الجمعة, رمضان 19, 1445  
 
في بيان المسائل التي تتعلق بالأجرة  

 

 تحرير المجلة

آية الله العظمى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء  "قدس سره"

 

  



الفذلكة

إن المتحصل من خيارات (المجلة) المتأصلة خمسة:


 

1 ــ خيار الشرط.

2 ــ خيار الوصف، إن لم ترجعه إلى الشرط على بعض الوجوه.

3 ــ خيار الرؤية.

4 ــ خيار العيب.

5 ــ خيار الغبن وأضفنا إلى هذه الأربعة ثلاثة أشرنا إليها بأختصار.

6 ــ خيار المجلس.

7 ــ خيار الحيوان.

8 ــ خيار التأخير.

وعليها أقتصر أكثر أرباب المتون من فقهائنا بدون خيار الوصف، وفي (شرائع المحقق) ذكر خمسة، وأفرد العيوب في فصل منفرد، وذكر عدة خيارات في تضاعيف أبواب البيع وأنواعه، أما الشهيد (P) في (اللمعة) فذكر أربعة عشر ــ السبعة المتقدمة وأضاف إليها سبعة:

1 ــ خيار الاشتراط.

2 ــ خيار ما يفسد ليومه.

3 ــ خيار الشركة.

4 ــ خيار تبعض الصفقة.

5 ــ خيار التفليس.

6 ــ خيار التدليس.

7 ــ خيار تعذر التسليم، فيما لو باع وهو قادر على التسليم ثم تعذر بعد العقد قبل القبض كما لو أبق العبد أو شردت الدابة.

ومنه ما أنقطع المسلم فيه عند الأجل فإن المشتري ــ كما سيأتي إن شاء الله ــ مخير بين الفسخ واسترجاع المسلم (أي المسمى) وبين الأمضاء وأخذ القيمة.

ويمكن ارجاع بعض هذه الأربعة عشر إلى بعض بتكلف كما أنه بقيت خيارات كثيرة يذكرها الفقهاء في خلال أنواع البيع وبحوثه ولم يذكروا شيئاً منها في الفصل الذي عقدوه لتعداد الخيارات:

منها باب السلم.

ومنها باب المرابحة: لو بان إن البائع أخبر بما زاد على الثمن أو لم يخبر بالأجل فإن المشتري مخير بين الفسخ وبين الأمضاء بالثمن الواقعي أو مع الأجل وقد عرفت ما فيه.

ومنها خيار الورثة: إذا باع مورثهم أكثر من الثلث بأقل من ثمن المثل فأنهم مخيرون بعد موته بين الإجازة والفسخ فيما زاد على الثلث، وكذا الغرماء فيما لو أستوعبت الديون التركة ونحو ذلك.

والإنصاف إنها خيارات أصيلة ولكنها خاصة بموردها لا تتعدى بخلاف مثل خيار المجلس والشرط واضرابها الكثيرة الموارد الجارية في أكثر البيوع، ولذا لم يذكروها إلاَّ في موردها الخاص.

(خاتمة)

أبواب الخيارات

قد جرت طريقة فقهائنا في الغالب بعد استيفاء البحث في كل نوع من أنواع الخيارات أن يذكروا أحكام الخيار من وجهة عامة لا تختص بخيار دون خيار، وقد أغفلت (المجلة) هذا البحث مع أنه من أهم مباحث الخيار وأفسح أبواب البيع في المجال، لدقة النظر فيه وسعة الخيال.

وقد تقدم ذكر جملة من أحكام الخيار استطراداً في الفصول السابقة على سبيل الإيجاز، مثل إن (التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) وعرفت إن اليقين من هذه القاعدة لا يتعدى إلى أكثر من الخيارات الزمانية الامتدادية بطبيعتها كخيار المجلس وثلاثة الحيوان وخيار الشرط، أما مثل خيار الغبن والعيب والرؤية، سيما على القول بفورية هذه الخيارات، فالقاعدة لا تتمشى فيها، فلو علم المشتري بالعيب أو الغبن مثلاً، فإن فسخ وتلفت العين فهي من مال البائع بالفسخ طبعاً لا بالقاعدة وإن أمضى أو لم يعمل بخياره فسقط كان التلف عليه لا على البائع لصيرورة البيع لازماً وهكذا.

نعم، لو تلفت العين في يد المشتري ثم ظهر أنه كان مغبوناً فيها أو معيبة لم يسقط خياره ولا خيار البائع لو كان هو المغبون أو الثمن معيباً.

أما التلف بعد القبض فالظاهر إن الشهرة أو الاتفاق على أنه لا يسقط الخيار وإن أمضى كان التلف عليه واستقرت ملكية البائع للمسمى، هذا من بعض ما تقدم ذكره من أحكام الخيار مختصراً.

ومنها أيضاً أرث الخيار فقد تكرر منّا بيان إن كل خيار فهو موروث لأنه حق مالي فينتقل إلى الورثة بقاعدة (ما ترك الميت..) خلافاً (للمجلة) في أكثر الخيارات تبعاً لبعض فقهاء المذاهب وعلى كلٍ فلا أشكال في الأرث على الجملة، إنما الإشكال في كيفية ارثهم وهي قضية لا تخلو من غموض وصفوة الاحتمال أو الأقوال في ذلك تتصور في ثلاث صور:

الأولى: أن يكون لكل وارث خيار مستقل في الكل كمورثه فلو أجازوا جميعاً وفسخ واحد من الورثة مضى الفسخ على الجميع في الكل نظير حد قذف الجماعة الذي لو عفى الجميع إلاَّ واحد كان له استيفاء تمام الحد، ويدعي القائل بهذا أنه هو ظاهر القاعدة المتقدمة المستفادة من النبوي فلا يجري ذلك في المال لعدم تعقل تعدد الملكية على مال واحد بخلاف الحق.

الثانية: استحقاق كل واحد خياراً مستقلاً ولكن في نصيبه فقط، فلو أختلفوا في الفسخ والإجازة نفذ عمل كل واحد في نصيبه ويأتي حينئذٍ خيار تبعض الصفقة لمن عليه الخيار نظير ما لو أشترى اثنان مبيعاً لهما خيار فيه فأجاز أحدهما وفسخ الآخر.

الثالثة: أستحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار فليس لكل واحد منهم أن يجيز لا في الكل ولا في نصيبه بل اللازم على الكل أن يتفقوا أما على الفسخ أو الإجازة لأنه حق واحد انتقل إليهم ولا يقبل التجزئة كالمال فلا محيص من جعله بتلك الكيفية وأقرب الوجوه الوسط ثم الأخير وأبعدها الأول.

وهناك تصورات أخرى بعيدة هي إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة ولا يتسع المجال لأكثر من هذا، ومن المسائل النظرية التي فيها عميق التحقيق في هذا البحث أرث الزوجة للخيار فيما تحرم من أرثه عندنا كالأراضي والعقارات ولنا فيه رسالة مفردة فريدة في بابها، لو كان الخيار لأجنبي فمات فهل ينتقل إلى وارثه ــ عموم الدليل ــ واطلاقه يقتضيه والأعتبار لا يساعده عليه، ويكفي الشك في التوقف والاقتصار على المتيقن وهكذا الكلام في العبد وإن خياره لمولاه أو لنفسه.

ومن أحكام الخيار التي تقدم ذكرها، سقوطه بالتصرف وكان الملحوظ هناك إن التصرف مسقط والذي ينبغي أن يضاف إليه هنا إن التصرف كما يكون مسقطاً فيصير إجازة للبيع كذلك قد يكون فسخاً له.

وقد ذكر فقهاؤنا (M) إن تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه فسخ وفيما انتقل إليه أجازة ولكن كما أن التصرف لا يكون مسقطاً للخيار واجازة إلاَّ إذا كان دالاً على الرضا كما يستفاد من بعض أدلته كالصحيحة التي يقول فيها فإن أحدث المشتري فيما أشترى حدثاً قبل الثلاثة فذاك رضاً منه ولا شرط له ــ أي لا خيار له ــ فكذلك يلزم تقييد التصرف المجعول فسخاً بما إذا كان قد قصد به الفسخ وكان له ظهور فيه لا مطلقاً، فاللازم إناطة الفسخ بالتصرف الدال عليه كإناطة الإجازة بالتصرف الدال على الرضا ضرورة إن التصرف في ماله المنتقل عنه قد يقع على وجوه شتى غير قصد الفسخ واسترداد الملكية، ثم إنَّ بعض الأعلام استشكل في أن الفسخ هل يحصل بنفيس التصرف فيكون سبباً بذاته أو هو كاشف عن حصول السبب قبله وذكر إن كلمات بعض الأصحاب يظهر منها الأول ومن آخرين يظهر الثاني.

وأقول التحقيق عندنا أنه لا هذا ولا ذاك لا سبب مستقل ولا كاشف صرف بل هو جزء السبب للفسخ نظير العقد مع القصد في تأثير النقل والملكية وسائر الصيغ الشرعية. فالتصرف مع قصد الفسخ هو المؤثر في تحقق الفسخ شرعاً بل وعرفاً لا القصد وحده ولا التصرف وحده، وكلمات الأصحاب لا تأبى من ذلك وأنه مع القصد سبب تام لحل العقد كما في سائر المقامات من عقود وايقاعات، وعليه فهذا البحث مستدرك بجملته، فليتدبر.

وعليه فلو باع ما أنتقل عنه أو رهن أو أوقف تكون تلك الصيغ ذات أثرين هما: فسخ فعلي، وتمليك عقدي جديد، وتوهم الدور لأنها موقوفة على الملك وهو لا يحصل إلاَّ بعد الفسخ الذي لا يحصل إلاَّ بها.

وبعبارة أجلى البيع موقوف على ملكه، وملكه موقوف على بيعه الذي به يتحقق عود الملك إليه لأن به يحصل الفسخ حسب الفرض مدفوع بأنه من قبيل ما يقال (دورمعية) ويكفي في صحة البيع حصول الملكية معه غايته أنه يملكه أولاً ثم يملّكه (بالتشديد) ثانياً، ويترتب الثاني على الأول ترتب المعلول على علته يتحدان زماناً، ويتقدم احدهما على الآخر رتبة، وقد ألتزم بعض تفصياً من هذا المحذور بأن قصد الفسخ الذي يتعقبه التصرف ببيع ونحوه موجب للفسخ ودخوله في ملكه واقعاً فيصح البيع وهو وجيه أيضاً، وإن كان الأول أوجه وعليه يبتنى سائر التصرفات من وطيء أو أكل أو بيع أو هبة أو غير ذلك، وفرعوا على هذا ما لو باع عبداً بجارية ثم قال أعتقهما فهل هو اجازة إن قدمنا عتق الجارية أو فسخاً إن قدمنا عتق العبد، وبناء على ما ذهبوا إليه من أن الفسخ مقدم على الإجازة يقدم الثاني ويلغو الأول ولكنه محل نظر، فليتأمل.

ومن أحكام الخيار عند الأصحاب التي لم يتقدم لها ذكر، عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفاً يمنع من استرداد العين لو تحقق الفسخ فقد قال الأكثر إن خيار البائع يمنع المشتري من التصرفات الناقلة، ولكن في شرائع المحقق (L) ما نصه:

((ويصح الرهن في زمن الخيار سواء كان للبائع أو للمشتري أو لهما لأنتقال المبيع بنفس العقد على الأشبه))، انتهى.

ومعلوم أنه إذا صحَّ الرهن صحَّ البيع وغيره من التصرفات لوحدة الملاك، وأضطربت هنا كلمات الأعلام، فبين قائل بالمنع مطلقاً، وقائل بالجواز مطلقاً، ومفصل بين العتق الذي لا يمكن فسخه لأن الحر لا يعود رقاً وبين غيره من التصرفات التي يمكن فسخها كالبيع ونحوه مما يمكن فسخه لو فسخ المالك الأول فينفسخ الثاني بفسخه، وقد أحتج كل فريق لما ذهب إليه بحجة قويمة وردها الآخر كذلك، والبسط محال إلى محله.

ولباب التحقيق في هذا الباب وما نصير إليه من الرأي ــ إن الخيارات الأصلية كاحيوان والمجلس ونحوها من المجعولات الشرعية أصالة بناء على ما عرفت مكرراً من أن العقد الخياري يؤثر الملكية ويحصل به النقل والانتقال، كالعقد اللزومي لا فرق بينهما إلاَّ بأمكان رفعها وإعادة الملكية السابقة ولازم تحقق الملكية المطلقة به جريان قاعدة السلطنة فله أن يتصرف في ملكه كيف شاء ولا وجه لمنعه من التصرف إلاَّ تعلق حق صاحب الخيار بأسترداد العين فيكون حقه مانعاً من نقلها إلى الغير أو جعلها بحيث لا يمكن استردادها كالوقف والعتق ونحوهما، وليس هو بأضعف من حق الرهن المانع من التصرف، وهذا الحق وإن كان مما لا مجال لدفعه ولكن اقتضائه المنع من التصرف ممنوع فإنه لا يقتضي أكثر من رد العين إن كانت موجودة ورد بدلها إن كانت تالفة أو بحكم التالفة، ومحور القضية يدور على أن العقد الخياري أثره الملكية المطلقة، والسلطنة التامة أو الملكية المقيدة وبناء على ما لا ينبغي الريب فيه من الأول، فأن الملكية الحاصلة بهذا العقد لا قصور فيها من حيث ذاتها ولا نقص أصلاً ولا تفترق عن أختها إلاَّ بأمكان ابقائها ورفعها وهي هي تلك الملكية بحقيقتها إذاً فلا مساغ لأحتمال عدم صحة بعض التصرفات معها فهو يتصرف بمقتضى ملكيته كيف شاء وصاحب الخيار حقه محفوظ يعمله متى شاء فإن كانت العين موجودة أخذها وإلاَّ أخذ المثل أو القيمة كما لو كانت تالفة حقيقة، وهذا هو مقتضى التوفيق بين الأدلة والجمع بين الحقوق.

