبس مجموع الرهن وأمساكه إلى أن يستوفي تمام الدين.

نسبة الرهن إلى الدين تتصور على انحاء يمكن أن يكون قصد المتراهنين متجهاً إلى واحد منها:

الأول: نحو مقابلة المجموع بالمجموع ولازم هذا أن يفك تمام الرهن بأداء جزء من الدين ولو قليل.

الثاني: أن يكون على نحو مقابلة الجميع بالجميع التي تقتضي التوزيع، ولازم هذا أنه كلما أدى جزء أنفك من الرهن بمقداره.

الثالث: أن يكون بنحو مقابلة الكل بالجزء وهذا عكس الأول فإن لازمه أن يبقى تمام الرهن محبوساً إلى أداء تمام الدين فلو أدى  تمام الدين عدا جزء يسير منه بقى الرهن بتمامه على الجزء وهو الذي ذكرته (المجلة) والأصح أن يقال: أنه إذا ظهر من قصد الراهنين أحد تلك المعاني تعين وإلاَّ ــ أي مع الاطلاق ــ فالقاعدة تقتضي الوسط على القاعدة المعروفة عندهم من أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي التوزيع، ولكن المشهور عندنا على الظاهر هو النحو الأخير المختار للمجلة ولعل مدركهم أنه ألصق بالتوثق والاحتياط لأسترداد الدين وهو وأن كان كذلك، ولكن تعيين هذا النحو من التوثق يحتاج إلى معين وهو مفقود فليتدبر.

نعم، لا أشكال فيما لو كان عليه دينان ولكل منهما رهن فإن دفع دين أحدهما أنفك ما يقابله من الرهن وبقي الآخر كما ذكرته بقولها: ولكن لو كان المرهون شيئين وكان تعين لكل منهما مقار من الدين إذا أدى مقدار ما تعين لأحدهما فللراهن تخليص ذلك فقط.

(مادة 732)

لصاحب الرهن المستعار أن يؤاخذ الراهن المستعير لتخليصه وتسليمه أياه، وإذا كان المستعير عاجزاً عن أداء الدين لفقره فللمعيران يؤدي ذلك الدين ويستخلص ماله من الرهن.

يعني لاحق له بأسترداد الرهن من المرتهن إلاَّ بأن يؤدي الدين هو أو المستعير أو متبرع، وبهذا خرجت هذه العارية عن بابها، وإذا أدى المعير الدين لتخليص ماله رجع به على المستعير قطعاً. وكان من حق التحرير وضع هذه المادة و(مادة 735 و736 و737) في الفصل المتقدم المعقود لأحكام (الرهن المستعار)، وأقحامها في هذا الفصل مع عدم الربط والمناسبة خلل ظاهر وكيف كان فهذا الأثر أيضاً من الأوضاع التي خالفت الأصول والقواعد التي أشرنا إليها سابقاً، وهذه القضية وذيولها هي والتبرع بوفاء دين الغير شعبتان من شجن واحد ومن التأمل في تخريج وجهه يستخرج وجه تطبيقهما جميعاً على القواعد، فأستخرجها بفكرك الثاقب، ونظرك الدقيق ومن الله التوفيق.

(مادة 733)

لا يبطل الرهن بوفاة الراهن والمرتهن

بل ينتقل حق الرهن وحبس العين إلى ورثة المرتهن. كما ينتقل الدين من ذمة الراهن إلى تركته فيجب على الوضي والورثة أما فكها بأداء الدين من تركته أو دفع التركة إلى المرتهن الدائن وإن كان الوارث صغيراً فوليه وإن كان غائباً كبيراً فالحكم إن لم يمكن حضوره أو توكيله، ومما ذكرنا يظهر الخلل في:

(مادة 734)

إذا توفى الراهن فإن كان وارثه كبيراً يلزمه تأدية الدين من التركة وتخليص الرهن وإن كان صغيراً أو كبيراً غائباً بغيبة بعيدة فالوصي بأذن للمرتهن ببيع الرهن ويوفي الدين من ثمنه، بل الوصي وقيم الصغير أو الحاكم يتولون بيع الرهن بأذن المرتهن ووفاء الدين منه.

(مادة 735) تقدم مضمونها في طي (مادة 732) وحاصله: أن المعير لا حل له بأخذ الرهن إلاَّ بعد وصول دين المرتهن إليه سواء كان المستعير الراهن حياً أو ميتاً، ولكن لا يجبر على أداء الدين لأن الإنسان لا يجبر على أداء دين غيره وإنما يجبر المستعير المديون فلو كان عاجزاً فقيراً تحرجت المسألة كثيراً ولا مناص من الحكم بأن الرهن يبقى عند المرتهن فأما أن يخلصه المالك المعير بأداء الدين بأختياره أو يرفع المرتهن أمره إلى الحاكم فيبيعه لوفاء الدين بمراجعة المعير المالك.