هذا في الخيارات الأصلية التي لا تقييد في أدلتها، أما غيرها من الخيارات الجعلية كخيار الشرط فغراره غير ذلك الغرار، فإن أشتراط البائع أن يكون له الخيار في الوقت المعين معناه أنه يريد استبقاء العين حتى يسترجعها فكأنه شرط ضمناً ابقاء العين حتى يستردها، وهذا المعنى وإن كان ملحوظاً في جميع الخيارات ولكنه فيها يشبه بالحكمة، وفي خيار الشرط يشبه أن يكون علة وقيداً، فلا يصح للمشتري أن يتلف العين بأختياره ويمنع البائع من حقه في رد ذات العين الذي هو متعلق غرضه لا البدل من المثل أو القيمة بخلاف تلك الخيارات الأصيلة التي جعلها الشارع فإنها لا تدل على أكثر من أن له الفسخ وحل العقد، أما إن العين يلزم عليه ابقاؤها أو لا يلزم فلا تعرض فيها لذلك أصلاً فيبقى على القاعدة وهي كما عرفت، ومقتضى صحة التصرفات من بيع ونحوه أن تكون واقعة على طبيعتها من اللزوم، فلو فسخ البيع الأول لا ينفسخ البيع الثاني بل يرجع الفاسخ ــ كما عرفت ــ إلى المثل أو القيمة، وما يقال من إن العقد الثاني قد قام على العقد الأول فإذا أنهار بفسخ صاحب الخيار انهدم الثاني لأنهدام أساسه مدفوع بأنه أن أريد ابتناؤه على استمرار ملكية الأول فهو ممنوع، وإن كان المراد أبتناؤه على ملكيته في الجملة ولو حين البيع فهو حاصل.

وبعبارة أجلى، إن البيع الثاني وقع صحيحاً بملكية البائع ولا يقدح انحلال العقد بعد ذلك الذي لا يؤثر في التصرفات السابقة لأنها وقعت جامعة مانعة من موجب كامل في محل قابل وحفظاً لحق الخيار يكون أثر فسخه أخذ البدل، وإذا جاز البيع بل ما هو أشد منه من الوقف والعتق ونحوها فبالأولى جواز مثل الإجارة والعارية ونحوها مطلقاً.

ولكن في عروة السيد الاستاذ (P): لا يجوز للمشتري بيع الخيار بشرط رد الثمن للبائع أن يؤجر المبيع أزيد من مدة الخيار لبائع ولا في مدة الخيار من دون اشتراط الخيار حتى إذا فسخ البائع يمكنه أن يفسخ الإجارة، وذلك لأن أشتراط الخيار من البائع في قوة أشتراط ابقاء البيع على حاله حتى يمكنه الفسخ فلا يجوز تصرف ينافي ذلك، انتهى. وفيه ما لا يخفى إذ أقصى ما هناك أن يقال بأنه موقوف على الأجازة لا عدم الجواز مطلقاً، بل والتحقيق حسبما عرفت الصحة مطلقاً غايته أن له المثل أو القيمة لو فسخ كما لو باع، فليتدبر.

نعم، لو أشترط عليه ذلك أتجه المنع ولزم لوجوب الوفاء بالشروط.

(فائدة)

شروط الأسباب والوسائل سواء كان ايجابية كشرط أن يبيع أو يوقف أو يعتق، أو سلبية كشرط أن لا يبيع أو لا يؤجر أو لا يهب يترتب عليها حكمان، تكليفي يعني لو خالف فعل حراماً، ووضعي فلو خالف وقع باطلاً وتخلف الشرط هنا لا يوجب خياراً إذ لا معنى للتخلف في السلبية لما عرفت من البطلان في المخالفة، ولو أمتنع عن الوفاء بالشروط الإيجابية كما لو شرط عليه أن يوقف فلم يفعل يجبره الحاكم الشرعي، فإن تعذر من كل وجه انجازه كان له الخيار فأعرف ذلك وتدبره.

ومن أحكام الخيار عند بعض فقهاؤنا ولم يتقدم له ذكر: أنه لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن مدة زمن الخيار ولو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره وله الاسترداد ولا يجبر الآخر على التسليم، وقيل ليس له الاسترداد بعد الدفع إلاَّ إذا فسخ، وقد يدعي الإجماع على أنه لا يجب على ذي الخيار التسليم أبتداء، وبهذا قال أكثر فقهاء المذاهب أو كلهم، ولكن هذا احكم مخالف لما مرَّ عليك غير مرة من تأثير العقد الخياري ملكية المشتري للمبيع وملكية البائع للثمن وانتقال كل مال إلى الآخر ومقتضى قاعدة السلطنة أن يدفع كل واحد إلى الآخر ماله الذي أنتقل إليه سيما مع المطالبة فكيف يجوز لكل منهما منع الآخر عن ماله و(الناس مسلطون على أموالهم).

وبالجملة فهذا الحكم لا دليل عليه بل الدليل على خلافه واضح والإجماع لم تتحققه.

ومن جميع ما نضدناه من مباحث الخيار وأنواعه وأحكامه ظهر لك أن التلف لا يسقط الخيار في جميع أنواعه، ومن المعلوم أن المراد منه التلف بعد القبض، أما التلف قبله فقد عرفت أنه يوجب الانفساخ القهري فيزول موضوع الخيار بقاعدة (كل مبيع...)، اما التلف بعد القبض في زمن الخيار كتلف الحيوان بيد المشتري في الثلاثة فإن جعلنا معنى قاعدة (التلف ممن لا خيار له..) كناية عن سلطنة المشتري على البائع فسخاً وأمضاء فلازم هذا بقاء خياره فإن أجاز أستقر ملك البائع للمسمى وإن فسخ استرده وتلف المبيع من البائع فالتلف حينئذٍ لا يسقط الخيار وإن جعلنا معناه أنه ينفسخ العقد ويدخل المبيع في ملك البائع ويتلف من ماله لم يبقَ وجه لبقاء الخيار بل يكون نظير التلف قبل القبض.

والقصارى إن هذا مبني على ما ذكرناه في أول الخيار من أنه إن كان سلطنة على العقد فالتلف لا يرفعه، وإن كان سلطنة على استرداد العين فلا معنى لبقائه بعد تلفها إلاَّ بتكلف بعيد عن الذوق والاعتبار بل وعن الأدلة.

نعم، حتى لو قلنا بأنه سلطنة على العقد يمكن دعوى كون التلف يسقط الخيار في الموارد التي علم إن المراد من تشريع الخيار رفع ضرر الصبر على العين كما في خيار العيب فلو تلفت أرتفعت حكمة تشريعه ولم يبقَ وجه للخيار لعدم أمكان الرد، ولذا يتعين الأرش هناك أو الامساك مجاناً. والفسخ وأن أمكن على أن يكون أثره المطالبة


 

بالمثل أو القيمة ولكنه خلاف نص الأدلة التي أناطت الرد بقيام العين ومع التلف فأين قيام العين حتى ترد لذا انحصرت القضية بالأرش وفي الغبن برد التفاوت أما خيار الشرط أو خيار رد الثمن، فظاهر هذين الخيارين ابتناؤهما على أن رد الثمن إنما هو لأسترداد نفس العين فهو متقوم بردها ذاتاً فإذا أمتنع ردها سقط الخيار طبعاً، فتلخص إن الخيارات تختلف مع التلف فبعضها يثبت معه وبعضها يسقط فلابد من التأمل في كل مورد بخصوصه.

وبقول مطلق إن الخيار إن كان هو الرد فهو ساقط بالتلف طبعاً وقطعاً، وإن كان عبارة عن الفسخ فإن كانت العين موجودة أخذها وإلاَّ فالبدل ، وعليه فلا يسقط نوع من أنواعه بالتلف إلاّ ما قام عليه الدليل كما في خيار العيب ونحوه.

ومن أحكام الخيار أيضاً مما لم يذكر: أنه لو فسخ ذو الخيار فالعين التي في يده حسب الفرض قد دخلت في ملك الآخر، كما إن في يد الآخر قد رجع إلى ملكه فقاعدة اليد تقتضي ضمان كل منهما العين التي في يده للآخر وليس هنا أستئمان ونحوه حتى يسقط الضمان فالمقتضي موجود والمانع مفقود في حق كل واحد منهما على صاحبه وببيان آخر إن العين في يد كل منهما كانت مضمونة قبل الفسخ بالمسمى ولما بطل المسمى بالفسخ الحادث ولم يكٌ ائتمان لا مالكي ولا شرعي لا قبل الفسخ ولا بعده فلا محالة ينتقل الضمان إلى البدل الواقعي وهو المثل أو القيمة.

ولنكتف بهذه الشذرات من مباحث الخيارات فقد ألتقطنا لك نفائس تلك المعادن المطمورة في كتب الأصحاب المغمورة بتعقيد البيان وعدم افادة التعبير، واجادة التحرير، فجلوناها لك بحمد الله تعالى كالوذيلة الصقيلة المرصعة باللئاليء الناصعة، من الرأي البكر، والتحقيق الطريف، المتدافع من منابع الوجدان، ومنائح البرهان، والعلم السهل الممتنع، والمنة لله وحده.

وله الحمد

[يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ]

 

الكتاب الثاني

في الاجارات

(ويشتمل على مقدمة وثمانية أبواب)

في الأصطلاحات الفقهية المتعلقة بالاجارة

(مادة 404)

الأجرة والكراء بدل المنفعة، والإيجار هو الإعطاء بالكراء، والاستيجار الأخذ بالكراء.

أصل هذه المادة الأجر الذي يفسر في اللغة ــ بجزاء العمل ــ وهو ظاهر في العمل الذي يكون جزاء للعمل، ثم أتسع فشمل المال الذي يقع عوض العمل، ثم أتسع فتناول عوض المنفعة ــ أي منافع الأعيان ــ وغلب أستعماله واستعمال مشتقاته من المزيد كآجر والمجرد كأجر وإيجار وأجارة في المعنى العرفي المقتنص من ذلك المعنى اللغوي فصار يستعمل حتى تعين في لسان الشرع والمتشرعة في العقد الذي هو تمليك المنفعة بالعوض المعلوم، كما هو المعروف من تعريفها عند الإمامية وسائر فقهاء المذاهب وتستعمل الإجارة تارة أسماً بمعنى الأجرة وأخرى مصدر بمعنى الإيجار أو مصدر (أجر) المجرد سماعاً أو (آجر) المزيد وعلى كلٍ فالأقرب إن المراد من قولهم (كتاب الإجارة ) والأجارات ونحوها هو الإيجار وما يتحقق به هذه المعاملة شرعاً وبيان أحكامها والأجرة والكراء وإن أتحدا في كونهما بدل المنفعة، ولكن شاع وغلب استعمال الكراء في بدل منفعة الدواب والأجرة في غيرها فيقال: كريت الدابة واكتريتها، كما يقال آجرتها وأستأجرتها، وأستأجرت الدار والعبد، ولا يقال: كريت الدار، إلاَّ نادراً.

ولا أهمية في كل هذا إنما المهم تعريف الإجارة شرعاً تعريفاً يطابق الحقيقة أو يقاربها، وقد عرفتها (المجلة):

(مادة 405)

الإجارة في اللغة بمعنى الأجرة وقد استعملت في معنى الإيجار أيضاً وفي اصطلاح الفقهاء بمعنى بيع المنفعة المعلومة في مقابلة عوض معلوم.

استعمال البيع في تعريف الإجارة يشبه أن يكون من قبيل تعريف الشيء بضده فإن البيع مختص ينقل الأعيان والإجارة بنقل المنافع وهما متباينان مفهوماً ومصداقاً وكان اللازم أن يقال: هي تمليك المنفعة المعلومة بعوض معلوم كما هو التعريف الشائع عند الأكثر فإن التمليك جنس وبأضافته إلى المنفعة خرج البيع وغيره من العقود الناقلة كالصلح والهبة مما يحصل به تمليك الأعيان.

نعم، ينتقض في طرده بشموله للصلح على المنفعة وهبة المنافع هبة معوضة، والعارية المعوضة كما قيل والجميع مدفوع بأن حقيقة الصلح التسالم وهو يقع على المعاوضة وعلى غيرها وحقيقة الهبة تتقوم بالمجانية والعوض ليس للعين الموهوبة بل لذات الهبة والعارية، إذا دخلها العوض كانت إجارة في الجوهر سواء سميتهما عارية أو إجارة أو غيرهما، فإن الإجارة والعارية يشتركان في أنهما تسليط على المنفعة فإن كان بعوض كان إجارة وإن كان مجاناً كان عارية فالإجارة والعارية في المنافع كالبيع والهبة في الأعيان بل التحقيق إن العارية لا تمليك فيها ولا تسليط أصلاً لا على العين ولا على المنفعة بل هي إباحة الانتفاع لا تمليك المنفعة ولذا لا يستطيع المستعير نقلها إلى الغير بعقد أو غيره، ومن هنا ينقدح الإشكال في عدها من العقود ولا تحتاج إلى إيجاب وقبول بل هي بالإيقاع أشبه وإن شاع عندهم درجها في العقود.

أما الإجارة فهي وإن كانت حسب الشائع عند الفقهاء عبارة عن تمليك المنفعة بعوض ولكنها بالنظر الأدق سلطنة على العين من حيث ملكية منافعها فهي أيضاً من مقولة الملك والجدة أن أريد من الإجارة الأثر الحاصل والنتيجة والغاية وإن أريد بها السبب والوسيلة فهي العقد الذي ينشأ به التسليط على العين بأعتبار ملكية منافعها، وهذا هو المراد من قول الفقهاء (كتاب الإجارة) و(كتاب البيع) ونحوها. وعليه فأركان الإجارة ثلاثة: العوضان، العاقدان، العقد. فيلزم البحث عن كل واحد منها وشرائطه وأحكامه وأحكام الإجارة.

أما ما ذكر في (المجلة) في مقدمة الإجارة المشتملة على الاصطلاحات الفقهية فيها فهي مستدركة لا حاجة إلى شيء منها ضرورة أنه ما من عربي عريق أو لصيق إلاَّ وهو يعرف المستأجِر (بالكسر)، والمستأجَر (بالفتح)، والمأجور، والأجير، والأجرة، ومحل


 

الاستغلال أي الموضع المعد للإيجار من غيره والمسترضع هو من أستأجر ظئراً للرضاعة. فكل هذه المواد واضحات وتوضيح الواضح من العبث فيلزم لو حررت (المجلة) ونقحت حذف كل ما هو من هذا القبيل لذا لم نذكرها.

الباب الأول

في الضوابط العمومية

(مادة 420)

المعقود عليه في الإجارة هو المنفعة

لا يخفى ما في هذا التعبير من التسامح بل الخلل فإن عقد الإجارة يتسلط على العين، ولكن بأعتبار المنفعة لا على المنفعة مباشرة فتقول: آجرتك الدار، ولا تقول: أجرتك المنفعة، ولو قلت: ملكتك المنفعة، فالمشهور وإن كان يظهر منهم الصحة ولكن صحته إجارة لا يخلو من نظر فإن حقيقة الإجارة تسليط على العين بأعتبار المنفعة، فإن قلنا بصحته فهو عقد بنفسه.

وتحرير البحث هنا بالنظر الدقيق يتوقف على بيان أمرين مهمين:

الأول: منافع الأعيان من عقار أو انسان أو حيوان قبل العمل أو الأستعمال معدومة في الخارج بالضرورة، والمعدوم لا يصلح للعقد عليه أصالة وإن أمكن تبعاً ولكن المنافع مطلقاً وإن كانت معدومة حقيقة، ولكن لها بأعتبار العقلاء نحو من الوجود قائم بوجود الأعيان قيام المظروف بالظرف والحال في المحل يعني قيام شيء في شيء وإن كان واقع أمرها أنها قيام شيء بشيء يعني قيام الصفة بالموصوف والعرض بالمعروض، ولكن العرف قد يراها بمنظار مكبّر أنها موجودات متأصلة مع الأعيان أو في اعيان فيصح بهذا الأعتبار لحاظها مستقلة وايقاع العقد عليها مباشرة بتمليك أو وصية أو صدقة وهذه المعاني لا ربط لها بالإجارة، إنما الإجارة لحاظ المنافع بأحد الوجهين الأولين التي تلحظ بها المنافع قائمة بالعين قيام عروض أو قيام حلول وبهذا اللحاظ يوقعون العقد على العين بأعتبار تلك الشؤون القائمة بها، وقد عرفت إن هذه الشؤون والمنافع هو المقومة لمالية العين ولكن تارة تندك في العين فيجري العقد على العين مطلقة مرسلة وأخرى على العين مقيدة محصلة، فالأول هو البيع والثاني هو الإجارة، ويلحق بالأول وإن لم يكن من صميمه وحقيقته تمليك العين، وبالثاني كذلك تمليك المنفعة.

ومن هنا يظهر لك التسامح في تعريفهم الإجارة بأنها تمليك المنفعة والخلل في (المجلة) أن المعقود عليه في الإجارة هو المنفعة، بل المعقود عليه في البيع والإجارة شيء واحد وهو العين ليس إلاَّ، ولكن اللحاظ والاعتبار مختلف. وهذه المعاني ارتكازية عند العقلاء وإن كان لا يحسن تحليلها وتفكيك عناصرها إلاًّ أنا أو أنت ويغفل الكثير عنها والله ولي التوفيق للجميع.

الثاني: لا يذهبن بك الوهم كما توهم جماعة إن المراد بالمنفعة هنا خصوص المعاني التي لا عين لها في الخارج من الاعراض المقولية كسكنى الدار ولبس الثوب وعمل الخياطة بل المنفعة تعم حتى الأعيان، إذا كانت نماء لأعيان أخرى مثل الشاة وصوفها وثمرة النخيل والأشجار بل ويشمل نتاج الأنعام وأولادها فيصبح أن يؤجر الدابة والشاة بإعتبار جميع نماآتها حتى أولادها وتؤجره النخيل بأعتبار كل منفعة فيه حتى التمر والسعف والكرب ولا يقدح في ذلك القاعدة المشهورة في ضابطة (ما يصح أجارته) أنه ما لا تستهلك عينه بالانتفاع به ــ أو ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فإن جميع ذلك محفوظ فإن الإجارة تعلقت بالشاة ولبنها وصوفها منافع لها وإن كانت أعياناً ولا يضر استهلاكها مع بقاء عين الشاة وهكذا النخيل والأشجار وأمثالها.

ومن هنا ظهر ضعف ما توهمه بعض شراح (المجلة) حيث يقول: الإجارة الواقعة على الحوض لأصطياد أسماكه أو أخذ ماءه وعلى الحرش لقطع اشجاره أو لرعي الأغنام فيه أو على الأشجار لأخذ ثمارها...والأغنام لأخذ صوفها والأبقار لأخذ حليبها ــ باطلة ــ بل الحق كما عرفت أنها جميعاً صحيحة ولا تزال السيرة جارية على اجارة الأرض لرعي الأغنام في نباتها وعشبها (شاة مرتع) وكأنه توهم أن المنفعة مختصة بالأعراض التي لا وجود لها في الخارج إلاَّ في موضوعاتها ولم يعرف إن منفعة كل شيء بحسبه.

(مادة 421)

الإجارة بأعتبار المعقود عليه على نوعين:

النوع الأول: الوارد على منافع الأعيان ويقال للشيء المؤجر عين المأجور وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: إجارة العقار.

الثاني: إجارة العروض، كإيجار الملابس والأواني.

الثالث: إجارة الدواب.

النوع الثاني: عقد الإجارة على العمل، وهنا يقال للمأجور أجير كأستئجار الخدمة والعملة وأستئجار أرباب الحرف والصنائع من هذا القبيل، وحيث إن أعطاء السلعة للخياط مثلاً ليخيط ثوباً يصير إجارة على العمل كما إن تقطيع الثوب على إن السلعة من الخياط استصناع.

سكنى الدار وركوب الدابة كعمل الإنسان من بناء أو حياكة أو صياغة وغيرها وكثمرة البستان ونحوها ــ كلها تندرج في المنفعة ويجمعها أنها فوائد أعيان لا تهلك العين بأستهلاكها ويستعمل في عمل الأنسان أنه أجير وفي الدابة والدار مستأجرة ومأجورة وليس الاستصناع، كما عرفت في مثل خياطة الثوب وتقطيعه إلاَّ إجارة على عمل، وكل عين يجوز إيجارها واستئجارها بأعتبار فائدة تحصل منها مع بقائها ولا يخرج إلاَّ ما ينحصر أستيفاء فائدته بزوال عينه كالمأكولات والمشروبات والزرع من حيث هو لا من حيث الأرض وهكذا.

(مادة 422)

الأجير على قسمين:

القسم الأول: هو الأجير الخاص الذي استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط كالخادم الموظف.

القسم الثاني: هو الأجير المشترك الذي ليس بمقيد بشرط أن لا يعمل لغير المستأجر كالحمال والدلال والخياط والساعاتي.

هذا التقسيم غير عام ولا مستوعب والتقسيم الجامع العام في المقام إن الإجارة بجميع أنواعها لعين من الأعيان أو لحيوان أو أنسان. أما أن تكون شخصية أو كلية، والشخصية أما أن تكون مشخصة من كل جهة أو من جهة دون أخرى ــ فالأقسام ثلاثة ــ كلية. كما لو أستأجرته على خياطة كلي معين بالوصف أو خياطة هذا الثوب المعين، وهذا واسع يدخل فيه أكثر الإجارات ومنه الأجير المشترك المذكور في (المجلة) الذي لم يقيد بشرط أن لا يعمل لغير المستأجر كالحمال والدلال والخياط والساعاتي فإنهم مأجورون على عمل كلي وهو خياطة الثوب واصلاح الساعة مطلقاً من حيث المباشر ومن حيث الوقت فلا ينافيه أن يكون مستأجراً لمتعددين كما إن صاحب الزورق وأمثاله يؤجر نفسه لا يصالك إلى المحل الفلاني في زورقه فلا يقدح تعدد الإجارة فإن الإجارة وقعت على كلي في الذمة، والذمة واسعة لا تزاحم فيما تشتمل عليه مهما تعدد.

الثاني: المشخصة من جهة أو جهات مخصوصة لا من كل جهة وهذه أيضاً ملحقة بالكلي، ولكن الكلي المقيد كما لو أستأجره على خياطة هذا الثوب ولكن بالنحو الخاص أو الوقت المعين ومهما تكثرت القيود والشروط لا يخرج عن كونها كلية.

الثالث: المشخصة من كل جهة كما لو أستأجره على خياطة هذا الثوب بنفسه في هذه الساعة المعينة أو في اليوم المعين وأمثال ذلك، وهذه هي الإجارة الشخصية التي لا مجال فيها للتعدد، والأجير هو الأجير الخاص الذي لا يجوز أن يعمل لغيره في ذلك الوقت المعين وسيأتي إن شاء الله حكم الأجير الخاص لو خالف ما أستؤجر عليه، ومن هذا القبيل المستأجر على الخدمة شهراً معيناً أو سنة معينة أو سنين هذا بالنسبة إلى عمل الانسان ونظيره بالنسبة إلى الأعيان من عقار أو حيوان فإنك تارة تؤجره دابة أو داراً موصوفة بأوصاف معينة فيجب أن تدفع له داراً بتلك الأوصاف تكون مصداقاً لذلك الكلى الذي وقت اجارتك عليه وتارة تؤجره هذه الدابة المعينة أو الدار المعينة فهذه إجارة شخصية، فلو آجرتها من غيره ثانياً وقعت باطلة أو فضولية موقوفة على إجازة المستأجر الأول لأنه ملك منافع هذه الدار المعينة، فقد ظهر من كل هذا إن الضابطة العامة والتامة هو إن الإجارة أما شخصية أو كلية وبأختلافهما تختلف الأحكام وليس المدار على الأجير الخاص أو الأجير المشترك بل على نحو الإجارة وكيفيتها.

ومنه ظهر ما في (مادة 422) الأجير على قسمين: الأجير الخاص الذي أستؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط كالخادم الموظف إلى آخر ما ذكر، فإن عدم جواز عمله للغير إنما هو من جهة إن الإجارة شخصية وأن يعمل بنفسه في الوقت المعين ولو أستأجره على حصول الخدمة وقضاء حوائجه المعينة في العقد جاز أن يقيم مقامه عاملاً وهو يعمل للغير.

(مادة 423)

كما جاز أن يكون مستأجر الأجير الخاص شخصاً واحداً كذلك يجوز أن يكون الأشخاص المتعددة الذين هم في حكم شخص واحد مستأجري أجير خاص، بناء عليه لو أستأجر أهل القرية راعياً على أن يكون مخصوصاً لهم بعقد واحد يكون الراعي أجيراً خاصاً ولكن لو جوزوا أن يرعى دواب غيرهم كان الراعي أجيراً مشتركاً.

لا معنى للتجويز هنا إلاَّ أن يكونوا قد أستأجروه على حصول العمل الخاص وهو الرعي أما مقيداً بمباشرته أو مطلقاً فتكون الإجارة كلية وله أن يعمل للغير أما لو أستأجروه على أن يجعل منافعه هذا الشهر أو السنة مقصورة على رعي غنمهم كانت الإجارة شخصية ولا يجوز أن يرعى غنم غيرهم بل ولا يجوز له أي عمل آخر.