(مادة 736)

لو توفى الراهن المستعير حال كونه مفلساً مديوناً يبقى الرهن المستعار في يد المرتهن على حاله مرهوناً ولكن لا يباع بدون رضا المعير وإذا أراد المعير بيع الرهن وأيفاء الدين فإن كان ثمنه يوفي الدين فيباع من دون نظر إلى رضا المرتهن وإن كان ثمنه لا يوفي الدين فلا يباع من دون رضا المرتهن.

قد تكرر بيان أن التصرف في العين المرهونة لا يجوز إلاَّ برضا الراهن والمرتهن ويزيد هنا أنه لابد أيضاً من رضا المالك المعير وأذنه لأن العين لا تزال في ملكه وإن كان للمرتهن حق فيها، أما لو توفى الراهن المستعير مفلساً أنحصر الأمر بين المعير والمرتهن فلابد من رضاهما معاً سواء كان الرهن يوفي أم لا فقول (المجلة) فيباع من دون نظر إلى رضا المرتهن ــ غير سديد.

(مادة 737)

لو توفى المعير ودينه أزيد من تركته يؤمر الراهن بتأدية دينه وتخليص الرهن المستعار (أي يأمره حاكم الشرع) وإن كان عاجزاً عن تأدية الدين بسبب فقره يبقى ذلك الرهن المستعار عند المرتهن مرهوناً على حاله، ولكن لورثة المعير أداء الدين وتخليصه وإذا طالب غرماء المعير بيع الرهن فإن كان ثمنه يوفي الدين يباع من دون نظر إلى رضا المرتهن وإن كان لا يوفي فلا يباع بدون رضاه.

في هذا الفرض تصبح العين متعلقاً لجملة حقوق حق المالك المعير الذي انتقل إلى غرمائه وحق الورثة وحق المرتهن وطريق التخلص بعد عجز الراهن أن يخير الورثة بين دفع الدين وتخليص العين وبين بيعها وأداء الدين من ثمنها فإن زاد من الثمن شيء يدفع إلى الغرماء أو يتقبلوها بقيمتها ويدفعون حق المرتهن فإن زاد فللغرماء، هذا بناء على ما هو الأصح عندنا من أن أعيان التركة تنتقل إلى الورثة، ولكن محجور عليها بحق الغرماء فتشبه العين المرهونة.

أما (مادة 738 و739 و740) فهي مع أنها تقدمت في غاية الوضوح لا تحتاج إلى أي تعليق، أما:

(مادتا 741 و742)

فالمقصود منهما بيان حكم تلف العين المرهونة فهي خداج لم تستوف صور التلف كلها.

وتحرير هذا البحث، بوجه جامع إن تلف العين المرهونة أما أن يكون سماوياً أو بشرياً، والتلف السماوي لا محالة يوجب بطلان الرهن لزوال موضوعه ولا يلزم الراهن شيء ويبقى الدين طلقاً بلا رهن، وأما الثاني فالمتلف أما الراهن أو المرتهن أو أجنبي فإن كان هو الراهن وجب عليه غرامة المثل أو القيمة ليكون رهناً في مكان الرهن الذي أتلفه، وإن كان هو المرتهن فالغرامة عليه ومقتضى القاعدة أن يدفع المثل أو القيمة ليكون رهناً ولكنهم حكموا هنا: أنه يسقط منه بمقدار دينه وكأنهم جعلوه من أسباب التهاتر وهو مع كونه من جنس الدين ليس بالبعيد وفي صورة الأختلاف مشكل إلاَّ مع التراضي، أما لو كان المتلف أجنبياً فلا أشكال في الغرامة وتكون قيمته رهناً.

الفصل الثاني

في تصرف الراهن والمرتهن في الرهن

(مادة 743)

يبطل رهن الخارج الرهن بدون أذن الراهن والمرتهن عند غيره

لعل في النسخة غلطاً، وإلا فالعبارة كما ترى مشوهة الخلقة مع شديد التعقيد، ولعل المراد أن رهن كل واحد من الراهن والمرتهن العين المرهونة عند ثالث باطل إلاَّ برضاهما معاً ــ أو أن رهن الأجنبي العين المرهونة باطل إلاَّ بأذنهما.

والأول: أنسب بالفصل المعقود لتصرف الراهن والمرتهن لا لتصرف الأجنبي، وكيف كان فقد مرَّ مكرراً ــ أن الراهن والمرتهن ممنوعان من مطلق التصرف في العين المرهونة سواء التصرفات الناقلة كالبيع والهبة، أو غير الناقلة كاللباس والسكنى، أما التصرفات الاستغلالية كالإجارة وبيع الثمرة وجمع الحليب والصوف وأمثالها فلا ينبغي الأشكال في جوازه كما ربما يظهر من كلمات الفقهاء، ولكن تعود القيمة رهناً مع الأصل، ومن جملة التصرفات رهن العين المرهونة عند ثالث فأنه لا يجوز إلاَّ بأتفاقهما، وتحرير المسألة إن الراهن ــ أي المستدين.