(مادة 424)

الأجير المشترك لا يستحق الأجرة إلاَّ بالعمل

من الواضح إن التسليم والتسلم لا زمان في الإجارة كلزومهما في البيع ولكن يمكن تحققهما بجلاء في البيع الذي هو معاوضة في الأعيان بخلافه في الإجارة التي هي تعويض على المنافع وهي لكونها تدريجية الحصول ومن الأعراض الغير قارة لا يمكن تسليمها وتسلمها دفعة كالأعيان إذاً، فلابد أن يكون نحو التسليم والتسلم فيها بطور آخر وهو تسليم العين التي وقعت الإجارة على منافعها فإذا أستأجرت الدابة للركوب فتسليم منافع الدابة أو الدار تسليم عينها ليستوفي المنفعة منها فيسلمك الدابة وتسلمه الأجرة على نحو التقابض في البيع وإن كانت الأجرة على عمل فتسليمه أن يهيء معدات العمل فيحضر هو أو من يتحصل به العمل وبذلك يتحقق التسليم ويستحق الأجرة، ولكن جرت العادة في باب إجارة الأعمال نظراً إلى احتمال عروض الموانع من الاستمرار على العمل إلى تمامه أن تدفع الأجرة بعد استكماله وحقه أن يستلمها عند التهيء والشروع فإن الشخص هنا كالعين هناك فكما أنه إذا سلّم الدار المستأجرة يستحق الأجرة كذلك هنا إذا سلم نفسه أو نفس المستأجر على العمل يستحق الأجرة ولا فرق في ذلك بين الأجير المشترك أو الخاص وعبارة (المجلة) في هذه المادة مجملة لا يعلم هل المراد إن الأجير المشترك لا يستحق الأجرة إلاَّ بالعمل أي بعد العمل أو عند الشروع بالعمل، ولكن يظهر أن المراد الأول من مقابلته بالأجير الخاص في:

(مادة 425)

الأجير الخاص يستحق الأجرة إذا كان في مدة الإجارة حاضراً للعمل ولا يشترط عمله بالفعل ولكن ليس له أن يمتنع عن العمل وإذا أمتنع فلا يستحق الأجرة.

والتحقيق ما أوضحناه لكَ من عدم الفرق بين الأجيرين من حيث أصل الاستحقاق بمقتضى العقد وإن جرت العادة نظراً إلى تلك الملاحظة على الفرق بينهما فأفهم ذلك وتدبره.

(مادة 426)

من أستحق منفعة معينة بعقد الإجارة له أن يستوفي عينها أو مثلها أو ما دونها ولكن ليس له أن يستوفي ما فوقها مثلاً لو أستأجر الحداد حانوتاً على أن يعمل فيه صنعة الحدادة له أن يعمل فيه صنعة مساوية في المضرة لصنعة الحداد ولو أستأجر داراً ليسكنها فله أن يضع أشياءه فيها ولكن ليس لمن أستأجر حانوتاً للعطارة أن يصنع فيه صنعة الحداد.

هذه المادة مشوشة غير وافية بإيضاح المراد واعطاء الضابطة وكان يلزم أن تضم إليها المادة التي بعدها:

(مادة 427)

كل ما أختلف بأختلاف المستعملين يعتبر فيه التقييد، مثلاً لو أستكرى أحد دابة لركوبه ليس له أن يركبها غيره.

وتحرير هذا البحث ببيان ينجلي به وجه الحقيقة:

أنه يلزم في عقد الإجارة كما عرفت تعيين المنفعة أو العمل المستأجر عليه بنحو تنحسم به كل خصومة محتملة ورافع لكل غرر وجهالة، فلو أستأجر دابة فكما يلزمه تعيين الزمن لركوبها والمسافة ومن أين؟، وإلى أين؟، كذلك يلزمه أن يعين من الذي يركبها وهل شخصية فلا يستوفيها إلاَّ هو أو شخص معين، أو كلية يملكها هو ويستوفيها هو أو من يشاء وإذا كانت للحمل لا للركوب وجب عليه تعيين الوزن وجنس المحمول من قطن أو حديد أو طعام وكذلك إذا أستأجر حانوتاً يلزمه أن يعين المهنة التي يزاولها من حدادة أو نجارة أو غيرها من الصنائع التي تختلف تأثيراتها على العقارات وعلى الأبنية وهي الأعمال التي يعتبر فيها التقييد والتعيين فإن أوضح وقيد في متن العقد تعين وإن أطلق يعني أستأجر هذا الحانوت سنة معينة أو هذه السنة ولم يذكر ما يشتغل فيه أو أستأجر هذه الدابة للحمل من (النجف) إلى (بغداد) ولم يعين الوزن والجنس فإن كان هناك عرف ينصرف إليه الاطلاق، أو قرينة مقالية أو حالية يبتنى العقد عليها في تقييد تلك الجهات وتحديدها، تعينت وصارت بحكم المذكور في العقد، وإن لم يكن عرف أشكل صحة العقد للجهالة والغرر الذي هما مثار للخصومة والنزاع وتفكك الأوضاع، ولكن لو عينا صنعة أو صفة فتجاوزها فأما أن يكون التجاوز إلى صنعة أخرى تغايرها بالحقيقة كما لو عينا الحدادة فتجاوزها إلى النجارة أو أستأجر الدابة لحمل وزنة من الخشب فحمل عليها وزنة من الشعير مثلاً ففيها تفصيل يأتي بيانه وإن تجاوزها إلى ما يغايرها بالكم فقط فإن زاد كما لو حمل عليها من الخشب وزنتين كان ضامناً ولصاحب الدابة الخيار بين أن يفسخ فيأخذ أجرة المثل على الوزنتين وبين الأمضاء، ويأخذ أجرة المثل للوزنة الثانية، وإن حمل عليها الأنقص كما لو حمل عليها نصف وزنة صحت وليس للمستأجر المطالبة بأجرة الباقي لأنه قد فوته بأختياره.

وقد ظهر مما ذكرنا إن من أستأجر الحانوت لصنعة من حدادة أو غيرها ليس له أن يشتغل فيه بصنعة مساوية للحدادة في المضرة أو زائدة عليها أو ناقصة منها.

نعم، لو كان الاختلاف في المقدار فقط فإن نقص صحَّ ولا شيء وإن زاد فالخيار الذي عرفت، كما إن قول (المجلة) في (مادة 427) لو أستكرى أحد لركوبه دابة ليس له أن يركبها غيره، إنما يتم في الإجارة الخاصة الشخصية لا مطلقاً ومنه يستبين الخلل أيضاً في:

(مادة 428)

كل ما لم يختلف بأختلاف المستعملين فالتقييد فيه لغو، مثلاً لو أستأجر أحد داراً على أن يسكنها له أن يسكن غيره فيها.

فإن المالك إذا أشترط أن يسكنها المستأجر أما وحده أو مع عياله ولا يسكن غيره فيها لزم الشرط وصح التقييد سواء كان يختلف بأختلاف المستعملين أم لا، وأدلة الشروط عامة، فلو خالف كان للمالك الخيار بين الفسخ ورد المسمى وأخذ أجرة المثل وبين الأمضاء والمطالبة بالزائد ــ إن كانت ثمة زيادة ــ نعم، في الإجارة الكلية التي يملك فيها منفعة الدار المطلقة لا المنفعة الخاصة لا مانع من أن يسكنها من يشاء ولكن بالمقدار المتعارف أيضاً بالنسبة إلى ما تتحمله تلك الدار، فقول (المجلة) إن ما لا يختلف ــ فالتقييد فيه لغو ــ على أطلاقه غير صحيح.

(مادة 429)

يجوز للمالك أن يؤجر حصته الشائعة من الدار المشتركة لشريكه إن كانت قابلة للقسمة أو لم تكن، وليس له أن يؤجرها لغيره، ولكن بعد المهايأة له أن يؤجر نوبته للغير.

وتحرير البحث: في إجارة المشترك أي المشاع، إن المشاع إن آجر الشريكان حصتهما لثالث أو آجر أحدهما على الآخر فلا أشكال وإن آجر كل واحد منهما حصته لأجنبي فإن كان المشاع يتسع للمستأجرين فلا إشكال أيضاً في صحة الإجارتين وانتفاعهما معاً ولا تزاحم، وإن كان لا يتسع فإن أمكن قسمته ولا ضرر يجبران عليها أو يتفقان على الإجارة لأحدهما وقسمة الأجرة بينهما وإن كان في قسمته ضرر فأما أن يتفقا على الإجارة الواحدة أيضاً وأبطال الأخرى أو يجبر الحاكم المستأجرين على المهايأة الزمنية فإن لم يوافق الشريكان أو المستأجران على شيء من ذلك أجبر الحاكم الشريكين على أحد الأمرين من بيع المشاع على ثالث أو شراء أحدهما حصة الآخر، وليكن هذا أحد أنواع إزالة الشيوع الشائع في المحاكم الرسمية في هذه العصور وهو الأمر الواقع الذي


 

لا محيص عنه في مثل هذه الخصومات ويطرد في كل ما لا يمكن قسمته من مثل الرحى والطاحونة ومكينة الماء ومكينة الخياطة وأمثالها.

ومما ذكر عرفت القدح في قول (المجلة) وليس له ــ أي الشريك ــ أن يؤجر حصته لغير شريكه، فأنه لا مانع من إيجار الشريك حصته لمن شاء بقاعدة (الناس مسلطون على أموالهم) غايته، إن كلاً من الشريكين لو آجر لأجنبي فحال المستأجرين حال المالكين لا يتصرف أحدهما بالمشاع إلاَّ برضا الآخر فإن أتفقا فذاك وإن أختلفا وتشاحا فالميزان ما ذكرنا من المهايأة أو أبطال إحدى الإجارتين أو إزالة الشيوع بأمر الحاكم على أختلاف الصور.

هذا كله في إجارة الشريكين معاً أو إجارة أحدهما الآخر، وأما إجارة أحدهما فقط لأجنبي فلا يخلو أما أن يؤجر حصته من المشاع فقط أو يؤجر تمام المشاع ففي الصورة الأولى يقوم المستأجر مقام المالك الشريك تماماً فإما انتفاعهما بالعين معاً أو المهايأة أو إزالة الشيوع أو القسمة على اختلاف انحاء العين المشاعة حسبما أشرنا له، وفي الثانية تمضي الإجارة في حصته لزوماً وتبقى في حصة شريكه موقوفة على الإجازة فإن حصلت نفذت وإلاَّ بطلت ثم المستأجر يكون حاله مع الشريك حال شريكه الآجر ويجري ما سبق، فتدبر هذا واغتنمه.

والضابطة العامة في المقام أنه متى حصل التشاح والنزاع بين الشريكين في المشاع في أنفسهما أو في أجيريهما فالمرجع هو الحاكم ليجد حلاً مشروعاً لقطع مشاجرتهما ورفع خصومتهما، ويختلف بأختلاف الظروف والأحوال والبيئة والرجال.

(مادة 430)

الشيوع الطارئ لا يفسد عقد الإجارة، مثلاً لو آجر أحد داره ثم ظهر لنصفها مستحق تبقى الإجارة في نصفها الآخر الشائع.

هذا ليس من الشيوع الطارئ أصلاً بل هو من الشيوع القديم ويمكن أن يجعل من الشيوع الطارئ ما لو آجر داره ثم باع نصفها أو آجر فمات فأنتقلت إلى الورثة بناء على الأصح عندنا من عدم بطلان الإجارة بموت المأجر كعدم بطلانها بموت المستأجر، وعلى كلٍ فقد عرفت إن الشريك إذا آجر تمام المشاع فهو فضولي بالنسبة إلى حصة الشريك الآخر إن شاء أجاز وإن شاء فسخ سواء كانت الإشاعة معلومة من أول المر أو ظهرت بعد ذلك.

(مادة 431)

يسوغ للشريكين أن يؤجرا مالهما المشترك لآخر معاً مثل:

(مادة 432)

يجوز إيجاد شيء واحد لشخصين، وكلاهما من الواضحات.

الباب الثاني

في بيان المسائل المتعلقة بعقد الإجارة

ويشتمل على أربعة فصول:

الفصل الأول

في بيان مسائل ركن الإجارة

(مادة 433)

تنعقد الإجارة بالإيجاب والقبول كالبيع

عرفت قريباً إن تحقق معنى الإجارة وأثرها وهو تملك المنفعة بالمال يقوم على ثلاثة أركان:

1 ــ العقد.

2 ــ العاقدين (المؤجر والمستأجر).

3 ــ العوضين (المنفعة والأجرة).

أما العقد: فهو الإيجاب والقبول كما في البيع ولكن الصيغة الصريحة هي: آجرت وكريت، والقبول هو: أستأجرت وقبلت وما أشبه ذلك من الألفاظ الصريحة، أما ثمل: بعتك المنفعة، أو صالحتك أو ملكتك فهو وإن صحَّ وكان نتيجته نتيجة الإجارة، ولكن ليس هو منها بشيء فضلاً عن مثل: أعرتك ووهبتك واضرابها وإن سبق إلى وهم كثير من شراح (المجلة) دخولها في الإجارة، وقد سبق ما يوضح لك ذلك فتدبره.

كما أنك عرفت في (الجزء الأول) إن الصيغة الصريحة في عامة العقود هي صيغة الماضي دون الأمر والاستقبال كما أوضحت ذلك:

(مادة 435)

الإجارة كالبيع أيضاً تنعقد بصيغة الماضي ولا تنعقد بصيغة المستقبل.

(مادة 436)

كما إن الإجارة تنعقد بالمشافهة كذلك تنعقد بالمكاتبة وبإشارة الأخرس.

قد تقدم في مباحث البيع إن العقود لا تصح بالكتابة، والكتابة حاكية لا منشئة، فهي تحكي عن الألفاظ، والألفاظ تحكي عن المعاني، أما إشارة الأخرس فمع عدم إمكان التوكيل تكفي إذا فهمت ولا يقع شيء من العقود بالرسول ولا بالرسالة إلاَّ إذا كان الرسول وكيلاً.

(مادة 437)

تنعقد الإجارة بالتعاطي أيضاً كالركوب في باخرة المسافرين وزوارق الشوارع ودواب الكراء من دون مقاولة فإن كانت الأجرة معلومة أعطيت وإلاَّ أجرة المثل.