ثانياً: أما أن يكون هو المالك ــ أي الراهن الأول ــ وهذا لا مانع منه فإنه كما لو رهن العين الواحدة ابتداء عند شخصين على دينين فيشتركان في أن لكل من المرتهنين بل الأكثر حق الاستيفاء من العين أما عرضاً أو مرتبين الأول فالأول؛ وأما أن يكون الراهن هو المرتهن على دين له وهذا أيضاً لا مانع منه مع الأذن ويكون من باب الرهن المستعار ويشترك المرتهن الأول والثاني فيها، ومثله ما لو كان الراهن أجنبياً بأذنهما على دين له، ثم المرتهن أما أن يكون هو المالك ــ أي الراهن ــ وهذا مما لا معنى له أصلاً إذا لا يعقل رهن المال عند مالكه، وأما أن يكون هو المرتهن الأول وهذا معقول أيضاً ويكون كرهن العين الواحدة على دينين عند واحد، ومثله ما لو كان المرتهن أجنبياً ويكون كرهن العين الواحدة عند شخصين على دينين.

ومن جميع ذلك تعرف فساد ما في:

 (مادة 744)

إذا رهن الراهن الرهن بأذن المرتهن عند غيره يصح الرهن الثاني ويبطل الرهن الأول، بل يصحان معاً لعدم التزاحم بينهما سيّما مع سعة العين لكلا الدينين ومع عدم السعة فيحتمل تقديم الأول أو تقديم الثاني أو التوزيع بالنسبة، كفساد:

(مادة 745)

إذا رهن المرتهن الرهن بأذن الراهن عند الغير يبطل الرهن الأول ويصح الثاني ويكون من قبيل الرهن المستعار، بل يصحان معاً فأن فكَّ الراهن الأول ألزم المرتهن الأول بفكه وإلاَّ جرى عليه أحكام (الرهن المستعار) المتقدمة وإلاَّ فالمرتهن الأول يسد من دينه حق المرتهن الثاني عليه فإن زاد رده إلى المالك وهو الراهن الأول، ثم أن مقتضى توقف تصرف كل منهما على إجازة الآخر أنه لو باع الراهن فإن أجاز المرتهن نفذ وبقي الثمن رهناً وإن ردَّ فالمشتري مخير بين الصبر إلى فك الرهن وبين الفسخ فعلاً إلاَّ أن يدفع الدين فينفذ، وإن باع المرتهن فأجاز الراهن كان الثمن أيضاً رهناً وإن ردَّ بطل.

وهذا خلاصة ما ذكرته (المجلة) في (مادة 746) و(مادة 747) زيادة وأختصاراً، وكما يصح البيع برضاهما تصح العارية أيضاً بل وغيرهما من المعاملات التعاوضية، أما المجانية كالهبة فهي أبطال للرهن بلا ريب، وكما يصح اعارته برضاهما للأجنبي كذلك يصح أن يعيره أحدهما للآخر، ومعنى العارية هنا أباحة الانتفاع أو تمليك المنافع فإن كلاً منهما ممنوع منه بدون رضا الآخر كما سبق في:

(مادة 748)

لكل من الراهن والمرتهن اعارة الرهن بأذن صاحبه، ولكن اعارته لا تبطل رهينته حتى يحتاج إلى أعارته إلى الرهينة فلا محل لقول (المجلة) ولكل منهما اعادته إلى رهينته بعد ذلك، بل لا معنى لهذا الكلام أصلاً كما لا يخفى على المتأمل كما أن قولها في:

(مادة 749)

للمرتهن أن يعير الرهن للراهن، وبهذه الصورة لو توفى الراهن فالمرتهن يكون أحق بالرهن من سائر غرماء الراهن، فإن هذا الكلام مستدرك إذ العارية لم تبطل الرهن ولا اختصاص لهذه الصورة بالحكم المذكور بل في جميع صور الرهن يجري الحكم المزبور، أما الانتفاع فقد عرفت أنها أيضاً محبوسة عن كل واحد منهما إلاَّ برضا الآخر فلو أباحها الراهن للمرتهن فإن أباحها بثمنها حسبت من دينه وإلاَّ كانت له مجاناً فقول (المجلة)، ولا يسقط من الدين شيء في مقابل هؤلاء ــ على أطلاقه غير صحيح ــ كعدم صحة الاطلاق في:

(مادة 751)

إذا أراد المرتهن الذهاب إلى بلد آخر فله أن يأخذ الرهن معه إذا كان الطريق آمناً، بل والصحيح أنه لا يجوز أن يأخذ الرهن معه مطلقاً إلاَّ إذا خاف عليه لو أبقاه في محله وكان نقله إلى بلد آخر أو محل آخر أحفظ فليتدبر.

الفصل الثالث

في بيان أحكام الرهن الذي هو في يد العدل

(مادة 752)

يد العدل كيد المرتهن يعني لو أشترط الراهن والمرتهن أيداع الرهن عند من أئتمنه ورضى الأمين وبقبضه يتم الرهن ويلزم ويقوم ذلك الأمين مقام المرتهن.

(مادة 753)

لو أشترط حين العقد قبض المرتهن الرهن ثم لو وضعه الراهن والمرتهن بالاتفاق في يد عدل يجوز.

(مادة 754)

إذا كان الدين باقياً فليس للعدل أن يعطي الرهن إلى الغير ما لم يكن لأحد الراهن والمرتهن رضا وإذا أعطاه فله صلاحية استرداده وإذا تلف قبل الاسترداد فالعدل يضمن.

(مادة 755)

إذا توفى العدل يودع الرهن عند عدل غيره بتراضي الطرفين وإذا لم يحصل بينهما الاتفاق فالحاكم يضعه في يد عدل.

خلاصة هذا الفصل يبتني على ما سبق بيانه من أن طبيعة عقد الرهن لا تقتضي كون بقاء الرهن عند الراهن أو المرتهن أو عند ثالث فهو من هذه الجهة لا اقتضاء فإن اتفقا على بقاءه عند أحدهما تعين وإن تشاحا وضعه الحاكم عند عدل ولا يجوز له أن يدفعه إلى أحدهما بدون رضا الآخر بل يدفعه إليهما أو إلى الحاكم لو تعذر مراجعتهما أو اتفاقهما ولو دفعه إلى أحدهما وتلف ضمن للآخر، ولو مات العدل فإن اتفقا فهو وإلاَّ وضعه الحاكم عند عدل آخر هذا كل ما اشتملت عليه مواد هذا الفصل مع الاختصار وحذف الفضول فأنه معاني قليلة في عبارات طويلة.

الفصل الرابع

في بيع الرهن

(مادة 756)

ليس لكل من الراهن والمرتهن بيع الرهن بدون رضا صاحبه، وهذا واضح معلوم.

(مادة 757)

إذا حلَّ وقت اداء الدين وامتنع الراهن عن أداءه فالحاكم يأمره ببيع الرهن وأداء الدين فإن أبى وعاند باعه الحاكم وأدى الدين.

أو يتقبله المرتهن ويحتسبه من دينه ويدفع الزائد لو كان، ومع غيبة الراهن وعدم امكان الوصول وحلول الأجل فالمرجع الحاكم في البيع والوفاء لولايته العامة كما في:

(مادة 758)

إذا كان الراهن غائباً ولم تعلم حياته ولا مماته فالمرتهن يراجع الحاكم على أن يبيع الرهن ويستوفي الدين.

(مادة 759)

إذا خيف فساد الرهن فللمرتهن بيعه وإبقاء ثمنه رهناً في يده بأذن الحاكم وإذا باعه بدون أذن الحاكم يكون ضامناً كذلك لو أدرك ثمر البستان المرهون وخضرته وخيف تلفه فليس للمرتهن بيعه إلاَّ بأذن الحاكم وإذا باعه بدون أذن الحاكم يضمن.

كل ذلك حفظاً للمال من الضياع، والحاكم هو الولي العام.

(مادة 760)

إذا حلَّ وقت أداء الدين يصح توكيل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن وليس للراهن عزل ذلك الوكيل من تلك الوكالة ولا ينعزل بوفاة أحدهما أيضاً.

الوكالة عقد جائز اتفاقاً ــ كما سيأتي فللوكيل أن يعزل نفسه كما للموكل أن يعزله ولا دليل على لزومها هنا بالخصوص غايته أنه لو عزل الوكيل يلزمه الحاكم بالبيع أو توكيل غيره وبهذا يحصل الجمع بين الحقوق، كما أن الوكالة تبطل بالموت عندنا اتفاقاً سواء موت الوكيل أو الموكل ولا معني لبقائها بعد الموت بل يلزم الورثة مع الوصي وفاء الدين من التركة أو بيع العين المرعونة والوفاء من ثمنها وإن لم يفعلوا تولى الحاكم ذلك.

(مادة 761)

الوكيل ببيع الرهن ببيع الرهن إذا حلَّ وقت أداء الدين ويسلم ثمنه إلى المرتهن فإن أبى الوكيل يجبر الراهن على بيعه.