إذا كانت الأجرة معلومة أو أتفقا على أجرة معينة كانت اجارة معاطاتية وإلاَّ لم تكن لا من الإجارة العقدية ولا المعاطاتية لما عرفت في البيع من إن المعاطاة يلزم أن تكون واجدة لكل ما يعتبر في البيع سوى العقد. نعم، إذا أستوفى المنفعة بغير تواطئ على الأجرة ولا معلومية لزمت أجرة المثل من باب الضمان والغرامة فتدبر.

(مادة 438)

السكوت في الإجارة يعد قبولاً ورضاء، مثلاً لو أستأجر رجل حانوتاً في الشهر بخمسين قرشاً وبعد أن سكن فيه مدة شهر أتى الآجر وقال إن رضيت بستين فأسكن وإلاَّ فأخرج ورده المستأجر وقال لم أرضَ، وأستمر ساكناً يلزمه خمسون قرشاً كما في السابق وإن لم يقل شيئاً ولم يخرج من الحانوت واستمر ساكناً يلزمه أعطاء ستين قرشاً كذلك لو قال صاحب الحانوت مائة قرش وقال المستأجر ثمانين وأبقى المالك المستأجر وبقي هو ساكتاً أيضاً يلزمه ثمانون ولو أصر الطرفان في كلامهما وأستمر المستأجر ساكتاً تلزمه أجرة المثل.

لعمرك أنه حكم غريب لا يساعده الوجدان ولا البرهان فإن المالك إذا قال أنا لا أرضى بأن تسكن داري بستين في الشهر فإن رضيت وإلاَّ فأخرج فقال الساكن لا أرضى وأستمر ساكتاً كيف يلزم المالك قبول الخمسين وقد صرّح بعدم رضاه إلاَّ بستين.

وبالجملة فالمدار على قول المالك لا على رد المستأجر، فأن السكوت إنما يكون رضاً حيث لا يكون مسبوقاً بالرد الصريح والمفروض إن المالك صرّح بعدد رضاه إلاَّ بالستين وقد أمره بالخروج إن لم يرض وأي دلالة أصرح من هذا فهل يعقل أن يكون السكوت مزيلاً لهذا البيان المعتمد على قاعدتي (لا يحل مال أمرئ إلاَّ بطيب نفسه) و(الناس مسلطون على أموالهم).

وبالجملة فهذا ليس من موارد السكوت الذي يعتمد عليه ويستند إليه بل يجب عليه في الفرض أن يدفع الستين وهكذا في نظائره.

نعم، الرجوع إلى أجرة المثل في الصورة الأخيرة متجه كما لا يخفى وفي الصورة السابقة له وجه، أما ما يقوله المستأجر فلا يلزم به المؤجر قطعاً فليتدبر.

(مادة 439)

لو تقاولا بعد العقد على تبديل البدل أو تزييده أو تنزيله يعتبر العقد الثاني.

المقاولة بعد تمامية العقد الأول لا تجدي ولا ترفع ما وقع عليه ذلك العقد. نعم، لو فسخا العقد الأول وعقدا ثانياً يعتبر العقد الثاني ولغا الأول.

(مادة 440)

الإجارة المضافة صحيحة وتلزم قبل حلول وقتها بناء عليه ليس لأحد العاقدين فسخ الإجارة بمجرد قوله ما آن وقتها تقدم اصطلاحهم على أن الإجارة المنجزة هي الإجارة التي يتصل أستحقاق المنفعة بها بزمان العقد، والمضافة هي التي يتأخر الاستحقاق فيها عن زمان العقد كما لو آجره الدار السنة التي بعد هذه السنة أو بعد هذا الشهر وهكذا، ولا ريب عندنا في صحتها ولزومها كالمنجزة، وكل إجازة إذا وقعت صحيحة لا يسوغ لأحدهما فسخها كما في:


 

 (مادة 441)

الإجارة بعدما انعقدت صحيحة لا يسوغ للآخر فسخها بمجرد ضم الخارج على الأجرة لكن لو آجر الوصي أو المتولي عقار اليتيم أو الوقف بأنقص من أجرة المثل تكون الإجارة فاسدة وتلزم أجرة المثل.

أما أنفساخ إجارة عقار اليتيم والوقف إذا كانت أقل من ثمن المثل فيمكن أن يكون وجهه هو إن أجرة المتولي أو الولي والوصي منوطة بالمصلحة فإذا لم توافق المصلحة تكون باطلة، ولكن مع البطلان فإن أستوفى المستأجر المنفعة يستوفي منه أجرة المثل وإلاَّ فتؤجر بما فيه الغبطة لليتيم أو الوقف فلعل ما يحصل راغب بأكثر من أجرة المثل فلا وجه للقول بها على الأطلاق.

(مادة 442)

لو ملك المستأجر عين المأجور بأرث أو هبة يزول حكم الإجارة

أوضح مثال لهذا الفرع ما لو أستأجر داراً ثم أشتراها. ثم إن شراءه لها لا يخلو أما أن يكون بعد استيفاء تمام المنفعة أو بعضها أو قبل استيفاء شيء منها، أما الأولى فلا أشكال في صحة البيع والإجارة ويستحق المالك ثمن العين وأجرة المنفعة وهو واضح، وأما الثانية والثالثة فقد يقال ببطلان الإجارة فيهما بالنسبة إلى الجميع في الأخيرة والثاني في الثانية بزعم إن الإنسان لا يدفع أجرة على الإنتفاع بملكه وهو واضح الضعف فأنه لم يدفع أجرة على الانتفاع بملكه، بل على منفعة ملك غيره فأنه حين تملك المنفعة ما كان يملك العين وحين ملك العين لم يبقَ فيها منفعة بل ملكها مسلوبة المنفعة كما لو أشترى داراً مأجورة لغيره.

والخلاصة: إن البيع اللاحق لا يزاحم الإجارة الصحيحة السابقة ولا يبطلها بل كلاهما صحيحان مؤثران، هذا بالنسبة إلى العين وذاك بالنسبة إلى المنفعة فحكم (المجلة) ببطلان الإجارة لا وجه له.

 (مادة 443)

لو حدث عذر مانع لأجراء موجب العقد تنفسخ الإجارة

المقصود بهذه المادة بيان أسباب انفساخ الإجارة وبطلانها بع وقوعها صحيحة، وقد أحسنت (المجلة) في ضابطة الانفساخ إجمالاً وهي العذر المانع من أجراء موجب العقد وتفصيل ذلك، إن الانفساخ أما زوال العين التي هي محل الإجارة أو زوال المستأجر الخاص على العمل، مثلاً لو أستأجر هذه الدابة المعينة فماتت أو أستأجره لقلع ضرسه فبرء أو سقط أو أستأجر الشخص المعين للعمل فمرض أو مات فلا أشكال في أن الإجارة تبطل في جميع هذه الفروض، وكذا لو أستأجر الدكان فأنهدم.

ثم إن كان زوال الموضوع قبل استيفاء شيء من المنفعة فلا أشكال في أنها تنفسخ ويسقط تمام الأجرة وإن كان بعد استيفاء مقدار منها فبالنسبة كما لو ركب الدابة فماتت في منتصف الطريق فيمكن القول بأستحقاق نصف الأجرة على تأمل، ولعل المقامات تختلف فيلزم التأمل في كل مورد بخصوصه ومع التخاصم فالرجوع إلى الحاكم أحرى وأحكم والله أعلم.

ومن موارد الانفساخ ما ذكر في (المجلة) من الأمثلة لو أستأجر طباخاً للعرس ومات أحد الزوجين، ويمكن المناقشة في المثال فإن موت أحد الزوجين لا يستلزم سقوط الطبخ فليكن الطبخ للعزاء لا للهناء. نعم المثال الثاني صحيح وهو من كان في سنه ألم فأستأجر على أخراجه فزال الألم تنفسخ الإجارة وكذلك وفاة الصبي أو الظئر لا بوفاة المسترضع وهذا البحث واسع وستأتي له أمثلة وفروع كثيرة.

الفصل الثاني

في شروط انعقاد الإجارة ونفاذها

شروط انعقادها هي شروط الصحة، والإجارة عندنا إذا صحت لزمت وليس فيها خيار ذاتي كخيار المجلس في البيع وخيار الحيوان وخيار التأخير. نعم، تجري فيها الخيارات العامة كخيار العيب والغبن ونحوها كما سيأتي.

أما شرائط الصحة فتارة بالنسبة إلى العقد وأخرى إلى المتعاقدين وثالثة إلى الأجرة والمنفعة، أما العقد فقد سبق القول فيه في الفصل الأول، وكان ينبغي أن تخص (المجلة) هذا الفصل لشرائط المتعاقدين وتخص الأول بشرائط اعقد ولكنها أدخلت بعضاً في بعض وخلطت في الفصلين بين شرائط هذا وذاك ففاتها حسن التحرير ومتانة التأليف، ففي:

(مادة 444)

يشترط في انعقاد الأجارة أهلية العاقدين يعني كونهما عاقلين مميزين، ذكرت شرائط العاقدين من العقل والتمييز وأهلية التصرف بالملك أو الوكالة أو الولاية أو الوصية عن المالك ولكنها أقحمت في خلال ذلك:

(مادة 445)

المشتملة على ما هو من شرائط العقد وهو اشتراط موافقة الإيجاب والقبول واتحاد مجلس العقد وكان حق هذا أن يذكر في الفصل الأول.

وكيف كان فلا ريب في فساد عقد المجنون حال جنونه عند الجميع وهو عند الإمامية من الشرائط العامة المعتبرة في صحة كل عمل من عبادة أو معاملة وأولها العقل، وثانيها البلوغ، ولكن بعض فقهاء المذاهب يكتفون بالتمييز عن البلوغ فتصح عندهم معاملة الصبي المميز، أما الأمامية فبين قائل بالبطلان مطلقاً وهم الأكثر وبين قائل أنها موقوفة على اجازة الولي فيشبه الفضولي من هذه الجهة وإن كان العاقد مالكاً، وهذا القول سديد ولعل القائل به كثير حتى من فقهاء المذاهب كالأحناف وغيرهم وقيل بنفوذه مطلقاً أو في خصوص الوصية ونحوها مما ورد النص به والقائل به منّا قليل.

أما توافق الإيجاب والقبول فهو شرط ضروري وركني فلو وقع القبول على غير ما وقع الإيجاب عليه لم يقع عقد أصلاً، أما اتحاد مجلس العقد فغير لازم لا هنا ولا في البيع، إنما اللازم فيهما كما مرت الإشارة إليه في البيع الموالات بين الإيجاب والقبول، وتحصل بحفظ الهيئة الاتصالية بينهما بحيث لا يعد القبول مبتوراً عن الإيجاب ككلام مستقل وقد أوضحناه في (الجزء الأول) مفصلاً فراجع، فإذا حصل التوالي بين الإيجاب والقبول صحَّ العقد من هذه الجهة سواء اتحد مجلس العقد أم تعدد فلو أوجب المؤجر في غرفة ثم قاما مصطحبين إلى غرفة قريبة وقبل المستأجر حصل التوالي وإن تعدد مجلس العقد وهو واضح.

(مادة 446)

يلزم أن يكون الآجر متصرفاً بما يؤجره أو وكيل المتصرف أو وليه أو وصيه، هذه المادة لبيان أهم شرائط الإجارة كما كانت أهم شرائط البيع وهي اعتبار مكية المؤجر أو وكالته أو ولايته عن المالك، ولكن قولها بناء عليه يلزم أن يكون الأجر إلى الآخر، لا يظهر وجهه فإن هذا شرط برأسه لا علاقة له بالمادة السابقة عليه وهي موافقة الإيجاب والقبول وكان حق المعنى والتعبير أن تقول: يلزم أن يكون الآجر له حق التصرف في المأجور بملك أو ولاية أو وكالة أو وصية، وأنواع الولاية ستة:

1 ــ ولاية الأب والجد على الصغير.

2 ــ ولاية القيم المنصوب منهما.

3 ــ ولاية الوصي على الثلث.

4 ــ متولي الوقف.

5 ــ الحاكم الشرعي ومنصوبه على الصغير الذي لا ولي له من أب أو جد أو منصوبهما وعلى الغائب والمجنون والممتنع.

6 ــ ولاية الإمام على الأراضي الخراجية والأنفال ونحوها.

أما الأمانات فأذن لا ولاية فتدبرها.

 وهذه الولايات بعضها مع بعض قد تكون طولية وقد تكون عرضية فإذا اجتمع وليان أو أكثر كأب وجد نفذ تصرف السابق منها وبطل اللاحق وإذا اقترنا بطلا حيث لا يمكن الجمع.

ومن العي في البيان قولهم يلزم أن يكون الآجر متصرفاً أي مالكاً للتصرف فتدبره.

(مادة 447)

انعقاد إيجار الفضولي موقوف على إجازة المتصرف، فإن كان المتصرف صغيراً أو مجنوناً فالولي أو الوصي بشرط أن يكون قد أوجر بأجر مثله، لكن يشترط في صحة


 

الإجازة قيام وبقاء أربعة أشياء العاقدين، والمال المعقود عليه وبدل الإجارة إن كان من العروض وإذا عدم أحد هؤلاء فلا تصح الإجازة.

يعني إنها موقوفة على إجازة المالك فلو كان المالك صغيراً أو مجنوناً فالولي أو الوصي إذا كانت الإرادة ببدل المثل ــ والأولى أن يقال إذا كانت الإجارة موافقة للغبطة والمصلحة إذ قد تكون الغبطة فيما دونه، وعلى كلٍ فيعتبر في صحة الإجازة ونفوذها بقاء أمرين فقط: المنفعة والأجرة، إن كانت عيناً خارجية لا ديناً في الذمة، أما العاقد الفضولي فلا أثر لبقائه وعدمه إذ هو آلة للتلقط فقط، وأما المعقود له الأصيل فالأصح أيضاً اعتبار بقائه على الأهلية من الحياة والعقل وغيرها وإن أمكن المناقشة في ذلك فليتدبر.

الفصل الثالث

في شروط صحة الإجارة

(مادة 448)

يشترط في صحة الإجارة رضا العاقدين

حق هذا الشرط ولواحقه من القصد والاختيار ونظائرها أن يذكر في الفصل المتقدم الذي ذكر فيه بعض شروط العاقدين من العقل والتمييز ولا يحسن هذا التبعثر والخلل في النظام وكان ينبغي قصر هذا الفصل على شرائط المنفعة والعوض كما هو أكثر مواده بل كلها عدا الأولى.

ثم أن جميع مواد هذا الفصل قد اشتملت على شرطين من شروط المنفعة والعوض وهما: التعيين أولاً وتعيين كل شيء بحسبه والغرض المهم منه بيان كل ما يكون الأخلال به موجباً للغرر أو التشاجر بين المستأجر والمؤجر، والقدرة على تسليم المنفعة أو العين المؤجرة ثانياً، فلا تصح إجارة الدابة الشاردة والعبد الآبق وأمثال ذلك.

وجميع مواد هذا الفصل قوية متينة ونحن نوردها عليك درجاً تباعاً لوضوحها وعدم حاجتها إلى تعليق أو تحرير

 (مادة 449)

يلزم تعيين المأجور بناءً عليه لا يصح إيجار أحد الحانوتين من دون تعيين.

(مادة 450)

يشترط أن تكون الإجارة معلومة.

(مادة 451)

يشترط في الإجارة أن تكون المنفعة معلومة بوجه يكون مانعاً للمنازعة.

(مادة 452)

المنفعة تكون معلومة ببيان مدة الإجارة في أمثال الدار والحوانيت والظئر.

(مادة 453)

يلزم عند استئجار الدابة تعيين المنفعة بكونها للركوب أو للحمل أو إركاب من شاء من التعميم مع بيان المسافة أو مدة الإجارة.

(مادة 454)

يلزم في استئجار الأراضي بيان كونها لأي شيء استؤجرت مع تعيين المدة فإن كانت للزرع يلزم بيان ما يزرع فيها أو تخيير المستأجر بأن يزرع ما شاء من التعميم.

(مادة 455)

تكون المنفعة معلومة في استئجار أهل الصنعة ببيان العمل يعني بتعيين ما يعمل الأجير أو تعيين كيفية عمله فإن أريد صبغ الثياب يلزم اراءتها للصباغ أو بيان لونها أو أعلام رقتها.

(مادة 456)

تكون المنفعة معلومة في نقل الأشياء بالإشارة وبتعيين المحل الذي ينقل إليه مثلاً لو قيل للحمال أنقل هذا الحمل إلى المحل الفلاني تكون المنفعة معلومة لكون الحمل مشاهد والمسافة معلومة.

(مادة 457)

يشترط أن تكون المنفعة مقدورة الاستيفاء بناء عليه لا يصح إيجاره الدابة الفارة.


 

الفصل الرابع

في فساد الإجارة وبطلانها

الفساد عندهم ــ غير البطلان ــ كما سبق في البيع فيريدون من بطلانها الخلل في أركانها، ومن فسادها عدم استجماع شرائطها، ومن هذا يظهر التسامح في:

(مادة 457)

تبطل الإجارة إن لم يوجد أحد شروطها مثلاً أيجاد المجنون والصبي غير المميز كأستيجارهما باطل لكن لا تنفسخ الإجارة بجنون الآجر بعد انعقادها.

فإن فقد العقل والتمييز فقد ركن لا فقد الشرط. نعم، لو وقعت الإجارة صحيحة ثم عرض لأحدهما الجنون أو فقد التمييز أو الموت لم تبطل لأن الأهلية شرط حدوثاً لا استدامة، وعلى كل حال فإن هذا الإصطلاح اعني الفساد والبطلان عديم الفائدة فاقد الأثر، ضرورة إن الإجارة سواء كانت فاسدة أو باطلة أن علم المستأجر بها قبل الاستيفاء حرم عليه التصرف ولو تصرف ضمن أجرة المثل ولو علم بعده لم يكن عليه إلاَّ أجرة المثل مطلقاً فأي فرق بين الفاسدة والباطلة في الأثر العملي، أما الأجرة المسماة فلا تلزم أيضاً على كلا التقديرين وإنما اللازم أجرة المثل بعد الاستيفاء مطلقاً ولا فرق في ذلك بين مال الكبير والصغير والملك والوقف والعاقل والمجنون فالكل سواء أمام القاعدة والقانون والقضايا الكلية، وعليه فلا وجه لــ:

(مادة 459)

لا تلزم الأجرة ــ أي المسماة ــ في الإجارة الباطلة بالاستعمال ولكن يلزم المثل إن كان مال الوقف أو اليتيم والمجنون بحكم اليتيم، فإن أجرة المثل لازمة في الباطلة والفاسدة وفي اليتيم وغيره وظهر أيضاً سقوط:

(مادة 460، 461)

الإجارة الفاسدة نافذة لكن الآجر يملك في الإجارة أجرة المثل ولا يملك الأجر المسمى.

فإن النفوذ لا معنى فيه ولا أثر له هنا والفاسدة والباطلة متساويان في استحقاق بدل المثل.

(مادة 462)

فساد الإجارة ينشأ بعضه من كون البدل مجهولاً وبعضه عن فقد شرائط الصحة الأخر ففي الصورة الأولى يلزم أجر المثل بالغاً ما بلغ وفي الصورة الثانية يلزم أجر المثل بشرط أن لا يتجاوز الأجر المسمى.

هذا التفصيل غير مطرد ففي صورة جهل البدل لا ريب في لزوم أجرة المثل، أما في الثانية فإن كان فساد الإجارة من جهة عدم الرضا كما لو كان مكرهاً أو غافلاً أو هازلاً فاللازم بالاستعمال أجرة المثل أيضاً. نعم، لو كان الفساد من جهة عدم التعيين كما لو قال له: آجرتك أحد الحانوتين أو أحدى الدابتين بخمسة دراهم، فإن اللازم هنا أقل الأمرين منها ومن بدل المثل فلو كان بدل المثل سبعة لزمت الخمسة فقط لأنه قد رضي بها حسب الفرض ولو كان بدل المثل ثلاثة تعينت هي لا الخمسة لفساد عقد الإجارة بعدم التعيين وليس هذا من جهة الفرق بين الفساد والبطلان بل من جهة الرضا بالأقل مع بطلان العقد فتدبره جيداً، وتأمل.

الباب الثالث

في بيان المسائل التي تتعلق بالأجرة

ويحتوي على ثلاثة فصول:

الفصل الأول

عرفت إن البيع والإجارة كليهما يقعان على العين، ولكن البيع من حيث ذاتها ورقبتها والإجارة من حيث منافعها وغلتها، وقوام المعاملات ــ بل العالم كله ــ بالحيثيات ولولا الحيثيات كما قيل بطلت الحكمة، فالمعوض في البيع هو العين لا غير، وفي الإجارة المنفعة فقط، أما العوض فكل مال سواء كان عيناً أو منفعة، عروضاً أو نقوداً، فكما يصح بيع الدار بمنفعة دار أخرى كذلك يصح إجارة دار بمنفعة دار أخرى.

والضابط العام في بدل الإجارة أن يكون مالاً معلوماً مملوكاً طلقاً مقدوراً على تسليمه، وهذا كما يصلح أن يكون ثمناً في البيع يصلح أن يكون عوضاً في الإجارة سواء بسواء، ومن كل هذا يظهر الخلل في:

(مادة 463)

ما صلح أن يكون بدلاً في البيع يصلح أن يكون بدلاً في الإجارة، ويجوز أن يكون بدلاً في الإجارة ــ الشيء الذي لم يصلح أن يكون ثمناً، مثلاً أن يستأجر بستاناً في مقابلة دابة أو سكنى دار.

أي إن عوض الإجارة يقع منفعة كسكنى الدار كما يقع عيناً مثل الدابة وهذا متجه واضح ولكن الذي لا يتجه كون بعض ما يصلح بدلاً في الإجارة لا يصلح أن يكون ثمناً، بل الحق ما عرفت من أن كل ما يصلح عوضاً في الإجارة يصلح ثمناً في البيع وبالعكس فتدبره. أما:

(مادة464) و(مادة 465)

فالمقصود منهما أمر واحد وهو اعتبار معلومية بدل الإجازة وقد عرفت سابقاً إن معلومية العوضين اللازمة في البيع تعتبر في خمس جهات: الوجود، والحصول، والمقدار، والجنس، والوصف، فإن كان من المكيلات أو الموزونات عرف مقداره بكيله ووزنه وإن كان من المعدودات فبعدده وإلاَّ فبمشاهدته وهكذا، وكل هذا يجري في بدل الإجارة وبدون معلوميته بذلك النحو تقع الإجارة باطلة، وكان يلزم الاكتفاء عنهما بمادة واحدة فإن الثانية تغني عن الأولى فإنها مستدركة فيقال هكذا: يلزم أن يكون بدل الإجارة معلوماً بتعيين مقداره ووصفه، إن كان من العروض أو المكيلات أو الموزونات أو العدديات المتقاربة ويلزم تسليم ما يحتاج إلى الحمل والمؤنة في المحل الذي شرط تسليمه فيه وإن لم يبين مكان التسليم فالمأجور إن كان عقاراً يسلم في المحل الذي هو فيه وإن كان عملاً ففي محل عمل الأجير وإن كان حمولة ففي مكان لزوم الأجرة، وأما في الأشياء التي ليست محتاجة إلى الحمل والمؤنة ففي المحل الذي يختار للتسليم.

هذه القضية أيضاً لا تختص بباب الإجارة ولعله سبق في مباحث البيع الإشارة إلى أن ما يحتاج إلى حمل ومؤنة سواء كان ثمناً أو مثمناً وهنا أيضاً سواء كان مأجوراً أو أجرة فإن أطلق فالمتبع عرف البلد وإن لم يكن عرف فاللازم التعيين في العقد فإن لم يعينا كان باطلاً للجهالة وكل هذا إنما يجيء في الأشياء المنقولة وما يحتاج نقله إلى مؤنة أما غير المنقول فلا يدخل في البحث أصلاً وكذا المنقول الذي لا مؤنة في نقله كالنقود، فقول (المجلة) أما في الأشياء التي ليست محتاجة إلى الحمل والمؤنة ففي المحل الذي يختار للتسليم، غير سديد كما لا يخفى، أما العمل فينصرف عند الاطلاق إلى محل العمل إن كان له محل كالدار والبستان وإلاَّ فما يقع عليه الشرط.

الفصل الثاني

في بيان المسائل المتعلقة بسبب لزوم الأجرة وكيفية استحقاق الأجر والأجرة

(مادة 466)

لا تلزم الأجرة بالعقد المطلق يعني لا يلزم تسليم بدل الإجارة بمجرد انعقادها حالاً.

عرفت تكرراً إن كلا من العوضين في البيع والإجارة يملكه الآخر بمجرد العقد ويجب على كل منهما دفع ما في يده إلى الآخر فلو تشاحا أجبرهما الحاكم ويكفي في إجارة الأعيان تسليم العين لأستيفاء منفعتها وفي العمل التهيؤ أو تسليم العامل نفسه وبهذا يظهر إن الملكية لا تتوقف على التسليم والقبض. نعم، استقرارها يتوقف عليه فمن الممتجه ما في:

(مادة 467)

يلزم الأجرة بالتعجيل، ولكن غير متجه قولها: يعني لو سلم المستأجر الأجرة نقداً ملكها الآجر، فإن الملكية كما عرفت لا تتوقف على التسليم بل يكفي العقد في تحققها. نعم، إنما تلزم بالتسليم والتسلم فتدبر.

(مادة 468)

تلزم الأجرة بشرط التعجيل، يعني لو شرط إعطاء بدل الإجارة نقداً يلزم المستأجر تسليمه إن كان عقد الإجارة وارداً على منافع الأعيان أو على العمل ففي الصورة الأولى للآجر أن يمتنع عن تسليم المأجور ولكن الخيار لمن له الشرط لا لمن هو عليه فجعل الخيار لهما في المادة غير سديد، وفي الصورة الثانية للأجير أن يمتنع عن العمل إلى أن يستوفي الأجرة.

وعلى كلتا الصورتين لهما مطالبة الأجرة نقداً فإن امتنع المستأجر عن الايفاء فلهما فسخ الإجارة، هذا كله عملاً بمقتضى الشرط وإذا لم يفِ بشرطه كان للآخر خيار تخلف الشرط إذا كان الشرط في متن العقد.

(مادة 469)

تلزم الأجرة بأستيفاء المنفعة مثلاً لو أستأجر أحد دابةً على أن يركبها إلى محل ثم ركبها ووصل إلى ذلك المحل يستحق آجرها الأجرة. يراد من هذه المادة والتي بعدها:

(مادة 470)

بيان أمر واضح وهو أن الأجرة التي تملك بالعقد عندنا تصير لازمة بأمرين:

الأول: استيفاء المنفعة.