أما الوكيل فقد عزل نفسه بأمتناعه عن اداء عمل الوكالة فيتعين إلزام الراهن بذلك فإن أبى فالحاكم كما في (المجلة)، وإذا أبى وعاند باعه الحاكم وإذا كان الراهن أو ورثته غائبين يجبر الوكيل على بيع الرهن فإن عاند باعه الحاكم.

إلى هنا انتهت مواد (المجلة) في (كتاب الرهن)، وقد أهملت بحثين مهمين من مباحثه:

أحدهما: مسقطات الرهن.

ثانيهما: باب التنازع والخصومة.

ومن الحق أن نشير إلى بعض مسائل كل من البحثين على سبيل الإيجاز أتماماً للفائدة:

أما الأول: فمعلوم إن أسباب سقوط الرهن وزواله مهما تعددت وتنوعت فهي ترجع إلى سببين: وهما سقوط الدين أي براءة ذمة الراهن منه أو أسقاط المرتهن حقه من الراهن مع بقاء الدين، وحيث أن أسباب سقوط الدين كثيرة لذا تكثرت أسباب سقوط الرهن:

أولها: الوفاء والإداء.

ثانيها: الأسقاط والإبراء.

ثالثها: موت الراهن والمرتهن هو الوارث.

رابعها: عكسها، موت المرتهن والراهن هو الوارث.

خامسها: حوالة الدين على آخر.

سادسها: ضمان الدين وانتقاله إلى ذمة أخرى.

سابعها: بيع الدين لآخر.

ثامنها: هبته لآخر، وإن كانت الهبة هنا ترجع إلى الاسقاط.

وربما توجد أسباب أخرى لسقوط الدين تظهر بالاستقصاء والتأمل.

أما الثاني: وهو اسقاط المرتهن حقه من الرهن فهو معنى واحد، ولكن يظهر بصور مختلفة من قول أو فعل أو إشارة، بل وقد يتحقق بالكتابة أيضاً فأنه وإن كان أشبه بالإيقاع، بل هو الإيقاع حقيقة، والإيقاع كالعقد عندنا لا يتحقق بالكتابة، ولكن حيث أن الشارع كالعرف لم يعتبروا فيه صيغة خاصة ــ كما أعتبروها في الطلاق والعتق وغيرهما ــ كفى كل ما دلَّ عليه.

البحث (الثاني) في النازع والخصومة ويقع المهم منه في مسائل:

1- إذا ادعى الدائن الرهن وأنكره المديون فالقول قوله للأصل.

2- إذا أدعى المرتهن إن الرهن الثوب والكتاب مثلاً ولم يعترف الراهن إلاَّ بالثوب فالقول قوله للأصل أيضاً.

3- إذا أدعى المرتهن إن الرهن هو الثوب مثلاً وقال الراهن بل التاب، فهذا وأمثاله يدخل في باب التداعي ويخرج من باب المدعي والمنكر فإن كان لكل منهما بينة فهو من باب تعارض البينات والمرجع فيهما إلى المرجحات، وإن لم تكن فالتساقط والتخيير والقول الفصل حكم الحاكم الذي ترفع إليه الدعوى المزبورة، وإن كانت البينة لأحدهما فقط كان العمل عليها بلا ريب، وإن لم تكن لأحدهما بينة فالتحالف فمن حلف حكم له وإن حلفا معاً تساقطا وحكم بعدم رهن شيء منهما وهو المعروف عندنا بالأنفساخ القهري.

4- إذا ادعى المالك المديون إن العين وديعة عند دائنه وأدعى الدائن أنها رهن فالقول قول المالك بيمينه للأصل.

5- لو أدعى المالك أنها إجارة وأدعى الآخر أنها رهن، فالأقرب أنه من باب التداعي إن كان النزاع قبل القبض أو بعد قبض العدل، أما لو كان بعد قبض مدعي الرهينة فالأقرب أن القول قوله.

6- إذا أدعى المرتهن رد العين المرهونة وأنكر الراهن فالقول قوله للأصل.

7- إذا أدعى المرتهن التلف وأنكر الراهن فالقول قول المرتهن بيمينه لأنه الأمين.

8- لو أعترف بالتلف وأدعى عليه التفريط فالقول قول المرتهن أيضاً للأصل أيضاً ولأنه أمين.

9- لو أدعى الراهن أن المرتهن أسقط حق الرهن وأنكر المرتهن فالقول قوله أيضاً.

10- لو أدعى المرتهن أن العين رهن على الدينين وأنكر الراهن فالقول قوله للأصل أيضاً.

11- لو تداعى شخصان على عين فأدعى كل منهما أنها رهن عنده فقط فلا يخلو أما أن تكون في يد أحدهما أو في يدهما معاً أو في يد ثالث، وعلى كل التقادير فالمالك أما أن يصدق أحدهما أو ينفيهما معاً أو لا يصدق ولا ينفي أو لا يمكن مراجعته لغيبة ونحوها، فالقضية ذات صور متشعبة يدور محورها على أمرين:

الأول: إن من صدقه المالك فالقول قوله بيمينه مطلقاً.