الثاني: القدرة على الاستيفاء، فمن أستأجر داراً سنة أو شهراً وصارت في يده إلى تمام السنة لزمنه الأجرة سواء سكنها أم لا لأن فوات المنفعة بيده بمنزلة الاستيفاء فكان يلزم جعلهما مادة واحدة بأوجز مما ذكروه بكثير بل وتنضم إليهما:

(مادة 471)

لا يكفي في الأجارة الفاسدة التمكن على استيفاء المنفعة ولا تلزم الأجرة إن لم يحصل الانتفاع حقيقة.

وسر ذلك ظاهر فإن الفاسدة أو الباطلة ليس لها أي أثر عقدي غايته أنه إن استوفى المنفعة لزمه أجرة المثل ضماناً وغرامة لا عقداً ومعاملة فإذا لم يستوف المنفعة فأي حق عليه؟، أما مع العقد وعدم الاستيفاء كما في الصورة المتقدمة فالعقد ألزمه بالأجرة وهو قد فوت المنفعة على نفسه، انتهى.

والحاصل إن كل من استولى على مال غيره عيناً أو منفعة بغير عقد معه ولا رضا منه فهو ضامن له بمثله أو قيمته سواء كان المال معداً للأستغلال أولا وسواء صدق عليه عنوان الغصب أم لا طالبه المالك بالأجرة أم لا، ومن هنا يظهر الخلل في:

(مادة 472)

ومن استعمل مال غيره من دون عقد طالبه المالك بالأجرة فإن كان معداً للأستغلال تلزمه أجرة المثل وإلاَّ فلا، لكن لو استعمله بعد مطالبة صاحب المال الأجرة وإن لم يكن معداً للإستغلال يلزمه اعطاء الأجرة لأنه باستعماله في هذا الحال يكون راضياً بأعطاء الأجرة.

فإن الأجرة لازمة على كل حال ولا وجه للفرق بين ما هو معد للأستغلال وبين غره ولا بين المطالبة بالأجرة وبين عدمها فأن مال الغير لا يحل إلاَّ بأحراز الرضا ومع عدم احراز الرضا فهو ضامن مطلقاً، والرضا اللازم هو رضا المالك لا رضا مستوفي المنفعة، والظاهر إن حكم (المجلة) بعدم الأجرة في صورة عدم العقد مستند إلى القاعدة المعروفة (الأجر والضمان لا يجتمعان)، (مادة 86) وهي من القواعد المسلمة عند الحنفية وخالفهم فيها الأمامية والشافعية وقد تقدم فيها البحث مفصلاً وسيأتي أيضاً في (مادة 596) و ــ هب ــ أننا سلمنا بالقاعدة تماشياً ولكن ما وجه الفرق بين المعد للأستغلال وغيره وبين المطالبة بالأجرة، وعدم المطالبة والكل سواء بحكم القاعدة، فأما عدم الضمان مطلقاً على أصول الحنفية وأما الضمان كذلك مطلقاً على أصول الباقين فتدبره جيداً.

(مادة 473)

قد تقدمت عيناً في (مادة 468) كما إنها تغني ولواحقها عما بعدها:

(مادة 474)

إذا شرط تأجيل البدل يلزم على الأجر أولاً تسليم المأجور وعلى الأجير ايفاء العمل والجرة لا تلزم إلاَّ بعد انقضاء المدة التي شرطت.

(مادة 475)

يلزم على الأجر أولاً تسليم المأجور وعلى الأجير إيفاء العمل في الإجارة المطلقة التي عقدت من دون شرط التعجيل والتأجيل على كل حال، يعني إن كان عقد الإجارة على منافع الأعيان أو على العمل.

قد عرفت إن حال الإجارة في العوضين حال البيع فكما يجب التقابض بينهما في البيع وليس أحدهما بأولى من الآخر في السبق بعد فرض استحقاق كل منهما ما على الآخر وإن تشاحا أجبرهما الحاكم فكذلك في الإجارة فلزوم تسليم المأجور أولا على المؤجر وايفاء العمل بعد على الأجير لا وجه له إلاَّ مع الشرط كما في:

(مادة 476)

إن كانت الأجرة موقوتة بوقت معين كالشهرية والسنوية مثلاً يلزم ايفاؤها عند انقضاء ذلك الوقت.

فإن المتبع في جميع هذه الفروع والفروض هو الشرط، أما المطلقة فالحكم فيها التقابض والتعجيل من الطرفين كل بحسبه، وكذا مبدأ الوقت في الموقتة يتبع الشرط فإن جعله من وقت التسليم لزم كذلك وإلاَّ فمن وقت العقد، فلو قال أستأجرت دارك سنة بدينار أدفعه بعد شهر، فالأطلاق يقتضي شهراً بعد العقد لا بعد التسليم.

نعم، لو لم يسلم لم يستحق الأجرة ولكن لو سلم أستحق الأجرة بعد شهر من السنة التي هي من حين العقد لا من حين التسليم، غايته إن المستأجر له الرجوع على المؤجر بقيمة ما مضى من المدة ويكون كالغاصب ولا يبعد ثبوت الخيار له، ومن هنا يظهر الخلل في:

(مادة 477)

تسليم المأجور شرط في لزوم الأجرة يعني تلزم الأجرة اعتباراً من وقت التسليم فعلى هذا ليس للآجر مطالبة أجرة مدة مضت قبل التسليم وإن أنقضت مدة الإجارة قبل التسليم لا يستحق الآجر شيئاً من الأجرة، يعني إن الإجارة تبطل لفوات محلها ويحتمل الصحة والرجوع عليه بالقيمة.

وخلاصة التحقيق هنا ــ وإن مرت الإشارة إليه غير مرة ــ إن كلا من البائع والمشتري والأجير والمستأجر عند تمامية العقد يستحق على الآخر ما وقع العقد عليه ويصير ملكاً له، ولكن متزلزلاً فإذا وقع القبض والأقباض استقرت الملكية ولازمها إن لكل منهما مطالبة الآخر بالمال المنتقل منه إليه سواء أقبض أحدهما الآخر وسلمه أم لا فإن استحقاق المطالبة من لوازم ذات العقد لا من لوازم تسليم أحدهما وعدم تسليمه.

ومن هنا ظهر تسامح تعبير السيد الأستاذ (P) في عروته إذ يقول: ولكن لا يستحق المؤجر مطالبته إلاَّ بتسليم العين أو العمل كما لا يستحق المستأجر مطالبتهما إلاَّ بتسليم الأجرة كما هو مقتضى المعاوضة، انتهى.

بل التعبير الصحيح أن كلاً منهما يستحق مطالبة الآخر سواء سلم هو أم لا وهو واضح.

(مادة 478)

لو فات الانتفاع بالمأجور بالكلية سقطت الأجرة، مثلاً ــ لو احتاج الحمام إلى التعمير وتعطل في أثناء تعميره تسقط حصته تلك المدة من الأجرة، وكذلك لو انقطع ماء الرحى وتعطلت تسقط الأجرة اعتباراً من وقت انقطاع الماء، ولكن لو انتفع المستأجر بغير صورة الطحن من بيت الرحى يلزمه إعطاء ما أصاب حصة ذلك الانتفاع من بدل الإجارة.

هذا البحث الأثيل لم توفه (المجلة) حقه مع أنه من أهم مباحث الإجارة وقعاً، وأعمها نفعاً، وأوسعها فرعاً، وتحريره بتنقيح واختصار: إن امتناع الانتفاع بالعين المستأجرة لا يخلو، أما أن يكون لأمرٍ قهري (أرضي أو سمائي) أو لسبب اختياري بشري أو لحادث أتفاقي اعتباري، وعلى جميع التقادير فأما أن يحدث بعد العقد قبل القبض أو بعده، قبل استيفاء شيء من المنفعة أو بعد استيفاء مقدار منها فيتخرج من ذلك عدة صور:

الأولى: أن يحدث المانع بعد العقد قبل القبض فإن كان يعد تلفاً فلا إشكال في البطلان أما لقاعدة (كل مبيع تلف قبل قبضه…) إن قلنا بأنها على القاعدة فتجري في غير البيع وإلاَّ فالخيار من جهة تعذر التسليم كما سيأتي.

الثانية: أن يحدث بعد القبض قبل استيفاء شيء من المنفعة فإن كان تلفاً أو بحكمه كموت العبد وتشرد الدابة وسقوط الآنية في البحر كان له خيار تعذر التسليم فإن المستأجر وإن قبض العين واستلام العين استلام لمنافعها فيكون التلف عليه كما في البيع لو تلف المبيع في يد المشتري، ولكن حيث إن المنافع تدريجية الحصول فلا يكون استلام العين استلاماً لها إلاَّ بعد مضي تمام المدة فتكون من هذه الجهة بحكم غير المقبوض وإن كان قبضاً من حيث صيرورة الأجرة به لازمة كلزوم العقد الذي هو من آثار قبض المنفعة التي وقعت الأجرة عنها فإن اختلاف الحيثية كما عرفت يصحح اختلاف الحكم، وحينئذٍ فأما الحكم بالأنفساخ بقاعدة (التلف قبل القبض..) بناء على عمومها لغير البيع أو الخيار لتعذر التسليم، وإذا لم يكن تلفاً أو بحكمه كمطر أوجب انهدام الدار كلاً أو بعضاً أو سيل أوجب غرق المزرعة فلا تصلح للزرع وما أشبه ذلك، كان للمستأجر خيار العيب ولو قلنا بأنه يلزم المالك بالمبادرة إلى اصلاحه فإن أمكن بحيث لا يفوت من المنفعة زمن معتد به وجب ولا خيار وإلاَّ كان له الخيار.

الثالثة: أن يحدث بعد استيفاء مقدار من المنفعة فإن كان المانع مما يعد تلفاً بالنسبة إلى الباقي جاءت قاعدة (التلف قبل القبض..) بناء على عمومها وجاء التقسيط ويكون الانفساخ حينئذٍ من حين حدوث المانع واستقرب السيد الأستاذ (P) كون الانفساخ من حين العقد فيرجع المسمى إلى المستأجر ويدفع أجرة المثل للمؤجر عن مقدار ما استوفاه من المنفعة ويدفعه أصالة اللزوم في العقد ووجوب الوفاء به حسب الإمكان، وان لم يكن تلفاً فالخيار أما للعيب أو لتعذر التسليم.

الرابعة: أن يكون المانع من فعل بشروط وهو أما المؤجر نفسه أو المستأجر نفسه أو أجنبي فإن كان هو المؤجر فالمستأجر بالخيار بين الفسخ واسترجاع المسمى وبين الأمضاء ويأخذ منه بدل مثل المنافع التي استحقها بعقد الإجارة، وإن كان هو المستأجر لزم العقد وكان بمنزلة استيفاء المنافع وضمن للمؤجر العين وإن كان هو الأجنبي تخير المستأجر بين الفسخ واسترجاع المسمى لتعذر التسليم أو أمضاء العقد والرجوع على الأجنبي ببدل المثل وعلى كلا التقديرين يضمن المتلف العين للمالك مسلوبة المنفعة ويدخل في هذا النوع غصب الغاصب، وتسلط الظالم، وانتزاع الجائر والغاشم، وما إلى ذلك من أنواع الاستيلاء العدواني.

الخامسة: أن يكون المانع من الانتفاع حادث اتفاقي اعتباري كما لو أستأجر حانوتاً في سوق ثم سقط استعمال ذلك السوق وصار الرواج في سوق آخر أو هجرت القرية التي كان بها ذلك السوق أو صار اضراب ونحوه مما يوجب سد الحوانيت مدة شهراً أو أكثر وأمثال ذلك من الحوادث الاتفاقية فالمسألة هنا مشكلة ولا تخلو من غموض فإنه وإن لم يكن تلفاً ولكن يشبه أن يكون بحكم التلف، وإذا لم يكن عيباً فيشبه أن يكون بمنزلة العيب ومع ذلك كله فالظاهر أو الصريح من (المجلة) لزوم الأجرة.

(مادة 479)

من أستأجر حانوتاً وقبضه ثم عرض للمبيع أو الشراء كساد ليس له أن يمتنع عن اعطاء كراء تلك المدة بقوله إن الصنعة ما راجت والدكان بقي مسدوداً.

وعقدة الإشكال ما ذكرنا من أن قبض المنافع نظراً لكونها تدريجية لا يحصل بمجرد قبض العين بل لابد من انتهاء المدة فلو تعطلت المنافع في بعض المدة كان بمنزلة التلف قبل القبض ينفسخ العقد بالنسبة إليه ويأتي التقسيط عند المشهور والانفساخ القهري في الجميع عند السيد في العروة، ووجه الأول إن العقد ينحل إلى عقود، ووجه الثاني بساطة العقد، أو أن الانفساخ من حين المانع عندهم ومن حين العقد عنده، وقد عرفت إن الأصح الأول، وثمرة المسألة لا تزال في غلاف من الخفاء.

ومن كل ما ذكرنا ظهر لك أنه لو أحتاج الحانوت أو الدار أو الحمام وما اشبهها إلى أصلاح في المدة فهي على المؤجر، فأما تسقط من الأجرة بحسابها أو يستوفي أياماً أخرى بمقدارها ومن هذا الباب:

(مادة 480)

لو أستأجر زروقاً على مدة وانقضت في أثناء الطريق تمتد الإجارة إلى الوصول إلى الساحل ويعطي المستأجر أجر مثل المدة الفاضلة.