الثاني: أنه حيث لا تصديق من المالك أما لغيبة أو لسبب آخر فالقول قول صاحب اليد، وأما أن كانت اليد لهما فهو باب التداعي فمن كانت له بينة يقدم قوله وإن لم يكن بينة أو تعارضت البينتان ولا مرجح فالتحالف، فمن حلف قدم قوله مع نكول الآخر وإذا حلفا حكم بالانفساخ القهري ورجعت العين إلى مالكها، ومثلها ما لو كانت في يد ثالث فأنه أيضاً من باب التداعي أما البينة وأما التحالف.

12- إذا أدعى العين رهن عنده فقط فأدعى الآخر أنها رهن عنده أيضاً كانت من باب المدعي والمنكر والصور المتقدمة جارية هنا أيضاً والمالك مصدق حتى على صاحب اليد لأنه أحق بماله، وأعرف بنفسه، وتنقلب الخصومة بينه وبين الآخر فإن كان غائباً أو لا يصدق واحداً منهما فصاحب اليد مقدم بيمينه إلاَّ أن يقيم الآخر ــ وهو المدعي ــ البينة.

هذا قليل من كثير من صور النزاع والخصومة والمتتبع يجد أكثر من ذلك، هذا في خصوص النزاع في الرهن، أما الخصومة في الدين الذي عليه فهي أيضاً كثيرة ولكنها خارجة من هذا الكتاب وحلها (كتاب الدين).

ولنختم هنا (كتاب الرهن) سائلين من الحق جلَّ شأنه أن يفك رهائن أنفسنا يوم تغلق الرهون، وتطبق السجون، و[يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ].

تمَّ الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث إن شاء الله وأوله (كتاب الأمانات والوديعة والعارية).

استدراكات وملاحظات

كنا نحسب أو نأمل عند انتشار (الجزء الأول) من هذا الكتاب (تحرير المجلة)، وبعد انجاز طبعه، ووقوعه بأيدي أهل الفضل، أن يكثر النقد عليه، والبحث والتنقيب في بحوثه وفوائده، نظراً لأشتراك الفقيه فيه مع الحاكم، والحقوقي والقانوني، والاستاذ والتلميذ، وانتفاع أكثر الطبقات به، فلم نجد شيئاً من ذلك، ولا أجعل اللوم في ذلك إلاَّ على الظروف القاسية، والحوادث الزمنية، التي اشتغلت أفكار أولي الفضل والمتخصصين بمسائل الفقه والحقوق عن التوسع والاضطلاع بمهمتهم وما هو المتعين عليهم، ولا ريب إن الاضطرابات العالمية، وهذه الحروب الطاحنة، أقل تأثيرها حدوث الفتور، وخمود العزائم عن النشاط إلى البحث والاستقصاء في المسائل النظرية، والمباحث الجوهرية إلاَّ على النادر ممن لا يجد لذة إلاَّ في العلم والبحث والمطالعة والمراجعة، ولا يعوقه عن تلك الشؤون عائق، ولا يشغله عن تلك العوالم والمعالم شاغل، ولكنهم كانوا قليلاً و(قد صاروا أقل من القليل).

ونحن ــ والمنة لله وحده ــ لم يقعد بعزيمتنا، عن مواصلة البحث والكتابة عواصف الزمن، ولم تخمد جمرة أشواقنا، لنشر العلوم، نكبات المحن، ولا عاقنا عن النشر والطبع أزمة الورق، وضيق مواد الأقتصاد، وضعف الرغبات، وخمود العزمات، وكان أقصى ما سمعنا من بعض الهنات، أو وجدنا من النقد في بعض الصحف التعرض لأمور تافهة لا تستحق الذكر، أسمعنا بعض عوض فلي نواصي التحقيقات الأبكار التي نشرها (الجزء الأول) في حقيقة البيع والملكية، والماضي والمضارع، والأموال والعهود والالتزامات.

نعم، أسمعونا بدل التعمق في هذه الدقائق الاعتراض على قولنا (ص7)، فالإمامية فتحوا باب الأجتهاد على مصراعيه ــ حتى صار يدعيه من لا يصح أن يطلق عليه أسم المتفقه فضلاً عن الفقيه، وليتهم علموا بأننا قد كبحنا جماح القلم هنا وهناك وأكتفينا بقليل من كثير، وجرعة من غدير من ويلات هذا البلاء المبرم، والمقام مقام الشكر في إننا أسد لنا الستار، عن موبقات تلك الأطوار، وأخذنا بأدب الفرقان المجيد [خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ]، وصرفنا أو تصرفنا في كريمة قوله عزَّ شأنه [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ]، وبقوله تعالى: [إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ].

وليس بث هذه النفثة من القصد في شيء وإنما استطردها بيان دواعي الحرمان من فوائد النقد، وأسباب انصراف الهمم والعزائم عن هذه المغانم وإن أحد تلك الأسباب اليوم هي الظروف القاهرة، والمعارك الدائرة في أمم الغرب التي أصبحت تخرب بيوتها بأيديها، وعادت مدنيتها وثقافتها وبالاً على العالم وعليها، ولو أن طباع أهل العلم على سجيتها الأولى، ونفسيات أرباب الفضيلة وعلماء الحقوق على رسلها السابق ونهجها القويم قبل هذه الأوضاع العالمية لما أهملت مهمة النقد الصحيح، مع غزارة فوائدها وعظيم منافعها والحقيقة ــ كما يقولون ــ نبت البحث وأضرب الرأي بالرأي يبدو لك وجه الصواب، وتمام عقلك مع أخيك، والعصمة والكمال لله وحده.

وحقاً، إن زينة الكتاب وحيلته نقده وتمحيصه، بل هو كماله وجماله، وتمامه أن يبدو عوزه ونقصه، ويستقصى فليه وفحصه، سيما في مثل مؤلفنا هذا الذي كتبناه على جري القلم، وعفو الخاطر، من دون تجديد نظر أو نتيجة مباحثه أو مدارسه، بيد أنه صدر في مثل هذه الظروف المزعجة، والصروف المحرجة، وأنواع المحن والأرزاء التي تبلد الأذهان، وتطبع الإنسان بطابع الذهول والنسيان، وبعض هذا ما يكفي للغفلة والسهو، وعروض الأخطاء والهفوات فكيف بما هو أعظم وأفظع؟، ولما نظرنا فيه بعد طبعه ونشره وجدنا فبه ما يجدر التنبيه عليه فأحببنا هنا الإشارة إلى بعض ذلك على سبيل الحديث المستظرف والقول المستطرف، ونترك الباقي لأهل الفضل إذا نشطت عزائمهم، وحفزتهم عبقريتهم.

فمن ذلك في (الجزء الأول) ص30 (مادة 34) ما حرم أخذه حرم اعطاؤه، وقد حملنا القاعدة هناك على أخذ المال المحرم فإن التصرفات فيه تكون محرمة فيحرم اعطاؤه لأنه تصرف فيه وهذا الوجه وإن كان صحيحاً في ذاته ولكنه ليس هو المقصود من القاعدة قطعاً بل القصد غيره أو ما هو أوسع منه نظراً، وأبعد أثراً.

والذي يليق أن تحمل عليه من المعنى المفيد فائدة جديدة ــ هو أن الذي يحرم أخذه كالربا مثلاً أو الرشوة أو القمار وأضراب ذلك كما يحرم أخذه يحرم أعطاؤه ــ فكما يحرم عيك أن تأخذ الرشوة يحرم عليك أن تعطيها للمرتشي، وكما يحرم عليك أن تأخر الربا يحرم عليك أن تستدين أو تبيع وتعطي الربا ــ يحرم عليك تبيع وزنة حنطة بوزنه ونصف فتأخذ زيادة نصف وأنه كما يحرم عليك هذا يحرم أن تشتري كذلك فتعطي نصف وزنة زيادة وتكون هذه القاعدة قريبة الأفق من معنى اختها التالية لها (ما حرم فعله حرم طلبه).

يعني كما يحرم عليك فعل الربا والرشوة يحرم عليك أن تطلبه من غيرك وكما يحرم عليك شرب الخمر يحرم عليك أن تطلبه من غيرك وهكذا في كل حرام إلاَّ ما أستثنى كما سبق.

ومن ذلك أهمال جملة من القواعد المهمة مثل:

قاعدة الميسور وقاعدة الحر لا يضمن ولا يدخل تحت اليد، وقاعدة (إذا اجتمع الحرام والحلال غلب الحرام) التي ربما ترجع إلى قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المنافع.

وقاعدة (الدفع أهون من الرفع) والفرض أفضل من النفل، وما كان أكثر فعلاً، فهو أكثر فضلاً.

إلى كثير من أمثالها ولكن يدفع النقد في اهمالها إن جملة منها تختص بالعبادات. وبعضها قليل الجدوى نادر المثال.

ومن موارد النقد أيضاً أن بعض المباحث المهمة جاء البيان فيها ناقصاً مبتوراً وكان من حقه البسط والإحاطة بالموضوع من جميع أطرافه وعموم اقسامه، مثل قاعدة (التلف قبل القبض) في الجزء الأول ص69، وحق تحريره أن يقال إن زوال المبيع أو الثمن بحيث يمتنع قبضه حقيقة أو حكماً لا يخلو أما أن يكون من جهة التلف أو الإتلاف، وعلى الأول، فقد اتفقوا على أن تلف المبيع من البائع وتلف الثمن قبل اقباضه للبائع من المشتري، والنبوي المشهور (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه) وإن كان وارداً في المبيع فقط ولكن الأصحاب أتفقوا ظاهراً على إلحاق الثمن به في الحكم وربما يظهر هذا من رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله الصادق (A) في رجل أشترى من رجل متاعاً وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال (A): (من مال صاحب المتاع حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله).