والتعبير بأمتداد الإجارة تسامح بل الإجارة تنتهي بأنتهاء مدتها ولكنه مأذون بالأذن الشرعي لضرورة حفظ النفس أو المال إلى استعمال الزورق إلى أن ينتهي إلى الساحل بأجرة المثل وتظهر الثمرة إن للمالك المؤجر أن يطالب بأجرة المثل عن الأيام الزائدة على المدة لو كانت زائدة على أجرة المسمى بخلاف ما لو قلنا بأمتداد الإجارة فتدبر.

(مادة 481)

لو أعطى أحد داره آخر على أن يرمها ويسكنها بلا أجرة ثم رمها وسكنها ذلك الآخر كان من قبيل العارية ومصارف التعمير عائدة إليه وليس لصاحب الدار أن

يطالبه تلك المدة بشيء من الأجرة ــ فهي خارجة عن مباحث الإجارة، فإنها عارية مشروطة بل اباحة مقيدة ولا يختص هذا بالدار بل قد يعيره الدابة للركوب ويشترط عليه علفها، بل يمكن أن يقال: إن نفقة المستعار مطلقاً على المستعير إلاَّ إذا شرط أنها على المالك على أن لزوم مثل هذه الشروط الواقعة في العقود الجائزة كالعارية أو في ما يشبه الإيقاع كالإباحة محل نظر ولتحقيق ذلك مقام آخر.

الفصل الثالث

في ما يصح للأجير أن يحبس المستأجر فيه في استيفاء الأجرة وما لا يصح

(مادة 482)

يصح للأجير الذي لعمله أثر كالخياط والصباغ والقصار أن يحبس المستأجر لأستيفاء الأجرة إن لم يشترط نسيئتها وبهذا الوجه لو حبس ذلك المال وتلف في يده لا يضمن وبعد تلفه ليس له أن يستوفي الأجرة.

العين المأجورة لأستيفاء منفعتها أو للعمل فيها ــ كالدابة للركوب أو الثوب للخياطة أو الطعام للحمل ــ كلها أمانة في يد المستأجر والعامل لكن ليس على حد سائر الأمانات بل يده عليها يد أمانة معاوضة يعني أنها مقبوضة بالمعاملة والعوضية أما بالمثل أو القيمة أو المسمى، ولذا جاز للبائع أن يحبس المبيع حتى يقبض الثمن ويتقابضا ولو كان على حد سائر الأمانات لم يكن له ذلك سيّما مع مطالبة المالك وكذا في عقد الإجارة فإن للمؤجر أن يحبس العين حتى يقبض الأجرة مع أنه قد تعلق به حق الغير وهو المنفعة، ولكنه معاوضي لا يستحقه إلاَّ بالعوض ولصاحب الحق أن يحبسه حتى يقبض العوض، فالعامل في العين سواء كان لعمله أثر كالخياطة في الثوب أو لا أثر له كحمل الطعام له أن يحبس الطعام أو الثوب حتى يقبض حقه، وأثر ذلك أنه لو حبس العين لأستيفاء حقه وتلفت بغير تعد ولا تفريط ولا ضمان عليه في الصورتين بل لا يبعد صحة إلزامه بالأجرة  وإن تلفت العين لأنها قد استقرت عليه والتلف لا يصلح لأن يكون مسقطاً كما هو ظاهر، وهو نظير ما لو تلفت العين في يده بعد العمل وقبض الأجرة بغير تفريط فكما أنه ليس له أن يرجع بها كذلك يجب عليه هنا دفعها والتلف لا أثر له في المقامين ومن هنا ظهر الخلل في:

(مادة 483)

ليس للأجير الذي ليس لعمله أثر كالحمال والملاح أن يحبس المستأجر فيه وبهذا الحال لو حبس الأجير المال وتلف في يده يضمن وصاحب المال في هذا مخير إن شاء ضمنه محمولاً وأعطى أجرته وإن شاء ضمن غير محمول ولم يعط أجرته.

الباب الرابع

في بيان المسائل التي تتعلق بمدة الأيجار

(مادة 484)

للمالك أن يؤجر ماله وملكه لغيره مدة معلومة قصيرة كاليوم أو طويلة كالسنين.

هذا مما لا إشكال فيه لأن الإنسان حرّ في ملكه يتصرف كيف شاء و(الناس مسلطون على أموالهم) فلو أراد الرجل المسن أن يؤجر داره مائة سنة كان له ذلك سواء كانت الغبطة فيه أم لا، ولكن هذا فيما هو ملكه، أما ما هو ملك غيره وله الولاية عليه مثل مال الوقف ومال اليتيم ومال الغائب الذي لا وكيل له وأمثال ذلك فلا يبعد القول بأن تصرف الولي فيها منوط بالمصلحة فربما لا تكون المصلحة بإجارته أكثر من سنة أو سنتين، والحاصل إن الأولياء ليس حالهم فيما لهم الولاية عليه كحالهم في أموالهم الخاصة بهم وهو واضح.

(مادة 485)

ابتداء مدة الإجارة تعتبر من الوقت الذي سمي أي عين وذكر عند العقد

عرفت أنه لابد من تعيين المدة في إجارة المنافع بل واجارة الأعمال فإن عين ابتدائها بعد شهر أو يوم أو غير ذلك في متن العقد تعين وإن أطلق كان الابتداء من بعد العقد بلا فصل كما في:

(مادة 486)

إذا لم يذكر ابتداء المدة حين العقد يعتبر من وقت العقد، فهاتان المادتان عبارة عن مادة واحدة تؤدي بأخصر عبارة وأقل ألفاظ من أحديهما.

 (مادة 487)

كما يجوز ايجار عقار على أن يكون لسنة في كل شهر أجرته كذا دراهم كذلك يصح إيجاره لسنة بكذا دراهم بدون بيان شهريته أيضاً ــ فهي واضحة لا تحتاج إلى بيان.

والضابطة أنه كلما كانت الأجرة والمنفعة والمدة معلومة صحّت الإجارة، ويتفرع على لزوم تعيين المدة أنه لو آجره كل شهر بكذا أو كل سنة بكذا ولم يعين مقدار الأشهر أو السنين لم تصح الإجارة لجهالة المدة، ومن هذا يظهر فساد ما في (مادة 494) لو أستأجر عقاراً شهريته بكذا دراهم من دون بيان عدد الأشهر يصح العقد، بل الأصح أنه يبطل عند أكثر فقهاء الأمامية، ثم إن اطلاق السنة عند المسلمين ينصرف إلى الهلالية الهجرية إلاَّ أن يكون المتعارف في بلد غير هذا فيحمل الإطلاق عليه كما إن منصرف الشهر هو الهلالي وعليه:

(مادة 488)

إذا عقدت الإجارة في أول الشهر على شهر واحد أو أزيد من شهر انعقدت مشاهرة، وبهذه الصورة يلزم دفع أجرة شهر كامل وإن كان الشهر ناقصاً عن ثلاثين يوماً.

والضابطة، إن الشهر عند الاطلاق هو الهلالي فإن لم يمكن حمله عليه فهو العددي كما في:

(مادة 489)

لو اشترط على أن تكون الإجارة لشهر واحد فقط وكان قد مضى من الشهر جزء يعتبر الشهر ثلاثين.

يعني في الإجارة المنجزة لا المضافة التي تدور مدار التعيين عددياً أو هلالياً كما هو واضح، وعليه أيضاً تبنى:

(مادة 490)

لو اشترط أن تكون الإجارة لكذا شهور وكان قد مضى من الشهر بعضه يتم الشهر الأول الناقص على أن يكون ثلاثين يوماً من الشهر الأخير وتوفى أجرة باقي الأيام بحساب اليومية وتعتبر الشهور التي بينها بالأهلة، مثلاً لو قال ــ في نصف رجب ــ آجرتك  الدار ثلاثة أشهر احتسب شعبان ورمضان هلالين ناقصين كانا أو كاملين وأكمل رجب من شوال ما يتم به ثلاثين على أنه شهر عددي ولا حاجة إلى حساب اليومية لأن الغرض إن الأجرة على الشهور لا على الأيام، ويمكن أن يقال: أنه يكمل الشهر على واقعه فإن كان ناقصاً أكمل تسعة وعشرين وإن كان تاماً أكمل ثلاثين وله وجه والأول أوجه.

(مادة 491)

كما يعتبر الشهر الأول الناقص ثلاثين إذا اشترط كذا دراهم من دون بيان عدد الأشهر عند مضي بعض الشهر كذلك تعتبر سائر الشهور التي ستأتي ثلاثين يوماً على هذا الوجه، في هذه المادة من التعقيد والتطويل ما أضاع المقصود، وحاصله أنه إذا آجر شهرياً من دون تعيين عدد الأشهر وكان في اثناء الشهر فالأشهر كلها تحسب عددية ثلاثين ثلاثين، ولكن هذه الإجارة عندنا فاسدة ولابد من تعيين عدد الأشهر، والحكم بصحتها في الشهر الأول وفسادها في الباقي كما سيأتي، وينسب إلى بعض فقهاء المذاهب تحكم صرف لا دليل عليه.

(مادة 492)

لو عقدت الإجارة في أول الشهر لسنة تعتبر اثني عشر شهراً

عرفت إن الشهر عند المسلمين بأطلاقه يحمل على الأشهر الهلالية كما أن السنة اثني عشر هلالي كما يدل عليه كريمة [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا] و[يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ].

نعم، لو كان المتعارف في بلدهم السنة الشمسية فلا شك إن الاطلاق يحمل عليها لأن العرف الخاص يقدم على العرف العام وعلى العرف الشرعي في هذه الموضوعات، وعلى ما ذكرنا تبتني:

(مادة 493)

لو عقدت الإجارة لسنة وكان قد مضى من الشهر بعضه يعتبر منها شهر أياماً وباقي الشهور الأحدى عشر بالهلال، وهو مسلم لا كلام فيه، إنما الكلام في إن الشهر العددي هل يحسب ثلاثين أو يحسب على ما اتفق من حال الشهر الأول من ثلاثين أو تسعة وعشرين وكما سبق قريباً.

(مادة 494)

لو أستأجر عقاراً شهريته بكذا دراهم من دون بيان عدد الأشهر يصح العقد، لكن عند ختام الشهر الأول يصح لكل من الآجر والمستأجر فسخ الإجارة في اليوم الأول وليلته من الشهر الثاني الذي يليه.

وقد عرفت إن هذا تحكم صرف لا دليل عليه فأما يبطل في الجميع أو يصح في الجميع ولا فرق بين قبض الأجرة وعدمه فإنه إذا لم يعين عدد الأشهر أو السنين أو الأيام تقع الإجارة باطلة مطلقاً وكلما ذكر في هذه المادة من الذيول والفروع والتقاسيم عارية عن الدليل سيّما قوله: وإن كان قد قبضت أجرة شهرين أو أزيد فليس لأحدهما فسخ إجارة الشهر المقبوض أجرته، فأن قبض الأجرة لا يرفع ما وقع العقد عليه من الإجمال وهذا أيضاً من أحكامهم الكيفية التي يرجعون فيها إلى الاستحسان مع عدم مساعدة الأدلة الشرعية.

(مادة 495)

لو أستأجر أحد أجيراً على أن يعمل يوماً يعمل من طلوع الشمس إلى العصر أو إلى الغروب على وفق عرف البلدة في خصوص العمل. هذا مع الاطلاق أما مع التعيين فهو المتبع.

(مادة 496)

لو أستؤجر نجار على أن يعمل عشرة أيام تعتبر الأيام التي تلي العقد وإن كان قد استؤجر في الصيف على أن يعمل عشرة أيام لم تصح الإجارة ما لم يعين العمل اعتباراً من أي شهر وأي يوم.

لا فرق بين الصيف وغيره في أن الأطلاق يقتضي الإنصراف إلى الأيام التي تلي العقد إلاَّ أن تكون هناك قرينة خاصة من حال أو مقال تمنع هذا الانصراف أو عرف خاص في البلد يقتضي خلافه، أما كون الوقت صيفاً أو شتاءً فلا أثر له في لزوم التعيين ولا في عدمه فتدبره.

الباب الخامس

في الخيارات

ويشتمل على ثلاثة فصول:

لعلك علمت من مباحث الخيار في البيع إن الخيار تارة يثبت من دليل خاص وأخرى يقتنص من الأدلة العامة كقاعدة الضرر وعمومات الشروط ونحوها فما قام الدليل على ثبوته في البيع اقتصر عليه ولم يتعدَ إلى غيره من المعاملات لما عرفت من أن الخيار على خلاف الأصل وما استفيد من العمومات أطرد في كل معاملة انطبق عليها ذلك الدليل، وحيث إن مثل خيار المجلس والحيوان والتأخير كانت أدلتها واردة في البيع فهي مقصورة عليه ولا يجري في إجارة ولا غيرها، وأما بقية الخيارات المستفادة من الأدلة العامة وأن أيدتها الأدلة الخاصة فهي تجري في الإجارة كما تجري في البيع، وإليك بيانها وعنوانها:

1- خيار الشرط: ومنه شرط الخيار عند رد العوض أي الأجرة.

2- خيار العيب.

3- خيار الغبن.

4- خيار الاشتراط.

5- خيار تبعض الصفقة.

6- تعذر التسليم.

7- التفليس.

8- التدليس.

9- الشركة.

10- ما يفسد ليومه.

11- خيار الوصف.

12- خيار الورثة فيما زاد على الثلث.


 

 
امتیاز دهی
 
 

 
Guest (PortalGuest)

دبيرخانه كنفرانس‌هاي بين‌المللي
Powered By : Sigma ITID