فإن قوله (A): (حتى يرد إليه ماله) ظاهر في الثمن وأنه في ضمان المبتاع أي المشتري حتى يوصله إلى البائع.

هذا في تلف الجميع، أما تلف البعض ثمناً أو مثمناً فإن كان المبيع حسب أعتبار العقلاء ذو اجزاء يتقسط عليها الثمن انفسخ في التالف بنسبته من الثمن وصحَّ في الباقي وإن كان بنظر العرف مما لا يتقسط الثمن عليها بأن يكون ذلك الجزء التالف كالأوصاف التي لا تقابل بالأعواض فهو موجب لخيار المشتري بين الرد والإمساك بمجموع الثمن ويحتمل تخييره بين الرد وبين الأمساك بالأرش ويكون كالعيب الحادث قبل العقد وليس ببعيد هذا في التلف قبل القبض، أما التلف بعده في زمن الخيار فقد تقدم البحث فيه مفصلاً.

هذا كله في التلف السماوي أعني القهري، أما الأتلاف فإن كان المتلف هو المشتري فلا ينبغي الإشكال في أنه كالقبض ومسقط لضمان البائع ويجب عليه دفع الثمن إليه قطعاً وهذا مع علمه واضح.

أما مع جهله فأن كان مغروراً من البائع كما لو كان طعاماً وقدمه إليه بصورة الإكرام فأكله وظهر أنه هو الذي أبتاعه منه فلا ينبغي الإشكال في أنه كالتلف السماوي مضمون على البائع على خلاف فيه وإن لم يكن مغروراً كما لو أكله جهلاً منه من دون أن يقدمه البائع إليه فالقضية مشكلة والحكم بأنه من ماله وأنه قبض مشكل وجعل الضمان على البائع أشكل.

ودعوى أنصراف النص في القبض إلى غير هذا القبض فيكون من التلف قبل القبض فضمانه على البائع ــ عهدتها على مدعيها وهي قابلة للمنع.

وإن كان المتلف البائع فالمسألة ذات وجوه متعارضة بل ومتكافئة ــ فأما الحكم بالأنفساخ ويكون الضمان على البائع تنزيلاً للأتلاف منزلة التلف وإن مرجعهما إلى تعذر الأقباض وهو ملاك الحكم سواء كان من حيوان أو أنسان بحادثة سماوية أو أرضية، وأما الحكم بأبقاء العقد وتضمين البائع المثل أو القيمة لأن الحكم بالأنفساخ على خلاف القاعدة فيقتصر على مورده المتيقن وهو التلف لا الإتلاف ويكون من باب اتلاف مال الغير الموجب للضمان بالمثل أو القيمة.

وأما الحكم بتخيير المشتري في باب اتلاف البائع المبيع أو البائع في اتلاف المشتري الثمن بين أمضاء العقد فيطالب بالقيمة أو فسخه فيأخذ الثمن لو أتلف المبيع أو المبيع لو أتلف الثمن.

ومدرك هذا التخيير أما أن تحقق سبب الانفساخ مع سبب الضمان يقتضي التخيير بينهما بعد عدم أمكان الجمع، وأما لأن التلف إذا خرج عن قاعدة التلف قبل القبض صار المبيع متعذر التسليم فيثبت الخيار، أما للمشتري في تلف المبيع أو للبائع مع العكس وهو معنى التخيير بين الفسخ واسترداد ما دفع أو الأمضاء والمطالبة بالمثل أو القيمة وهذا هو الأوفق بالقواعد، وتجري الوجوه الثلاثة في اتلاف الأجنبي ــ هذا هو التحرير الوافي لهذه المسئلة على أختصاره، وهكذا يجب أن تحرر المسائل ويكفي هذا المقدار من الملاحظة على الجزء الأول على سبيل النموذج والعنوان.

أما الجزء الثاني فقد تركنا أبداء الملاحظات فيه إلى من ينشط له من أهل هذا الفن الشريف فن الفقه وعلم الحقوق.ش

ومنه نستمد التوفيق للجميع وأن يسهل لنا متابعة التأليف والنشر إلى خاتمة هذا الكتاب إن شاء الله ولا شك أنه يحتاج إلى عدة أجزاء أخرى فعسى أن يفسح الله عزَّ شأنه في العمر إلى أكمالها بلطفه وعناياته أنه الكريم المنان وبه المستعان.


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID